مسالك الأفهام - ج4

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج4

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 271

[أما لو ادعى كل واحد منهما النصف، من غير سبب موجب للشركة، لم يشتركا فيما يقر به لاحدهما.

إذا اتفق المدعيان على كون سبب ملكهما مقتضيا للشركة فإقرار المتشبث لاحدهما مقتض لتشاركهما فيما أقر به، وإن لم يصدقهما على السبب الذي ادعيا به، لان مقتضى السبب - كالميراث - ذلك، لاتفاقهما على أن البعض كالكل يستوي ملكهما فيه، فيمتنع استحقاق المقر له النصف دون الآخر، كما أن الفائت يكون ذاهبا عليهما بمقتضى إقرارهما. والحاصل: أن اشتراكهما في المقر به يثبت من جهة اعترافهما بما يوجب الشركة لا من جهة الاقرار، فلا يؤثر فيه تخصيص المقر أحدهما بالملك. وحينئذ فإذا صالح المقر له المتشبث على النصف المقر به، فإن كان الصلح بإذن شريكه صح في جميعه بجميع العوض، وإلا ففي حصة المصالح خاصة بنسبتها من العوض، وبقي باقي النصف ملكا للشريك الآخر. قوله: أما لو ادعى كل واحد منهما... الخ . كما لو ادعى أحدهما النصف بسبب الارث مثلا والآخر بالشراء، فإن ملك أحدهما لا يستلزم ملك الآخر، فلا يقتضي الاقرار لاحدهما بما يدعيه مشاركة الآخر إياه. ومثله ما لو ادعى كل منهما أنه اشترى النصف من غير تقييد بالمعية. نعم، لو قالا: إشتريناها معا، أو اتهبناها وقبضنا معا، ونحو ذلك، فقد قربفي التذكرة (1) أن الحكم فيه كالاول، لاعتراف المقر له (2) بأن السبب المقتضي لتملكه قد اقتضى تملك الآخر. ويحتمل العدم، لان نقل الملك لاثنين بهذا الوجه بمنزلة الصفقتين. هذا تقرير ما ذكره المصنف وجماعة في القسمين. وفيه بحث، لان هذا لا يتم إلا على القول بتنزيل البيع والصلح على الاشاعة كالاقرار، وهم لا يقولون به، بل يحملون إطلاقه على ملك البائع والمصالح، حتى

(هامش)

(1) التذكرة 2: 189. (2) في ما لدينا من النسخ: لاعتراف المقر. وفي هامش و المقر له (ظاهرا). وهو الصحيح. (*)

ص 272

لو باع ابتداء مالك النصف نصف العين مطلقا إنصرف إلى نصيبه. ووجهوه: بأن اللفظ من حيث هو وإن تساوت نسبته إلى النصفين إلا أنه من خارج قد ترجح انصرافه إلى النصف المملوك للبائع، نظرا إلى أن إطلاق البيع إنما يحمل على المتعارف في الاستعمال، وهو البيع الذي يترتب عليه انتقال الملك بفعل المتعاقدين، ولا يجري ذلك إلا في المملوك، بخلاف الاقرار فإنه إخبار عن ملك الغير بشيء فيستوي فيه ما هو ملكه وملك غيره، وحينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح إلى نصيب المقر له خاصة، فيصح في جميع الحصة بجميع العوض، وتبقى المنازعة بين الآخروالمتشبث. هذا إن وقع الصلح على النصف مطلقا، أو النصف الذي هو ملك المقر له، أما لو وقع على النصف الذي أقر به المتشبث توجه قول الجماعة، لان الاقرار منزل على الاشاعة، والصلح وقع على المقر به، فيكون تابعا له فيها، وعلى هذا ينبغي حمل كلامهم، لئلا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها. وهذا توجيه حسن لم ينبهوا عليه، وإنما ذكر الشهيد - رحمه الله - في بعض تحقيقاته احتمال انصراف الصلح إلى حصة المقر له من غير مشاركة الآخر مطلقا، وتبعه عليه الشيخ علي (1) (رحمه الله). وربما فرق في مسألة الارث بين كون الصلح قبل قبض التركة وبعده، لان الحاصل منها قبل القبض هو المحسوب تركة بالنسبة إلى الورثة، والتالف لا يحسب عليهم، وكأنه لم يكن، وامتناع الوصول إليه كتلفه في هذا الحكم. وهذا الفرق إنما يتم فيما لو قبض أحد الوارثين شيئا من أعيان التركة أو باعه. أما الصلح فيبنى علىما لو صالح أحد الشريكين في الدين على حقه فيه هل يختص أم لا؟ والظاهر الاختصاص، لان الذاهب لا يخرج عن كونه حقا له، والصلح لم يقع على عين خاصة حتى يشتركا في عوضها، وإنما وقع على حقه، وهو أمر يمكن نقله

(هامش)

(1) جامع المقاصد 5: 434. (*)

ص 273

[ولو ادعى عليه فأنكر، فصالحه المدعى عليه على سقي زرعه أو شجره بمائه، قيل: لا يجوز، لان العوض هو الماء وهو مجهول، وفيه وجه آخر، مأخذه جواز بيع ماء الشرب. أما لو صالحه، على إجراء الماء إلى سطحه أو ساحته، صح، بعد العلم بالموضع الذي يجري الماء منه.

بعوض وغير عوض، فالبحث السابق آت في مسألة الارث قبل القبض وبعده. ومما ذكرناه يعلم حكم المدعى المذكور الذي قد صولح على بعضه لو كان دينا، فإن قبض عوض الصلح فيه يكون كقبض أحد الشريكين في الدين حصته بالصلح. وقد تقدم (1) الكلام فيه في باب القرض، ويأتي فيه في كتاب الشركة (2) مزيد بحث. قوله: ولو ادعى عليه فأنكر - إلى قوله - ماء الشرب . القول بالمنع للشيخ - رحمه الله - محتجا بجهالة الماء (3). والجواز أقوى مع ضبطه بمدة معلومة، ومثله ما لو كان الماء معوضا. مع أن الشيخ جوز بيع ماء العين والبئر، وبيع جزء مشاع منه، وجوز جعله عوضا للصلح (4). ويمكن أن يكون منعه من الصلح على السقي المذكور مطلقا، كما يدل عليه الاطلاق، والماء فيه مجهولا لا يدخل في أحد الاقسام، لانه لم يستحق جميع الماء ولا بعضا منه معينا، إنما استحقسقيا لا يعرف قدره ولا مدة انتهائه، ومن ثم شرطنا في الجواز ضبط المدة، وهو لم يصرح بالمنع حينئذ. ولو تعلق الصلح بسقيه دائما لم تبعد الصحة، لان جهالة مثل ذلك يتسامح فيها في باب الصلح. قوله: أما لو صالحه - إلى قوله - يجري الماء منه . المراد بعلم الموضع الذى يجري منه أن يقدر مجراه طولا وعرضا، لترتفع الجهالة عن المحل المصالح عليه. ولا يعتبر تعيين العمق، لان من ملك شيئا ملك قراره إلى

(هامش)

(1) في ج 3: 460 - 461. (2) في ص: 335. (3 و4) المبسوط 2: 310 - 311. إلا أنه فرض المسألة مع إقرار المدعي عليه. (*)

ص 274

[وإذا قال المدعى عليه: صالحني عليه، لم يكن إقرارا، لانه قد يصح مع الانكار. أما لو قال: بعني أو ملكني، كان إقرارا.

تخوم الارض. ولا فرق في صحة ذلك بين جعله عوضا بعد المنازعة وبين إيقاعه ابتداء.وقد أطلق المصنف وغيره حكم الماء غير أن يشترطوا مشاهدته ليرتفع الغرر. ولا بأس باعتباره، لاختلاف الاغراض بقلته وكثرته. ولو كان ماء مطر اختلف بكبر محله وصغره، فمعرفته يكون بمعرفة محله. وحيث يقع السطح أو يحتاج الساقية إلى اصلاح وجب على المالك الاصلاح، لتوقف الحق عليه، وليس على المصالح مساعدته. قوله: وإذا قال المدعى عليه - إلى قوله - مع الانكار . أشار بالتعليل إلى الرد على بعض العامة (1)، حيث زعم أن الصلح لا يصح إلا مع الاقرار، وفرع عليه أن المدعى عليه قبل الاقرار لو قال: صالحني على العين التي ادعيتها يكون ذلك منه إقرارا، لانه طلب منه التمليك، وذلك يتضمن الاعتراف بالملك، فصار كما لو قال: ملكني. ولما كان عندنا الاصل ممنوعا، لجواز الصلح مع الاقرار والانكار، لم يكن طلبه إقرارا. قوله: أما لو قال: بعني أو ملكني كان إقرارا . لانه صريح في التماس التمليك، وهو ينافي كونه ملكا له، لاستحالة تحصيل الحاصل. ولا شبهة في كونه إقرارا بعدم ملك المقر، وكونه ملكا لغيره في الجملة، أما كونه ملكا لمن طلب منه البيع والتمليك ففيه نظر، من كونه أعم من ملكه، إذ قد يكون وكيلا، وإذ احتمل اللفظ الامرين لم يحصل المقتضي للملك الذي كان منتفيا،لاصالة عدمه. وبالجملة: فمرجع الاقرار إلى كونه مالكا للبيع لا مالكا للمبيع، لانه أخص، فلا يدل عليه العام. نعم، لو اقترن بذلك كون المطلوب بيعه تحت يد المخاطب ترجح جانب

(هامش)

(1) فتح العزيز 10: 302. (*)

ص 275

 أحكام النزاع في الأملاك :

[أحكام النزاع في الاملاك وهي مسائل: الاولى: يجوز إخراج الراوشن والاجنحة إلى الطرق النافذة، إذا كانت عالية لا تضر بالمارة،

ملكه، لدلالة اليد على الملكية، والاصل عدم مالك آخر. وقد تنبه لذلك (1) العلامة في المختلف، والشهيد في الدروس. وهو قوي ويتفرع عليه ما لو عاد وأقر به لآخر ثبت له ولم يغرم للاول، إذ لم يحكم له به. قوله: يجوز إخراج الرواشن - إلى قوله - بالمارة . الروشن والجناح يشتركان في إخراج خشب من حائط المالك إلى الطريق بحيث لا يصل إلى الجدار المقابل ويبنى عليها، ولو وصلت فهو الساباط. وربما فرق بينهما بأن الاجنحة ينضم إليها مع ما ذكر أن توضع لها أعمدة من الطريق. والمرجع في التضرر وعدمه إلى العرف. ويعتبر في المارة ما يليق بتلك الطريقعادة، فإن كانت مما يمر عليها الفرسان إعتبر ارتفاع ذلك بقدر لا يصدم الرمح على وضعه ممالا عادة. واعتبر في التذكرة مروره ناصبا رمحه، لانه قد يزدحم الفرسان فيحتاج إلى نصب الرماح (2). ونفاه في الدروس (2) لندوره، ولامكان اجتماعهم مع إمالته على وجه لا يبلغهم. وهو أقوى. وإن كانت مما تمر فيها الابل إعتبر فيها مروره محملا ومركوبا، وعلى ظهره محملا إن أمكن مرور مثل ذلك عادة. وهكذا يعتبر ما تجري العادة بمروره على تلك الطريق. وتقييده بتضرر المارة يدل بمفهومه على عدم اعتبار تضرر غيرهم، كما لو تضرر

(هامش)

(1) المشار إليه بذلك ما قبل الاستدراك بقوله: (نعم). راجع المختلف: 477 والدروس: 378. (2) التذكرة 2: 182. (3) الدروس: 380. (*)

ص 276

[ولو عارض فيها مسلم، على الاصح.

جاره بالاشراف عليه، فإنه لا يمنع لاجله، كما لا يمنع لو كان وضعه في ملكه واستلزم الاشراف عليه، خلافا للتذكرة حيث ألحق الاول بتضرر المارة، وفرق بينه وبين وضعه في ملكه، بأن الروشن في الطريق مشروط بعدم التضرر، لان الهواء ليسملكه، بخلاف الموضوع في ملكه، لان للانسان التصرف في ملكه كيف شاء، وإن استلزم الاشراف على الجار أو الظلمة عليه، وإنما يمنع من الاشراف لا من التعلية المقتضية لامكانه. قال: ولست أعرف في هذه المسألة بالخصوصية نصا من الخاصة ولا من العامة، وإنما صرت إلى ما قلت عن اجتهاد (1). وفيه نظر، لان المعتبر في الموضوع في الطريق عدم الاضرار بأهل الطريق، لانه موضوع للاستطراق، فيمنع مما ينافيه. أما اعتبار عدم الاضرار بغيرهم فلا دليل على المنع منه، بل قد تقدم أنه لا يمنع مما يضر بغير من يعتاد سلوكه خاصة فضلا عن غير المار، والجار خارج عن ذلك كله، فلا وجه للمنع مما يقتضي إضراره، كما لو أحدث بناء في مباح يقابله واستلزم الاشراف عليه. وكلام العلامة وغيره حيث قيدوا الضرر بالمارة دليل عليه، وإنما عمم هو الضرر في فرعه خاصة. قوله: ولو عارض فيها مسلم على الاصح . نبه بالاصح على خلاف الشيخ (2) - رحمه الله - حيث شرط في جواز وضعه عدم معارضته أحد من المسلمين له، لانه حق لجميع المسلمين فيمنع بمعارضة واحد منهم له فيه. ولانه لو سقط منه شيء ضمن به بلا خلاف، وهو يدل على عدم جوازه إلا بشرط الضمان. ولانه لا يملك القرار، وإنما يملك الهواء، فلمالك القرار المعارضة. وهو مذهب أبي حنيفة أيضا (3).وأجيب بان الغرض عدم التضرر به للمارة فالمانع منهم معاند ومن غيرهم

(هامش)

(1) التذكرة 2: 182. (2) المبسوط 2: 291، الخلاف 3: 294 مسألة 2 كتاب الصلح. (3) المبسوط للسرخسي 20: 144، المغني لابن قدامة 5: 34، الشرح الكبير 5: 27 - 28. (*)

ص 277

[ولو كانت مضرة وجب إزالتها. ولو أظلم بها الطريق، قيل: لا يجب إزالتها، ويجوز فتح الابواب المستجدة فيها.

لا حق له، ولاتفاق الناس عليه في جميع الاعصار والامصار من غير نكير، وسقيفة بني ساعدة وبني النجار أشهر من الشمس في رابعة النهار، وقد كانتا بالمدينة في زمن النبي صلى الله عليه وآله. ويدخل في عدم اعتبار معارضة المسلم جاره، فليس له منعه ليخرج هواء، وليكون الهواء بينهما، بل ايهما سبق استحق وللآخر إخراج روشن فيما بقي من الهواء، وليس للاول منعه وإن استلزم الاشراف عليه إلا على الفرع السابق. وكذا يجوز للثاني الاخراج فوقه وتحته إذا لم يضر به. وحده في العلو أن لا يضر بالمار في الاول إنلم يكن له سقف، أو على سقفه إن كان. ولو أظلم الطريق بوضع الثاني أزيل خاصة وإن كان لكل واحد أثر في الظلمة، لان الضرر إنما حصل بالثاني، وإن كان لولا الاول لم يحصل. قوله: ولو كانت مضرة وجب إزالتها وجوب إزالتها لا يختص بواضعها، وإن كان الامر فيه آكد، لكونه غاصبا، فإن إزالتها رفع لمنكر، فيجب على كل قادر المعاونة عليه بالقول والفعل. ويأثم تارك السعي مع قدرته، كما في كل منكر. قوله: ولو أظلم بها الطريق قيل: لا يجب ازالتها . القائل بذلك الشيخ في المبسوط (1). وموضع الخلاف ما إذا لم يذهب الضياء بالكلية وإلا منع إجماعا. والضباط فيما عداه حصول التضرر بالمارة ولو لضعيف البصر، لان جواز وضعه مشروط بعدم ضرر المارة. وعلى هذا فالمنع إنما يتوجه إلى إطلاق الشيخ عدم تأثير الظلمة، لا إلى وجودها مطلقا. ولا فرق في التضرر بين وقوعه ليلا ونهارا. قوله: ويجوز فتح الابواب المستجدة فيها . أي في الطرق النافذة، لان المسلمين فيها شرع، فيجوز إحداث الابواب إليها

(هامش)

(1) المبسوط 2: 291. (*)

ص 278

[أما الطرق المرفوعة فلا يجوز إحداث باب فيها، ولا جناح ولاغيره، إلا بإذن أربابه، سواء كان مضرا أو لم يكن، لانه مختص بهم.

لمجاورها، سواء كان لتلك الدار باب آخر إليها أم إلى غيرها من الطرق النافذة أو المرفوعة. ولا يقدح في ذلك صيرورة المرفوعة نافذة بسبب الباب المفتوح المتصل بالنافذة، لان ذلك يوجب نفوذ داره لا نفوذ الطريق، إذ ليس لاحد دخول داره إلا بإذنه، فلا يتحقق نفوذ الطريق. قوله: أما الطرق المرفوعة - إلى قوله - لانه مختص بهم . الطريق المرفوع ملك لاربابه كسائر أملاكهم، فيكون كالمال المشترك لا يصح لاحد من أربابه التصرف فيه إلا بإذن الباقين، سواء كان التصرف بإحداث الباب والساباط والروشن أم غيرها، وسواء أضر بهم أم لم يضر. وكذا لا يجوز ذلك لغير أربابه بطريق أولى. ونبه بقوله: سواء كان مضرا أو لم يكن على خلاف بعض العامة (1) حيث جوز لاهل السكة إحداث ذلك إذا لم يضر بالمارة. والمراد بالمرفوعة المسدودة التي لا تنتهي إلى طريق آخر ولا مباح، بل إلى ملك الغير، وبأربابها من له باب نافذ إليها، دون من تلاصق داره ويكون حائطه إليها من غير نفوذ. وما يترتب على ملكهم لها جواز سدها عن السكة، والانتفاع بها كغيرها من أملاكهم، مع اتفاقهم على ذلك، ولو اختلفوا لم يكن لمن أراده ذلك. وإنما يجوز ذلكإذا لم يكن فيها مسجد أو رباط أو مطهرة موقوفة على العموم، قديمة أو حديثة، فإنه حينئذ لا يجوز لهم المنع من الممر إليها، ولا إحداث ساباط ونحوه مما يتضرر منه المارة، وإن رضي أهل السكة، لانها صارت حقا لسائر الناس. وفي حكمه ما لو جعل بعضهم داره أحد تلك الامور. ومما يدخل في المنع من التصرف في المرفوعة بغير إذن أربابها المرور فيها. والوجه

(هامش)

(1) المغني لابن قدامة 5: 35 وراجع فتح العزيز 10: 310 - 313. (*)

ص 279

[وكذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه، دفعا للشبهة. ويجوز فتح الروازن والشبابيك، ومع إذنهم فلا اعتراض لغيرهم.

فيه ما تقدم من الملك. والاقوى الاكتفاء فيه بشاهد الحال، فلو منع أحدهم حرم، أما الجلوس فيها، وإدخال الدواب إليها، ونحو ذلك، فلا إلا مع إذن الجميع، لاصالة حرمة مال الغير بغير إذنه، وإنتفاء شاهد الحال فيه غالبا. نعم، لو كان الجلوس خفيفا غير مضر تناوله شاهد الحال. قوله: وكذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه دفعا للشبهة . أي لشبهة استحقاقه المرور فيه بعد تطاول الزمان، فإنه إذا اشتبه حاله يشعرباستحقاق المرور، لانه وضع له. وبهذا حصل الفرق بين فتح الباب ورفع الحائط جملة، فإن الثاني جائز دون الاول، لان رفع الحائط لا يستدعي استحقاق المرور بوقت من الاوقات، إذ ليس فيه دلالة عليه، بخلاف الباب. ولا فرق في هذا الحكم بين الذي لا حق له في الطريق المذكور، كالجار الملاصق لها بحائطه، وبين من له باب فيها إذا أراد إحداث باب آخر أدخل من بابه، لاشتراكهما في عدم استحقاق المرور في المحل الذي فتح فيه الباب. ويحتمل ضعيفا الجواز، لما سيأتي. قوله: ويجوز فتح الروازن والشبابيك . لان الانسان مسلط على التصرف في ملكه بما شاء، والشبهة المتطرقة من الباب منتفية هنا. وكما يجوز فتحهما إلى الدرب المرفوعة يجوز إلى غيرها من الاملاك والدور، وإن استلزم الاشراف على الجار، لان المحرم وهو التطلع لا التصرف في الملك، فيستفيد بذلك الاستضاءة في بيته، وليس للجار سد ذلك. نعم، له وضع شيء في ملكه يمنع الاشراف وإن منع الضوء. قوله: ومع إذنهم فلا اعتراض لغيرهم . إذنهم في ذلك تفيد جواز التصرف كالعارية، يجوز لهم ولكل واحد منهم الرجوع فيها، وتبطل بموته وخروجه عن التكليف بجنون وإغماء ونحوهما. وحينئذ فالمراد بغيرهم من خرج عن استحقاق الطريق، إذ لا حق لهم فيها، وإن أمكن

ص 280

[ولو صالحهم على إحداث روشن، قيل: لا يجوز، لانه لا يصح إفراد الهواء بالبيع. وفيه تردد.ولو كان لانسان داران باب كل واحدة إلى زقاق غير نافذ، جاز أن يفتح بينهما بابا.

استطراقهم وتضررهم. وليس المراد بغيرهم من يشمل الطبقة الثانية منهم، لبطلان الاذن بموتهم، كما ذكرناه. قوله: ولو صالحهم... الخ . القول للشيخ (1) (رحمه الله) بناء على ما ذكره من المنع من إفراد الهواء بالبيع، وفرعية الصلح له في ذلك. والمقدمتان ممنوعتان. وأدلة شرعية الصلح تتناوله. وضمير صالحهم يعود إلى أهل الدرب المرفوعة، وهو يقتضي بإطلاقه استحقاق الجميع لذلك، وهو مخالف لما سيأتي من اختصاص الداخل بما بين البابين. والذي يلزم من التفريع على ذلك أن الروشن المحدث إن كان خارجا عن جميع الابواب فهو حق لهم أجمع، وإن كان داخلا عن بعضها لم يتوقف على إذن الخارج. وقيل: يتوقف على رضا الجميع كالاول، للاحتياج إليه عند ازدحام الدواب والاحمال. وقواه في الدروس (2). والاول أشهر. قوله: ولو كان لانسان - إلى قوله - بينهما بابا . لان له حق السلوك في كل واحدة ورفع الجدار الحائل بين الدارين وجعلهما واحدة، ففتح باب من إحداهما إلى الاخرى أولى. ومنع منه بعض العامة (3)، لانهيثبت له حق الاستطراق في درب مملوكة لدار لا حق لها فيه، ولانه ربما أدى إلى إثبات الشفعة لو بيعت بعض دور إحدى الطريقين بسبب الاشتراك في الطريق لكل واحد من الدارين في زقاق الاخرى، على تقدير القول بثبوتها مع الكثرة.

(هامش)

(1) المبسوط 2: 292. (2) الدروس: 381. (3) راجع المغني لابن قدامة 5: 51. المهذب (ضمن المجموع 13: 412). (*)

ص 281

[ولو أحدث في الطريق المرفوع حدثا، جاز إزالته لكل من له عليه استطراق. ولو كان في زقاق بابان أحدهما أدخل من الآخر، فصاحب الاول يشارك الآخر في مجازه، وينفرد الادخل بما بين البابين.

والاقوى أن كل دار على ما كانت عليه في استحقاق الشفعة بالشركة في الطريق، ولا يتعدى إلى الاخرى وإن جاز الاستطراق، لان ذلك الفتح لم يوجب حقا للدار في الطريق الاخرى، وإنما أباح الانتقال من داره إلى داره الاخرى. ومتى صار فيها استحق المرور في طريقها تبعا للكون الثاني والدار التي هو فيها لا للاولى. قوله: ولو أحدث في الطريق... الخ . لا فرق في الحدث بين كونه مضرا وغيره، ولا بين كونه في الهواء كالروشن، أو في الارض كعمل دكة ووضع خشبة وحجارة ونحو ذلك، ولا بين كونه من أهل تلك الطريق وخارجه، لاشتراك الجميع في كون ذلك تصرفا في ملكهم بغير إذنهم، فكانلهم إزالته. وكذا لا فرق بين وقوعه بإذن بعضهم وعدمه، بل لو بقي واحد بغير إذنه فله المنع والازالة. والكلام في إذن الجميع والبعض بالنسبة إلى كون الحدث داخلا أو خارجا ما تقدم. قوله: ولو كان في زقاق بابان... الخ . هذا هو المشهور بين الاصحاب، ووجهه: أن المقتضي لاستحقاق كل واحد هو الاستطراق، ونهايته بابه، فلا يشارك في الداخل. وقيل: يشترك الجميع في الجميع، حتى في الفضلة الداخلة في صدرها، لاحتياجهم إلى ذلك عند ازدحام الاحمال ووضع الاثقال، ولان اقتصار تصرف الخارج على نفس ما يخرج عن بابه أمر بعيد، بل متعسر، والمتعارف الاحتياج حوله إلى جمله من الداخل وإن قلت، فالقول بالاقتصار على ما حاذى الباب وما خرج ليس بجيد. وقوى في الدروس (1) الاشتراك في الجميع.

(هامش)

(1) الدروس: 381. (*)

ص 282

[ولو كان في الزقاق فاضل إلى صدرها، وتداعياه، فهما فيه سواء. ويجوز للداخل أن يقدم بابه، وكذا الخارج. ولا يجوز للخارج أن يدخل ببابه وكذا الداخل.

قوله: ولو كان في الزقاق فاضل... الخ .لاستوائهم في الارتفاق بها، فلا أولوية لواحد على غيره، بخلاف ما بين البابين، لان أدخلية الباب تقتضي الاستطراق، وهو مختص بالمستطرق، فيتحقق الترجيح. ويشكل ذلك على القول باختصاص الداخل بما بين البابين، لتوقف الانتفاع حينئذ بالفضلة على استحقاق السلوك إليها، فإذا لم يكن للخارج حق السلوك لا يترتب على تصرفه الفاسد ثبوت يد على الداخل. ويندفع بأن ثبوت ملك شيء لا يتوقف على مسلك له، ومع ذلك فيمكن دخول الخارج إلى الفضلة بشاهد الحال، كسلوك غيره ممن لا حق له في تلك الطريق به، فإذا انضم إلى ذلك اشتراكهم جميعا في التصرف في الفضلة حكم باشتراكها بينهم. ولا يرد مثله في المسلك بين البابين حيث يجوز للخارج دخوله بذلك، لان الداخل له عليه يد بالسلوك المستمر عليه، الذي لا يتم الانتفاع بداره إلا به، بخلاف الفضلة، فإن يدهم فيها سواء، إذ لا تصرف لهم فيها إلا بالارتفاق، وهو مشترك. ولو قلنا باشتراكهم في جميع الطرق - كما اختاره الشهيد (1) - فالحكم في الفضلة أولى. قوله: ويجوز للداخل أن يقدم... الخ .الوجه في ذلك كله ما تقدم من اختصاص كل داخل عن الخارج بما دخل عنه ومشاركته فيما خرج، فيجوز للداخل إخراج بابه، لثبوت حق الاستطراق له في جميع الطريق إلى بابه، فكل ما خرج عنه له فيه حق. وله حق التصرف في جداره برفعه

(هامش)

(1) الدروس: 381. (*)

ص 283

[ولو أخرج بعض أهل الدرب النافذ روشنا، لم يكن لمقابله معارضته، ولو استوعب عرض الدرب. ولو سقط ذلك الروشن فسبق جاره إلى عمل روشن، لم يكن للاول منعه، لانهما فيه شرع، كالسبق إلى القعود في المسجد.

أجمع، فبعضه أولى. ولا فرق في ذلك بين أن يسد الاول - كما يقتضيه ظاهر العبارة - ويبقيه. ولا يمنع تكثر الابواب، لعدم تفاوت الحال. وربما قيل باشتراط سد الاول. وأما الخارج فلما لم يكن له حق فيما جاوز مجازه إلى داخل لم يكن له الدخول إلا بإذن الداخل إلا على القول السابق. وربما احتمل جواز دخوله وإن لم نقل بمشاركته في الداخل، نظر إلى أنه كان له ذلك في ابتداء وضع الدار ورفع الحائط أجمع فيستصحب. ويضعف بأن تملك المباح إنما يقع على الوجه الذي اتفق، فإنهكان له فتح بابه ابتداء إلى أي الجهات شاء، فلما أحيا ما حوله منع من ذلك، لسبق من حوله بالاحياء على فتحه. ومثله القول في الجزء الداخل من الطريق، فإنه بوضع بابه خارجه رفع عنه يده وأحياه، وانفرد به الداخل فقدم. وأما رفع جميع الحائط فلا يتطرق إليه شبهة، بخلاف الباب كما تقدم. قوله: ولو أخرج بعض أهل الدرب - إلى قوله - عرض الدرب . لما كان حق الطريق النافذ غير مختص بذوي الدور لم يكن للجار المقابل ولا غيره الاعتراض على واضع الروشن فيه، وإن استوعب الدرب، إذا لم يكن ضارا بالمارة. نعم، لو وضع شيئا منه على جدار المقابل فله المنع منه. قوله: ولو سقط ذلك... الخ . لان الاول لم يملك الموضع بوضع الروشن فيه، وإنما اكتسب أولوية، فإذا زال زالت، كالقعود في المسجد والسوق، حتى لو فرض أن الثاني أخرب روشن الاول ووضع روشنه لم يكن للاول أن يزيل الثاني، وإن كان الثاني قد ضمن أرش الاول واكتسب الاثم، لزوال الاولوية. ومثله القول في المشبه به.

ص 284

[الثانية: إذا التمس وضع جذوعه على حائط جاره، لم يجب علىالجار إجابته، ولو كان خشبة واحدة، لكن يستحب. ولو أذن، جاز الرجوع قبل الوضع إجماعا، وبعد الوضع لا يجوز، لان المراد به التأبيد. والجواز حسن مع الضمان.

قوله: إذا التمس - إلى قوله - لكن يستحب . هذا عندنا موضع وفاق، ولقوله صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه (1) ولقضاء العقل بقبح التصرف في مال الغير. نعم، يستحب استحبابا مؤكدا، لما روي عنه صلى الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يمنعن جاره من وضع خشبة على جداره (2). وهو على تقدير ثبوته منزل على الاستحباب المؤكد. وذهب بعض العامة إلى جوازه بغير إذنه، عملا بالحديث. قوله: ولو أذن جاز له الرجوع - إلى قوله - مع الضمان . الكلام هنا في مواضع: أحدها: في جواز الرجوع بعد الوضع. وقد منع منه الشيخ (3) ومن تبعه (4)، لاقتضاء الاذن في مثل ذلك الدوام، كالاذن في دفن الميت في الارض، وللضرر الحاصل بالنقض، حيث يفضي إلى خراب ملك المأذون. والاقوى الجواز (5)، لانهعارية، ولان الاصل جواز تصرف المالك في ملكه كيف شاء. وإلحاقه بالدفن قياس مع الفارق، لتحريم نبشه دون إخراب البناء. الثاني: على تقدير الجواز هل ينقض مجانا أو مع الارش؟ وجهان مبناهما على

(هامش)

(1) الوسائل 3: 424 ب 3 من أبواب مكان المصلي ح 1 و3. (2) مسند أحمد 2: 274 و447، السنن الكبرى 6: 68. وليس فيهما من كان يؤمن بالله واليوم الآخر . (3) المبسوط 2: 297. (4) منهم ابن البراج على ما في جامع المقاصد 5: 422، وابن ادريس في السرائر 2: 433. (5) في إحدى الحجريتين: (الجواز مطلقا). ولم ترد في ما لدينا من النسخ الخطية. (*)

ص 285

[أما لو انهدم، لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف. وفيه قول آخر.

أن الاذن إنما أفادت العارية، ولازمها الرجوع متى أراد، مع أصالة براءة ذمة المالك من ثبوت مال لغيره على تخليص ملكه منه، بل أصالة البراءة مطلقا. وأنه بناء محترمصدر بالاذن فلا يجوز قلعه إلا بعد ضمان نقصه (1). ولان فيه جمعا بين الحقين. ولانه سبب الاتلاف لاذنه، والمباشر ضعيف، لانه بالامر الشرعي. وهو أقوى. الثالث: على تقدير ثبوت الارش فهل هو عوض ما نقصت آلات الواضع بالهدم، أو تفاوت ما بين العامر والخراب؟ وجهان مبناهما على أن البناء إذا كان محترما فهو بهيئته حق لبانيه، فيكون جيره بتفاوت ما بين كونه عامرا وخرابا، لان ذلك هو نقص المالية، ومن أن نقص هذه المالية مستندا إلى ملك صاحب الجدار فلا يضمنه، إنما يضمن نقصان مال الغير الذي كان سبب إتلافه وفواته. والاول أقوى، لان جميعه مال للواضع، غايته كونه موضوعا على ملك الغير، وذلك إنما أثر جواز النقض لا المشاركة في المالية. ولو اتفقا على إبقائه بالاجرة فلا إشكال في جوازه. قوله: أما لو انهدم - إلى قوله - وفيه قول آخر . القول الآخر للشيخ في المبسوط (2)، وهو أنه إن أعاده بآلته الاولى لم يكن له منعه من رد الخشب والسقف عليه، وإن أعاده بغيرها كان له منعه. والاقوى الاول، لان المأذون فيه وهو الوضع قد حصل، فلا يجوز وضع آخر بدون الاذن. ولانها عارية فيجوز الرجوع فيها وإن اسلتزم الضرر كما مر، فهنا أولى، غايته أنه مع الضرر جبربالارش، وهنا لا ضرر فلا أرش. وكثير من الاصحاب لم يذكروا هنا خلافا، ويمكن أن يكون سببه أن الشيخ كان ذكر أولا في الكتاب (3) أنه لو انهدم الحائط أو هدمه المستعير لم يكن له الاعادة إلا بإذن مستأنف، ولم يتردد في ذلك، فأطرحوا قوله الآخر، وهو قول لبعض الشافعية (4)، كما أن القول (5) الآخر لهم، فجمع الشيخ بين الحكمين المختلفين عن

(هامش)

(1) في ما عدا هـ و م : نقضه. (2) و(3) المبسوط 2: 297 - 298. (4) و(5) المغني لابن قدامة 5: 40. (*)

ص 286

[ولو صالحه على الوضع ابتداء، جاز بعد أن يذكر عدد الخشب ووزنها وطولها. الثالثة: إذا تداعيا جدارا مطلقا، ولا بينة، فمن حلف عليه مع نكول صاحبه قضي له. وإن حلفا أو نكلا، قضي به بينهما.

قرب. قوله: ولو صالحه... الخ .إنما اعتبر ذكر الطول مع الوزن لاختلاف ضرر الحائط به باختلافه في الطول وإن اتفق وزنه. والضابط: ذكر ما يرفع الجهالة، ولا بد مع ذلك من ذكر المدة المضبوطة. ولو كانت الآلات مشاهدة أستغني عن اعتبارها بذلك، واكتفي بتعيين المدة. واحترز بقوله: إبتداء عما لو وقع الصلح بعد البناء، فإنه لا يعتبر حينئذ إلا تعيين المدة، لصيرورة الباقي معلوما، بخلاف ما إذا لم يبن (1)، لتفاوت الضرر، ولا ضابط يرجع إليه عند الاطلاق. وهذا في الخشب. أما الآجر واللبن في الحائط فيكفي فيهما العادة. نعم، لو كان الصلح على البناء على حائط زيادة عليه إفتقر إلى ذكر الطول وسمك اللبن، لاختلاف ضرره باختلافهما. هذا كله في الوضع على حائط مملوك للغير. أما لو كان موقوفا على مصالح عامة بحيث لا يكون له مالك على الخصوص، كالمسجد وشبهه، لم يجز لاحد البناء عليه ولا الوضع بغير إذن الحاكم قطعا، وليس له الاذن بغير عوض. وفي جوازه به ولا ضرر على الموقوف، نظرا إلى المصلحة بفائدة العوض، وعدمه لانه تصرف في الوقف بغير موضوعه، ولانه يثمر شبهة على تطاول الازمان، وجهان أجودهما الاخير. وقواه في الدروس (2). قوله: إذا تداعيا جدارا مطلقا - إلى قوله - قضي به بينهما . المراد بالاطلاق هنا أن لا يكون مقيدا بوجه يوجب كونه لاحدهما شرعا،

(هامش)

(1) في ن و س : يتبين، وفي الحجرية: يبين. (2) الدروس: 382. (*)

ص 287

[ولو كان متصلا ببناء أحدهما، كان القول قوله مع يمينه، وإن كان لاحدهما عليه جذع أو جذوع، قيل: لا يقضي بها، وقيل: يقضى معاليمين. وهو الاشبه.

كاتصاله ببناء أحدهما أو ما في حكمه مما سيأتي. ومن جملة القيود كونه في أرض أحدهما، فإذا خلا عن جميع ذلك لم يكن لاحدهما عليه يد. أو يكون لهما بأن يكون بين ملكيهما ولا مرجح. وحكمه حينئذ أن يستوي نسبتهما إليه، فمن أقام بينة حكم له به، وإن فقداها حلف كل واحد لصاحبه، وكان بينهما نصفين. وكذا لو نكلا عن اليمين. ولو حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت للحالف. وهو واضح. قوله: ولو كان متصلا ببناء أحدهما كان القول قوله مع يمينه . أي متصلا به اتصال ترصيف، وهو تداخل الاحجار واللبن على وجه يبعد كونه محدثا. ومثله ما لو كان لاحدهما عليه قبة أو غرفة أو سترة، لانه يصير بجميع ذلك صاحب يد، فعليه اليمين مع فقد البينة. ولو اتصل بهما كذلك، أو كان البناء لهما، أو اختص أحدهما بصفة والآخر بأخرى، فاليد لهما. وكذا لو كان لاحدهما واحدة والباقي مع الآخر، إذ لا أثر لزيادة اليد في الترجيح، فيحلفان ويقسم بينهما، كما يقسم لو نكلا، إلى تمام ما تقدم. قوله: ولو كان لاحدهما جذع - إلى قوله - وهو الاشبه . القول بعدم القضاء بذلك للشيخ (1)، محتجا بأن كون الجدار بين الدارين دلالة ظاهرة على أنه في أيديهما، ووضع الجذوع إختصاص بمزيد انتفاع، كاختصاص أحد الساكنين (2) بزيادة الامتعة.ويضعف بمنع دلالة كونه بينهما على اليد إذا لم ينضم إليه تصرف بوجه من

(هامش)

(1) المبسوط 2: 296، الخلاف 3: 296. وليس فيهما هذا الاحتجاج، وانما احتج له بذلك الشهيد في الدروس: 384. (2) في س : الشريكين. (*)

ص 288

[ولا ترجح دعوى أحدهما، بالخوارج التي في الحيطان، ولا الروازن. ولو اختلفا في خص قضي لمن إليه معاقد القمط، عملا بالرواية. الرابعة: لا يجوز للشريك في الحائط، التصرف فيه ببناء، ولا تسقيف ولا إدخال خشبة، إلا بإذن شريكه.

الوجوه السابقة. وحينئذ فوضع الجذع يفيد اليد للواضع، ويبقى الآخر خاليا، ويكون حكم الجذع حكم ما سلف من المرجحات. ولو جامعها أعتبر ما فصلناه. قوله: ولو ترجح - إلى قوله - ولا الروزان . المراد بالخوارج كلما خرج عن وجه الحائط من نقش ووتد ورف ونحو ذلك، فإنه لا يفيد الترجيح لمالكه، لامكان إحداثه له من جهته من غير شعور صاحب الجدار. ومثله الدواخل فيه، كالطاقات غير النافذة والروازن النافذة، لما ذكر. قوله: ولو اختلفا في خص... الخ . الخص - بالضم - البيت الذي يعمل من القصب (1)، والقمط - بالكسر - حبليشد به الخص، و- بالضم - جمع قماط وهي شداد الخص من ليف وخوص وغيرهما (2). والرواية رواها عمرو بن شمر، عن جابر، عن الباقر عليه السلام، عن أبيه، عن علي عليه السلام: أنه قضى في رجلين اختصما في خص أن الخص للذي إليه القمط (3). ومثله روى العامة عن النبي (4) صلى الله عليه وآله. والطريق ضعيف إلا أن الاصحاب تلقوها بالقبول. وردها بعضهم ومنهم المصنف في النافع (5) وقال: إنها قضية في واقعة فلا تتعدى. وحينئذ فحكم الخص حكم الجدار بين الملكين. قوله: لا يجوز للشريك - إلى قوله - إلا بإذن شريكه . الحكم فيه كغيره من الاموال المشتركة لا يجوز لاحد الشركاء التصرف إلا بإذن

(هامش)

(1 و2) لسان العرب 7: 26 و385. (3) الفقيه 3: 57 ح 197، الوسائل 13: 173 ب 14 من أبواب الصلح ح 2. (4) سنن البيهقي 6: 67 - 68.(5) المختصر النافع: 285. (*)

ص 289

[ولو انهدم، لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته.

الجميع وإن قل الانتفاع، كضرب الوتد وفتح الكوة. قال في التذكرة: وكذلك أخذ أقل ما يكون من ترابه ليترب به الكتاب (1). واستثنى من ذلك الاستناد إليه، وإسناد المتاع مع انتفاء الضرر، لانه بمنزلة الاستضاءة بسراج الغير والاستظلال بجداره. نعم، لو منع المالك والشريك من ذلك كله حرم، وفاقا للتذكرة (2)، لانه نوع تصرف بإيجاد الاعتماد عليه. واستقرب في الدروس عدم المنع، لانتفاء الضرر (3). وموضع الخلاف ما إذا كان المجلس للمستند وإلا لم يجز إجماعا. ولو بنى الشريك في ملكه جدارا متصلا بالجدار المشترك أو المختص بالجار بحيث لا يقع ثقله عليه جاز، ولم يكن للآخر الاعتراض. ولو ألقى ثقله عليه لم يجز بدون إذنه. قوله: ولو انهدم لم بجبر شريكه على المشاركة في عمارته . إذ لا يجب على الشخص عمارة جداره المنهدم، ففي المشترك أولى. وهذا لا كلام فيه، لكن هل تتوقف العمارة على إذن الشريك أم يجوز له البناء وإن نهاه؟ قولان، أحدهما: توقف العمارة على إذنه، لانه مال مشترك فيمتنع التصرف فيه بدونإذن الشريك، كما سلف. والثاني: عدم الاشتراط، لانه نفع وإحسان في حق الشريك حيث يعمر له حائطه ولا يغرمه في نفقته، ولا ضرر فيه عليه بوجه. وهو قول الشيخ (4). والاول أقوى. وربما فرق بين إعادته بالآلة المشتركة فلا يشترط رضاه، وبين إعادته بآلة من عنده فيشترط، لانه على الاول يبقى شريكا كما كان، بخلاف الثاني. ثم على القول باعتبار إذنه لو خالف وعمره فهل للشريك نقضه؟ إحتمال من

(هامش)

(1 و2) التذكرة 2: 185. (3) الدروس: 382. ولكن فيه: مع عدم الضرر. (4) المبسوط 2: 301. (*)

ص 290

[وكذا لو كانت الشركة، في دولاب أو بئر أو نهر.

حيث تصرفه في ملك غيره، وتغيير هيئته ووضعه الذي كان عليه، فصارت الكيفية الثانية كأنها مغصوبة، فله إزالتها. والاقوى العدم إن كان بناه بالآلة المشتركة، لان هدمه أيضا تصرف في مال الغير، وهو الشريك الذي بنى، فلا يصح كالاول. وإنما تظهر الفائدة في الاثم والجواز إن كان بناؤه بغير آلته، لانه عدوان محض، وتصرف في أرض الغير، فيجوز تغييره. ثم على القول بتحريم نقضه لو هدمه الشريك لزم الارش كما لو هدمه ابتداء. ثم على تقدير إعادته بآلة مختصة بالمعيد له منع الشريك من وضع خشبة عليه دون الاول، للاشتراك فيه دونه. وخير الشيخ الشريك في الثاني بين مطالبته بهدمه وإعطائه نصف قيمة الحائط ويضع عليه (1). والاقوى أن التخيير في ذلك للباني لا للشريك. وحيث يتوقف البناء على إذن الشريك ويمتنع يرفع أمره إلى الحاكم ليجبره على المساعدة أو الاذن، فإن امتنع أذن الحاكم. وهل له الاذن فيه بأجرة يرجع بها علىالشريك، أو مجانا؟ الاقوى الثاني، لان الشريك إذا لم يجبر على العمارة لا يجبر على الانفاق، فإن اختار الشريك بناءه مجانا فعل وإلا تركه. قوله: وكذا لو كانت الشركة في دولاب أو بئر أو نهر . الحكم هنا كما سلف في الجدار. ولا فرق بين كون المشترك ذا غلة تفي غلته بعمارته وغيره عند الاصحاب. وإنما خالف فيه بعض العامة (2) فحكم بإجبار الشريك على المساعدة على العمارة في هذه المذكورات دون الحائط، فارقا بينهما بأن الشريك لا يتمكن من المقاسمة فيضربه، بخلاف الحائط، فإنه يمكنه قسمته مع شريكه وقسمة عرصته. ورد بأن قسمة العرصة والحائط قد يكون أكثر ضررا، فكانا سواء.

(هامش)

(1) المبسوط 2: 301. (2) راجع المغني لابن قدامة 5: 50. (*)

ص 291

[وكذا لا يجبر صاحب السفل ولا العلو، على بناء الجدار الذي يحمل العلو. ولو هدمه بغير إذن شريكه، وجب عليه إعادته. وكذا لو هدمه بإذنه، وشرط إعادته.

قوله: وكذا لا يجبر - إلى قوله - يحمل العلو . لانه لا يجب على الانسان عمارة ملكه لاجل الغير. لكن يجب تقييده بما إذا لميكن حمل جدار العلو أو سقفه واجبا على صاحب السفل بعقد لازم، فإن وجب كذلك لزم البناء. نبه عليه في الدروس (1). وسبق مثله في عمارة الساقية والمجرى. ولو طلب صاحب العلو بناء جدران السفل تبرعا فهل له منعه؟ فيه الوجهان السابقان. وأطلق في التحرير أنه ليس له منعه (2). وفي حكم العلو ما لو كان له ساباط استحق وضعه على حائط غيره فانهدم. هذا كله إذا انهدم الحائط بنفسه أو هدماه معا. قوله: ولو هدمه... الخ . أطلق المصنف وجوب الاعادة تبعا للشيخ (3) (رحمه الله). ويشكل بأن النقصان الفائت بالهدم غير مثلي فينبغي المصير إلى القيمة وهو الارش، وهو اختيار العلامة في القواعد (4)، مع أنه قطع في التذكرة بوجوب الاعادة (5). وفصل الشهيد رحمه الله في الدروس (6)، فأوجب إعاته إن أمكنت المماثلة، كما في جدران بعض البساتين والمزارع، وإلا فالارش. وفيه مناسبة إلا أنه خارج عن القواعد الشرعية،

(هامش)

(1) الدروس 383. (2) تحرير الاحكام 2: 136. (3) المبسوط 2: 303. (4) قواعد الاحكام 1: 185. (5) الموجود في التذكرة في هذا الباب 2: 185 - 186 تعين الارش ايضا. فلعله ذكر ذلك في موضع آخر. نعم وجوب الاعادة يظهر من الارشاد 1: 405 وكذلك في التحرير 2: 136.ولكنه فيه ذكر وجوب الارش وجها. (6) الدروس: 383. (*)

ص 292

[الخامسة: إذا تنازع صاحب السفل والعلو في جدران البيت، فالقول قول صاحب البيت مع يمينه. ولو كان في جدران الغرفة، فالقول قول صاحبها مع يمينه. ولو تنازعا في السقف، قيل: إن حلفا قضي به لهما. وقيل: لصاحب العلو. وقيل: يقرع بينهما، وهو حسن.

لانتفاء المثلية في الفائت، فإنه محض صفة، إذ الاعيان باقية، والمماثلة في الصفة بعيدة، فالقول بالارش مطلقا أوضح. قوله: إذا تنازع - إلى قوله - صاحبها مع يمينه . هذا هو المشهور، ويعضد أن جدران البيت جزؤه وجدران الغرفة جزؤها، فيحكم بها لصاحب الجملة. وقال ابن الجنيد: إن جدران البيت بينهما، لان حاجتهما إليه واحدة، بخلاف جدار الغرفة، إذ لا تعلق لصاحب البيت به إلا كونه موضوعا على ملكه. وارتضاه في المختلف (1). وهو قول جيد، لكن الاول أجود. قوله: ولو تنازعا في السقف... الخ . المراد بالسقف الحامل للغرفة المتوسط بينهما وبين البيت. والقول باستوائهما فيه للشيخ في المبسوط (2)، وقواه في الدروس (3)، لانه سقف لصاحب البيت وأرض لصاحب الغرفة، فكان كالجزء من كل منهما. والقول الثاني لابن إدريس (4)، ورجحه العلامة (5) في كثير من كتبه، لان الغرفة إنما تتحقق بالسقف الحامل، لانه أرضها، والبيت قد يكون بغير سقف، وهما متصادقان على أن هنا غرفة، فلابد من تحققها. ولان تصرفه فيه أغلب من تصرف صاحب السفل.

(هامش)

(1) المختلف: 478. (2) المبسوط 2: 300. (3) الدروس: 385. (4) السرائر 2: 67. (5) تحرير الاحكام 2: 135، المختلف: 477. (*)

ص 293

[السادسة: إذا خرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار، وجب عطفها إن أمكن، وإلا قطعت من حد ملكه. وإن امتنع صاحبها قطعها الجار. ولا يتوقف على إذن الحاكم.

والقول بالقرعة للشيخ أيضا، لانها لكل أمر مشتبه (1)، واستحسنه المصنف. وربما منع الاشتباه هنا، لان رجحان أحد الطرفين في نظر الفقيه يزيل الاشتباه بالنسبة إلى الحكم. والاوسط أوسط. وموضع الخلاف السقف الذي يمكن إحداثه بعد بناء البيت، أماما لا يمكن كالازج (2) الذي لا يعقل إحداثه بعد بناء الجدار الاسفل، لاحتياجه إلى إخراج بعض الاجزاء عن سمت وجه الجدار قبل انتهائه ليكون حاملا للعقد، فيحصل به الترصيف بين السقف والجدران، وهو دخول آلات البناء من كل منهما في الآخر، فإن ذلك دليل على أنه لصاحب السفل، فيقدم قوله فيه بيمينه. قوله: إذا خرجت - إلى قوله - إذن الحاكم . يمكن كون الوجوب بمعناه المتعارف، ويكون المحكوم عليه به مالك الشجرة. ووجه الوجوب عليه ظاهر، لان دخول شجرته على ملك الغير يوجب التصرف فيه وشغله بملكه. وهو غير جائز، فيجب التخلص منه. وقد صرح العلامة في التحرير بوجوب ذلك عليه (3). وهو حسن. لكن يبقى في العبارة [إشكال (4) اشتراط وجوب العطف بالامكان وترتيب القطع على عدمه، مع أن للمالك قطع شجرته بغير هذا السبب، فبه أولى (5)، وإنما يليق ترتب الامرين المذكورين بالنسبة إلى مالك الارض، إلا أن الوجوب فيه لا يتم بالمعنى المتعارف منه. ويمكن كونه بمعنى الثبوت، لانه أحد معانيه لغة. وهذا

(هامش)

(1) الخلاف 3: 298 مسألة 8. (2) بيت يبنى طولا ويقال له بالفارسية أوستان. لسان العرب 2: 208.(3) تحرير الاحكام 2: 136. (4) وردت في و فقط وفي الهامش: ليس في أكثر النسخ لفظ الاشكال. (5) في س : فهنا. (*)

ص 294

الحكم ثابت له، لكن ينافره قوله بعد ذلك: وإن امتنع صاحبها قطعها الجار لان مقتضاه أن المأمور بالسابق هو مالك الشجرة. ويمكن الاعتذار عن الترتيب بأن قطع الشجرة مع إمكان عطفها إتلاف للمال، وهو منهي عنه، ويمنع من جواز قطع المالك كيف اتفق، بل لا بد من غاية مقصودة به، للنهي عن إضاعة المال بغير وجه. ثم قوله: قطعها الجار لا بد من تقييده أيضا بعدم إمكان عطفها بطريق أولى، فالعبارة في الجملة ليست بجيدة. والحاصل: أن الواجب على مالك الشجرة تفريغ أرض الغير أو هواه من ماله كيف ما أمكن، فإن امتنع منه فلمالك الارض والهواء تولي ذلك، مقدما للعطف على القطع مع إمكانه. وكما يثبت الحكم المذكور في الاغصان كذا في العروق. ولا يتوقف مالك الارض على إذن الحاكم حيث يمنع صاحب الشجرة، كما له إخراج بهيمة تدخل إلى ملكه بدون إذنه. وربما قيل بجواز إزالة مالك الارض لها من دون مراجعة المالك، لان إزالة العدوان عليه أمر ثابت له، وتوقفه على إذن الغير ضرر. ويشهد له جواز إخراج البهيمة بدون إذنه. ولانه لو توقف على إذن المالك لتوقف على إذن الحاكم معامتناعه، إذ لا يجوز التصرف في مال الغير بغير إذنه أو إذن من يقوم مقامه. وظاهر التذكرة (1) أن مالك الشجرة لا يجب عليه إزالتها وإن جاز لمالك الارض، لانه من غير فعله. والاول أجود. ولو قطعها مالك الارض مع إمكان العطف ضمن. لكن هل يضمن جميع ما يقطع، أم تفاوت ما بينه وبين المعطوف؟ وجهان من التعدي بالقطع فيضمنه، ومن أن العطف حق له، وما يفوت به في حكم التالف شرعا. ولو مضت مدة طويلة عليها كذلك مع علم المالك [به

(2) وتفريطه ضمن أجرة الارض والهواء. وليس لمالك

(هامش)

(1) التذكرة 2: 189. (2) من و فقط. (*)

ص 295

[ولو صالحه على إبقائه في الهواء، لم يصح، على تردد. أما لو صالحه على طرحه على الحائط، جاز مع تقدير الزيادة أو انتهائها. السابعة: إذا كان لانسان بيوت الخان السفلى، ولاخر بيوته العليا، وتداعيا الدرجة قضي بها لصاحب العلو مع يمينه.

الارض إيقاد النار تحت الاغصان لتحترق حيث يجوز القطع، لانه أشد ضررا، فلو فعل ضمن ما يتلف بسببه زيادة على حقه. وفي حكم الشجرة التراب المنتقل إلى ملك الغير، والحائط المائل كذلك، فيجب المبادرة إلى تخليص الارض منه. ولو ملكه التراب وقبله سلم من حقه، لا معامتناعه منه وإن شق نقله. قوله: ولو صالحه... الخ . منع الشيخ من الصلح على إبقائها في الهواء، بناء على أصله السابق من عدم جواز إفراد الهواء بالصلح تبعا للبيع (1). وهذا هو الفارق بين الصلح على إبقائها في الهواء وعلى الجدار، لان منفعة الجدار يمكن إفرادها بالمعاوضة كالاجارة. والاصح جواز الامرين. والمراد بقوله: مع تقدير الزيادة أو انتهائها أن الاغصان إن كانت قد انتهت في الزيادة بحسب ظن أهل الخبرة صح الصلح على إبقائها مطلقا، وإن كانت آخذة في الزيادة فلا بد من تقدير الزيادة ليكون الصلح مضبوطا. ولا بد مع ذلك من تقدير مدة الاقامة، فلا يصح المؤبد على ما ذكره الجماعة. ولو فرض زيادة ما حكم بانتهائه على خلاف العادة كان حكم الزائد حكم الاصل لما تعدى إلى الملك قبل الصلح. قوله: إذا كان لانسان - إلى قوله - مع يمينه . لاختصاصه بالتصرف فيها بالسلوك وإن كانت موضوعة في الارض التي هي لصاحب السفل، لان مجرد ذلك لا يوجب اليد. وكما يحكم بها لصاحب العليا فكذا

(هامش)

(1) المبسوط 2: 303. (*)

ص 296

[ولو كان تحت الدرجة خزانة كانا في دعواهما سواء. ولو تداعيا الصحن، قضي منه بما يسلك فيه إلى العلو بينهما، وما خرج عنه لصاحب السفل.

محلها. هذا مع اختلافهما في الخزانة تحتها، أما لو اتفقا على أن الخزانة لصاحب الاسفل كانت الدرجة كالسقف المتوسط بين الاعلى والاسفل، فيجري فيها الخلاف السابق. وعلى ما اخترناه يقضى بها للاعلى على التقديرين. وإنما يختلف الحكم عند القائل بالاشتراك كالشهيد (1) (رحمه الله) فإنه يجعلها هنا مشتركة بينهما أيضا. قوله: ولو كان تحت الدرجة خزانة كانا في دعواهما سواء . لان لكل واحد منهما شاهد بملكها، لان الظاهر أن الدرجة لصاحب العلو، فيكون مكانها كذلك، لان الهواء كالقرار، وكذلك هي متصلة بملك الاسفل، بل من جملة البيوت السفلى، وحينئذ فيقضى بها بينهما بعد التحالف أو النكول. قال في الدروس: ولا عبرة بوضع الاسفل آلاته وكيزانه تحتها (2). والخزانة - بالكسر - ككتابة. قال في القاموس (3). قوله: ولو تداعيا - إلى قوله - لصاحب السفل . لان صاحب العلو لما افتقر سلوكه إليه إلى التصرف من الصحن في قدر الممر كان له عليه يد دون باقي الصحن، وصاحب السفل يشاركه في التصرف في ذلك وينفرد بالباقي، فيكون قدر المسلك بينهما. ثم إن كان المرقى في صدر الصحن تشاركا في الممر إليه، وإن كان المرقى في دهليزه خارجا لم يشارك الاسفل في شيء من العرصة، إذ لا يدله على شيء منها إلاأن نقول في السكة المرفوعة باشتراكها بين الجميع. ولو كان المرقى في ظهره اختص صاحب الاسفل بالعرصة والدهليز أجمع. والمراد بالقضاء بما ذكر بينهما مع حلف كل لصاحبه أو نكولهما معا عن اليمين،

(هامش)

(1 و2) الدروس: 385. (3) القاموس المحيط 4: 219 مادة (خزن). (*)

ص 297

[تتمة إذا تنازع راكب الدابة وقابض لجامها، قضي للراكب مع يمينه. وقيل: هما سواء في الدعوى. والاول أقوى. أما لو تنازعا ثوبا وفي يد أحدهما أكثره فهما سواء. وكذا لو تنازعا عبدا، ولاحدهما عليه ثياب.

كما قد علم غير مرة. قوله: إذا تنازع - إلى قوله - أقوى . وجه القوة: قوة يد الراكب وشدة تصرفه بالنسبة إلى القابض. ووجه التسوية: إشتراكهما في اليد، وقوتها لا مدخل لها في الترجيح، ولهذا لم يؤثر في ثوب بيد أحدهما أكثره، كما سيأتي. نعم، مع الراكب زيادة التصرف إلا أنه لم يثبت شرعا كونه مرجحا. وتعريف المدعي والمنكر منطبق عليهما بتفسيراته. وحينئذ فالقول بالتساوي أقوى بعد أن يحلف كل منهما لصاحبه إذا لم يكن بينة. ولا عبرة عندنا بكون الراكب غير معتاد قنية الدواب والمتشبث معتادا لذلك. وما ذكر حكم الدابة، أما اللجام فلمن في يده، والسرج لراكبه. قوله: أما لو تنازعا ثوبا وفي يد أحدهما أكثره فهما سواء .لاشتراكهما في مسمى اليد ولا ترجيح لقوتها، والتصرف الذي كان مع الراكب زائدا على اليد منتف هنا. وهذا هو الفارق بين المسألتين عند المصنف، وأوجب اختلاف الحكم. نعم، لو كان أحدهما متمسكا له والآخر لابسا فكمسألة الراكب والقابض، لزيادة تصرف اللابس على اليد. وربما قيل هنا بتقديم اللابس، لان الظاهر أنه لم يتمكن من لبسه إلا وهو غالب مستقل باليد. قوله: وكذا لو تنازعا عبدا ولاحدهما عليه ثياب . بمعنى أن لبسها لا يرجح يد أحدهما إذا كان لهما عليه يد، إذ لا مدخل لها في

ص 298

[أما لو تداعيا جملا، ولاحدهما عليه حمل، كان الترجيح لدعواه. ولو تداعيا غرفة على بيت أحدهما. وبابها إلى غرفة الآخر، كان الرجحان لدعوى صاحب البيت.

الملك، لانه (1) قد يلبسها بغير أذن مالكها، أو بقوله، أو بالعارية، فإذا كان لهما عليه يد تساويا في الدعوى. ومنه يعلم أنه لو كان لاحدهما خاصة يد وللآخر ثياب فالعبرة بصاحب اليد. قوله: أما لو تداعيا... الخ . لان وضع الحمل على الدابة يستدعي كمال الاستيلاء، فيرجح صاحبه. والمرادأن لكل واحد منهما مع ذلك عليه يد، بأن كانا قابضين بزمامه، ونحو ذلك، ليحصل الترجيح. أما لو كان لاحدهما حمل ولا يد للآخر فلا شبهة في الترجيح. ويمكن أن يكون المراد أن أحدهما قابض بزمامه وللآخر عليه حمل، ليكون معادلا لمسألة الراكب وقابض اللجام، فإنهما وإن استويا في الحكم عنده إلا أن مسألة الحمل أقوى، ولهذا لم يذكر فيها خلافا. ووجهه: أن الحمل أقوى دليلا على كمال الاستيلاء، فإن الركوب أسهل تعلقا من الحمل. وفي الدروس (2) جعل الراكب ولابس الثوب وذا الحمل سواء في الحكم. وهو كذلك. قوله: ولو تداعيا غرفة - إلى قوله - صاحب البيت . لانها موضوعة في ملكه، لان هواء بيته ملكه، لانه تابع للقرار، ومجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد اليد ولا الملك، فيقدم صاحب البيت بيمينه. هذا إذا لم يكن من إليه الباب متصرفا فيها بسكنى أو غيره وإلا قدم، لان يده عليها بالذات، لان التصرف مقتضى له، وثبوت يد مالك الهواء بالتبعية ليده التي هي على القرار، واليد الفعلية أقوى وأولى من التابعة. ويحتمل التساوي حينئذ، لثبوت اليد من الجانبين في الجملة، وعدم تأثير قوة اليد كما سلف.

(هامش)

(1) في س ولانه. (2) الدروس: 385. (*)

ص 299

 كتاب الشركة :

ص 301

كتاب الشركة [والنظر في فصول الاول: في أقسامها. الشركة اجتماع حقوق الملاك، في الشيء الواحد، على سبيل الشياع.

قوله: الشركة اجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الشياع . الشركة بكسر الشين وإسكان الراء، وبفتحها فكسرها. وهي تطلق على معنيين: أحدهما: ما ذكر المصنف في تعريفه من اجتماع الحقوق على الوجه المذكور. وهذا المعنى هو المتبادر من معنى الشركة لغة (1) وعرفا، إلا أنه لا مدخل له في الحكم الشرعي المترتب على الشركة من كونها من جملة العقود المفتقرة إلى الايجاب والقبول والحكم عليها بالصحة والبطلان، فإن هذا الاجتماع يحصل بعقد وغيره، بل بغيره أكثر، حتى لو تعدى أحدهما ومزج ماله بمال الآخر قهرا بحيث لا يتميز ان تحققت الشركة بهذا المعنى. ومع ذلك لا ترتبط الشركة به بما قبلها وبعدها، لان هذا معنى من المعاني دخوله في باب الاحكام أولى. وثانيهما: عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشئ الواحد على سبيل الشياع فيه. وهذا هو المعنى الذي به تندرج الشركة في جملة العقود، ويلحقها الحكم بالصحة

(هامش)

(1) راجع تاج العروس 7: 148. (*)

ص 302

والبطلان. وإليه يشير المصنف فيما بعد (1) بقوله: قيل: تبطل الشركة - أعني: الشرط والتصرف - وقيل: تصح . ولقد كان على المصنف أن يقدم تعريفها على ما ذكره لانها المقصود بالذات هنا، أو ينبه عليهما معا على وجه يزيل الالتباس عن حقيقتهما وأحكامهما، ولكنه اقتصر على تعريفها بالمعنى الاول. فقوله: إجتماع حقوق الملاك كالجنس يدخل فيه اجتماع حقوقهم على وجه الامتياز، كما لو جمعوا مالهم مع تميز بعضه عن بعض ووضعوه في مكان واحد مثلا.والمراد ب‍ الشيء الواحد الواحد بالشخص، لان ذلك هو المتبادر إلى الافهام، لا الواحد بالجنس ولا النوع ولا الصنف، إذ لا تتحقق الشركة في شيء مع تعدد الشخص. والمراد بالواحد ما (2) هو متعلق الشركة وإن تعدد، لصدق الاجتماع بالمعنى المذكور في كل فرد من أفراد المتعدد. وقوله: على سبيل الشياع خرج به اجتماع حقوق في الشيء الواحد المركب من أجزاء متعددة، كالبيت - مثلا - إذا كان خشبه لواحد وحائطه لآخر وأرضه لثالث، فإنه لا شركة هنا، إذ لا شياع مع صدق اجتماع حقوقهم في الشيء الواحد. وفي بعض تحقيقات الشهيد - رحمه الله - أن قيد الشياع لاخراج اجتماع الحقوق في الشيء الواحد بالشخص على البدل، كمستحق الزكاة والخمس والمجتمعين على معدن أو مسجد أو مباح يتعذر فيه الاجتماع، فإن ذلك اجتماع لا على سبيل الشياع. ثم أورد على نفسه بأن هذه خرجت بالملاك (3). وأجاب بأن المراد بالملك الاستحقاق حذرا من المجاز والاشتراك، وهو حاصل في الكل (4). وفيه نظر، لان الملك أخص من الاستحقاق مطلقا، ولو حمل على معناه

(هامش)

(1) في ص: 311. (2) كذا في س . وفي غيرها: فيما . (3) في س : بالملك. (4) حكاه المحقق الكركي في جامع المقاصد 8: 7. (*)

ص 303

الخاص المتعارف لخرجت هذه الاقسام بالقيد المذكور، وخرج بقيد الشياع ما ذكرناه سابقا، وحينئذ فلا مجاز ولا اشتراك. ويمكن أن يكون (رحمه الله) إنما حاول بحمل الملك على الاستحقاق - الذي هو أعم منه - إدخال الشركة في مثل القصاص والخيار والشفعة وحد القذف مما لا ملك فيه، وإنما هو محض استحقاق. فلو حمل الملك على معناه الخاص لانتقض التعريف في عكسه إن أريد به المعنى الخاص، ولو جعل مشتركا بينه وبين الاستحقاق أو مجازا في الاستحقاق لزم الاشتراك والمجاز، فحمله على معنى الاستحقاق العام يدخل الاقسام ويسلم من محذور المجاز والاشتراك كما ذكر، لكن يبقى فيه أن إطلاق الخاص وإرادة العام مجاز يجب صون التعريف عن استعماله، ولا يمكن دعوى شيوعه فيه، بل هو معنى خفييعيب التعريف، ويوقع فيما هرب منه. وقد يجاب بأن إطلاق الملك هنا على الاستحقاق ليس بمجاز، بل معناه متبادر من قولك: فلان يملك الشفعة على فلان ويملك الحد ونحوه، أو أنه مجاز ولكن استعماله شائع وإن كان مطلق إطلاق الخاص على العام ليس شائعا. والعبرة في رخصة التعريف إنما هو بالفرد المحتاج إلى استعماله لا بنوع ذلك الفرد. وهذا هو الظاهر هنا. وينبه عليه أن المصنف بعده بلا فصل ذكر حكم الاشتراك في الحق المذكور، فليس بغافل عن دخوله في التعريف. وحينئذ فالمستعمل هنا إما المجاز المنصوب على إرادته قرينة، أو المشترك اشتراكا معنويا إن جعل ذلك الاستحقاق من أفراد الملك حقيقة، والاشتراك المعنوي لا يضر دخوله في التعريف. ولو أبدل لفظ الملك بالاستحقاق في التعريف لشمل الجميع، وخرج الاشتراك في استحقاق الزكاة ونحوه ب‍ الشياع كما ذكره المصنف رحمه الله. واعلم أن المراد ب‍ الملاك هنا ما فوق الواحد بطريق الحقيقة أو المجاز على الخلاف، لئلا ينتقض بالاثنين، وأن هذا التعريف لا ينطبق من الشركات المالية إلا على شركة العنان دون أخواتها من شركة الابدان وغيرها، فهو تعريف للشركة

ص 304

[ثم المشترك قد يكون عينا، وقد يكون منفعة، وقد يكون حقا. وسبب الشركة قد يكون إرثا، وقد يكون عقدا، وقد يكون مزجا، وقد يكون حيازة. والاشبه في الحيازة إختصاص كل واحد بما حازه.

الصحيحة عندنا. قوله: ثم المشترك قد يكون عينا، وقد يكون منفعة، وقد يكونحقا . الاشتراك في العين ظاهر، وفي المنفعة يتحقق بالاجارة والحبس والسكنى، لا الوقف، لانه إن كان على محصورين فالاشتراك في العين وإلا فلا اشتراك. والاشتراك في الحق كما ذكرناه سابقا من الخيار والشفعة بالنسبة إلى الورثة والقصاص والحد والرهن. قوله: وسبب الشركة قد يكون إرثا، وقد يكون عقدا، وقد يكون مزجا . الارث يجري في الاقسام الثلاثة السابقة، كما إذا أورثا مالا، أو منفعة دار استأجرها مورثهم أو عبد موصى بخدمته، أو حق شفعة وخيار ورهن. وكذلك العقد، فجريانه في العين بأن يشتريا دارا، وفي المنفعة بأن يستأجراها، وفي الحق بأن يشتريا بخيار، فإن سبب الشركة العقد. وفي هذا الاخير نظر. وأما المزج فيتصور في العين. وقد يفرض في المنفعة، كما إذا استأجرا دراهم للتزين بها - إذا جوزناه - وحق كل واحد منهما منفرد، ثم امتزجت بحيث لا يتميز. قوله: وقد يكون حيازة. والاشبه في الحيازة إختصاص كل واحد بما حازه . من الحيازة أن يشتركا في نصب حبالة الصيد المشتركة، ورمي السهم المثبت له، وحينئذ فيشتركان في ملكه. وما اختاره من الاختصاص لا يتناوله. والقول باختصاص كل واحد بما حازه هو الاجود مع تميزه، لانه في معنى شركة الابدان، أما مع امتزاجه فيكون مشتركا، لكن لا من حيث الحيازة، بل من جهة المزج الطارئ، كما لو امتزج المالان. وهو خارج عن الفرض.

ص 305

[نعم، لو اقتلعا شجرة، أو اغترفا ماء دفعة، تحققت الشركة. وكل مالينمزج أحدهما بالآخر بحيث لا يتميزان، تحققت فيهما الشركة. إختيارا كان المزج أو اتفاقا. ويثبت ذلك في المالين المتماثلين في الجنس والصفة.

وينبغي أن يستثنى من ذلك ما لو كان عمل كل واحد منهما بنية الوكالة لصاحبه في تملك نصف ما يحوزه، فإنه حينئذ يتوجه الاشتراك، لان ذلك مما يقبل النيابة، فإذا نوى أن يكون بينه وبين شريكه ملك شريكه نصفه وإن لم يعمل، فإذا عمل كذلك أولى، إلا أنه سيأتي (1) اختيار المصنف لعدم استثناء ذلك أيضا، وأن لكل واحد ما حازه مطلقا. والتنبيه بالخلاف المذكور إما على عدم اشتراط النية فلا يتحقق الشركة، أو على خلاف ابن الجنيد المجوز لشركة الابدان (2). والاول أولى. وسيأتي البحث فيه (3). قوله: نعم لو اقتلعا شجرة، أو اغترفا ماء دفعة، تحققت الشركة . أي تحققت الشركة في الجملة، لكن يكون لكل واحد من المحاز بنسبة عمله، ويختلف ذلك بالقوة والضعف. ولو اشتبه مقدار كل واحد فطريق التخلص بالصلح، أو تمليك كل واحد ما بقي له عند الآخر، بناء على جواز هبة المجهول. قوله: وكل مالين - إلى قوله - أو اتفاقا . المراد بالاتفاق هنا عدم الاختيار كما لو سقط أحدهما على الآخر، أو غيره، بأن ورثا معا مالا ونحو ذلك، فإنه في حكم المزج بالاختيار. قوله: ويثبت في المالين المتماثلين في الجنس والصفة . لما كان ضابط الامتزاج عدم التميز اعتبر الاتفاق في الجنس والصفة، فلو تخلف أحدهما تحقق الامتياز، فلا شركة. فلا يكفي مزج الحنطة بالشعير، والدخن بالسمسم، وإن عسر التخليص، والدراهم بالدنانير، ونحو ذلك. وكذا لو اتحدالجنس - أعني النوع الخاص - مع اختلاف الوصف، كما لو مزجت الحبة الحمراء من

(هامش)

(1) في ص: 324. (2) نقله العلامة في المختلف: 479. (3) في ص: 325. (*)

ص 306

[سواء كانا أثمانا أو عروضا. أما مالا مثل له كالثوب والخشب والعبد، فلا يتحقق فيه بالمزج، بل قد يحصل بالارث، أو أحد العقود الناقلة كالابتياع والاستيهاب. ولو أراد الشركة فيما لا مثل له، باع كل واحد منهما حصة مما في يده، بحصة مما في يد الآخر (1).

الحنطة بغيرها، أو الكبيرة بالصغيرة، ونحو ذلك لامكان التخليص وإن عسر. قوله: سواء كانا أثمانا أو عروضا . أي عروضا مثلية كالحنطة وغيرها من الحبوب، أما غير المثلية فسيأتي الكلام فيها. ونبه بالتسوية على خلاف بعض العامة (2) حيث شرط في الشركة الاختيارية - أعني ما يترتب عليها جواز التصرف والتجارة بالعقد - أن يكون المالان من النقدين كالمضاربة. أما الشركة بمعنى اجتماع الحقوق في المال الواحد فلا خلاف في تحققه كيف اتفق الامتزاج. قوله: أما ما لا مثل له - إلى قوله - أو أحد العقود الناقلة . في عدم تحققه بالمزج مطلقا منع بين، بل قد يتحقق كالثياب المتعددة المتقاربةفي الاوصاف، والخشب كذلك، فتتحقق الشركة فيه. والضابط عدم الامتياز، ولا خصوصية للمثلي والقيمي في ذلك. ومتى تحققت في ذلك فإن علمت قيمة ما لكل واحد منهما كان الاشتراك على نسبة القيمة، وإلا ففي الحكم بالتساوي، لانه الاصل، أو يرجع إلى الصلح وجهان. وبالاول قطع في التذكرة (3). وعليه يترتب حكم ما لو اشتبه مقدار قوتهما في مثل قلع الشجرة، فإنهما يستويان على ما اختاره في التذكرة، لاصالة عدم زيادة أحدهما على الآخر. والاقوى الصلح. قوله: ولو أراد الشركة - إلى قوله - في يد الآخر . بناء على أن الشركة فيه لا تتحقق بالامتزاج، ومثله المثلي مع اختلاف الجنس

(هامش)

(1) كذا في الشرائع الحجرية ومتن نسخ المسالك المخطوطة. ولكن في الشرائع المطبوعة حديثا ومتن الجواهر: حصته مما في يده بحصته مما في يد الآخر. (2) راجع المغني لابن قدامة 5: 124 - 126 وحلية العلماء 5: 93. (3) التذكرة 2: 222. (*)

ص 307

[ولا تصح الشركة بالاعمال، كالخياطة والنساجة.

أو الوصف. وما ذكره من الحيلة أحد الامثلة. ومثله ما لو وهب أحدهما صاحبه حصة من ماله ووهبه الآخر كذلك، أو باعه حصة بثمن معين ثم اشترى به حصة منالآخر، إلى غير ذلك من الوجوه الناقلة. والمراد بالشركة في جميع هذه الموارد الشركة المعرفة، لا الشركة بالمعنى الخاص، وهي الاذن في التصرف. والحكم فيما عدا الاخير واضح، إذ لم يحصل من ذلك سوى الامتزاج، وأما الابتياع ونحوه فلعدم دلالته على الاذن في التصرف، خلافا لبعض العامة (1) حيث سوغها به، كما لو قالا: إشتركنا ونحوه. قوله: ولا تصح الشركة بالاعمال كالخياطة والنساجة . لا فرق في ذلك بين أن يتفق عملهما بأن يكون كل واحد منهما خياطا، أو يختلف بأن يكون أحدهما خياطا والآخر نجارا، ويعمل كل واحد منهما في صنعته، ولا بين كون الشركة البدنية في مال مملوك أو تحصيل مال مباح كالاصطياد والاحتطاب، لان كل واحد متميز ببدنه ومنافعه، فيختص بفوائده كما لو اشتركا في مالين وهما متميزان. ولا خلاف عندنا في بطلان شركة الاعمال إلا من ابن الجنيد (2) حيث أجازها مع تشاركهما (3) الفضل، أو عمل أحدهما وقسمته على الآخر من غير شركة، مع أنه راجع إلى بطلانها، لان تشاركهما (4) الفضل بعد مزج الاجرتين وتحاللهما أمر خارج عن صحة هذه الشركة، وكذا تبرع أحدهما على الآخر بمشاركته في عمله. وأما العامة فمنهم من وافقنا على بطلانها، ومنهم من أجازها مطلقا، ومنهم من أجازها مع اتفاق الصنعتين لا مع اختلافهما، ومنهم من أجازها في غير اكتساب المباح (5).

(هامش)

(1) حلية العلماء 5: 97.(2) راجع المختلف: 479. (3 و4) في هـ و و و ب : تتاركهما. وفي المختلف فإن يشاركا الفضل أو تحالا... . (5) في هامش هـ و و و ن : المبطل لها مطلقا الشافعي، والمجيز لها مطلقا أحمد، والمفصل مالك، وأجازها أبو حنيفة فيما عدا اكتساب المباح. منه رحمه الله . راجع المغني لابن قدامة = = (*)

ص 308

[نعم، لو عملا معا لواحد بأجرة، ودفع إليهما شيئا واحدا عوضا عن أجرتهما، تحققت الشركة في ذلك الشيء. ولا بالوجوه.

قوله: نعم لو عملا - إلى قوله - تحققت الشركة . إنما تتحقق في الاعمال بهذه الجهة لو آجرا أنفسهما (1) في عقد واحد لتشبه شركة الابدان بحسب الصورة وإن كان في المعنى راجعا إلى شركة الاموال، أما إذا آجر كل واحد نفسه منفردا واستحق أجرة منفردا ثم أدى إليهما مالا مشتركا فالشركة في المال خاصة صورة ومعنى. ولا فرق في جوازها بالمعنى الاول بين أن يكون عملهما مختلفا ومتفقا، ولا بين أن يعلما نسبة أحد العملين إلى الآخر وعدمه، لان الاعتبار في الصفقة المتعددة بالعلم بعوض المجموع لا الاجزاء، وأجرة المجموع هنا معلومة، وحينئذ فتقسمعليهما على نسبة العمل. وطريقة معرفته: أن تنسب أجرة مثل عمل أحدهما إلى أجرة مثل العملين، ويؤخذ من المسمى بتلك النسبة. هذا مع العلم بالنسبة، ومع الجهل يحتمل ما تقدم من التساوي والصلح. والثاني أقوى. وكذا القول في كل مالين امتزجا وجهل قدر كل منهما. قوله: ولا بالوجوه . لشركة الوجوه تفسيرات: أشهرها: أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما، فيبيعان ويؤديان الاثمان وما فضل فهو بينهما. وقيل: أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل، ويشترطا أن يكون الربح بينهما. وقيل: أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال، يكون العمل من الوجيه والمال من الخامل، ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه، والربح بينهما.

(هامش)

= = = 5: 111 - 113. (1) في هـ : نفسيهما. (*)

ص 309

[ولا شركة المفاوضة (1)، وإنما تصح بالاموال.

وقيل: أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له. والكل عندنا باطل، خلافا لابن الجنيد (2) فإنه جوزها بالمعنى الاول، ولابيحنيفة (2) مطلقا. وحينئذ فإذا أذن أحدهما للآخر في الشراء فاشترى لهما وقع الشراء عنهما، وكانا شريكين، لانه بمنزلة الوكيل وقد اشترى بإذنه، فيشترط شروط الوكالة. وإذا كان المال لاحدهما وباع الآخر، سواء كان خاملا أم لا، صح البيع بوكالة المالك، وللمباشر أجرة المثل لعمله، ولا شيء له في الربح. قوله: ولا بشركة المفاوضة . هي أن يشترك شخصان فصاعدا على أن يكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلتزمان من غرم ويحصل لهما من غنم، فيلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر من أرش جنايه وضمان غصب وقيمة متلف وغرامة بضمان وكفالة، ويقاسمه فيما يحصل من ميراث، ويجده من ركاز ولقطة، ويكتسبه في تجارته بماله المختص به. ولا يستثنى من ذلك إلا قوت يومه وثياب بدنه وجارية يتسراها، فإنه لا يشاركه الآخر فيها. وكذا يستثنى من الغرم الجناية على الحر وبدل (4) الخلع والصداق إذا لزم أحدهما. وقال صاحب إصلاح المنطق (5): شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كل شيء يملكانه بينهما. وهو مخصوص بما ذكرناه، لاستثناء القائل بها ذلك. وهي باطلة إلا عند أبي حنيفة ومن شذ (6). قوله: وإنما تصح بالاموال . لا خلاف بين المسلمين في صحة الشركة بالاموال، وهي المعبر عنها بشركة

(هامش)

(1) كذا في الشرائع الحجرية. وفي المطبوعة حديثا: ولا شركة بالمفاوضة. وفي متن الجواهر: ولاشركة في المفاوضة. وفي متن اكثر نسخ المسالك: ولا بشركة المفاوضة. (2) راجع المختلف: 479. (3) راجع حلية العلماء 5: 102 وروضة القضاة وطريق النجاة 2: 571 - 572. (4) في و و ن : بذل. (5) راجع ترتيب اصلاح المنطق: 360 مادة (مفاوضة). (6) في هامش و و ن : وتبعه على ذلك الاوزاعي والثوري. منه رحمه الله . راجع حلية العلماء 5: 100. (*)

ص 310

العنان، بكسر العين ككتاب، وهو سير اللجام الذي يمسك به الدابة. واختلفوا فيما أخذت منه هذه اللفظة، فقيل: من عنان الدابة، إما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال، كاستواء طرفي العنان، أو تساوي الفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير يكونان سواء. وإما لان كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف كما يشتهي ويريد، كما يمنع العنان الدابة. وإما لان الآخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان ويده الآخرى مطلقة يستعملها كيف شاء، كذلك الشريك منع بالشركة نفسه عن التصرف في المشترك كما يشتهي وهو مطلق اليد والتصرف في سائر أمواله. وقيل: من عن إذا ظهر، إما لانه ظهر لكل منهما مال صاحبه، أو لانها أظهرأنواع الشركة، ولذلك أجمع على صحتها. وقيل: من المعانة، وهي المعارضة، فإن كل واحد منهما عارض بما أخرجه الآخر. إذا تقرر ذلك: فالمراد بصحة الشركة بالاموال يحتمل كونه في الشركة بالمعنى الاول، كما يقتضيه السياق، وكونه فيها بالمعنى الآخر، لانه الغرض الذاتي منها، ولدلالة تعريفها عليه. قال في التذكرة: شركة العنان - وهي شركة الاموال - هي أن يخرج كل مالا ويمزجاه ويشترطا العمل بأبدانهما (1). وينبه عليه أيضا قول المصنف عقيبه: ويتساوى الشريكان في الربح... الخ ، فيكون هذا أول الشروع في الشركة بالمعنى الثاني، وحينئذ فلا بد لها بهذا المعنى - اشتراكها في المالين - من صيغة تدل على الاذن في التصرف، لانهما ممنوعان منه كسائر الاموال المشتركة، وهي كل لفظ يدل على الاذن فيه على وجه التجارة، سواء كان قبل الامتزاج أم بعده، وسواء وقع من كل منها للآخر أم اختص بأحدهما. وبهذا المعنى لحقت بقسم العقود على تكلف أيضا، تترتب عليها أحكام يذكرها المصنف بعد هذا.

(هامش)

(1) التذكرة 2: 219. (*)

ص 311

 شروط الشركة :

[ويتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساويه، ولو كان لاحدهما زيادة كان له من الربح بقدر رأس ماله. وكذا عليه من الخسارة.ولو شرط لاحدهما زيادة في الربح، مع تساوي المالين، أو التساوي في الربح والخسران مع تفاوت المالين، قيل: تبطل الشركة، أعني الشرط والتصرف الموقوف عليه، ويأخذ كل منهما ربح ماله، ولكل منهما أجرة مثل عمله، بعد وضع ما قابل عمله في ماله، وقيل: تصح الشركة والشرط. والاول أظهر.

قوله: ويتساوى الشريكان - إلى قوله - وكذا عليه من الخسارة . لا شبهة في كون الربح تابعا للمال، لانه نماؤه، فإذا كان مال أحدهما أزيد من مال الآخر فله من الربح بنسبة ماله وإن عملا معا، لتراضيهما بذلك على وجه لا يخالف المشروع، حيث جعلا الربح تابعا للاصل. وخالف في ذلك بعض العامة (1)، فمنع من الشركة مع عدم استواء المالين في القدر، لاتفاقهما في العمل، كما لا يجوز أن يختلفا في الربح مع اتفاقهما في المال. ويندفع بأن المعتبر في الربح المال، والعمل تابع، فلا يضر اختلافه، كما يجوز مع تساويهما في المال عند الكل وإن عمل أحدهما أكثر. قوله: ولو شرط لاحدهما زيادة في الربح - إلى قوله - والاول أظهر . إذا شرطا تساوي الربح مع تفاوت المالين أو تفاوته مع تساويهما فللاصحاب فيه أقوال: أحدهما: الصحة، ذهب إليه المرتضى مدعيا عليه الاجماع (2)، وتبعه جماعةمنهم العلامة (3) ووالده (4) وولده (5)، لعموم أوفوا بالعقود (6) و إلا أن تكون تجارة

(هامش)

(1) حلية العلماء 5: 95. (2) الانتصار: 227 - 228. (3 و4) راجع المختلف: 479. (5) إيضاح الفوائد 2: 301. (6) المائدة: 1. (*)

ص 312

عن تراض (1) وقد وقع على ما اشترطاه، وقوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم (2)، ودلالة الاجماع المنقول بخبر الواحد كما يقبل نقل غيره من الادلة به، ولاصالة الاباحة، وبناء الشركة على الارفاق بكل منهما، ومن جملته موضع النزاع. والثاني: البطلان، ذهب إليه الشيخ (3) وابن إدريس (4) والمصنف وجماعة آخرون (5)، لانتفاء دليل يدل على الصحة، ولانه أكل مال بالباطل، لان الزيادة ليس في مقابلها عوض، لان الفرض أنها ليست في مقابلة عمل، ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتضم إلى أحد العوضين، ولا اقتضى تملكها عقد هبة، والاسباب المثمرة للملك معدودة وليس هذا أحدها، فيكون اشتراطها اشتراطا لتملك شخصمال غيره بغير سبب ناقل للملك، كما لو دفع إليه دابة يحمل عليها والحاصل لهما، فيبطل العقد المتضمن له، إذا (6) لم يقع التراضي بالشركة والاذن في التصرف إلا على ذلك التقدير وقد تبين فساده، فلا يندرج في الامر بالايفاء بالعقود، ولا في المؤمنون عند شروطهم ، وليست الشركة تجارة إلا أن يكون الشرط للعامل، وجوازه مسلم، فلا تتناوله آية التراضي. وهذا يتم مع عدم زيادة عمل ممن شرطت له الزيادة وإلا لكان معاوضة وتجارة، ولم يرد عليه ما ذكر، فينبغي على هذا تقييد الجواز بذلك. والثالث: قول أبي الصلاح (7) بصحة الشركة دون الشرط، وجعل شرط

(هامش)

(1) النساء: 29. (2) التهذيب 7: 371 ح 1503، الاستبصار 3: 232 ح 835، الوسائل 15: 30 ب 20 من أبواب المهور ح 4. (3) المبسوط 2: 349، والخلاف 3: 332 مسألة 9. (4) السرائر 2: 400. (5) منهم ابن البراج في جواهر الفقه: 73 مسألة 274، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 8: 25. (6) في ب : إذ لم. (7) الكافي في الفقه: 343. (*)

ص 313

[هذا إذا عملا في المال، أما لو كان العامل أحدهما، وشرطت الزيادة للعامل، صح ويكون بالقراض أشبه.

الزيادة إباحة لها يجوز الرجوع فيها ما دامت عينها باقية. وهو مبني على أن الشرط الفاسد لا يفسد العقد، وقد تقدم ضعفه. إذا تقرر ذلك، فمعنى بطلان الشركة على القول به الشركة بالمعنى الثاني، وهي العقد الدال على الاذن في التصرف، لا الشركة المعنونة ابتداء، لان امتزاج المالين متحقق، وإليه أشار المصنف بقوله: أعني: الشرط والتصرف . وقال الشهيد (1) (رحمه الله) في شرح الارشاد: إن الموصوف بالصحة والبطلان ليس نفس الشركة العنانية، إذ لا يمكن وقوعها على وجهين، بل المراد به نفس الشرط وما توقف عليه كالاذن في التصرف . وفيه نظر، لان الشركة العنانية بالمعنى الذي ذكرناه توصف بالصحة والبطلان، بل ليس الغرض من الشركة في الاموال إلا الشرط المدلول عليه بالصيغة وما يلزمه، أللهم إلا أن يمنع من كون الشركة بمعنى العقد المذكور هي العنانية، كما يظهر من التذكرة (2) أنها مركبة من مزج المالين والعقد. ولكن يشكل بأنها إذا لم تكن شركة العنان فهي أحد الاقسام الاخر، لاتفاق الفقهاء على انحصار الشركة الصحيحة في شركة العنان وانحصار مطلق الشركة في المذكورات، وغاية ما ينزل أنها تطلق على المعنيين معا لكنها في الثاني أظهر. وكيف كان فالباطل هو الشركة بمعنىالعقد المذكور. ثم على القول بالبطلان إما مطلقا أو على بعض الوجوه يثبت لكل واحد أجرة مثله، ويقتسمان الربح على نسبة المالين ويتقاصان. ولو اصطلحا بعد ظهور الربح على ما شرطاه أولا أو على غيره صح، على ما سلف في الصلح (3). قوله: هذا إذا عملا في المال - إلى قوله - ويكون بالقراض أشبه . صحة القراض (4) المذكور واضحة، لكون الربح في مقابلة عمل، فيكون

(هامش)

(1) غاية المراد: 130. (2) مر نقل عبارته في ص 310. (3) في ص: 265. (4) في هـ : القراض. (*)

ص 314

[وإذا اشترك المال، لم يجز لاحد الشركاء التصرف فيه، إلا مع إذن الباقين، فإن حصل الاذن لاحدهم، تصرف هو دون الباقين، ويقتصر من التصرف على ما أذن له، فإن أطلق له الاذن، تصرف كيف شاء.

العقد شركة وقراضا. ويلزم مثله فيما إذا عملا معا وشرطت الزيادة لمن زاد في العمل، إما مع تساوي المالين وزيادة عمله، أو مع نقصان ماله مع تساويهما في العمل أوزيادته بطريق أولى، لاشتراك الجميع في كون الزيادة في الربح في مقابلة عمل، فكان العقد عقد معاوضة من الجانبين بالنظر إلى أن العمل متقوم بالمال، ولكن المصنف أطلق المنع مع عملهما، كما أن العلامة (1) أطلق الجواز معه. والتفصيل حسن. قوله: وإذا اشترك المال لم يجز لاحد الشركاء التصرف فيه إلا مع إذن الباقين . أراد الشركة بالمعنى الاول، وتوقف التصرف على إذن الشركاء واضح، لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه. ولا فرق في ذلك بين كون الشركة بمزج وغيره، ولا في المزج بين كونه بفعلهما وغيره، فإن الاذن في التصرف أمر زائد على مفهوم الشركة بذلك المعنى. قوله: فإن أطلق له الاذن تصرف كيف شاء . أي كيف شاء من وجوه التجارة والاسترباح، وما فيه مصلحة الشريك من البيع والشراء، مرابحة ومساومة وتولية ومواضعة، حيث يقتضيهما المصلحة، وقبض الثمن وإقباض المبيع، والحوالة والاحتيال، والرد بالعيب ونحو ذلك، كما في الوكيل المطلق. وهل يتناول إطلاق اللفظ السفر حيث شاء أم يمتنع مطلقا إلا بإذن خاصة (2)؟ وجهان، من دخوله الاطلاق، واشتماله على مظنة الربح أكثريا، ومن كونه مظنة الخطر، فيخرج من الاطلاق بدليل منفصل.

(هامش)

(1) التذكرة 2: 225. (2) في س وهامش و: إلا بإذن صاحبه. (*)

ص 315

[وإن عين له السفر في جهة، لم يجز له الاخذ في غيرها، أو نوع من التجارة، لم يتعد إلى سواها. ولو أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه، جاز لهما التصرف، وإن انفردا. ولو شرطا الاجتماع، لم يجز الانفراد. ولو تعدى المتصرف ما حد له، ضمن. ولكل من الشركاء الرجوع في الاذن، والمطالبة بالقسمة، لانها غير لازمة. وليس لاحدهما المطالبة بإقامة رأس المال، بل يقتسمان العين الموجودة، ما لم يتفقا على البيع.

ولا يجوز له إقراض شيء من المال إلا مع المصلحة كمال اليتيم، ولا المحاباة في البيع، ولا المضاربة عليه، لان ذلك ليس من توابع التجارة، ولا يتناوله الاطلاق. قوله: ولو عين له السفر في جهة لم يجز له الاخذ في غيرها، أو نوعا من التجارة لم يتعد إلى ما سواها . لا فرق مع تعيين الجهة والنوع بين أن ينهاه عن غيرهما ويسكت عنه، لبقاء المتروك على أصل المنع. ثم لو خالف في جهة السفر ضمن وصحت التجارة، لان الاذن لم يبطل. ولو خالف في نوع التجارة كان فضوليا فيبطل مع رده. وكذا يضمن لو عين له جهة من السفر وغاية معينة فتجاوزها في تلك الجهة.قوله: ولو تعدى المتصرف ما حد له ضمن . لا فرق في التحديد بين أن يدل عليه عموم اللفظ وخصوصه، فلو سافر اعتمادا على إطلاق الاذن، وقلنا إنه لا يتناوله، ضمن. والمحدود قد يكون باعتبار نوع التجارة، وبزمانها ومكانها، وعلى كل تقدير يحصل بمخالفة المأذون، ولا تبطل الشركة بذلك. قوله: ولكل من الشركاء الرجوع في الاذن والمطالبة بالقسمة، لانها غير لازمة . الشركة بمعنييها غير لازمة، وأشار إلى الاولى بقوله: والمطالبة بالقسمة ،

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج4

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب