الصفحة السابقة الصفحة التالية

نهاية الحكمة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 81

قيل المراد بتحصله بالفصل ثبوته التعقلي وكينونته ماهية تامة نوعية والذي يكتسبه بالوجود الفردي هو تحقق الماهية التامة تحققا يترتب عليه الآثار الخارجية فالذي يفيده الفصل هو تحصل الماهية المبهمة الجنسية وصيرورتها ماهية نوعية تامة والذي يفيده الوجود الفردي هو تحصل الماهية التامة وصيرورتها حقيقة خارجية يترتب عليها الآثار فتبين بما مر أولا أن الجنس هو النوع مبهما والفصل هو النوع محصلا والنوع هو الماهية التامة من غير نظر إلى إبهام أو تحصل وثانيا أن كلا من الجنس والفصل محمول على النوع حملا أوليا وأما النسبة بين الجنس والفصل أنفسهما فالجنس عرض عام للفصل والفصل خاصة للجنس والحمل بينهما حمل شائع وثالثا أن من الممتنع تحقق أكثر من جنس واحد في مرتبة واحدة في ماهية نوعية واحدة وكذا تحقق أكثر من فصل واحد في مرتبة واحدة في ماهية نوعية واحدة لاستلزامه كون الواحد بعينه كثيرا وهو محال ورابعا أن الجنس والمادة متحدان ذاتا ومختلفان اعتبارا فالمادة إذا أخذت لا بشرط كانت جنسا والجنس إذا أخذ بشرط لا كان مادة وكذلك الفصل والصورة متحدان ذاتا ومختلفان اعتبارا فالفصل بشرط لا صورة كما أن الصورة لا بشرط فصل وهذا في الجواهر المادية المركبة ظاهر فإن المادة والصورة موجودتان فيها خارجا فيؤخذ منهما معنى المادة والصورة ثم يؤخذان لا بشرط فيكونان جنسا وفصلا وأما الأعراض فهي بسائط خارجية غير مركبة من مادة وصورة فما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز لكن العقل يجد فيها مشتركات ومختصات فيعتبرها أجناسا وفصولا لها ثم يعتبرها بشرط لا فتعود مواد وصورا عقلية لها

ص 82

والأمر في الجواهر المجردة أيضا على هذه الوتيرة.

الفصل السادس في بعض ما يرجع إلى الفصل  

يستعمل لفظ الفصل في كلماتهم في معنيين أحدهما أخص اللوازم التي يعرض النوع وأعرفها وهو إنما يعد فصلا ويوضع في الحدود موضع الفصول  الحقيقية لصعوبة الحصول على الفصول الحقيقية التي تقوم الأنواع أو لعدم وجود اسم دال عليها بالمطابقة في اللغة كالناطق المأخوذ فصلا للإنسان فإن المراد بالنطق إما التكلم وهو بوجه من الكيفيات المسموعة وإما إدراك الكليات وهو عندهم من الكيفيات النفسانية والكيفية كيفما كانت من الأعراض والأعراض لا تقوم الجواهر ويسمى فصلا منطقيا والثاني ما يقوم النوع ويحصل الجنس حقيقة وهو مبدأ الفصل المنطقي ككون الإنسان ذا نفس ناطقة فصلا للنوع الإنساني ويسمى فصلا اشتقاقيا ثم إن الفصل الأخير تمام حقيقة النوع لأنه محصل الجنس الذي يحصله ويتممه نوعا فما أخذ في أجناسه وفصوله الأخر على وجه الإبهام مأخوذ فيه على وجه التحصيل ويتفرع عليه أن نوعية النوع محفوظة بالفصل ولو تبدلت بعض أجناسه ولذا لو تجردت صورته التي هي الفصل بشرط لا عن المادة التي هي الجنس بشرط لا في المركبات المادية كالإنسان تتجرد نفسه فتفارق البدن كانت حقيقة النوع محفوظة بالصورة ثم إن الفصل غير مندرج تحت جنسه الذي يحصله بمعنى أن الجنس غير

ص 83

مأخوذ في حده أخذ الجنس في النوع ففصول الجواهر ليست بجواهر وذلك لأنه لو اندرج تحت جنسه افتقر إلى فصل يقومه وننقل الكلام إلى فصله ويتسلسل بترتب فصول غير متناهية وتحقق أنواع غير متناهية في كل فصل ويتكرر الجنس بعدد الفصول وصريح العقل يدفعه على أن النسبة بين الجنس والفصل تنقلب إلى العينية ويكون الحمل بينهما حملا أوليا ويبطل كون الجنس عرضا عاما للفصل والفصل خاصة للجنس ولا ينافي ذلك وقوع الحمل بين الجنس وفصله المقسم كقولنا كل ناطق حيوان وبعض الحيوان ناطق لأنه حمل شائع بين الخاصة والعرض العام كما تقدمت الإشارة إليه والذي نفيناه هو الحمل الأولي فالجوهر مثلا صادق على فصوله المقسمة له من غير أن تندرج تحته فيكون جزءا من ماهيتها فإن قلت ما تقدم من عدم دخول فصل النوع تحت جنسه ينافي قولهم في تقسيم الجوهر على العقل والنفس والهيولى والصورة الجسمية والجسم بكون الصورة الجسمية والنفس نوعين من الجوهر ولازم كون الشيء نوعا من مقولة اندراجه ودخوله تحتها ومن المعلوم أن الصورة الجسمية هي فصل الجسم مأخوذا بشرط لا ففي كونه نوعا من الجوهر دخول الفصل الجوهري تحت جنس الجوهر وأخذ الجوهر في حده ونظير البيان جار في عدهم النفس نوعا من الجوهر على أنهم بينوا بالبرهان أن النفس الإنسانية جوهر مجرد باق بعد مفارقة البدن والنفس الناطقة صورة الإنسان وهي بعينها مأخوذة لا بشرط فصل للماهية الإنسانية قلت يختلف حكم المفاهيم باختلاف الاعتبار العقلي الذي يطرؤها وقد تقدم في بحث الوجود لنفسه ولغيره أن الوجود في نفسه هو الذي ينتزع عنه ماهية الشيء وأما اعتبار وجوده لشيء فلا ينتزع عنه ماهية وإن كان وجوده لغيره عين وجوده في نفسه والفصل مفهوم مضاف إلى الجنس حيثيته

ص 84

أنه مميز ذاتي للنوع وجوده للجنس فلا ماهية له من حيث إنه فصل وهذا معنى قولهم إن لازم كون الجنس عرضا عاما للفصل والفصل خاصة له أن ليست فصول الجواهر جواهر بمعنى كونها مندرجة تحت معنى الجواهر اندراج الأنواع تحت جنسها بل كاندراج الملزومات تحت لازمها الذي لا يدخل في ماهيتها وأما الصورة من حيث إنها صورة مقومة للمادة فحيث كانت بشرط لا بالنسبة إلى المادة لم يكن بينهما حمل أولي فلا اندراج لها تحت الجنس وإلا كانت نوعا بينه وبين الجنس عينية وحمل أولي هذا خلف وإن كان بينها وبين المادة حمل شائع بناء على التركيب الاتحادي بين المادة والصورة نعم لما كانت الصورة تمام ماهية النوع كما عرفوها بأنها ما به الشيء هو هو بالفعل كانت فصول الجواهر جواهر لأنها عين حقيقة النوع وفعليته لكن لا يستوجب ذلك دخولها تحت جنس الجوهر بحيث يكون الجوهر مأخوذا في حدها بينه وبينها حمل أولي فتبين بما تقدم أن الفصول بما أنها فصول بسائط غير مركبة من الجنس والفصل ممحضة في أنها مميزات ذاتية وكذلك الصور المادية التي هي في ذاتها مادية موجودة للمادة بسائط في الخارج غير مركبة من المادة والصورة وبسائط في العقل غير مركبة من الجنس والفصل وإلا كانت الواحدة منها أنواعا متسلسلة كما تقدمت الإشارة إليها وأما النفس المجردة فهي باعتبار أنها فصل للنوع حيثيتها حيثية الوجود الناعتي وقد عرفت أن لا ماهية للوجود الناعتي وأما من حيث تجردها في ذاتها فإن تجردها مصحح وجودها لنفسها كما أنها موجودة في نفسها وهي تمام حقيقة النوع فيصدق عليه الجوهر فتكون هي النوع الجوهري الذي كانت جزءا صوريا له وليست بصورة ولا ينافيه كون وجودها للمادة أيضا فإن هذا التعلق إنما هو في مقام الفعل دون الذات فهي مادية في فعلها لا في ذاته

ص 85

هذا على القول بكون النفس المجردة روحانية الحدوث والبقاء كما عليه المشاءون وأما على القول بكونها جسمانية الحدوث روحانية البقاء فهي تتجرد في ذاتها أولا وهي بعد متعلقة بالمادة فعلا ثم تتجرد عنها في فعلها أيضا بمفارقة البدن.

الفصل السابع في بعض أحكام النوع  

النوع هو الماهية التامة التي لها في الوجود آثار خاصة وينقسم إلى ما لا يتوقف في ترتب آثاره عليه إلا على الوجود الخارجي الذي يشخصه فردا كالإنسان مثلا ويسمى النوع الحقيقي وإلى ما يتوقف في ترتب آثاره عليه على لحوق فصل أو فصول به فيكون جنسا بالنسبة إلى أنواع دونه وإن كان نوعا بالنظر إلى تمام ماهيته كالأنواع العالية والمتوسطة كالجسم الذي هو نوع من الجوهر عال ثم هو جنس للأنواع النباتية والجمادية والحيوان الذي هو نوع متوسط من الجوهر وجنس للإنسان وسائر الأنواع الحيوانية ويسمى النوع الإضافي ثم إن الماهية النوعية توجد أجزاؤها في الخارج بوجود واحد هو وجود النوع لأن الحمل بين كل منها وبين النوع حمل أولي والنوع موجود بوجود واحد وأما في الذهن فبينها تغاير بالإبهام والتحصل ولذلك كان كل من الجنس والفصل عرضيا للآخر كما تقدم ومن هنا ما ذكروا أنه لا بد في المركبات الحقيقية وهي الأنواع المادية أن يكون بين أجزائها فقر وحاجة من بعضها إلى بعض حتى ترتبط وتتحد حقيقة واحدة وقد عدوا المسألة ضرورية

ص 86

ويمتاز المركب الحقيقي من غيره بالوحدة الحقيقية وذلك بأن يحصل من تألف الأجزاء أمر آخر وراءها له أثر جديد خاص وراء آثار الأجزاء لا مثل المركبات الاعتبارية التي لا أثر لها وراء آثار الأجزاء كالعسكر المركب من أفراد والبيت المركب من اللبن والجص وغيرهما ومن هنا يترجح القول بأن التركيب بين المادة والصورة تركيب اتحادي لا انضمامي كما سيأتي إن شاء الله ثم إن الماهيات النوعية منها ما هو كثير الأفراد كالأنواع التي لها تعلق ما بالمادة كالعنصر وكالإنسان ومنها ما هو منحصر في فرد كالنوع المجرد عن المادة ذاتا وفعلا وهو العقل وذلك أن الكثرة إما أن تكون تمام ذات الماهية النوعية أو بعضها أو خارجة منها لازمة أو مفارقة وعلى التقادير الثلاثة الأول يمتنع أن يتحقق لها فرد إذ كل ما فرض فردا لها وجب كونه كثيرا وكل كثير مؤلف من آحاد وكل واحد مفروض يجب أن يكون كثيرا وكل كثير فإنه مؤلف من آحاد وهكذا فيذهب الأمر إلى غير النهاية ولا ينتهي إلى واحد فلا يتحقق الواحد فلا يتحقق لها فرد وقد فرض كثير الأفراد هذا خلف وعلى التقدير الرابع كانت الكثرة بعرض مفارق يعرض النوع تتحقق بانضمامه إليه وعدم انضمامه الكثرة وكل عرض مفارق يتوقف عروضه على سبق إمكان حامله المادة فيكون النوع ماديا بالضرورة فكل نوع كثير الأفراد فهو مادي وينعكس بعكس النقيض إلى أن كل نوع مجرد فهو منحصر في فرد وهو المطلوب.

ص 87

المرحلة السادسة في المقولات العشر

وهي الأجناس العالية التي إليها تنتهي الماهيات بالتحليل وفيها واحد وعشرون فصلا

ص 88

الفصل الأول في المقولات وعددها  

لا ريب أن للموجود الممكن ماهية هي ذاته التي تستوي نسبتها إلى الوجود والعدم وهي ما يقال في جواب ما هو وأن في هذه الماهيات مشتركات ومختصات أعني الأجناس والفصول وأن في الأجناس ما هو أعم وما هو أخص أي أنها قد تترتب متصاعدة من أخص إلى أعم فلا محالة تنتهي السلسلة إلى جنس لا جنس فوقها لاستحالة ذهابها إلى غير النهاية المستلزم لتركب ذات الممكن من أجزاء غير متناهية فلا يمكن تعقل شيء من هذه الماهيات بتمام ذاتياتها على أن هذه الأجناس باعتبار أخذها بشرط لا مواد خارجية أو عقلية والمادة من علل القوام وهي متناهية كما سيأتي إن شاء الله تعالى فتحصل أن هناك أجناسا عالية ليس فوقها جنس وهي المسماة بالمقولات ومن هنا يظهر أولا أن المقولات بسائط غير مركبة من جنس وفصل وإلا كان هناك جنس أعلى منها هذا خلف وثانيا أنها متباينة بتمام ذواتها البسيطة وإلا كان بينها مشترك ذاتي وهو الجنس فكان فوقها جنس هذا خلف

ص 89

وثالثا أن الماهية الواحدة لا تندرج تحت أكثر من مقولة واحدة فلا يكون شيء واحد جوهرا وكما معا ولا كما وكيفا معا وهكذا ويتفرع عليه أن كل معنى يوجد في أكثر من مقولة واحدة فهو غير داخل تحت المقولة إذ لو دخل تحت ما يصدق عليه لكان مجنسا بجنسين متباينين أو أجناس متباينة وهو محال ومثله ما يصدق من المفاهيم على الواجب والممكن جميعا وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك ورابعا أن الماهيات البسيطة كالفصول الجوهرية مثلا وكالنوع المفرد إن كان خارجة عن المقولات وقد تقدم في مرحلة الماهية وخامسا أن الواجب والممتنع خارجان عن المقولات إذ لا ماهية لهما والمقولات ماهيات جنسية ثم إن جمهور المشائين على أن المقولات عشر وهي الجوهر والكم والكيف والوضع وأين ومتى والجدة والإضافة وأن يفعل وأن ينفعل والمعول فيما ذكروه على الاستقراء ولم يقم برهان على أن ليس فوقها مقولة هي أعم من الجميع أو أعم من البعض وأما مفهوم الماهية والشيء والموجود وأمثالها الصادقة على العشر جميعا ومفهوم العرض والهيئة والحال الصادقة على التسع غير الجوهر والهيئة النسبية الصادقة على السبع الأخيرة المسماة بالأعراض النسبية فهي مفاهيم عامة منتزعة من نحو وجودها خارجة من سنخ الماهية فماهية الشيء هو ذاته المقول عليه في جواب ما هو ولا هوية إلا للشيء الموجود وشيئية الشيء موجود فلا شيئية لما ليس بموجود وعرضية الشيء كون وجوده قائما بالغير وقريب منه كونه هيئة وحالا ونسبية الشيء كون وجوده في غيره غير خارج من وجود الغير فهذه مفاهيم منتزعة من نحو الوجود محمولة على أكثر من مقولة واحدة فليست من المقولات كما تقدم وعن بعضهم أن المقولات أربع بإرجاع المقولات النسبية إلى مقولة واحدة فهي الجوهر والكم والكيف والنسبة

ص 90

ويدفعه ما تقدم أن النسبة مفهوم غير ماهوي منتزع من نحو الوجود ولو كفى مجرد عموم المفهوم في جعله مقولة فليرد المقولات إلى مقولتين الجوهر والعرض لصدق مفهوم العرض على غير الجوهر من المقولات بل إلى مقولة واحدة هي الماهية أو الشيء وعن شيخ الإشراق أن المقولات خمس الجوهر والكم والكيف والنسبة والحركة ويرد عليه ما يرد على سابقه مضافا إلى أن الحركة أيضا مفهوم منتزع من نحو الوجود وهو الوجود السيال غير القار الثابت فلا مساغ لدخولها في المقولات.

الفصل الثاني في تعريف الجوهر وأنه جنس لما تحته من الماهيات  

تنقسم الماهية انقساما أوليا إلى الماهية التي إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها وهي ماهية الجوهر وإلى الماهية التي إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع مستغن عنها وهي المقولات التسع العرضية فالجوهر ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها وهذا تعريف بوصف لازم للوجود من غير أن يكون حدا مؤلفا من الجنس والفصل إذ لا معنى لذلك في جنس عال كما أن تعريف العرض بالماهية التي إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع مستغن عنها تعريف بوصف لازم لوجود المقولات التسع العرضية وليس من الحد في شيء والتعريف تعريف جامع مانع وإن لم يكن حدا فقولنا ماهية يشمل عامة الماهيات ويخرج به الواجب بالذات حيث كان وجودا صرف

ص 91

لا ماهية له وتقييد الماهية بقولنا إذا وجدت في الخارج للدلالة على أن التعريف لماهية الجوهر الذي هو جوهر بالحمل الشائع إذ لو لم يتحقق المفهوم بالوجود الخارجي لم يكن ماهية حقيقية لها آثارها الحقيقية ويخرج بذلك الجواهر الذهنية التي هي جواهر بالحمل الأولي عن التعريف فإن صدق المفهوم على نفسه حمل أولي لا يوجب اندراج المفهوم تحت نفسه وتقييد الموضوع بكونه مستغنيا عنها للإشارة إلى تعريف الموضوع بصفته اللازمة له وهو أن يكون قائما بنفسه أي موجودا لنفسه فالجوهر موجود لا في موضوع أي ليس وجوده لغيره كالأعراض بل لنفسه وأما ما قيل إن التقييد بالاستغناء لإدخال الصور الجوهرية الحالة في المادة في التعريف فإنها وإن وجدت في الموضوع لكن موضوعها غير مستغن عنها بل مفتقرة إليها ففيه أن الحق أن الصور الجوهرية ماهيات بسيطة غير مندرجة تحت مقولة الجوهر ولا مجنسة بجنس كما تقدمت الإشارة إليه في مرحلة الماهية ووجود القسمين أعني الجوهر والعرض في الخارج ضروري في الجملة فمن أنكر وجود الجوهر فقد قال بجوهرية الأعراض من حيث لا يشعر ومن الأعراض ما لا ريب في عرضيته كالأعراض النسبية والجوهر جنس لما يصدق عليه من الماهيات النوعية مقوم لها مأخوذ في حدودها لأن كون الماهيات العرضية مفتقرة في وجودها الخارجي إلى موضوع مستغن عنها يستلزم وجود ماهية هي في ذاتها موضوعة لها مستغنية عنها وإلا ذهبت سلسلة الافتقار إلى غير النهاية فلم تتقرر ماهية وهو ظاهر وأما ما استدل به على جنسية الجوهر لما تحته بأن كون وجود الجوهر لا في موضوع وصف واحد مشترك بين الماهيات الجوهرية حاصل لها على وجه اللزوم مع قطع النظر عن الأمور الخارجة فلو لم يكن الجوهر جنسا لها بل كان لازم وجودها وهي ماهيات متباينة بتمام الذات لزم انتزاع مفهوم

ص 92

واحد من مصاديق كثيرة متباينة بما هي كذلك وهو محال فبين هذه الماهيات الكثيرة المتباينة جامع ماهوي واحد لازمه الوجودي كون وجودها لا في الموضوع ففيه أن الوصف المذكور معنى منتزع من سنخ وجود هذه الماهيات الجوهرية لا من الماهيات كما أن كون الوجود في الموضوع وهو وصف واحد لازم للمقولات التسع العرضية معنى واحد منتزع من سنخ وجود الأعراض جميعا فلو استلزم كون الوصف المنتزع من الجواهر معنى واحدا جامعا ماهويا واحدا في الماهيات الجوهرية لاستلزم كون الوصف المنتزع من المقولات العرضية معنى واحدا جامعا ماهويا واحدا في المقولات العرضية هو جنس لها وانتهت الماهيات إلى مقولتين هما الجوهر والعرض فالمعول في إثبات جنسية الجوهر لما تحته من الماهيات على ما تقدم من أن افتقار العرض إلى موضوع يقوم به يستلزم ماهية قائمة بنفسها ويتفرع على ما تقدم أن الشيء الواحد لا يكون جوهرا وعرضا معا وناهيك في ذلك أن الجوهر وجوده لا في موضوع والعرض وجوده في موضوع والوصفان لا يجتمعان في شيء واحد بالبداهة.

الفصل الثالث في أقسام الجوهر الأولية

قالوا إن الجوهر إما أن يكون في محل أو لا يكون فيه والكائن في المحل

ص 93

هو الصورة المادية وغير الكائن فيه إما أن يكون محلا لشيء يقوم به أو لا يكون والأول هو الهيولى والثاني لا يخلو إما أن يكون مركبا من الهيولى والصورة أو لا يكون والأول هو الجسم والثاني إما أن يكون ذا علاقة انفعالية بالجسم بوجه أو لا يكون والأول هو النفس والثاني هو العقل فأقسام الجوهر الأولية خمسة هي الصورة المادية والهيولى والجسم والنفس والعقل وليس التقسيم عقليا دائرا بين النفي والإثبات فإن الجوهر المركب من الجوهر الحال والجوهر المحل ليس ينحصر بحسب الاحتمال العقلي في الجسم فمن الجائز أن يكون في الوجود جوهر مادي مركب من المادة وصورة غير الصورة الجسمية لكنهم قصروا النوع المادي الأول في الجسم تعويلا على استقرائهم على أنك قد عرفت أن الصورة الجوهرية ليست مندرجة تحت مقولة الجوهر وإن صدق عليها الجوهر صدق الخارج اللازم قال في الأسفار بعد الإشارة إلى التقسيم المذكور والأجود في هذا التقسيم أن يقال الجوهر إن كان قابلا للأبعاد الثلاثة فهو الجسم وإلا فإن كان جزءا منه هو به بالفعل سواء كان في جنسه أو في نوعه فصورة إما امتدادية أو طبيعية أو جزء هو به بالقوة فمادة وإن لم يكن جزءا منه فإن كان متصرفا فيه بالمباشرة فنفس وإلا فعقل ثم قال مشيرا إلى وجه جودة هذا التقسيم وذلك لما سيظهر من تضاعيف ما حققناه من كون الجوهر النفساني الإنساني مادة للصورة الإدراكية التي يتحصل بها جوهرا آخر كماليا بالفعل من الأنواع المحصلة التي يكون لها نحو آخر من الوجود غير الوجود الطبيعي الذي لهذه الأنواع المحصلة

ص 94

الطبيعية انتهى ج 4 ص 234 وما يرد على التقسيم السابق يرد على هذا التقسيم أيضا على أن عطف الصور الطبيعية وهي متأخرة عن نوعية الجسم على الصورة الامتدادية لا يلائم كون الانقسام أوليا وكيف كان فالذي يهمنا هاهنا أن نبحث عن حقيقة الجسم وجزئية المادة والصورة الجسمية وأما النفس فاستيفاء البحث عنها في علم النفس وستنكشف حقيقتها بعض الانكشاف في مرحلتي القوة والفعل والعاقل والمعقول وأما العقل فيقع الكلام في حقيقته في الإلهيات بالمعنى الأخص وستنكشف بعض الانكشاف في مرحلتي القوة والفعل والعاقل والمعقول إن شاء الله تعالى.

الفصل الرابع في ماهية الجسم  

لا ريب في وجود الجسم بمعنى الجوهر الذي يمكن أن يفرض فيه ثلاثة خطوط متقاطعة على زوايا قوائم وإن لم تكن موجودة فيه بالفعل كما في الكرة والأسطوانة فحواسنا التي انتهى إليها علومنا وإن لم يكن فيها ما ينال الموجود الجوهري وإنما تدرك أحوال الأجسام وأوصافها العرضية لكن أنواع التجربات تهدينا هداية قاطعة إلى أن ما بين السطوح والنهايات من الأجسام مملوءة في الجملة غير خالية عن جوهر ذي امتداد في جهاته الثلاث والذي يجده الحس من هذا الجوهر الممتد في جهاته الثلاث يجده متصلا واحدا يقبل القسمة إلى أجزاء بالفعل لا مجموعا من أجزاء بالفعل ذوات

ص 95

فواصل هذا بحسب الحس وأما بحسب الحقيقة فاختلفوا فيه على أقوال أحدها أنه مركب من أجزاء ذوات أوضاع لا تتجزى ولا تنقسم أصلا لا خارجا ولا وهما ولا عقلا وهي متناهية وهو مذهب جمهور المتكلمين الثاني أنه مركب كما في القول الأول غير أن الأجزاء غير متناهية ونسب إلى النظام الثالث أنه مركب من أجزاء بالفعل متناهية صغار صلبة لا تقبل القسمة الخارجية لصغرها وصلابتها ولكن تقبل القسمة الوهمية والعقلية ونسب إلى ذيمقراطيس الرابع أنه متصل واحد كما في الحس ويقبل القسمة إلى أجزاء متناهية ونسب إلى الشهرستاني الخامس أنه جوهر بسيط هو الاتصال والامتداد الجوهري الذي يقبل القسمة خارجا ووهما وعقلا ونسب إلى أفلاطون الإلهي السادس أنه مركب من جوهر وعرض وهما الجوهر والجسمية التعليمية التي هي امتداد كمي في الجهات الثلاث ونسب إلى شيخ الإشراق السابع أنه جوهر مركب من جوهرين أحدهما المادة التي هي قوة كل فعلية والثاني الاتصال الجوهري الذي هو صورتها والصورة اتصال وامتداد جوهري يقبل القسمة إلى أجزاء غير متناهية بمعنى لا يقف فإن اختلاف العرضين يقسمه وكذا الآلة القطاعة تقسمه بالقطع حتى إذا أعيت لصغر الجزء أو صلابته أخذ الوهم في التقسيم حتى إذا عجز عنه لنهاية صغر الجزء أخذ العقل في تقسيمه على نحو كلي بأنه كلما قسم إلى أجزاء كان الجزء الجديد ذا حجم له جانب غير جانب يقبل القسمة من غير أن تقف فورود القسمة لا يعدم الجسم وهو قول أرسطو والأساطين من حكماء الإسلام هذا ما بلغنا من أقوالهم في ماهية الجوهر المسمى بالجسم وفي كل منه

ص 96

وجه أو وجوه من الضعف نشير إليها بما تيسر أما القول الأول المنسوب إلى المتكلمين وهو أن الجسم مركب من أجزاء لا تتجزى أصلا تمر الآلة القطاعة على فواصل الأجزاء وهي متناهية تقبل الإشارة الحسية ففيه أن الجزء المفروض إن كان ذا حجم كان له جانب غير جانب بالضرورة فيجري فيه الانقسام العقلي وإن لم يمكن تقسيمه خارجا ولا وهما لنهاية صغره وإن لم يكن له حجم امتنع أن يحصل من اجتماعه مع غيره جسم ذو حجم وأيضا لنفرض جزءا لا يتجزى بين جزءين كذلك فإن كان يحجز عن مماسة الطرفين انقسم فإن كلا من الطرفين يلقى منه غير ما يلقاه الآخر وإن لم يحجز عن مماستهما استوى وجود الوسط وعدمه ومثله كل وسط مفروض فلم يحجب شيء شيئا وهو ضروري البطلان وأيضا ليفرض جزء لا يتجزى فوق جزءين كذلك وعلى ملتقاهما فإن لقى بكله أو ببعضه كل كليهما تجزى وإن لقى بكله كل أحدهما فقط فليس على الملتقى وقد فرض عليه وإن لقى بكله أو ببعضه من كل منهما شيئا انقسم وانقسما جميعا وقد أوردوا في بطلان الجزء الذي لا يتجزى وجوها من البراهين وهي كثيرة مذكورة في كتبهم وأما القول الثاني المنسوب إلى النظام وهو أن الجسم مركب من أجزاء لا تتجزى غير متناهية فيرد عليه ما يرد على القول الأول مضافا إلى أن عدم تناهي الأجزاء على تقدير كونها ذوات حجم يوجب كون الجسم المتكون من اجتماعها غير متناهي الحجم بالضرورة والضرورة تدفعه وأما القول الثالث المنسوب إلى ذيمقراطيس وهو أن الجسم مركب من أجزاء صغار صلبة لا تتجزى خارجا وإن جاز أن تتجزى وهما وعقلا ففيه أن هذه الأجزاء لا محالة جواهر ذوات حجم فتكون أجساما ذوات اتصال

ص 97

جوهري تتألف منها الأجسام المحسوسة فالذي يثبته هذا القول أن هاهنا أجساما أولية هي مبادي هذه الأجسام المحسوسة على أن هذا القول لا يتبين به نفي الهيولى وإبطال تركب الجسم منها ومن الصورة الجسمية وسيأتي إثباتها في الفصل التالي فيئول إلى إثبات الصورة الجسمية للأجسام الأولية التي هي مبادىء هذه الأجسام المحسوسة وإليها تنتهي بالتجزئة وأما القول الرابع المنسوب إلى الشهرستاني وهو كون الجسم متصلا واحدا كما في الحس يقبل القسمة إلى أجزاء متناهية ففيه أن لازمه وقوف القسمة العقلية وهو ضروري البطلان وأما القول الخامس المنسوب إلى أفلاطون وهو كون الجسم جوهرا بسيطا وهو الاتصال الجوهري القابل للقسمة إلى غير النهاية ففيه منع كون الجسم بسيطا لما سيوافيك من إثبات الهيولى للجسم على أن في كون الاتصال الجوهري الذي للجسم هو ما يناله الحس من الأجسام المحسوسة كلاما سيأتي إن شاء الله وأما القول السادس المنسوب إلى شيخ الإشراق وهو كون الجسم مركبا من جوهر وعرض وهما المادة والجسم التعليمي الذي هو من أنواع الكم المتصل ففيه أولا أن لا معنى لتقويم العرض للجوهر مع ما فيه من تألف ماهية حقيقية من مقولتين وهما الجوهر والكم والمقولات متباينة بتمام الذات وثانيا أن الكم عرض محتاج إلى الموضوع حيثما كان فهذا الامتداد المقداري الذي يتعين به طول الجسم وعرضه وعمقه كم محتاج إلى موضوع يحل فيه ولو لا أن في موضوعه اتصالا ما يقبل أن يوصف بالتعين لم يعرضه ولم يحل فيه فلو أخذنا مقدارا من شمعة وسويناها كرة ثم أسطوانيا ثم مخروطا ثم مكعبا وهكذا وجدنا الأشكال متغيرة متبدلة وللشمعة اتصال باق محفوظ في الأشكال المختلفة المتبدلة فهناك اتصالان اتصال مبهم غير

ص 98

متعين في نفسه لولاه لم يكن شمعة واتصال وامتداد متعين لو بطل لم يبطل به جسم الشمعة والأول هو صورة الجسم والثاني عرض يعرض الجسم والانقسام يعرض الجسم من حيث عرضه هذا وأما من حيث اتصاله الذاتي المبهم فله إمكان أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة قال الشيخ في الشفاء فالجسمية بالحقيقة صورة الاتصال القابل لما قلناه من فرض الأبعاد الثلاثة وهذا المعنى غير المقدار وغير الجسمية التعليمية فإن هذا الجسم من حيث له هذه الصورة لا يخالف جسما آخر بأنه أكبر أو أصغر ولا يناسبه بأنه مساو أو معدود به أو عاد له أو مشارك أو مباين وإنما ذلك له من حيث هو مقدر ومن حيث جزء منه يعده وهذا الاعتبار غير اعتبار الجسمية التي ذكرناها انتهى ص 64 وبالجملة فأخذ الامتداد الكمي العرضي في ماهية الجوهر على ما فيه من الفساد خلط بين الاتصال الجوهري والامتداد العرضي الذي هو الجسم التعليمي وأما القول السابع المنسوب إلى أرسطو وهو تركب الجسم من الهيولى والصورة الجسمية وهي الاتصال الجوهري على ما عند الحس وهو كون الشيء بحيث يمكن أن يفرض فيه امتدادات ثلاثة متقاطعة على قوائم تقبل القسمة إلى أجزاء غير متناهية أما الهيولى فسيجيء إثباتها وأما الصورة الجسمية التي هي الاتصال فقد تقدم توضيحه ففيه أن كون الجسم مركبا من مادة واتصال جوهري يقبل القسمة إلى غير النهاية لا غبار عليه لكن لا حجة تدل على كون الجسم في اتصاله كما هو عليه عند الحس فخطأ الحس غير مأمون وقد اكتشف علماء الطبيعية أخيرا بعد تجارب دقيقة فنية أن الأجسام مؤلفة من أجزاء ذرية لا تخلو من جرم بينها من الفواصل أضعاف ما لأجرامها من الامتداد فلينطبق هذا القول على ما اكتشفوه من الأجسام الذرية التي

ص 99

هي مبادىء تكون الأجسام المحسوسة وليكن وجود الجسم بهذا المعنى أصلا موضوعا لنا نعم لو سلم ما يقال إن المادة يعنون بها الأجسام الذرية الأول قابلة التبدل إلى الطاقة وأنها مجموعة من ذرات الطاقة المتراكمة كان من الواجب في البحث الحكمي أخذ الطاقة نوعا عاليا مترتبا على الجوهر قبل الجسم ثم ترتيب الأبحاث المتفرقة على ما يناسب هذا الوضع فليتأمّل.

الفصل الخامس في ماهية المادة وإثبات وجودها

لا ريب أن الجسم في أنه جوهر يمكن أن يفرض فيه الامتدادات الثلاثة أمر بالفعل وفي أنه يمكن أن يوجد فيه كمالات أخر أولية مسماة بالصورة النوعية التي تكمل جوهره وكمالات ثانية من الأعراض الخارجة عن جوهره أمر بالقوة وحيثية الفعل غير حيثية القوة لما أن الفعل لا يتم إلا بالوجدان والقوة تلازم الفقدان فالذي يقبل من ذاته هذه الكمالات الأولى والثانية الممكنة فيه ويتحد بها أمر غير صورته الاتصالية التي هو بها بالفعل فإن الاتصال الجوهري من حيث هو اتصال جوهري لا غير وأما حيثية قوة الكمالات اللاحقة وإمكانها فأمر خارج عن الاتصال المذكور مغاير له فللجسم وراء اتصاله الجوهري جزء آخر حيثية ذاته حيثية قبول الصور والأعراض اللاحقة وهو الجزء المسمى بالهيولى والمادة فتبين أن الجسم جوهر مركب من جزءين جوهريين المادة التي إنيتها قبول الصور المتعلقة نوع تعلق بالجسم والأعراض المتعلقة بها والصورة الجسمية وأن المادة جوهر قابل للصور والأعراض الجسمانية وأن الامتداد

ص 100

الجوهري صورة لها لا يقال لا ريب أن الصور والأعراض الحادثة اللاحقة بالأجسام يسبقها إمكان في المحل واستعداد وتهيؤ فيه لها وكلما قرب الممكن من الوقوع زاد الاستعداد اختصاصا واشتد حتى إذا صار استعدادا تاما وجد الممكن بإفاضة من الفاعل فما المانع من إسناد القبول إلى الجسم أعني الاتصال الجوهري بواسطة قيام الاستعداد به عروضا من غير حاجة إلى استعداد وقبول جوهري نثبتها جزءا للجسم على أن القبول والاستعداد مفهوم عرضي قائم بالغير فلا يصلح أن يكون حقيقة جوهرية على أن من الضروري أن الاستعداد يبطل مع تحقق المستعد له فلو كان هناك هيولى هي استعداد وقبول جوهري وجزء للجسم لبطلت بتحقق الممكن المستعد له وبطل الجسم ببطلان جزئه وانعدم بانعدامه وهو خلاف الضرورة فإنه يقال مغايرة الجسم بما أنه اتصال جوهري لا غير مع كل من الصور النوعية تأبى أن يكون موضوعا للقبول والاستعداد لها بل يحتاج إلى أمر آخر لا يأبى أن يتحد مع كل من الصور اللاحقة فيكون في ذاته قابلا لكل منها وتكون الاستعدادات الخاصة التي تتوسط بينه وبين الصور الممكنة أنحاء تعينات القبول الذي له في ذاته فنسبة الاستعدادات المتفرقة المتعينة إلى الاستعداد المبهم الذي للمادة في ذاتها نسبة الأجسام التعليمية والامتدادات المقدارية التي هي تعينات للامتداد والاتصال الجوهري إلى الاتصال الجوهري ولو كان الجسم بما أنه اتصال جوهري هو الموضوع للاستعداد والجسم من الحوادث التي يسبقها إمكان لكان حاملا لإمكان نفسه فكان متقدما على نفسه بالزمان وأما ما قيل إن المفهوم من القبول معنى عرضي قائم بالغير فلا معنى للقول

ص 101

بكون المادة قبولا بذاته وهو كون القبول جوهرا فيدفعه أن البحث حقيقي والمتبع في الأبحاث الحقيقية البرهان دون الألفاظ بمفاهيمها اللغوية ومعانيها العرفية وأما حديث بطلان الاستعداد بفعلية تحقق المستعد له المقوى عليه فلا ضير فيه فإن المادة هي في ذاتها قوة كل شيء من غير تعين شيء منها وتعين هذه القوة المستتبع لتعين المقوى عليه عرض موضوعه المادة وبفعلية الممكن المقوى عليه تبطل القوة المتعينة والاستعداد الخاص والمادة على ما هي عليه من كونها قوة على الصور الممكنة وبالجملة إن كان مراد المستشكل بقوله إن الاستعداد يبطل بفعلية الممكن المستعد له هو مطلق الاستعداد الذي للمادة فممنوع وإن كان مراده هو الاستعداد الخاص الذي هو عرض قائم بالمادة فمسلم لكن بطلانه لا يوجب بطلان المادة لا يقال الحجة أعني السلوك إلى إثبات المادة بمغايرة القوة والفعل منقوضة بالنفس الإنسانية فإنها بسيطة مجردة من المادة ولها آثار بالقوة كسنوح الإرادات والتصورات وغير ذلك فهي أمر بالفعل في ذاتها المجردة وبالقوة من حيث كمالاتها الثانية فإذا جاز كونها على بساطتها بالفعل وبالقوة معا فليجز في الجسم أن يكون متصفا بالفعلية والقوة من غير أن يكون مركبا من المادة والصورة فإنه يقال النفس ليست مجردة تامة ذاتا وفعلا بل هي متعلقة بالمادة فعلا فلها الفعلية من حيث تجردها والقوة من حيث تعلقها بالمادة لا يقال الحجة منقوضة بالنفس الإنسانية من جهة أخرى وهو أنهم ذكروا وهو الحق أن النفس الإنسانية العقلية مادة للمعقولات المجردة وهي مجردة كلما تعقلت معقولا صارت هي هو فإنا نقول خروج النفس المجردة من القوة إلى الفعل باتحادها بعقل بعد

ص 102

عقل ليس من باب الحركة المعروفة التي هي كمال أول لما بالقوة من حيث إنه بالقوة وإلا استلزم قوة واستعدادا وتغيرا وزمانا وكل ذلك ينافي التجرد الذي هو الفعلية التامة العارية من القوة بل المراد بكون النفس مادة للصور المعقولة اشتداد وجودها المجرد من غير تغير وزمان باتحادها بالمرتبة العقلية التي فوق مرتبة وجودها بإضافة المرتبة العالية وهي الشرط في إفاضة المرتبة التي هي فوق ما فوقها وبالجملة مادية النفس للصور المجردة المعقولة غير المادية بالمعنى الذي في عالم الأجسام نوعا وناهيك في ذلك عدم وجود خواص المادة الجسمانية هناك لا يقال الحجة منقوضة بنفس المادة فإنها في نفسها جوهر موجود بالفعل ولها قوة قبول الأشياء فيلزم تركبها من صورة تكون بها بالفعل ومادة تكون بها بالقوة وننقل الكلام إلى مادة المادة وهلم جرا فيتسلسل وبذلك يتبين أن الاشتمال على القوة والفعل لا يستلزم تركبا في الجسم لأنه يقال كما أجاب عنه الشيخ إن المادة متضمنة للقوة والفعل لكن قوتها عين فعليتها وفعليتها عين قوتها فهي في ذاتها محض قوة الأشياء لا فعلية لها إلا فعلية أنها قوة الأشياء لا يقال الحجة منقوضة بالعقل فإنه مؤثر فيما دونه متأثر عما فوقه ففيه جهتا فعل وانفعال فيلزم على قولكم تركبه من مادة وصورة حتى يفعل بالصورة وينفعل بالمادة فإنه يقال إن الانفعال والقبول هناك غير الانفعال والقبول المبحوث عنه في الأجسام فانفعال العقل وقبوله الوجود مما فوقه ليس إلا مجرد وجوده الفائض عليه من غير سبق قوة واستعداد يقرب موضوعه من الفعلية وإنما العقل يفرض للعقل ماهية يعتبرها قابلة للوجود والعدم فيعتبر تلبسها بالوجود قبولا وانفعالا فالقبول كالانفعال مشترك بين المعنيين والذي يستلزم

ص 103

التركب هو القبول بمعنى الاستعداد والقوة السابقة دون القبول بمعنى فيضان الوجود فالعقل يفعل بعين ما يقبل وينفعل به.

الفصل السادس في أن المادة لا تفارق الجسمية والجسمية لا تفارق المادة

أي أن كل واحدة منها لا تفارق صاحبتها. أما أن المادة لا تتعرى عن الصورة فلأنها في ذاتها وجوهرها قوة الأشياء لا نصيب لها من الفعلية إلا فعلية أنها لا فعلية لها ومن الضروري أن الوجود يلازم الفعلية المقابلة للقوة فهي أعني المادة في وجودها مفتقرة إلى موجود فعلي محصل الوجود تتحد به فتحصل بتحصله وهو المسمى صورة وأيضا لو وجدت المادة مجردة عن الصورة لكان لها فعلية في وجودها وهي قوة الأشياء محضا وفيه اجتماع المتنافيين في ذات واحدة وهو محال ثم إن المادة لما كانت متقومة الوجود بوجود الصورة فللصورة جهة الفاعلية بالنسبة إليها غير أنها ليست تامة الفاعلية لتبدل الصور عليها والمعلول الواحد لا تكون لها إلا علة واحدة فللمادة فاعل أعلى وجودا من المادة والماديات يفعل المادة ويحفظ وجودها باتحاد صورة عليها بعد صورة فالصورة شريكة العلة للمادة لا يقال المادة على ما قالوا واحدة بالعدد وصورة ما واحدة بالعموم والواحد بالعدد أقوى وجودا من الواحد بالعموم فلازم علية صورة ما للمادة كون ما هو أقوى وجودا معلولا للأضعف وجودا وهو محال فإنه يقال إن المادة وإن كانت واحدة بالعدد لكن وحدتها مبهمة

ص 104

ضعيفة لإبهام وجودها وكونها محض القوة ووحدة الصورة وهي شريكة العلة التي هي المفارق مستظهرة بوحدة المفارق فمثل إبقاء المفارق وحفظ المادة بصورة ما مثل السقف يحفظ من الانهدام بنصب دعامة بعد دعامة وسيأتي في مباحث الحركة الجوهرية إن شاء الله ما ينكشف به حقيقة الحال في كثرة هذه الصور المتعاقبة على المادة وقد تبين بما تقدم أن كل فعلية وتحصل تعرض المادة فإنما هي بفعلية الصورة لما أن تحصلها بتحصل الصورة وأن الصورة شريكة العلة للمادة وأن الصورة متقدمة على المادة وجودا وإن كانت المادة متقدمة عليها زمانا وأما أن الصورة الجسمية لا تتعرى عن المادة فلأن الجسم أيا ما كان لا يخلو عن عوارض مفارقة تتوارد عليه من أقسام الحركات والكم والكيف والأين والوضع وغيرها وكذلك الصور النوعية المتعاقبة عليه وهي جميعا تتوقف على إمكان واستعداد سابق لا حامل له إلا المادة فلا جسم إلا في مادة وأيضا الجسم بما أنه جوهر قابل للأبعاد الثلاثة طبيعة نوعية تامة واحدة وإن كانت تحته أنواع وليس كمفهوم الجوهر الذي ليس له إلا أن يكون ماهية جنسية لا حكم له إلا حكم أنواعه المندرجة تحته فإذا كان طبيعة نوعية فهو بطبيعته وفي ذاته إما أن يكون غنيا عن المادة غير مفتقر إليها أو مفتقرا إليها فإن كان غنيا بذاته استحال أن يحل المادة لأن الحلول عين الافتقار لكنا نجد بعض الأجسام حالا في المادة فليس بغنى عنها وإن كان مفتقرا إليها بذاته ثبت الافتقار وهو الحلول في كل جسم لا يقال لم لا يجوز أن يكون غنيا عنها بحسب ذاته وتعرضه المقارنة في بعض الأفراد لسبب خارج عن الذات كعروض الأعراض المفارقة للطبائع النوعية لأنه يقال مقارنة الجسم للمادة كما أشير إليه بحلوله فيها وبعبارة

ص 105

أخرى بصيرورة وجوده للمادة ناعتا لها فمعنى عروض الافتقار له بسبب خارج بعد غناه عنها في ذاته صيرورة وجوده لغيره بعد ما كان لنفسه وهو محال بالضرورة واعلم أن المسألة وإن عقدت في تجرد الصورة الجسمية لكن الدليل يجري في كل صورة في إمكانها أن يلحقها كمالات طارئة. وسيأتي في بحث الحركة الجوهرية أن الجوهر المادي متحرك في صورها حتى يتخلص إلى فعلية محضة لا قوة معها وذلك باللبس بعد اللبس لا بالخلع واللبس فبناء عليه يكون استحالة تجرد الصورة المادية عن المادة مقيدة بالحركة دون ما إذا تمت الحركة وبلغت الغاية. ويتأيد ذلك بما ذكره الشيخ وصدر المتألهين أن المادة غير داخلة في حد الجسم دخول الأجناس في حدود أنواعها فماهية الجسم وهي الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة لا خبر فيها عن المادة التي هي الجوهر الذي فيه قوة الأشياء لكن الجسم مثلا مأخوذ في حد الجسم النامي والجسم النامي مأخوذ في حد الحيوان والحيوان مأخوذ في حد الإنسان. وقد بينه صدر المتألهين بأنها لو كانت داخلة في ماهية الجسم لكانت بينة الثبوت له على ما هو خاصة الذاتي لكنا نشك في ثبوتها للجسم في بادىء النظر ثم نثبتها له بالبرهان ولا برهان على ذاتي. ولا منافاة بين القول بخروجها عن ماهية الجسم والقول باتحادها مع الصورة الجسمية على ما هو لازم اجتماع ما بالقوة مع ما بالفعل لأن الاتحاد المدعى إنما هو الوجود لا في الماهية. ولازم ذلك أن لو تجرد بعض الأنواع المادية عن المادة لم يلزم انقلاب بتغير الحد وأن المادة من لوازم وجوده لا جزء ماهيته.

ص 106

الفصل السابع في إثبات الصور النوعية

وهي الصور الجوهرية المنوعة لجوهر الجسم المطلق. إنا نجد في الأجسام اختلافا من حيث صدق مفاهيم عليها هي بينة الثبوت لها ممتنعة الانفكاك عنها فإنا لا نقدر أن نتصور جسما دون أن نتصوره مثلا عنصرا أو مركبا معدنيا أو شجرا أو حيوانا وهكذا وتلبس الجسم بهذه المفاهيم على هذا النحو أمارة كونها من مقوماته. ولما كان كل منها أخص من الجسم فهي مقومة لجوهر ذاته فيحصل بانضمام كل منها إليه نوع منه ولا يقوم الجوهر إلا جوهر فهي صور جوهرية منوعة. لا يقال لا نسلم أن الجوهر لا يقومه إلا جوهر فكثيرا ما يوجد الشيء ويقال عليه الجوهر في جواب ما هو ثم ينضم إليه شيء من الأعراض ويتغير به جواب السؤال عنه بما هو كالحديد الذي هو جوهر فإذا صنع منه السيف بضم هيئات عرضية إليه وسئل عنه بما هو كان الجواب عنه غير الجواب عنه وهو حديد وكالطين والحجر وهما جوهران فإذا بني منهما بناء وقع في جواب السؤال عنه بما هو البيت ولم ينضم إليها إلا هيئات عرضية. فإنه يقال فيه خلط بين الأنواع الحقيقية التي هي مركبات حقيقية تحصل من تركبها هوية واحدة وراء الأجزاء لها آثار وراء آثار الأجزاء كالعناصر والمواليد وبين المركبات الاعتبارية التي لا يحصل من تركب أجزائها أمر وراء الأجزاء ولا أثر وراء آثارها كالسيف والبيت من الأمور

ص 107

الصناعية وغيرها. وبالجملة المركبات الاعتبارية لا يحصل منها أمر وراء نفس الأجزاء والمركب من جوهر وعرض لا جوهر ولا عرض فلا ماهية له حتى يقع في جواب ما هو كل ذلك لتباين المقولات بتمام ذواتها البسيطة فلا يتكون من أكثر من واحدة منها ماهية. ولا يقال كون الصور النوعية جواهر ينافي قولهم إن فصول الجواهر غير مندرجة تحت جنس الجوهر. فإنه يقال قد تقدم البحث عنه في مرحلة الماهية واتضح به أن معنى جوهرية فصول الجواهر وهي الصور النوعية مأخوذة بشرط لا أن جنس الجوهر صادق عليها صدق العرض العام على الخاصة فهي مقومات للأنواع عارضة على الجنس. حجة أخرى إنا نجد الأجسام مختلفة بحسب الآثار القائمة بها من العوارض اللازمة والمفارقة واختصاص كل من هذه المختلفات الآثار بما اختص به من الآثار ليس إلا لمخصص بالضرورة. ومن المحال أن يكون المخصص هو الجسمية المشتركة لاشتراكها بين جميع الأجسام ولا المادة المشتركة لأن شأنها القبول والاستعداد دون الفعل والاقتضاء ولا موجود مفارق لاستواء نسبته إلى جميع الأجسام ويمتنع أن يكون المخصص هو بعض الأعراض اللاحقة بأن يتخصص أثر بأثر سابق فإنا ننقل الكلام إلى الأثر السابق فيتسلسل أو يدور أو ينتهي إلى أمر غير خارج عن جوهر الجسم الذي عنده الأثر والأولان محالان فيبقى الثالث وهو استناد الآثار إلى أمر غير خارج من جوهر الجسم فيكون مقوما له ومقوم الجوهر جوهر وإذ كان هذا المقوم الجوهري أخص من الجسم المطلق فهو صورة جوهرية منوعة له. ففي الأجسام على اختلافها صور نوعية جوهرية هي مباد للآثار المختلفة

ص 108

باختلاف الأنواع. لا يقال إن في أفراد كل نوع من الأنواع الجسمانية آثارا مختصة وعوارض مشخصة لا يوجد ما هو عند فرد منها عند غيره من الأفراد ويجري فيها ما سقتموه من الحجة فهلا أثبتم بعد الصور التي سميتموها صورا نوعية صورا شخصية مقومة لماهية النوع. لأنه يقال الأعراض المسماة عوارض مشخصة لوازم التشخص وليست بمشخصة وإنما التشخص بالوجود كما تقدم في مرحلة الماهية وتشخص الأعراض بتشخص موضوعاتها إذ لا معنى لعموم العرض القائم بالموضوع المشخص والأعراض الفعلية اللاحقة بالفرد مبدؤها الطبيعة النوعية التي في الفرد تقتضي من الكم والكيف والوضع وغيرها عرضا عريضا ثم الأسباب والشرائط الخارجية الاتفاقية تخصص ما تقتضيه الطبيعة النوعية وبتغير تلك الأسباب والشرائط ينتقل الفرد من عارض يتلبس به إلى آخر من نوعه أو جنسه.

خاتمة للفصل

لما كانت الصورة النوعية مقومة لمادتها الثانية التي هي الجسم المؤلف من المادة والصورة الجسمية كانت علة فاعلية للجسم متقدمة عليه كما أن الصورة الجسمية شريكة العلة للمادة الأولى. ويتفرع عليه أولا أن الوجود أولا للصورة النوعية وبوجودها توجد الصورة الجسمية ثم الهيولى بوجودها الفعلي. وثانيا أن الصور النوعية لا تحفظ الجسمية إلى بدل بل توجد بوجودها الجسمية ثم إذا تبدلت إلى صورة أخرى تخالفها نوعا بطل ببطلانها الجسم ثم حدثت جسمية أخرى بحدوث الصورة التالية.

ص 109

الفصل الثامن في الكم وهو من المقولات العرضية  

قد تقدم أن العرض ماهية إذا وجدت في الأعيان وجدت في موضوع مستغن عنه وأن العرضية كعرض عام لتسع من المقولات هي أجناس عالية لا جنس فوقها ولذا كان ما عرف به كل واحدة منها تعريفا بالخاصة لا حدا حقيقيا ذا جنس وفصل. وقد عرف الشيخان الفارابي وابن سينا الكم بأنه العرض الذي بذاته يمكن أن يوجد فيه شيء واحد يعده وهو أحسن ما أورد له من التعريف وأما تعريفه بأنه العرض الذي يقبل القسمة لذاته فقد أورد عليه بأنه تعريف بالأخص لاختصاص قبول القسمة بالكم المتصل وأما المنفصل فهو ذو أجزاء بالفعل وكذا تعريفه بأنه العرض الذي يقبل المساواة فقد أورد عليه بأنه تعريف دوري لأن المساواة هي الاتحاد في الكم وكيف كان فما يشتمل عليه هذه التعاريف خواص ثلاثة للكم وهي العد والانقسام والمساواة

الفصل التاسع في انقسامات الكم  

ينقسم الكم انقساما أوليا إلى المتصل والمنفصل والمتصل هو الكم الذي يمكن أن يفرض فيه أجزاء تتلاقى على حدود مشتركة والحد المشترك هو

ص 110

الذي يمكن أن يجعل بداية لجزء كما يمكن أن يجعل نهاية لآخر كالخط إذا فرض انقسامه إلى ثلاثة أجزاء فإن القسم المتوسط يمكن أن يجعل بداية لكل من الجانبين ونهاية له فيكون القسمان قسما واحدا والخط ذا قسمين. وعرف المتصل أيضا بما يقبل الانقسام إلى غير النهاية والمنفصل خلاف المتصل وهو العدد الحاصل من تكرر الواحد فإنه منقسم إلى أجزاء بالفعل وليس بينها حد مشترك فإن الخمسة مثلا إذا قسم إلى اثنين وثلاثة فإن كان بينهما حد مشترك من الأجزاء كانت أربعة أو من خارج كانت ستة. والمتصل ينقسم إلى قسمين قار وغير قار والقار هو الثابت المجتمع الأجزاء بالفعل كالسطح وغير القار هو الذي لا يجتمع أجزاؤه المفروضة بالفعل كالزمان فإن كل جزء منه بالفعل قوة للجزء التالي فلا يجتمعان بالفعل إذ فعلية الشيء لا تجامع قوته. والقار ينقسم إلى الجسم التعليمي وهو القابل للانقسام في جهاته الثلاث العرض والطول والعمق والسطح وهو القابل للانقسام في الجهتين العرض والطول والخط وهو القابل للانقسام في جهة واحدة. والكم المنفصل وهو العدد موجود في الخارج بالضرورة والكم المتصل غير القار وهو الزمان سيأتي إثبات وجوده في مباحث القوة والفعل. وأما الكم المتصل القار فالجسم التعليمي والسطح موجودان في الخارج لأن هناك أجساما طبيعية منفصلا بعضها من بعض متعينة متناهية ولازم تعينها الجسم التعليمي ولازم تناهيها السطح. وأما الخط فهو موجود في الخارج إن ثبتت أجسام لها سطوح متقاطعة كالمكعب والمخروط والهرم ونحوها. ثم إن كل مرتبة من مراتب العدد غير المتناهية نوع خاص منه مباين لسائرها لاختصاصها بخواص عددية لا تتعداها إلى غيرها. والزمان نوع واحد وإن كان معروضه أنواع الحركات الجوهرية والعرضية

ص 111

لما أن بين أفرادها عادا مشتركا. والأجسام التعليمية التي لا عاد مشتركا بينها كالكرة والمخروط والمكعب ونحوها أنواع متباينة وكذا السطوح التي لا عاد مشتركا بينها كالسطح المستوي وأقسام السطوح المحدبة والمقعرة وكذا الخطوط التي لا عاد مشتركا بينها إن كانت موجودة كالخط المستقيم وأنواع الأقواس وأما الأجسام والسطوح والخطوط غير المنتظمة فليست بأنواع بل مركبة من أنواع شتى.

الفصل العاشر في أحكام مختلفة للكم  

قد تقدمت الإشارة إلى أن من خواص الكم المساواة والمفاوتة ومنها الانقسام خارجا كما في العدد أو وهما كما في غيره ومنها وجود عاد منه يعده وهناك أحكام أخر أوردوها. أحدها أن الكم المنفصل وهو العدد يوجد في الماديات والمجردات جميعا وأما المتصل غير القار منه وهو الزمان فلا يوجد إلا في الماديات وأما المتصل القار وهو الجسم التعليمي والسطح والخط فلا يوجد في المجردات إلا عند من يثبت عالما مقداريا مجردا له آثار المادة دون نفس المادة. الثاني أن العدد لا تضاد فيه لأن من شروط التضاد غاية الخلاف بين المتضادين وليست بين عددين غاية الخلاف إذ كل مرتبتين مفروضتين من العدد فإن الأكثر منهما يزيد بعدا من الأقل بإضافة واحد عليه. وأما الاحتجاج عليه بأن كل مرتبة من العدد متقوم بما هو دونه والضد لا يتقوم بالضد ففيه أن المرتبة من العدد لو تركبت مما دونها من المراتب كانت المراتب التي تحتها في جواز تقويمها على السواء كالعشرة مثلا يجوز فرض تركبه

ص 112

من تسعة وواحدة وثمانية واثنين وسبعة وثلاثة وستة وأربعة وخمسة وخمسة وتعين بعضها للجزئية ترجح بلا مرجح وهو محال وقول الرياضيين إن العشرة مجموع الثمانية والاثنين معناه مساواة مرتبة من العدد لمرتبتين لا كون المرتبة وهي نوع واحد عين المرتبتين وهما نوعان اثنان. ونظير الكلام يجري في الكم المتصل مطلقا وكذا لا يضاد الجسم التعليمي سطحا ولا خطا ولا سطح خطا إذ لا موضوع واحدا هناك يتعاقبان عليه ولا يتصور هناك غاية الخلاف. الثالث أن الكم لا يوجد فيه التشكيك بالشدة والضعف وهو ضروري أو قريب منه نعم يوجد فيه التشكيك بالزيادة والنقص كأن يكون خط أزيد من خط في الطول إذا قيس إليه وجودا لا في أن له ماهية الخط وكذا السطح يزيد وينقص من سطح آخر من نوعه وكذا الجسم التعليمي. الرابع قالوا إن الأبعاد متناهية واستدلوا عليه بوجوه من أوضحها أنا نفرض خطا غير متناه وكرة خرج من مركزها خط مواز لذلك الخط غير المتناهي فإذا تحركت الكرة تلاقى الخطان بمصادرة أقليدس فصار الخط الخارج من المركز مسامتا للخط غير المتناهي المفروض بعد ما كان موازيا له ففي الخط غير المتناهي نقطة بالضرورة هي أول نقط المسامتة لكن ذلك محال إذ لا يمكن أن يفرض على الخط نقطة مسامتة إلا وفوقها نقطة يسامتها الخط قبلها. وقد أقيم على استحالة وجود بعد غير متناه براهين أخر كبرهان التطبيق والبرهان السلمي وغير ذلك. الخامس أن الخلاء ولازمه قيام البعد بنفسه من دون معروض يقوم به محال وسيأتي الكلام فيه في بحث الأين. السادس أن العدد ليس بمتناه ومعناه أنه لا توجد مرتبة من العدد إلا ويمكن فرض ما يزيد عليها وكذا فرض ما يزد على الزائد ولا تقف السلسلة

ص 113

حتى تنقطع بانقطاع الاعتبار ويسمى غير المتناهي اللايقفي ولا يوجد من السلسلة دائما بالفعل إلا مقدار متناه وما يزيد عليه فهو في القوة وأما ذهاب السلسلة بالفعل إلى غير النهاية على نحو العدول دون السلب التحصيلي فغير معقول فلا كل ولا مجموع لغير المتناهي بهذا المعنى ولا تحقق فيه لشيء من النسب الكسرية كالنصف والثلث والربع وإلا عاد متناهيا.

الفصل الحادي عشر في الكيف وانقسامه الأولي  

عرفوه بأنه عرض لا يقبل القسمة ولا النسبة لذاته فيخرج بالعرض الواجب لذاته والجوهر وبقيد عدم قبول القسمة الكم وبقيد عدم قبول النسبة المقولات السبع النسبية ويدخل بقيد لذاته ما يعرضه قسمة أو نسبة بالعرض. قال صدر المتألهين المقولات لما كانت أجناسا عالية ليس فوقها جنس لم يمكن أن يورد لها حد ولذلك كان ما يورد لها من التعريفات رسوما ناقصة يكتفى فيها بذكر الخواص لإفادة التمييز ولم يظفر في الكيف بخاصة لازمة شاملة إلا المركب من العرضية والمغايرة للكم والأعراض النسبية فعرف بما محصله أنه عرض يغاير الكم والأعراض النسبية لكن هذا التعريف تعريف للشيء بما يساويه في المعرفة والجهالة لأن الأجناس العالية ليس بعضها أجلى من البعض ولو جاز ذلك لجاز مثله في سائر المقولات بل ذلك أولى لأن الأمور النسبية لا تعرف إلا بعد معروضاتها التي هي الكيفيات فعدلوا عن ذكر كل من الكم والأعراض النسبية إلى ذكر الخاصة التي هي أجلى انتهى ملخصا الأسفار ج 4 ص 58.

ص 114

وينقسم الكيف انقساما أوليا إلى أربعة أقسام كلية هي الكيفيات المحسوسة والنفسانية والمختصة بالكميات والاستعدادية وتعويلهم في حصرها في الأربعة على الاستقراء.

الفصل الثاني عشر في الكيفيات المحسوسة  

ومن خاصتها أن فعلها بطريق التشبيه أي جعل الغير شبيها بنفسها كما تجعل الحرارة مجاورها حارا وكما يلقى السواد مثلا شبحه أي مثاله على العين والكيفيات المحسوسة تنقسم إلى المبصرات والمسموعات والمذوقات والمشمومات والملموسات. والمبصرات منها الألوان فالمشهور أنها كيفيات عينية موجودة في خارج الحس وأن البسيط منها البياض والسواد وباقي الألوان حاصلة من تركبهما أقساما من التركيب وقيل الألوان البسيطة التي هي الأصول خمسة السواد والبياض والحمرة والصفرة والخضرة وباقي الألوان مركب منها. وقيل اللون كيفية خيالية لا وجود لها وراء الحس كالهالة وقوس قزح وغيرهما وهي حاصلة من أنواع اختلاط الهواء بالأجسام المشفة أو انعكاس منها. ومن المبصرات النور وهو غني عن التعريف وربما يعرف بأنه الظاهر بذاته المظهر لغيره وينبغي أن يراد به إظهاره الأجسام للبصر ولو أطلق الإظهار كان ذلك خاصة للوجود. وكيف كان فالمعروف من مذهبهم أنه كيفية مبصرة توجد في الأجسام

ص 115

النيرة بذاتها أو في الجسم الذي يقابل نيرا من غير أن ينتقل من النير إلى المستنير ويقابله الظلمة مقابلة العدم للملكة وقيل إن النور جوهر جسماني وقيل إنه ظهور اللون. والمسموعات هي الأصوات والصوت كيفية حاصلة من قرع عنيف أو قلع عنيف مستتبع لتموج الهواء الحامل للأصوات فإذا بلغ التموج الهواء المجاور لصماخ الأذن أحس الصوت وليس الصوت هو التموج ولا نفس القلع والقرع وليس الصوت المحسوس خيالا في الحس معدوما في خارج الحس. والمذوقات هي الطعوم المدركة بالذائقة وقد عدوا بسائطها تسعة وهي الحرافة والملاحة والمرارة والدسومة والحلاوة والتفه والعفوصة والقبض والحموضة وما عدا هذه الطعوم طعوم مركبة منها. والمشمومات أنواع الروائح المحسوسة بالشامة وليس لأنواع الروائح التي ندركها أسماء عندنا نعرفها بها إلا من جهة إضافتنا لها إلى موضوعاتها كما نقول رائحة المسك ورائحة الورد أو من جهة موافقتها للطبع ومخالفتها له كما نقول رائحة طيبة ورائحة منتنة أو من جهة نسبتها إلى الطعم كما نقول رائحة حلوة ورائحة حامضة وهذا كله دليل ضعف الإنسان في شامته كما ذكره الشيخ. والملموسات أنواع الكيفيات المحسوسة بحس اللمس وقد عدوا بسائطها اثني عشر نوعا هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللطافة والكثافة واللزوجة والهشاشة والجفاف والبلة والثقل والخفة وقد ألحق بها بعضهم الخشونة والملاسة والصلابة واللين والمعروف أنها مركبة.

ص 116

الفصل الثالث عشر في الكيفيات المختصة بالكميات  

وهي الكيفيات العارضة للجسم بواسطة كميته فيتصف بها الكم أولا ثم الجسم لكميته كالاستدارة في الخط والزوجية في العدد. وهي ثلاثة أقسام بالاستقراء الأول الشكل والزاوية الثاني ما ليس بشكل وزاوية مثل الاستدارة والاستقامة من الكيفيات العارضة للخط والسطح والجسم التعليمي الثالث الكيفيات العارضة للعدد مثل الزوجية والفردية والتربيع والتجذير وغير ذلك. وألحق بعضهم بالثلاثة الخلقة ومرادهم بها مجموع اللون والشكل ويدفعه أنها ليس لها وحدة حقيقية ذات ماهية حقيقية بل هي من المركبات الاعتبارية ولو كانت ذات ماهية كان من الواجب أن يندرج تحت الكيفيات المبصرة والكيفيات المختصة بالكميات وهما جنسان متباينان وذلك محال. أما القسم الأول فالشكل هيئة حاصلة للكم من إحاطة حد أو حدود به إحاطة تامة كشكل الدائرة التي تحيط بها خط واحد وشكل المثلث والمربع وكثير الأضلاع التي يحيط بها حدود والكرة التي يحيط بها سطح واحد والمخروط والأسطوانة والمكعب التي تحيط بها سطوح فوق الواحد. والشكل من الكيفيات لصدق حد الكيف عليه وليس هو السطح أو الجسم ولا الحدود المحيطة به ولا المجموع بل الهيئة الحاصلة من سطح أو جسم أحاط به حدود خاصة. والزاوية هي الهيئة الحاصلة من إحاطة حدين أو حدود متلاقية في حد

ص 117

إحاطة غير تامة كالزاوية المسطحة الحاصلة من إحاطة خطين متلاقيين في نقطة والزاوية المجسمة الحاصلة من إحاطة سطح المخروط المنتهى إلى نقطة الرأس وزاوية المكعب المحيط بها سطوح ثلاثة والكلام في كون الزاوية كيفا لا كما نظير ما مر من الكلام في كون الشكل من مقولة الكيف. وجوز الشيخ كون الهيئة الحاصلة من إحاطة السطحين من المكعب مثلا المتلاقيين في خط زاوية لانطباق خواص الزاوية عليها. وأما القسم الثاني فالاستقامة في الخط وتقابلها الاستدارة من مقولة الكيف دون الكم وبينهما تخالف نوعي أما أنهما من مقولة الكيف فلأنا نعقل مفهومي الاستقامة والاستدارة وهما مفهومان ضروريان ولا نجد فيهما معنى قبول الانقسام وإن كانا لا يفارقان ذلك وجودا لعروضهما للكم ولو كان قبول الانقسام جزءا من حديهما أو من أعرف خواصهما لم يخل عنه تعقلهما. وأما كونهما نوعين متخالفين متباينين فلأنهما لو كانا نوعا واحدا كان ما يوجد فيهما من التخالف عرضيا غير جزء للذات ولا لازما له فكان من الجائز عند العقل أن يزول وصف الاستقامة عن الخط المستقيم ويبقى أصل الخط ثم يوصف بالاستدارة لكن ذلك محال لأن الخط نهاية السطح كما أن السطح نهاية الجسم ولا يمكن أن يتغير حال النهاية إلا بعد تغير حال ذي النهاية فلو لم يتغير حال السطح في انبساطه وتمدده لم يتغير حال الخط في استقامته ولو لم يتغير حال الجسم في انبساطه وتمدده لم يتغير حال السطح في ذلك والجسم التعليمي يبطل بذلك ويوجد غيره وكذا السطح الذي هو نهايته وكذا الخط الذي هو نهايته فإذا بطل المعروض ووجد معروض آخر بالعدد كان العارض أيضا كذلك. فإذا امتنع بقاء المستقيم من الخط مع زوال استقامته علم منه أن الاستقامة إما فصله أو لازم فصله فالمستقيم يغاير المستدير في نوعيته وكذ

ص 118

السطح المستوي وغيره وأيضا غيره لما يخالفه وكذا الأجسام التعليمية لما يخالفها. ويتفرع على ما تقدم أولا أن لا تضاد بين المستقيم والمستدير لعدم التعاقب على موضوع واحد ولعدم غاية الخلاف وكذا ما بين الخط والسطح وكذا ما بين السطح والجسم التعليمي وكذا ما بين السطوح أنفسها وبين الأجسام التعليمية أنفسها. وثانيا أن لا اشتداد وتضعف بين المستقيم والمستدير إذ من الواجب في التشكيك أن يشمل الشديد على الضعيف وزيادة وقد تبين أن المستقيم لا يتضمن المستدير وبالعكس. وأما القسم الثالث فالزوجية والفردية العارضتان للعدد وكذا التربيع والتجذير والتكعيب وما يناظرها وهي من الكيفيات دون الكم لصدق حد الكيف عليها وهو ظاهر بالنظر إلى أن كل مرتبة من مراتب العدد نوع منه مستقل في نوعيته مباين لغيره يشارك سائر المراتب في الانقسام وكون الانقسام بمتساويين وعدم كونه كذلك نعت للانقسام غير قابل في نفسه للانقسام وغير نسبي في نفسه فليس بكم ولا بواحد من الأعراض النسبية فليس شيء من الزوجية والفردية إلا كيفا عارضا للكم. ونظير البيان يجري في سائر أحوال الأعداد من التربيع والتجذير وغير ذلك. وبالتأمّل فيما تقدم يظهر أولا أن لا تضاد بين هذه الأحوال العددية إذ لا موضوع مشتركا بين الزوجية والفردية يتعاقبان عليه على ما هو شرط التضاد. وثانيا أن لا تشكيك بالشدة والضعف ولا بالزيادة والنقيصة في هذه الأحوال العددية فكما لا يتبدل تقوس واستدارة إلى تقوس واستدارة أخرى إلا مع بطلان موضوعه ووجود موضوع آخر غيره بالعدد كذلك لا تتبدل

ص 119

زوجية مثلا إلى زوجية زوج الزوج إلا مع بطلان موضوعه الذي هو المعدود ووجود موضوع آخر غيره بالعدد وفي ذلك بطلان الزوجية التي هي عرض ووجود زوجية أخرى بالعدد وليس ذلك من التشكيك في شيء. وثالثا يعلم بالتذكر لما تقدم أن الكيفيات المختصة بالكميات توجد في الماديات والمجردات المثالية جميعا بناء على تجرد المثال.

الفصل الرابع عشر في الكيفيات الاستعدادية وتسمى أيضا القوة واللاقوة  

والمعنى الجامع بينها الذي هو بمنزلة النوع من مطلق الكيف وبمنزلة الجنس لأنواعها الخاصة بها أنها استعداد شديد جسماني نحو أمر خارج بمعنى أنه الذي يترجح به حدوث أمر من خارج ولها نوعان أحدهما الاستعداد الشديد على أن ينفعل كالممراضية واللين والثاني الاستعداد الشديد على أن لا ينفعل كالمصحاحية والصلابة. وألحق بعضهم بالنوعين نوعا ثالثا وهو الاستعداد الشديد نحو الفعل كالمصارعية ورده الشيخ وتبعه صدر المتألهين قال في الأسفار إنه لا خلاف في أن القوة على الانفعال والقوة على المقاومة داخلتان تحت هذا النوع وأما القوة على الفعل هل هي داخلة تحت هذا النوع فالمشهور أنها منه والشيخ أخرجها منه وهو الحق كما سيظهر لك وجهه فإذا أريد تلخيص معنى جامع للقسمين دون الأمر الثالث فيقال إنه كيفية بها يترجح أحد جانبي القبول واللاقبول لقابلها.

ص 120

وأما بيان أن القوة على الفعل لا تصلح أن تكون داخلة تحت هذا النوع كما ذهب إليه الشيخ فيحتاج أولا إلى أن نعرف أصلا كليا وهو أن جهات الفعل دائما تكون من لوازم الذات لأن كل ذات لها حقيقة فلها اقتضاء أثر إذا خلي وطبعه ولم يكن مانع يفعل ذلك الأثر فلا يحتاج في فعلها إلى قوة زائدة عليها وإذا فرض إضافة قوة أخرى لها لم تكن تلك الذات بالقياس إليها فاعلة لها بل قابلة إياها وإذا اعتبرت الذات والقوة معا كان المجموع شيئا آخر إن كان له فعل كان فعله لازما من غير تراخي استعداد له لحصول ذلك الفعل. ولو فرض ذلك الاستعداد للفاعلية له كان يلزمه أولا قوة انفعالية لحصول ما يتم به كونه فاعلا فذلك الاستعداد المفروض لم يكن بالحقيقة لفاعليته بل لانفعاله فليس للفاعلية استعداد بل للمنفعلية أولا وبالذات وللفاعلية بالعرض. فثبت مما بينا بالبرهان أن لا قوة ولا استعداد بالذات لكون الشيء فاعلا بل إنما القوة والاستعداد للانفعال ولصيرورة الشيء قابلا لشيء بعد أن لم يكن انتهى الأسفار ج 4 ص 105. وأما نفس الاستعداد فقد قيل إنها من المضاف إذ لا يعقل إلا بين شيئين مستعد ومستعد له فلا يكون نوعا من الكيف ويظهر من بعضهم أنه كيف يلزمه إضافة كالعلم الذي هو من الكيفيات النفسانية ويلزمه الإضافة بين موضوعه ومتعلقه أعني العالم والمعلوم وكالقدرة والإرادة.

الفصل الخامس عشر في الكيفيات النفسانية  

الكيفية النفسانية وهي كما قال الشيخ ما لا يتعلق بالأجسام على

ص 121

الجملة إن لم تكن راسخة سميت حالا وإن كانت راسخة سميت ملكة وإذ كانت النسبة بين الحال والملكة نسبة الضعف والشدة وهم يعدون المرتبتين من الضعف والشدة نوعين مختلفين كان لازمه عد الحال مغايرا للملكة نوعا ووجودا. والكيفيات النفسانية كثيرة وإنما أوردوا منها في هذا الباب بعض ما يهم البحث عنه. فمنها الإرادة قال في الأسفار يشبه أن يكون معناها واضحا عند العقل غير ملتبس بغيرها إلا أنه يعسر التعبير عنها بما يفيد تصورها بالحقيقة وهي تغاير الشهوة كما أن مقابلها وهي الكراهة يغاير النفرة إذ قد يريد الإنسان ما لا يشتهيه كشرب دواء كريه ينفعه وقد يشتهي ما لا يريده كأكل طعام لذيذ يضره انتهى ج 4 ص 113. وبمثل البيان يظهر أن الإرادة غير الشوق المؤكد الذي عرفها به بعضهم وملخص القول الذي يظهر به أمر الإرادة التي يتوقف عليها فعل الفاعل المختار هو أن مقتضى الأصول العقلية أن كل نوع من الأنواع الجوهرية مبدأ فاعلي للأفعال التي ينسب إليه صدورها وهي كمالات ثانية للنوع فالنفس الإنسانية التي هي صورة جوهرية مجردة متعلقة الفعل بالمادة علة فاعلية للأفعال الصادرة عن الإنسان لكنها مبدأ علمي لا يصدر عنها إلا ما ميزته من كمالاتها الثانية من غيره ولذا تحتاج قبل الفعل إلى تصور الفعل والتصديق بكونه كمالا لها فإن كان التصديق ضروريا أو ملكة راسخة قضت بكون الفعل كمالا ولم تأخذ بالتروي كالمتكلم الذي يتلفظ بالحرف بعد الحرف من غير ترو ولو تروى في بعضها لتبلد وتلكأ وانقطع عن الكلام وإن لم يكن ضروريا مقضيا به توسلت إلى التروي والفحص عن المرجحات فإن ظفرت بما يقضي بكون الفعل كمالا قضت به ثم يتبع هذه الصورة العلمية على ما

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نهاية الحكمة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب