أجود التقريرات

الصفحة السابقة الصفحة التالية

أجود التقريرات

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 361

بخلاف التزاحم في الملاكات باعتبار تأثيرها في حكم الحاكم فان المناط فيه هو علم الامر وجهله بها بلا دخل لعلم المكلف وجهله بها اصلا فإذا كان المولى جاهلا بمفسدة الغصب أو جاهلا بامكان اجتماع الغصب مع الصلاة في مورد ما فلا محالة يأمر بالصلاة مطلقا ولو كانت مفسدة الغصب في الواقع غالبة على مصلحة الصلاة فيتوقف التزاحم في مقام تأثير الملاك في الحكم على علم الامر بوجود المصلحة مطلقا وبوجود المفسدة كذلك وبجواز اجتماع العنوانين في بعض الموارد سواء كان المأمور عالما بالملاك أم لم يكن عالما به وعليه فإذا كان احد الملاكين ارجح من الاخر في نظر الامر كان التأثير له لا محالة وكان الحكم في مورد الاجتماع على طبقه فيخرج المجمع بذلك عن حيز الحكم الاخر رأسا إذ المفروض غلبة ارجح الملاكين على الاخر في مقام التأثير في نظر الامر فلا يوجب جهل المكلف بالملاك الغالب مع فرضه كونه هو المؤثر في نظر الامر دخول المجمع تحت الحكم الاخر بعد خروجه عنه واقعا وبالجملة تعدية حكم التزاحم في مقام الامتثال بعد تمامية الحكمين في حد ذاتهما إلى التزاحم في مقام تأثير الملاكات في الاحكام ناشئة من الغفلة عن الفرق بين التزاحمين و (اما ثالثا) فلان البيان المذكور يستلزم جواز الامتثال بالمجمع عند جهل المكلف بالملاك الاقوى في جميع موارد التعارض بالعموم والخصوص من وجه مع انه لا يلتزم به أحد مثال ذلك إذا امر المولى باكرام العالم ونهى عن اكرام الفاسق وفرضنا ان المجمع مشتمل على ملاك الوجوب والحرمة وان الاقوى هو ملاك الحرمة فإذا جهل المكلف كون زيد العالم فاسقا واكرمه كان لازم البيان المذكور هو الالتزام بتحقق امتثال الواجب باكرامه مع انه باطل قطعا ولا يلتزم به ففيه ابدا الثاني ان جماعة من القائلين بجواز اجتماع الامر والنهى قد استدلوا عليه بوقوعه في الشريفة المقدسة كما في موارد العبادات المكروهة وهذا الاستدلال وان لم يكن في محله كما سيظهر ذلك في طى البحث انشاء الله تعالى الا أنه لا بأس بتوضيح الحال في تصوير كيفية الكراهة في العبادة لما اشكل الامر فيها على كثير من الاعلام فنقول الكراهة في العبادة على ثلاثة اقسام فان النسبة بين المأمور به والمنهى عنه بالنهي التنزيهى اما أن تكون على نحو العموم والخصوص من وجه أو على نحو العموم والخصوص المطلق وعلى الثاني فاما أن تكون العبادة المكروهة مما لها بدل أو لا يكون لها بدل فهذه ثلاثة

ص 362

اقسام (اما القسم الاول) اعني به ما إذا كانت النسبة بين المأمور به والمنهى عنه تنزيها نسبة العموم والخصوص من وجه فلا اشكال فيه في صحة العبادة وعدم كون الدليل النهى التنزيهى مقيدا لاطلاق المأمور به على القول بالجواز لان المأمور به يكون حينئذ مغايرا للمنهى عنه بالهوية فلا موجب للتقييد واما على القول بالامتناع وفرض وحدة الهوية في الخارج فربما يتوهم التنافي بين وقوع المأتى به مصداقا للمأمور واتصافه بالكراهة فعلا لان تضاد الاحكام لا يختص بالوجوب والحرمة بل يعم الاحكام الالزامية وغيرها ففرض كون العبادة مكروهة ينافى فرض كونها مصداقا للواجب أو المستحب فلا مناص عن تقييد دليل الامر بغير موارد الكراهة كما كان هو الحال فيما إذا كان النهى تحريميا (ولكن التحقيق) ان العبادة على هذا القول وان كانت منهيا عنها لا محالة الا ان النهى عن حصة خاصة لا يوجب تقييد المأمور به بغيرها ما لم يكن النهى تحريميا أو كان النهى مسوقا لبيان المانعية (توضيح ذلك) ان النهى عن حصة خاصة من العبادة تارة يكون مسوقا لبيان كون تلك الخصوصية المتخصصة بها العبادة مانعة عن صحتها من دون دلالته على حكم تكليفي كما في النهى عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه والنهى في هذا القسم لا اشكال في كونه مقيدا لاطلاق المأمور به وكشفه عن اختصاص الامر بغير تلك الحصة واخرى يكون النهى مسوقا لبيان حكم تكليفي وذلك الحكم اما أن يكون حكما تحريميا أو يكون حكما تنزيهيا فان كان الحكم تحريميا كان مقتضاه عدم وجود متعلقه في الخارج وهو ينافي ما يستفاد من اطلاق المأمور به من الترخيص في تطبيقه على أي فرد من افراده اراد المكلف تطبيقه عليه في مقام الامتثال فلا محالة يكون النهى عن حصة خاصة موجبا لتضيق المأمور به وتقييد اطلاقه بغيرها مثال ذلك ما إذا امر الشارع بالصلاة من غير تقييد بحصة خاصة فاطلاق المتعلق يستلزم ترخيص المكلف في تطبيق المأمور به على أي فرد اراد المكلف ايجاده من افراده فان كل فرد بخصوصه وان لم يتعلق به الامر إذ المفروض تعلقه بصرف وجود الطبيعة القابلة للانطباق على كل فرد الا ان العقل يخير المكلف في تطبيق تلك الطبيعة المطلقة المأمور بها على أي فرد من افرادها اراد المكلف ايجاده في الخارج لتساوي نسبتها إلى تلك الافراد فإذا كان بعض افرادها منهيا عنه بالنهي التحريمي كانت حرمته مانعة عن سراية رخصة التطبيق المستفادة من الاطلاق إلى ذلك الفرد

ص 363

قطعا واما إذا كان النهى من حصة خاصة نهيا تنزيهيا فهو لا ينافى رخصة تطبيق المأمور به على تلك الحصة بالضرورة وذلك لان النهى التنزيهى متضمن للرخصة في ايجاد متعلقه على الفرض فلا تنافى بينه وبين اطلاق المأمور به ليكون مقيدا له بغير متعلق النهى غاية الامر ان تطبيق المأمور به على الفرد المنهى عنه يكون مرجوحا بالاضافة إلى تطبيقه على غيره من الافراد وبالجملة النهى التنزيهى وان كان مضادا للوجوب لتضاد الاحكام باسرها ولازم ذلك ان لا يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهى ولو كان النهى تنزيهيا الا أن النهى عن بعض افراد المأمور به لا يستلزم اجتماع الحكمين المتضادين في شيء واحد لان الامر على الفرض لم يتعلق الا بصرف وجود الطبيعة مع قطع النظر عن جميع خصوصياته الطارية عليه واما النهى التنزيهى فهو متعلق بخصوص حصة خاصة دون صرف وجود الطبيعة فلو كان هناك تناف لكان ذلك بين النهى وترخيص تطبيق المأمور به على أي فرد من افراده اراد المكلف تطبيقه عليه في الخارج لكن النهى إذا كان تحريميا تحقق التنافى بين الامرين لا محالة فلا بد من رفع اليد عن اطلاق المأمور به لما تعلق به النهى واما إذا كان النهى تنزيهيا فهو بما انه يتضمن الترخيص في ايجاده لا يقع التنافى بينه وبين الاطلاق المزبور فلا موجب لرفع اليد عن الاطلاق بسببه فيجزى في مقام امتثال الامر المتعلق بصرف الوجود الاتيان بالفرد المنهى عنه تنزيها وان كان الامتثال المتحقق به مرجوحا بالاضافة إلى غيره ولعل من فسر الكراهة في العبادة باقلية الثواب اراد به ما ذكرناه لا ان النهى استعمل في غير طلب الترك ارشادا إلى كون متعلقه اقل ثوابا من غيره فعلى ذلك يكون النهى مستعملا في طلب الترك لمرجوحية الفعل لكن المرجوحية انما هي في تطبيق المأمور به على الفرد المنهى عنه تنزيها وهو لا ينافى الرخصة في تطبيقه عليه كما عرفت الا أنها توجب اقلية الثواب عند تحقق الامتثال بذلك الفرد لا محالة وما ذكرناه هو السر في عدم التزام الاصحاب بتقييد المطلقات الالزامية بالامر الاستحبابى والنهى التزيهى المتعلقين ببعض افرادها بل حملوا الاول على افضل الافراد والثاني على اقلية الثواب كما انه هو السر في عدم التزامهم بالتقييد في باب المستحبات وحملهم المقيد على كونه افضل الافراد وسيتضح ذلك في بحث المطلق والمقيد انشاء الله تعالى (واما القسم الثاني) اعني به ما إذا كانت نسبة المنهى عنه بالنهي التنزيهى إلى المأمور

ص 364

به نسبة الخاص إلى العام مع فرض وجود بدل له فحال النهى فيه هو حاله في القسم الاول بناء على الامتناع كما هو ظاهر فلا حاجة إلى اعادة الكلام فيه (واما القسم الثالث) اعني به ما إذا كانت النسبة بين المأمور به والمنهى عنه نسبة العموم والخصوص المطلق مع فرض عدم بدل للمنهى عنه في الخارج فلا يمكن فيه الالتزام بما التزمناه في القسمين السابقين لان ما تعلق به النهى فيه كصوم يوم عاشوراء هو بعينه متعلق الامر والمفروض انه لا بدل له فلم يتعلق الامر بصرف وجود الطبيعة الجامعة بين الفرد المنهى عنه وغيره ليكون النهى التنزيهى متعلقا بتطبيق المأمور به على خصوص فرد من أفراده وغير مناف لاطلاق المأمور به ولاجل ذلك ذهب جماعة تبعا للعلامة المحقق الأنصاري (قده) في هذا القسم إلى عدم كراهة المنهى عنه بل حملوا النهى عن الفعل فيه على الارشاد إلى وجود مصلحة في الترك ارجح من مصلحة الفعل لاجل كون الترك سببا توليديا لعنوان راجح في نفسه كمخالفة بنى امية لعنهم الله تعالى فيرجع الامر إلى أن كلا من الفعل والترك مستحب في نفسه لكن مصلحة الترك ارجح من مصلحة الفعل فليس معنى الكراهة هنا هو كون الفعل مرجوحا لمفسدة فيه لينافى ذلك استحبابه وتعلق الامر به بل معناها هو رجحان الترك لاجل كونه سببا توليديا لعنوان راجح وهو لا ينافى اشتمال الفعل على مصلحة موجبة لرجحانه ايضا (ولكنه لا يخفى (1) ان الفعل والترك إذا كان منهما مشتملا على

(هامش)

(1) لا يخفى عليك ان اشتمال كل من الفعل والترك على المصلحة وان كان لا يوجب تعلق الامر بهما تعيينا أو تخييرا لاستحالة طلب النقيضين تعيينا أو تخييرا الا أن ذلك فيما إذا كانت المصلحة مترتبة على مطلق وجود الفعل والترك واما فيما إذا كانت مترتبة على حصة خاصة من الفعل كما هو الحال في موارد العبادات المكروهة في محل الكلام إذ المصلحة فيها مترتبة على الفعل المأتى به عبادة فلا محالة يكون المورد داخلا في صغرى تزاحم المستحبين لان المكلف حينئذ قادر على تركهما والاتيان بالفعل المجرد عن قصد القربة وغير قادر على الجمع بينهما وعليه فإذا كانت مصلحة الترك اهم من مصلحة الفعل لم يكن مانع من النهى عن الفعل ارشادا إلى ما في الترك من المصلحة فالكراهة في هذه الموارد لم تنشأ من حزازة ومنقصة في الفعل لتنافى كونه عبادة بل انما نشأت من كون الترك ارجح من الفعل كما يظهر ذلك من مداومة الائمة سلام الله عليها على الترك وامرهم اصحابهم به وهذا لا ينافى صحة الفعل إذا اتى به عبادة وهذا الوجه هو الذي افاده العلامة الأنصاري قدس سره في تصوير الكراهة في العبادة في هذا القسم - (*)

ص 365

مقدار من المصلحة فبما انه يستحيل تعلق الامر بكل من النقيضين في زمان واحد يكون المؤثر في نظر الامر احدى المصلحتين على تقدير كونها اقوى من الاخرى وتسقط كلتاهما عن التأثير على تقدير التساوى لاستحالة تعلق الطلب التخييري بالنقيضين لانه من طلب الحاصل وعليه يستحيل كون كل من الفعل والترك مطلوبا بالفعل وبالجملة اشتمال كل من الفعل والترك على المصلحة يوجب تزاحم الملاكين في تأثيرهما في جعل الحكم على طبق كل منهما لاستحالة تأثيرهما في زمان واحد في طلب النقيضين تعيينا أو تخييرا وعليه يتفرع وقوع التزاحم في التأثير فيما كان كل من الضدين الذين لا ثالث لهما مشتملا على المصلحة أو المفسدة الداعية إلى جعل الحكم على طبقها وفيما إذا كان أحد المتلازمين دائما مشتملا على مصلحة والاخر مشتملا على مفسدة فان في جميع ذلك يستحيل جعل الحكم على طبق كل من الملاكيين تعيينا أو تخيير الرجوعه إلى طلب النقيضين المفروض استحالته فلا بد من جعل الحكم على طبق احد الملاكين ان كان احدهما اقوى من الاخر والا فلا يؤثر شيء منهما في جعل الحكم على طبقه نعم إذا كان كل من الضدين الذين لهما ثالث مشتملا على مصلحة الزامية أو غير الزامية لم يكن مانع من تعلق الامر بكل منهما تخييرا والفرق بينهما وبين النقيضين أو الضدين اللذين ليس لهما ثالث ظاهر لا يكاد يخفى (والتحقيق في الجواب) عن هذا القسم يتضح برسم مقدمة نافعة في جملة من الموارد وهى أنه لا شبهة في أن النذر إذا تعلق بعبادة مستحبة فالامر الناشئ من النذر يتعلق بذات العبادة التي كانت متعلقة للامر الاستحبابى في نفسها فيندك الامر الاستحبابى في الامر الوجوبى ويتحد به فيكتسب الامر الوجوبى جهة التعبد من الامر الاستحبابى كما ان الامر الاستحبابى يكتسب جهة اللزوم من الامر الوجوبى فيتولد من اند كاك احد الامرين في الاخر امر واجد وجوبي عبادي والسر في ذلك انه إذا كان متعلق كل من الامرين عين ما تعلق به الاخر فلا بد من اندكاك احدهما في الآخر والالزم اجتماع الضدين في شيء واحد واما إذا كانت العبادة المستحبة متعلقة للاجارة في موارد النيابة عن الغير كان متعلق الامر الاستحبابى مغايرا لما تعلق به الامر الوجوبى

(هامش)

- وهو الصحيح واما ما افاده شيخنا الاستاد قدس سره في تصويرها فسيظهر لك ما فيه بعيد ذلك انشاء الله تعالى (*)

ص 366

لان الامر الاستحبابى (1) على الفرض تعلق بذات العبادة واما الامر الناشئ من الاجارة فهو لم يتعلق بها بل تعلق باتيان العبادة بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه بداهة ان ذات العبادة من دون قصد النيابة عن المنوب عنه لم يتعلق بها غرض عقلائي من المستأجر ولاجله تبطل الاجارة لو تعلقت بها أو بمثلها مما لم يتعلق به غرض عقلائي و على ذلك يترتب انه يستحيل تداخل الامرين باندكاك احدهما في الآخر في موارد الاجارة على العبادة إذ التداخل فرع وحدة المتعلق والمفروض عدمها في تلك الموارد فلا يلزم

(هامش)

(1) التحقيق انه لا فرق بين موارد الاجارة على العبادة المأتى بها نيابة عن الغير و موارد تعلق النذر بها توضيح ذلك ان الاوامر المتصورة في موارد الاجارة اربعة الاول الامر المعلق بالمنوب عنه الساقط في بعض الموارد بموت ونحوه وهذا الامر اجنبي عن النائب بالكلية ولا معنى لاتحاده مع الامر الناشئ من قبل الاجارة وعدم اتحاده معه لاختلاف موضوعهما على الفرض الثاني الامر الاستحبابى المتوجه إلى النائب المتعلق باتيان العبادة من قبل نفسه وهذا الامر لا معنى ايضا لاتحاده مع الامر الناشئ من قبل الاجارة وعدم اتحاده معه لاختلاف متعلقهما كما هو ظاهر الثالث الامر الاستحبابى المتوجه إلى النائب المتعلق باتيان العمل نيابة عن الغير الرابع الامر الوجوبى المتوجه إليه المتعلق بما تعلق به الامر الاستحبابي بعينه وهذان الامران بما انهما متعلقان بشيئ واحد لا مناص عن اندكاك احدهما في الاخر فتكون النتيجة امرا واحدا وجوبيا متعلقا باتيان العمل عن الغير فلا فرق بين موارد تعلق الاجارة بالعبادة وموارد تعلق النذر بها اصلا واما ما افاده شيخنا الاستاد قدس سره من ان الامر الاستحبابى في موارد الاجارة متعلق بذات العبادة والامر الوجوبى متعلق باتيانها بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه فيظهر فساده مما ذكرناه وذلك لان الامر الاستحبابى المتوجه إلى النائب كما عرفت امران احدهما متعلق باتيان العمل من قبل نفسه وثانيتهما متعلق باتيان العمل عن الغير ونيابة عنه وعلى كل حال فهو غير متعلق بذات العبادة نفسها واما الامر الوجوبي الناشئ من قبل الاجارة فهو وان كان متعلقا باتيان العمل نيابة عن الغير الا أنه غير متعلق باتيان العمل بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه ضرورة انه يستحل ان يكون الامر المتوجه إلى شخص داعيا لشخص آخر إلى الاتيان بمتعلقه بل الداعي لكل مكلف انما هو الامر المتوجه إلى شخصه لا محالة غاية الامر ان متعلقه ربما يكون هو الاتيان بالفعل من قبل نفسه وربما يكون هو الاتيان به من قبل الغير ونيابة عنه وتمام الكلام في محله (*)

ص 367

اجتماع الضدين في شيء واحد من تعلق الامر الاستحبابى بذات العمل وتعلق الامر الوجوبى باتيان العبادة بداعي امتثال الامر المتوجه إلى المنوب عنه (إذا عرفت ذلك) فنقول ان الاشكال في اتصاف العبادة بالكراهة في القسم الثالث انما نشأ من نخيل ان متعلق الامر والنهى هو شيء واحد مع أنه ليس كذلك لوضوح ان متعلق الامر هو ذات العبادة واما النهى التنزيهى فهو لم يتعلق بها لعدم مفسدة في فعلها ولا مصلحة في تركها بل تعلق (1) بالتعبد بهذه العبادة لما فيه من المشابهة للاعداء وبما ان النهى تنزيهي وهو متضمن للترخيص في الاتيان بمتعلقه جاز التعبد بتلك العبادة بداعي امتثال الامر المتعلق بذانها نعم لو كان النهى تحريميا لكان مانعا من تعلق الامر بها بخصوصها ومن شمول اطلاق المأمور به للفرد المنهى عنه لوضوح التنافى بينه وبين حرمة التعبد به فيكون الفرد المنهى عنه خارجا عن حيز الامر ويكون دليل النهى مقيدا لاطلاق دليل الامر فظهر ان متعلق النهى التنزيهى في هذا القسم بما أنه مغاير لمتعلق الامر لا يكون منافيا له وبما انه تنزيهي لا يكون مانعا من التعبد بمتعلق فارتفع اشكال اجتماع الضدين في هذا القسم من العبادات المكروهة ايضا. بقى الكلام في الجهة الثانية من الجهتين اللتين ذكرناهما في اول البحث وملخص الكلام في هذا المقام هو ان يقال بعد ما ثبت كون الجهة تقييدية والتركيب انضماميا انه هل يشترط في امتثال الامر بالطبيعة كون الفرد بنفسه مقدورا كما ذهب إليه جماعة من المحققين أو يكفى فيه القدرة في الجملة على ايجاد الطبيعة المأمور بها وان كان الفرد المأتى به بشخصه غير مقدور شرعا كما ذهب إليه المحقق الثاني ومورد كلامه (قده) وان كان هي الافراد الطولية الا أن ملاكه متحقق في الافراد العرضية ايضا فان قلنا بالاول فلا محالة

(هامش)

(1) لا يخفى ان ما افيد في المتن من دعوى تعلق الكراهة بالتعبد بالعبادة المتعلق بها الامر الاستحبابى مع انه خلاف ظواهر الادلة الدالة على النهى عن نفس العبادة كصوم يوم عاشوراء لا يدفع به اشكال اجتماع الامر والنهى في شيء واحد ضرورة ان الامر الاستحبابى كما تعلق بذات العبادة تعلق بالتعبد بها ايضا كما عرفت ذلك في بحث التعبدى والتوصلى غاية الامر ان تعلقه بما انما هو بالامر الثاني الموجب لتقييد الامر الاول بنتيجة التقييد على ما ذهب إليه شيخنا الاستاد قدس سره وعليه فإذا كان التعبد بعبادة ما متعلقا للنهى التنزيهى ايضا لزم اجتماع حكمين متضادين في شيء واحد وهو مستحيل (*)

ص 368

يقع التزاحم بين الامر والنهى في المجمع إذ النهى يجعله غير مقدور فلا يصح الامتثال به فلا بد اما من رفع اليد عن النهى ليكون المأتى به مقدورا أو من رفع اليد عن اطلاق الامر وتقييده بغير المجمع لكو نه غير مقدور بتعلق النهى به واما إذا قلنا بالثاني فلا تزاحم بين الامر والنهى اصلا لان المفروض ان القدرة في الجملة على ايجاد الطبيعة تكفى في صحة الامتثال بالفرد وان لم يكن شخص الفرد مقدورا فان الانطباق قهرى والاجزاء عقلي (ثم ان النزاع) في صحة امتثال الامر بالطبيعة باتيان فردها وان لم يكن شخص الفرد مقدورا وعدم صحته انما نشأ من النزاع في ان اشتراط الامر بشيئ بالقدرة على متعلقه هل هو من جهة حكم العقل بقبح الخطاب بغير المقدور أو من جهة ان نفس البعث إلى شيء والتحريك نحوه يستلزم كون المبعوث إليه مقدورا فان التحريك نحو غير المقدور غير معقول فمتعلق الطلب في نفسه وان كان يعم غير المقدور الا ان نفس تعلق الطلب به يوجب تقييده بالحصة المقدورة فغير المقدور من افراده يخرج عن حيز الامر لا محالة فان قلنا بالاول صح امتثال الامر بالطبيعة باتيان فردها وان لم يكن شخص الفرد مقدورا لما تقدم من ان الانطباق قهرى والاجزاء عقلي واما إذا قلنا بالثاني امتنع الامتثال بغير المقدور فان الطبيعة بما هي وان كانت منطبقة على غير المقدور ايضا الا انها بما هي مأمور بها لا تنطبق عليه فلا يصح الامتثال به واذ قد عرفت في ما تقدم ان نفس تعلق الطلب بشيئ يقتضى (1) اعتبار القدرة في متعلقه تعرف ان الحق في المقام هو القول بالامتناع من جهة الثانية فلا يصح امتثال الامر بالطبيعة بالاتيان بالمجمع في حال الالتفات والعمد

(هامش)

(1) قد عرفت فيما تقدم ان حقيقة الوجوب ليست الا عبارة عن اعتبار كون فعل ما على ذمة المكلف وهذا المعنى في نفسه لا يقتضى اعتبار القدرة على ذلك الفعل وانما تكون القدرة معتبرة بحكم العقل في مقام الامتثال دون مرحلة التكليف الا في موارد تلزم اللغوية من الاعتبار المزبور وعليه يترتب ان الحق في المقام هو القول بالجواز من الجهة الثانية فيصح الاتيان بالمجمع بداعي امتثال الامر بالطبيعة ولو كان ذلك حال العلم والعمد ايضا بل التحقيق جواز ذلك حتى على القول باقتضاء طلب شيء اعتبار القدرة عليه لان حرمة ما يكون مقارنا لفرد المأمور به لا تجعل ذلك الفرد غير مقدور عليه ليخرج بذلك عن حيز الامر ضرورة ان عدم القدرة على شيء اما ان يتحقق بالعجز عنه تكوينا واما بالنهي عن نفس ذلك الشيئ أو عن مقد ماته المتوقفة عليه عقلا لان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا واما -

ص 369

(فان قلت) ان حكم الاصحاب بفساد الصلوة الواقعة في الدار المغصوبة في حال العمد والالتفات وبصحتها في حال الجهل لا يستقيم على القول بامتناع اجتماع الامر والنهى ولا على القول بجوازه فانا إذا قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهى من الجهة الاولى لاستلزامه اجتماع الضدين فقد سبق ان لازمه وقوع التعارض بين الدليلين وخروج المجمع عن تحت الامر بالكلية على تقدير تقديم دليل الحرمة وان لازم ذلك هو فساد العبادة باتيان المجمع حتى في صورة الجهل بالحرمة وقد مر انه خلاف المتسالم عليه بين الاصحاب واما إذا قلنا بالجواز من تلك الجهة وتعدد متعلق الامر والنهى فلازمه الحكم بصحة العبادة باتيان المجمع حتى في صورة العلم بالحرمة ولو قلنا بالامتناع من الجهة الثانية وذلك ايضا ينافى تسالم الاصحاب على البطلان في فرض العلم بالحرمة (قلت) (1) اما استلزام القول بالامتناع من الجهة الاولى للقول بفساد العبادة بالاتيان بالمجمع حتى في صورة الجهل بالحرمة فهو صحيح كما بيناه سابقا واما استلزام القول بالجواز من تلك الجهة للقول بالصحة حتى في صورة العلم بالحرمة ولو بنينا على الامتناع من الجهة الثانيه فهو غير صحيح (2) لا الموجب لصحة العبادة حينئذ اما ان يكون

(هامش)

- في غير ذلك فلا موجب - لدعوى كون فعل ما غير مقدور عليه اصلا ومن الواضح ان الاتيان بفرد المأمور به في ضمن المجمع بما انه مقدور عليه تكوينا وغير منهى عنه شرعا إذا لمفروض عدم سراية النهى عن ملازمه إليه لا موجب لكو نه خارجا عن حيز الامر فلا وجه لدعوى اختصاص الطلب بغير الفرد المجتمع مع المنهى عنه خارجا وعليه فلا مانع من صحة الامتثال باتيان المأمور به في ضمن المجمع ولو كان ذلك في حال العلم والعمد (1) الانصاف صحة الاعتراض المزبور على الاصحاب لما عرفت مما بيناه ان الامر دائر بين الحكم بالصحة مطلقا والحكم بالفساد كذلك ولا وجه للتفصيل بين صورتي العلم والجهل اصلا واما ما افاده شيخنا الاستاد قدس سره في توجيه ذلك فسيظهر لك ما فيه بعيد ذلك انشاء الله تعالى (2) التحقيق صحة ذلك اما اولا فلما عرفت من ان الصحيح هو القول بالجواز من الجهة الثانية فلا مانع من تحقق الامتثال بالاتيان بفرد المأمور به المجتمع مع الفرد المنهى عنه واما ثانيا فلما عرفت من صحة القول بالترتب في موارد اجتماع الامر والنهى بناء على القول بالجواز من الجهة الاولى كما مر بيان ذلك في بحث الترتب واما ثالثا فلصحة التقرب بالملاك الموجود في المجمع ولو سلم عدم تعلق الامر به فعلا واما ما افيد في المتن من دعوى عدم صلوح الملاك المزاحم بالقبح الفاعلى المتحقق عند الاتيان - (*)

ص 370

هو الامر المتعلق بها على نحو الترتب أو يكون هو الملاك المقتضى للامر لا سبيل إلى الاول لما عرفت سابقا من امتناع الترتب في موارد اجتماع الامر والنهى ولا إلى الثاني لان ملاك الامر لابد من أن يكون غير مزاحم بالقبح الفاعلى ليكون صالحا للتقرب به والملاك المفروض وجوده في المقام ليس كذلك فان الصلاة والغصب مثلا بما انهما ممتزجان في الخارج بحيث لا تمكن الاشارة إلى احدهما دون الاخر كانا متحدين في مقام الايجاد والتأثير فيكون موجدهما مرتكبا للقبيح في ايجاده ومعه يستحيل ان يكون الفعل الصادر منه مقربا له نعم إذا كانت الحرمة مجهولة وكان المكلف معذورا في مخالفتها فيما انها لا تكون صارفة للمكلف عن متعلقها لا تكون معجزة له عن فعل المأمور به فيقع مورد الاجتماع صحيحا في ظرف الجهل كما هو الحال في بقية موارد التزاحم (هذا كله) فيما إذا كان هناك مندوحة واما فيما إذا لم تكن فتقع المزاحمة بين نفس خطابي الوجوب والحرمة وذلك يكون على قسمين (الاول) فيما إذا كان من متعلقي الوجوب والحرمة شموليا يشمل مورد الاجتماع (الثاني) ما إذا كان كل من متعلقي الوجوب بدليا وانحصر امتثاله من باب الاتفاق بالاتيان بالمجمع لاجل عدم وجود المندوحة (اما القسم الاول) فقد ظهر من مطاوى ما ذكرناه ان الخطابين بالنسبة إلى مورد الاجتماع في هذا القسم يكونان متعارضين وجعل احد الحكمين فيه بنفسه ينافى جعل الاخر فيكون المجمع من اول الامر داخل في افراد المأمور به أو داخلا في افراد المنهى عنه ولا تصل النوبة حينئذ

(هامش)

- بالمجمع لان الامتزاج بين المأمور به والمنهى عنه في الخارج بحيث لا تمكن الاشارة إلى احدهما دون الاخر اوجب اتحادهما في الخارج في مقام الايجاد والتأثير وذلك مانع من صحة التقرب بالاتيان بالمجمع فهو مدفوع بان القول بالجواز من الجهة الاولى كما هو المفروض في المقام يبتنى على القول بتعدد وجود المأمور به والمنهى عنه في الخارج كما مر بيان ذلك فيما تقدم ومن الواضح ان تعدد الوجود في الخارج يستلزم تعدد الايجاد والتأثير لان الايجاد والوجود متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فالفرد المأمور به كما أنه مغاير للمنهى عنه وجودا مغاير له ايجادا فليس هناك قبح فعلى أو فاعلي الا فيما هو مقارن للمأمور به في الخارج ولا يسرى منه القبح إلى فرد المأمور به بوجه اصلا فتحصل ان القول بالجواز من الجهة الاولى يستلزم القول بصحة العبادة المجتمعة مع المنهى عنه سواء اتى بها حال الجهل بالحرمة ام اتى بها حال العلم والعمد فالتفصيل بالقول بالصحة حال الجهل وبالقول بالفساد حال العلم لا وجه له اصلا. (*)

ص 371

إلى التزاحم (واما القسم الثاني) اعني به ما إذا كان متعلق الوجوب بدليا وانحصر امتثاله من باب الاتفاق بالاتيان بالمجمع فهو على قسمين لان الانحصار به اما أن لا يكون بسوء اختيار المكلف أو يكون بسوء اختياره فالكلام يقع في مقامين (اما الكلام في المقام الاول) اعني به ما إذا كان الانحصار بغير سوء اختيار المكلف فتوضيحه بأن يقال ان اعتبار القيود العدمية اما أن يكون مدلولا للنهى الغيرى فيكون التقييد هو المستفاد من الدليل ابتداء واما ان يكون مستفادا بالدلا لة الالتزامية من النهى النفسي الدال على الحرمة كما في موارد النهى عن العبادة أو موارد اجتماع الامر والنهى بناء على الامتناع من الجهة الاولى واما ان يكون لاجل مزاحمة المأمور به للمنهى عنه مع فرض تقديم جهة الحرمة على الوجوب فهناك اقسام (اما القسم الاول) اعني به ما كان اعتبار القيد العدمي في المأمور به مدلولا ابتدائيا للنهى الغيرى كما في النهى عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه فمقتضى اطلاق دليل التقييد فيه على تقدير تمامية مقدماته هو اعتبار القيد في المأمور به في جميع احوال المكلف ولازم ذلك هو سقوط الامر عند انحصار الامتثال بالفرد الفاقد للقيد كما في صورة الاضطرار إلى ليس الحرير أو غير المأكول المعتبر عدمهما في الصلاة الا أن ما دل على ان الصلاة لا تسقط بحال قد دل على الغاء الشارع كل قيد من قيودها في حال العجز عن تحصيله (واما القسم الثاني) اعني به ما كان اعتبار القيد العدمي مستفادا من نهى نفسي فان قلنا فيه بكون التقييد تابعا للحرمة ومتفرعا عليها كما هو المشهور (1) فمقتضى القاعدة فيه هو سقوط القيد عند الاضطرار

(هامش)

(1) التحقيق صحة ما ذهب إليه المشهور لا لاجل ان وجود احد الضدين في مرتبة سابقة على عدم الضد الاخر ليرد عليه ما تقدم من عدم توقف احد الضدين على عدم الاخر و بالعكس بل لاجل ان دلالة النهى على عدم وجوب متعلقه بالد لالة الالتزامية انما هي بتبع دلا لته على حرمته بالمطابقة وقد تقدم ان الد لالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية وجودا وحجية فإذا سقطت الد لالة المطابقية سقطت الدلالة الالتزامية ايضا وعليه فلا مانع من التمسك باطلاق دليل الامر فيما إذا سقطت الحرمة باضطرار ونحوه كما هو الحال فيما إذا ورد التخصيص على دليل النهى من اول الامر (فان قلت) فرق بين ورود التخصيص على دليل النهى وارتفاع حرمة شيء باضطرار ونحوه لان دليل التخصيص الوارد على دليل النهى يكشف عن اختصاص الحرمة بغير مورد التخصيص من اول الامر فلا يبقى مانع من التمسك باطلاق دليل الوجوب بالاضافة إلى مورد التخصيص وهذا بخلاف - (*)

ص 372

لسقوط علته المقتضية اعني بها الحرمة واما إذا قلنا بكون التقييد والحرمة معلولين للنهى في مرتبة واحدة من دون سبق ولحوق بينهما فيكون حال هذا القسم حال القسم الاول في ان القاعدة الاولية فيه تقتضي سقوط الامر عند تعذر قيده والقاعدة الثانوية تقتضي سقوط التقييد ولزوم الاتيان بكل ما امكن الاتيان به من اجزاء الصلاة وشرائطها (واما القسم الثالث) أعنى به ما كان اعتبار القيد العدمي ناشئا من مزاحمة المأمور به للمنهى عنه فالقاعدة فيه تقتضي سقوط التقييد عند الاضطرار لان التزاحم فرع وجود التكليف التحريمي وتنجزه كى يكون معجزا للمكلف عن الاتيان بالمأمور به ومعذرا له في تركه فإذا فرض سقوط الحرمة بالاضطرار لم يبق موضوع للتزاحم الموجب لعجز المكلف شرعا عن الاتيان بالمأمور به فلا محالة يسقط التقييد ويبقى الامر متعلقا بغير المقيد (ثم ان جماعة) حكموا بلزوم الاقتصار على قدر الضرورة من التصرفات التى لا بد منها عند الاضطرار إلى الغصب فلم يجوزوا التصرف الزائد على ذلك ورتبوا عليه وجوب الايماء في الصلاة بدل الركوع والسجود عند الاضطرار إلى التصرف في المكان المغصوب لان الركوع والسجود تصرف زائد على قدر الضرورة فلا موجب لسقوط حرمتهما (وقد اورد على ذلك) بان الجسم إذا كان لابد من ان يشغل مقدارا معينا من الحيز بقدر حجمه كيف ما كان وضعه ولا يختلف مقدار حيزه باختلاف اوضاعه فلا موجب لسقوط وجوب الركوع والسجود لينتقل التكليف إلى وجوب الايماء (وفيه) ان الاعتبار في صدق التصرف الزائد على قدر الضرورة

(هامش)

- دليل رفع الحكم باضطرار ونحوه لان غاية ما يستفاد من ذلك الدليل انما هو ارتفاع الحرمة الفعلية لاجل عروض ما يوجب ارتفاعها واما ارتفاع ملاك التحريم فلا يكون دليل رفع الحكم دليلا عليه قطعا وعليه فالفعل الصادر حال الاضطرار بما انه مشتمل على ملاك التحريم لا يكون قابلا للتقرب به ولان يؤمر به بالفعل فلا يصح التمسك باطلاق دليل الوجوب بالاضافة إليه (قلت) الفعل المضطر إليه مثلا وان لم يرتفع ملاك حرمته الا أن ذلك الملاك بما أنه غير مؤثر في المبغوضية الفعلية ولذلك يكون الفعل موردا للترخيص شرعا لا يكون مانعا عن ايجاب ذلك الفعل والالزام به بعد فرض اشتماله في نفسه على الملاك الملزم وعليه فلا مانع من التمسك باطلاق دليل الوجوب بالاضافة إليه وبذلك يثبت جواز امتثال الامر المتعلق بالطبيعة بذلك الفرد فيكون مصداقا للواجب في الخارج ومن هذا القبيل ما لو اضطر المكلف على التصرف في الماء المغصوب فانه مع جواز التصرف فيه بالاضطرار ونحوه لا مانع من جواز الوضوء أو الغسل به من دون فرق بين ما إذا كان الماء منحصرا به وما إذا لم يكن منحصرا به (*)

ص 373

انما هو ينظر العرف (1) لا بالدقة الفلسفية ولا ريب في أن الركوع والسجود يعدان عرفا من التصرف الزائد فلا يكون الاضطرار إلى الغصب موجبا للترخيص فيهما فلا بد من الاقتصار على الايماء بدلا عنهما (هذا كله) فيما إذا كان المضطر إلى الغصب غير متمكن من التخلص عنه كما إذا كان محبوسا فيه واما إذا كان متمكنا من التخلص عنه كما إذا كان المتوسط في الارض المغصوبة بغير اختياره قادرا على الخروج عنها فان كان قادرا على الصلاة في غير المكان المغصوب فلا اشكال في وجوبها عليه لعدم ما يوجب سقوط قيد من قيود الصلاة حينئذ واما إذا لم يكن قادرا عليها في غير ذلك المكان المغصوب لضيق الوقت مثلا فالواجب عليه حينئذ هو الصلاة حال الخروج مع الايماء بدلا عن الركوع والسجود ولا يجوز له الركوع والسجود لما عرفت من كونهما تصرفا زائدا عرفا على قدر الضرورة. (واما المقام الثاني) اعني به ما إذا كان الانحصار بسوء الاختيار كما إذا توسط المكلف الارض المغصوبة باختياره فيقع الكلام فيه في موضعين (الاول) في حكم الخروج في حد ذاته (الثاني) في حكم الصلاة الواقعة في المكان المغصوب (اما الموضع الاو) فقد وقع فيه الخلاف على أربعة اقوال (الاول) ان الخروج واجب وحرام فعلا وقد ذهب إلى هذا القول أبو هاشم ويظهر اختياره من المحقق القمى (قده) وهذا القول مبنى على دخول المقام في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار خطابا وعقابا (الثاني) انه واجب فعلا ولكن يجرى عليه حكم المعصية للنهى السابق الساقط بالاضطرار وذهب إليه صاحب الفصول (قده) (الثالث) انه غير محكوم فعلا بحكم من الاحكام الشرعية الا انه واجب عقلا لكونه اقل المحذورين واخف القبيحين ولكنه يجرى عليه حكم المعصية للنهى السابق الساقط بالاضطرار

(هامش)

(1) الظاهر ان المكلف إذا كان مضطرا إلى المكث في المكان المغصوب لا يفرق الحال بين ان يكون راكعا أو ساجدا فيه وان يكون قائما فيه فكما ان الرجوع أو السجود تصرف فيه كذلك القيام تصرف فيه ايضا فلا وجه حينئذ للقول بلزوم الاقتصار على الايماء بدلا عن الركوع والسجود واما دعوى انهما يعدان بنظر العرف من التصرف الزائد فهى دعوى بلا بينة وبرهان ومن ذلك يظهر حكم الركوع والسجود في الصلوة الواقعة حال الخروج إذا تمكن المكلف من التخلص من الغصب نعم فيما إذا استلزم الركوع أو السجود التوقف في المكان المغصوب زائدا على ما يقتضيه الخروج في نفسه انتقل الامر إلى الايماء والفرق بين هذه الصورة وما هو محل الكلام ظاهر لا يكاد يخفى (*)

ص 374

وهذا القول قد اختاره المحقق صاحب الكفايه (قده) وهذان القولان مبنيان على دخول المقام في كبرى قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا لا خطابا (الرابع) انه واجب شرعا ولا يجرى عليه حكم المعصية لدخوله في كبرى قاعدة وجوب رد المال إلى مالكه ولا ربط له بقاعدة عدم منافاه الامتناع بالاختيار للاختيار من جهة العقاب والخطاب أو من جهة العقاب فقط وهذا القول هو مختار المحقق العلا مة الأنصاري (قده) وهو الصحيح عند نا (1) نعم بناء على دخول المقام في ذيل كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار فالحق هو ما اختاره صاحب الكفاية (قده) فلنا دعويان (الاولى) ان الخروج لا يكون محكوما بحكم شرعى فعلا ويجرى عليه حكم المعصية بناء على دخول المقام تحت كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار (الثانية) ان المقام ليس داخلا تحت تلك الكبرى وانما هو داخل تحت قاعدة اخرى اعني بها قاعدة وجوب رد المال إلى مالكه فلا يكون الخروج محكوما الا بالوجوب (اما الدعوى الاولى) فيكفى في اثبات بطلان القولين السابقين فنقول اما قول ابى هاشم فيبطله انه طلب المحال وهو مستحيل من الحكيم الملتف إلى استحالته (واما توهم) ان الخطاب التحريمي في المقام ليس خطابا بعثيا ليستحيل صدوره من الحكيم الملتفت وانما هو خطاب تسجيلي ليصح به عقاب العبد كما هو الحال في الاوامر المتوجهة إلى العصاة مع علم الامر بعدم تحقق الاطاعة منهم (فيدفعه) انه لا يعقل معنى صحيح للخطاب التسجيلى لان العبد إذا كان مستحقا للعقاب مع قطع النظر عن هذا الخطاب فما فائدة الخطاب وان لم يكن مستحقا له في نفسه فكيف يصح خطابه بهذا الداعي مع فرض عدم قدرة العبد على امتثاله وهل يعد ذلك الا تعديا من المولى على عبده العاجز عن الامتثال (واما قياس المقام) بخطاب العصاة مع العلم بعدم تحقق الاطاعة منهم (فهو قياس) في غير محله إذ الخطاب المتوجه إليهم خطاب حقيقي كالخطاب المتوجه إلى غيرهم ضرورة انه لا يعتبر في صحة البعث أو الزجر الحقيقيين الا امكان الانبعاث أو الانزجار من المكلف في الخارج وهذا المعنى متحقق في موارد تكليف العصاة على الفرض فان العصيان انما هو باختيارهم واين ذلك من الخطاب التسجيلى المفروض فيه عدم قدرة العبد على الامتثال (واما قول صاحب الفصول) (قده) فيبطله امتناع تعلق الحكمين بفعل واحد ولو كان زمان الايجاب مغايرا لزمان التحريم لان الاعتبار في الاستحالة والامكان انما هو باتحاد زمان

(هامش)

(1) بل الصحيح هو الوجه الثالث وسيظهر وجهه بعيد ذلك انشاء الله تعالى (*)

ص 375

صدور الفعل وتعدده لا باتحاد زمان الايجاب والتحريم وتعدده من حيث انفسهما وذلك لان الاحكام كما عرفت انما تتعلق بالطبايع باعتبار صدورها من المكلف في الخارج فالاعتبار انما هو بوحدة زمان الفعل وتعدده لا بوحدة زمان التكليفين وتعدده وعليه فإذا فرض ان الخروج تعلق به النهى السابق ولذلك يجرى عليه حكم المعصية امتنع تعلق الوجوب به فعلا ونظير ذلك ما صدر من المحقق صاحب الكفاية (قده) في تعليقته على المكاسب من الالتزام بان المال الواقع عليه العقد الفضولي بعد صدور العقد وقبل حصول الاجازة محكوم عليه واقعا بكونه ملك من انتقل عنه وبعد الاجازة بحكم عليه واقعا بكونه ملكا في ذلك الزمان بعينه لمن انتقل إليه ولا منافاة بين الحكمين اصلا لتعدد زمانهما وان اتحد زمان المحكوم بهما وما ذكره (قده) يشارك (1) ما ذهب إليه صاحب الفصول (قده) في ملاك الاستحالة لما عرفت من ان الاعتبار في الاستحالة والامكان انما هو باتحاد زمان المتعلقين وتعدده لا باتحاد زمان الحكمين بانفسهما وتعدده (وبالجملة) الامر أو النهى انما يصدر من المولى ليكون باعثا للمكلف إلى الفعل أو زاجرا له عنه فإذا فرض سقوط التحريم في ظرف امكان صدور متعلقه امتنع جعله (ومن ذلك يظهر) بطلان توهم ان القول بصحة الواجب المعلق يستلزم صحة تعلق الحكمين بفعل واحد إذا كان زمان احد الحكمين غير زمان الاخر وذلك لان الالتزام بالواجب المعلق على تقدير صحته في نفسه انما يصح فيما إذا كان الحكم السابق مستمرا إلى زمان امتثاله كما إذا وجب الحج قبل

(هامش)

(1) لا يخفى ان ما افاده صاحب الكفاية قدس سره في تعليقته على المكاسب لا يشارك في وجه الاستحالة ما افاده صاحب الفصول (قده) في المقام وذلك لان الحكم التكليفى انما يكون تابعا لما في متعلقه من الملاك فالفعل الواحد الواقع في زمان واحد إذا كان محبوبا للمولى امتنع النهى عنه كما انه كان مبغوضا له امتنع الامر به فتعدد زمان الامر والنهى لا يجدى في صحتهما إذا كان زمان ما تعلقا به واحدا وهذا بخلاف الحكم الوضعي فانه يتبع ما في نفسه من الملاك المقتضى لجعله فلا مانع من اعتبار الملكية مثلا قبل حصول الاجازة لمن انتقل عنه المال لمصلحة مقتضية له ومن اعتبار ملكية ذلك المال في ذلك الزمان بعينه بعد حصول الاجازة لمن انتقل إليه المال لمصلحة مقتضية له ايضا بل قد ذكرنا في محله انه لا مناص عن الالتزام بذلك وانه هو الصحيح من وجوه القول بالكشف وتمام الكلام في محله (*)

ص 376

مجيئي زمانه وبقى وجوبه إلى اوان امتثاله واما إذا فرض سقوط الحكم في زمان العمل المتعلق له كما في المقام المفروض فيه سقوط الحرمة السابقة وعروض الوجوب على الخروج امتنع جعل الحكم السابق بالضرورة. (واما الدعوى الثانية) اعني بها دعوى عدم دخول المقام في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار فيدل عليه امور: (الاول) ان ما يكون داخلا في موضوع كبرى تلك القاعدة لا بد من أن يكون قد عرضه الامتناع بحيث يكون خارجا عن القدرة وكان ذلك مستندا إلى اختيار المكلف كالحج يوم عرفة ممن ترك المسير إليه باختياره وكحفظ النفس ممن القى نفسه من شاهق ومن الواضح ان الخروج من الدار المغصوبة ليس كذلك فانه على ما هو عليه من كونه مقدورا للمكلف بعد دخوله فيها ولم يطرأ عليه ما يوجب امتناعه (1) نعم مطلق الكون في الدار المغصوبة الجامع بين الخروج والبقاء باقل زمان يمكن فيه الخروج وان كان مما لابد منه ولا يمكن المكلف تركه بعد دخوله الا انه اجنبي عن الاضطرار إلى خصوص الغصب بالخروج كما هو محل الكلام وسيظهر حكم الاضطرار إلى الجامع بين الخروج

(هامش)

(1) التحقيق ان الخروج عن الدار المغصوبة وان كان مقدورا تكوينا للمكلف فعلا و تركا الا أنه لا مناص له من اختياره خارجا ضرورة ان حرمة التصرف فعلا بغير الخروج تستلزم لزوم الخروج بحكم العقل دفعا للمحذور الاهم فالانزجار عن الخروج حسب ما كان يقتضيه النهى السابق يمتنع بالفعل على المكلف بمقتضى حكم العقل بلزوم اختياره لكن الامتناع المزبور بما انه منته إلى الاختيار لا يكون منافيا للاختيار عقابا وان كان منافيا له خطابا وبالجملة موارد الاضطرار إلى ترك الواجب وموارد الاضطرار إلى فعل الحرام وان كانتا تفترقان في ان فعل ما يفضى إلى ترك الواجب يوجب امتناع فعل الواجب كما إذا ترك المسير إلى الحج فان الحج يمتنع وجوده في الخارج بعد ترك مقدمته ولو كان ذلك بالاختيار بخلاف فعل ما يفضى إلى الوقوع في الحرام فانه لا يوجب امتناع الفعل في الخارج بل يوجب امتناع ترك الحرام والانزجار عنه الا انهما تشتركان في ان مخالفة المولى ونقض غرضه الملزم في جميع تلك الموارد إذا كان منتهيا إلى اختيار المكلف وارادته لا ينافى العقاب ولا فرق في ذلك بين كون الامتناع الناشئ من الاضطرار تكوينيا أو تشريعيا ناشئا من الزام الشارع بفعل شيء أو تركه والجامع بين جميع الموارد هو كون اضطرار المكلف إلى مخالفة المولى منتهيا إلى ارادته واختياره (*)

ص 377

والبقاء بعيد ذلك انشاء الله تعالى. (الثاني) ان محل الكلام في تلك القاعدة انما هو (1) ما إذا كان ملاك الحكم مطلقا بنحو يكون متعلق ذلك الحكم واجد للملاك سواء وجدت مقدته الاعدادية ام لم توجد وكان الحكم بنفسه مشروطا بمجيى زمان متعلقه وهذا كخطاب الحج فانه وان كان مشروطا بمجيئى يوم عرفة على ما هو الحق من امتناع الواجب المعلق الا ان ملاكه يتم بتحقق الاستطاعة فمن ترك المسير إلى الحج بعد الاستطاعة يستحق العقاب على تركه وان امتنع عليه الفعل في وقته لان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار وهذا بخلاف المقام فان التصرف بالدخول من المقدمات التى لها دخل في تحقق القدرة على الخروج وتحقق ملاك الحكم فيه فان الداخل هو الذي يمكن توجيه الخطاب إليه بفعل الخروج أو بتركه دون غيره وإذا كان كذلك امتنع كون الخروج داخلا في موضوع تلك القاعدة. (الثالث) ان الملاك في دخول شيء في موضوع كبرى تلك القاعدة هو أن تكون المقدمة موجبة للقدرة على ذى المقدمة ليكون الآتى بها قابلا لتوجيه الخطاب باتيان ذى المقدمة إليه وهذا كالمسير إلى الحج فانه حيث كان مقدمة اعداديه للحج وبه تحقق القدرة عليه كان الاتى به قابلا لتوجه الخطاب بالحج إليه كما ان تاركه لامتناع الحج عليه يستحيل طلبه منه لكن الاستحالة لكونها منتهية إلى الاختيار لا تسقط العقاب

(هامش)

(1) لا يخفى ان ما ذكره شيخنا الاستاد قدس سره في هذا الوجه ملا كالدخول شيء في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار انما يختص بموارد التكاليف الوجوبية واما التكاليف التحريمية فامتناع الموافقة فيها انما يتحقق بارتكاب ما به يضطر المكلف إلى ارتكاب الحرام تكوينا أو من جهة حكم الشارع والزامه بعدم ارتكاب غيره ومن الواضح ان الخروج في محل الكلام كذلك ضرورة انه إذا كان التصرف في الدار المغصوبة بغير الخروج محكوما عليه بالحرمة فعلا اضطر المكلف إلى اختيار الخروج المفروض كونه اقل محذورا من غيره وعليه فالتكليف التحريمي المتعلق بالخروج وان كان ساقطا بالاضطرار إليه الا انه لا ينافى العقاب عليه إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار لان الاختيار بالاختيار لا ينافى الاختيار ومما بيناه يظهر الحال في ما افاده قدس سره في الوجه الثالث لانه ايضا يختص بموارد الاضطرار إلى ترك الواجب واما الاضطرار إلى ارتكاب الحرام فهو انما يتحقق بارتكاب ما يفضى إلى امتناع الانزجار عن الحرام كما عرفت (*)

ص 378

لان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار واما في المقام فالدخول وان كان مقدمة اعدادية للخروج الا ان تحققه في الخارج يوجب سقوط النهى عن الخروج إذ بالدخول يكون ترك الخروج غير مقدور على ما اختاروه فكيف يمكن ان يكون الخروج من صغريات تلك القاعدة (وبالجملة) ان ما نحن فيه ومورد القاعدة متعاكسان إذ وجود المقدمة في ما نحن فيه اعني بها الدخول يسقط الخطاب بترك الخروج ولا بد من ان تكون المقدمة في مورد القاعدة دخيلة في فعلية الخطاب كما عرفت. (الرابع) ان الخروج فيما نحن فيه واجب (1) في الجملة ولو كان ذلك بحكم العقل فيكشف ذلك عن كونه مقدورا وقابلا لتعلق التكليف به وكل ما كان كذلك لا يدخل تحت تلك القاعدة قطعا إذ موردها هو ما إذا كان الفعل غير قابل لتعلق الخطاب به لامتناعه فإذا كان قابلا لتعلق الخطاب به ولو عقلا لم يكن هناك ما يوجب سقوط خطابه المتعلق به

(هامش)

(1) لا يخفى ان كون الخروج واجبا بحكم العقل وان كان لا بد فيه من كونه مقدورا تكوينا الا انه مع ذلك غير قابل لتعلق التكليف التحريمي به بعد تحقق الدخول ضرورة ان تحريمه الفعلى مساوق للعجز عنه تشريعا ومن الواضح انه لا يجتمع مع كون التصرف بغير الخروج حراما بالفعل كما هو المفروض لاستلزامه التكليف بما لا يطلق وهو غير معقول نعم لو كان الخروج في نفسه محكوما عليه بالوجوب لما سقط حكمه بالدخول الا ان المفروض ان حكمه في نفسه ومع قطع النظر عن الاضطرار إليه هي الحرمة فلا مناص حينئذ من الالتزام بسقوط حكمه وان صح العقاب على ارتكابه لان الاضطرار إليه بسوء الاختيار على الفرض وعليه فلا وجه لما افيد في المتن من دعوى الملازمة بين الالتزام بكون الخروج واجبا عقلا والالتزام بعدم سقوط حكمه الثابت له شرعا وبالجملة ان جميع ما افاده شيخنا الاستاد قدس سره في هذه الوجوه الاربعة لاثبات ما اختاره من عدم دخول الخروج في محل الكلام في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار ناشئ من خلط الاضطرار في موارد التكاليف التحريمية بالاضطرار في موارد التكاليف الوجوبية وقد تحصل مما ذكرناه بطلان تلك الوجوه وصحة دخول المقام تحت القاعدة المزبورة فالخروج بما انه تصرف في ملك الغير بدون إذ نه ورضاه مبغوض في نفسه وبما انه مضطر إليه يسقط حرمته لكنه يصح العقاب عليه لكون الاضطرار إليه بسوء الاختيار كما هو الحال في غير المقام من موارد الاضطرار إلى الحرام إذا كان الاضطرار مستندا إلى سوء الاختيار (*)

ص 379

شرعا فتعلق الخطاب الوجوبى به وكونه داخلا تحت تلك القاعدة متنافيان فالالتزام بوجوبه ولو عقلا يستلزم خروجه عن موضوع تلك القاعدة ودخوله تحت قاعدة اخرى (فتبين) من هذه الادلة بطلان دخول المقام تحت قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار فلا مناص عن الالتزام بكونه داخلا تحت قاعدة اخرى اعني بها قاعدة (1) وجوب رد مال الغير إلى مالكه فكما يجب رد المغصوب إلى مالكه في غير المقام يجب رده إلى مالكه في المقام ايضا والخروج بما انه تتحقق به التخلية بين المال ومالكه التى بها يتحقق الرد في غير المنقولات يكون واجبا لا محالة (ومن ذلك يظهر) ان ترك مطلق الكون في الدار المغصوبة بعد الدخول بقدر اقل زمان يمكن فيه الخروج وان لم يكن مقدورا للداخل فيها الا ان فردين منه اعني بهما السكون فيها والحركة في غير سبيل الخروج لا اشكال في حرمتهما لانهما تصرف في ملك الغير بدون إذ نه بلا ضرورة تقتضيه واما الخروج فهو واجب بحكم العقل والشرع لكونه مصداقا لرد المال إلى مالكه فالاضطرار إلى كلى التصرف في مال الغير الذي يكون بعض افراده واجبا وبعضها حراما لا يكون اضطرارا إلى خصوص الفرد المحرم منه لترتفع به حرمته كما هو الحال في ما إذا اضطر المكلف لرفع

(هامش)

(1) لا يذهب عليك ان وجوب التخلية بين المال ومالكه لا يستلزم وجوب الحركات الخروجية المتوقف عليها الكون في خارج الدار لانها ليست معنونة بعنوان التخلية قطعا ضرورة انها تصرف في مال الغير بدون اذنه ومصداق للغصب كما عرفت فكيف يعقل كونها مصداقا لعنوان التخلية المقابل لعنوان الاشغال غاية الامران العقل يرشد إلى اختيارها حذرا من الوقوع في الغصب الدائمي ودفعا للافسد بالفاسد واما دعوى انها و ان لم تكن بانفسها مصداقا لعنوان التخلية الا انها مقدمة للكون في خارج المكان المغصوب المنطبق عليه عنوان التخلية فتكون هي واجبة بالوجوب المقدمى فلا يعقل ان تتصف بالمبغوضية والحرمة فهي مدفوعة بان تلك الحركات وان كانت مقدمة للكون في خارج المكان المغصوب الا أن الكون في خارج المكان المغصوب غير متصف بالوجوب شرعا لتجب مقد مته على القول بثبوت الملازمة لان عنوان التخلية عبارة عن ايجاد خلاء المكان المغصوب من التصرف فيه وهذا العنوان عنوان ملازم للكون في خارج ذلك المكان لا انه منطبق عليه كما هو ظاهر فتحصل انه لاوجه للقول بوجوب تلك الحركات التي هي مقدمة للكون في الخارج بالوجوب النفسي أو الغيرى فهو باقية على ما كانت عليه من المبغوضية فيعاقب عليها فيما إذا كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار وان سقطت حرمتها بالاضطرار (*)

ص 380

عطشه إلى شرب الماء الجامع بين النجس وغيره فانه لا يوجب ارتفاع الحرمة عن شرب النجس لعدم الاضطرار إليه وعلى ذلك فلا موجب لتوهم دخول المقام تحت قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار (ثم انه) إذا بنينا على ان الشارع لا يرضى بالتصرف في مال الغير بدون اذنه وان كان ذلك بعنوان التخلية ورده إليه كالخروج من الدار المغصوبة كما هو ليس ببعيد فغاية ذلك ان يكون حال الخروج في المثال حال شرب الخمر المتوقف عليه حفظ النفس فان الشارع حيث لا يرضى بصدور شرب الخمر من أي شخص كان لما فيه من المفسدة الالزامية يحكم بحرمة المقدمة التي بها يضطر المكلف إلى شربه ولكنه بعد تحقق تلك المقدمة في الخارج لا يقع الشرب المتوقف عليه حفظ النفس الا مطلوبا عقلا وشرعا (1) فيكون الخروج في محل الكلام كذلك فان الشارع بما انه لا يرضى بالتصرف في مال الغير بغير اذنه يحرم المقدمة التى بها يضطر المكلف إلى الخروج اعني بها الدخول فيقع الدخول محرما من جهة نفسه ومن جهة كونه علة للخروج واما الخروج نفسه فهو بعد الدخول يقع محبوبا لا محالة (فتحصل) مما ذكرناه ان التصرف في مال الغير بدون اذنه لا يخلو الامر فيه (2) من أن يكون حاله حال ترك الصلاة المختصة مبغوضيته بحال دون حال ولذلك يجوز للمرأة ان تتوسل إليه بفعل ما يترتب عليه الحيض في الخارج أو من ان

(هامش)

(1) قد عرفت ان الحركات الخروجية غير متصفة بالوجوب النفسي أو الغيرى واما شرب الخمر المتوقف عليه حفظ النفس الواجب شرعا فهو وان كان متصفا بالوجوب الغيرى على القول بثبوت الملازمة الا ان اتصافه بهذا الوجوب الناشئ من وجود مصلحة في غيره لا ينافى مبغوضيته الذاتية فيصح العقاب عليه إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار نعم لو كانت في نفس الشرب مصلحة داعية إلى ايجابه غالبة على ملاك مبغوضيته لما صح العقاب عليه لكنه خلاف الواقع والمفروض (2) بل قد عرفت ان الحركات الخروجية خارجة عن كل من البابين وانها تقع لا محالة على ما كانت عليه من المبغوضية من دون ان يعرض لها جهة وجوب نفسي أو غيرى على انه لو سلم عروض الوجوب الغيرى لها لما كان ذلك منافيا لمبغوضيتها النفسية فيصح العقاب عليها إذا كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار كما كان الحال ذلك عند الاضطرار إلى شرب الخمر المتوقف عليه حفظ النفس ومن جميع ما ذكرناه في المقام تظهر صحة ما اختاره صاحب الكفاية (قده) في المقام (*)

ص 381

يكون حاله حال شرب الخمر المشتمل على ملاك الحرمة في جميع التقادير فيحرم التسبب بفعل ما يضطر المكلف معه إليه لكنه على تقدير تحقق الاضطرار في الخارج لتوقف واجب فعلى عليه أو لكونه بنفسه مصداق الواجب لا يقع الفعل الا محبوبا وعلى كل تقدير لا يكون الخروج داخلا في موضوع كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار (ومن ذلك يظهر) فساد ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قده) من ان لزوم الخروج في المقام انما هو بحكم العقل ارشادا إلى اخف القبيحين واقل المحذورين (وجه الظهور) هو ان حكم العقل بذلك انما يكون فيما إذا كان كل من الفعلين قبيحا ومعصية وكان احدهما اقبح من الاخر واضطر المكلف إلى ارتكاب احدهما في الخارج فيحكم العقل في مثل ذلك باختيار اقلهما قبحا واما في المقام فحكم العقل بلزوم الخروج فيه انما هو بملاك لزومه على من توسط الارض المغصوبة بغير اختياره لان الملاك في الجميع واحد (1) اعني به ملاك وجوب رد مال الغير إلى مالكه فلا يقع الخروج حينئذ قبيحا ومعصية ليكون حكم العقل بلزومه من باب حكمه الارشادي بلزوم اختيار اقل القبيحين. (واما الموضع الثاني) عنى به حكم الصلاة الواقعة حال الخروج إذا كان الدخول بسوء اختيار المكلف فمجمل القول فيه ان الصلاة الواقعة حال الخروج إذا كانت في سعة الوقت وتمكن المكلف من ايقاعها في خارج الدار المغصوبة تامة الاجزاء والشرائط فلا ينبغى في فسادها سواء اتى بها مع الركوع والسجود ام اتى بها مع الايماء بدلا عنهما والوجه في ذلك ظاهر بعد الاحاطة بما تقدم واما إذا وقعت في ضيق الوقت أو ممن هو غير مكلف الا بمثل ما يأتي به حال الخروج فان بنينا في هذا الفرض على كون الخروج واجبا و

(هامش)

(1) وقد عرفت ان الحركات الخروجية في محل الكلام لا تكون معنونة بعنوان التخلية ورد المال إلى مالكه وانما هي معنونة بعنوان الغصب وان كان العقل يلزم باختيارها خارجا ارشادا إلى اخف القبيحين واقل المحذورين واما حكمه بلزومها إذا لم يكن التوسط في المكان المغصوب باختيار المكلف وبارادته فانما هو من جهة عدم كون تلك الحركات مبغوضة منه حينئذ إذ المفروض اضطرار المكلف إلى التصرف في ذلك المكان باقل زمان يتحقق فيه الخروج وعدم كون الاضطرار بسوء الاختيار فهذا المقدار من التصرف مما لا بد منه وغير مبغوض للمولى واما غير ذلك من التصرفات فهو باق على مبغوضيته وحرمته - فكم فرق بين ان يكون الاضطرار بسوء الاختيار وان يكون بغير سواء الاختيار فلا تغفل (*)

ص 382

محبوبا فقط فلا اشكال في صحة الصلاة حينئذ بشرط ان لا يستلزم تصرفا زائدا على نفس الخروج كالركوع والسجود على ما تقدم بيان ذلك عند التعرض لحكم الاضطرار بغير سوء الاختيار واما إذا بنينا على دخوله في موضوع قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار واجرينا عليه حكم المعصية فان قلنا بجواز الاجتماع الامر والنهى من الجهة الاولى فلا اشكال في صحة الصلاة ايضا فا نه عليه يكون متعلق الامر مغايرا لمتعلق النهى في مورد الاجتماع لان مقوم الصلاة حينئذ يكون هو القيام الذي هو من مقولة الوضع واما متعلق النهى فهو من مقولة الاين وبذلك يتغاير المتعلقان ويكون كل منهما محكوما بحكمه واما القبح الفاعلى المانع من التقرب فلا يتحقق في ما نحن فيه قطعا (1) لان مادل على ان الصلاة لا تسقط بحال يستفاد منه بالدلالة الالتزامية ارتفاع القبح الفاعلى عند مزاحمته لترك الصلاة رأسا واما إذا قلنا بالامتناع من الجهة الاولى وكون التركيب بين متعلقي الامر والنهى اتحاديا فكون الخروج مبغوضا فعلا يستلزم خروج الفرد المتحد به عن تحت الامر بالصلاة واقعا فلا يصح الامتثال به قطعا وذلك يستلزم سقوط الامر بالصلاة حينئذ لعدم القدرة على امتثاله (2) وهذه نتيجة مهمة تترتب على النزاع في بحث جواز اجتماع الامر والنهى من الجهة الاولى وهنا تم الجزء الاول يتلوه في الجزء الثاني بين دلالة النهى على الفساد والحمد لله رب العالمين

(هامش)

(1) هذا انما يختص بضيق الوقت واما في غيره مما كان المكلف مأمورا باتيان مثل ما يأتي به حال الخروج من اجزاء الصلوة وشرايطها فيجرى فيه الكلام الجارى في الصلوة الواقعة في غير حال الخروج حرفا بحرف لكنك قد عرفت فيما تقدم انه لا اساس لدعوى القبح الفاعلى في امثال المقام فلا مانع من التقرب بما يأتي به حال الخروج إذا كان المأمور به منطبقا عليه من غير نقصان (2) لا يخفى ان ما دل على ان الصلوة لا تسقط بحال كما انه يستفاد منه بالدلالة الالتزامية ان القبح الفاعلى المفروض كونه مانعا من التقرب في سعة الوقت لا يكون مانعا منه في ضيق الوقت كذلك يستفاد منه بتلك الدلالة عدم كون الخروج مبغوضا للمولى عند تضيق وقت الصلوة فتصح الصلوة حال الخروج في ضيق الوقت ولو على القول بالامتناع فلا ثمرة بين القول بالجواز والقول بالامتناع من هذه الجهة اصلا. (*)

ص 385

الجزء الثاني من اجود التقريرات (في بيان دلا لة النهى عن العبادة أو المعاملة على فساد المنهى عنه وعدمها) وقبل الخوض في ذلك لا بد لنا من تمهيد مقدمات (الاولى) الفرق بين هذه المسألة ومسألة اجتماع الامر والنهى هو ان محط البحث في المسألة السابقة كما عرفت انما هو ان متعلق الامر والنهى في مورد الاجتماع هل هو هوية واحدة والتركيب بينهما اتحادى ليكون الدليلان الدالان على الوجوب والحرمة متعارضين أو انهما هويتان وان احدهما غير الاخر وجودا ليكون التركيب انضماميا ولا يقع التعارض بين دليلى حكميهما وبعبارة اخرى النزاع في تلك المسألة انما هو في ان العبادة المجتمعة نحو اجتماع مع المنهى عنه هل يسرى إليها النهى المتعلق بما هو مجتمع معها بدعوى ان التركيب بينهما اتحادى أو انه لا يسرى إليها لكون التركيب بينهما انضماميا وكون متعلق النهى مغايرا لمتعلق الامر في الخارج واما النزاع في المقام فهو في ان النهى بعد الفراغ عن تعلقه بعبادة أو معاملة هل يدل على فسادها أو انه لا يستلزم فساد ما تعلق به منها فالفرق بين المسئلتين في غاية الوضوح (ثم) ان هذه المسألة من المسائل الاصولية قطعا فان نتيجة البحث كبرى كلية إذا انضمت إليه صغراها انتجت نتيجة فقهية بلا توسط شيء اخر وهذا بخلاف المسألة السابقة فانك قد عرفت (1) ان نتيجتها لا تقع في طريق الاستنباط بلا واسطة (ولا يخفى) ان هذه المسألة من المسائل الاستلزامية العقلية ولا ربط لها بمباحث الالفاظ اصلا لوضوح ان غاية ما يدل عليه النهى باللزوم البين بالمعنى الاعم انما هو عدم الامر بمتعلقه لتضاد هما واما عدم تحقق الملاك فيه ليحكم العقل بفساده فليس اللفظ دالا عليه قطعا والسر في ذكر المسألة في مباحث الالفاظ انما هو ان الاصوليين لم يعقدوا عنوانا

(هامش)

(1) بل عرفت ان نتيجة تلك المسألة ايضا تقع في طريق الاستنباط بلا واسطة فتكون هي ايضا من المسائل الاصولية (*)

ص 386

خاصا للاحكام العقلية غير المستقلة اعني بها مباحث الاستلزامات بل ذكروا كلا منها في مورد لاجل مناسبة ما ومن الظاهر ان المناسب للتعرض لهذه المسألة انما هي مباحث النواهي فلذلك ذكروها فيها هذا بناء على المختار من كفاية اشتمال العبادة على الملاك في صحتها واما بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) من اشتراط الامر في الصحة فكون المسألة من مباحث الالفاظ لا يخلو من وجه. المقدمة الثانية: ان المراد بالنهي في المقام هو النهى التحريمي النفسي وأما النهى التنزيهى أو التحريمي الغيرى فلا يدلان على فساد العبادة قطعا (اما الاول) فلما عرفت سابقا من ان النهى التنزيهى عن فرد لا ينافى الرخصة الضمينة المستفادة من اطلاق الامر فلا يكون بينهما معارضة ليقيد به اطلاقه نعم إذا كان شخص المأمور به منهيا عنه كما إذا كان اطلاق الامر شموليا فلا محالة يقع التعارض بين دليليهما فإذا قدم دليل النهى فلا موجب لتوهم الصحة باتيان الفرد المنهى عنه لان الصحة تدور مدار وجود الامر أو الملاك والاول مفقود في المقام على الفرض والثاني لا كاشف عنه إذ الكاشف عنه منحصر بالامر بذلك الفرد بخصو صه إذ المفروض عدم وجود اطلاق بدلى كاشف عن وجود الملاك في متعلقه على اطلاقه فالاتيان بالمنهى عنه يقع فاسدا لا محالة لكن هذا الفرض خارج عن محل الكلام لان محل الكلام انما هو فيما إذا كانت دلالة النهى على الفساد هو الموجب (1) لوقوع المعارضة بين دليلى الامر والنهى ولتقييد متعلق الامر بغيرها تعلق به النهى ومن الواضح ان التعارض في مفروض

(هامش)

(1) لا يخفى انه لا يوجد مورد تكون فيه دلالة النهى على الفساد هي الموجبة لوقوع المعارضة بين دليلى الامر والنهى ولتقييد متعلق الامر بغير ما تعلق به النهى وذلك لان الامر والنهى بانفسهما متنافيان ولا يعقل ان يكون متعلق احدهما متعلقا للاخر وكذلك الحال في بقية الاحكام فلا يكون لدلالة النهى على الفساد مساس بوقوع المعارضة بين دليلى الامر والنهى اصلا وعليه فلا فرق بين النهى التحريمي والنهى التنزيهى الا فيما ذكر من ان النهى التنزيهى عن فرد ما بما انه متضمن للترخيص في فعله لا ينافي اطلاق الامر بالطبيعة بالاضافة إلى ذلك الفرد بخلاف النهى التحريمي فانه ينافى الاطلاق المزبور فيوجب تقييد المأمور به بغير الفرد المنهى عنه لا محالة واما كون التعارض بين دليلى الامر والنهى متوقفا على دلالة النهى على الفساد فلا مورد له اصلا (*)

ص 387

الكلام لا يتوقف على دلالة النهى على الفساد اصلا (واما الثاني) اعني به النهى الغيرى فهو على قسمين الاول ما كان نهيا شرعيا اصليا مسوقا لبيان اعتبار قيد عدمي في المأمور به الثاني ما كان نهيا تبعيا ناشئا من توقف واجب فعلى على ترك عبادة مضادة له بناء على توقف وجود احد الضدين على عدم الاخر (اما القسم الاول) اعني به النهى المسوق لبيان المانعية كما في النهى عن الصلاة في غير المأكول فلا اشكال في دلا لته على الفساد بداهة ان المأمور به إذا اخذ فيه قيد عدمي فلا محالة يقع فاسدا بعدم اقترانه به وهذا خارج عن محل الكلام إذ حال هذه النواهي حال الاوامر المتعلقه بالاجزاء والشرائط المسوقة لبيان الجزئية والشرطية فتكون دلالتها على الفساد عند عدم اقتران المأمور به بالقيد العدمي كدلالة الاوامر على الفساد عند عدم اقتران المأمور به بالقيود الوجودية فكما لا خلاف ولا اشكال في دلالة الاوامر المتعلقة بالاجزاء أو الشرائط على اعتبارها في المأمور به جزء أو شرطا بالمطابقة وعلى فساد العمل الفاقد لشيئ منها بالالتزام لا خلاف ولا اشكال في دلالة النهى الغيرى على اعتبار فيد عدمي في المأمور به بالمطابقة وعلى فساد العمل الفاقد له بالالتزام (واما القسم الثاني) اعني به النهى التبعى الناشئ من توقف واجب فعلى على ترك عبادة كالنهي عن الصلاة المتوقف على تركها وجود الازالة بناء على كون ترك احد الضدين مقدمة لوجود الاخر فلا موجب لتوهم دلالته على الفساد اصلا وذلك لما عرفته في محله من ان غاية ما يترتب على النهى الغيرى الناشئ من كون ترك متعلقه مقدمة للواجب الاهم انما هو عدم الامر به فعلا ومن انه يكفى في صحة العبادة اشتمالها على ملاك الامر وان لم يتعلق بها بالفعل امر من الموالى ومن الواضح انه لا يمكن استكشاف عدم الملاك من النهى الغيرى المزبور فلا موجب لفساد العبادة المنهى عنها بمثل هذا النهى وقد تقدم الكلام في الكاشف عن وجود الملاك في هذا الحال فلا حاجة إلى الاعادة نعم لو بنينا على اعتبار الامر في صحة العبادة كما اختاره صاحب الجواهر (قده) ومنعنا صحة الترتب لكان هذا النهى الغيرى ايضا دالا على الفساد لكنك قد عرفت فيما تقدم صحة القول بالترتب وعدم اعتبار الامر في صحة العبادة فلا يكون في النهى الغيرى دلالة على الفساد اصلا. المقدمة الثالثة: انه لا اشكال في دخول العبادة بالمعنى الاخص اعني بها الوظيفة التي شرعت لاجل التعبد بها في محل النزاع في المقام واما العبادة بالمعنى الاعم

ص 388

كغسل الثوب وامثاله من مقدمات الصلاة فهي من جهة وقوعها عبادة موجبة للتقرب بها تدخل في محل النزاع فعلى القول بدلالة النهى على الفساد لا تصح عبادة مع النهى عنها واما من جهة اثارها الوضعية المترتبة عليها ولو لم تقع عبادة كطهارة الثوب المترتبة على غسله بالماء فلا يدل النهى عنها على فسادها قطعا كما لا اشكال في دخول المعاملة بالمعنى الاعم من العقود والايقاعات في محل النزاع إذ لا موجب لاختصاصه بالمعاملة بالمعنى الاخص المتوقفة على الايجاب والقبول كما هو ظاهر واما المعاملة بالمعنى الاعم الشاملة للتحجير والحيازة وامثالهما فلم يتوهم احد دلالة النهى فيها على الفساد وعليه فالمراد من المعاملة في محل البحث هو كل امر انشائي يتسبب به إلى امر اعتباري شرعى فيكون شاملا للعقود والايقاعات المقدمة الرابعة: ان التقابل بين الصحة والفساد ليس من قبيل تقابل الايجاب والسلب بداهة ان تقابل الايجاب والسلب يختص بالعدم والوجود المحموليين اللذين يمتنع خلو ماهية من الماهيات من الاتصاف بأحدهما ومن الواضح ان الصحة والفساد ليسا كذلك بل يحتاج صدقهما في الخارج إلى فرض محل قابل لهما ولكنه وقع الكلام في ان الفساد امر عدمي ليكون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة أو انه امر وجودي كنفس الصحة ليكون التقابل بينهما من قبيل تقابل التضاد (والظاهر) هو الاول وذلك لان اتصاف عبادة أو غيرها بالفساد لا يحتاج إلى علة مقتضية له في الخارج بل يكفى في تحققه انتفاء شيء مما اعتبر في صحة تلك العبادة أو غيرها فلا يكون الفساد امرا وجوديا ثم ان الصحة قد تقابل بالفساد فيراد به اختلال الشيئ من جهة اجزائه أو شرائطه المقومة له المستلزم لعدم ترتب الاثر عليه بالمرة وقد تقابل بالعيب فيراد به اختلال الشيئ من جهة اجزائه أو شرائطه الكمالية غير الدخيلة في قوامه المستلزم لعدم ترتب الاثر عليه على النحو الكامل اما ما يقابل الصحة بالمعنى الثاني فلا كلام لنا فيه في المقام واما ما يقابلها بالمعنى الاول اعني الفساد فهو قد يكون في الامور الخارجية وقد يكون في الامور الشرعية لا كلام لنا على الاول وانما الكلام في دلالة النهى على الفساد وعدم دلا لته عليه في القسم الثاني اعني به الامور الشرعية من عبادة أو معاملة (ثم لا يخفى) ان معروض الصحة والفساد لا يمكن ان يكون هي الامور البسيطة من جميع الجهات ولا الامور المركبة التي اعتبرت موضوعا للتكليف بل هما يتصفان بالوجود أو العدم

ص 389

ليس الا اما عدم امكان اتصاف موضوع التكليف بالصحة والفساد فلان موضوعه كالبالغ العاقل المستطيع لا تأثير له في نفس التكليف لما عرفت في بحث الواجب المشروط من ان الاحكام المجعولة الشرعية انما يكون تحققها باعتبار الشارع و جعله اياها على تقدير وجود موضوعها فوجود الموضوع في الخارج وجود لما جعل الحكم على تقدير وجوده من دون ان يكون له دخل فيه بوجه والا لزم انقلاب المجعول التشريعي مجعولا تكوينا وهو خلف (واما عدم) امكان اتصاف الامور البسيطة بالصحة أو الفساد فلان الامور البسيطة من جميع الجهات يستحيل ان تقع في الخارج تارة بنحو تترتب عليها الاثار واخرى بنحو لا تترتب عليها لتتصف بالصحة تارة وبالفساد اخرى (فان قلت) قد بنيت في بحث الصحيح والاعم على ان الفاظ العقود والايقاعات اسام للمسببات دون الاسباب ولا اشكال في انها امور بسيطة فلو كانت الامور البسيطة غير قابلة للاتصاف بالصحة والفساد لامتنع اتصاف العقود والايقاعات بالصحة تارة وبالفساد اخرى مع انه لا اشكال في صحة اتصافهما بهما (قلت) (1) قد ذكرنا في ذلك البحث ان نسبة صيغ العقود بالاضافة إلى ما يترتب عليها كالملكية ونحوها ليست نسبة الاسباب التكوينية إلى مسبباتها بل نسبتها إليها نسبة الالة إلى ذى الالة فليس انشاء الملكية مثلا بصيغته مغايرا لوجود الملكية خارجا بل الفرق بينهما انما هو الفرق بين الايجاد والوجود اعني به الفرق بين المصدر واسم المصدر فالملكية بالمعنى المعبر عنه باسم

(هامش)

(1) قد تقدم في بحث الصحيح والاعم انه ليس انشاء الملكية مثلا عبارة عن ايجادها خارجا لما مر من ان الملكية الشرعية غير قابلة لتعلق الايجاد بها من غير الشارع مع ان المتبايعين ربما لا يلتفتان إليها اصلا واما الملكية الاعتبارية القائمة بهما بالمباشرة فاعتبارها منهما لا يحتاج إلى سبب أو آلة فكما ان نسبة العقد الصادر في الخارج إلى الملكية ليست نسبة الاسباب إلى مسبباتها كذلك ليست نسبته إليها نسبة الالة إلى ذى الالة ولا نسبة الايجاد إلى الوجود هذا مع انك عرفت سابقا ان الايجاد والوجود متحد ان بالذات ومختلفان بالاعتبار فكيف يعقل ان يكون وجود اللفظ ايجادا للملكية مثلا ومع ذلك تكون الملكية مترتبة على وجود اللفظ و مغايرة في الخارج والتحقيق ان اتصاف العقود والايقاعات بالصحة أو الفساد انما هو لاجل ان الامضاء الشرعي انما تعلق في عالم التشريع بنحو القضية الحقيقية بالاعتبار الصادر من شخص خاص مع تحقق قيود مخصوصة ومن جملتها وجود مظهر خاص في مقام ابراز الاعتبار و - (*)

ص 390

المصدر وان كانت بسيطة ولا تتصف الا بالوجود والعدم الا انها بالمعنى المعبر عنه بالمصدر اعني به انشاءها باللفظ المتحد معه خارجا تتصف بالصحة والفساد (بيان ذلك) ان الشارع لما اعتبر بنحو القضية الحقيقية وجود لفظ خاص مع قيود خاصة انشاء للملكية مثلا وآلة لوجودها في عالم التشريع فالصيغة الموجودة في الخارج التى انشا بها الملكية تتصف بالصحة إذا وقعت مطابقة لما اعتبره الشارع انشاء لها في عالم تشريعه كما انها تتصف بالفساد إذا لم تقع مطابقة له وبذلك ظهر ان مناط اتصاف العقود بالصحة والفساد هو انطباق ما اعتبره الشارع في تشريعه انشاء لشيئ ما على ما يوجده المنشئ خارجا وعدم انطباقه عليه وبما ذكرناه من ان نسبة صيغ العقود إلى ما يترتب عليها ليست نسبة الاسباب إلى مسبباتها قد دفعنا في البحث المزبور اشكال عدم جواز التمسك باطلاقات العقود والايقاعات بناء على كون الفاظها اسامى للمسببات دون الاسباب وقد ذكرنا ان ما افاده المحقق العلامة الأنصاري (قده) في مقام الجواب عن الاشكال المزبور من ان امضاء المسببات يستلزم امضاء الاسباب لا يمكن الالتزام به فراجع (فتحصل) ان المحل القابل للاتصاف بالصحة والفساد في الامور التشريعية انما هي الامور المركبة من متعلقات الاحكام والمعاملات بالمعنى الاعم الشامل للعقد والايقاع ولمثل التذكية والتطهير ونحوهما اما اتصاف متعلقات التكليف بهما فانما هو باعتبار ما يترتب عليها من الاثر التكويني الاعدادي (1) فانها إذا وقعت في الخارج على النحو الذي تعلق بها الامر فهى تتصف بالصحة الا بالفساد واما اتصاف المعاملة بهما فهو باعتبار ما يترتب عليها من الاثر التشريعي التوليدى لانها اسباب توليدية في حكم الشارع أو العقلاء لاثار خاصة فان وقعت في الخارج على النحو الذي اعتبرت به سببا في عالم الاعتبار لما يتولد منها

(هامش)

- انشائه فان كان ما وقع في الخارج مصداقا لذلك المعنى الكلى المتعلق به الامضاء الشرعي فهو يتصف بالصحة والا فبالفساد وفيما ذكرناه في تحقيق معنى الانشاء وما به يمتاز الاخبار عن الانشاء ما ينفعك في المقام فراجع (1) لا يخفى انه لا يتوقف اتصاف العبادة بالصحة أو الفساد على كون الاحكام تابعة لما في متعلقاتها من المصالح أو المفاسد ليكون مناط اتصاف العبادة بالصحة ترتب الاثر الاعدادي على وجودها في الخارج ومناط اتصافها بالفساد عدم ترتب ذلك الاثر على وجودها فيه فالصحيح ان المناط في اتصافها بالصحة والفساد انما هو وجدان الفرد الموجود في الخارج لتمام الاجزاء والشرايط وفقدانه لشيئ ما منها على ما يعترف به شيخنا الاستاد قدس سره فيما سيأتي (*)

ص 391

بان كانت تامة الاجزاء والشرائط فهى تتصف بالصحة والا فبالفساد (فان قلت) ان ما ذكرته من اتصاف متعلق التكليف بالصحة والفساد باعتبار ترتب اثره الاعدادي عليه و عدم ترتبه عليه لا يستقيم بناء على ما مر في بحث الصحيح والاعم من عدم كون الاثر المترتب على المأمور به متعلقا للامر ولا قيدا له فانه كيف يعقل مع ذلك كون ترتبه وعدم ترتبه عليه مناطا للصحة والفساد (قلت) لا ملازمة بين كون الشيئ باعتبار وجوده وعد مه مناطا للصحة والفساد وكونه مأمورا به استقلالا أو ضمنا وان ما ادعيته من الملازمة بين الامرين ليس بينا في نفسه ولا مبنيا في سياق الدعوى هذا مضافا إلى ان الطبيعي الذي يتعلق به الامر باعتبار ما يترتب عليه من اثره لا يتصف بالصحة والفساد في مقام تعلق الامر به وانما يتصف بهما الموجود الخارجي باعتبار انطباق المأمور به وعدم انطباقه عليه ففى الحقيقة مناط الاتصاف بالصحة والفساد انما هو انطباق المأمور به وعدم انطباقه على الموجود الخارجي و اما ما ذكره من ان مناط اتصاف المأتى به بالصحة والفساد هو ترتب الاثر وعدم ترتبه عليه فانما هو باعتبار استلزام ترتب الاثر على الماتى به لانطباق المأمور به عليه واستلزام عدم ترتب الاثر عليه لعدم انطباق المأمور به عليه فالتعبير بكون ملاك الصحة والفساد هو ترتب الاثر وعدمه انما هو عبارة اخرى عن الانطباق المزبور وعدمه (ثم انك) بعد ما عرفت ان الاتصاف بالصحة والفساد في متعلقات التكاليف وفي المعاملات انما يدور مدار الانطباق و عدمه على ما عرفت بيا نه تعرف ان تفسير الصحة بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين أو باسقاط الاعادة والقضاء كما عن الفقهاء انما هو تفسير بما يهم كل طائفة منهما من آثارها لا ان معنى الصحة عند المتكلم يغاير معناها عند الفقية (ثم) ان في كون الصحة والفساد امرين انتزاعيين كالسببية والجزئية والشرطية والمانعية أو جعليين كالملكية والزوجية والضمان ونحوها اقوالا ثالثها التفصيل بين العبادات والمعاملات بتقريب ان الصحة والفساد كما تقدم انما ينتزعان من ترتب الاثر وعدم ترتبه وبما ان ترتب اثار العبادة عليها امر تكويني لا تناله يد الجعل تكون الصحة والفساد من الامور الانتزاعية من الامر التكويني وغير قابلين للجعل التشريعي واما المعاملات فبما ان ترتب آثارها عليها انما هو بجعل الشارع ولو كان ذلك من جهة امضائه لحكم العقلا تكون الصحة والفساد فيها من الامور الجعلية ورابعها التفصيل بين الصحة الواقعية والظاهرية بالالتزام بكون الصحة الواقعية من الامور الانتزاعية وكون الصحة

ص 392

الظاهرية امرا مجعولا تشريعيا وهذا هو المختار (بيان ذلك) انه قد تحقق ان ملاك الصحة والفساد في العبادات هو انطباق المأمور به على الماتى به خارجا وعدم انطباقه عليه و في المعاملات هو انطباق اسبابها على الموجود الخارجي وعدمه ومن الواضح الضرورى ان انطباق الكلى الطبيعي على ما في الخارج وعدم انطباقه عليه امر تكويني غير قابل للجعل التشريعي سواء في ذلك الماهيات الجعلية وغيرها فانطباق المأمور به الواقعي الاولى أو الثانوي أو المأمور به الظاهرى على الموجود الخارجي وعدم انطباقه عليه كانطباق اسباب المعاملات على الموجودات الخارجية وعدم انطباقها عليها غير قابل للجعل التشريعي كما هو الحال في انطباق الماهيات غير الجعلية على الموجودات الخارجية وعدم انطباقها عليها ومما ذكرناه يظهر ان جعل الملكية وغيرها من الاحكام الوضعية عند صدور اسبابها الخاصة وان كان بيد الشارع الا ان تلك الاسباب في مقام الجعل لا تتصف بصحة ولا فساد وانما يتصف بهما الموجود الخارجي باعتبار انطباق تلك الاسباب وعدم انطباقها عليه في الخارج ومن الواضح ان انطباقها وعدم انطباقها على شيئى يستحيل تعلق الجعل التشريعي بهما فلا محالة تكون الصحة والفساد في المعاملات ايضا غير قابلة للجعل بل بملاحظة ما ذكرناه في باب الاجزاء من استحالة عدم كون المأمور به بالامر الواقعي الثانوي مجزيا عن الواقعي الاولى لاستحالة الامر بالفاقد للقيد مع بقاء اعتبار التقييد فمن تعلق الامر بالفاقد يستكشف عدم اعتبار التقييد في هذا الحال يظهر لك ان الصحة في موارد الاوامر الواقعية الثانوية بالنسبة إلى الاوامر الواقعية الاولية غير قابلة للجعل ايضا (واما الصحة) والفساد في موارد الاوامر الظاهرية بالنسبة إلى الاوامر الواقعية فالحق انهما مجعولان بانفسهما قبل انكشاف الخلاف وبعده اما قبل انكشاف الخلاف فلان انطباق المأمور به الواقعي على المأتى به في الخارج وان كان مشكوكا فيه ومقتضى القاعدة الاولية فيه هو الاشتغال والحكم بعدم ترتب اثار الانطباق الا أن للشارع ان يحكم في هذا الحال بالانطباق بمقتضى اصل أو امارة ويتعبد المكلف بترتيب آثار الصحة عملا كما ان له ان لا يحكم به بل يمضى حكم العقل بالاشتغال وعدم ترتيب آثار الانطباق فإذا تعبدنا بذلك كانت الصحة التي هي عبارة عن انطباق المأمورية على المأتى به من الاحكام المجعولة كما انه إذا لم يتعبدنا به وامضى حكم العقل بالاشتغال كان الفساد الذي هو عبارة عن عدم الانطباق مجعولا له امضاء واما بعد انكشاف الخلاف فبما ان للشارع ايضا ان يكتفى بما وقع ناقصا ويفرضه مطابقا للمأمور به وله ان لا يكفى به كانت الصحة

ص 393

والفساد في هذا الفرض ايضا مجعولين بجعل الشارع لكن حكمه بالصحة في هذا الفرض لا يكون من الاحكام الظاهرية الصرفة بل يكون متوسطا بينها وبين الاحكام الواقعية الثانوية فمن جهة اخذ الشك في موضوعه يكون من الاحكام الظاهرية ومن جهة كونه موجبا لفراغ ذمة المكلف من التكليف الواقعي ولو انكشف له الخلاف بعد ذلك يكون شبيها بالاحكام الواقعية الثانوية المقدمة الخامسة: ان النزاع في دلالة النهى على الفساد يعم ما إذا كان هناك ما يقتضى الصحة من اطلاق أو عموم لو لا النهى وما إذا لم يكن ذلك ولو مع قطع النظر عن وجود النهى بحيث كان متعلق النهى في نفسه مشكوك الصحة والفساد لاجل شبهة موضوعية أو حكمية وكان لاجله محكوما بالفساد ولو لم يكن هناك نهى فالنهى عن عبادة أو معاملة بناء على دلا لته على الفساد يوجب في القسم الاول تقييد المطلق أو تخصيص العام بغير الفرد المنهى عنه واما القسم الثاني فالحكم بالفساد فيه وان كان ثابتا في نفسه ومع قطع النظر عن النهى ايضا لان الاصل عدم مشروعية تلك العبادة وعدم ترتب الاثر على تلك المعاملة إلا أنه حكم مستند إلى الاصل العملي والنهى بناء على دلالته على الفساد يكون دليلا عليه ورافعا لموضوع الاصل العملي فلا تصل النوبة إليه وعليه فتخصيص المحقق القمى (قده) محل النزاع بما إذا كان هناك ما يقتضى صحة العبادة أو المعاملة من اطلاق أو عموم ليخرج مثل النهى عن صوم الوصال والقمار عن محل الكلام تخصيص في غير محله ولو لم يكن صرح هو بنفسه بالمثال لمدعاه لا مكن حمل كلامه على انه اراد من الاقتضاء كون الفعل في نفسه قابلا للصحة والفساد فيوافق ما افاده (قده) حينئذ ما اخترناه من ان النزاع المذكور يختص بالمورد القابل للاتصاف بالصحة والفساد لكن تصريحه بالمثال جعل كلامه ظاهرا فيما نسبناه إليه وقد عرفت ان اعتباره في محل الكلام في غير محله. المقدمة السادسة: انه لا اصل يعول عليه في المسألة الاصولية عند الشك في دلالة النهى على الفساد وعدمها سواء كان النزاع في دلا لة النهى على الفساد لفظا ام كان في دلا لته عليه عقلا لاجل دعوى الملازمه بين الحرمة والفساد وعدمها واما الاصل في المسألة الفرعية فيختلف بالنسبة إلى العبادات والمعاملات لان الاصل في جميع موارد الشك في صحة المعاملة يقتضى الفساد لاصالة عدم ترتب الاثر على المعاملة الخارجية وبقاء متعلقها على

ص 394

ما كان عليه قبل تحققها من دون فرق في ذلك بين أن يكون الشك لاجل شبهة حكمية أو موضوعية واما العبادة (1) فان كان الشك في صحتها وفسادها لاجل شبهة موضوعية فمقتضى قاعدة الاشتغال فيها هو الحكم بفساد الماتى به وعدم سقوط امرها واما إذا كان لاجل شبهة حكمية فالحكم بالصحة والفساد عن الشك يبتنى على الخلاف في جريان البرائة والاشتغال عند الشك في الجزئية أو الشرطية أو المانعية (2) هذا كله بحسب ما تقتضيه القاعدة الاولية واما بالنظر إلى القواعد الثانوية الحاكمة على القواعد الاولية فربما يحكم بصحة العبادة أو المعاملة عند الشك فيها بقاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحة أو غير ذلك. إذا عرفت هذه المقدمات فالكلام يقع في مقامين (الاول) في العبادات (والثاني) في المعاملات (اما المقام الاول) فتوضيح الحال فيه بان يقال ان النهى تارة يتعلق بذات العبادة واخرى بجزئها وثالثة بشرطها ورابعة بوصفها الملازم لها أو الخارج عنها اما النهى عن ذات العبادة بذاتها أو بواسطة احد هذه الامور بحيث يكون ذلك واسطة في ثبوت تعلق النهى بذاتها فالحق ان النهى يدل على فسادها وقبل الاستدلال على ذلك لا بأس بدفع الشبهات التي ربما تورد في المقام (الاولى) انه كيف يعقل تعلق النهى بالعبادة مع ان فرض كونها عبادة يستلزم فرض كونها مقربة وفرض تعلق النهى بها يستلزم فرض

(هامش)

1 - لا يخفى ان ما افاده شيخنا الاستاد قدس سره من التفرقة بين العبادات وغيرها ومن التفرقة بين موارد الشبهة الموضوعية وغيرها وان كان صحيحا في نفسه في الجملة الا انه اجنبي عما هو محل البحث في المقام لان محل الكلام انما هو فيما إذا شك في صحة عبادة أو معاملة بعد الفراغ عن كونها منهيا عنها ولا ينبغى الريب في ان مقتضى الاصل فيه هو الفساد فيما إذا كان المنهى عنه عبادة لان صحة العبادة كما عرفت تتوقف على وجود الامر بها أو اشتمالها على ملاك المحبوبية غير مزاحم بملاك المبغوضية وشيئى منهما لا يكون بمتحقق في فرض كون العبادة منهيا عنها كما هو ظاهر واما إذا كان المنهى عنه غير عبادة فان كان هناك ما يقتضى صحته من اطلاق أو عموم والا فالاصل يقتضى عدم ترتب الاثر عليه فيحكم عليه بالفساد 2 - هذا انما يصح فيما إذا كان الشك في صحة العبادة وفسادها ناشئا من الشك في اعتبار شيئى فيها جزء أو شرطا واما إذا كان الشك المزبور ناشئا من الشك في اصل مشروعية العبادة مع عدم دليل على مشروعيتها فمقتضى الاصل فيه ايضا هو الفساد والوجه فيه ظاهر (*)

ص 395

كونها مبعدة ويستحيل كون شيء واحد في آن واحد مقربا ومبعدا معا (والجواب) عنها هو ما اشرنا إليه سابقا من ان المراد من العبادة في المقام هو العمل الذي لو شرع لكان تشريعه لاجل التعبد به وكان امره تعبديا أو العمل الذي كان بحسب ذاته عبادة كالسجود والركوع وامثالهما والشبهة المزبورة انما نشأت من تخيل ان المراد من العبادة المنهى عنها هو ما يكون عبادة مقربة بالفعل مع ان الامر ليس كذلك لضرورة استحالة تعلق النهى بمثل ذلك (الثانية) ان العبادة وان فرض تعلق النهى بما الا ان فسادها لا يستند إلى النهى ابدا لان الفساد انما يترتب على عدم مشروعية العبادة ولو مع قطع النظر عن تعلق النهى بها فلا يكون للنهى اثر في فسادها اصلا (والجواب) عنها ان فساد العبادة في فرض عدم تعلق النهى بها انما يكون مستندا إلى الاصل العملي وهي اصالة عدم مشروعيتها عند الشك فيها واما في فرض تعلق النهى بها فالفساد انما يكون مستندا إلى الدليل عليه الرافع لموضوع الاصل العملي اعني به الشك فالفساد في فرض وجود النهى يستند إليه لا محالة (الثالثة) ان النهى عن العبادة من جهة النهى عن جزئها أو شرطها أو وصفها وان كان امرا معقولا الا انه يستحيل تعلق النهى بها بذاتها واما ما ذكر مثالا لذلك من صوم الوصال أو صوم الحائض ونحوهما فهو غير صحيح لان النهى في هذه الموارد ايضا متعلق بخصوصية من خصوصيات العبادة لا بذاتها (والجواب) عنها ان الخصوصية التى بها تتخصص العبادة على نحوين احدهما ما لا يكون موجبا لانقسام العبادة إلى نوعين أو صنفين بل يكون امرا اخر مقارنا لها وموجبا لتشخصها به كالنظر إلى الاجنبية في الصلاة ونحو ذلك والنهى في هذا القسم لا بد (1) من ان يتعلق بتلك الخصوصية دون ذات العبادة والوجه فيه ظاهر وثانيهما ما يكون موجبا للانقسام المزبور فإذا تعلق النهى بخصوص نوع

(هامش)

(1) بل الصحيح ان النهى في هذا القسم قد يتعلق بالخصوصية المقارنة للمأمور به لمفسدة في نفس تلك الخصوصية وقد يتعلق بالفعل المقترن بتلك الخصوصية لمفسدة في نفس ذلك الفعل فيكون اقتران الفعل بتلك الخصوصية من قبيل الواسطة في الثبوت لتعلق النهى بنفس الفعل نعم ربما تقوم قرينة متصلة أو منفصلة على ان النهى المتعلق في ظاهر الدليل بالفعل المتخصص دون نفس الخصوصية نهى عرضى وانه متعلق في الحقيقة بالخصوصية المقترن بها الفعل فالخصوصية تكون من قبيل الواسطة في العروض دون الثبوت وكيف كان فكل من القسمين ممكن في نفسه فلابد في الحكم بتعينه من دلالة دليل عليه (*)

ص 396

أو صنف من العبادة كان هذا النوع أو الصنف منهيا عنه بذاته لا محالة والظاهر ان خصوصية صوم الوصال وصوم الحائض من القسم الثاني فان المكلف هو الركن الاعظم في تشريع الحكم وجعله وباختلافه يختلف ذات العبادة حسنا وقبحا فربما تكون عبادة محبو بة من شخص وتكون مبغوضة من شخص آخر فالصوم الصادر من الحائض نوع مستقل في قبال الصوم الصادر من غيرها كما ان الزمان من مقومات الصوم وباختلافه تختلف حاله حسنا وقبح فيكون محبوبا في زمان ومبغوضا في زمان اخر فالمناقشة في اصل المثال كالمناقشة في امكان تعلق النهى بذات العبادة مناقشة في غير محلها (واما الدليل) على المدعى اعني به دلالة النهى على الفساد فهو ان النهى إذا تعلق بذات عبادة ولو كان ذلك بواسطة امر اخر يكون واسطة في الثبوت فهو لا محالة يستلزم عدم الامر بها فان اعتبرنا في صحة العبادة تعلق الامر بها كما اختاره صاحب الجواهر (قده) فد لا لة النهى عن العبادة على فسادها في غاية الوضوح وان اكتفينا في صحتها باشتمالها على الملاك كما هو المختار فلان الملاك الذي يمكن بحكم العقل ان يتقرب بالفعل المشتمل عليه من المولى انما هو الملاك الذي يكون في حد ذاته علة تامة للبحث ولم يكن عدم طلب المولى على طبقه الا من جهة عدم قدرة المكلف على امتثاله لاجل وجود طلب آخر اهم من ذلك الطلب كما هو الحال في موارد التزاحم في مرحلة الامتثال واما الملاك المعدوم أو المغلوب لملاك النهى فكما انه يستحيل كونه داعيا للمولى إلى البعث يستحيل ان يكون موجبا لصحة التقرب بما اشتمل عليه فإذا فرضنا ان اكرام العالم الفاسق ليس فيه ملاك يقتضى طلبه أو فرضنا ان ملاكه مغلوب لملاك حرمته امتنع التقرب به من المولى وبما ان المفروض في المقام حرمة العبادة وانها تشكف كشفا قطعيا عن عدم ملاك الامر فيها أو عن كونه مغلوبا لملاك طلبه لا يصح التقرب بها قطعا هذا مضافا إلى ما ذكرناه (1) في المبحث السابق من ان فعلية التقرب بما يصلح ان يتقرب به في نفسه

(هامش)

1 - دعوى اعتبار عدم القبح الفاعلى في صحة التقرب بالعبادة وان كانت قد عرفت ما فيها الا ان الصحيح في المقام هو عدم صحة العبادة المنهى عنها لاستحالة التقرب بالمبغوض وما يصدر قبيحا في الخارج فالعبادة المنهى عنها بما انها بنفسها قبيحة ومبغوضة للمولى غير قابلة لان يتقرب بها من المولى بالضرورة فتقع فاسدة لا محالة (*)

ص 397

مشروطة عقلا بعدم كونه مزاحما بالقبح الفاعلى وبما ان العبادة المنهى عنها تصدر مبغوضة ومتصفة بالقبح الفاعلى يستحيل التقرب بها من المولى وان كان فيها ملاك الوجوب ايضا (هذا كله) في النهى المتعلق بذات العبادة واما النهى عن جزء العبادة فالتحقيق انه يدل ايضا على فسادها (وتوضيح الحال) فيه هو ان جزء العبادة اما أن يؤخذ فيه عدد خاص كالوحدة المعتبرة في السورة بناء على حرمة القران واما ان لا يؤخذ فيه ذلك اما الاول اعني به جزء العبادة المعبر فيه عدد خاص فالنهى المتعلق به يقتضى فساد العبادة لا محالة لا الاتى به في ضمن العبادة اما ان يقتصر عليه فيها أو يأتي بعده بما هو غير منهى عنه وعلى كلا التقديرين لا ينبغى الاشكال في بطلان العبادة المشتملة عليه فان الجزء المنهى عنه لا محالة يكون خارجا عن اطلاق دليل الجزئية أو عمومه فيكون وجوده كعدمه فان اقتصر المكلف عليه في مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزئها وان لم يقتصر عليه بطلت من جهة الاخلال بالوحدة المعتبرة في الجزء كما هو الفرض ومن هنا تبطل صلاة من قرأ احدى العزائم في الفريضة سواء اقتصر عليها ام لم يقتصر لان قرائتها تستلزم الاخلال بالفريضة من جهة ترك السورة أو من جهة لزوم القران بل لو بنينا على جواز القران لفسدت الصلاة في الفرض ايضا لان دليل الحرمة قد خصص دليل الجواز بغير الفرد المنهى عنه فيحرم القرآن (1) بالاضافة إليه لا محالة هذا مضافا إلى ان تحريم الجزء يستلزم اخذ العبادة بالاضافة إليه بشرط لا (2) سواء اتى به في محله المناسب له كقرائة العزيمة بعد الحمد

(هامش)

حرمة القرآن في العبادة عبارة عن اعتبار عدم اقتران جزء بمثله في صحة تلك العبادة كما قيل باعتبار عدم اقتران سورة بمثلها في صحة الصلوة ومن الواضح انه إذا بنينا على جواز و عدم اعتبار عدم الاقتران المزبور في صحة العبادة لم تكن حرمة الجزء في نفسها مقتضية لبطلان العبادة ما لم يكن هناك موجب آخر للبطلان ضرورة انه غاية ما يترتب على كون جزء العبادة محرما ومبغوضا هو بطلان نفسه وعدم جواز الاكتفاء به في مقام الامتثال واما بطلان اصل العبادة فلا يترتب على حرمة الجزء المأتى به بوجه الا ان يكون هناك موجب آخر للبطلان على ما يتضح الحال فيه انشاء الله تعالى (2) لا يخفى ان حرمة جزء العبادة لو كانت موجبة لاعتبار العبادة بالاضافة إليه بشرط لا لكانت حرمة كل شيئى موجبة لذلك ايضا إذ لا فرق في هذه الجهة بين كون المنهى عنه من سنخ اجزاء العبادة وعدم كونه من سنخها فلا بد من الالتزام ببطلان كل عبادة اتى في ضمنها بفعل - (*)

ص 398

ام اتى به في غير محله كقرائتها بين السجدتين ويترتب على ذلك امور كلها موجبة لبطلان العبادة المشتملة عليه (الاول) كون العبادة مقيدة بعدم ذلك المنهى عنه فيكون وجوده مانعا عن صحتها وذلك يستلزم بطلانها عند اقترانها بوجوده (الثاني) كونه زيادة في الفريضة (1) فتبطل الصلاة بسبب الزيادة العمدية المعتبر عدمها في صحتها ولا يعتبر في تحقق الزيادة قصد الجزئية إذا كان المأتى به من جنس احد اجزاء العمل نعم يعتبر قصد الجزئية في صدقها إذا كان المأتى به من غير جنسه (الثالث) خروجه عن ادلة جواز مطلق الذكر في الصلاة فان دليل الحرمة لا محالة يوجب تخصيصها بغير الفرد المحرم فيندرج الفرد المحرم في عموم ادلة بطلان الصلاة بالتكلم العمدي إذ الخارج عن عمومها انما هو الذكر غير المحرم وما ذكرناه هو الوجه في بطلان الصلاة بالذكر المنهى عنه واما ما يتوهم من ان الوجه في ذلك

(هامش)

- محرم خارجي كالنظر إلى الاجنبية في الصلوة مع انه واضح البطلان فالتحقيق ان حرمة شيئى ما تكليفا لا تقتضي اعتبار أي عبادة بالاضافة إلى ذلك الشيئى بشرط لا ضرورة انه لا منافاة اصلا بين صحة العبادة وحرمة ذلك الشيئى الواقع في اثنائها وعليه فحال الجزء المنهى عنه حال غيره من المحرمات في انه لا يوجب فساد العبادة إذا وقع في اثنائها ما لم يكن هناك موجب آخر للبطلان (1) لا يذهب عليك ان هذا الوجه كالوجه الثالث لو تم لاختص بالصلوة ولا يجرى في غيرها من العبادات مع ان الكلام في المقام لا يختص بالنهي عن جزء من اجزاء خصوص الصلوة كما هو ظاهر على انه لا يتم شيئى من الوجهين المذكورين اما الوجه الثاني فلان صدق عنوان الزيادة على ما حقق في محله يتوقف على قصد الجزئية بما يؤتى به في الخارج من دون فرق بين كون المأتى به من سنخ اجزاء العمل وكونه من غير سنخها نعم في خصوص السجود و الركوع لا يتوقف صدق العنوان المزبور على القصد المذكور لورود النص بذلك في السجود والقطع بعدم الفرق بينه وبين الركوع من هذه الجهة وعليه فالجزء المحرم ما لم يقصد به جزئيته للصلوة لا يتحقق به عنوان الزيادة المترتب عليه بطلانها واما الوجه الثالث فلانه لا دليل على بطلان الصلوة بالذكر المحرم وانما الدليل قد دل على بطلانها بكلام الادميين والذكر المحرم ليس منه على الفرض فالتحقيق انه لا تبطل الصلوة باتيان الجزء المحرم الا فيما ورد النهى عنه في خصوص الصلوة المستفاد منه مانعيته عن صحتها وفيما اتى به بقصد كونه جزء من الصلوة الموجب لتحقق عنوان الزيادة فيها كما عرفت (*)

ص 399

هو دخوله في كلام الادميين فهو فاسد لان المفروض انه ذكر محرم ومن الواضح انه لا يخرج بسبب النهى عنه عن كونه ذكر اليدخل في كلام الادميين (واما الثاني) اعني به ما لم يؤخذ فيه عدد خاص فقد اتضح الحال فيه مما تقدم لان جميع الوجوه المذكورة المقتضية لفساد العبادة المشتملة على الجزء المنهى عنه جارية في هذا القسم ايضا وانما يختص القسم الاول بالوجه الاول منها (واما النهى عن شرط العبادة) أو وصفها فان رجع إلى النهى عن نفس العبادة كان حكمه حكمه وذلك مثل النهى عن الاجهار بالقرائة الراجع إلى النهى عن القرائة الجهرية في الحقيقة لان القرائة الجهرية بما انها حصة خاصة من مطلق القرائة كان النهى عن الاجهار بها نهيا عن نفس تلك الحصة الخاصة فهو يندرج في باب النهى عن جزء العبادة إذا كانت القرائة جزئا لها وفي باب به الامر عن نفس العبادة إذا كانت القرائة بنفسها عبادة مستقلة واما في غير ذلك فلا موجب لفساد العبادة بالنهي عن شرطها أو وصفها لعدم سراية النهى عنهما إليها بوجه اصلا وهذا ظاهر في النهى عن الوصف واما في النهى عن الشرط فلان شرط العبادة الذي تعلق به النهى انما هو المعنى المعبر عنه باسم المصدر واما المتعلق للنهى فهو المعنى المعبر عنه بالمصدر (1) فما هو متعلق النهى ليس شرطا للعبادة وما هو شرط لها لم يتعلق به النهى مثلا الصلاه مشروطة بالتستر فلو فرضنا حرمة لبس خاص فان لم يكن النهى عنه نهيا عن الصلاة معه فهو لا يوجب بطلانها لفرض مغايرة متعلقه لها فيكون حاله حال النظر إلى الاجنبية في اثناء الصلاة ومنه ظهر بطلان تقسيم الشرط إلى تعبدي كالطهارات الثلاث وغير تعبدي كالتستر ونحوه لان شرط الصلاة انما هي الطهارة المراد بها معنى اسم المصدر المقارنة معها زمانا واما الافعال الخاصة من الوضوء والتيمم والغسل فهي بنفسها ليست شرطا للصلاة وانما هي محصلة لما هو شرطها (2) فما هو عبادة اعني بها نفس الافعال ليس شرطا

(هامش)

قد عرفت فيما تقدم ان المعنى المعبر عنه باسم المصدر لا يغاير المعنى المعبر عنه بالمصدر إلا بالاعتبار وانهما امر واحد وجودا وخارجا وعليه فلا يعقل كون احدهما مأمورا به والاخر منهيا عنه فلا مناص من الالتزام بكون النهى المتعلق بالشرط موجبا لكون التقيد بالشرط المأمور به في ضمن الامر بالمقيد متقيدا بغير الفرد المحرم ضرورة ان المأمور به لابد من ان يكون مغايرا في الوجود للمنهى عنه في الخارج فالعبادة المقترنة بالشرط المنهى عنه لا تكون مما تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها فتقع فاسدة لا محالة ولا يفرق في ذلك بين كون الشرط عباديا وكونه غير عبادي كما هو ظاهر. (2) هذا هو المعروف بين الاصحاب ولكن لا يبعدان تكون الطهارة عنوانا منطبقا على - (*)

ص 400

للصلاة وما هو شرط لها اعني به نفس الطهارة فهو ليس بعبادة بل حاله حال بقية الشرايط في عدم اعتبار قصد القربة فيها ولذلك يحكم بصحة صلاة من صلى غافلا عن الطهارة فانكشف كونها مقترنة بها فتلخص ان حال الشرايط حال بقية الاوصاف في ان النهى عنها لا يوجب فساد المشروط أو المتصف بها ما لم يكن النهى عنها نهيا عن نفس المشروط أو المتصف بها واما فيما إذا كان كذلك فلا اشكال في فساد العبادة كما عرفت. تنبيه: ذكر جملة من المحققين ان كون شيء مانعا من صحة العبادة واعتبار عدمه فيها يتصور باحد وجوه (الاول) ان تكون المانعية مستفادة من النهى الغيرى الدال عليها نظير التقييد بالقيود الوجودية المدلول عليه بالاوامر الغيرية (الثاني) ان تكون المانعية مستفادة من النهى النفسي الدال على حرمة العبادة كالنهي عن الصلاة في الحرير بناء على عدم كونه نهيا غيريا والوجه في استفادة المانعية من النهى النفسي وتقييد المأمور به بعدم تحققه في ضمن ما تعلق به النهى هو ما اشرنا إليه مرارا من ان اطلاق متعلق الوجوب لحصة خاصة ينافى الحرمة المتعلقة بها سواء في ذلك كون الاطلاق شموليا وكونه بدليا فإذا قدم دليل الحرمة كما هو المفروض كان موجبا لتقييد اطلاق المأمور به فلا محالة يختص الامر بغير الحصة المنهى عنها (الثالث) ان تكون المانعية ناشئة من التزاحم وعدم قدرة المكلف على امتثال الخطابين معا (اما القسم الاول) فلا اشكال فيه في ان مقتضى اطلاق الدليل الدال على المانعية هي المانعية الواقعية المطلقة فلا ترتفع بالجهل أو النسيان أو الاضطرار إذ حال القيد العدمي على هذا هو حال القيود الوجودية والاصل الاولى فيها يقتضى كون التقييد بها واقعيا ومطلقا لجميع احوال المكلف ولازم ذلك عدم جواز الاكتفاء بغير القميد مطلقا الا إذا قام دليل بالخصوص على الاجزاء واما الشك في المانعية وعدمها في هذا القسم فحكمه يبتنى على اختيار البرائة أو الاحتياط في بحث الاقل والاكثر الارتباطيين (واما القسم الثالث) فلا اشكال في ان الموجب للتقييد فيه هو تنجز خطاب الاهم وكونه موجبا لعجز المكلف عن امتثال خطاب المهم فما لم يتنجز خطاب الاهم لا موجب للتقييد وان كان هناك التكليف بالاهم ثابتا في الواقع كما في موارد الجهل والنسيان فعند الشك في وجود التكليف بالاهم يقطع بعدم وجود المزاحم للتكليف بالمهم إذا كان الشك المزبور موردا لجريان

(هامش)

- نفس الغسل والوضوء والتيمم ويكون اشتراط الصلوة بها مثلا من قبيل اشتراط العبادة بالشرط المتقدم وتحقيق الحال في ذلك موكول إلى محله (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

أجود التقريرات

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب