مسالك الأفهام - ج3

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج3

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 287

[وإذا وطئ الامة ثم علم بعيبها لم يكن له ردها. فان كان العيب حبلا جاز له ردها، ويرد معها نصف عشر قيمتها لمكان الوطئ. ولا تردد مع الوطئ لغير عيب الحبل

ادعى من أن العقد في قوة التعدد بسبب تعدد المشتري - وجه. وربما اختاره بعض الاصحاب. ويضعف بأن التعدد بالنسبة إليه غير واضح. والفرق بين المبيع والثمن أن المشتري الذي يرد إنما يرد تمام حصته، فيكون كأنه رد تمام المبيع، نظرا إلى تعدده بالنسبة إليه. وهذا لا يأتي في الثمن، لان البائع إذا رده إنما يرده عليهما معا، إذ الفرض كونه مشتركا بينهما، فإذا رد المعيب فقد رد على مستحقه بعض حقه وبقي البعض الآخر عنده، وهو ممتنع. نعم، لو دفع كل من المشتريين جزءا من الثمن متميزا، واشتريا بالمجموع شيئا مشتركا، فظهر بأحدهما عيب، وكان المعيب متساويا لحصة صاحبه، اتجه جواز رده خاصة لمالكه، لتحقق التعدد. واعلم أن هذا الحكم كله فيما لو تعدد المشتري، أما لو تعدد المستحق للمبيع مع اتحاد المشتري ابتداء، كما لو تعدد وارث للمشتري الواحد فإنه ليس لهم التفرق، لاتحاد الصفقة، والتعدد طار، مع احتماله.قوله: وإذا وطئ الامة ثم علم بعيبها - إلى قوله - لغير عيب الحبل . تحرير هذه المسألة يتوقف على مقدمات: الاولى: إن تصرف المشتري في المبيع المعيب يمنع من رده وإن جاز له أخذ الارش. الثانية: إن الحمل في الامة عيب، سواء شرط خلوها من الحمل أم لا، لان ولادتها تشتمل على الحظر، وهو نقص محض، إن قلنا إن الحمل لا يدخل في بيع الامة كما هو المشهور، وإلا كان نقصا من وجه وزيادة من وجه. وهو كاف في ثبوت الخيار أيضا. الثالثة: إن الوطي تصرف، بل هو من أقوى أنواع التصرف، فالاصل فيه أن

ص 288

[..

يكون مانعا من الرد. الرابعة: إن وطي المالك حال الوطي لا يستعقب عليه ضمانا للبضع، لانه تصرف في ماله، وإن فسخ في المبيع بعد ذلك بوجه من الوجوه المجوزة له. الخامسة: إن المولى لو وطئ أمتة جاز له بيعها مع عدم تبين الحمل. ثم إن ظهر بها حمل منه تبين بطلان البيع، لكونها ام ولد. وهذه المقدمات كلها إجماعية. السادسة: إن وطي أمة الغير جهلا بتحريمه يوجب على الواطي عشر قيمتها إن كانت بكرا، ونصف العشر إن كانت ثيبا، لدلالة النصوص (1) على هذا التقدير.السابعة: إن الفسخ بالعيب يبطل العقد من حينه لا من أصله، لتحقق الملك بالعقد، وجواز الاستمرار عليه، فلا معنى لرفع ما قد ثبت. إذا تقررت هذه المقدمات فنقول: إذا اشترى أمة وتصرف فيها ثم علم فيها بعيب سابق لم يجز له ردها، بل يتعين الارش. لكن وردت النصوص (2) هنا باستثناء مسألة، وهي: ما لو كان العيب حبلا، وكان التصرف بالوطي، فإنه حينئذ يردها ويرد معها نصف العشر، لمكان الوطي. وهذا الحكم كما ترى مخالف لهذه المقدمات من حيث جواز الرد مع التصرف وفي وجوب شيء على المشتري، مع أنه وطئ أمته، وفي إطلاق وجوب نصف العشر، مع أن ذلك عقر الثيب، والمسألة مفروضة فيما هو أعم منها. ولاجل هذه المخالفات إلتجأ بعض الاصحاب (3) إلى حملها على كون الحمل من المولى البائع، فإنها تكون حينئذ ام ولد ويكون البيع باطلا، والوطي في ملك الغير جهلا فيلزم فيه العقر. وإطلاق نصف العشر مبني على الاغلب من كون الحمل مستلزما للثيبوبة، فلو فرض - على بعد - كونها حاملا بكرا كان اللازم العشر.

(هامش)

(1) الوسائل 12: 416 ب 5 من أبواب أحكام العيوب ح 4. (2) الوسائل 12: 416 ب 5 من أبواب أحكام العيوب ح 1، 8، 9.(3) راجع المختلف: 373. (*)

ص 289

[..

وفي هذا الحمل دفع لهذه الاشكالات، إلا أنه مدافع لاطلاق النصوص بالحمل، وبنصف العشر، من غير تقييد بكونه من المولى وكونها ثيبا. وفيه أيضا أنه لا وجه لتقييد التصرف بكونه بالوطي، بل اللازم حينئذ الرد على كل حال، لبطلان البيع. وليس تقييد الحمل المطلق في النصوص الصحيحة وفتوى اكثر الاصحاب، وكون المردود نصف العشر خاصة، أولى من استثناء هذا النوع من التصرف من بين سائر التصرفات. وكون المنفعة مضمونة على المشتري، إما بناء على أن الفسخ يبطل العقد من أصله، نظرا إلى أن العيب يقتضي تزلزل العقد، فمع اختيار الرد يكشف لنا عن عدم الملك، وأن العقد موقوف على اختيار الرضاء بالعيب، أو أن ضمان المنفعة قد وجد في المصراة المردودة، على ما سيأتي (1). ويكفي في التخصيص بكون المردود نصف العشر موافقة للغالب الاكثر من كون الحامل لا تكون بكرا. وبالجملة فالعدول عن ظواهر هذه النصوص الكثيرة - مع عمل أكثر الاصحاب بها - لمناسبة الاصول غير واضح. وعلى هذا فيكون الرد على وجه الجواز لا اللزوم إن لم يكن الحمل من المولى، ويختص بالوطي. وهل تلحق به مقدماته من اللمس والقبلة والنظر بشهوة؟ وجهان، منالاولوية، واستلزامه لها غالبا، ومن الاقتصار فيما خالف الاصل على مورد النص. وتوقف في الدروس (2). وله وجه إن كان وقوع تلك الاشياء على وجه الجمع بينها وبين الوطي. ولو اختص التصرف بها فالالحاق به من باب مفهوم الموافقة أوجه، وإن كان استثناؤها مطلقا متوجها، للملازمة. وهل يختص الحكم بالوطي المتعارف في القبل أم يعم الدبر؟ وجهان،

(هامش)

(1) في ص 292. (2) الدروس: 364. (*)

ص 290

 أقسام العيوب :

[القول في أقسام العيوب والضابط أن كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب. فالزيادة كالاصبع الزائدة، والنقصان كفوات عضو، ونقصان الصفات كخروج المزاج عن مجراه الطبيعي، مستمرا كان كالممراض،

أجودهما الالحاق، لانه وطي في الجملة، فيتناوله النص (1). وهل الواجب معه العشر أو نصفه؟ وجهان أيضا، من صدق وطي البكر الموجب للعشر، ومن أن الظاهر المتبادر إلى الفهم تعليله بإزالة البكارة، وهو بينها وبين الثيب. والاجود الثاني، عملا بإطلاق الامر بالنصف في النص معلقا على الوطي، فيتناول صورة النزاع. ولو كان العيب غير الحبل فلا رد مع الوطي، إقتصارا على موضع اليقين، كماأنه لو تصرف بغيره فلا رد وإن كان العيب الحمل. قوله: والضابط أن كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب . المراد بأصل الخلقة الموجود في خلقه أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك بالنظر إلى الذات والصفات. ولا يعتبر مع ذلك كون الزائد أو الناقص موجبا لنقصان المالية، لاطلاق النص (2)، والاتفاق على أن الخصاء عيب مع إيجابه زيادة المالية، وكذا عدم الشعر على الركب، وهو واقعه ابن أبى ليلى مع محمد بن مسلم (3). وزاد العلامة (4) على الضابط قيد كونه موجبا له، مع موافقته على ما ذكرناه مما لا يوجبه. فعدم القيد

(هامش)

(1) المتقدم في ص 288. (2) الوسائل 12: 410 ب 1 من أبواب أحكام العيوب. (3) الكافي 5: 215 ح 12، التهذيب 7: 65 ح 282، الوسائل 12: 410 ب 1 من أبواب أحكام العيوب. (4) التحرير 1: 182. (*)

ص 291

[أو عارضا ولو كحمى يوم. وكل ما يشترطه المشتري على البائع مما يسوغفأخل به يثبت به الخيار، وإن لم يكن فواته عيبا، كاشتراط الجعودة في الشعر والتأشير في الاسنان، والزجج في الحواجب. وهاهنا مسائل: الاولى: التصرية تدليس يثبت به الخيار بين الرد والامساك

قوله: أو عارضا ولو كحمى يوم . المعروف من حمى يوم أنها التي يأتي في يوم من الايام وتذهب فيه ثم لا تعود، فلو عادت كل يوم لم تسم حمى يوم بل حمى الورد، أو يوما بعد يوم فحمى الغب إلى آخر الاسبوع. وحينئذ فثبوت العيب بحمى اليوم يتحقق بأن يشتريه فيجده محموما، أو يحم قبل القبض، فإنه يجوز له الفسخ وإن ذهبت عنه الحمى في ذلك اليوم. وليس المراد بها ما يفوت يوما معينا من الاسبوع، كما فسره بعضهم، فإن تلك لا تسمى حمى يوم، ولا ما يأتي كل يوم، كما مر. قوله: والتاشير في الاسنان . في الصحاح: تأشير الاسنان تحزيرها وتحديد أطرافها (1). والزجج دقة في الحاجبين وطول، وزججت المرأة حاجبها: دققته وطولته (2). وإطلاق اشتراط ذلك يقتضي كونه خلقيا لا متكلفا. نعم لو شرط ما يشمل التكلفى صح، وثبت له الخيار لو وجده على الخلاف. قوله: التصرية تدليس . التصرية مصدر قولك: صريت، إذا جمعت، من الصري وهو الجمع، تقولصرى الماء في الحوض ونحوه إذا جمعه (3)، وصريت الشاة تصرية إذا لم تحلبها أياما

(هامش)

(1) الصحاح 2: 579 مادة أشر . (2) الصحاح 1: 319 مادة زجج . (3) معجم مقاييس اللغة 3: 346. (*)

ص 292

[ويرد معها مثل لبنها أو قيمته مع التعذر، وقيل: يرد ثلاثة امداد من طعام

حتى يجتمع اللبن في ضرعهما، والشاة مصراة (1). وتسمى المصراة محفلة (2) أيضا وهو من الحفل وهو الجمع، ومنه قيل للجمع محفل. والمراد ههنا أن تربط أخلاف (3) الشاة ونحوها ولا تحلب يومين أو أكثر فيجتمع اللبن بضرعها، ويظن الجاهل بحالها كثرة ما تحلبه كل يوم، فيرغب في شرائها بزيادة. والاصل في تحريمه - مع الاجماع - النص عن النبي صلى الله عليه وآله، وهو من طرق العامة (4)، وليس في أخبارنا تصريح به، لكنه في الجملة موضع وفاق. والتدليس تفعيل من الدلس - محركا - وهو الظلمة، كأن المدلس بمخادعته آت في الظلمة. [والمراد به إخفاء عيب السلعة(5). قوله: ويرد... الخ . مع التعذر قيد في المردود وبقسميه وهما المثل والقيمة، أي يرد مثل اللبن مع تعذره لانه مثلي، فإن تعذر فقيمته وقت الدفع ومكانه، فإنه وقت الانتقال إلى القيمة في المثلي. والمراد باللبن الموجود حال البيع، لانه جزء من المبيع، فإذا فسخ البيع رده كما يرد المصراة. أما المتجدد بعد العقد ففي وجوب رده وجهان، من إطلاق الرد في الاخبار، ومن أنه نماء المبيع الذي هو ملكه، والعقد إنما ينفسخ من حينه، وهو الاقوى. فعلى هذا لو امتزج الموجود حالته بالمتجدد صار شريكا ورجعا إلى الصلح.

(هامش)

(1) راجع الصحاح 6: 2600 مادة صري ومعجم مقاييس اللغة 3: 346. (2) الصحاح 4: 1671 مادة حفل . (3) وردت في نسخة ن و و و ك هذه العبارة في الحاشية: الاخلاف جمع خلفة - بكسر المعجمة وسكون اللام وبالفاء - حلمة الضرع منه رحمه الله في ن . وفي و: بخطه قدس سره. (4) سنن أبي داود. 3: 270 ح 3444، سنن ابن ماجة 2: 753 ح 2239، والسنن الكبرى 5: 318 - 319. راجع أيضا معاني الاخبار ص 282. الوسائل 13: 360 ب 13 من أبواب الخيار. (5) في نسخة ك و و. (*).

ص 293

[وتختبر بثلاثة أيام

والمراد بتعذر رد اللبن عدمه أصلا، أما لو تغير في ذاته أو صفته، بأن عمله جبنا أو حمض ونحو ذلك، ففي الانتقال إلى بدله، أورده مع الارش إن أوجب نقصا، وجهان، أجودهما الثاني. ولو عمل فيه عملا قبل العلم بالعيب صار شريكا بنسبته. والقول برد المثل أو القيمة مع التعذر هو مقتضى ضمان الاموال حيث لا دليل على ما يخالفه. والقول برد ثلاثة أمداد من طعام للشيخ (1) - رحمه الله - استنادا إلى رواية (2). وله قول آخر برد صاع من تمر أو صاع من بر (3)، لان ذلك هو المنصوص عن النبي صلى الله عليه وآله في حكم المصراة (4)، إلا أنه ليس من طرقنا، فالرجوع إلى الاصول المتفق عليها أولى. قوله: وتختبر بثلاثة أيام . يريد أنه إذا لم يعلم كونها مصراة تختبر بثلاثة أيام، فإن اتفقت فيها الحلبات إتفاقا تقريبيا لا يخرج عن العادة بحسب حالها في نفسها ومكانها فليست مصراة، وإن اختلفت الحلبات في الثلاثة، بأن كانت ما عدا الاولى أقل، فهي مصراة. وكذا لوكان بعضها ناقصا والاخر زائدا عن الاولى أو مساويا. هذا كله إذا لم يثبت كونها مصراة بغير الاختبار، فلو ثبت بإقرار البائع أو البينة جاز الفسخ قبل الثلاثة لكن بشرط النقصان، فلو تساوت أو زادت هبة من الله تعالى فالاشهر زوال الخيار الزوال الموجب له، مع احتمال بقائه. ومثله ما لو لم يعلم بالعيب حتى زال، أو لم تعلم الامة بالعتق حتى مات الزوج، أو طلق. وحيث ثبتت التصرية بالاختبار فالخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور،

(هامش)

(1) لم نجده فيما لدينا من كتب الشيخ (ره) راجع التنقيح الرائع 2: 80 ومفتاح الكرامة 4: 647. (2) الكافي 5: 173 ح 1، التهذيب 7: 25 ح 107، الوسائل 12: 360 ب 13 من أبواب الخيار ح 1. (3) المبسوط 2: 125. (4) البخاري 3: 92. (*)

ص 294

[وتثبت التصرية في الشاة قطعا، وفي الناقة والبقرة على تردد. ولو صرى أمة لم يثبت الخيار، مع إطلاق العقد. وكذا لو صرى البائع أتان

وبالاقرار أو البينة يمتد بامتداد الثلاثة، بشرط عدم التصرف بغير الاختبار. وفي كلام الاصحاب في هذا المقام اختلاف كثير، والمحصل ما ذكرناه.قوله: وتثبت التصرية... الخ . وجه التردد من عدم النص عندنا ظاهرا على هذا الحكم، لكن الشاة محل وفاق، فيحتمل إلحاق الناقة والبقرة بها لمساواتهما لها في العلة الموجبة للخيار، وهي كون اللبن مقصودا مع التدليس. وادعى الشيخ (1) الاجماع على إلحاقها بها، فإن ثبت فهو الحجة، وإلا ففي إثبات الحكم المخالف للاصل بغير نص ولا إجماع إشكال. وطرد ابن الجنيد (2) الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي. وفي بعض الاخبار من طرق العامة (3) ما يدل عليه. وهو مناسب لمقابلة (4) المدلس. وفي الدروس أنه ليس بذلك البعيد (5). قوله: ولو صرى أمة لم يثبت الخيار مع إطلاق العقد . لعدم النص، وكون التصرف مانعا منه. نعم، مع الشرط يثبت الخيار إن لم يتصرف ولو بالحلب، وإلا فالارش. ويفهم من العبارة ثبوته وإن تصرف به، كما في المصراة. قوله: وكذا لو صرى البائع أتانا .

(هامش)

(1) الخلاف 3: 105 مسألة 170. (2) حكاه عنه في المختلف: 372. (3) راجع سنن النسائي 7: 254، وسنن أبي داود 3: 271 ح 3446. (4) في و المعاملة. (5) الدروس: 363. (*)

ص 295

[ولو زالت تصرية الشاة وصار ذلك عادة قبل انقضاء ثلاثة أيام سقط الخيار. ولو زال بعد ذلك لم يسقط.الثانية: الثيبوية ليست عيب

هي - بفتح الهمزة - الحمارة، ولا يقال فيها أتانة. والحكم فيها كالامة من حيث عدم النص، وكون زيادة اللبن غير مقصود غالبا، إلا مع الشرط فيلزم حكمه. قوله: ولو زالت التصرية... الخ . هذا يتوجه إذا كان ثبوت التصرية بغير الاختبار، أما به فقد تقدم أنها لا تعلم إلا بمضي الثلاثة. وأما زوال التصرية بعد الثلاثة فيمكن فيه فرضها بالاختبار أيضا، بأن ينقص اللبن في الثلاثة ثم يزيد بعدها على الحد الذي كان أولا، فإنه لا يسقط الخيار السابق لسبق إستقراره. وقد تقدم أن الخيار حينئذ يكون بعد الثلاثة بلا فصل على الفور، فيجب أن يحمل بقاؤه في هذه الصورة على وجه لا ينافي الفورية، بأن يصح الفسخ الفوري بعدها وإن تحقق الزوال بعد ذلك، بمعنى ان الزيادة المتجددة لا تكون كاشفة عن بطلان الاختيار ولا مبطلة له. ويمكن مصاحبته لزمانها في جاهل الفورية والخيار. قوله: الثيبوبة ليست عيبا . هكذا أطلق الاصحاب والاكثر من غيرهم، نظرا إلى أن أكثر الاماء لا يوجدن إلا ثيبات، فكانت الثيبوبة بمنزلة الخلقة الاصلية وإن كانت عارضة. ويشكل ذلك في الصغيرة التي ليست محل الوطي، فإن أصل الخلقة والغالب في مثلها البكارة، فينبغي أن تكون الثيبوبة عيبا. نقل مثل ذلك في التذكرة عن بعض الشافعية، ونفى عنه البأس (1)، وهو كذلك. بل يمكن القول بكونها عيبا مطلقا، نظرا إلى الاصل. وهو ظاهر ابن البراج (2).

(هامش)

(1) التذكرة 1: 539. (2) راجع المهذب 1: 395، والمنقول من كامله في المختلف: 372. ولكن مورد كلامه الاشتراط. (*)

ص 296

[نعم لو شرط البكارة فكانت ثيبا كان له الرد إن ثبت أنها كانت ثيبا. وإن جهل ذلك لم يكن له الرد، لان ذلك قد يذهب بالخطوة. الثالثة: الاباق الحادث عند المشتري، لا يرد به العبد. أما لو أبق عند البائع كان للمشتري رده

قوله: نعم لو شرط البكارة فكانت ثيبا... الخ . لا ريب أن البكارة وصف مقصود للعقلاء فيصح اشتراطه. ويثبت بمخالفته التخيير بين الرد والامساك لفوات الشرط، إن ثبت أنها كانت ثيبا حال البيع بالبينة أو إقرار البايع، أو قرب زمان الاختبار من زمان البيع بحيث لا يمكن تجدد الثيبوبة فيه. وهل يثبت له الارش مع اختيار الامساك؟ الاقوى ذلك، لان فواته مما يؤثر في نقصان القيمة تأثيرا بينا. ويحتمل العدم، لان الارش جزء من الثمن، وهو لا يوزع على الشروط. وذهب بعض الاصحاب (1) إلى عدم التخير بفوات البكارة مطلقا، والمشهور الاول. ولو انعكس الفرض بأن شرط الثيبوبة فظهرت بكرا، فالاقوى تخيره أيضا بين الرد والامساك لكن بغير أرش، لجواز تعلق غرضه بذلك، كعجزه عن البكر. وقيللا رد هنا لزيادة قيمة البكر. قوله: إلا باق الحادث عند المشتري لا يرد به العبد... الخ . ظاهر العبارة الاكتفاء في عيب الاباق بوقوعه مرة عند البائع، وبه صرح في التذكرة (2). وشرط بعض الاصحاب اعتياده ذلك (3)، وهو أقوى. وأقل ما يتحقق بمرتين. ولا يشترط في جواز الرد به إباقه عند المشتري، بل متى تحقق ذلك عند البائع جاز الرد. ولو تجدد الاباق عند المشتري في الثلاثة من غير تصرف فهو كما لو وقع عند البائع.

(هامش)

(1) منهم الشيخ في النهاية: 394، وابن البراج في المهذب 1: 395. (2) التذكرة 1: 538. (3) في مفتاح الكرامة 4: 615 بعد نقل هذا القول: ولم أجد هذا القائل . (*)

ص 297

[الرابعة: إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ومثلها تحيض كان ذلك، عيبا، لانه لا يكون إلا لعارض غير طبيعي. الخامسة: من اشترى زيتا أو بزرا فوجد فيه ثفلا، فإن كان مما جرت العادة بمثله. لم يكن له رد ولا أرش، وكذا إن كان كثيرا وعلم به

قوله: إذا اشترى أمة لا تحيض... الخ . الحكم بكون ذلك عيبا مذهب الاكثر، وهو موافق للاصل من كون ذلك وصفا مطلوبا يترتب عليه قبول الحمل وصحة المزاج.واستدلوا عليه بصحيحة داود بن فرقد عن الصادق عليه السلام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية مدركة، فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر، وليس بها حمل. قال: إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد به (1). وفي دلالته على اعتبار ستة أشهر نظر، فإنه عليه السلام إنما علق الحكم على حيض مثلها وأراد به نفي الصغر واليأس، وإن كان ذلك مستفادا من إثبات إلا دراك ونفي كونه عن كبر، فإن من المعلوم أن مثلها تحيض في تلك المدة وأقل منها، والسؤال وقع عن تأخر الحيض ستة أشهر، والجواب لم يتقيد به، وحينئذ فلو قيل بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن عادة أمثالها في تلك البلاد كان حسنا. ويظهر من ابن إدريس نفي الحكم رأسا (2). والحق خلافه. قوله: من اشترى زيتا أو بزرا... الخ . البزر - بكسر الباء وفتحها - زيت الكتان، واصله محذوف المضاف أي دهن البزر والثفل - بالضم - والثافل ما استقر تحت الشيء [من كدره(3). والحكم باستثناء

(هامش)

(1) الكافي 5: 213 ح 1، الفقيه 3: 285 ح 1357، التهذيب، 7: 65 ح 281 والوسائل 12: 413 ب 3 من أحكام العيوب. (2) السرائر 2: 304 - 305. (3) في ه‍ . (*)

ص 298

[السادسة: تحمير الوجه ووصل الشعر وما شابهه تدليس يثبت بهالخيار دون الارش. وقيل: لا يثبت به الخيار، والاول أشبه. القول في لواحق هذا الفصل وفيه مسائل: الاولى: إذا قال البائع: بعت بالبراءة وأنكر المبتاع فالقول قوله مع يمينه، إذا لم يكن للبائع بينة

ما جرت العادة به لا شبهة فيه، لان مثل ذلك ليس عيبا، لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه غالبا. وربما أشكل الحكم فيما لو كان كثيرا وعلم به، باعتبار الجهل بقدر المقصود بالذات الموجب للغرر، والمشاهدة في مثل ذلك غير كافية. وربما اندفع بأن معرفة مقدار الجميع كافية، كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون العلم بالتفصيل. قوله: تحمير الوجه ووصل الشعر... الخ . القول بعدم الخيار في ذلك وشبهه للشيخ - رحمه الله - في الخلاف (1)، محتجا عليه بوجوب الوفاء بالعقد، فيحتاج الخيار إلى دليل ولم يثبت كون هذه الاشياء عيوبا. والاكثر على ثبوت الخيار بذلك، لانه تدليس، ولان الاغراض تختلف في ذلك، فربما رغب المشتري فيما شاهده أولا ولم يسلم له، وهو الاجود. نعم، لو شرط أحد هذه فظهر باخلاف تخير بين الرد والامساك إجماعا. وكيف كان فلا أرش له، لانه ليس عيبا. قوله: إذا قال البائع: بعتك بالبراءة - إلى قوله - فالقول قوله مع يمينه .

(هامش)

(1) الخلاف 3: 111 مسألة: 183. (*)

ص 299

[الثانية: إذا قال المشتري: هذا العيب كان عند البائع فلي رده وأنكر البائع فالقول قوله مع يمينه، إذا لم يكن للمشتري بينة ولا شاهد حال يشهد له. الثالثة: يقوم المبيع صحيحا ومعيبا، وينظر في نسبة النقيصة من القيمة، فيؤخذ من الثمن بنسبته

لاصالة عدم التبري. ومثله ما لو ادعى عليه العلم بالعيب. وزاد في التذكرة (1) دعواه عليه التقصير في الرد، وهو يتم في خيار فوري لا في خيار العيب. قوله: إذا قال المشتري هذا العيب كان عند البائع فلي رده وأنكر البائع فالقول قوله مع يمينه... الخ . أي قول البائع، لاصالة عدم التقدم. والمراد بشاهد الحال نحو زيادة الاصبع، واند مال الجرح، مع قصر زمان البيع بحيث لا يحتمل تأخره عادة. ويعتبر كونه مفيدا للقطع، فيقد قول المشتري بغير يمين. ولو شهد الحال للبائع كذلك، كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع، فلا يمين عليه أيضا.وحيث يفتقر البائع إلى اليمين يحلف على القطع بعدم العيب، لا على عدم العلم، إن كان اختبر المبيع قبل البيع، واطلع على خفايا أمره، كما يشهد بالقطع على الاعسار، وبالعدالة وغيرهما مما يكتفى فيه بالاختبار الظاهر. ولو لم يكن اختبره ففي جواز حلفه على القطع، عملا بأصالة العدم، واعتمادا على ظاهر السلامة، نظر. واستقرب في التذكرة (2) هنا الاكتفاء بالحلف على نفي العلم. وهو حسن، لاعتضاده بأصالة عدمه التقدم، فيحتاج المشتري إلى إثباته. قوله: يقوم المبيع - إلى قوله - فيؤخذ من الثمن بنسبتها . أشار بذلك إلى كيفية معرفة قدر الارش حيث يثبت. وهو تارة يكون للمشتري بأن يجده معيبا، وتارة يكون للبايع بأن يفسخ بخياره بعد تعيبه في يد المشتري عيبا

(هامش)

(1) التذكرة 1: 541. (2) التذكرة 1: 541. (*)

ص 300

[فان اختلف أهل الخبرة في التقويم عمل على الاوسط

مضمونا. وقوله: ويؤخذ من الثمن بنسبتها يتم في الاول دون الثاني، لان البايع لا يأخذ من الثمن، بل يأخذ تفاوت ما بين القيمتين. وفي قوله: وينظر في نسبة النقيصة وقوله: بنسبتها حذف تقديره إلى قيمته صحيحا، وإلى قيمة الصحيح، فإن النسبة ممكنة إلى القيمتين معا. والمعتبر هو قيمة الصحيح.وإنما احتيج إلى هذه النسبة لجواز اختلاف الثمن والقيمة، فلو أخذ تفاوت ما بين القيمتين لامكن أخذ الثمن والمثمن، كما إذا كان الثمن خمسين، وقوم المبيع صحيحا بمائة، ومعيبا بخمسين، فعلى اعتبار النسبة يؤخذ نصف الثمن وهو خمسة وعشرون، ولو أخذ التفاوت كان مجموع الثمن. وما أطلقه المتقدمون من أخذ تفاوت ما بين المعيب والصحيح مبني على الغالب من بيع الشيء بقيمته. والامر الضابط ما ذكر من إعتبار النسبة. والمعتبر في قيمته صحيحا حالة العقد، لانه حين الانتقال إلى ملك المشتري، ووقت استحقاق الارش. ويحتمل حين القبض، لانه حين استقرار الملك، وانتقال الضمان، إذ المبيع قبله معرض للانفساخ لو حصل التلف. ويضعف بأن ذلك لا دخل له في اعتبار القيمة، مع كون استحقاق الارش قبله. وقوى الشيخ (1) اعتبار أقل الامرين من قيمتيه يوم العقد والقبض، اخذا من العلتين. وهو ضعيف قوله: فإن اختلف أهل الخبرة في التقويم عمل على الاوسط . المراد بالاوسط قيمته منتزعة من مجموع القيم، نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم. فمن القيمتين نصف مجموعهما، ومن الثلاث ثلثه، وهكذا. وإنما اعتبر ذلك لانتفاء الترجيح لقيمة على اخرى، ولانتفاء الوسط في نحو القيمتين والاربع، فلم يبق إلا أن يراد بالوسط معنى آخر، وهو انتزاع قيمته من المجموع بحيث لا يكون القيمة المنتزعة أقرب إلى واحدة منها. وطريقة أن تجمع القيم

(هامش)

(1) المبسوط 2: 132. (*)

ص 301

[..

الصحيحة على حدة، والمعيبة كذلك، وتنسب إحداهما إلى الاخرى، وتأخذ بتلك النسبة. ولا فرق في ذلك بين اختلاف المقومين في القيمة الصحيحة والمعيبة معا وفي احداهما. وتوضيح ذلك يتم بصور: الاولى ان يختلف المقومون فيهما معا، بأن قالت إحدى البينتين: إن قيمته إثنا عشر صحيحا وعشرة معيبا. والاخرى: ثمانية صحيحا وخمسة معيبا. فالتفاوت بين مجموع القيمتين الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع، فيرجع بربع الثمن، فلو كان الثمن إثني عشر فالارش ثلاثة. ويحتمل أن ينسب معيب كل قيمة إلى صحيحها، ويجمع قدر النسبة، ويؤخذ من المجتمع بنسبة القيم. ففي المثال تفاوت ما بين المعيبة والصحيحة على قول الاولى السدس، وعلى قول الثانية ثلاثة أثمان، ومجموع ذلك من الاثني عشر ستة ونصف، يؤخذ نصفها ثلاثة وربع. ولو كانت البينات ثلاثا فقالت إحداها كالاولى، والثانية قيمته عشرة صحيحا وثمانية معيبا، والثالثة ثمانية صحيحا وستة معيبا، فالقيم الصحيحة ثلاثون، والمعيبة أربعة وعشرون، والتفاوت بينهما ستة هي خمس الصحيحة، فيرجع بخمس الثمن. وعلى الاحتمال يجمع سدس الثمن وخمسه وربعه، ويؤخذ ثلث المجموع، وهو يزيد عن الاول في المثال بثلث خمس. الثانية: أن تتفق البينات على القيمة الصحيحة، وتختلف في المعيبة، كأن اتفقت على أن قيمته إثنا عشر صحيحا، ثم قالت إحداهما (1): عشرة معيبا، وقالتالاخرى ستة. فطريق أخذ التفاوت إما بتنصيف المعيبتين ونسبة النصف إلى الصحيحة فيظهر الثلث، أو بجمع القيمتين وتكرير الصحيحة مرتين ونسبة المجموع إلى المجموع. وعلى الاحتمال بنسبة العشرة إلى الاثني عشر وأخذ السدس، ثم الستة إلى الاثني عشر وأخذ النصف، ويؤخذ نصف المجتمع وهو الثلث. وهنا يتحد الوجهان.

(هامش)

(1) في ب احداها. (*)

ص 302

[الرابعة: إذا علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره ولو تطاول، إلا أن يصرح باسقاطه. وله فسخ العقد بالعيب،

ولو كانت البينات ثلاثا واتفقت على الاثني عشر صحيحا، وقالت الثالثة: إن قيمته ثمانية معيبا، كررت الصحيحة ثلاثا وضممت الثمانية إلى الاخيرتين، أو ضممت نسبة الثمانية إلى الاثني عشر إلى مجموع النسبتين، وأخذت ثلث المجموع، وهو الثلث على الوجهين أيضا، وعلى هذا القياس. الثالثة: أن تتفق البينات على المعيبة دون الصحيحة، كأن اتفقت على أن قيمته ستة معيبا، وقالت إحدى البينتين: قيمته ثمانية صحيحا، واخرى (1): عشرة. فإن شئت جمعت الصحيحتين ثمانية عشر، والمعيبتين إثني عشر، والتفاوت بينهما الثلث، وهو الارش. وإن شئت أخذت نصف الصحيحتين، ونسبته إلى المعيبة، وهو الثلث أيضا. وعلى الاحتمال تجمع التفاوت وهو ربع وخمسان وتأخذ نصفه، ويحصل الاختلاف بين الامرين. ولو كانت البينات ثلاثا بأن قالت ثالثة: إن قيمته إثنا عشر صحيحا. فإنشئت جمعت الصحيحة ثلاثين، وأخذت ثلثها وجعلته القيمة الصحيحة، ونسبته إلى المعيبة، وأخذت من الثمن بنسبة التفاوت، وهو خمسان. وإن شئت ضاعفت المعيبة إلى ثمانية عشر، ونسبتها إلى الثلاثين. وعلى الاحتمال تجمع تفاوت ما بين الثمانية والستة وهو الربع، وبينها وبين العشرة وهو الخمسان، وبينها وبين الاثني عشر وهو النصف، وتأخذ ثلث الجميع، ويظهر بين الامرين تفاوت أيضا. وقس على هذا ما شئت. قوله: إذا علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره ولو تطاول . هذا هو المعروف في المذهب لا نعلم فيه خلافا. نعم، جعله في التذكرة (2)

(هامش)

(1) كذا في النسخ والظاهر (الاخرى). (2) التذكرة 1: 529. (*)

ص 303

[سواء كان غريمه حاضرا أو غائبا. الخامسة: إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشتري رده، وفي الارش تردد. ولو قبض بعضه ثم حدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض

أقرب، وهو يشعر بالخلاف لكن لا نعلم قائله، وإنما خالف فيه الشافعي (1) فجعله على الفور، وهو محتمل إن لم يثبت الاجماع بتقريب الدليل السابق في نظائره. قوله: سواء كان غريمه حاضرا أو غائبا . نبه بذلك على خلاف أبي حنيفة (2) حيث شرط حضور الغريم في جواز الفسخ. قوله: إذا حدث العيب - إلى قوله - وفي الارش تردد . منشؤه من أن ضمان الجملة يقتضي ضمان الاجزاء والاول ثابت في التلف قبل القبض فيكون الثاني كذلك، ومن أصالة اللزوم وبراءة البائع خرج منه التلف فيبقى الباقي. وهو خيرة الشيخ (3) وابن إدريس (4). والاول أصح، وقد تقدم مثله. قوله: ولو قبض بعضه ثم حدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض . بمعنى أنه لو تعيب يتخير المشتري بين أخذ أرشه ورد الجميع، وليس له الاقتصار على رد المعيب خاصة، وإن كان ظاهر العبارة قد يدل عليه، وهذا هو أصح القولين. وربما قيل بجواز الاقتصار على رد المعيب، نظرا إلى أن سبب الرد هو العيب الحادث في البعض، وقد حدث حين كان ذلك البعض مضمونا وحده، فيتعلق به

(هامش)

(1) المغني لابن قدامة 4: 258. (2) حلية الفقهاء 4: 237. (3) المبسوط 2: 127 والخلاف 3: 109 مسألة 178. (4) السرائر 2: 305. (*)

ص 304

[وما يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الرد في الثلاثة. السادسة: روى أبو همام عن الرضا عليه الصلاة والسلام قال: يرد المملوك من أحداث السنة: من الجنون، والجذام، والبرص (1). وفي رواية علي بن أسباط عنه عليه السلام أحداث السنة: الجنون والجذام والبرص، والقرن، يرد إلى تمام السنة من يوم اشتراه (2). وفي معناه رواية

جواز الرد دون المقبوض. واستلزام تبعض الصفقة يرده. قوله: وما يحدث في الحيوان - إلى قوله - لا يمنع الرد في الثلاثة . المفهوم من قوله: لا يمنع الرد وجعل الثلاثة ظرفا له أن الرد بخيار الثلاثة، لا بهذا العيب الحادث. ووجه عدم منعه من ذلك ظاهر، لان العيب الحادث في الثلاثة من غير جهة المشتري مضمون على البايع كالسابق، فلا يكون مؤثرا في رفع الخيار. وهذا هو المنقول من مذهب المصنف في المسألة (3). ونقل عن شيخه إبن نما ثبوت الخيار في المسألة المفروضة (4) بالعيب الحادث، بناء على ما ذكر من التعليل، فإن العيب الحادث في الثلاثة لما كان مضمونا على البائع كالسابق لزمه التخيير بين الرد به وأخذ أرشه. وتظهر فائدة الخلاف في ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة وعدمه، فعلى الاول يرتفع دون الثاني، إذ لا يتقيد خيار العيب بالثلاثة، غايته حصول الخيار فيها بعلتينوهو غير قادح، إذ ليست عللا حقيقية حتى يمتنع اجتماعها وإنما هي معرفات، كما في خيار المجلس والحيوان والشرط والغبن والعيب، فإنه يمكن اجتماعها على عين واحدة. وتظهر الفائدة فيما لو شرط إسقاط بعضها. وقول ابن نما هنا أوجه. قوله: روى أبو همام عن الرضا عليه الصلاة والسلام - إلى قوله -

(هامش)

(1) الكافي 5: 217 ح 17، التهذيب 7: 63 ح 273، الوسائل 12: 411 ب 2 من أحكام العيوب ح 2. (2) الكافي 5: 216 ح 16، التهذيب 7: 63 ح 274، الوسائل الباب المتقدم ح 4. (3، 4) راجع الدروس: 367. (*)

ص 305

[محمد بن علي عنه عليه السلام (1). فرع هذا الحكم يثبت مع الاحداث. فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الارش وسقط الرد

يرد إلى تمام السنة . المراد أن هذه الامراض إذا حدثت ما بين البيع وتمام السنة يرد بها المملوك،وإن لم يكن الرد في السنة، لان خيار العيب ليس على الفور. والعبارة قد تدل على خلاف ذلك. والمشهور ثبوت الحكم للاربعة. ولكن يبقى في حكم الجذام إشكال، فإنه يوجب العتق على المالك قهرا، كما سيأتي وحينئذ فإن كان حدوثه في السنة دليلا على تقدمه على البيع، لما قيل في تعليل الرد بهذه الاحداث: إن وجودها في السنة دليلا على حدوثها قبل البيع، لانها تكمن في البدن سنة ثم تخرج، فيكون عتقه على البايع، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع، فلا يتجه الخيار. وإن عمل على الظاهر كان حدوثه في ملك المشتري موجبا لعتقه قبل أن يختار الفسخ، إذ ليس له اختيار حتى يتحققه، ومتى تحققه حكم بعتقه شرعا قبل الفسخ، فيشكل جوازه بعد العتق. وقد تقدم نظيره. ويمكن حله بأن الحكم بعتقه بالجذام مشروطه بظهوره بالفعل، كما هو ظاهر النص، ولا يكتفى بوجوده في نفس الامر، فلا يعتق على البائع قبل بيعه لعدم ظهوره، ولا بعده قبل الفسخ لعدم ملكه، وعتقه على المشتري موقوف أيضا على ظهوره وهو متأخر عن سبب الخيار، فيكون السابق مقدما فيتخير، فإن فسخ عتق على البائع بعده، وإن اختار الامضاء عتق على المشتري بعده، فينبغي تأمل ذلك. قوله: فلو أحدث ما يغير - إلى قوله - ثبت الارش .

(هامش)

(1) التهذيب 7: 64 ح 275، الوسائل الباب المتقدم ذيل ح 2. (*)

ص 306

 المرابحة والمواضعة والتولية :

[الفصل السادس في المرابحة والمواضعة والتولية والكلام في العبارة، والحكم.أما العبارة فأن يخبر برأس ماله فيقول: بعتك - وما جرى مجراه - بربح كذا. ولا بد أن يكون رأس ماله معلوما وقدر الربح معلوم

والاجود أن مطلق التصرف مانع من الرد كغيرها من العيوب وان لم يوجب تغيرا. قوله: الفصل السادس في المرابحة والمواضعة والتولية . المرابحة مفاعلة من الربح، وهي تقتضي فعلا من الجانبين. ووجهه هنا أن العقد لما توقف على الرضا والصيغة من الجانبين كان كل منهما فاعلا للربح وإن اختص بملكه أحدهما. ومثله القول في المواضعة. واعلم أن العقد باعتباره الاخبار برأس المال وعدمه أربعه اقسام، لانه إما أن يخبر به أولا، والثاني المساومة، وهي أفضل أقسامه، والاول إما أن يبيع معه برأس المال، أو بزيادة عليه، أو نقصان عنه، والاول التولية، والثاني المرابحة، والثالث المواضعة. وقد يجتمع في عقد واحد الاقسام الاربعة، بأن تكون العين ملكا لاربعة، اشترى أحدهم ربعها بعشرين، والآخر بخمسة عشر، والثالث بعشرة، وأخبروا بذلك، والرابع لم يبين الحال، وباعوها بستين، فإن الثمن يقسط على أجزائها لا على ثمنها، فالبيع بالنسبة إلى الاول مواضعة، وإلى الثاني تولية، وإلى الثالث مرابحة، وإلى الرابع مساومة.قوله: ولا بد أن يكون رأس ماله معلوما وقدر الربح معلوما . أي معلوما للمتعاقدين معا حالة البيع. ولا يكفي علم أحدهما، ولا تجدد

ص 307

[ولا بد من ذكر الصرف والوزن إن اختلفا. وإذا كان البائع لم يحدث فيه حدثا، ولا غيره، فالعبارة عن الثمن أن يقول: إشتريت بكذا، أو رأس ماله كذا، أو تقوم علي، أو هو علي. وإن كان عمل فيه ما يقتضي الزيادة قال: رأس ماله كذا، وعملت فيه بكذا. وان كان عمل فيه غيره بأجزة، صح أن يقول: تقوم علي، أو هو علي. ولو اشترى بثمن ورجع بأرش عيبه أسقط قدر الارش، وأخبر بالباقي، بأن يقول: رأس مالي فيه كذا. ولو جنى العبد ففداه السيد لم يجز له أن يضم الفدية إلى ثمنه. ولو جني عليه فأخذ أرش الجناية لم يضعها من الثمن. وكذا لو حصل منه فائدة، كنتاج الدابة وثمرة الشجرة

علمهما بعد العقد، وإن اقتضاه الحساب المنضبط، كما لو علما بالثمن وجعلا ربح كل عشرة درهما ولا يعلمان ما يتحصل من المجموع حالة العقد. قوله: ولا بد من ذكر الصرف والوزن . هذا إذا تعددت النقود واختلف صرفها ووزنها، بأن كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم وبعضها أكثر، وكذا الوزن. أما لو اتحد النقد لم يفتقر إلى أحدهما.قوله: ولو اشترى بثمن - إلى قوله - وأخبر بالباقي . لان الارش جزء من الثمن، فلابد من بيانه، وإن كان قوله: اشتريته بكذا - وهو الثمن الاصلي - حقا، لطرو النقصان الذي هو بمنزلة الجرء. قوله: ولو جني عليه فأخذ أرش الجناية لم يضعها من الثمن . الفرق بين الجناية والعيب أن أرش العيب ثابت بأصل العقد، وكأنه مستثنى من الثمن، بخلاف أرش الجناية الطارية فإنها حق آخر، كنتاج الدابة. ولا يرد مثله في العيب الحادث بعد العقد، وقبل القبض، أو بعده في زمن الخيار، لان ذلك كله مستحق بأصل العقد ومقتضاه فكان كالموجود حاله. نعم، لو نقص بالجناية وجب عليه الاخبار بالنقص.

ص 308

[ويكره نسبة الربح إلى المال. وأما الحكم ففيه مسائل: الاولى: من باع غيره متاعا جاز أن يشتريه منه بزيادة ونقيصة، حالا ومؤجلا، بعد قبضه. ويكره قبل قبضه إذا كان مما يكال أو يوزن على الاظهر. ولو كان شرط في حال البيع أن يبيعه لم يجز. وان كان ذلك من قصد هما ولم يشترطاه لفظا كره

قوله: ويكره نسبة الربح إلى المال . لانه يصير بصورة الربا. ولا يحرم، للاصل، خلافا للشيخ (1) في أحد قوليه،استنادا إلى رواية (2) لا دلالة لها عليه، مع إمكان حملها على الكراهة. قوله: ويكره قبل قبضه إذا كان مما يكال أو يوزن على الاظهر . قد تقدم (2) أن المنع أقوى. قوله: ولو كان شرط في حال البيع أن يبيعه لم يجز . قد تقدم (4) الكلام في ذلك وفي علله، وأنها كلها مدخولة. وضمير لم يجز ينبغي عوده إلى البيع ليقع باطلا كما هو الواقع، لا إلى الشرط، فإن عدم جوازه قد لا يبطل العقد. وإنما يبطل لو كان الشرط أن يبيعه بعد العقد بلا فصل، فلو شرط بيعه بعد مدة أو إقالته فيه بعدها صح. قوله: وان كان ذلك من قصد هما ولم يشترطاه لفظا كره . اي لم يشترط في نفس العقد، فلا عبرة بشرطه قبله. نعم لو توهم لزوم ذلك، أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله اتجه الفساد، كما لو شرطه فيه. قيل عليه: إن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد، لان العقود تتبع

(هامش)

(1) النهاية: 389. (2) راجع الوسائل 12: 385 ب 14 من أبواب أحكام العقود. (3) تقدم في ص 247. (4) تقدم في ص 247 - 248. (*)

ص 309

[إذا عرفت هذا، فلو باغ غلامه سلعة ثم اشتراه منه بزيادة جاز أنيخبر بالثمن الثاني، إن لم يكن شرط إعادته، ولو شرط لم يجز، لانه خيانة

القصود، فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ للقصد؟! وأجيب بأن القصد وإن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان، لتوقف البطلان على اللفظ والقصد، وكذلك الصحة، ولم يوجد في الفرض (1). وفيه منع ظاهر، فإن اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف أحدهما كافيا في البطلان، ويرشد إليه عبارة الساهي والغالط والمكره وغيرها، فإن المتخلف الموجب للبطلان هو القصد خاصة، وإلا فاللفظ موجود. والذي ينبغي فهمه أنه لا بد من قصدهما إلى البيع المترتب عليه أثر الملك للمشتري على وجه لا يلزمه رده، وإنما يفتقر (2) قصدهما لرده بعد ذلك بطريق الاختيار، نظرا إلى وثوق البائع بالمشتري أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض اختياره ومروته. قوله: فلو باع غلامه سلعة ثم اشتراه منه بزيادة جاز أن يخبر بالثمن الثاني . المراد بغلامه الحر، ليتصور صحة بيعه. ومع عدم ذلك يشكل الجواز مع قصد زيادة الثمن بذلك ليربح فيه، من حيث إنه تدليس وغرور منهي عنه. واستقرب الشهيد (3) - رحمه الله - التحريم. وهو حسن. وقوله: ولو شرط لم يجز لانه خيانة . يقتضي التحريم مع عدم الشرط أيضا إذا كان قصدهما ذلك لتحقق الخيانة. ومجرد عدم لزوم الاعادة على تقدير عدمشرطها لا يرفع الخيانة، مع اتفاقهما عليها. بل ينبغي فرض التحريم في صورة عدم

(هامش)

309 (1) في ك بدل قوله ولم يوجد في الفرض فكما يتوقف البطلان عليها إلى ان يوجد في الفرض . ولعل الصحيح عليهما في الموردين. (2) في ك يقتضي. (3) الدروس: 344 واللمعة الدمشقيه: 71. (*)

ص 310

[الثانية: لو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل كان المشتري بالخيار بين رده وأخذه بالثمن. وقيل: يأخذه باسقاط الزيادة. ولو قال: إشتريته بأكثر لم يقبل منه، ولو أقام بينة. ولا يتوجه على المبتاع يمين، إلا أن يدعي عليه العلم

شرط الاعادة، لان التحريم لا يتحقق إلا مع عدم صحة البيع ليمكن فرض الزيادة، ومع شرط الاعادة يقع البيع باطلا، كما سلف عن قريب (1)، فلا تتحقق الخيانة ولا التحريم. ويمكن أن يقال بالتحريم وإن قلنا بفساد للعقد، نظرا إلى قصد الغرور والسعي على تحصيل المحرم، كما يقال في [النجش و(2) الربا إنه حرام ويفسد البيع. وضابط التحريم قصد الحيلة بذلك على الزيادة، فلو اشتراه منه ابتداء من غير مواطاة جاز. وحيث يتحقق النهي وباع بالاخبار تخير المشتري بين رده وأخذه بالثمن، كما سيأتي. ولا فرق في تحريم الحيلة بين كون غريمه غلامه وولده وأجنبي.قوله: لو باع مرابحة - إلى قوله - وقيل: يأخذ باسقاط الزيادة . ما اختاره المصنف هو الاقوى، لانه الثمن الذي وقع عليه العقد فلا يثبت غيره. وثبوت الكذب في الاخبار ينجبر بلحوق الخيار. والاقوى أن بقاءه على ملك المشتري في الخيار، فله الفسخ مع تلفه أو خروجه عن ملكه مع رد مثله أو قيمته، لاصالة بقاء الخيار. وعلى القول بإسقاط الزيادة يسقط ربحها أيضا ولا خيار له، لانه قد رضي بالاكثر فأولى أن يرضى بالاقل. ويحتمل ثبوت الخيار أيضا لغروره وكذبه. وقد يكون له غرض في الشراء بذك المبلغ، لابرار قسم، أو إنفاذ وصية. قوله: ولو قال اشتريته بأزيد - إلى قوله - إلا أن يدعي عليه العلم . إنما لم يقبل منه لان قوله الثاني مناف للاول فيلغى، ولا تقبل بينة على ذلك،

(هامش)

(1) في ص 308. (2) في ب و و و ك . (*)

ص 311

[الثالثة: إذا حط البائع بعض الثمن جاز للمشتري أن يخبر بالاصل. وقيل: ان كان قبل لزوم العقد صحت، والحق بالثمن، وأخبر بما بقي. وان كان بعد لزومه كان هبة مجددة، وجاز له الاخبار بأصل الثمن.الرابعة: من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة، تماثلث أو اختلف، سواء قومها أو بسط الثمن عليها بالسوية أو باع خيارها، إلا بعد أن يخبر بذلك

لانه كذبها بإقراره الاول. ويشكل بجواز الغلط، والاستناد إلى أمر كإخبار الوكيل ثم يظهر خلافه، فيتجه القبول إن أظهر لانكاره تأويلا محتملا، بمعنى سماع بنية عليه، لا توجه اليمين عليه بمجرد الدعوى وثبوت مقتضاها. ولو ادعى على المشتري العلم بكون الثمن زائدا توجهت عليه اليمين بنفيه، سواء ادعى الغلط أم لا، وهو مقتضى إطلاق العبارة. وربما قيل بسماع دعواه مطلقا، نظرا إلى إمكان الغلط. ولا بأس به. قوله: لو حط البائع - إلى قوله - وقيل إن كان قبل لزوم العقد صحت . القائل بذلك الشيخ (1) نظرا إلى أن الملك لما كان عنده لا يحصل إلا بانقضاء الخيار فاللاحق به قبله بحكمه. ويضعف بمنع اللزوم، فإن الثمن ما وقع عليه العقد، ولا أثر لوقت انتقاله في ذلك. قوله: من اشترى أمتعة صفقة... الخ . المستند مع النص (2) أن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الافراد، وإن تقوم بها وقسط الثمن عليها في بعض الموارد، كما لو تلف بعضها أو ظهر مستحقا. وهذا

(هامش)

(1) المبسوط 2: 144. (2) راجع الوسائل 12: 396 ب 21 من أحكام العقود. (*)

ص 312

[وكذا لو اشترى دابة حاملا فولدت وأراد بيعها منفردة عن الولد. الخامسة: إذا قوم على الدلال متاعا، وربح عليه أو لم يربح، ولم يواجبه البيع، لم يجز للدلال بيعه مرابحة إلا بعد الاخبار بالصورة. ولا يجب على التاجر الوفاء، بل الربح له، وللدلال اجرة المثل، سواء كان التاجر دعاه أو الدلال ابتدأه

التعليل شامل للمتماثلة والمختلفة. ورد بالتسوية على ابن الجنيد (1) حيث جوزه في المتماثلة كقفيزي حنطة. وهو ضعيف. ومقتضى الاستثناء أنه لو أخبر بالحال جاز بيعه مرابحة. وليس كذلك. ولعل المسامحة كونه حينئذ بصورة المرابحة فاستثناها مجازا. قوله: وكذا لو اشترى حاملا فولدت وأراد بيعها منفردة عن الولد . لان الثمن مع وجود الحمل، حالة البيع يقابل المجموع، وليس للابعاض ثمن، بخلاف ما لو تجدد الحمل، فإنه حينئذ يكون الثمن في مقابلة الام خاصة، كالثمرة المتجددة. قوله: إذا قوم على الدلال متاعا - إلى قوله - إلا بعد الاخبار بالصورة . الكلام في هذا الاستثناء كما مر، فإن مفهومه جواز البيع مرابحة مع الاخبار. وليس كذلك، لعدم تحقق البيع بالتقويم، بل هو بصورة المرابحة، ومن ثم لا يجبعلى التاجر الوفاء. قوله: بل الربح له - إلى له - إلى قوله - أو الدلال ابتدأه . إنما كان له الاجرة في الموضعين، لانتفاء البيع فيهما، مع كونه مأمورا بعمل له اجرة في العادة، فإذا فات المشترط رجع إلى اجرة المثل. ونبه بالتسوية بين الامرين على خلاف الشيخ (2) - رحمه الله - حيث فرق بينهما،

(هامش)

(1) راجع المختلف: 368 والتنقيح الرائع 2: 59. (2) النهاية: 389. (*)

ص 313

[وأما التولية فهي أن يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادة، فيقول: وليتك، أو بعتك، أو ما شاكله من الالفاظ الدالة على النقل

فحكم بكون الزائد للدلال إن كان التاجر ابتدأه بذلك، وأنه لو لم يزد شيئا فلا شيء له. وإن كان الدلال ابتدأ التاجر بذلك فالزيادة للتاجر، ولا شيء للدلال، استنادا إلى أخبار صحيحة (1). ويمكن تنزيلها على كون الواقع من التاجر - على تقدير ابتدائه - جعالة فيلزم ما عينه، ولا يفدح فيها الجهالة كما اعترضه ابن إدريس (2)، لان الجهالة في مال الجعالة - إذا لم تؤد إلى النزاع - غير قادح، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وصحيحة محمد بن مسلم (3) وزرارة (4) تؤذنان به. ومثله ما لو قال: من رد عبدي فله ثيابه. ولو لم يحصل زيادة فلا شيء له، كما لو لم يوجد على العبد ثياب. وأما إذا كان المبتدئ هو الدلال، فيحمل عدم وجوب شيء عليه على أنه لميشترط له شيئا، وإلا فلو عقب كلام الدلال بلفظ يدل على الرضا بما عينه كان كما لو ابتدأه، كما لو قال لمن ذهب عبده: أرد عبدك على أن لي نصفه أو ثيابه ابتداء منه، فقال مولى العبد: نعم لك ذلك فانه يستحق ما عين له. فعلى هذا يتم كلام الشيخ - رحمه الله - والروايات، من غير منافات لكلام الاصحاب. نعم، يبقى فيه البحث عن كون جهالة عوض الجعالة على هذا الوجه هل هو قادح أم لا؟ ثم على تقدير قدحه يجب اجرة المثل في الموضعين. قوله: فيقول: وليتك، أو بعتك أو ما شاكله . إن وقع لفظ بعتك ونحوه من الالفاظ المعتبرة في مطلق البيع أكمله بذكر الثمن، أو ب‍ ما قام علي ، ونحوه. وإن وقع بلفظ وليتك جعل مفعوله العقد واقتصر

(هامش)

(1) الوسائل 12: 381 ب 10 من أبواب أحكام العقود ح 1، 2، 3، 4. (2) السرائر 2: 294. (3) الكافي 5: 195 ح 2، التهذيب 7: 53 ح 231 والوسائل المتقدم ح 1. (4) التهذيب 7: 54 ح 232 والوسائل المتقدم ح 2. (*)

ص 314

[وأما المواضعة فإنها مفاعلة من الوضع. فإذا قال: بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون. وكذا لو قال: مواضعةالعشرة . ولو قال: من كل أحد عشر كان الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم

عليه. ولو قال وليتك السلعة إحتمل الاجزاء. قوله: فإذا قال بعتك بمائة - إلى قوله - فالثمن تسعون . لان الوضع من نفس العشرة يقتضي ذلك، حملا ل‍ من على الظاهر من التبعيض. وذكر جماعة من الاصحاب (1) احتمال كون الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، حملا ل‍ من على ابتداء الغاية، ويكون التقدير من كل عشرة تسلم لي. ومثله ما لو قال لكل عشرة درهم، لان الوضيعة للعشرة غير العشرة، فهو بمنزلة ما لو قال: من كل أحد عشر . قوله: وكذا لو قال: مواضعة العشرة . حملا للاضافة على معنى (من) أي من كل عشرة. ويحتمل كونها بمعنى اللام، أي لكل عشرة، فيكون الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر كما مر. وربما قيل ببطلان العقد، لتكافؤ الاحتمالين الموجب لجهالة الثمن. وربما رجح الاول بأن وضيعة العشرة لا يكون إلا من نفس العشرة دون ما عداها، لان الموضوع من جنس الموضوع منه، فتكون الاضافة بمعنى (من). والثاني بأن المواضعة على حد المرابحة للتقابل بينهما، فكما اقتضت المرابحة المعنى الثاني فكذا المواضعة.ويضعف الاول بأن اللفظ لا بد فيه من تقدير، وكلا التقديرين محتمل. والثاني بمنع الملازمة وقيام الاحتمال، إن لم تدل القرينة على أحدهما. هذا غاية ما قرروه في المسألة. وفيه بحث، لان المراد من الجنس الذي تكون الاضافة المعنوية فيه بمعنى (من) أن يكون المضاف جزئيا من جزئيات المضاف إليه،

(هامش)

(1) راجع الارشاد 1: 373، غاية المراد: 95 وجامع المقاصد 4: 261. (*)

ص 315

[..

بحيث يصح إطلاقه على المضاف وعلى غيره أيضا والاخبار به عنه، كخاتم فضة، وباب ساج، لا جزاء من كل، حيث لا يصح إطلاقه عليه، كبعض القوم، ويد زيد، فانك تريد بالقوم الكل والكل لا يطلق على بعضه. وكذا القول في يد زيد. والحاصل أن من التي تتضمنها الاضافة هي التبيينية لا التبعيضية، كما في خاتم فضة، وأربعة دراهم. وشرط (من) التبيينية أن يصح إطلاق المجرور بها على المبين، كما في قوله تعالى *(فاجتنبوا الرجس من الاوثان)*(1). وقد صرح بهذا التحقيق الشيخ الرضي (2) وابن هشام (3)، وناهيك بهما. وحينئذ فينتفي القول بحمل الاضافة في المسألة على معنى (من) رأسا، لان الموضوع المضاف بعض العشرة، ولا يصح الاخبار به عنه، فيتعين كونها بمعنى اللام. نعم، يمكن مع ذلك كون الوضيعة من نفس العشرة كما يستفاد ذلك من إضافته إلى الثمن. وكذا نظائره من المرابحةوغيرها. واعلم أن التعبير بالوضيعة هنا أولى من المواضعة، لانها مفاعلة لا تدخل في البات، وإنما الغرض وضع الدرهم من العشرة، أولها، والوضيعة تؤدي هذا المعنى بحمل الفعيل على المفعول.

(هامش)

(1) الحج: 30. (2) شرح الرضي على الكافية 2: 207 في الاضافة المعنوية. (3) شرح شذور الذهب: 330. (*)

ص 316

 أحكام الربا :

[الفصل السابع في الربا وهو يثبت في البيع وصفين: الجنسية، والكيل أو الوزن. وفي القرض مع اشتراط النفع. أما الثاني فسيأتي. وأما الاول فيقف بيانه على أمور:

الفصل السابع في الربا. الربا - لغة (1) - الزيادة. قال الله تعالى *(فلا يربوا عند الله)*(2). و- شرعا - بيع أحد المتماثلين - المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع صلى الله عليه وآله أو في العادة - بالآخر، مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وإن لم يكونا مقدرين بهما، إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا، ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده، ولا زوجا مع زوجته. وعلى القول بثبوته في كل معاوضة يبدل البيع بالمعاوضة على أحد المتماثلين، إلى اخره. وقد يعرف بأنه زيادة أحد العوضين المتماثلين، إلى اخره، نظرا إلى مناسبة المنقول عنه. وتحريمه ثابت بالنص والاجماع، وهو من أعظم الكبائر الموبقات، حتى إن الدرهم منه أعظم من سبعين زنية كلها بذات محرم، رواه هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام (3). قوله: وهو يثبت في البيع . ظاهره اختصاص الربا بالبيع. وهو أحد القولين في المسألة، إلا أن المصنف

(هامش)

(1) انظر الصحاح 6: 2349، معجم مقاييس اللغة 2: 483. (2) الروم: 39.(3) الكافي 5: 144 ح 1، الفقيه 3: 174 ح 782، التهذيب 7: 14 ح 61، الوسائل 12: 422 ب 1 من أبواب الرباح 1. (*)

ص 317

[الاول: في بيان الجنس. وضابطه: كل شيئين يتناولهما لفظ خاص، كالحنطة بمثلها، والارز بمثله. ويجوز بيع المتجانس وزنا بوزن نقدا، ولا يجوز مع زيادة. ولا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر على الاظهر

- رحمة الله - قد صرح في باب الغصب بثبوته في كل معاوضة. وهو ظاهر اختياره في الصلح ايضا. وهو الاقوى، عملا باطلاق قوله تعالى *(وحرم الربوا)*(1). قوله: الجنس وضابطه كل شيئين يتناولهما لفظ خاص . المراد باللفظ الخاص ما يكون مفهومه نوعا بالاضافة إلى ما تحته، فالجنس في هذا الباب هو المعبر عنه في المنطق بالنوع، وأهل اللغة يسمونه جنسا أيضا، ولا مشاحة في الاصطلاح. والمراد بالشيئين الذين يتناولهما اللفظ أفراد ذلك النوع، كالصفراء والحمراء في الحنطة، ويستثنى من ذلك الشعير، فإنه هنا من أفراد الحنطة، مع عدم تناول لفظها له، وخروجه بالنص (2). وأما العلس والسلت - على القول بأنهما من أفراد الحنطة والشعير - فدخولهما فيهما ظاهر، وإن اختصا باسم آخر، وإلا فمقتضى الاسم عدم اللحاق. قوله: ويجوز بيع المتجانسين وزنا بوزن نقدا . هذا إذا كان أصلهما الوزن، أما لو كان أصلهما الكيل ففي الاكتفاء بتساويهما وزنا خاصة نظر، من كون الوزن أضبط، حتى قيل إنه أصل للكيل، ومن ورود الشرع والعرف بالكيل، فلا يعتبر بغيره. وظاهر كلام المصنف اختيار الاول، وهو متجه، بل نقل بعضهم (3) الاجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا، مع الاجماع على كونهما مكيلين في عهده صلى الله عليه وآله. قوله: ولا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر على الاظهر . هذا هو المشهور لا نعلم فيه خلافا، إلا ما يظهر من الشيخ في الخلاف (4)

(هامش)

(1) البقرة: 275. (2) الوسائل 12: 438 ب 8 من أبواب الربا حديث 1، 2، 3، 4. (3) راجع جامع المقاصد 4: 272. (4) الخلاف 3: 46 ذيل المسألة 65.

ص 318

[ولا يشترط التقابض قبل التفرق إلا في الصرف. ولو اختلف الجنسان جاز التماثل والتفاضل نقدا. وفي النسيئة تردد، والاحوط المنع. والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الاظهر، لتناول إسم الطعام لهما. وثمرة النخل جنس واحد وإن اختلف أنواعه، وكذا ثمرة الكرم

والمبسوط (1)، فإنه يشعر بكراهة السلف، ولا نعلم مأخذه. وربما حمل على إرادة التحريم، فإنه بعض معاني المكروه وقد استعمله الشيخ في ذلك في غير موضع. قوله: وفي النسيئة تردد، والاحوط المنع . الجواز أقوى، للاخبار الصحيحة (2). والقول بالمنع للشيخ - رحمه الله - في أحد قوليه (3)، استنادا إلى خبر (4) ظاهر في الكراهة، ونحن نقول بها. قوله: والحنطة والشعير جنس واحد - إلى قوله - لتناول إسم الطعام لهما . نبة بقوله في الربا على أنهما في غيره - كالزكاة - جنسان إجماعا، لاختلاف مفهومهما لغة وعرفا. وأما في الربا فالاظهر أنهما جنس واحد، لصحيحة الحلبي (5)، وابي بصير (6)، وهشام بن سالم (7)، وعبد الرحمن بن أبي عبد الله (8) عن الصادق عليه

(هامش)

(1) المبسوط 2: 89. (2) الظاهر ان المراد بها الاطلاقات الدالة على جواز التفاضل مع اختلاف الجنسين وما صرح فيه بالكراهة إذا كان نسيئة. راجع الوسائل 12: 442 ب 13 من أبواب الرباوب 16 و17 .(3) المبسوط 2: 89. (4) ما يظهر منه الكراهة عدة اخبار. راجع الابواب المذكورة من الوسائل. (5) الكافي 5: 187 ح 3، التهذيب 7: 94 ح 399، الوسائل 12: 438 ب 8 من أبواب الرباح 4. (6) الكافي 5: 187 ح 2، الفقيه 3: 178 ح 803، التهذيب 7: 95 ح 405 والوسائل الباب المتقدم ح 3. (7) الكافي 5: 187 ح 1، التهذيب 7: 96 ح 409 والوسائل الباب المتقدم ح 1. (8) الكافي 5: 188 ح 5، التهذيب 7: 96 ح 410 والوسائل الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 319

[وكل ما يعمل من جنس واحد يحرم التفاضل فيه، كالحنطة بدقيقها، والشعير بسويقه، والدبس المعمول من التمر بالتمر، وكذا ما يعمل من العنب بالعنب. وما يعمل من جنسين يجوز بيعه بهما، وبكل واحد منهما، بشرط أن يكون في الثمن زيادة عن مجانسه

السلام، بل ادعى الشيخ في الخلاف (1) عليه الاجماع، وهو الحجة على من خالف،نظر إلى اختلافهما صورة وشكلا ولونا وطعما وإدراكا وحسا وإسما، فإن ذلك كله غير مسموع في مقابلة النصوص الصحيحة. وفي احتجاج المصنف - رحمه الله - بتناول إسم الطعام لهما على الاتحاد نظر، فانه لا يلزم منه اتحادهما مع تحقق الاختلاف المذكور، وإنما الموجب للاتحاد النص والاجماع. قوله: وكل ما يعمل من جنس واحد يحرم التفاضل فيه... الخ . فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا إذا كانا مكيلين أو موزونين. ولو كال أحدهما مكيلا والآخر موزونا، كالحنطة ودقيقها، والسمسم والشيرج، ففي اعتبار تساويهما بالوزن أو بالكيل وجهان يأتيان. قوله: وما يعمل من جنسين يجوز بيعه بهما... الخ . لا يشترط في جواز بيعه بهما مساواة جملة الثمن له قدرا، لان كل جنس ينصرف إلى ما يخالفه. ولا يعتبر معرفة كل واحد من الجنسين، بل يكفي معرفة المجموع. وأما إذا بيع بأحدهما فانه يشترط زيادته على مجانسة زيادة متمولة، بحيث يمكن فرض كونها عوضا في البيع منفردة. وقد يفرض هنا أيضا الجهل بقدر المجالس للثمن مع العلم بزيادته عليه، بأن يعلم أن المجانس لا يبلغ النصف، فيبيعه بقدر ثلثي المجموع مثلا. وفي حكم المعمول من جنسين ضم أحدهما إلى الآخر وبيعهما في عقد واحد وإن تميزا، لتساوي الفرضين في العله المسوغة للبيع عندنا.

(هامش)

(1) الخلاف 3: 47 مسألة 66. (*)

ص 320

[واللحوم مختلفة بحسب اختلاف أسماء الحيوان، فلحم البقر والجواميس جنس واحد، لدخولها تحت لفظ البقر. ولحم الضأن والمعز جنس واحد، لدخولهما تحت لفظ الغنم. والابل عرابها وبخاتيها جنس واحد. والحمام جنس واحد. ويقوى عندي أن كل ما يختص منه باسم فهو جنس واحد كالفخاتي والورشان

قوله: اللحوم مختلفة - إلى قوله - لدخولهما تحت لفظ البقر . هذا الحكم محل وفاق. والمراد أنهما داخلان تحت البقر لغة، وإلا فالعرف يأبى ذلك مع أنه مقدم على اللغة. وقد تقدم أن مناط الاتحاد تناول اللفظ الخاص لهما، فلولا الاجماع على الحكم لكان فيه نظر. وينبه عليه ما قواه المصنف في أفراد الحمام المختص باسم، كما سيأتي. قوله: عرابها وبخاتيها . هو - بفتح الباء وتشديد الياء المثناة من تحت - جمع بختي - بضم الباء وتشديد الياء أيضا - الابل الخراسانية. قوله: والحمام جنس واحد... الخ . قد تقدم في الحج (1) تعريف الحمام على اختلاف فيه، وأن الفخاتي والورشان من أفراده. ووجه الخلاف هنا الشك في أن مقولية الحمام على ما تحته مقولية النوع على الاصناف، أو الجنس على الانواع. فعلى الاول يحرم بيع بعضها ببعض مطلقا، وعلى الثاني يختص كل نوع بحكمه. ولما كان الوقوف على ذاتيات الحقائق عزيزا جدا، ولم يكن من جهة الشرع قاطع بشيء، حصل الخلاف. وبهذا يحصل الفرق بين أفراد الحمام وأفراد البقر بالنسبة إلى الجاموس، فإنه قد ثبت شرعا أنهما نوع واحد، ومن ثم ضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة. وعموم قوله تعالى: *(أوفوا بالعقود)*(2)

(هامش)

(1) ج 2: 429. (2) المائدة: 1. (*)

ص 321

[وكذا السموك. والوحشي من كل جنس مخالف لاهليه. والالبان تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف. ولا يجوز التفاضل بين ما يستخرج من اللبن وبينه، كزبد البقر مثلا بحليبه وخيضه وأقطه. والادهان تتبع ما تستخرج منه، فدهن المسم جنس، وكذا ما يضاف إليه، كدهن البنفسج والنيلوفر. ودهن البزر جنس آخر

يقتضي جواز بيع بعضها ببعض كيف كان إلى أن يتحقق المنع. ويؤيده أن العرف أيضا لا يسمي هذين الفردين حماما. ولا شك أن الحكم باتحاد النوع أولى. واعلم أن الطير - من حمام وغيره - إنما يتصور الربا فيه إذا بيع لحمه وزنا، أما لو بيع جزافا فلا. ولو بيع عددا - كما هو الغالب - ففي ثبوت الربا فيه خلاف يأتي (1). والاقوى عدمه. قوله: وكذا السموك . الحكم المشبه به المشار إليه ب‍ (ذا) هو ما سبق في الطير، أي هو جنس واحد. ويقوى أن ما يختص باسم منه فهو جنس على انفراده. ويحتمل كون المشار إليه هو كونه جنسا واحدا. والحاصل أن في اتحاد جنس السمك أو تعدده بتعدد أسمائه خلافا، نظرا إلى الشك في مقوليته، كما تقدم في الحمام. قوله: ولا يجوز التفاضل بين ما يستخرج - إلى قوله - ومخيضه وأقطه . هذا الحكم محل وفاق نقله في التذكرة عن علمائنا أجمع (2)، ولولا ذلك لا نقدح فيه الاشكال السابق، نظرا إلى اختلاف الاسم والطبيعة. قوله: فدهن السمسم جنس وكذا ما يضاف إليه كدهن البنفسج .

(هامش)

(1) يأتي في ص 322. (2) التذكرة 1: 479. (*)

ص 322

[والخلول تتبع ما تعمل منه، فخل العنب مخالف لخل الدبس. ويجوز التفاضل بينهما نقدا، وفي النسيئة تردد. الثاني: إعتبار الكيل والوزن. فلا ربا إلا في مكيل أو موزون. وبالمساواة فيهما يزول تحريم الربويات. فلو باع مالا كيل فيه ولا وزن متفاضلا جاز ولو كان معدودا - كالثوب بالثوبين والثياب، والبيضة بالبيضتين والبيض - نقدا، وفي النسيئة تردد، والمنع أحوط

إضافته إليه لا تخرجه عن أفراد نوع الدهن، فإنه ليس مركبا منه ومما يضاف إليه، بل هو عين الدهن يكتسب باختلاطه به مدة خاصيته ثم ينزع منه. قوله: فخل العنب مخالف لخل الدبس .أي خل دبس التمر. وقد يطلق الدبس على ما يعم دبس العنب، ويختص خل العنب بخل الخمر. قوله: وفي النسيئة تردد . هذا هو الخلاف المتقدم (1) في بيع أحد الربوبين بالآخر المخالف متفاضلا نسيئته. والاقوى جوازه. قوله: ولو كان معدودا كالثوب بالثوبين - إلى قوله - نقدا وفي النسيئة تردد . ظاهره أن الخلاف مختص بالنسيئة، وليس كذلك، بل قد ذهب جماعة (2) إلى ثبوته في المعدد مطلقا، إستنادا إلى إطلاق رواية (3) ظاهرة في الكراهة. والاقوى

(هامش)

(1) تقدم في ص 318. (2) راجع المقنعة: 605 والمراسم: 179 (3) التهذيب 7: 120 ح 521، الاستبصار 3: 101 ح 352، الوسائل 12: 449 ب 16 من أبواب الرباح 7. (*)

ص 323

[ولا ربا في الماء، لعدم اشتراط الكيل والوزن في بيعه. ويثبت في الطين الموزون كالارمني على الاشبه. والاعتبار بعادة الشرع، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في عصر النبي صلى الله عليه وآلهوسلم بني عليه. وما جهل الحال فيه رجع إلى عادة البلد

اختصاصه بالمكيل والموزون مطلقا، للاخبار الصحيحة (1) الدالة على الحصر فيهما. قوله: ولا ربا في الماء لعدم اشتراط الكيل والوزن في بيعه . لا فرق في ذلك بين بيعه جزافا ومكيلا وموزونا، لانتفاء اعتبارهما فيه. وفي حكمهما التراب والحجارة والحطب. ولا عبرة ببيعه موزونا في بعض البلاد. قوله: ويثبت في الطين الارمني على الاشبه . الاقوى اتباع العادة فيه، فإن استقرت على كيله أو وزنه - كما هو الواقع - يثبت فيه الربا، وإلا فلا. وكذا القول في غيره من التراب، كالطين الخراساني. قوله: والاعتبار بعادة الشرع - إلى قوله - رجع إلى عادة البلد . قد ثبت أن أربعة كانت مكيلة في عهده صلى الله عليه وآله، وهي الحنطة، والشعير، والتمر، والملح، فلا يباع بعضها ببعض إلا كيلا، وإن اختلفت في الوزن. واستثنى في التذكرة (2) ما يتجافى منه في المكيال كالقطع الكبار من الملح فيباع وزنا لذلك. وما عداها إن ثبت له في عهده صلى الله عليه وآله أحد الامرين وإلا رجع فيه إلى عادة البلد. ولو عرف أنه كان مقدرا في عهده صلى الله عليه وآله، وجهل اعتباره بأحدهما، احتمل التخيير، وتعين الوزن لانه أضبط، واختاره في التذكرة (3)، وهوحسن. ولا فرق بين بلده صلى الله عليه وآله وما أقر أهله عليه في غيره.

(هامش)

(1) انظر الوسائل 12: 434 ب 6 من أبواب الربا. (2) التذكرة 1: 483. (3) التذكرة 1: 483. ولكن لم نجد فيها تعين الوزن في هذه المسألة وان ذكر اضبطيته في مسألة أخرى. (*)

ص 324

[ولو اختلف البلدان فيه كان لكل بلد حكم نفسه. وقيل: يغلب جانب التقدير ويثبت التحريم عموما. والمراعى في المساواة وقت الابتياع. فلو باع لحما نيا بمقدد متساويا جاز. وكذا لو باع بسرا برطب. وكذا لو باع حنطة مبلولة بيابسة لتحقق المماثلة. وقيل بالمنع، نظرا إلى تحقق النقصان عند الجفاف، أو إلى انضياف أجزاء مائية مجهولة. وفي بيع الرطب بالتمر تردد، والاظهر اختصاصه بالمنع، اعتمادا على أشهر الروايتين

قوله: ولو اختلف البلدان فيه... الخ . ما اختاره المصنف هو الاقوى، لان المعتبر هو العرف عند عدم الشرع، وكما أن عرف تلك التقدير فيلزمه حكمه، فعرف الاخرى الجزاف فيلزمه حكمه، صرفا للخطاب إلى المتعارف من الجانبين. ووجه عموم التحريم صدق اسم المكيلوالموزون على ذلك النوع في الجملة. قوله: والمراعى في المساوات وقت الابتياع - إلى قوله - وقيل بالمنع نظرا إلى تحقق النقصان . هذه المسألة من جملة أفراد منصوص العلة. وقد اختلف الاصحاب في تعديته إلى غيره مما شاركه فيها، والاخبار الصحيحة (1) ظاهرة في التعدية. وهو الاقوى. قوله: وفي بيع الرطب بالتمر تردد... الخ . هذا هو مورد النص من منصوص العلة لما سئل النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص إذا جف؟ فقالوا نعم، فقال: لا إذن (2). وعن الباقر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ويكره أن يباع التمر بالرطب

(هامش)

(1) الوسائل 12: 445 ب 14 من أبواب الرباح 1، 2، 6. (2) سنن أبي داود 3: 251 ح 3359، سنن ابن ماجه 2: 761 ح 2264، سنن النسائي 7: 268. (*)

ص 325

[فروع الاول: إذا كانا في حكم الجنس الواحد، وأحدهما مكيل والآخر موزون، كالحنطة والدقيق، فبيع أحدهما بالآخر وزنا جائز. وفي الكيلتردد، والاحوط تعديلهما بالوزن

عاجلا بمثل كيله، من أجل أن التمر ييبس فينقص من كيله (1). وعن الصادق عليه السلام: لا يصلح التمر بالرطب، لان الرطب رطب والتمر يابس، فإذا يبس الرطب نقص (2). فأشاروا عليهم السلام إلى أن علة المنع النقصان بالجفاف. فمن الاصحاب (3) من عداه إلى المنع من بيع كل رطب بيابسه، كالعنب بالزبيب. ومنهم (4) من اقتصر على المنصوص. وبالغ ابن إدريس (5) فجوز الجميع. وإلى قوله أشار المصنف بقوله: وفي بيع الرطب بالتمر تردد حيث جعله موضع التردد، ثم حكم بتحريمه وعدم تعديته. وأشار المصنف في دليله ب‍ أشهر الروايتين إلى رواية سماعة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن العنب بالزبيب، فقال: لا يصلح إلا مثلا بمثل، والتمر بالرطب مثلا بمثل (6). وجوابه القدح في سند الرواية. ولاقوى التحريم ولتعدية إلى كل ما فيه العلة المذكورة. ومحل تحقيق المسألة الاصول. قوله: إذا كانا في حكم الجنس الواحد - إلى قوله - وفي الكيل تردد .منشأ التردد من أن الكيل أصل للحنطة فيستصحب في فروعها، ومن أن

(هامش)

(1) الفقيه 3: 178 ح 805، التهذيب 7: 95 ح 408، الوسائل 12: 445 ب 14 من أبواب الربا ح 2. (2) التهذيب 7: 90 ح 384، الاستبصار 3: 93 ح 315، الوسائل 12: 446 ب 14 من أبواب الربا ح 6. (3) الوسيلة: 253، المختلف: 356. (4) المبسوط 2: 90، والخلاف 3: 64 مسألة 105. (5) السرائر 2: 258 - 259. (6) الكافي 5: 190 ح 16، التهذيب 7: 97 ح 417 والوسائل 12: 445 ب 14 من أبواب الرباح 3. (*)

ص 326

[الثاني: بيع العنب بالزبيب جائز. وقيل: لا، طردا لعلة الرطب بالتمر، والاول أشبه. وكذا البحث في كل رطب مع يابسه. الثالث: يجوز بيع الادقة بعضها ببعض، مثلا بمثل. وكذا الاخباز، والخلول وإن جهل مقدار ما في كل واحد من الرطوبة، اعتمادا على ما تناوله الاسم

الوزن أضبط، وأنه أصل للكيل، ولان من أفراد هذه القاعدة مالا يمكن فيه القول بالكيل كالحنطة بالخبز، والسمسم بالشيرج. واختار الفاضل (1) اعتبار الكيل فيما هو أصله وأطلق. وهو حسن. لكن يشكل بنحو ما ذكرناه، فإن اعتباره بالوزن حينئذ أحسن. قوله: بيع العنب بالزبيب جائز . المنع أقوى، وقد تقدم (2). قوله: وكذا الاخباز والخلول وإن جهل مقدار ما في كل واحد من الرطوبة . لا بد في الجواز من اشتراكهما في أصل الرطوبة، فلو كان أحد الخبزين رطبا والآخر يابسا لم يصح، بناءا على ما سلف من القاعدة. وفي العبارة إشارة إليه، حيث أثبت لكل واحد رطوبة جهل مقدارها. ولو علم أن رطوبة أحدهما أكثر من رطوبة الآخر مع اشتراكهما في الاصل ففي الجواز نظر، من صدق الاسم في المثلين، ومن العلم بزيادة حقيقة أحدهما على الآخر. ولعل الاقرب الجواز، لان الرطوبة غير مقصودة، والحقيقة مطلقة عليهما. وكذا لو علمت الرطوبة في أحدهما وانتفت من الآخر، كخل الزبيب، وخل العنب الخالص.

(هامش)

(1) المختلف: 356. (2) في ص 325. (*)

ص 327

 مسائل :

[تتمة فيها مسائل ست: الاولى: لا ربابين الوالد وولده، ويجوز لكل منهما اخذ الفضل من صاحبه. ولا بين المولى ومملوكه. ولا بين الرجل وزوجته

قوله: لا ربا بين الوالد وولده... الخ . هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل الاجماع عليه، فإن المرتضى - رحمه الله - وإن خالف في بعض كتبه (1)، وحكم بثبوت الربا بينهم، حملا للخبر المنفي (2) على النهي، كقوله تعالى: *(فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)*(3) وعملا بعموم القرآن (4) الوارد بتحريم الربا، إلا أنه رجع عنه (5) محتجا بوجود الاجماع على خلافه. ونبه بقوله: (ويجوز لكل واحد منهما أخذ الفضل) على خلاف ابن الجنيد (6) حيث نفى الربا بين الوالد وولده، بشرط أن يأخذ الوالد الفضل، وأن لا يكون للولد وارث ولا عليه دين. وإطلاق النص (7) حجة عليه. والحكم مختص بالولد النسبي بالنسبة إلى الاب، فلا يتعدى الحكم إلى الام، ولا إلى الجد مع ولد الولد، ولا إلى ولد الرضاع، على إشكال فيهما، اقتصارا بالرخصة على مورد اليقين. ووجه العدم إطلاق اسم الولد عليهما، ومن ثم حرمت امرأته على الاب والجد من آية حلائل الابناء (8).ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمنقطع على الظاهر لاطلاق النص (9)، خلافا

(هامش)

(1) جوابات المسائل الموصليات، ضمن رسائل السيد المرتضى 1: 182. (2) الوسائل 12: 436 ب 7 من أبواب الرباح 1. (3) البقرة: 197. (4) البقرة: 275. (5) الانتصار: 213. (6) حكاه عنه العلامة في المختلف: 353. (7) الوسائل 12: 436 ب 7 من ابواب الربا. (8) النساء: 23. (9) انظر الوسائل الباب المتقدم ح 5. (*)

ص 328

[ولا بين المسلم وأهل الحرب. ويثبت بين المسلم والذمي على الاشهر

للتذكرة (1) حيث خصهما بالدائم، معللا بأن التفويض في مال الرجل إنما يثبت في حق العقد الدائم، فإن للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم. وفي معارضة مثل ذلك للنص منع ظاهر والحكم بنفي الربا بين السيد ومملوكه إما لعدم صحة البيع، بناء على أنه لايملك، فيصدق عدم الربا، وإما بناء على أنه يملك. وكان الاولى بالقائل بعدم ملكه ترك ذكره، لكن لما ورد النص (2) به تعرضوا له. ويشترط مع القول بملكه أن لا يكون مشتركا، فلو كان كذلك ثبت بينه وبين كل من الشركاء. والمدبر وام الولد في حكم القن. أما المكاتب بقسميه فلا على الظاهر، مع احتماله. قوله: ولا بين المسلم وأهل الحرب . هذا إذا أخذ المسلم الفضل، وإلا حرم. ولا فرق بين الحربي المعاهد وغيره، ولا بين كونه في دار الحرب والاسلام. وأطلق جماعة (3) نفي الربا هنا من غير فرق بين أخذ المسلم الزيادة والحربي. والتفصيل أقوى. قوله: ويثبت بين المسلم والذمي على الاشهر . هذا هو المشهور (4)، لعموم الادلة. وذهب السيد المرتضى (5) وابنا بابويه (6) وجماعة (7) إلى عدم ثبوته، للرواية المخصصة (8) له كما خصصت غيره من سبق. والاول أولى. فإن قلنا بعدم ثبوته لزم تقييده بمامر من أخذ المسلم الزيادة.

(هامش)

(1) التذكرة 1: 485. (2) راجع الوسائل الباب المتقدم حديث 1، 3. (3) راجع النهاية: 376، الوسيلة: 254. (4) في ب : الاشهر.(5) الانتصار 212 - 213. (6) المقنع: 126 وحكاه العلامة في المختلف: 353 عنهما. (7) لم نعثر عليهم ولكن نسبه العلامة في المختلف: 353 إلى المفيد ونسبه في مفتاح الكرامة إلى ايضاح النافع. (8) الفقيه 3: 176 ح 792 والوسائل 12: 437 ب 7 من أبواب الرباح 5. (*)

ص 329

[الثانية: لا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه، كلحم الغنم بالشاة، ويجوز بغير جنسه، كلحم البقر بالشاة، لكن بشرط أن يكون اللحم حاضرا. الثالثة: يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية، وبيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن أو خالية، أو بلبن ولو كان من لبن جنسها. الرابعة: القسمة تمييز أحد الحقين وليست بيعا، فتصح فيما فيه الربا، ولو أخذ أحذهما الفضل. وتجوز القسمة كيلا وخرصا. ولو كانت

قوله: لا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه كلحم الغنم بالشاة ويجوز بغير جنسه . هذا هو المشهور بين الاصحاب. وخالف فيه ابن إدريس (1) فحكم بالجواز،لان الحيوان غير مقدر بأحد الامرين. وهو قوي مع كونه حيا، وإلا فالمنع أقوى. والظاهر أنه موضع النزاع. قوله: يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية وبيع شاة في ضرعها لبن . الوجه في ذلك أن الدجاجة والشاة ليستا مقدرتين بالوزن حال حياتهما، وما في بطنهما غير مقدرا أيضا ما دام كذلك كالثمرة على الشجرة، ولانه تابع. ونبه بذلك على خلاف الشافعي (2) حيث منع منه محتجا بأن له قسطا من الثمن، وهو ممنوع. قوله: أو بلبن وإن كان من لبن جنسها . لا فرق بين كون الثمن زائدا عما فيها من اللبن وناقصا، لما تقدم من التعليل، وإن كان الفرض بعيدا. ومثله بيع نخلة فيها تمر بتمر مثله. قوله: القسمة ليست بيعا فتصح فيما فيه الربا ولو أخذ أحدهما الفضل .

(هامش)

(1) السرائر 2: 258. (2) الام 3: 27، 81، مختصر المزني: 77. (*)

ص 330

[الشركة في رطب وتمر متساويين فأخذ أحدهما الرطب جاز. الخامسة: يجوز بيع مكوك من الحنطة بمكوك وفي أحدهما عقد التبن ودقائقه، وكذا لو كان في أحدهما زؤان أو يسير من تراب، لانه مما جرت العادة بكونه فيه. السادسة: يجوز بيع درهم ودينار بدينارين ودر همين، ويصرف كل واحد منهما إلى غير جنسه. وكذا لو جعل بدل الدينار أو الدرهم شيء من المتاع. وكذا مدمن تمر ودرهم بمدين أو أمداد، ودر همين أو دراهم

هذا موضع وفاق. ونبه به على خلاف الشافعي (1) في أحد قوليه، حيث جعلها بيعا يثبت فيه الربا كالبيع. قوله: يجوز بيع مكوك من الحنطة - إلى قوله - لانه مما جرت العادة . أشار بذلك إلى اشتراط قلته بحيث تجري العادة بتبعيته، فلو زاد عن ذلك لم يجز. ومثله الدردي في الخل والدبس، والثفل في البزر، ونحو ذلك. قوله: ويجوز بيع درهم ودينار بدينارين... الخ . هذا الحكم موضع وفاق بين أصحابنا، وخالف فيه الشافعي (2) محتجا بحصول التفاوت عند المقابلة على بعض الوجوه، كما لو بيع مد ودرهم بمدين، والدرهم ثمن لمد ونصف بحسب القيمة الحاضرة. وجوابه أن الزيادة حينئذ بمقتضى التقسيط لا بالبيع، فإنه إنما وقع على المجموع بالمجموع. ويشكل الحكم لو احتيج إلى التقسيط شرعا، كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض، أو ظهر مستحقا مطلقا، وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا، فإنه حينئذ يحتمل بطلان البيع من رأس، للزوم التفاوت في الجنس الواحد، كما لو باع مدا ودرهما بمدين ودرهمين مثلا، فإن الدرهم التالف إذا كان نصف المبيع، بأن

(هامش)

(1) الام 3: 28 مختصر المزني: 77. (2) الام 3: 21، مختصر المزني: 77. (*)

ص 331

[..

كانت قيمة المد درهما، يبطل البيع في نصف الثمن، فيبقى النصف الآخر، وحيث كان منزلا على الاشاعة كان النصف في كل من الجنسين، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابل المد، فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان.ويحتمل البطلان في مخالف التالف خاصة، والصحة في مخالف الباقي، لان كلا من الجنسين في المبيع قوبل به مخالفه في الثمن، فإذا بطل أحد الجزءين بطل فيما قويل به، لان صحة البيع منزلة على ذلك، فكذا بطلانه. والمرجح لذلك نص الاصحاب على أن كل جنس في مقابل ما يخالفه. ويحتمل الصحة فيما بقي من الثمن وما قابله كائنا ما كان، فيقسط الثمن على التالف من المبيع والباقي، ففي المثال السابق يصح البيع في نصف المبيع بنصف الثمن، ولا ينظر إلى الزيادة، لانها إنها صارت بسبب التقسيط، وليس التقسيط بيعا، وفي حال البيع لم تكن زيادة. ويشكل بأنه وإن لم يكن بيعا فهو معاوضة، وقد تقدم أن الربا يعم كل معاوضة. ويندفع بأنه لا معاوضة إلا بالبيع السابق، وقد كان في وقته جامعا للشرايط، فيستصحب حكم الصحة. وربما نزل بعضهم (1) التقسيط على وجه لا يلزم منه الربا، كما إذا كانت قيمة المد مثلا درهمين فإن الثمن يكون أثلاثا من الفضة والتمر، وكذلك المثمن، فيكون ثلث الدرهم بازاء ثلث درهم، وثلثا مد التمر بازاء ثلثي مد تمر، ويبقى ثلث مد تمربازاء درهم وثلثين، وثلثا درهم بازاء مد وثلث تمر، فإذا تلف المد أو الدرهم سقط ما ذكر بازائه. ووجه التقسيط - على هذا الوجه - أن أجزاء المبيع لما قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع لم يجب أن يقع التسقيط على وجه يلزم معه المحذور، صيانة للعقد عن الفساد ما أمكن السبيل إليه.

(هامش)

(1) راجع جامع المقاصد 4: 275. (*)

ص 332

[وقد يتخلص من الربا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غيرها، ثم يشتري الاخرى بالثمن، ويسقط اعتبار المساواة. وكذا لو وهبه سلعته ثم وهبه الآخر، أو أقرضه صاحبه ثم أقرضه هو وتبارءا. وكذا لو تبايعا ووهبه الزيادة، وكل ذلك من غير شرط.

الثالث :
  بيع الصرف :

الصرف وهو بيع الاثمان بالاثمان

ويشكل بأن مقتضى التقسيط مقابلة كل من الجنسين بمقابله على النسبة، فالعدول عنه بمجرد العناية تحكم. والذي يوافق اصول الاصحاب هو الاحتمال الوسط، فإنه هو المصحح لاصل البيع، وإلا كان مقتضى المقابلة لزوم الربا من رأس. قوله: وقد يتخلص من الربا بأن يبيع... إلخ . ولا يقدح في ذلك كون هذه الامور غير مقصودة بالذات، والعقود تابعة للقصود، لان قصد التخلص من الربا إنما يتم مع القصد إلى بيع صحيح، أوقرض، أو غيرهما من الانواع المذكورة، وذلك كاف في القصد، إذ لا يشترط في القصد إلى عقد قصد جميع الغايات المترتبة عليه، بل يكفي قصد غاية صحيحة من غاياته، فإن من أراد شراء دار مثلا ليؤاجرها ويتكسب بها فإن ذلك كاف في الصحة، وإن كان لشراء الدار غايات اخر أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء. وكذا القول في غير ذلك من أفراد العقود. وقد ورد في أخبار كثيرة (1) ما يدل على جواز الحيلة على نحو ذلك. قوله: الصرف وهو بيع الاثمان بالاثمان . والصرف - لغة (2) - الصوت، و- شرعا - بيع الاثمان - وهي الذهب والفضة - بالاثمان، كأنه سمي بذلك لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع والشراء.

(هامش)

(1) انظر الوسائل 12: 455 ب 20 من أبواب الربا. (2) النهاية لابن الاثير 3: 25. (*)

ص 333

[ويشترط في صحة بيعها - زائدا على الربويات - التقابض في المجلس. فلو افترقا قبل التقابض بطل الصرف، على الاشهر

وإنما سمي الجنسان ثمنا لانهما يقعان عوضا عن الاشياء، ويقترنان بباء العوض غالبا. بل نقل العلامة قطب الدين الرازي (1) عن الفاضل أنهما ثمن وان اقترنت الباء بغيرهما، حتى لو باعه دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار، مدعيا على ذلك الاتفاق. قوله: ويشترط في صحة بيعها - إلى قوله - بطل الصرف على الاشهر . زيادة أحكامها على الربويات باعتبار مجموع أفراد بيع الربويات لا جميع أفراده، فان من جملتها بيع الذهب بالفضة، وهذا لا يتعلق به ربا، بل حكم الصرف خاصة. والحاصل أن بين حكم الربا والصرف عموما وخصوصا من وجه، يجتمعان في بيع أحد النقدين بجنسه، ويختص الربا بغير الاثمان، ويختص الصرف ببيع أحد الاثمان بالآخر. والمراد بالمجلس محل الاجتماع وإن تعدد، كما مر في خيار المجلس (2)، حتى لوفارقا مجلس العقد مصطحبين لم يبطل. ولو قال التقابض قبل التفرق كان أولى. ونبه بالاشهر على خلاف الصدوق ابن بابويه (3) حيث لم يعتبر المجلس، استنادا إلى روايات ضعيفة. (4) والاصحاب كلهم على خلافه، فربما كان الشرط إجماعيا. واعلم أنه على تقدير الحكم بالبطلان مع التفرق، هل يجب تحصيل هذا الشرط بحيث يأثمان لو أخلا به اختيارا؟ ليس في اعتبار الشرطيته ما يدل عليه، بل غايته الحكم بالبطلان مع الاخلال به. وفي التذكرة (5) قطع بوجب الوفاء به والتأثيم

(هامش)

(1) راجع جامع المقاصد 4: 181. ولكن لم ينقله فيه عن الفاضل. (2) في ص 194.(3) حكاه عنه في كشف الرموز 1: 497 وايضاح ترددات الشرائع 1: 282. راجع الفقيه 3: 183 ح 1. (4) راجع الوسائل 12: 640 ب 2 من أبواب الصرف ح 10 إلى 15. (5) التذكرة 1: 510 - 511. (*)

ص 334

[ولو قبض البعض صح فيما قبض حسب. ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل. ولو وكل أحدهما في القبض عنه، فقبض الوكيل قبل تفرقهما، صح. ولو قبض بعد التفرق، بطل. ولو اشترى منه دراهم ثم ابتاع بها دنانير قبل قبض الدراهم لم يصح الثاني. ولو افترقا بطل العقدان

بتركه اختيارا، وجعله بمنزلة الربا، حتى أوجب عليهم التفاسخ قبل التفرق ولو تعذر عليهما التقابض، وجعل تفرقهما قبله بمنزلة بيع الربوي نسيئة، فإن بطلانه لا يغني عن الاثم به. وهو ظاهر عبارة الدروس (1)، حيث حكم بوجوب التقابض قبل التفرق، وإن كان الوجوب في هذا الباب قد يعبر به عن الشرط مجازا. وفي الاخبار (2)ما ينبه على التحريم، لكن لم يتعرض له الاكثر. قوله: ولو قبض البعض صح فيما قبض حسب . ويتخير كل منهما في فسخ الباقي وإمضائه لتبعض الصفقة، إن لم يكن حصل منهما تفريط في تأخير القبض، وإلا فلا. ولو اختص أحدهما بعدم التفريط اختص بالخيار. قوله: ولو وكل أحدهما في القبض عنه... الخ . الضابط في ذلك أن المعتبر حصول التقابض قبل تفرق المتعاقدين. فمتى كان الوكيل في القبض غير المتعاقدين اعتبر قبضه قبل تفرق المتعاقدين، ولا اعتبار بتفرق الوكيلين. ومتى كان المتعاقدان وكيلين اعتبر تقابضهما في المجلس، أو تقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين. قوله: ولو اشترى منه دراهم - إلى قوله - ولو افترقا بطل العقدان . إنما لم يصح الثاني لان ملك العوض في الصرف موقوف على التقابض ولم

(هامش)

(1) الدروس: 369. (2) راجع الوسائل 12: 458 ب 2 من أبواب الصرف ح 1، 9. (*)

ص 335

[ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صح وإن لم يتقابضا. وكذا لو كان له دنانير فاشترى بها دراهم، لان النقدين من واحد

يحصل، فيكون قد باع ثانيا ما لم يصير ملكا له. ويجئ على القول بالمنع من بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه وجه آخر لعدم الصحة هنا. وبذلك يظهر بطلان العقدين لو افترقا قبله. هذا قول الاكثر. وفصل ابن إدريس هنا فقال: إن كان النقد المبتاع أولا معينا صح العقد الثاني إذا تقابضا في المجلس. وإن كان في الذمة بطل الثاني، لانه دين بدين (1). وينبغي القول بالصحة مطلقا إذا تقابضا قبل التفرق. وغاية ما يحصل في البيع الثاني أن يكون فضوليا، فإذا لحقه القبض صح. وسيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا الوجه غير ممتنع. قوله: ولو كان عليه دراهم - إلى قوله - لان النقدين من واحد . هذا التقدير مصحح لهذه المسألة، لان ما في الذمة بمنزلة المقبوض، وهو وارد في المسألة السابقة أيضا، لا أن هذه انفصلت عن تلك بأن ما في الذمة أولا كان ثابتا مستقرا بخلاف السابقة، فإن الدراهم المشتراة أولا لم تستقر في الذمة بسبب توقفه على القبض، فلم يكن حصول النقدين من واحد كافيا. واعلم أن المصنف فرض المسألة في من اشترى دنانير ممن عليه الدراهم، فيبقى موضع الاشكال فيها اشتراط التقابض أو الاكتفاء بالعقد. وجماعة من الاصحاب (2) فرضوها - تبعا للرواية (3) - في من قال لمن في ذمة الدراهم: حولها إلى دنانير، وحكموا بالتحول وإن لم يتقابضا، لعلة أن النقدين من واحد. وأنكر ذلك ابن إدريس (4) من حيث عدم التقابض، ومن أن مجرد هذا الامر لا يقتضي التحول.

(هامش)

(1) السرائر 2: 267. (2) كالشيخ في النهاية: 380 ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 255. (3) الوسائل 12: 463 ب 4 من أبواب الصرف ح 1 و2. (4) السرائر 2: 265. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج3

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب