مسالك الأفهام - ج2

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 237

[ولا يجوز الاحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة. وهل يجوز الاحرام في الحرير للنساء؟ قيل: نعم، لجواز لبسهن لهفي الصلاة، وقيل: لا، وهو أحوط. ويجوز أن يلبس المحرم اكثر من ثوبين، وأن يبدل ثياب إحرامه، فإذا أراد الطواف فالافضل أن يطوف فيهما.

والركبة، والآخر رداء يوضع على المنكبين، أو وشاحا يوضع على أحدهما. وإنما الكلام في توقف تحقق الاحرام عليهما، وقد تقدم (1) ما يحقق المقام، وأن الاقوى خروجهما عن حقيقته، فلا يبطل بالاخلال بهما وإن أثم. قوله: ولا يجوز الاحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة . وذلك كجلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي ودبغ، والحرير للرجال، وما يحكي العورة. ويدخل فيه النجس نجاسة غير معفو عنها في الصلاة، فلا يصح الاحرام فيه أيضا. وهو الاقوى عملا بظاهر النص (2). وقيل: بالجواز نظرا إلى أن المراد بكونه مما تصح الصلاة فيه بحسب ذاته، لا بحسب عوارضه. قوله: وهل يجوز الاحرام في الحرير للنساء؟ قيل: نعم لجواز لبسهن له في الصلاة وقيل: لا وهو أحوط . وجه القولين النصوص (3) المتعارضة ظاهرا، ومنها صحيح من الجانبين. وحينئذ فالاقوى الكراهة جمعا بينهما بحمل أحاديث النهي على الكراهة، حذرا من إطراح أخبار الجواز لو قيل بالتحريم. وهل يلحق الخنثى في ذلك بالرجل أو بالمرأة؟ نظر، من تعارض الاصل، والاحتياط. بل الاشكال في أصل جواز لبسه لها.

(هامش)

(1) في ص: 223. (2) الكافي 4: 339 ح 3، الوسائل 9: 36 ب 27 من أبواب الاحرام ح 1. راجع أيضا ص 116 و117 ب 37 و 38 من تروك الاحرام. (3) الوسائل 9: 41 ب 33 من أبواب الاحرام. (*)

ص 238

 ثوب الأحرام:

[وإذا لم يكن مع الانسان ثوبا الاحرام، وكان معه قباء جاز لبسه مقلوبا بان يجعل ذيله على كتفية. وأما أحكامه فمسائل:

الاولى:
لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر، حتى يكمل

قوله: وإذا لم يكن مع الانسان ثوبا الاحرام، وكان معه قباء، جاز لبسه مقلوبا ويجعل على كتفه . للقلب هنا تفسيران: أحدهما جعل ذيله على الكتفين، والثاني جعل باطنه ظاهره، ولا يخرج يديه من كميه. والاقوى الاجتزاء بكل واحد منهما لدلالة النصوص (1) عليهما، وان كان الاول أولى، بل خصه إبن ادريس به (2)، واختاره في الدروس (3) فهو حينئذ مجز اجماعا. وأكمل منه الجمع بينهما، عملا بمدلول النص من الجانبين، وان لم يقل أحد بتحتم الثاني. وقول المصنف بعد الحكم بقلبه ويجعل ذيله على كتفه يمكن أن يكون تفسيرا للقلب بالمعنى الاول المتفق عليه، وهوالاولى، ويمكن كونه إشارة إلى الجمع بينهما. إذا تقرر ذلك فتعليق الحكم بذلك على فقد الثوبين يشعر بأن واجد أحدهما لا يجوز له لبسه، والظاهر جوازه مع فقد أحدهما خاصة، خصوصا الرداء. وخصه في الدروس بفقده، وجعل السراويل بدلا عن الازار (4). والمراد بالجواز هنا معناه الاعم، والمراد منه الوجوب، لانه بدل عن الواجب، وعملا بظاهر الامر في النصوص. والمشهور اختصاص الحكم بالقباء، وفي رواية عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام قال: إن لم يكن معه رداء طرح قميصه على عنقه أو قباه بعد أن ينكسه (5). واختاره في الدروس (6). ولو اخل بالقلب، أو أدخل يده

(هامش)

(1) الوسائل 9: 124 ب 44 من أبواب تروك الاحرام. (2) السرائر 1: 543. (3، 4) الدروس: 96. (5) التهذيب 5: 70 ح 229، الوسائل 9: 124 ب 44 من أبواب تروك الاحرام ح 2. (6) الدروس: 96. (*)

ص 239

[أفعال ما أحرم له. فلو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير ناسيا، لم يكن عليه شيء. وقيل: عليه دم، وحمله على الاستحباب أظهر.وإن فعل ذلك عامدا، قيل: بطلت عمرته فصارت حجة مبتولة، وقيل: بقي على إحرامه الاول، وكان الثاني باطلا، والاول هو المروي.

في كمه لزمه كفارة لبس المخيط. قوله: فلو أحرم متمتعا... الخ . المراد أن المحرم بحج التمتع ناسيا قبل التقصير من عمرته يستمر على إحرامه ويصح حجه ولا يلزمه قضاء التقصير من عمرته للنص (1)، ولان التقصير ليس جزأ بل محلل من الاحرام. وكون الدم مستحبا هو الاقوى جمعا بين الاخبار فإن رواية معاوية عمار (2) مصرحة بعدم وجوب شيء. ولو كان الاحرام قبل إكمال السعي بطل، ووجب إكمال العمرة. قوله: وإن فعل ذلك عامدا - إلى قوله - والاول مروي . القائل ببطلان الثاني ابن ادريس (3)، وتبعه العلامة (4)، للنهي عن ادخال الحج على العمرة فيفسد الاحرام، ولانه لم يفعل المأمور به على وجهه. واجيب بأن النهي عن وصف خارج عن ماهية الاحرام، وبمنع تحقق الادخال، لما تقدم من أن

(هامش)

(1) الكافي 4: 440 ح 1، 2، 3، التهذيب 5: 90 ح 297، الاستبصار 2: 175 ح 577، الوسائل 9: 72 ب 54 من أبواب الاحرام ح 1، 2، 3، 5، 6. (2) الكافي 4: 440 ح 2، التهذيب 5: 91 ح 299، الاستبصار 2، 175 ح 579، الوسائل 9: 72 ب 54 من أبواب الاحرام ح 3. (3) السرائر 1: 581. (4) لم نجد في كتب العلامة ما يدل على ذلك بل صرح ببطلان العمرة في التذكرة 1: 368 والتحرير 1: 100 والمنتهى 2: 709. نعم في الارشاد 1: 316 ذكر هذا القول أي بطلان العمرة إلا انه قال: على رأي مما يشعر بالتردد وكذا في المنتهى 2: 686 نسب هذا القول إلى الشيخ واستدل له بالروايات وعقبه بنقل القول الآخر من دون افتاء. وفي القواعد ذكر القولين وعقب كلا منهما بقوله: على رأي . (*)

ص 240

الثانية:
لو نوى الافراد، ثم دخل مكة، جاز أن يطوف ويسعى ويقصر، ويجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب. فإن لبى انعقد إحرامهوقيل: لا اعتبار بالتلبية، وإنما هو بالقصد.

التقصير ليس جزأ. والاقوى العمل بالمروي، وهو المشهور. ورواية أبي بصير (1) الصحيحة تدل عليه، وإطلاقها منزل على العمد، جمعا بينها وبين حسنة معاوية بن عمار، المتضمنة أن من دخل في الحج قبل التقصير ناسيا لا شيء عليه (2)، فحينئذ يكمل حج الافراد، ويأتي بعمرة مفردة بعده، والاقوى أنه لا يجزيه عن فرضه، لانه عدول اختياري، ولم يأت بالمأمور به على وجهه. والظاهر أن الجاهل بمنزلة العامد، لدخوله في اطلاق صحيحة أبي بصير، وإنما خرج الناسي بنص خاص. قوله: ويجعلها عمرة يتمتع بها . قد تقدم أن ذلك في غير حجة الإسلام، كالنذر المطلق، والمتبرع به، وإلا لم يجز. قوله: فإن لبى انعقد إحرامه. وقيل: لا اعتبار بالتلبية وانما هو بالقصد . القول بالتفصيل هو المشهور والاقوى، لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام (3). والثاني قول ابن ادريس (4) لقوله صلى الله عليه وآله: انما الاعمال بالنيات (5). وفي تفسير مقصوده من النية احتمالان: أحدهما أن يريد أن الاعتبار

(هامش)

(1) التهذيب 5: 159 ح 529، الوسائل 9: 73 ب 54 من أبواب الاحرام ح 5.(2) التهذيب 5: 159 ح 528، الوسائل 9: 73 ب 54 من أبواب الاحرام ح 3. (3) التهذيب 5: 90 ح 295، الوسائل 8: 185 ب 5 من أبواب أقسام الحج ح 9. (4) السرائر: 536. (5) التهذيب 1: 83 ح 218، امالي الطوسي 2: 231، الوسائل 1: 34 ب 5 من أبواب مقدمة = (*)

ص 241

الثالثة:
إذا أحرم الولي بالصبي، جرده من فخ، وفعل به ما يجب على المحرم. وجنبه ما يجتنبه. ولو فعل الصبي ما يجب به الكفارة لزم ذلك الولي في ماله. وكل ما يعجز عنه الصبي يتولاه الولي من تلبية وطواف وسعي وغير ذلك. ويجب على الولي الهدي من ماله أيضا. وروي إذا كان الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي، ولو لم يقدر على الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي

بقصده أولا إلى المتعة، فلا عبرة بالتلبية الواقعة بعد ذلك. والثاني ان الاعتبار بقصد الاهلال بالتلبية، لا بالتلبية وحدها، فإذا لبى قاصدا إلى عقد الاحرام بالتلبية بطلت المتعة حينئذ، لا بدون ذلك. وفي الوجهين معا تحكم واضح، ومصادرة للنص الصحيح. قوله: ولو فعل الصبي ما يجب به الكفارة، لزم ذلك الولي . أي فعل ما يجب به الكفارة على المكلف، فإن الصبي لا يجب عليه شيء، بللا يجب عليه اجتناب موجبها، وانما يجب على الولي أن يجنبه ذلك، ويخصه عليه. فان فعل الصبي شيئا يوجبها، لو كان مكلفا، كما لو قتل صيدا مطلقا، أو تعمد لبس المخيط ونحوه، وجبت الكفارة على الولي. أما الاول فظاهر لاستواء العامد والناسي والجاهل فيه، وأما الثاني فربما توجه فيه عدم الوجوب، بناء على أن عمد الصبي خطأ، كما ذكروه في باب الديات. والاولى قصر ذلك الحكم على محله، ووجوب الكفارة هنا على الولي. ولو فعل ذلك سهوا أو جهلا لم يجب شيء. قوله: وروي إذا كان الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي... الخ . بل يجب على الولي الهدي مع قدرته عليه. نعم لو عجز عنه جاز له الصوم عنه. وفي جواز أمره به حينئذ وجه قوي.

(هامش)

= العبادات ح 7، 6. (*)

ص 242

الرابعة:
إذا اشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه ثم احصر تحلل. وهل يسقط الهدي؟ قيل: نعم. وقيل: لا، وهو الاشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الاحصار. وقيل: يجوز التحلل من غير شرط، والاول أظهر.

قوله: وهل يسقط الهدي؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الاشبه . القول بالسقوط للمرتضى (1)، وتبعه ابن إدريس (2)، وجعلاه فائدة الاشتراط.والاقوى عدم السقوط لعموم الآية (3)، والسقوط يحتاج إلى دليل، وحصر الفائدة فيه ممنوع. قوله: وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الاحصار... الخ . في قوله: وفائدة الاشتراط جواب عن سؤال مقدر، وهو أن هدي التحلل إذا كان يجب على المعذور وان اشترط على ربه أن يحله حيث حبسه، فأي فائدة للاشتراط؟ وهذا هو الذي اعترض به ابن ادريس (4) على الشيخ (رحمه الله). وإذا لم يكن للشرط فائدة انتفت شرعيته، وأنتم لا تقولون به. وأجاب المصنف بأن فائدته جواز التحلل، أي تعجيله للمحصر عند الاحصار من غير تربص إلى أن يبلغ الهدي محله، فانه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. وبهذا التفسير صرح المصنف في النافع (5). ويدل عليه من العبارة تخصيصه الحكم بالمحصر، فان المصدود يجوز له التعجيل من غير شرط اتفاقا. والذي فهمه الشهيد (رحمه الله) في الدروس (6) من عبارة الكتاب، وتبعه عليه

(هامش)

(1) الانتصار: 104 - 105. (2) السرائر 1: 533. (3) البقرة: 196. (4) السرائر 1: 534. (5) المختصر النافع: 84.(6) الدروس: 98. (*)

ص 243

الخامسة:
إذا تحلل المحصور لا يسقط الحج عنه القابل إن كان واجبا، ويسقط إن كان ندب

الشيخ علي في حاشيته (1)، أن مراده بالفائدة ثبوت أصل التحلل، وكأنهم يريدون بذلك أن التحلل وإن كان ثابتا أيضا بالاحصار والصد بسبب العذر، لكن ذلك رخصة على خلاف الاصل، فإذا شرط صار الجواز ثابتا بالاصل. ويشكل بأن تخصيص الحصر يشعر بخلافه، فان ما ذكروه آت فيهما، اللهم الا أن يريد بالحصر هنا ما يشمل الصد، وبأن المصنف قد جعل الفائدة نفس التحلل، وعلى ما ذكراه انما هي ثبوته اصالة، واحدهما غير الآخر، وإن أمكن التجوز به. والشيخ (رحمه الله) في التهذيب (2) جعل الفائدة سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان. وكل واحدة من هذه الفوائد لا يأتي على جميع الافراد التي يستحب فيها الاشتراط. أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط. وأما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود. وأما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع. وظاهر أن ثبوت التحلل بالاصل والعارض لا مدخل له في شيء من الاحكام. واستحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج. ومن الجائز كونه تعبدا، أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب. قوله: إذا تحلل المحصور لا يسقط الحج عنه... الخ . هذا إذا كان الواجب مستقرا في الذمة قبل عام الحصر، أما لو كان واجب عامه، فانه بالاحصار تبين انتفاء الوجوب في نفس الامر، لان تخلية السرب وإمكانالفعل الذي له مدخل في تحقق الحج شرط في وجوب الحج

(هامش)

(1) حاشية شرائع الإسلام: 153 مخطوط . (2) التهذيب 5: 295 ذيل ح 1000. (*)

ص 244

 مندوبات الأحرام :

[والمندوبات: رفع الصوت بالتلبية للرجال. وتكرارها عند نومه واستيقاظه، وعند علو الآكام ونزول الاهضام. فإن كان حاجا فإلى يوم عرفة عند الزوال.

قوله: ويستحب رفع الصوت بالتلبية للرجال . أي في الحالة التي يستحب فيها الجهر كما سيأتي بيانه. ولا يستحب ذلك للمرأة، بل يستحب لها السر مطلقا. ولو جهرت حيث لا يسمعها الاجنبي جاز، وكذا الخنثى. قوله: وعند علو الآكام ونزول الاهضام . الاكام جمع. فإن كان بكسر الهمزة الواحدة فهو جمع أكم بالفتح، والاكم جمع أكمة - بالفتح أيضا - وهي التل. وإن كان بفتح الهمزة الاولى وقلب الثانية حرف مد فهي جمع أكم - بالضم - مثل عنق وأعناق، والاكم - بالضم - جمع اكام بالكسر، وهو الجمع المتقدم، مثل كتاب وكتب، فالآكام - بالهمزتين - جمع رابع، وهو ثالث جمع الجمع، كما ذكره الجوهري (1). والاهضام جمع هضم - بكسر الهاء وفتحها، والاول أجود، وسكون الضاد - وهو المطمئن من الارض، وبطن الوادي.قوله: فإلى يوم عرفة عند الزوال . فإذا بلغ ذلك قطعها وجوبا عند الشيخ (2) وجماعة (3) عملا بظاهر الامر (4). ولا شك أنه أولى.

(هامش)

(1) الصحاح 5: 1862 مادة أكم . (2) المبسوط 1: 365، النهاية: 248، الخلاف 2: 292 مسألة 70. (3) منهم إبن البراج في المهذب 1: 243، والحلبي في الكافي 213، وابن حمزة في الوسيلة: 178. (4) الوسائل 9: 59 ب 44 من أبواب الاحرام 1، 5، 6، 10: 10 ب 9 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح 4. (*)

ص 245

[وإن كان معتمرا بمتعة، فإذا شاهد بيوت مكة. وإن كان بعمرة مفردة، قيل: كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم، أو مشاهدة الكعبة. وقيل: إن كان ممن خرج من مكة للاحرام فإذا شاهد الكعبة. وإن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم. والكل جائز. ويرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق المدينة، إذا علت راحلته

قوله: فإذا شاهد بيوت مكة . حد ذلك عقبة المدنيين إن دخلها من أعلاها، وعقبة ذي طوى (ان دخلها) (1) من أسفلها. ونقل الشيخ الاجماع على أن المتمتع يقطعها وجوبا عند مشاهدةمكة (2). قوله: وان كان بعمرة مفردة قيل: كان مخيرا - إلى قوله - والكل جائز . القول بالتخيير للصدوق (رحمه الله) (3) تنزيلا للاخبار المختلفة عليه لظنه تنافيها. والتفصيل قول الشيخ (رحمه الله) (4)، تنزيلا لاختلاف الاخبار على اختلاف حال المعتمر. فإن كان قد خرج من مكة للاحرام بالعمرة المفردة من خارج الحرم، فلا سبيل إلى العمل بمدلول الاخبار المتضمنة لقطعها إذا دخل الحرم، فانه قد لا يكون بين موضع الاحرام واول الحرم مسافة يوجب التفصيل فيقطعها إذا شاهد الكعبة. وإن كان قد جاء محرما بها من أحد المواقيت فإذا دخل الحرم. وهذا هو الاصح. قوله: ويرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق المدينة... الخ .

(هامش)

(1) من نسخة و فقط. (2) الخلاف 2: 293 عند الاستدلال على مسألة 71. (3) الفقيه 2: 277 ذيل احاديث ب 174 . (4) الاستبصار 2: 177، التهذيب 5: 96. (*)

ص 246

[البيداء. فإن كان راجلا فحيث يحرم. ويستحب التلفظ بما يعزم عيله. والاشتراط أن يحله حيث حبسه، وإن لم يكن حجة فعمرة. وأن يحرم في الثياب القطن، وأفضله البيض.

هذا تفصيل ما أجمله في استحباب رفع الصوت بالتلبية سابقا. وبيانه: أن الحاج على طريق المدينة، إن كان راكبا فلا يرفع صوته بها حتى تصل راحلته البيداء، وهي الارض التي تخسف بجيش السفياني فيها، على ميل من مسجد الشجرة عن يسار الطريق، اقتداء بالنبي صلى الله عليه واله وسلم. ثم إن أوجبنا مقارنة التلبية للنية أسر بها عندها، وأخر الجهر بها إلى ذلك المحل. وإلا جاز تأخيرها إليه. وظاهر الاخبار (1) أن أول التلبية للراكب يكون في البيداء والاول أولى. فيكون هذه التلبية غير التي يعقد بها الاحرام في المسجد. وإن كان راجلا رفع بها صوته حيث يحرم، فليس له تلبية تقع سرا. وكذا من حج على غير طريق المدينة يرفع صوته موضع إحرامه، راكبا كان أم راجلا. وفي الاخبار (2) يؤخرها حتى يمشي خطوات. واختاره في التحرير (3). وهو حسن. قوله: ويستحب التلفظ بما يعزم عليه . أي التلفظ به في التلبية، بأن يقول من جملة التلبيات المستحبة: لبيك بالعمرة المتمتع بها إلى الحج لبيك. ولو كان غيرها ذكره بلفظه أيضا استحبابا. والواجبالقصد إليه في النية. قوله: والاشتراط أن يحله حيث حبسه وإن لم يكن حجة فعمرة . أي يستحب الاشتراط كذلك. ومحله قبل النية متصلا بها. ولو ذكره في خلال النية حيث لا يخل بواجباتها صح أيضا، كالاعتكاف المندوب. ولفظه المروي اللهم

(هامش)

(1) الوسائل 9: 43 ب 34 من أبواب الاحرام. (2) الفقيه 2: 208 ح 944، الوسائل 9: 46 ب 35 من أبواب الاحرام ح 1. (3) تحرير الاحكام 1: 96. (*)

ص 247

[وإذا أحرم بالحج من مكة، رفع صوته بالتلبية، إذا أشرف على الابطح. تروك الاحرام وهي محرمات ومكروهات. فالمحرمات عشرون شيئا: مصيد البر، إصطيادا، أو أكلا ولو صاده محل.

إني اريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك، فان عرض لي شيء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. اللهم إن لم تكن حجة فعمرة. أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي عظامي ومخي وعصبي من النساء والثيابوالطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. ثم قم فامش هنيئة ثم لب (1). وفي هذا دلالة على ما تقدم من عدم وجوب مقارنة النية للتلبية. لكن الاولى المقارنة، وإعادتها جهرا بعد ذلك على ما تقدم تفصيله. قوله: وإذا أحرم بالحج من مكة رفع صوته، بالتلبية إذا أشرف على الابطح . ظاهرهم هنا عدم الفرق بين الراكب والماشي، كما لم يفرق بينهما في إحرام العمرة من غير مسجد الشجرة. وحسنة معاوية بن عمار (2) وغيره دالة باطلاقها على ذلك. وربما قيل: إن ذلك مخصوص بالراكب. والكلام في التلبية التي يعقد بها الاحرام كما مر، فيلبي سرا بعد النية، ويؤخر الجهر إلى الابطح. قوله: مصيد البر إصطيادا أو أكلا... الخ . جعله محل التحريم المصيد بصيغة إسم المفعول أوضح من تعبير غيره عنه بالصيد الذي هو المصدر، فإن تحريم المصيد، أعني الحيوان المخصوص، يحتمل -

(هامش)

(1) الكافي 4: 331 ح 2، الفقيه 2: 206 ح 939، الوسائل 9: 22 ب 16 من أبواب الاحرام ح 1. (2) الكافي 4: 454 ح 1، التهذيب 5: 167 ح 557، الوسائل 10: 2 ب 1 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح 1. (*)

ص 248

[وإشارة، ودلالة، واغلاقا، وذبحا، ولو ذبحه كان ميتة حراما على المحل والمحرم. وكذا يحرم فرخه وبيضه. والجراد في معنى الصيد البري.

حيث هو معلق على العين - لان يريد به الاكل، أو غيره من الافعال، فتفسيرها بعد ذلك بما ذكر حسن، بخلاف جعل المحرم هو المصدر الذي هو الصيد، فانه لا يقتضي إدخال غيره من الدلالة والاشارة والاكل وغيرها معه، بل تنافيه. والعذر عنه أنه يريد بالمصدر إسم المفعول، أعني المصيد، كما في قولك: درهم ضرب الامير، وثوب نسج اليمن، أعني مضروبه ومنسوجه، لا الاسم الذي يشتق منه تلك الاشياء. قوله: وإشارة ودلالة . الدلالة أعم من الاشارة مطللقا، لتحققها بالاشارة والكتابة والقول وغيرها، واختصاص الاشارة باجزاء البدن، كاليد والعين والرأس. وذكر العام بعد الخاص غير ضائر. ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرما أو محلا. لكن متى كانا محرمين ضمناه معا. ولو انعكسالفرض بأن كان الدال محلا، فان كان المدلول أيضا محلا فلا شيء. ولو كان محرما لزمه خاصة. نعم لو قصد المحل ذلك أثم، لانها معاونة على الاثم والعدوان. ولا فرق في الدلالة بين الخفية والواضحة. وانما يؤثر مع جهالة المدلول بالصيد، فلو كان عالما به ولم تفده زيادة فلا حكم لها. قوله: والجراد في معنى الصيد . لا خلاف في ذلك عندنا. وإنما نبه على خلاف الشافعي (1)، حيث ذهب إلى

(هامش)

(1) لم ينقل هذا الرأي عن الشافعي بل الموجود في الام 2: 196 ثبوت الجزاء فيه. وانما حكى الشيخ في الخلاف 2: 414 عن أبي سعيد الخدري أن الجراد من صيد البحر. وفي المغني لابن قدامة 3: 268 حكاية ذلك عنه وعن عطاء. وروى عن عروة انه قال: انها نثرة حوت. والنثرة ما يخرج من الخيشوم من مخاط. (*)

ص 249

[ولا يحرم صيد البحر، وهو ما يبيض ويفرخ في المياة.والنساء، وطأ، ولمسا، وعقدا لنفسه ولغيره، وشهادة على العقد، وإقامة - ولو تحملها محلا - ولا بأس به بعد الاحلال، وتقبيلا، ونظرا بشهوة. وكذا الاستمناء.

أنه من صيد البحر، لانه يتولد من ورث (1) السمك. قوله: ولا يحرم صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ في الماء . المراد كون الماء محلا للفرخ والبيض. فما يبيض ويفرخ في البر صيد وان لازم الماء كالبط. فمحل البيض هو المعيار لمن يتردد اليهما. ولو اختلف جنس الحيوان، كالسلحفاة، فإن منها برية، ومنها بحرية، فلكل جنس حكم نفسه. والمتولد بين الصيد وغيره يتبع الاسم. فان انتفى عنه الاسمان، وكان ممتنعا فهو صيد، إن لم يخص التحريم في المحرم بالستة الانواع المشهورة. والا اعتبر في ذلك كونه ملحقا باحدها. قوله: واقامة ولو تحملها محلا . إي إقامه للشهادة على النكاح، وإن كان في عقد بين محلين وسواء تحملها محلا أم محرما، خلافا للشيخ (رحمه الله)، حيث قيد التحريم بما إذا تحملها وهو محرم (2).وانما يحرم عليه إقامتها، إذا لم يترتب على تركها محرم، فلو خاف به وقوع الزنا المحرم، وجب عليه تنبيه الحاكم على أن عنده شهادة، ليوقف الحكم إلى إحلاله، فإن لم يندفع إلا بالشهادة جازت. قوله: ونظرا بشهوة . لا فرق في ذلك بين الزوجة والاجنبية، بالنسبة إلى النظرة الاولى - إن جوزناها - والنظر إلى المخطوبة، وإلا فالحكم مخصوص بالزوجة.

(هامش)

(1) كذا في النسخ الخطية التي لدنيا وفي الطبعة الحجرية رؤوس وهو أنسب بما حكي عن عروة وذكرناه آنفا. (2) المبسوط 1: 317. (*)

ص 250

[تفريع الاول: إذا اختلف الزوجان في العقد، فادعى أحدهما وقوعه في الاحرام وأنكر الآخر، فالقول قول من يدعي الاحلال، ترجيحا لجانب الصحة. لكن إن كان المنكر المرأة، كان لها نصف المهر، لاعترافه بما يمنعمن الوطئ. ولو قيل: لها المهر كله كان حسنا.

قوله: إذا اختلف الزوجان في العقد... الخ . أي القول قول من يدعي وقوعه حالة الاحلال، لان الاصل في العقد الواقع كونه صحيحا، فمدعي الفساد يحتاج إلى البينة، ولانهما مختلفان في وصف زائد على أركان العقد المتفق على حصولها، يقتضي الفساد، وهو وقوع العقد في حالة الاحرام، فالقول قول منكره، فيحلف ويحكم بالصحة. قوله: لكن إن كان المنكر المرأة كان لها نصف المهر... الخ . لما كان الحكم بتقديم قول من يدعي الصحة يقتضي بقاء حكم النكاح الذي من جملته جواز الاستمتاع، واستحقاق جميع المهر، وكان الحكم بهما غير تام على الاطلاق، إستدرك الحكم السابق بقوله: لكن... الخ . وتحقيقه أن مدعي وقوع العقد في الاحرام لو كان هو الزوج وأنكرت المرأة لزمه حكم البطلان فيما يختص به، فيحكم بتحريمها عليه، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ولان الزوج يملك الفرقة، فإذا اعترف بما يتضمنها قبل، ولا يقبل قوله في حقها، فلها المطالبة بحق الاستمتاع، والنفقة، فما يمكن فعله منه كأداء النفقة يكلف به، وما يمكن كالوطئ - فانه بزعمه محرم - يتعارض فيه الحقان، فلا يكلف به، بل ينبغي التخلص من ذلك بايقاع صيغة الطلاق، ولو معلقة علىشرط، مثل ان كانت زوجتي فهي طالق . وظاهر الشيخ (2) إنفساخ العقد من غير

(هامش)

(1) غوالي اللئالي 1: 223 ح 104، الوسائل 16: 111 ب 3 من كتاب الاقرار ح 2. (2) المبسوط 1: 318، الخلاف 2: 316 مسألة 113. (*)

ص 251

احتياج إلى فاسخ من طلاق أو غيره. ويستحق عليه نصف المهر إن كان قبل المسيس، لانه وإن وجب جميعه بالعقد الذي قد حكم بصحته، إلا أن الفرقة الحاصلة باقرار الزوج الذي تضمنه دعواه، حيث كانت قبل الدخول أوجبت تنصيف المهر كالطلاق. وهذا قول الشيخ أيضا (1) وبناؤه على الحكم بالانفساخ قبل الدخول. والاقوى ما حسنه المصنف من لزوم جميع المهر، ثبوته بالعقد، وكون تنصيفه بالطلاق على خلاف الاصل، فيقتصر فيه على موضع الوفاق والنص، فلا يلحق به ما اشبهه من الفراق، لبطلان القياس. والمراد بالجميع المسمى. ولو كان بعد الدخول وجب المسمى بأجمعه قولا واحدا. وما يختص بها من الاحكام المترتبة على دعواها يلزمها قبل الطلاق، فلا يحللها التزويج بغيره، ولا الافعال المتوقفة على إذنه بدونه، ويجوز له التزويج بأختها وخامسة، ونحو ذلك من لوازم الفساد، هذا بحسب الظاهر، واما فيما بينهما وبين الله تعالى فيلزمهما حكم ما هو الواقع في نفس الامر. ولو انعكست الدعوى، بأن كان هو مدعي الوقوع في الاحلال، وهي تدعي وقوعه في الاحرام، وحلف استقر النكاح له ظاهرا، وعليه النفقة، والمبيت عندها، ويحرم عليه التزويج بالخامسة والاخت، وليس لها المطالبة بحقوق الزوجية من النفقة والمبيت عندها، وعليها القيام بحقوق الزوجية ظاهرا. ويجب عليها فيما بينها وبين الله تعالى أن تعمل بما تعلم أنه الحق بحسب الامكان، ولو بالهرب أو استدعاء الفرقة. وأما المهر فإن كان ذلك قبل الدخول فليس لها المطالبة به، لاعترافها بعدم استحقاقه، وبعده تطالب بأقل الامرين من المسمى ومهر المثل مع جهلها إن لم تكن

(هامش)

(1) المبسوط 1: 318، الخلاف 2: 316 مسألة 113. (*)

ص 252

[الثاني: إذا وكل في حال إحرامه فأوقع فان كان قبل إحلال الموكل بطل وإن كان بعده صح. ويجوز مراجعة المطلقة الرجعية. وشراء الاماء في حال الاحرام. والطيب على العموم

قبضته. ومع علمها بالحال لا شيء لها ظاهر. ويجب عليه التوصل إلى براءة ذمته منه بحسب الامكان. وانما جمعنا بين هذه الاحكام المتنافية - مع أن إجتماعها في الواقع ممتنع - جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة المحضة، وعملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن. قوله: ويجوز مراجعة المطلقة الرجعية . لان الرجعة ليست ابتداء نكاح، وانما هي رفع للسبب الطاري، واستدامة للنكاح السابق، فانها في حكم الزوجة. ولا فرق في ذلك بين المطلقة تبرعا، والمختلعة إذا رجعت في البذل. قوله: وشراء الاماء . سواء قصد بشرائهن الخدمة أم التسري، قصرا للمنع على مورده، وهو عقد النكاح. وانما المحرم في غيره نفس النكاح، فلو قصده عند الشراء في حالة الاحرام حرم. وهل يبطل الشراء؟ فيه وجه، منشؤه النهي عنه. والاقوى العدم، لانه عقد لا عبادة. قوله: والطيب على العموم . الطيب جسم ذو ريح طيبة متخذ للشم غالبا، غير الرياحين كالمسك والعنبر والزعفران والورد والكافور. وخرج بقيد الاتخاذ للشم ما يطلب منه الاكل والتداوي غالبا، كالقرنفل والسنبل والدارصيني والجوزة والمصطكي، وسائر الاباذير الطيبة،

ص 253

[ما خلا خلوق الكعبة.

فلا يحرم شمه. وكذا ما لا ينبت للطيب، كالشيح (1) والقيصوم (2) والخزامى (3) والاذخر (4) والفوتنج (5) والحناء والعصفر (6)، وان اطلق عليه اسم الرياحين. واما ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب، كالياسمين والورد والنيلوفر، فان كان رطبا فهو ريحان سيأتي حكمه، وإن كان يابسا ففي تحريمه إن لم نقل بتحريم أخضره وجهان. واختار العلامة في التذكرة تحريمه، ووجوب الفدية به (7). إذا تقرر ذلك، فالمراد بقوله: على العموم أي على الاطلاق مجازا، فإن الطيب مطلق، لا عام. ويمكن أن يكون العموم باعتبار النص الوارد فيه، ففي صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام: لا يمس المحرم شيئا من الطيب (8). ونحوه في رواية معاوية بن عمار (9)، فان النكرة في سياق النفي تفيد العموم. والاقوى تحريمه مطلقا، لما ذكرناه من النص. قوله: ما عدا خلوق الكعبة . الخلوق - بفتح الخاء - أخلاط خاصة من الطيب، منها الزعفران.

(هامش)

(1) الشيخ: نبات سهلي له رائحة طيبة وطعم مر. لسان العرب 2: 502. (2) القيصوم: نبات طيب الرائحة من رياحين البر ورقه هدب وله نورة صفراء، وهي تنهض على ساق وتطول. لسان العرب 12: 486. (3) الخزامى: عشبة طيبة الرئحة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة وهي من أطيب الازهار. ولسان العرب 12: 176. (4) الاذخر: حشيش طيب الريح أطول من الثيل ينبت على نبته الكولمان، واحدتها إذخرة. لسان العرب4: 303. (5) من جنس الاحباق ومن جنس الصعاتر، وأنواعه كثيرة. حديقة الازهار: 214. (6) العصفر: نبات سلافته الجريال. لسان العرب 4: 581. (7) التذكرة 1: 333. (8) التهذيب 5: 297 ح 1007، الاستبصار 2: 178 ح 591، الوسائل 9: 95 ب 18 من أبواب تروك الاحرام ح 11. (9) الكافي 4: 353 ح 1، الوسائل 9: 94 ب 18 من أبواب تروك الاحرام ح 5. (*)

ص 254

[ولو في الطعام. ولو اضطر إلى أكل ما فيه طيب، أو لمس الطيب قبض على أنفه. وقيل: انما يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس. وقد يقتصر بعض على أربع: المسك والعنبر والزعفران والورس. والاول أظهر.

فعلى هذا لو كان طيب الكعبة غيرها حرم، كما لو جمرت الكعبة، لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها وعندها حينئذ، وإنما يحرم الشم. ولا كذلك الجلوس في سوقالعطارين، وعند المتطيب فإنه محرم. قوله: ولو في الطعام . مع بقاء كيفيته من لون وطعم ورائحة، فلو انتفت الثلاثة واستهلكت فلا بأس. ولو انتفى بعضها، فان بقيت الرائحة فهو كما لو بقي الجميع. ولو انتفت وبقي أحد الامرين، ففي تحريمه وجهان، أجودهما المنع. قوله: ولو اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب قبض على أنفه . وجوبا فلو لم يقبض كان كما لو تطيب، فيجب الكفارة. قوله: وقيل: انما يحرم المسك - إلى قوله - والورس . القول للشيخ في الخلاف (1) والنهاية (2). وكذا القول الذي بعده فانه مختاره في التهذيب (3). والاصح الاول. والورس - بفتح الواو - نبت أحمر يوجد على قشور شجر يكون باليمن (4).

(هامش)

(1) الخلاف 2: 302 مسألة 88 كتاب الحج. (2) النهاية: 219. (3) التهذيب 5: 299. (4) الموجود في كثير من كتب اللغة انه نبت اصفر وورد في بعضها انه يتخذ منه صبغ لحمرة الوجه. (*)

ص 255

[ولبس المخيط للرجال. وفي النساء خلاف. والاظهر الجواز، إضطرارا وإختيارا. واما الغلالة فجائزة للحائض إجماعا. ويجوز لبس السراويل للرجل إذا لم يجد إزارا. وكذا لبس طيلسان له أزرار، لكن لا يزره على نفسه.

قوله: ولبس المخيط للرجال . المعتبر في المنع مسمى الخياطة وإن قلت. ولا يشترط إحاطته بالبدن. ويلحق بالمخيط ما أشبهه، كالدرع المنسوج، وجبة اللبد، والملصق بعضه ببعض، لقول الصادق عليه السلام: لا تلبس وأنت تريد الاحرام ثوبا تزره، ولا تدرعه . (1) ويلحق بالخياطة ما أشبهها من العقد والزر والخلال للرداء، ويجوز عقد الازار والهميان. قوله: وفي النساء خلاف. والاظهر الجواز، اضطرارا واختيارا . الاظهر أظهر، بل ادعى عليه العلامة في التذكرة الاجماع (2). قوله: اما الغلالة فجائزة للحائض اجماعا . الغلالة - بكسر الغين - ثوب رقيق يلبس تحت الثياب، يجوز لبسه للحائض، وان منعناها من لبس المخيط. قوله: ويجوز لبس السراويل للرجال إذا لم يجد ازارا . ولا فدية عليه حينئذ. نص عليه جماعة (3)، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا (4). قوله: وكذا لبس طيلسان له أزرار لكن لا يزره على نفسه . الطيلسان ثوب منسوج محيط بالبدن، مستثنى من جواز (5) لبس المخيط. ولا

(هامش)

(1) التهذيب 5: 69 ح 227، الوسائل 9: 115 ب 35 من أبواب تروك الاحرام ح 2. (2) التذكرة 1: 333. (3) راجع الخلاف 2: 297، السرائر 1: 543، المنتهى 2: 782، حاشية المحقق الكركي على الشرائع مخطوط : 156. (4) التذكرة 1: 332. (5) كذا في جميع النسخ والصحيح عدم جواز لبس المخيط . (*)

ص 256

[والاكتحال بالسواد على قول، وبما فيه طيب. ويستوي في ذلك الرجل والمرأة. وكذا النظر في المرأة، على الاشهر.

يجوز زره للنص عليه (1). ومنه يستفاد بالايماء عدم جواز عقد ثوب الاحرام الذي يكون على المنكبين. ولو زره أو عقد الثوب فالظاهر كلبس المخيط، فيجبالفدية. قوله: والاكتحال بالسواد على قول . القول بتحريمه قوي، لصحيحة حريز معللا بكونه زينة (2). والقول الآخر للخلاف أنه مكروه (3) عملا بالاصل. وظاهر النهي في الاخبار يدفعه. وعلى القولين لا فدية فيه. قوله: وبما فيه طيب . عطفه على ما فيه الخلاف - غير ناقل فيه الخلاف - مشعر بعدم الخلاف فيه مع أنه فيه متحقق فإن ابن الجنيد (4) وابن البراج (5) كرهاه، والاصح التحريم، بل نقل عليه في التذكرة الاجماع (6). وفديته فدية الطيب. قوله: وكذا النظر في المرآة على الاشهر . المشبه به المشار إليه ب‍ ذا هو التحريم على الرجل والمرأة. وهذا هو الاصح، لصحيحة حماد (7). وذهب جماعة (8) إلى الجواز تمسكا بالاصل. وعلى كل حال فلا

(هامش)

(1) الكافي 4: 340 ح 7، الوسائل 9: 116 ب 36 من أبواب تروك الاحرام ح 2. (2) الكافي 4: 356 ح 1، علل الشرائع: 456 ب 213 ح 2، التهذيب 5: 301 ح 1025، الوسائل 9: 112 ب 33 من أبواب تروك الاحرام ح 4. (3) الخلاف 2: 313 مسألة 106 كتاب الحج. (3) نقله عنه الزهدري الحلي في ايضاح ترددات الشرائع 1: 181. (5) المهذب 1: 221. (6) التذكرة 1: 335. (7) التهذيب 5: 302 ح 1029، الوسائل 9: 114 ب 34 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (8) منهم الشيخ في الخلاف 2: 319 مسألة 119، وابن حمزة في الوسيلة: 164. (*)

ص 257

[ولبس الخفين، وما يستر ظهر القدم. فان اضطر جاز، وقيل: يشقهما وهو متروك.

فدية فيه. والمرآة بكسر الميم وبعد الهمزة الف. قوله: ولبس الخفين، ما يستر ظهر القدم . المحرم من ذلك ما يسمى لبسا عليهما، فلا يحرم سترهما بغيره. وهل الستر المحرم هو المستوعب للظهر أم مسمى الساتر؟ يحتمل الاول، لورود الحكم في النصوص (1) ممثلا بالخفين ونحوهما مما يقع الستر به بجميع الظهر، ولانه لو حرم ستر أي جزء كان لما أمكن لبس شيء في الرجل، لان النعلين يفتقران إلى سيور تستر بعض الظهر، والاكتفاء بشق الخفين عند تعذر النعلين، وإنما يلزممنه بروز شيء من ظهر القدم. ويشكل بأن ذلك لا يكفي اختيارا، بل هو مشروط بتعذر النعلين فلا دلالة فيه. ووجه الثاني أن كل جزء من الظهر ليس أولى من غيره بتحريم الستر فلو لم يعم التحريم لزم الترجيح من غير مرجح، ولان الرأس يحرم ستر جميع أجزائه بغير إشكال، ولا فرق بينهما في المعنى. ولا ريب أن القدر الذي يتوقف عليه لبس النعلين ونحوهما مستثنى، وينبغي الاقتصار عليه. نعم لا يجب تخفيف الشراك والشسع إلى قدر يندفع به الحاجة، لاطلاق الامر (2) بلبسهما. وحكى في التذكرة عن بعض العامة ايجاب ذلك (3). قوله: فإن اضطر جاز، وقيل: يشقهما، وهو متروك . هذا القول هو الاجود لورود الامر به (4)، ولتحريم ستر الظهر فالشق مؤد إلى كشف بعضه، فيجب مع الامكان. ويكفي الشق مع وجود النعلين، لان جوازه مشروط بعدمهما في النصوص (5).

(هامش)

(1) الوسائل 9: 134 ب 51 من أبواب تروك الاحرام. (2، 4، 5،) الوسائل الباب المذكور آنفا. (3) التذكرة 1: 333. (*)

ص 258

[والفسوق، وهو الكذب. والجدال، وهو قول لا والله وبلى والله.

ولا فدية في لبس الخف عند الضرورة عند علمائنا، نص عليه في التذكرة (1). قوله: والفسوق وهو الكذب . وكذلك السباب لصحيحة معاوية (2)، وعن النبي صلى الله عليه وآله: سباب المسلم فسوق (3) وفي صحيحة علي بن جعفر هو الكذب والمفاخرة (4). وجميع ذلك محرم يجب الاحتراز عنه في الاحرام وغيره، لكنه فيه آكد. ولا كفارة في الفسوق سوى الاستغفار. وقال المفيد: الكذب يفسد الاحرام (5). قوله: والجدال وهو قول: لا والله وبلى والله . هكذا فسره الصادق (6) والكاظم عليهما السلام (7)، واختاره المصنف والفاضل (8). وقيل: يتعدى إلى كل ما يسمى يمينا، واختاره الشهيد (رحمه الله) (9)، وهو أولى. وانما يحرم مع عدم الحاجة إليه، أما لو اضطر إليه لاثبات حق أو نفي باطل، فالاقوى جوازه ولا كفارة.

(هامش)

(1) التذكرة 1: 332. (2) الكافي 4: 337 ح 3، التهذيب 5: 296 ح 1003، الوسائل 9: 108 ب 32 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (3) امالي الطوسي 2: 150، الوسائل 8: 598 ب 152 من أبواب أحكام العشرة ح 9. (4) التهذيب 5: 297 ح 1005، الوسائل 9: 109 ب 32 من أبواب تروك الاحرام ح 4. (5) المقنعة: 432. (6) الكافي 4: 337 - 338 ح 3، التهذيب 5: 336 ح 1157، الوسائل 9: 108 ب 32 من أبوابتروك الاحرام ح 1، 3، 5، 8، 9. (7) تفسير العياشي 1: 95 ح 255، الوسائل 9: 282 ب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 10، وكذا ص 109 ب 32 من تروك الاحرام ح 4. (8) التذكرة 1: 343، تبصرة المتعلمين: 74. (9) الدروس: 110. (*)

ص 259

[وهوام الجسد حتى القمل. ويجوز نقله من مكان إلى آخر من جسده. ويجوز إلقاء القراد والحلم. ويحرم لبس الخاتم للزينة، ويجوز للسنة.

قوله: وقتل هوام الجسد حتى القمل . الهوام - بالتشديد - جممع هامة - بالتشديد أيضا - وهي دوابة. والاصل أن لا يطلق الا على المخوف من الاحناش (1)، قاله الجوهري (2). والقمل من هوام الجسد، وكذا القراد. وفي كون البرغوث منها قولان، والظاهر العدم، وهو مروي أيضا (3). ولا فرق في تحريم قتل الهوام بين كونه بالمباشرة أو التسبيب كوضع الزيبق. قوله: ويجوز نقله من مكان إلى آخر من جسده . إطلاق النص (4) والفتوى يقتضي عدم الفرق بين نقله إلى مكان أحرز مما كان فيه أو غيره. وقيده بعض الاصحاب (5) بالمساوي أو الاحرز، وهو أولى نعم لا يكفي وضعه في موضع يكون معرضا لسقوطه قطعا. قوله: ويجوز إلقاء القراد والحلم . الحلم - بفتح الحاء واللام - واحدة حلمة - بالفتح أيضا - القراد العظيم. قاله الجوهري (6). ويجوز القاؤهما عن نفسه وبعيره، لا قتلهما، بخلاف القملة فانه لا يجوزالقاؤها أيضا. قوله: ويحرم لبس الخاتم للزينة، ويجوز للسنة .

(هامش)

(1) الحنش: واحد الاحناش، وهي هوام الارض. والحنش: ضرب من الحيات. جمهرة اللغة 1: 539 (2) الصحاح 5: 2062. (3) الوسائل 9: 164 ب 79 من أبواب تروك الاحرام ح 2 و3. (3) الوسائل 9: 163 ب 78 من أبواب تروك الاحرام ح 5. (5) راجع حاشية الشرائع للمحقق الكركي: 156 مخطوط . (6) الصحاح 5: 1093. (*)

ص 260

[ولبس المرأة الحلي للزينة، وما لم يعتد لبسه منه على الاولى. ولا بأس بما كان معتادا لها، ولكن يحرم عليها إظهاره لزوجها. واستعمال دهن فيه طيب محرم بعد الاحرام، وقبله إذا كان ريحه يبقي إلى الاحرام.

المرجع في كونه للزينة أو السنة إلى قصد اللابس. وليس لذلك هيئة مخصوصة يكون بها سنة خاصة. قوله: ولبس المرأة الحلي للزينة... الخ . يحرم على المرأة لبس الحلي للزينة مطلقا كالخاتم، وكذا غير المعتاد لها وإن لميكن للزينة، وأما المعتاد لها إذا لبسته لغير الزينة فلا بأس به، لكن يحرم عليها حينئذ إظهاره للرجال. وتخصيص المصنف تحريم إظهاره بالزوج يشعر بعدم تحريمه لغيره من المحارم. وفي الرواية من غير أن تظهره للرجال (1)، وهو عام. وقول المصنف في غير المعتاد: على الاولى يشعر بعدم جزمه بتحريمه. ووجهه عدم دلالة النصوص عليه صريحا، بل في بعضها تعميم الاباحة لكل حلي لا يقصد به الزينة (2). وإنما كان أولى لانه المشهور بين الاصحاب. وكيف كان فلا شيء في لبس الحلي والخاتم المحرمين سوى الاستغفار. قوله: واستعمال دهن فيه طيب محرم بعد الاحرام، وقبله إذا كان ريحه يبقيى إلى الاحرام . المراد ببعدية الاحرام هنا ما بعد نيته قبل الاحلال منه، وهو معنى مجازي قد سبق نظيره في نسيان الاحرام. ووجه تحريمه قبله أنه وسيلة إلى المحرم، وهو المستدام منه بعد النية، والوسيلة إلى المحرم محرمة. وإنما يتحقق التحريم مع وجوب الاحرام

(هامش)

(1) الكافي 4: 345 ح 4، التهذيب 5: 75 ح 248، الاستبصار 2: 310 ح 1104، الوسائل 9: 131 ب 49 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (2) الفقيه 3: 22 ح 1016، التهذيب 5: 76 ح 251 الاستبصار 2: 310 ح 1105، الوسائل 9: 132 ب 49 من أبواب تروك الاحرام ح 4. (*)

ص 261

[وكذا ما ليس بطيب - اختيارا - بعد الاحرام، ويجوز اضطرارا.

على الفور، أما لو لم يكن واجبا، أو كان غير فوري ففي تحريم الطيب قبله نظر، من إقامة العزم عليه مقام وجوبه الفوري، ولان الاحرام يحرم هذه الاشياء وإن كان مندوبا، ومن أن فعله لما لم يكن متعينا لم يكن منافيا للطيب المتقدم. قوله: وكذا ما ليس بطيب إختيارا بعد الاحرام . وكذا يحرم الادهان بدهن غير مطيب، لا استعماله مطلقا فان أكله جائز اجماعا. وتحريم الادهان بعد الاحرام ثابت بالمطيب وغيره، أما قبله إذا لم يكن مطيبا فلا لاطلاق النص (1). وفي الفرق بين ما يبقى أثره بعد الاحرام وما يبقى طيبه نظر، فان استدامة الدهن الباقي أثره حاصلة كما أن استدامة الطيب فيه كذلك، والابتداء منفي فيهما، لكن النص هنا مطلق. وقد ادعى العلامة عليه الاجماع في التذكرة (2)، فلا بد من القول بجوازه وإن بقي أثره، بخلاف الطيب فقد ورد النهي عن المتقدم منه إذا كان يبقى إليه، ففي رواية الحلبي: لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من اجل بقاء الرائحة (3). واختار ابن حمزة هنا الكراهة في المتقدم (4) وهو ظاهر الخلاف (5) فيكون الحكم في المطيب كغيره. والاعتماد على الفرق. وينبغي أن يقرأ بطيب في قوله: وكذا ما ليس بطيب بتشديد الياء، عطفا على قوله: دهن فيه طيب فانه مع التخفيف يقتضي اختصاص التحريم بدهن فيه ما ليس بطيب، مع أن مصاحبة شيء للدهن غير شرط في التحريم. قوله: ويجوز مع الضرورة .

(هامش)

(1) الوسائل 9: 105 ب 30 من أبواب تروك الاحرام. (2) التذكرة 1: 335. (3) الكافي 4: 329 ح 2، التهذيب 5: 303 ح 1032، الوسائل 9: 104 ب 29 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (4) الوسيلة: 164. (5) الخلاف 2: 287. (*)

ص 262

[وإزالة الشعر قليله وكثيرة، ومع الضرورة لا إثم. وتغطية الرأس.

لا إشكال في جوازه مع الضرورة، كمداواة الجرح به. انما الكلام في وجوب الكفارة حينئذ فانها قد تجامع الضرورة، كما تجامع الاختيار. والحق أن الدهن إن كان مطيبا وجبت، وإلا فلا، لاصالة البراءة. قوله: وإزالة الشعر قليله وكثيره، ومع الضرورة لا إثم . التعبير بالازالة يشمل الحلق والنتف وإزالته بالنورة وانسلاله بالتمشط وغيرها. واحترز بالضرورة عما لو نبت في عينه شعر، فانه يجوز ازالته ولا شيء عليه. ولو كان التاذي به لكثرته في الحر، أو كثرة القمل فيه جاز أيضا. لكن يجب الفداء هنا، لانه ليس نفس الموذي. ولو قطع اليد أو كشط جلدة عليها شعر فلا شيء في الشعر، لان الشعر غير مقصود بالابانة. قوله: وتغطية الرأس . لا فرق في تغطيته بين أن يكون بثوب أو قلنسوة أو غيرهما، مما لا يعتاد التغطية به كالزنبيل. وفي حكمه خضب الرأس بالحناء، وستره بالطين، وحمل متاع يستره، أو بعضه. ويستثنى من ذلك وضع عصام القربة عليه لحملها، فقد ورد به الاذن (1)، وكذا العصابة للصداع. ولا فرق بين ستر جميع الرأس وبعضه. ويجوز له التوسد بوسادة وإن كانت نحو العمامة، لعدم صدق التغطية بذلك، ولانه موضع ضرورة في الجملة، ولا يتقيد بها، بل يجوز اختيارا. والمفهوم من الغطاء ما كان ملاصقا، فلو رفعه عن الرأس بآلة بحيث يستر عنه الشمس ولم يصبه فالظاهر جوازه. ولو ستر بعض رأسه بيديه ففي التحريم إشكال، من صدق اسم التغطية، ومن أن الستر بمتصل لا يثبت له حكمه، ومن ثم لا يكفي وضع يديه على عورته في الصلاة وإن حصل بهما الستر. وقطع العلامة بجوازه في

(هامش)

(1) الفقيه 2: 221 ح 1024، الوسائل 9: 140 ب 57 من أبواب تروك الاحرام. (*)

ص 263

[وفي معناه الارتماس. ولو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا، وجدد التلبية إستحبابا.

موضع من التذكرة (1)، وتوقف في آخر (2) منها. نعم يجوز له حك رأسه بيده ودلكه، وهو مروي (3). والظاهر ان الرأس هنا اسم لمنابت الشعر حقيقة أو حكما، فالاذنان ليستا منه، خلافا للتحرير (4).قوله: وفي معناه الارتماس . المراد به الدخول تحت الماء بحيث يستر رأسه. وفي معناه ستره خاصة بالماء دفعة وإن بقي البدن. ويجوز له غسل رأسه بغير الارتماس، وإفاضة الماء عليه إجماعا. وروى حريز في الصحيح: إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء يميز الشعر بأنامله بعضه من بعض (5). قوله: ولو غطى رأسه ألقى الغطاء واجبا، وجدد التلبية استحبابا . أما وجوب القاء الغطاء على الفور عند الذكر، فلان استدامة التغطية كالابتداء، بل أقوى. وأما استحباب التلبية، فلصحيحة حريز عن الصائق عليه السلام في المحرم يغطي رأسه ناسيا أو نائما قال: يلبي إذا ذكر (6)، ولان التغطية تنافي الاحرام فاستحب تجديد ما ينعقد به، وهو التلبية: ولا يفتقر تجديدها إلى تجديد نية الاحرام، لاطلاق النص.

(هامش)

(1، 2) التذكرة 1: 336 و337. (3) التهذيب 5: 313 ح 1077، الوسائل 9: 159 ب 37 من أبواب تروك الاحرام ح 2. ولم يرد فيه الدلك ويلا حظ ان الكلمة مشطوب عليها في نسخة ج . (4) تحرير الاحكام 1: 114. (5) الكافي 4: 365 ح 2، الفقيه 2: 230 ح 1094، التهذيب 5: 313 ح 1080، الوسائل 9: 160 ب 75 من أبواب تروك الاحرام ح 2.(6) الفقيه 2: 227 ح 1070، الوسائل 9: 138 ب 55 من أبواب تروك الاحرام ح 6. ولكن راويها الحلبي، وفي نفس الباب ح 3 رواية لحريز بنفس المعنى وبلفظ آخر (*).

ص 264

[ويجوز ذلك للمرأة لكن عليها أن تسفر عن وجهها. ولو أسدلت قناعها على راسها إلى طرف أنفها جاز. وتظليل المحرم عليه سائرا. ولو اضطر لم يحرم

قوله: ويجوز ذلك للمرأة لكن عليها أن تسفر عن وجهها... الخ . لافرق في وجهها بين جميعه وبعضه، كرأس الرجل. وفي جواز وضع اليدين عليه ما مر في الرأس. وفي جواز نومها على وجهها نظر، من عدم تسميته سترا عرفا كالرأس ومن استثناء الرأس لضرورة النوم الطبيعي، بخلاف الوجه. وقد اجتمعفي المرأة فعلان واجبان متنافيان في الحدود، وهما الوجه فانه يجب كشفه، والرأس فانه يجب ستره، ولا مفصل محسوس بينهما، ومقدمة الواجب متعارضة فيهما، والظاهر أن حق الرأس مقدم، لان الستر أحوط من الكشف، ولان حق الصلاة أسبق. إذا تقرر هذا فيجوز لها أن تسدل ثوبا على وجهها، فوق رأسها إلى طرف أنفها. وهو موضع وفاق. ورواه حريز في الصحيح عن الصادق عليه السلام (1). ولا فرق بين أن تفعل ذلك لحاجة من حر أو برد أو ستر عن غير محرم وغيرها. وهل تجب عليها مجافاته عن وجهها بخشبة وشبهها؟ قيل: نعم، لتحريم الستر، واندفاع الضرورة بذلك، فتصير حينئذ كتظليل المحرم نازلا. والنص مطلق. واطلاق الاذن فيه الذي لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، مع وجوب البيان في وقت الحاجة، يؤذن بعدم وجوبه. ثم على تقدير وجوب مجافاته عن البشرة لا وجه لاختصاصه بالوصول إلى الانف، لعدم تحقق الستر بذلك. والخنثى المشكل تتخير إحدى الوظيفتين، فتغطي الرأس أو الوجه. ولو جمعت بينهما كفرت. قوله: وتظليل المحرم عليه سائرا . يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل، فلا يقدح فيه

(هامش)

(1) الفقيه 2: 219 ح 1007، الوسائل 9: 130 ب 48 من أبواب تروك الاحرام ح 6، ولكن الوارد فيهما إلى الذقن . نعم في ح 2 من نفس الباب تحديده إلى طرف الانف، وفي بعضها غير ذلك. (*)

ص 265

[ولو زامل عليلا أو امرأة اختص العليل والمرأة بجواز التظليل. وإخراج الدم إلا عند الضرورة، وقيل: يكره وكذا قيل في حك الجسد المفضي إلى إدمائه، وكذا في السواك. والكراهية اظهر.

المشي في ظل المحمل ونحوه، عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه، وإن كان قد يطلق عليه التظليل لغة. وإنما يحرم حالة الركوب، فلو مشى تحت الظل كما لو مر تحت الحمل والمحمل جاز. وأراد بالمحرم الذكر، فلا يحرم على المرأة. ويدخل في العبارة الصبي، ولا بد من إخراجه، فإنه هنا كالمرأة، رواه حريز عن الصادق عليه السلام، قال: لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون (1) ولا يقال: إنه خارج من حيث إن الكلام على المحرمات، وهي لا تتحقق في حقه، لعدم التكليف، لان ذلك يوجب خروجه من جميع ما تقدم، وليس كذلك، فان هذه التروك معتبرة في حقه أيضا تمرينا، وإنما خرج هنا بالنص الخاص. وإنما يحرم الظلال مع الاختيار، فلو اضطر إليه لمرض ونحوه جاز، ووجب الفداء. وتتحقق الضرورة بحصول مشقة في تركه لا تتحمل عادة. قوله: ولو زامل عليلا أو امرأة اختص العليل والمرأة بجوازالتظليل . زامله أي عادله على البعير. وكان اللازم إلحاق علامة التأنيث للعامل، لان المؤنث حقيقي غير منفصل عنه. وكأنه استسهل الخطب لمشاركة العليل له فيه. واختصاص العليل والمرأة بالظل دون الصحيح هو المشهور، وفي بعض الاخبار (2) يجوز تشريك العليل. ولو زامل صبيا فكالمرأة. قوله: وإخراج الدم الا عند الضرورة وقيل: يكره، وكذا قيل في حك الجسد... الخ .

(هامش)

(1) الكافي 4: 351 ح 10، التهذيب 5: 312 ح 1071، الوسائل 9: 148 ب 65 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (2) التهذيب 5: 311 ح 1069، الاستبصار 2: 185 ح 617، الوسائل 9: 153 ب 68 من أبواب = (*)

ص 266

[وقص الاظفار. وقطع الشجر والحشيش، إلا أن ينبت في ملكه. ويجوز قلع شجر

الاصح تحريم إخراج الدم مطلقا، وإن كان بحك الجسد والسواك. وهلتجب به كفارة؟ نقل في الدروس عن بعض الاصحاب وجوب شاة (1)، ومستنده غير واضح. واصالة البراءة يقتضي عدم الوجوب. ولا إشكال في جوازه عند الضرورة كبط الجرح، وشق الدمل والحجامة عند الحاجة إليها، ولا فدية إجماعا، نقله في التذكرة (2). قوله: وقص الاظفار . قص الاظفار قطعها بالمقص - بكسر الميم وفتح القاف - وهو المقراض. والحكم هنا مقصورا على قطعها به، بل بمطلق الازالة حتى الكسر. ولا فرق في ذلك بين الجزء والكل كالشعر، فلو أزال بعض الظفر تعلق به ما يتعلق بجميعه. ولو انكسر ظفره فهل يجوز إزالته؟ قال بعض الاصحاب: لا، فإن فعل أطعم مسكينا (3). وفي التذكرة (4) ادعى الاجماع على جواز إزالته، وتوقف في الفدية، من اصالة البراءة، ومشابهته للصيد الصائل، ومن الرواية الصحيحة عن الصادق عليه السلام، حين سأله معاوية بن عمار عن المحرم تطول أظفاره إلى أن ينكسر بعضها فيؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر مدا من طعام (5). والعمل بالرواية متعين، وهي رافعة لاصالة البراءة، والقياس على الصيد. هذا كله إذا أزال المنكسر خاصة، فلو أضاف إليه شيئا من الباقي تبعا أو استقلالا ضمن. قوله: وقطع الشجر والحشيش، إلا أن ينبت في ملكه... الخ .

(هامش)

= تروك الاحرام ح 2. (1) الدروس: 110. (2) التذكرة 1: 339.(3) نسبه العلامة في المختلف: 285 إلى ابن أبي عقيل، وكذا الشهيد في الدروس: 108. (4) التذكرة 1: 339. (5) الكافي 4: 360 ح 3، الفقيه 2: 228 ح 1077، الوسائل 9: 293 ب 12 من أبواب بقية = (*)

ص 267

[الفواكه والاذخر، والنخل وعودي المحالة على رواية. وتغسيل المحرم - لو مات - بالكافور. ولبس السلاح لغير الضرورة. وقيل: يكره، وهو الاشبه. والمكروهات عشرة. الاحرام في الثياب المصبوغة بالسواد، والعصفر وشبهه، ويتأكد في السواد، والنوم عليها، وفي الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة،

إنما يحرم قطع الاخضر منهما دون اليابس، وإن كان متصلا بالاخضر والاذخر - بكسر الهمزة والحاء المعجمة - نبت معروف. والمحالة - بفتح الميم، نص عليه الجوهري (1)، وقيل: بكسرها - البكرة العظيمة، وعوداها اللذان يجعل عليهما ليستقى بها. والرواية المذكورة رواها الشيخ باسناده إلى زرارة عن الباقر عليه السلام، أنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في قطع عودي المحالة - وهي البكرة التي يستقى بها - من شجر الحرم (2). ويجوز للمحرم أن يترك إبله ليرعى الحشيش، وإن حرم عليه قطعه. قوله: وتغسيل المحرم - لو مات - بالكافور . أي لا يجوز ذلك، لان الكافور طيب. وكذا لا يجوز تحنيطه به، بل يغسل مرةبالسدر، ومرتين بالقراح، احداهما في موضع ماء الكافور. وهل يجب بمسه حينئذ غسل؟ يحتمله، لنقصه كما لو فقد الكافور. والاقوى العدم، لان هذا غسل اختياري تام بالنسبة إلى المحرم. قوله: وليس السلاح لغير الضرورة، وقيل: يكره، وهو الاشبه . المشهور تحريم لبسه، والقول بالكراهة نادر، لكن دليل التحريم غير واضح. قوله: وفي الثياب الوسخة .

(هامش)

= الكفارات ح 4. وفيها مكان كل ظفر قبضة من طعام . (1) الصحاح 5: 1817. (2) التهذيب 5: 381 ح 1330، الوسائل 9: 174 ب 87 من أبواب تروك الاحرام ح 5. (*)

ص 268

[ولبس الثياب المعلمة. واستعمال الحناء للزينة. وكذا للمرأة ولو قبل الاحرام إذا قارنته. والنقاب للمرأة على تردد،

إذا كان الوسخ ابتداء، أما لو عرض في اثناء الاحرام فيها لم يغسل ما دامت طاهرة. قوله: ولبس الثياب المعلمة . الثوب المعلم: المشتمل على علم، وهو لون يخالف لونه ليعرف به. يقال أعلم القصار الثوب فهو معلم بالبناء للفاعل، والثوب معلم بسكون العين وفتح اللام. ولا فرق في ذلك بين كونه معمولا (1) بعد علمه (2) وقبله كالثوب المحوك منلونين. قوله: واستعمال الحناء للزينة. وكذا للمرأة ولو قبل الاحرام إذا قارنته . كراهة الحناء للزينة هو المشهور بين الاصحاب وصحيحة عبد الله بن سنان تدل عليه (3). وذهب جماعة (4) إلى التحريم، لانه زينة، وحملوا الرواية على غير الزينة، وهو اولى. ولو اتخذه للسنة فلا تحريم ولا كراهة، والفارق القصد ولا فرق في ذلك كله بين الرجل والمرأة، ولا بين الواقع بعد نية الاحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى بعده، وهو الذي عبر عنه المصنف بالمقارنة، والمراد أنه يبقى معه آنا. وأنث ضمير قارنته باعتبار إعادته إلى الزينة التي هي علة الحناء، ولو ذكره كان أولى. قوله: والنقاب للمرأة على تردد .

(هامش)

(1) كذا في جميع النسخ ولعل الصحيح معلما . (2) كذا في ج وفي سائر النسخ علمه . (3) الكافي 4: 356 ح 18، الفقيه 2: 224 ح 1052، التهذيب 5: 300 ح 1019، الوسائل 9: 100 ب 23 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (4) منهم العلامة في المختلف: 269. (*)

ص 269

[ودخول الحمام، وتدليك الجسد فيه وتلبية من يناديه، واستعمال الرياحين. خاتمةكل من دخل مكة وجب أن يكون محرما.

منشؤه اصالة الجواز، ومنافاته لكشف الوجه. والاقوى التحريم. قوله: وتدليك الجسد فيه . وكذا في غيره ولو في الطهارة. قوله: وتلبية من يناديه . بأن يقول له لبيك، لانه في مقام التلبية لله، فلا يشرك غيره فيها. قال الصادق عليه السلام: ليس للمحرم أن يلبى من دعاه حتى ينقضي إحرامه، قلت: وكيف يقول؟ قال: يقول: يا سعد (1). قوله: واستعمال الرياحين . القول بتحريمها أقوى، عدا الشيخ والخزامى والاذخر والقيصوم (2)، جمعا بين صحيحي حريز (3) ومعاوية بن عمار (4). والمصنف (رحمه الله) وجماعة (5) جمعوا بينهما بحمل النهي في الاولى على الكراهة، وهذا لا يتم إلا مع التنافي، وهو منفى. قوله: كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما . استثني من ذلك العبد، فإن إحرامه موقوف على إذن سيده. ثم على تقدير

(هامش)

(1) الكافي 4: 366 ح 4، التهذيب 5: 386 ح 1348، الوسائل 9: 178 ب 91 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (2) مر شرح جميع ذلك في ص 253. (3) التهذيب 5: 297 ح 1007، الاستبصار 2: 178 ح 591، الوسائل 9: 95 ب 18 من أبواب تروك الاحرام ح 11. (4) الكافي 4: 355 ح 14، الفقيه 2: 225 ح 1057، التهذيب 5: 305 ح 1041، الوسائل 9:101 ب 25 من أبواب تروك الاحرام ح 1. (5) منهم الشيخ في النهاية 219، والعلامة في تبصرة المتعلمين: 74 والشهيد في الدروس: 111. (*)

ص 270

[إلا أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضي شهر، أو يتكرر كالحطاب والحشاش، وقيل: من دخلها لقتال جاز أن يدخل محلا، كما دخل النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح وعليه المغفر. وإحرام المرأة كإحرام الرجل إلا فيما استثنيناه. ولو حضرت الميقات جاز لها أن تحرم ولو كانت حائضا، لكن لا تصلي صلاة الاحرام. ولو تركت الاحرام ظنا أنه لا يجوز، رجعت إلى الميقات وأنشأت الاحرام منه. ولو منعها مانع أحرمت من موضعها. ولو دخلت مكة خرجت إلى أدنى الحل. ولو منعها مانع أحرمت من مكة. القول في الوقوف بعرفات والنظر في مقدمته وكيفيته، ولواحقه.

وجوب الاحرام لو تركه أثم، ولا يجب قضاؤه. قوله: الا أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضي شهر . المراد بالشهر الهلالي، كما هو المتعارف عند إطلاقه. ولو وقع الاحرام في اثناء الشهر اعتبر بالعدد. وهل المعتبر كون الشهر من حين الاهلال أم من حين الاحلال؟إشكال، ومنشؤه إطلاق النصوص (1)، واحتمالها الامرين معا، واعتبار الثاني أقوى. قوله: وقيل من دخلها لقتال جاز أن يدخل محلا . هذا القول هو المشهور، وأكثر الاصحاب لم يذكروا هنا خلافا. قوله: واحرم المرأة كإحرام الرجل إلا فيما استثنيناه . إستثنى من ذلك جواز لبس المخيط، والحرير على أحد القولين، وستر الرأس والقدم، والتظليل، ووجوب كشف الوجه، وسقوط استحباب رفع الصوت بالتلبية. قوله: الوقوف بعرفات .

(هامش)

(1) الوسائل 9: 69 ب 51 من أبواب الاحرام. (*)

ص 271

 الوقوف بعرفات :

[أما المقدمة: فيستحب للمتمتع، أن يخرج إلى عرفات يوم التروية بعد أن يصلي الظهرين، إلا المضطر كالشيخ الهم ومن يخشى الزحام، وأن يمضي إلى منى.

الواجب في عرفات هو الكون بها كما سيأتي. وإنما عبر بالوقوف - كغيره - تبعا للقرآن العزيز (1)، واطلاقا لاشرف أفراد الكون وأفضلها هناك، وهو الوقوف. قوله: فيستحب للمتمتع ان يخرج إلى عرفات يوم التروية . خص المتمتع بالذكر، لان استحباب احرامه يوم التروية موضع وفاق من المسلمين، وأما القارن والمفرد فليس فيه تصريح من الاكثر. وقد ذكر بعض الاصحاب أنه كذلك. وهو ظاهر اطلاق بعضهم. وفي التذكرة (2) نقل الحكم فيالمتمتع عن الجميع، ثم نقل خلاف العامة في وقت احرام الباقي هل هو كذلك أم في أول ذي الحجة؟ وصحيحة معاوية بن عمار (3) مشعرة بأن ذلك للمتمتع، كما ذكره هنا. ويوم التروية هو ثامن ذي الحجة. وكما يستحب الخروج فيه يستحب ايقاع الاحرام فيه كذلك. ولعل إطلاقه الخروج كناية عنه. وذهب بعض الاصحاب (4) إلى وجوب ايقاعه فيه. وكونه بعد الظهرين مخصوص بغير الامام، أما هو فيستحب

(هامش)

(1) لم يرد في القرآن الكريم التعبير بذلك ولا بما يشابهه. وفي هامش نسخة ك علق على هذه العبارة هكذا. قد تتبعت عدة من النسخ المعتبرة فلم اجد هذه العبارة والظاهر انها ليست بصحيحة ولا موجودة في الاصل وكذلك قال سبطه علي حفظه الله تعالى . (2) التذكرة 1: 270. (3) الكافي 4: 454 ح 1، التهذيب 5: 167 ح 557 الوسائل 10: 2 ب 1 من أبواب احرام الحج. (4) منهم سلار في المراسم: 103 و111، وابن حمزة في الوسيلة: 176، والراوندي في فقه القرآن 1: 276. (*)

ص 272

[ويبيت بها ليلته إلى طلوع الفجر من يوم عرفة. لكن لا يجوز وادي محسر إلا طلوع الشمس. ويكره الخروج قبل الفجر إلا للضرورة، كالمريض والخائف. والامام يستحب له الاقامة فيها إلى طلوع الشمس. ويستحب

تقديمه ليصلي الظهرين بمنى. وبه يجمع بين ما أطلق من الاخبار (1) في الجانبين. وباعتبار إطلاقها ذهب المفيد (2) والمرتضى (3) إلى صلاة الظهرين بمنى لمطلق الحاج، وآخرون إلى خروج الجميع بعد الظهرين، والتفصيل طريق الجمع. وأما المضطر كالهم والمريض والمرأة وخائف الزحام فانه يجوز له الخروج من مكة قبل الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة. قوله: ويبيت بها ليلته إلى طلوع الفجر من يوم عرفة . اي يستحب المبيت بها ليلة التاسع ناويا ذلك لانه عبادة. وربما توهم من قول العلامة في التذكرة انه للاستراحة (4) وفي القواعد انه للترفه (5) عدم كونه على حد المستحبات الدينية، وهو فاسد، إذ لا منافاة بين الامرين. وكون المبيت على وجه الاستحباب هو المشهور. وقد ذهب بعض الاصحاب إلى وجوب الكون بمنى إلى طلوع الشمس، وآخرون إلى طلوع الفجر خاصة. قوله: لكن لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوع الشمس . استحبابا، فيكره قبله. وقيل: يحرم. ومحسر - بكسر السين المهملة - موضع من منى ذكره الجوهري (6). قوله: ويكره الخروج قبل الفجر .

(هامش)

(1) راجع الوسائل 10: 3 ب (2، 3، 4) من أبواب وجوب إحرام الحج (2) المقنعة: 408 ولكنه في ص: 407 امر باتيان المكتوبة بعد زوال يوم التروية عند البيت.(3) رسائل الشريف المرتضى 3: 68. (4) التذكرة 1: 370. (5) قواعد الاحكام 1: 85. (6) الصححاح 2: 63 وفيه: موضع بمنى . (*)

ص 273

[الدعاء بالمرسوم عند الخروج، وأن يغتسل للوقوف. وأما الكيفية فيشتمل على واجب وندب. فالواجب النية، والكون بها إلى الغروب. فلو وقف بنمرة، أو عرنة، أو ثوية، أو ذي المجاز، أو تحت الاراك، لم يجزه.

أي يكره الخروج من منى قبله. وقيل: يحرم. قوله: وأن يغتسل للوقوف . وقت الغسل بعد زوال الشمس، فعلى هذا تكون نية الوقوف قبله. قوله: فالواجب النية . ويجب كونها بعد الزوال في أول أوقات تحققه، ليقع الوقوف الواجب - وهو ما بين الزوال والغروب - بأسره بعد النية. ولو تأخرت عن ذلك أثم وأجزأ. ويعتبر فيها قصد الفعل، وتعيين نوع الحج، والوجه، والقربة، والاستدامة الحكمية. هذا هو المشهور. وفي اعتبار نية الوجه هنا بحث. قوله: فلو وقف بنمرة، أو عرنة، أو ثوية، أو ذي المجاز، أو تحت الاراك لم يجزه . هذه الاماكن الخمسة حدود عرفة. وهي راجعة إلى اربعة، كما هو المعروف من الحدود، لان نمرة بطن عرنة، كما ورد في حديث معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام (1). ولا يقدح في ذلك كون كل واحدة منهما حدا، فان احداهما ألصق من الاخرى. وغيرهما وإن شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك، لكن ليس لاجزائه أسماء خاصة، بخلاف عرنة.

(هامش)

(1) الكافي 4: 461 ح 3، التهذيب 5: 179 ح 600، الوسائل 10: 9 ب 9 من أبواب إحرام الحج ح 1. (*)

ص 274

[ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه. وإن كان عامدا جبره ببدنة. فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما. ولو عاد قبل الغروب لم يلزمه شيء.

ونمرة بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء. وعرنة بضم العين المهملة وفتح الراء والنون. وثوية بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة من تحت المفتوحة. والاراك بفتح الهمزة.قوله: ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه . إذا لم يعلم بالحكم قبل الغروب، فلو علم وجب عليه العود مع الامكان، فان أخل به فهو عامد. قوله: وإن كان عامدا جبره ببدنة . لا ريب في وجوب البدنة بالافاضة عمدا قبل الغروب إذا لم يعد، أما لو عاد إلى عرفة، فان كان بعد المغرب فلا أثر له، وإن كان قبله ففي وجوب البدنة، أو استقرار الوجوب إن كان قد حصل قبل ذلك نظر، من صدق الافاضة المحرمة قبله، ووجوب البدنة في رواية ضريس عن الباقر عليه السلام (1) معلق عليها، فيحتاج رفعه إلى دليل. والاقوى عدم الوجوب هنا، لصدق الاقامة إلى الغروب، كما لو تجاوز الميقات ثم رجع فأحرم منه، ولانه لو لم يقف أولا ثم أتى قبل غروب الشمس ووقف حتى تغرب لم يجب عليه شيء فكذا هنا. وبه جزم المصنف هنا والعلامة (2) وجماعة (3). قوله: فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما .

(هامش)

(1) الكافي 4: 467 - 468، التهذيب 5: 186 ح 620، الوسائل 10: 30 ب 23 من أبواب احرام الحج ح 3. (2) التحرير 1: 102، القواعد 1: 86. (3) منهم ابن ادريس في السرائر 1: 588، والشيخ في الخلاف 2: 339 مسألة 158. (*)

ص 275

[وأما أحكامه فمسائل خمسة: الاولى: الوقوف بعرفات ركن، من تركه عامدا فلا حج له، ومن تركه ناسيا تداركه ما دام وقته باقيا. ولو فاته الوقوف بها إجتزأ بالوقوف بالمشعر. الثانية: وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس إلى الغروب من تركه عامدا فسد حجه. ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر.

يجوز فعلها سفرا وحضرا. وهل يجب فيها المتابعة؟ قيل: نعم، واختاره في الدروس (1). وعدم الوجوب متجه، وإن كان الاول أولى قوله: الوقوف بعرفات ركن . الركن منه مسمى الوقوف. ومن ثم صح حج المفيض قبل الغروب عمدا، ومن أخل به اول الوقت. وأما استيعاب الوقت - وهو ما بين الزوال والغروب - به فهو موصوف بالوجوب لا غير، فيأثم بتركه. ولا يختص الركن بجزء معين منه، بل الامر الكلي. وهذا معنى قولهم: ان الواجب فيه الكل، وفي الاجزاء الكلي. قوله: فمن تركه عامدا فلا حج له . هذا هو حكم ترك الركن في الحج، فمن ثم أتى بالفاء (2). ويستثنى من ذلك الوقوفان، فان الاخلال بهما معا مبطل وإن لم يكن عمدا. والظاهر أن الجاهل في ذلككالعامد، بل هو في الحقيقة عامد. قوله: ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر . الواجب من هذا الوقوف الامر الكلي، وهو مسمى الكون بها فيه. ولا يجب الاستيعاب إجماعا، ولاستلزامه فوات وقت الوقوف بالمشعر اختيارا غالبا. وهذه الليلة أيضا وقت إضطراري للوقوف بالمشعر، بل فيه شائبة من الوقوف الاختياري،

(هامش)

(1) الدروس: 121. (2) وحكي أيضا في الجواهر 19: 32 انه بالفاء في بعض نسخ الشرائع. (*)

ص 276

[الثالثة: من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها، ولو إلى طلوع الفجر من يوم النحر، إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس، فلو غلب على ظنه الفوات إقتصر على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس، وقد تم حجه. وكذا لو نسي الوقوف بعرفات ولم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس. الرابعة: إذا وقف بعرفات قبل الغروب، ولم يتفق له ادراك المشعر إلى قبل الزوال، صح حجة.

لجواز الافاضة قبل الفجر للمرأة والراعي ونحوهما. قوله: إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس . المراد بالمعرفة هنا الظن الغالب المستند إلى قرائن الاحوال، كما يدل عليه قوله ولو غلب على ظنه الفوت اقتصر على إدراك المشعر ولو تردد في إدراك المشعر إحتمل تقديم الوجوب الحاضر فيرجع إلى عرفة، وتقديم المشعر لانه اختياري، وفي تركه تعرض لفوات الاختياريين الموجب هنا لفوات الحج. ولعله أقوى. قوله: وكذا لو نسي الوقوف بعرفات ولم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس .المشبه به في السابق، المشار إليه ب‍ ذا هو تمام الحج، أي وكذا يتم الحج لو نسي الوقوف بعرفات، وأدرك إختياري المشعر. وإنما فرض فوات عرفات في النسيان، لانه لو فات عمدا ولو بالتقصير بطل الحج. وقيد إدراك المشعر بقبلية طلوع الشمس، ليتحقق إدراك اختيارية. أما لو أدرك الاضطراري خاصة، فالمشهور فيه عدم الاجزاء. وسيأتي الكلام فيه. قوله: إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم يتفق له ادراك المشعر إلى قبل الزوال صح حجه .

ص 277

[الخامسة: إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا، ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج. وقيل: يدركه ولو قبل الزوال، وهو حسن.

لا إشكال في الصحة حينئذ لادراك اختياري عرفة، بل لو فرض عدم ادراكه المشعر أصلا صح أيضا، فان اختياري أحدهما كاف. قوله: إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا... الخ . هذا حكم من أدرك الوقوفين إضطرارا. وأصح القولين فيه الصحة. وقد رواه بخصوصه الحسن العطار عن الصادق عليه السلام، قال: إذا أدرك الحج في عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات، ولم يدرك الناس بجمع، ووجدهم قدأفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر، ليلحق الناس بمنى، ولا شيء عليه (1)، ويدل عليه أيضا صحيحة عبد الله بن مسكان عن الكاظم عليه السلام: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج (2). ومثله حسنة جميل عن الصادق عليه السلام (3). وهما - كما ترى - دالان على الاجتزاء باضطراري المشعر وحده في صحة الحج، وهو خيرة ابن الجنيد (4) من المتقدمين، والشهيد (5) من المتأخرين، وهو قوي. ولا عبرة بادعاء صاحب التنقيح (6) الاجماع على خلافه مع تحقق الخلاف والدليل

(هامش)

(1) التهذيب 5: 292 ح 990، الاستبصار 2: 305 ح 1088، الوسائل 10: 62 ب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر. (2) قال في المدراك 7: 408: ولم نقف على هذه الرواية في شيء من الاصول، ولا نقلها غيرهما (الشهيد وفخر المحققين في شرح القواعد) فيما أعلم، والظاهر أنها رواية عبد الله بن المغيرة راجع الوسائل 10: 58 ب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 6. (3) التهذيب 5: 291 ح 988، الاستبصار 2: 304 ح 1087، الوسائل 10: 59 ب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 9.(4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 301. (5) الدروس: 123. (6) التنقيح الرائع 1: 480. (*)

ص 278

 مندوبات الوقوف بعرفة :

[والمندوبات الوقوف في ميسرة الجبل في السفح، والدعاء المتلقى عن أهل البيت عليهم السلام، أو غيره من الادعية،

المتين. وإذا اجتزأنا باضطراري المشعر بعد طلوع الشمس نجتزئ به ليلا بطريق أولى، لانه مشوب بالاختياري. وقد تأول العلامة (1) وجماعة (2) الخبرين بحملهما على من أدرك اضطراري عرفة أيضا، مضافا إلى اضطراري المشعر، جمعا بينهما وبين خبر العطار، مع أنه لا منافاة بينهما حتى يجب التأويل. واعلم أنه قد استفيد من تضاعيف هذه المسائل أن أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية: أربعة مفردة، وهي كل واحد من الاختياريين والاضطراريين، وأربعة مركبة وهي الاختياريان، والاضطراريان، واختياري عرفة مع اضطراري المشعر، وبالعكس. والصور كلها مجزية، إلا اضطراري عرفة وحده.وفي الاضطراريين، واضطراري المشعر وحده ما مر من الخلاف، والباقية مجزية بغير خلاف. قوله: الوقوف في ميسرة الجبل في السفح . المراد ميسرته بالاضافة إلى القادم إليه من مكة، لان هذا الحكم متعلق بالمكلف في تلك الحالة. وخلاف ذلك غير الظاهر (3). وسفح الجبل أسفله، حيث ينسفح فيه الماء وهو مضجعه، قاله الجوهري (4).

(هامش)

(1) المختلف: 301. (2) نسب الفاضل المقداد هذا التأويل في التنقيح 1: 482 إلى السيد المرتضى والعلامة. والظاهر أنه سهو والسيد موافق لابن الجنيد في كفاية اضطراري المشعر وحده. راجع الانتصار ص 90 والمهذب البارع 2: 190. وكيف كان فموافقة العلامة في عدم كفاية اضطراري المشعر يظهر من ولده فخر المحققين في الايضاح 1: 309 وصرح به ابن فهد في المهذب البارع 2: 192 والمحقق الكركي في جامع المقاصد 3: 229. (3) في ن غير ظاهر. (4) الصحاح 1: 375. (*)

ص 279

[وأن يدعوا لنفسه ولوالديه وللمؤمنين، وأن يضرب خباءه بنمرة،

قوله: وأن يدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين . فانه يوم دعاء ومسألة، ومحل إجابة. وانما يجمع فيه بين الصلاتين ليتفرغ للدعاء، روى علي بن ابراهيم، عن أبيه، قال: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادا يديه إلى السماء، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الارض، فلما انصرف الناس قلت: يا أبا محمد، ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك. قال: والله ما دعوت إلا لاخواني، وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام أخبرني أنه من دعا لاخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولكمأة ألف ضعف مثله، فكرهت أن أدع مأة ألف ضعف مضمونة لواحد لا أدري يستجاب أم لا (1). ومثله روي عن جماعة من أصحاب الائمة عليهم السلام (2). قوله: وأن يضرب خباءه بنمرة . الخباء - بكسر أوله والمد - الخيمة ونحوها. وقد تقدم (3) أن نمرة من حدود غرفة، خارجة عنها، فيضربه بها قبل الزوال، ثم ينتقل عنده (4) إلى عرفة تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (5). وفي الدروس لا يدخل عرفات إلى الزوال (6)، وفي الرواية إشارة إليه، قال الصادق عليه السلام: لا ينبغي الوقوف تحت الاراك، وأما النزول تحته حتى تزول الشمس وينهض إلى الموقف فلا بأس (7). ويشكل بفوات

(هامش)

(1) الكافي 2: 508 ح 6 وج 4: 465 ح 7، التهذيب 5: 184 ح 615، أمالي الصدوق 2: 369، الوسائل 10: 20 ب 17 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح 1. (2) راجع الوسائل 10: 20 ب 17 من أبواب احرام الحج. (3) في ص: 273. (4) في ن عنه. (5) الكافي 4: 245 ح 4، التهذيب 5: 454 ح 1588، الوسائل 8: 150 ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 4. (6) الدروس: 120. (7) التهذيب 5: 181 ح 605 الوسائل 10: 12 ب 10 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح 7. (*)

ص 280

[وأن يقف على السهل، وأن يجمع رحله، ويسد الخلل به وبنفسه،

جزء من الوقوف الواجب عند الزوال. والذي ينبغي أن لا تزول الشمس عليه إلا بها.قوله: وأن يقف على السهل . لعل المراد بالسهل هنا ما يقابل الجبل، فيكون هو الوقوف في السفح، إلا أنه تكرار. ويمكن أن يريد به ما يقابل الارض الحزنة، وهذا المعنى وإن كان لا دليل عليه، ولم يذكره أيضا جماعة، لكن لاستحبابه وجه، إذ يستحب الاجتماع في الموقف، والتضام، وجمع الرحل والراحلة كما سيأتي. وغير السهل لا يؤدى ذلك إلا بتكلف وضرر ينافي المقصود. قوله: وأن يجمع رحله . أي يضم أمتعته بعضها إلى بعض، ليأمن عليها الذهاب، ويتوجه بقلبه إلى الدعاء. قوله: ويسد الخلل به وبنفسه . أي برحلة، والمراد - على ما يقتضيه ظاهر الخبر - أن لا يدع بينه وبين أصحابه فرجة ولا بين متاعة، لتستتر الارض التي يقفون فيها. قال الصادق عليه السلام: إذا رأيت خللا فقدم (1) وسده بنفسك وراحلتك، فإن الله يحب أن تسد تلك الخلال (2)، واستدل في التذكرة (3) والمنتهى (4) عليه بقوله تعالى: (كأنهم بنيان مرصوص) (5)، فوصفهم بالاجتماع. فعلى هذا متعلق الجار هو قوله يسد . وربما علق بمحذوف صفة للخلل، أي يسد الخلل الكائن بنفسه وبرحلة، بأن يأكل ان

(هامش)

(1) كذا في النسخ الا في و ففيه تقدم . ولم ترد هذه الكلمة في الكافي وفي الفقيه والتهذيب فتقدم . (2) الكافي 4: 463 ح 4، الفقيه 2: 281 ح 1377، التهذيب 5: 180 ح 604، الوسائل 10: 15 ب 13 من أبواب إحرام الحج ح 2. (3) التذكرة 1: 372. (4) المنتهى 2: 722. (5) الصف: 4. (*)

ص 281

[وأن يدعو قائما. ويكره الوقوف في أعلى الجبل، وراكبا وقاعدا. القول في الوقوف بالمشعر والنظر في مقدمته، وكيفيته. أما المقدمة، فيستحب الاقتصاد في سيره إلى المشعر، وأن يقول إذا بلغ الكثيب الاحمر عن يمين الطريق: اللهم ارحم موقفي، وزد في

كان جائعا، ويشرب ان كان عطشانا، وهكذا يصنع ببعيره، ويزيل الشواغل المانعة عن الاقبال على الله تعالى. وهو حسن في نفسه، إلا أن ظاهر النقل في سد الخلل يدفعه. قوله: وأن يدعو قائما . أي قائما على الارض فهو أفضل أفراد الكون، وباعتباره اطلق الوقوف. وينبغي أن يكون ذلك حيث لا ينافي الخشوع لشدة التعب ونحوه، وإلا سقطت وظيفة القيام حينئذ. قوله: ويكره الوقوف في أعلى الجبل، وراكبا وقاعدا . هذا هو المشهور. وقيل: يحرم كل ذلك مع عدم الضرورة كالزحام، وإلا فلا حرج. ويستحب مع الوقوف في أسفل الجبل الدنو منه ما أمكن. قوله: فيستحب الاقتصاد في سيره . هو افتعال من القصد، وهو التوسط في الشيء (1) والاعتدال فيه. والمراد السير متوسطا بين السرعة والبطء، وهو المعبر عنه بالسكينة. قوله: وأن يقول إذا بلغ الكثيب الاحمر . الكثيب فعيل بمعنى مفعول، تقول كثبت الشيء جمعته، وانكثب الرمل أي

(هامش)

(1) كذا في ج وفي سائر النسخ في السير والظاهر انه خطأ. (*)

ص 282

[عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي ، وأن يؤخر المغرب والعشاء إلى المزدلفة، ولو صار إلى ربع الليل. ولو منعه مانع صلى في الطريق، وأن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين من غير نوافل بينهما،

اجتمع، فهو كثيب أي مكثوب ومجتمع في مكان واحد، والجمع كثبان، وهي تلال الرمل. والكثيب الاحمر على يمين الطريق للمفيض من عرفة إلى المشعر. قوله: وان يؤخر المغرب والعشاء إلى المزدلفة . المزدلفة - بضم الميم وسكون الزاء المعجمة وفتح الدال وكسر اللام - إسم فاعل من الازدلاف، وهو التقدم، تقول: تزلف القوم وازدلفوا، أي تقدموا. روىالصدوق في العلل باسناده إلى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: انما سميت مزدلفة لانهم ازدلفوا إليها من عرفات (1)، وعنه عليه السلام إن جبرئيل (عليه السلام) انتهى إلى الموقف، وأقام به حتى غربت الشمس، ثم أفاض به، فقال: يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت مزدلفة (2)، ويسمى أيضا جمعا بفتح الجيم وسكون الميم، لان آدم عليه السلام جمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء، روي ذلك أيضا عنه عليه السلام (3). قوله: ولو صار إلى ربع الليل . بل ولو صار إلى ثلثه، روى ذلك محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام (4). وينبغي أن يصلي قبل حط الرحال، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم (5). قوله: وأن يجمع بين المغرب والعشاء... الخ .

(هامش)

(1) علل الشرائع: 436 ب 175 ح 2، الوسائل 10: 38 ب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 5. (2) علل الشرائع: 436 ب 175 ح 1، الوسائل 10: 38 ب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 4. (3) علل الشرائع: 437 ب 176 ح 1، الوسائل 10: 41 ب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 7. (4) التهذيب 5: 188 ح 625، الاستبصار 2: 254 ح 895، الوسائل 10: 39 ب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1. (5) راجع جامع الاصول لابن الاثير 4: 78 ح 1545. (*)

ص 283

[ويؤخر نوافل المغرب إلى ما بعد العشاء. وأما الكيفية فالواجب النية، والوقوف بالمشعر، وحده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر، ولا يقف بغير المشعر. ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل.

والاذان الثاني هنا بدعة على أجود القولين، سواء جمع بين الصلاتين أم فرق. وأما نوافل المغرب فالافضل تأخيرها عن العشاء كما ذكر، لكن لو قدمها عليها، إما مع تفريق الصلاتين أم لا جاز، وان كان أدون فضلا (1). ثم على تقدير تأخيرها يصليها أداء مع بقاء وقتها وقضاء لا معه. لكن الاغلب عدم الوصول إلى المشعر إلا بعد العشاء، فلا يتحقق الاداء حينئذ على المختار من أن وقت نافلة المغرب يمتد إلى ذهاب الحمرة. قوله: فالواجب النية . ويجب اشتمالها على نية الوجه، والتقرب، وكون الوقوف لحج الإسلام أو غيره،ونوع الحج، كما مر في الوقوف بعرفة قوله: والوقوف بالمشعر . هذا كالمستغنى عنه، فانه في قوة يجب في الوقوف بالمشعر الوقوف بالمشعر. وهو لغو. والموجب لذكره كذلك التنبيه على حدود المشعر. قوله: وحده ما بين المأزمين . المأزم - بالهمزة الساكنة - ثم كسر الزاء المعجمة - كل طريق ضيق بين جبلين. ومنه سمي الموضع الذي بين جمع وعرفة مأزمين قاله الجوهري (2). قوله: ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل . ظاهره أن الصعود مع عدم الضرورة محرم. وبذلك عبر جماعة (3). والاولى

(هامش)

(1) في هامش ن وان كان التفريق... والصحيح ما اثبتناه من سائر النسخ. (2) الصحاح 5: 1861. (3) منهم الشيخ في المبسوط 1: 368 وابن البراج في المهذب 1: 254، وابن إدريس في السرائر 1: = (*)

ص 284

[ولو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمى عليه صح وقوفه، وقيل: لا، والاول أشبه. وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر،

الجواز اختيارا. وهو اختيار الشهيد (1) وجماعة (2). ويمكن حمل الجواز في العبارة على عدم الكراهة، أي أن الصعود مع الضرورة غير مكروه ولا معها يكره. وقيل: يحرم. قال في الدروس: والظاهر أن ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر (3).قوله: ولو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه، وقيل: لا، والاول أشبه . الصحة أقوى، فان الركن من الوقوف مسماه، وهو يحصل بآن يسير بعد النية. واستعياب الوقت لا دخل له في الركنية، فيتم بدونه. قوله: وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر . أي الوقوف الواجب، فيجب كون النية عند تحقق الطلوع. وظاهر العبارة أن الوقوف ليلا غير واجب. وبه صرح في التذكرة (4). والاقوى وجوب المبيت ليلا، والنية له عند الوصول. والمراد به الكون بالمشعر ليلا. ثم إن لم نقل بوجوبه فلا إشكال في وجوب النية للكون عند الفجر، وإن أوجبنا المبيت فقدم النية عنده ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر، ويظهر من الدروس عدم الوجوب (5). وينبغي أن يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للكون، به مطلقا، أما لو نواه ليلا أو نوى المبيت - كما هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك - بعد الاجتزاء بها

(هامش)

= 588 - 589. (1) الدروس: 122. (2) منهم المحقق في المختصر النافع: 87، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 225. (3) الدروس: 122. (4) التذكرة 1: 375. (5) الدروس: 122. (*)

ص 285

[فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا - ولو قليلا - لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات، وجبره بشاة. ويجوز الافاضة قبل الفجر للمرأة، ومن يخاف على نفسه من غير جبران.

عن نية الوقوف نهارا، لان الكون ليلا والمبيت مطلقا لا يتضمنان النهار، فلا بد له من نية اخرى والظاهر أن نية الكون به عند الوصول كافية عن النية نهارا، لانه فعل واحد إلى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة. وليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك. قوله: فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا... الخ . هذا إذا كان قد نوى الوقوف ليلا، وإلا كان كتارك الوقوف بالمشعر. واطلاق المصنف الاجتزاء بذلك مع جعله الوقوف الواجب بعد طلوع الفجر لا يخلو من تكلف، بل يستفاد من إجزائه كذلك كونه واجبا، لان المستحب لا يجزي عن الواجب. ويستفاد من قوله: إذا كان وقف بعرفات أن الوقوف بالمشعر ليلا ليس إختياريا محضا، والا لاجزأ، وإن لم يقف بعرفة، إذا لم يكن عمدا. وعلى ما اخترناه من إجزاء إضطراري المشعر وحده يجزى هنا بطريق أولى، لان الوقوف الليلي للمشعر فيه شائبة الاختياري، للاكتفاء به للمرأة اختيارا وللمضطر، وللمتعمد مطلقا مع جبره بشاة، والاضطراري المحض ليس كذلك. قوله: ويجوز الافاضة قبل الفجر للمراة، ومن يخاف على نفسه من غير جبران . الضابط الجواز لكل مضطر إليه كالراعي، والخائف، والمريض، والمرأة،والصبي مطلقا. ومن المضطر رفيق المرأة الذي لا يمكن مفارقته. وهذا كله مع النية ليلا كما مر.

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب