مسالك الأفهام - ج4

الصفحة السابقة

مسالك الأفهام - ج4

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 362

[ولو خلط العامل مال القراض بماله بغير إذن المالك، خلطا لا يتميز، ضمن، لانه تصرف غير مشروع.

وربما قيل (1) بأن القول قول المالك إلا مع التلف بتفريط مطلقا. وهو ضعيف جدا. قوله: ولو خلط العامل... الخ . لان مال القراض أمانة، والامانة لا يجوز خلطها كالوديعة، ولا يبطل العقد بذلك وإن أثم وضمن، فيبقى الربح بينهما على نسبة المال. هذا مع إطلاق العقد، أما لو عمم له لفظا يتناوله، كما لو قال: إفعل ما شئت، أو برأيك، ونحو ذلك، صح مع المصلحة لا بدونها، فإن الخلط قد يكون مصلحة في بعض الاحوال.

(هامش)

(1) في هامش و و هـ و ن : القائل به الامام فخر الدين رحمه الله في شرح القواعد. منه رحمه الله لاحظ إيضاح الفوائد 2: 331. (*)

ص 363

 ربح المضاربة :

[الثالث في الربح ويلزم الحصة بالشرط دون الاجرة، على الاصح.

قوله: ويلزم الحصة بالشرط دون الاجرة على الاصح . مرجع هذا النزاع إلى أن المضاربة هل هي من العقود الصحيحة المشروعة أم لا؟ والقول بكونها صحيحة يلزم فيها للعامل ما شرط له في الحصة قول جميع العلماء على اختلاف مذاهبهم إلا قليلا من أصحابنا. والاخبار بها متظافرة صحيحة من طرق أهل البيت عليهم السلام (1)، ومن طرق غيرهم (2). وذهب الشيخ في النهاية (3)، وقبله المفيد (4)، وتبعهما جماعة (5)، إلى أن الربح كله للمالك، وللعامل عليه الاجرة، لان النماء تابع للمال، والمعاملة فاسدة، لجهالة العوض. والجواب المنع من فساد هذه المعاملة بعد ثبوتها بالنصوص الصحيحة (6) وعموم الآيات (7)، إن لم يحصل الاجماع. والجهالة بالعوض لا تضر في كثير من العقود كالمزارعة والمساقاة. وتبعية النماء للاصل مطلقا ممنوعة.

(هامش)

(1، 6) أنظر الوسائل 13: 185 ب 3 وغيره من أبواب أحكام المضاربة. (2) سنن البيهقي 6: 110 - 111. (3) النهاية: 428. (4) المقنعة: 633. (5) منهم سلار في المراسم: 182، وأبو الصلاح في الكافي: 344 و347. ونسبه العلامة في المختلف: 481 إلى ابن البراج، وعبارته في المهذب 1: 460 خلاف ذلك. (7) النساء: 26، المائدة: 1. (*)

ص 364

[ولا بد أن يكون الربح مشاعا. فلو قال: خذه قراضا والربح لي، فسد، ويمكن أن يجعل بضاعة، نظرا إلى المعنى. وفيه تردد. وكذا التردد لو قال: والربح لك.

قوله: ولا بد أن يكون الربح مشاعا - إلى قوله - وفيه تردد . المراد بالمشاع أن يكون بأجمعه مشتركا بينهما، ويخرج به أمور: الاول: أن يجعل لاحدهما شيء معين والباقي للآخر. ولم يذكره المصنف. وهو باطل اتفاقا، ولانه ربما لا يربح إلا ذلك القدر، فيلزم أن يختص به أحدها، وهو غير جائز. وقد ذكر المصنف فيما يأتي ما يقرب منه، وهو أن يشرط لاحدهما شيء معين والباقي بينهما. الثاني: أن يقول المالك: خذه قراضا والربح لي: ووجه الفساد: اختصاصه بالربح المنافي لمقتضى العقد، فإن مقتضاه الاشتراك في الربح. وهل يكون بهذه الصيغة بضاعة بمعنى أن العامل لا يستحق على عمله أجرة، أم يكون قراضا فاسدا، كما يقتضيه الاخلال بشرط القرض مع التصريح به؟ المشهور الثاني، فيكون الربح للمالك، وعليه للعامل الاجرة. ووجه الاول: النظر إلى المعنى، فإنه دال على البضاعة وإن كان بلفظ القراض، ولان البضاعة توكيل في التجارة تبرعا، وهي لا تختص بلفظ، وما ذكر دال عليها، ولانه لا يحكم بإلغاء اللفظ ما أمكن حمله على الصحيح، وذكر القراض وإن كان منافيا بحسب الظاهر إلا أنه يمكن أن يكون هنا مأخوذا من معنى المساواة التي هي من أحدهما المال ومن الآخر العمل من غير التفات إلى أمر آخر، وهو أحد مااشتق منه المعنى الشرعي، كما سبق (1). ولو قيل: إن ذلك بحسب اللغة، والحقيقة الشرعية تأباه، أمكن أن يتجوز فيه، فإن الحقائق اللغوية تصير مجازات شرعية، وهو أولى من الفساد. وفي المختلف (2)، اختار أنه لا أجرة للعامل، لانه دخل على ذلك، فكان

(هامش)

(1) في ص: 343. (2) المختلف: 483. (*)

ص 365

[أما لو قال: خذه فاتجر به والربح لي، كان بضاعة. ولو قال: والربح لك كان قرضا (1). ولو شرط أحدهما شيئا معينا، والباقي بينهما، فسد، لعدم الوثوق بحصول الزيادة، فلا تتحقق الشركة.

متبرعا بالعمل. وهذا يحتمل بناؤه على البضاعة، وعلى القراض الفاسد، وإن زاد عليه بعدم الاجرة نظر إلى دخوله على التبرع، بل هذا أوضح. وهو قوي (2). الثالث: أن يقول: خذه قراضا والربح كله لك. ووجه فساده ما مر. ويحتمل كونه قرضا، لدلالته عليه معنى، كما تدل السابقة على البضاعة، ولان القرض لا يختص بلفظ كما تقدم (3)، بل ما دل عليه، وهذا دال عليه. فعلى هذا يكون الربح كله للعامل، والمال مضمون عليه، ولا شيء للمالك، وعلى الاول للمالك، وعليه للعامل الاجرة. ومحل الاشكال إذا لم يقصد القرض ولا القراض، إما بأن لم يقصد شيئا، أو لم يعلم ما قصد، وإلا كان قرضا في الاول وقراضا فاسدا في الثاني بغير إشكال. قوله: أما لو قال خذه فاتجر به - إلى قوله - كان قرضا . الفرق بين الصيغتين اشتمال الاولى على ضميمة منافية للقرض والبضاعة، وهي التصريح بالقراض، وهو حقيقة شرعية في العقد المخصوص، بخلافالاخيرة. هذا إذا أطلق اللفظ أو قصد القرض والبضاعة، فلو قصد القراض ففيه ما سبق، لصلاحية اللفظ لعقده، خصوصا مع انضمام قصده، فإن التصريح بالقراض ونحوه في العقد ليس بشرط. ولو اختلفا في القصد المبطل احتمل تقديم المالك، لانه أعرف به، والعامل نظرا إلى ظاهر اللفظ، وترجيحا لجانب الصحة. ولو اختلفا في ضميمة اللفظ قدم قول مدعي ما يصح معه العقد، لاصالة الصحة وعدم الضميمة. قوله: ولو شرط أحدهما شيئا معينا - إلى قوله - فلا تتحقق الشركة . عدم الوثوق بالزيادة لا يصلح دليلا على الفساد بانفراده، كما في عدم الوثوق

(هامش)

(1) في المطبوعة حديثا: كان قراضا. وهو غير صحيح. (2) في س : أقوى. (3) في ج 3: 440. (*)

ص 366

[ولو قال: خذه على النصف، صح. وكذا لو قال: على أن الربح بيننا، ويقضى بالربح بينهما نصفين.

بأصل الربح، وإنما وجه الفساد اقتضاء عقد المضاربة الاشتراك في جميع الربح، كما تقدم (1)، ولقول الصادق عليه السلام في صحيحة أبي بصير (2): الربح بينهما ، ومثله رواية إسحاق بن عمار عن الكاظم (3) عليه السلام، وهنا الربح ليس بينهما وإن وثق بالزيادة، بل بعضه على تقدير الزيادة وجميعه على تقدير عدمها لمن شرط له، فعلى هذا يفسد العقد وإن وثق بالزيادة. قوله: ولو قال: خذه على النصف، صح . وجه الصحة: أن المتبادر من العبارة أن الربح بينهما نصفين، وهو تعيين، أو أن المالك لا يفتقر إلى تعيين حصته، لانه نماء ماله تابع له، وإنما يفتقر إليه العامل، فيكون المراد بالنصف أنه للعامل، لانه المحتاج إلى الاشتراط. وفيه نظر، لان اللفظ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون النصف للمالك،والآخر لا يحتاج إلى ذكره، لتبعيته للمال، فيفسد، وافتقار العقد إلى تعيين حصة العامل لا يقتضي كون اللفظ المشترك محمولا عليه، والقول بالصحة متجه، لتبادر المعنى الصحيح من هذا اللفظ. قوله: وكذا لو قال على أن الربح بيننا، ويقضى بالربح بينهما نصفين . لاستوائهما في السبب المقتضي للاستحقاق، والاصل عدم التفاضل، كما لو أقر لهما بمال، وكما لو قال المقر: الشيء الفلاني بيني وبين زيد. وخالف في ذلك بعض الشافعية (4) فحكم ببطلان العقد، لان البينية تصدق مع التفاوت، فحيث لم يبينها

(هامش)

(1) في ص: 364. (2) التهذيب 7: 187 ح 827، الوسائل 13: 182 ب 1 من أبواب أحكام المضاربة ح 10. (3) التهذيب 7: 188 ح 829، الاستبصار 3: 126 ح 452، الوسائل 13: 186 ب 3 من أبواب أحكام المضاربة ح 5. (4) راجع مغني المحتاج 2: 313. (*)

ص 367

[ولو قال: على أن لك النصف، صح. ولو قال: على أن لي النصف واقتصر، لم يصح، لانه لم يعين للعامل حصة. ولو شرط لغلامة حصة معهما، صح، عمل الغلام أم لم يعمل. ولو شرط لاجنبي وكان عاملا، صح. وإن لم يكن عاملا، فسد. وفيه وجه آخر.

يتجهل استحقاق الربح. ورد بمنع صدقها على غير التساوي مع الاطلاق. نعم،لو انضم إليه قرينة صح حمله على غيره بواسطتها. قوله: ولو قال: على أن لك النصف صح - إلى قوله - للعامل حصة . الفرق بين الصيغتين أن الربح لما كان تابعا للمال، والاصل كونه للمالك، لم يفتقر إلى تعيين حصته، فإن عينها كان تأكيدا، وأما تعيين حصة العامل فلا بد منه، لعدم استحقاقها بدونه، فإذا قال: النصف لك، كان تعيينا لحصة العامل، وبقي الباقي على حكم الاصل، وأما إذا قال: النصف لي، لم يقتض ذلك كون النصف الآخر لغيره، بل هو باق على حكم الاصل أيضا، فيبطل العقد. ويحتمل الصحة وحمل النصف الآخر على أنه للعامل، نظرا إلى عدم الفرق بين الصيغتين عرفا، وعملا بمفهوم التخصيص. ويضعف بعدم استقرار العرف على ذلك، وضعف دلالة المفهوم. والاجود البطلان. قوله: ولو شرط لغلامه حصة معهما صح - إلى قوله - وفيه وجه آخر . الاصل في الربح أن يكون بين العامل والمالك خاصة على ما يشترطانه، فلا يصح جعله لاجنبي. ولو فرض كونه عاملا كان بمنزلة العامل المتعدد، فلا يكون أجنبيا. وأما شرط حصة لغلام أحدهما الرق فهو كشرطه لمالكه، فيصح، لان العبد لا يملك شيئا. ولو قلنا بملكه كان كالاجنبي. وحيث يشرط لاجنبي بشرط عمل فلا بد من ضبط العمل بما يرفع الجهالة،وكونه من أعمال التجارة، لئلا يتجاوز مقتضاها.

ص 368

[ولو قال: لك نصف ربحه، صح. وكذا لو قال: لك ربح نصفه.

وإنما وصفه بالاجنبية مع كونه عاملا لان المراد بالعامل هنا من يكون إليه التصرف في جميع ما يقتضيه العقد، وهذا المشروط له ليس كذلك، بل إنما شرط عليه عمل مخصوص، بأن يحمل لهم المتاع إلى السوق، أو يدلل عليه، ونحو ذلك من الاعمال الجزئية المضبوطة، فلو جعل عاملا في جميع الاعمال كان العامل - الذي هو أحد أركان العقد - متعددا، وهو غير محل الفرض. وبهذا يندفع ما قيل من أن شرط العمل ينافي كونه أجنبيا. والوجه الآخر الذي أشار إليه المصنف في الاجنبي قيل: إنه إذا شرط للاجنبي يصح الشرط وإن لم يعمل، لعموم المؤمنون عند شروطهم (1) و أوفوا بالعقود (2). وقيل: إن المشروط يكون للمالك حيث لم يعمل، رجوعا إلى أصله، لئلا يخالف مقتضى العقد، ولقدوم العامل على أن له ما عين له خاصة. وهذا الوجه لم يذكره غيره. وليس بمعروف، فلذلك اختلف فيه (3). قوله: ولو قال: لك نصف ربحه صح. وكذا لو قال: ربح نصفه . المشهور صحة القراض في الصورتين، وأنه لا فرق بينهما من حيث المعنى، لان النصف لما كان مشاعا فكل جزء من المال إذا ربح فنصف ربحه للعامل ونصفهللمالك بمقتضى الشرط. وخالف في ذلك الشيخ في أحد قوليه (4)، فجعل الثاني باطلا، لمنافاته مقتضى القراض من أن ربح كل جزء بينهما. وهنا قد شرط ربح النصف الواحد للمالك لا يشاركه فيه العامل، والآخر بالعكس، وربما ربح نصفه خاصة فيختص به أحدهما، أو ربح أكثر من النصف، فلا تكون الحصة معلومة.

(هامش)

(1) التهذيب 7: 371 ح 1503، الاستبصار 3: 232 ح 835، والوسائل 15: 30 ب 20 من أبواب المهور ح 4. (2) المائدة: 1. (3) في ن : اختلف فيه في الترددات. وكذا في هامش و والظاهر أن قوله (في الترددات) من التعليقة فيكون آخر العبارة كما أثبتناه. راجع ايضاح ترددات الشرائع 1: 311. (4) الخلاف 3: 469 مسألة 18. (*)

ص 369

[ولو قال لاثنين: لكما نصف الربح صح، وكانا فيه سواء. ولو فضل أحدهما صح أيضا، وإن كان عملهما سواء. ولو اختلفا في نصيب العامل فالقول قول المالك مع يمينه.

وأجيب بأن الاشارة ليست إلى نصف معين، بل مبهم، فإذا ربح أحد النصفين فذلك الذي ربح هو المال، والذي لم يربح لا اعتداد به. وحيث كان النصف مشاعا فكل جزء منه له ربح نصفه.قوله: ولو قال لاثنين: لكما - إلى قوله - وإن كان عملهما سواء . أما تساويهما مع الاطلاق فلاقتضائه الاشتراك، والاصل عدم التفضيل، ولانه المتبادر منه عرفا، كما سبق في قوله: بيننا (1). وأما مع التفصيل فهو صحيح عندنا وإن اختلف عملهما، لان غايته اشتراط حصة قليلة لصاحب العمل الكثير، وأمر الحصة على ما يشترطانه مع ضبط مقدارها، ولان عقد الواحد مع اثنين كعقدين فيصح، كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف الربح والآخر في نصفه الآخر بثلث الربح، فإنه جائز إتفاقا، خلافا لبعض العامة (2) حيث اشترط التسوية بينهما في الربح مع استوائهما في العمل، قياسا على اقتضاء شركة الابدان ذلك. والاصل والفرع عندنا باطلان. قوله: ولو اختلفا في نصيب العامل فالقول قول المالك مع يمينه . لانه منكر للزائد، ولان الاختلاف في فعله، وهو أبصر به، ولان الاصل تبعية الربح للمال، فلا يخرج عنه إلا ما أقر المالك بخروجه. هذا مع عدم ظهور الربح، أما معه فظاهر المصنف أنه كذلك، لعين ما ذكر. وربما استوجه بعض المحققين (3) التحالف، لان كلا منهما مدع ومدعى عليه، فإن المالك يدعي استحقاق العمل الصادر بالحصة الدنيا، والعامل ينكر ذلك، فيجئ القول بالتحالف، لان ضابطه

(هامش)

(1) في ص: 366. (2) راجع المدونة الكبرى 5: 90، المغني لابن قدامة 5: 145. (3) جامع المقاصد 8: 167. (*)

ص 370

[ولو دفع قراضا في مرض الموت، وشرط ربحا صح، وملك العامل الحصة. ولو قال العامل: ربحت كذا ورجع، لم يقبل رجوعه. وكذا لو ادعى الغلط. أما لو قال: ثم خسرت، أو قال: ثم تلف الربح، قبل.

- كما سلف في البيع (1) - أن ينكر كل واحد ما يدعيه الآخر، بحيث لا يجتمعان على أمر ويختلفان فيما زاد عليه. وهو ضعيف، لان نفس العمل لا تتناوله الدعوى، لانه بعد انقضائه لا معنى لدعوى المالك استحقاقه، وكذا قبله، لان العقد الجائز لا يستحق به العمل، وإنما المستحق المال الذي أصله للمالك، وحقيقة النزاع فيه، فيجئ فيه ما تقدم من الاصول. قوله: ولو دفع قراضا - إلى قوله - وملك العامل الحصة . لا فرق في ذلك بين كون الحصة المشروطة للعامل بقدر أجرة المثل وأزيد، إذ لا تفويت في ذلك على الوارث حتى يعتبر من الثلث، فإن المتوقف على إجازته أو نفوذه من الثلث هو ما يتبرع به المريض من المال الموجود حالة التبرع، وهنا ليس كذلك، لان الربح أمر معدوم متوقع الحصول، وليس مالا للمريض، وعلى تقدير حصوله فهو أمر جديد حصل بسعي العامل، وحدث على ملكه بعد العقد، فلم يكن للوارث فيه اعتراض. قوله: ولو قال العامل: ربحت كذا ثم رجع - إلى قوله - قبل . إنما لم يقبل قوله في الاولين لان إنكاره مكذب لاقراره الاول، فلا يسمع، كما في رجوع كل مقر. ولا فرق بين أن يظهر لدعواه الكذب أولا وجها، كما لو قال: كذبت لتترك المال في يدي أو لا، خلافا لبعض العامة (2) حيث قبل قوله في الاول،لان ذلك واقع من بعض المعاملين لاجل هذا الغرض. وأما قبول قوله: خسرت،

(هامش)

(1) راجع ج 3: 261 و267. (2) راجع حلية العلماء 5: 353 - 354 وكذا فتح العزيز (ضمن المجموع) 12: 91. (*)

ص 371

[والعامل يملك حصته من الربح بظهوره، ولا يتوقف على وجوده ناضا.

أو تلف الربح فلانه أمين. هذا إذا كانت دعوى الخسران في موضع يحتمل، بأن عرض في السوق كساد، ولو لم يحتمل لم يقبل، نبه عليه في التذكرة (1). قوله: والعامل يملك حصته... الخ . هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل لا يكاد يتحقق فيه مخالف، ولا نقل في كتب الخلاف عن أحد من أصحابنا ما يخالفه. ووجهه مع ذلك إطلاق النصوص (2) بأن العامل يملك ما شرط له من الربح، وهو متحقق قبل الانضاض وقبل القسمة. ولان سبب الاستحقاق هو الشرط الواقع في العقد، فيجب أن يثبت مقتضاه متى وجد الربح، كما يملك عامل المساقاة حصته من الثمرة بظهورها. ولان الربح مع ظهوره مملوك، فلا بد له من مالك، ورب المال لا يملكه اتفاقا، ولا يثبت أحكام الملك في حقه، فيلزم أن يكون للعامل، إذ لا مالك غيرهما اتفاقا. ولان العامل يملك المطالبة بالقسمة، فكان مالكا، لانها فرع الملك، ولا يكفي في استحقاقها مجرد العلاقة، لانها حينئذ ليست قسمة حقيقية، وإطلاقهم يقتضي أنها حقيقية. ولانه لو لم يكن مالكا بالظهور ولم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه، والتالي باطل، لحديث محمد بن قيس (3) عن الصادق عليه السلام: قال: قلت له: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاشترى أياه وهو لا يعلم، قال: يقوم، فإن زاد درهما واحدا أعتق واستسعي في مال الرجل ، والمقتضي للاعتاق إنما هو دخوله في ملكه. ونقل الامام فخر الدين عن والده (4) أن في هذه المسألة أربعة أقوال، ولكن لم يذكر القائل بأحد منها:

(هامش)

(1) التذكرة 2: 245. (2) لاحظ الوسائل 13: 180 الباب 1، 2، 3 من كتاب المضاربة. (3) الكافي 5: 241 ح 8، الفقيه 3: 144 ح 633، التهذيب 7: 190 ح 841 والوسائل 13: 188 ب 8 من كتاب المضاربة. (4) إيضاح الفوائد 2: 322. (*)

ص 372

أحدها: أنه يملك بمجرد الظهور. وثانيها: أنه يملك بالانضاض، لانه قبله غير موجود خارجا، بل مقدر موهوم، والمملوك لا بد أن يكون محقق الوجود، فيكون الظهور موجبا لاستحقاق الملك بعد التحقيق، ولهذا يورث عنه، ويضمن حصته من أتلفها، سوا المالكوالاجنبي. وثالثها: أنه إنما يملك بالقسمة، لانه لو ملك قبلها لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعا في المال كسائر الاموال المشتركة، والتالي باطل، لانحصاره في الربح، ولانه لو ملكه لاختص بربحه، ولان القراض معاملة جائزة، والعمل فيها غير مضبوط، فلا يستحق العوض فيها إلا بتمامه كمال الجعالة. ورابعها: أن القسمة كاشفة عن ملك العامل، لان القسمة ليست من الاسباب المملكة، والمقتضي للملك إنما هو العمل، وهي دالة على تمام العمل الموجب للملك. وفي التذكرة (1) لم يذكر في المسألة عن سائر الفقهاء من العامة والخاصة سوى القولين الاولين، وجعل الثاني للشافعي في أحد قوليه، ولاحمد في إحدى الروايتين، ووافقا في الباقي على الاول، فلا ندري لمن ينسب هذه الاقوال. وهي مع ذلك ضعيفة المأخذ، فإنا لا نسلم أن الربح قبل الانضاض غير موجود، لان المال غير منحصر في النقد، فإذا ارتفعت قيمة العرض فرأس المال منه ما قابل قيمة رأس المال، والزائد ربح، وهو محقق الوجود، ولو سلم أنه غير محقق الوجود لا يقدح في كونه مملوكا، فإن الدين مملوك وهو غير موجود في الخارج، بل هو في الذمة أمر كلي. هذا ما على الثاني. وعلى الثالث: أنه لا ملازمة بين الملك وضمان الحادث على الشياع، ويجوز أن

(هامش)

(1) التذكرة 2: 243. (*)

ص 373

يكون مالكا ويكون ما يملكه وقاية لرأس المال، فيكون الملك متزلزلا، واستقراره مشروط بالسلامة. وكذا لا منافاة بين ملك الحصة وعدم ملك ربحها بسبب تزلزل الملك، ولانه لو اختص بربح نصيبه لاستحق من الربح أكثر مما شرط له، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه. ولان القسمة ليست من العمل في شيء، فلا معنى لجعلها تمام السبب في الملك، فلا وجه لالحاقها بالجعالة، وقد نبه عليه في وجه الرابع. ومن ضعف ما سبق يستفاد ضعف الرابع، لانه مرتب عليها. إذا تقرر ذلك فنقول: على تقدير الملك بالظهور فهو ليس بملك تام ولا مستقر، لان الربح وقاية لرأس المال، فلا بد لاستقراره من أمر آخر، وهو إما إنضاض جميع المال، أو إنضاض قدر رأس المال مع الفسخ أو القسمة أولا معها، على قول قوي، وبدونه يجبر ما يقع في التجارة من تلف أو خسران، سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أم مرتين، وفي صفقة أم اثنتين، وفي سفرة أم سفرات، لان معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال في زمن ذلك العقد، فإذا لم يفضل شيء فلا ربح. وهو محل وفاق. وسيأتي (1) بعض أحكام ذلك.

(هامش)

(1) في ص: 389 و392 و396. (*)

ص 374

 أحكام المضاربة :

الرابع في اللواحق وفيه مسائل:
الاولى :

العامل أمين، لا يضمن ما يتلف، إلا عن تفريط أو خيانة. وقوله مقبول في التلف، وهل يقبل في الرد؟ فيه تردد، أظهره أنه لا يقبل.

قوله: العامل أمين، لا يضمن ما يتلف إلا عن تفريط أو خيانة . المراد بالجناية ما يعبر عنه في نظائره بالتعدي، فإن استعمال شيء من أموال القراض وأكله من غير وجهه وإنفاقه كذلك يقال له خيانة للمالك وتعد للحد الذي قرره الشارع. والفرق بينهما وبين التفريط أن التفريط عدمي، وهو ترك ما يجب فعله، وهما وجوديان، لاشتراكهما في فعل ما يجب تركه. قوله: وقوله مقبول في التلف . لا فرق في ذلك بين دعواه تلفه بأمر خفي كالسرق أو ظاهر كالحرق، ولا بين إمكان إقامة البينة عليه وعدمه عندنا، لكونه أمينا فيقبل قوله فيه كسائر الامناء، بل يقبل من الغاصب كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى، فمنه أولى. قوله: وهل يقبل في الرد... الخ . وجه عدم القبول ظاهر، لاصالة عدمه، ولان المالك منكر فيكون القول قوله،

(هامش)

(1) في المسألة الاولى من مسائل التنازع في كتاب الغصب. (*)

ص 375

الثانية :

إذا اشترى من ينعتق على رب المال، فإن كان بإذنه صح وينعتق، فإن فضل من المال عن ثمنه شيء، كان الفاضل قراضا. ولو كان في العبد المذكور فضل، ضمن رب المال حصة العامل من الزيادة، والوجه الاجرة.

كما أن العامل في ذلك مدع فعليه البينة، وثبوت التخصيص في مثل دعوى التلف لامر خارج لا يقتضي ثبوته مطلقا. والقول الآخر للشيخ (1) (رحمه الله) أن القول قول العامل، لانه أمين كالمستودع، ولما في عدم تقديم قوله من الضرر، لجواز كونه صادقا، فتكليفه بالرد ثانيا تكليف بما لا يطاق. وأجيب بمنع كلية قبول قول كل أمين، وبالفرق بينه وبين المستودع، فإنه قبض لنفع نفسه، والمستودع قبض لنفع المالك، وهو محسن محض، فلا يناسب إثبات السبيل عليه بعدم قبول قوله، لما فيه من الضرر. والضرر اللاحق للعامل من عدم قبول قوله مستند إلى حكم الشرع، فلا يقدح. والتكليف بما لا يطاق ممنوع بما سيأتي. لكن يبقى في المسألة بحث، وهو أنه إذا لم يقبل قوله في الرد يلزم تخليده الحبس لو أصر على إنكاره، خصوصا مع إمكان صدقه، وهم قد تحرجوا من ذلك في الغاصب حيث يدعي التلف فكيف بثبتونه في الامين؟ إلا أن يحمل على مؤاخذته ومطالبته به وإن أدت إلى الحبس، للاستظهار به إلى أن يحصل اليأس من ظهورالعين، ثم يؤخذ منه البدل للحيلولة. إلا أن مثل هذا يأتي في دعوى التلف، خصوصا من الغاصب. وليس في كلامهم تنقيح لهذا المحل، فينبغي النظر فيه. قوله: إذا اشترى من ينعتق على رب المال - إلى قوله - والوجه الاجرة . لما كان مبنى عقد القراض على طلب الربح فكل تصرف ينافيه يكون باطلا،

(هامش)

(1) المبسوط 3: 174 - 175. (*)

ص 376

ومن جملته شراء من ينعتق على المالك، لانه تخسير محض فضلا عن عدم اشتماله على الغرض المقصود من العقد، فإن أذن المالك في شرائه صح، كما لو اشتراه بنفسه أو وكيله، وعتق على المالك، وبطلت المضاربة في ثمنه، لانه بمنزلة التالف، وصار الباقي رأس المال إن كان، وإلا بطلت المضاربة كما لو تلف جميع مالها. هذا إذا لم يكن في العبد ربح حين الشراء. فإن كان فيه ربح، فهل يستحق العامل حصته في العبد، أم تكون له الاجرة؟ قولان مبنيان على وقت ملكه للحصة، فإن جعلناه بالانضاض أو القسمة فلا إشكال في عدم استحقاقه هنا، لانتفائهما، وإن جعلناه بالظهور، كما هو المشهور المنصور، احتمل كونه كذلك - كما اختاره المصنف - لبطلان المضاربة بهذا الشراء، لعدم كونه من متعلق الاذن، فإن شراء المضاربة ما اقتضى التقليب والبيع (1)، وطلب الربح مرة بعد أخرى، وهو منفي هنا، لكونه مستعقبا للعتق، فإذا صرف الثمن فيه بطلت، وضمن المالك للعامل أجرة المثل، كما لو فسخ المالك بنفسه. ويحتمل ثبوت حصة العامل في العبد، لتحقق الملك بالظهور، ولا يقدح فيه عتقه القهري، لصدوره بإذن المالك، فكأنه استرد طائفة من المال بعد ظهور الربح وأتلفها، وحينئذ فيسري على العامل مع يسار المالك إن قلنا بالسراية في مثله من العتق القهري، أو مع اختيار الشريك السبب، ويغرم له نصيبه مع يساره، وإلا استسعي العبد فيه (2). والاول أقوى، لان هذا الشراء ليس من متعلق العبد كما قررناه. فإن قيل: إستحقاق العامل الاجرة إنما هو في العمل المحسوب للمضاربة، فإن قلتم بأن هذا ليس من أعمالها، بل خلاف مقتضاها، يجب أن لا يستحق العامل

(هامش)

(1) في س : والبيع والشراء. (2) في هامش هـ و و و ن : ذكر المحقق الشيخ علي رحمه الله في الشرح أن القول بعدم ثبوت أجرة المثل متوجه إن لم يكن إحداث قول ثالث، محتجا بما قد أجبنا عنه. تأمل منه رحمه الله راجع جامع المقاصد 8: 98. (*)

ص 377

[وإن كان بغير إذنه، وكان الشراء بعين المال، بطل. وإن كان في الذمة، وقع الشراء للعامل، إلا أن يذكر رب المال.

شيئا.قلنا: إستحقاق الاجرة ليس مقصورا على هذا العمل وحده، بل عليه وعلى ما تقدمه من الحركات والسفر وغيره من المقدمات من حين العقد إلى الآن، لان ذلك كله من متعلقات العقد وقد فسخ باختيار المالك الذي هو في قوة فسخه، فيثبت للعامل عليه الاجرة، كما إذا فسخ المالك قبل أن يشتري العامل وبعد أن يسعى ويسافر ويعمل ما شاكل ذلك من المقدمات. وأما هذا العقد فإنه وإن لم يكن من مقتضيات العقد لكنه عمل مأمور به من المالك من فاعل معد نفسه للعمل بالعوض، فيجب أن يثبت له عليه أجرة مثله مضافا إلى ما تقدم. وعلى تقدير انحصار العمل من حين العقد فيه ففيه الاجرة إن كان مثله مما يحتمل الاجرة، وإلا فلا. وحكم المصنف وغيره (1) بالاجرة لا يسع أزيد من ذلك، بل المراد إن كان العمل مما له أجرة، فإن الاحالة على أجرة المثل يقتضي أن للمثل أجرة قطعا، وبهذا يحصل الفرق بين عمل هذا العامل وعمل الوكيل الذي مبنى عمله على التبرع والاجرة ليست من مقتضياته، بخلاف القراض، فإنه مبني على طلب العوض على عمله من حصة أو أجرة. قوله: وإن كان بغير إذنه وكان الشراء بعين المال بطل... الخ . إذا وقع الشراء المذكور بغير إذن المالك فلا يخلو: إما أن يكون الشراء بعين المال، أو في الذمة. وعلى التقديرين: فإما أن يكون عالما بالنسب وحكم الشراء المذكور، أو جاهلا بهما، أو بأحدهما خاصة. فالصور ثمان. وعلى تقدير الشراء في الذمة: إما أن يذكر المالك للبائع لفظا، أو ينوي الشراء له خاصة، أو يطلق (2). ونية

(هامش)

(1) القواعد 1: 247، ايضاح الفوائد 2: 313. (2) في هامش هـ و و و ن : وبهذا يرتقي الصور إلى ستة عشر، لان صور الذمة أربع مضروبة في ثلاث ومضافة إلى الاربع الباقية في الشراء بالعين. منه رحمه الله . (*)

ص 378

نفسه خارجة من هذا المقام. والمصنف (رحمه الله) لم يفرق في إطلاق كلامه بين العالم بالنسب والحكم والجاهل. وخلاصة القول في ذلك: أنه إن اشترى بعين المال بطل، أي لم يقع لازما، لكنه يكون فضوليا يقف على الاجازة، مع احتمال أن يريد بالبطلان حقيقته، نظرا إلى النهي عن الشراء المذكور، من حيث منافاته لغرض القراض، واشتماله على الاتلاف المحض. ويضعف بأن غايته التصرف في مال المالك بغير إذنه، وذلك هو الفضول بعينه، والنهي فيه لا يبلغ حد الفساد كنظائره. هذا مع علمه بالنسب والحكم.أما مع جهله فيحتمل كونه كذلك، لان الاذن في هذا الباب إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه وتقليبه في التجارة للاسترباح، ولا يتناول غير ذلك، فلا يكون ما سواه مأذونا فيه، والتباس الامر ظاهرا لا يقتضي الاذن، غايته أنه غير آثم لجهله. وهذا هو الذي دل عليه إطلاق المصنف. ويحتمل صحة البيع، ويحكم بعتقه على المالك قهرا، ولا ضمان على العامل، لان العقد المذكور إنما يقتضي شراء ما ذكر بحسب الظاهر لا في نفس الامر، لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل، لاستلزامه تكليف ما لا يطاق، وكما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف بذلك العيب. والفرق بين المعيب والمتنازع بجواز شراء المعيب اختيارا دونه لا يدخل فيما نحن فيه، لان الكلام في حالة لا ربح فيها، كالعيب المفروض الذي يأتي على النفس والحال أنه جاهل به، وافتراقه عنه في حالة أخرى لا دخل له في المطلوب. وكذا القول بأن تكليف الغافل وما لا يطاق إنما يقتضيان عدم الاثم لا صحة العقد، لحكمهم بصحة العقود التي يظن فيها الربح وإن ظهرت على خلاف ذلك، بل على ضده، فليكن هنا كذلك. فالحكم موضع إشكال. ويقوى الاشكال في جاهل أحدهما خصوصا جاهل الحكم، لانه غير معذور، لقدرته على التحفظ، فإن العلم مقدور

ص 379

الثالثة :

لو كان المال لامرأة، فاشترى زوجها، فإن كان بإذنها، بطل النكاح. وإن كان بغير إدنها، قيل: يصح الشراء، وقيل: يبطل، لان عليها في ذلك ضررا، وهو أشبه.

لنا، أما جاهل النسب فمعذور بما تقدم. وإن اشترى في الذمة لم يقع للمضاربة، لما تقدم من عدم تناول الاذن لها، لكن إن كان ذكر المالك لفظا فهو فضولي، وإن نواه خاصة وقع للعامل ظاهرا وبطل باطنا، فلا يعتق، ويجب عليه التخلص منه على وجه شرعي، إذ ليس ملكا له في نفس الامر، للنية الصارفة عنه. وإن أطلق وقع له مطلقا. قوله: إذا كان المال لامرأة، فاشترى زوجها... الخ . لا شبهة في صحة الشراء إذا كان بإذنها، لان الضرر جاء من قبلها. ويبطل النكاح لامتناع اجتماع الملك والنكاح، على ما هو محقق في بابه. وإن كان بغير إذنها فقد نقل المصنف فيه قولين: أحدهما: الصحة، والقائل به غير معلم. ووجهه: أنه اشترى ما يمكنه طلب الربح فيه، ولا يتلف به رأس المال، فجاز كما لو اشترى ما ليس بزوج. والثاني: بطلان الشراء، لما ذكره المصنف من العلة، وهي حصول الضرر على المالكة به، فيكون ذلك دليلا على عدم الرضا، وتقييدا لما أطلقت من الاذن بدليل منفصل عقلي أو نحوه، وينبغي على هذا أن يكون موقوفا على إجازتها إذا قلنا بتوقف عقد الفضولي عليها. ويحتمل أن يريد به قائله البطلان مطلقا، لما ذكر من القرينة المقيدة (1). وحينئذ تصير الاقوال ثلاثة، وقد نقلها العلامة كذلك (2)، وإن كان القائل بها غير محرر. والاقوى البطلان مع عدم الاجازة. إذا تقرر ذلك فعلى القول بالبطلان مطلقا الحكم واضح. وعلى وقوفه إن أبطلته فكذلك، وإن أجازته بطل النكاح، ولم يضمن العامل ما فاتها من المهر

(هامش)

(1) في و و ب : المفيدة. (2) القواعد 1: 247. (*)

ص 380

الرابعة :

إذا اشترى العامل أباه، فإن ظهر فيه ربح انعتق نصيبه من الربح، ويسعى المعتق في باقي قيمته، موسرا كان العامل أو معسرا.

والنفقة، لان فواته مستند إلى اختيارها. وعلى القول بالصحة يضمن ما فات بسببهمع علمه بالزوجية، لان التفويت جاء من قبله، لكن ضمانه للمهر ظاهر، أما النفقة فمشكل، لانها غير مقدرة بالنسبة إلى الزمان، ولا موثوق باجتماع شرائطها، بل ليست حاصلة، لان من جملتها التمكين في الزمن المستقبل، وهو غير واقع الآن، إلا أن يقال بأنه يضمنها على التدريج، وهو بعيد. والظاهر اختصاص ضمانه بالمهر على هذا القول. وهو الذي ذكره جماعة (1). قوله: إذا اشترى العامل أباه... الخ . إذا اشترى العامل بمال القراض من ينعتق عليه كأبيه - وخصه المصنف لانه مورد الرواية - فلا يخلو إما أن يكون فيه ربح حين الشراء أو لا. فإن لم يكن فإما أن يتجدد بعد ذلك فيه ربح لارتفاع السوق ونحوه، أو لا. فإن لم يكن فيه ربح سابقا ولا لاحقا فالبيع صحيح، إذ لا ضرر فيه على أحدهما ولا عتق. وإن كان فيه ربح من حين الشراء، فلا يخلو: إما أن نقول بأن العامل يملك حصته من الربح من حين ظهوره، أو يتوقف على أحد الامور بعده، فإن قلنا بأحد الامور لم يعتق أيضا، فلا مانع من شرائه. وإن قلنا بالاول ففيه أوجه، إختار المصنف أصحها، وهو صحة البيع وانعتاق نصيب العامل، ولا يسري إلى نصيب المالك، بل يستسعى العبد في باقي قيمته للمالك، وإن كان العامل موسرا. أما صحة البيع فلوجود المقتضي، وهو صدوره من جائز التصرف على وجهه، وانتفاء المانع، إذ ليس إلا حصول الضرر على المالك، وهو منتف هيهنا، لان العتق إنما هو على العامل دون المالك. وأما عتق نصيب العامل فلاختياره السبب المفضي إليه كما لو اشتراه بماله.

(هامش)

(1) راجع القواعد 1: 247، وجامع المقاصد 8: 104. وفي هامش هـ و و و ن : ذكر الشيخ علي رحمه الله في الشرح أنه يضمن النفقة كما يضمن المهر في ظاهر كلامه. وهو موضع تأمل. منه رحمه الله . (*)

ص 381

وأما عدم سريان العتق على العامل مع يساره فلصحيحة محمد بن أبي عمير، عن محمد بن قيس (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم، قال: يقوم فإن زاد درهما واحدا أعتق، واستسعي في مال الرجل أطلق الحكم بالاستسعاء من غير سؤال عن حال العامل هل هو موسر أو معسر؟ وترك الاستفصال في مثل ذلك دليل العموم. وليس السؤال عن رجل معين ليحتمل كونه - عليه السلام - عالما بحاله، بل عن مطلق يحتمل الامرين. ولان التقويم عليه على خلاف الاصل، إذ هو شغل لذمة برية، فيقتصر فيه على موضع الوفاق. والوجه الثاني: الحكم بحاله إلا أنه ان يقوم على العامل مع يساره، لاختيارهالسبب، وهو موجب للسراية، لان اختيار السبب إختيار للمسبب، كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى. وحملت الرواية على إعسار العامل جمعا بين الادلة، أو على تجدد الربح بعد الشراء كما سيأتي. والثالث: بطلان البيع، لانه مناف لمقصود القراض، إذ الغرض هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح، وهذا الشراء بتعقب العتق له ينافي ذلك، فيكون مخالفا للتجارة، فيكون باطلا، لعدم الاذن فيه، أو موقوفا على الاجازة. والوسط لا يخلو من قوة لولا إطلاق الرواية. وإن لم يكن فيه ربح حال الشراء ثم ظهر بارتفاع السوق بني على الاقوال كما مر. فإن قلنا يملكه بالظهور عتق نصيب العامل أيضا قطعا، لحصول المقتضي، لكن هل يسري عليه لو قلنا به في السابق؟ وجهان: أحدهما إلحاقة به، لاختياره السبب وهو الشراء، إذ لولاه لم يملك شيئا بارتفاع السوق، وهو اختيار للمسبب. وفيه نظر،

(هامش)

(1) الكافي 5: 241 ح 8، الفقيه 3: 144 ح 633، التهذيب 7: 190 ح 841، والوسائل 13: 188 ب 8 من أحكام المضاربة. وفي بعض المصادر: ميسر بدل قيس. (2) في الفصل الثالث من كتاب العتق. (*)

ص 382

الخامسة :

إذا فسخ المالك صح، وكان للعامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت. ولو كان بالمال عروض، قيل: كان له أن يبيع، والوجه المنع ولو ألزمه المالك، قيل: يجب عليه أن ينض المال. والوجه أنه لا يجب.

لان الشراء ليس هو مجموع السبب، بل جزؤه، والسبب القريب إنما هو ارتفاع السوق، ولا دخل لاختياره فيه، فلا يكون مختارا للسبب، لان جزءه غير مقدور، ولكن إطلاق الرواية السابقة يتناوله، فإنه يشمل ما لو كان الربح موجودا حال الشراء ومتجددا بعده، وقد ترك الاستفصال أيضا فيعم، كما مر. والوجه الثاني عدم السراية، لعدم اختياره السبب، كما قد علم من مطاوي السابق. والاول أقوى لولا معارضته إطلاق الرواية. وهذا هو السر في إطلاق المصنف الحكم بالعتق من غير نظر إلى تجدد الربح ووجوده، وعدم السراية على العامل مطلقا تقيدا بإطلاق النص، وإن كان منافيا لما سيأتي (1) من القواعد في بابه. قوله: إذا فسخ المالك صح، وكان للعامل... الخ . إذا انفسخ عقد القراض، فلا يخلو: إما أن يكون فسخه من المالك، أو من العامل، أو منهما، أو من غيرهما، كعروض ما يقتضي الانفساخ من موت وجنون وغيرهما. وعلى كل تقدير: فإما أن يكون المال ناضا كله، أو قدر رأس المال، أو بجميعه عروض، أو ببعضه دون ذلك. وعلى التقادير الستة عشر: إما أن يكون قد ظهر ربح ولو بالقوة، كوجود من يشتري بزيادة عن القيمة، أولا. فهذه أقسامالمسألة، وهي اثنتان وثلاثون. وأكثر حكمها مختلف يحتاج إلى التفصيل. والمصنف ذكر حكم ما لو كان الفسخ من المالك مع بعض أقسامه كما ترى. وجملة أحكامها: أن المال لو كان ناضا ولا ربح أخذه المالك، ولا شيء للعامل إلا أن يكون الفسخ من قبله، فعليه أجرة العامل لمثل ما عمل على ما يقتضيه إطلاق المصنف، لان عمله محترم صدر بإذن المالك لا على وجه التبرع بل في مقابلة الحصة،

(هامش)

(1) يأتي في كتاب العتق، الفصل الثاني في السراية. (*)

ص 383

وقد فاتت بفسخ المالك قبل ظهور الربح، فيستحق أجرة المثل إلى حين الفسخ. ويشكل بأنه لم يقدم إلا على الحصة على تقدير وجودها، ولم توجد فلا شيء له، والمالك مسلط على الفسخ حيث شاء. ويمكن دفعه بأنه إنما جعل له الحصة خاصة على تقدير استمراره إلى أن يحصل، وهو يقتضي عدم عزله قبل حصولها، فإذا خالف فقد فوتها عليه، فيجب عليه أجرته، كما إذا فسخ الجاعل بعد الشروع في العمل. وفيه نظر، لان رضاهما بهذا العقد قدم على مقتضياته، ومنها جواز فسخه في كل وقت، والاجرة لا دليل عليها. وهذا البحث آت فيما لو فسخ المالك قبل الانضاض أيضا. وإن كان قد ظهر ربح والحال أنه بعد الانضاض، أخذ العامل حصته منه - وإن قل - خاصة اتفاقا. وإن كان الفسخ قبل الانضاض ولم يظهر ربح أخذه المالك إن شاء. وهل للعامل أن يبيعه لو أراد من دون رضا المالك؟ قولان، مبناهما كونه ملك المالك، فلا يجبر على بيعه، والفرض عدم تعلق حق العامل به حيث لا ربح، ومن تعلق حق العامل به، واحتمال وجود زبون يزيد في الثمن فيحصل الربح. وضعف الاخير ظاهر. نعم، لو كان الزبون المذكور موجودا بالفعل توجه الجواز، لانه في قوة ظهور الربح. ولو انعكس الحال، بأن طلب المالك منه إنضاض المال ولا ربح فيه، ففي إجبار العامل عليه قولان، من ظاهر قوله صلى الله عليه وآله: على اليد ما أخذت حتى تؤدي (1)، وقد أخذه نقدا فيجب رده إليه، ولحدوث التغير في المال بفعله فيجب رده، ومن حدوث التغير بإذن المالك، وأصالة البراءة من عمل لا عوض عليه بعد ارتفاع العقد. ولعله أقوى.

(هامش)

(1) تقدم مصادره في ص: 359، الهامش (2). (*)

ص 384

وإن كان قد ظهر ربح والحال أنه قبل الانضاض وقلنا بملكه بالظهور، فإن اتفقا على أخذ حقه منه بغير إنضاض فلا بحث، وإلا فإن طلب المالك إنضاضه وجب على العامل إجابته، لان استحقاقه الربح وإن كان ثابتا بظهوره إلا أن استقرارهمشروط بالانضاض، فيحتمل عروض ما يقتضي سقوطه. وإن طلب العامل البيع خاصة ففي وجوب إجابة المالك له وجهان، مأخذهما إمكان حصول العامل إلى حقه بقسمة العروض، وإسقاط باقي العمل عنه تخفيف من المالك، لانه حقه، فلا يكلف الاجابة إلى بيع ماله بعد فسخ المعاملة، وأن حال العامل لا يزيد على حال الشريك، ومعلوم أنه لا يكلف شريكه إجابته إلى البيع، ومن وجوب تمكين العامل من الوصول إلى غرضه الحاصل بالاذن، وربما لم يوجد راغب في شراء بعض العروض، أو وجد لكن بنقصان، أو رجي وجود زبون يشتري بأزيد فيزيد الربح، ولا ريب أن للعامل مزية على الشريك من حيث إن حقه يظهر بالعمل، والربح عوضه. ولو قلنا بتوقف ملكه على الانضاض أو غيره فوجوب إجابته أبعد. وموضع الاشكال ما إذا طلب العامل البيع في الحال، أما لو طلب تأخيره إلى وقت متأخر، كموسم متوقع، فليس له ذلك قطعا، للضرر. ولو كان الفسخ في هذه الصور من العامل فالحكم كذلك، إلا أن استحقاقه الاجرة لو كان ناضا لا ربح فيه أبعد. وكذا وجوب إجابة المالك له إلى بيعه في الحالين، لان المانع من قبله. وفي التذكرة (1) أطلق الحكم بثبوت الاجرة له لو فسخا العقد أو أحدهما وكان ناضا ولا ربح. ولو كان بعضه ناضا فإن كان قدر رأس المال إتجه عدم إجبار العامل على إنضاض الباقي، لرجوع المال إلى المالك كما كان. وأولى منه لو كان أزيد. ولو كان أقل توجه جواز اقتصاره على إنضاض قدره لو قلنا بإجباره على الانضاض فيما سبق. وفي أكثر هذه الفروع إشكال من عدم نص على التعيين، وتعارض الوجوه الدالة

(هامش)

(1) التذكرة 2: 246. (*)

ص 385

[وإن كان سلفا، كان عليه جبايته. وكذا لو مات رب المال وهو عروض، كان له البيع، لا أن يمنعه الوارث. وفيه قول آخر.

على الحكم. وجملتها ما قد رأيت. قوله: وإن كان سلفا، كان عليه جبايته . قد عرفت أن العامل ليس له البيع بالدين إلا مع الاذن، وكذا الشراء نسيئة كالسلف، فمع عدم إذن المالك فيه يكون الثمن مضمونا على العامل، ولا كلام فيه هنا. وإنما الكلام فيما إذا أذن فيه. وقد أطلق المصنف وجماعة (1) وجوب جبايته على العامل، وكذا غيره من الدين المأذون فيه، لاقتضاء المضاربة رد رأس المال علىصفته، والديون لا تجري مجرى المال، ولان الدين ملك ناقص، والذي أخذه كان ملكا تاما، فليؤد كما أخذ لظاهر على اليد ما أخذت حتى تؤدي (2). وربما احتمل عدم الوجوب، لمنع كون المضاربة كما ذكر، والحال أن الادانة بإذن المالك، ولاصالة براءة الذمة من وجوبه. ويضعف بأن إذن المالك فيه إنما كانت على طريق الاستيفاء، لا مطلقة، بدلالة القرائن، ولاقتضاء الخبر ذلك. ولو قلنا فيما سبق بجواز إجباره على بيع العروض فهنا أولى. قوله: وكذا لو مات رب المال وهو عروض... الخ: . الحكم هنا مبني على ما سلف من الفسخ، فإن الموت من جملة أسبابه، فوجوب إجابة كل واحد من العامل والوارث لو طلب الآخر، فيه ما سلف من التفصيل. والقول الآخر هنا أنه ليس للعامل البيع وإن لم يمنعه الوارث، لان المال حق لغير من أذن فيه أولا، فلا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه، لبطلان العقد، وهو متجه.

(هامش)

(1) كما في الجامع للشرائع: 315، وإرشاد الاذهان 1: 436. (2) تقدم مصادره في ص: 359، الهامش (2). (*)

ص 386

السادسة :

إذا قارض العامل غيره، فإن كان بإذنه، وشرط الربح بين العامل الثاني والمالك، صح. ولو شرط لنفسه لم يصح، لانه لا عمل له. وإن كان بغير إذنه لم يصح القراض الثاني. فإن ربح، كان نصف الربح للمالك، والنصف الآخر للعامل الاول وعليه أجرة الثاني، وقيل: للمالك أيضا، لان الاول لم يعمل، وقيل: بين العاملين، ويرجع الثاني على الاول بنصف الاجرة. والاول حسن.

قوله: إذا قارض العامل غيره، فإن كان بإذنه - إلى قوله - لانه لا عمل له . إذن المالك للعامل في المضاربة قد يكون بمعنى جعل العامل هو الثاني، والعامل الاول إذا أراد ذلك بمنزلة وكيل المالك، وقد يكون بمعنى إدخال من شاء معه، وجعلهما عاملين، وقد يكون بالاعم منهما. ومراد المصنف هنا الاول. ومن ثم لم يصح أن يجعل له شيئا من الربح، لانه ليس بعامل. وقد تقدم (1) أن مقتضى عقد القراض كون الربح بين المالك والعامل. ولا فرق في هذه الصورة بين جعل الحصة للعامل الثاني بقدر حصة الاول ودونها، لان النقصان هنا وإن كان بسعي العامل الاول فليس بعمل من أعمال التجارة التي يستحق به حصة. ولو كانت الاذن بالمعنى الثاني أو بالاعم، وجعل الثاني شريكا له في العمل والحصة بينهما، صح، لانتفاء المانع في الاول، وهو عدم العمل. قوله: ولو كان بغير إذنه لم يصح... الخ . إذا عامل العامل بغير إذن المالك وسلمه المال، فلا يخلو: إما ان يبقى المال فييد الثاني موجودا أو يتلف. وعلى التقديرين: إما أن يظهر ربح، أولا. ثم إما أن يكون الثاني عالما بأن الاول غير مالك للمال، ولا مأذون له في ذلك، أولا. ثم إما أن يجيز المالك العقد الثاني، أو يرده. فإن لم يجزه بطل، ورجع في ماله إن وجده باقيا ولا

(هامش)

(1) في ص: 364. (*)

ص 387

ربح فيه، وإن وجده تالفا تخير في الرجوع على أيهما شاء، لتعاقب أيديهما على ماله. فإن رجع على الاول رجع على الثاني مع علمه، لاستقرار التلف في يده، لا مع جهله على الاقوى، لغروره، ودخوله على أنه أمانة. وإن رجع على الثاني لم يرجع على الاول مع علمه، ويرجع مع جهله على الاقوى. وإن وجده باقيا وقد ربح فنصف الربح للمالك بغير إشكال. وأما النصف الآخر ففيه أقوال: أحدها: ما اختاره المصنف من أنه للعامل الاول، لوقوع العقد الصحيح معه، فيستحق ما شرط، وعقده مع الثاني فاسد، فلا يتبع شرطه. وعلى هذا فللثاني أجرة مثل عمله على الاول، لانه غره. وهذا يتم مع جهل الثاني لا مع علمه. وفيه مع ذلك أن الشراء إن كان بعين المال والحال أنه غير مأذون من المالك فهو فضولي، فينبغي أن يقف على إجازته، فإن أجاز فالجميع له، لان العامل الاول لم يعمل شيئا، والثاني غير مأذون. وإن كان في الذمة ونوى أو صرح بالمالك فكذلك، وإلا وقع لمن نواه، ولنفسه إن أطلق. فلا يتم ما أطلق في هذا القول. وثانيها: أن النصف الآخر للمالك أيضا، لان العامل الاول لم يعمل شيئا، والثاني عقده فاسد. ولا بد من تقييده بما ذكرناه. وعلى هذا فأجرة الثاني على الاول مع جهله لا على المالك، لعدم أمره. وثالثها: أن النصف بين العاملين بالسوية اتباعا للشرط، خرج منه النصف الذي أخذه المالك، فكأنه تالف، وانحصر الربح في الباقي. وعلى هذا فيرجع العامل الثاني على الاول بنصف أجرته، لانه دخل على نصف الربح بتمامه، ولم يسلم له إلا نصفه. ويحتمل هنا عدم الرجوع، لان الشرط محمول على اشتراكهما فيما يحصل، ولم يحصل إلا النصف. هذا كله مع جهل الثاني ليتم التوجيه. وهذه الاقوال ليست لاصحابنا، ولا نقلها عنهم أحد ممن نقل الخلاف، وإن

ص 388

السابعة :

إذا قال: دفعت إليه مالا قراضا، فأنكر، وأقام المدعي بينة، فادعى العامل التلف، قضي عليه بالضمان. وكذا ولو ادعى عليه وديعة أو غيرها من الامانات.

كان ظاهر العبارة ب‍ قيل وقيل يشعر به. وإنما هي وجوه للشافعية (1) موجهة، ذكرها المصنف والعلامة (2) في كتبه، ونقل الشيخ في المبسوط (3) قريبا منها بطريقة أخرى غير منقحة. ولهم وجه رابع: أن جميع النصف للعامل الثاني عملا بالشرط، ولا شيء للاول، إذ لا ملك له ولا عمل. والتحقيق في هذه المسألة المرتب على أصولنا: أن المالك إن أجاز العقد فالربح بينه وبين الثاني على الشرط، وإن لم يجزه بطل. ثم الشراء إن كان بالعين وقف على إجازة المالك، فإن أجاز فالملك له خاصة، ولا شيء لهما في الربح. أما الاول فلعدم العمل، وأما الثاني فلعدم الاذن له، وعدم وقوع العقد معه. وللثاني أجرة مثل عمله على الاول مع جهله لا مع علمه. وإن كان الشراء في الذمة ونوى صاحب المال فكذلك، وإن نوى من عامله وقع الشراء له، لانه وكيله، وإن لم ينو شيئا أو نوى نفسه فالعقد له، وضمان المال عليه، لتعديه بمخالفة مقتضى المضاربة. وحيث لا يقع العقد للعامل الثاني فله الاجرة على الاول مع جهله إن لم يتعد مقتضى المضاربة عمدا. قوله: إذا قال دفعت إليه مالا قراضا - إلى قوله - أو غيرها من الامانات . لان دعواه التلف مكذبة لانكاره الاول، وموجبه للاقرار به، وإنكاره الاول تعد في المال، فيكون ضامنا. وقوله: قضي عليه بالضمان معناه الحكم عليه بالبدل

(هامش)

(1) راجع المغني لابن قدامة 5: 159 - 161، المهذب راجع المجموع 14: 370، والوجيز 1: 224. ولم نجد القائل بثانيها. (2) التذكرة 2: 240، التحرير 1: 278. (3) المبسوط 3: 181 - 182. (*)

ص 389

[أما لو كان جوابه: لا يستحق قبلي شيئا، أو ما أشبهه، لم يضمن.

الثامنة :

إذا تلف مال القراض أو بعضه، بعد دورانه في التجارة، احتسب التالف من الربح. وكذا لو تلف قبل ذلك. وفي هذا تردد.

مثلا أو قيمة، لا ضمان نفس الاصل، لئلا يلزم تخليده الحبس. وهذه العبارة أجود من قول العلامة: لم تقبل دعواه (1) لاستلزام عدم القبول حبسه إلى أن يدفع العين، وقد تكون تالفة، إلا أن يتكلف نحو ما تقدم (2) من حبسه مدة تظهر فيها اليأس من وجود العين. ولا فرق في هذا الحكم بين مال المضاربة وغيره من الاماناتكما ذكر، لوجود المقتضي في الجميع. قوله: أما لو كان جوابه لا يستحق... الخ . إذ ليس في ذلك تكذيب للبينة، ولا للدعوى الثانية، فإن المال إذا تلف بغير تفريط لا يستحق عليه بسببه شيئا. وحينئذ فيقبل قوله في التلف بغير تفريط مع يمينه. قوله: إذا تلف مال القراض أو بعضه... الخ . ظاهر العبارة أن يبيع مال القراض تلف، وحينئذ فجبره بالربح بعد الدوران ممكن، أما قبله فإنه يوجب بطلان العقد، فلا يمكن جبره (3)، إلا أن يحمل على ما لو أذن له في الشراء في الذمة، فاشترى ثم تلف المال ونقد عنه الثمن، فإن القراض يستمر، ويمكن جبره حينئذ بالربح المتجدد. ولو كان التالف بعض المال أمكن جبره على التقديرين. ووجه التردد فيما لو كان تلفه قبل الدوران: من أن وضع المضاربة على أن الربح وقاية لرأس المال، فلا يستحق العامل ربحا إلا بعد أن يبقى رأس المال بكماله، لدخوله على ذلك، وعدم دورانه لا دخل له في الحكم، بخلافه، ومن أن

(هامش)

(1) التذكرة 2: 245، والقواعد 1: 252. وعبارته: لم يقبل قوله . (2) في ص: 375. (3) في هامش س : جبره حينئذ بالربح... . (*)

ص 390

التاسعة :

إذا قارض اثنان واحدا، وشرطا له النصف منهما، وتفاضلا في النصف الآخر مع التساوي في المال، كان فاسدا لفساد الشرط. وفيه تردد.

التلف قبل الشروع في التجارة يخرج التالف عن كونه مال قراض. والاقوى عدم الفرق، لان المقتضي لكون مال قراض هو العقد لا دورانه في التجارة، فمتى تصور بقاء العقد وثبوت الربح جبر ما تلف مطلقا. والمراد بدوران المال في التجارة التصرف فيه بالبيع والشراء، لا مجرد السفر به قبل ذلك. وإطلاق المصنف الجبر مع تلفه بعد الدوران يشمل ما لو تلف بآفة سماوية، وبغصب غاصب، وسرقة سارق، وغير ذلك. ووجه الاطلاق أن الربح وقاية لرأس المال، فما دام المال لا يكون موجودا بكماله فلا ربح. وربما قيل باختصاص الحكم بما لا يتعلق فيه الضمان بذمة المتلف، لانه حينئذ بمنزلة الموجود، فلا حاجة إلى جبره، ولانه نقصان لا يتعلق بتصرف العامل وتجارته، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ونحوه. والمشهور عدم الفرق.ولا يخفى أن الكلام مع عدم حصول العوض من المتلف، وإلا كان العوض من جملة المال. وقد ظهر بذلك أن الخلاف واقع بعد الدوران وقبله، إلا أنه ليس مطلقا، بل على بعض الوجوه. قوله: إذا قارض اثنان واحدا، وشرطا له النصف... الخ . وجه الفساد: أن الربح يجب أن يكون تابعا للمال، فإذا شرطا له النصف كان النصف الآخر بينهما بالسوية، فشرط التفاوت فيه يكون شرطا لاستحقاق ربح بغير عمل ولا مال. ووجه التردد: مما ذكر، ومن أن مرجع ذلك إلى أن أخذ الفاضل يكون من حصة العامل لا من حصة الشريك، لان الاصل لما اقتضى التساوي في الربح للشريكين مع التساوي في المال كان شرط التفاوت المذكور منصرفا إلى حصة العامل، بمعنى أن شارط الزيادة يكون قد جعل للعامل أقل مما جعل له آخذ

ص 391

العاشرة :

إذا اشترى عبدا للقراض، فتلف الثمن قبل قبضه، قيل: يلزم صاحب المال ثمنه دائما، ويكون الجميع رأس ماله، وقيل: إن كان أذن له في الشراء في الذمة فكذلك، وإلا كان باطلا، ولا يلزم الثمن أحدهما.

النقيصة، وهو جائز. هذا مع إطلاقهما شرط النصف له من غير تعيين لما يستحق على كل واحد، فإنه كما يحتمل الصحة حملا على ما ذكرناه يحتمل البطلان، فيرجح جانب الصحة، لامكان الحمل عليها، ولعموم أوفوا بالعقود (1). وهذا هو الاقوى. أما لو صرحا باستحقاقه من نصيب كل منهما بخصوصه نصفه فإنه يجئ في صحة العقد والشرط ما سبق في الشركة (2) من اشتراط التفاوت في الربح مع تساوي المالين وبالعكس. وحيث قيدنا الصحة بعمل طالب الزيادة بطل هنا، إذ لا عمل لهما. قوله: إذا اشترى عبدا للقراض فتلف... الخ . القول الاول للشيخ في المبسوط (3)، والثاني لابن إدريس (4) وإن غايره في شيء يسير. والاقوى هنا ما أسلفناه (5) سابقا من التفصيل، وهو أنه إن كان العامل اشتراه في الذمة، والمالك أذن له في الشراء في الذمة، لزمه دفع الثمن ثانيا وثالثا دائما، وإلا فإن صرح بكون الشراء له وقف على إجازته، فإن أجاز لزمه الثمن، وإلا بطل البيع. وإن لم يذكره لفظا وقع الشراء للعامل والثمن عليه، ويبقى فيما لو نواه ما مر، وإن كان اشتراه بعين المال فهلك قبل دفعه بطل العقد. وحيث يلزم المالك الثمن ثانيا يكون الجميع رأس ماله، يجبر جميعه بالربح.

(هامش)

(1) المائدة: 1.(2) في ص: 311 - 314. (3) المبسوط 3: 194. (4) السرائر 2: 413. (5) في ص: 377 - 389. (*)

ص 392

الحادية عشرة :

إذا نض قدر الربح، فطلب أحدهما القسمة، فإن اتفقا صح. وإن امتنع المالك لم يجبر. فإن اقتسما وبقي رأس المال معه فخسر، رد العامل أقل الامرين واحتسب المالك.

قوله: إذا نض قدر الربح فطلب أحدهما القسمة... الخ . قد عرفت أن ملك العامل للربح قبل القسمة غير مستقر، لجواز تجدد تلف أو خسران، وهو وقاية للمال، فمن ثم لا يجبر المالك على قسمته. فإن اتفقا على القسمة لم يملكها العامل ملكا مستقرا أيضا، بل مراعى بعدم الحاجة إليها لجبر الخسران وما في معناه. وحينئذ فإن اتفق الخسران بعد القسمة رد العامل أقل الامرين مما وصل إليه من الربح ومما يصيبه من الخسران، لان الاقل إن كان هو الخسران فلا يلزمه سوى جبر المال والفاضل له، وإن كان هو الربح فلا يلزمه الجبر إلا به. وكذا يحتسب المالك أي يحتسب رجوع أقل الامرين إليه من رأس المال فيكون رأس المال ما أخذه هو والعامل وما بقي إن احتيج إليهما. هذا هو الظاهر من عبارة المصنف وغيره (1)، والمناسب لوجه الحكم. وللشهيد (2) (رحمه الله) على هذا ونظائره من عبارات العلامة (3) توجيه آخر، وهو أن يكون المردود أقل الامرين مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين، فاقتسما العشرين، فالعشرون التي هي ربح مشاعة في الجميع، نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس، فالعشرون المأخوذة سدس الجميع، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال وسدسها من الربح، فإذا اقتسماها استقر ملك العامل على نصيبه من الربح، وهو نصف سدس العشرين، وذلك درهم وثلثان، يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال، فإذا خسر المال الباقي رد أقل الامرين مما خسر ومن ثمانية وثلث. هذا خلاصة تقريره. والحامل له عليه حكمهم بأن المالك إذا أخذ من المال

(هامش)

(1 و3) القواعد 1: 250 والارشاد 1: 437. (2) حكاه عنه في جامع المقاصد 8: 144. (*)

ص 393

الثانية عشرة :

لا يصح أن يشتري رب المال من العامل شيئا من مال القراض، ولا أن يأخذ منه بالشفعة.

شيئا وقد ظهر ربح بحسب ما أخذه منهما على هذه النسبة. وسيأتي في الكتاب (1) إشارة إليه. وهذا الوجه ضعيف، والحمل على ما ذكر فاسد، لان المأخوذ وإن كان مشاعا إلا أن المالك والعامل إنما أراد به الربح، وحيث كان المال منحصرا فيهما فالتمييز منوط بهما، ولو كان يدخل في ذلك من رأس المال شيء لم يصح للعامل التصرف فيه، لان المالك لم يأذن إلا في التصرف في الربح، ولم تقع القسمة والاتفاق إلا عليه. وأيضا فلا وجه لاستقرار ملك العامل على ما بيده من الربح مع اتفاقهم علىكونه وقاية وإن اقتسماه. وأيضا، فتوقف رد العامل رأس المال على ظهور الخسران لا وجه له، لانه لا يملك شيئا من رأس المال، وإنما حقه في الربح. وأما حمله على أخذ المالك فليس بجيد، لان المالك لا يأخذ على وجه القسمة، وإنما يأخذ ما يعده ملكه، فلما كان فيه ربح وهو شائع دخل فيه جزء من الربح على نسبة المأخوذ، فيحتسب رأس المال بعد ذلك على حساب ما يبقى بعد توزيع المأخوذ على الاصل والربح. وأين هذا من أخذ العامل الذي لا يستحق إلا في الربح، ولا يقاسم المالك إلا عليه خاصة؟ قوله: لا يصح أن يشتري رب المال من العامل - إلى قوله - بالشفعة . لان مال العامل ماله، ولا يعقل أن يشتري الانسان ماله. وهذا يتم مع عدم ظهور الربح، أما معه وقلنا بملكه به أتجه جواز شرائه حق العامل وإن كان متزلزلا، فلو ظهرت الحاجة إليه احتمل صحة البيع، ولكن يلزم العامل رد قيمة ما أخذ كما لو كان قد باعها لغير المالك أو أتلفها. ويحتمل بطلان البيع، لان الملك غير تام، بل مراعى بعدم الحاجة إلى الجبر به، وقد ظهر. ومثله القول في الاخذ بالشفعة، لانه

(هامش)

(1) في ص 396. (*)

ص 394

[وكذا لا يشتري من عبده القن. وله الشراء من المكاتب.

الثالثة عشرة :

إذا دفع مالا قراضا، وشرط أن يأخذ له بضاعة، قيل: لا يصح، لان العامل في القراض لا يعمل ما لا يستحق عليه أجرة. وقيل: يصح القراض ويبطل الشرط. ولو قيل بصحتهما كان حسنا.

مع عدم ظهور الربح لا يعقل أخذ ماله بالشفعة، ومعه يصير شريكا، فيمكن أخذه على الوجه المذكور. وليس في كلامهم تنقيح للمحل. قوله: وكذا لا يشتري من عبده القن . الكلام فيه كما تقدم، فإن ما بيده للسيد. ؤ ولا فرق بين المأذون له في التجارة وغيره. نعم، حكى الشيخ (10) (رحمه الله) قولا بأن المأذون إذا ركبته الديون جاز للسيد الشراء منه. وهو قول لبعض الشافعية (2)، لانه لا حق للسيد فيه، وإنما هو حق الغرماء. وفساده ظاهر، لان استحقاق الغرماء ما في يده لا يقتضي خروجه عن ملك السيد، كتعلق حق الغرماء بمال المفلس. نعم، للسيد أخذ ذلك بقيمته، لانه أحق بماله مع بذل العوض، إلا أن ذلك لا يعد بيعا، كما يأخذ العبد الجاني خطأ ويبذل قيمته. وذكر هذه المسألة في هذا الباب استطرادي. وكذا ما بعدها. قوله: وله الشراء من المكاتب . لان ما في يده ملك له، وسلطنة المولى قد انقطعت عنه، فساوى غيره منالملاك. ولهذا لو انعتق لم يكن للمولى مما في يده شيء. ولا فرق في ذلك بين المطلق والمشروط، وإن كان الحكم في المشروط أضعف، من حيث إمكان رده في الرق أجمع، فيرجع ما في يده إلى ملك السيد. وليس كذلك المطلق، لان ما في يده يحسب من مال الكتابة لو احتيج إليه. قوله: إذا دفع مالا قراضا وشرط أن يأخذ... الخ .

(هامش)

(1) المبسوط 3: 196 - 197. (2) نسبه في التذكرة 2: 237 إلى بعضهم. واحتمله في المغني 5: 172. (*)

ص 395

القولان الاولان للشيخ في المبسوط (1)، واحتج على الاول بما أشار إليه المصنف، من أن وضع القراض على أن يكون للعامل في مقابلة عمله جزء من الربح، وهذا العمل ليس في مقابلة شيء، فيفسد الشرط، ويتبعه العقد، لان قسط العامل يكون مجهولا، لاقتضاء الشرط قسطا من الربح، وقد بطل فيبطل ما يقابله، فتتجهل الحصة. ووجه الثاني أن البضاعة لا يلزم القيام بها، فلا يفسد اشتراطها، بل تكون لاغية، لمنافاتها العقد، ويصح العقد. والاقوى ما اختاره المصنف من الحكم بصحتهما، لعموم الامر بالوفاء بالعقود (2)، وقوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم (3). ويمنع من منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد، فإن مقتضاه أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح، أما غيره فلا، فإذا تناوله دليل مجوز لزم القول بجوازه. لكن يبقى في المسألة بحث، وهو أن البضاعة لا يجب القيام بها، لان مبناها على ذلك، والقراض من العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به، فلا يلزم الوفاء بما شرط في عقده، لان الشرط كالجزء من العقد فلا يزيد عليه، والحال أن المالك ما جعل الحصة المعينة للعامل إلا بسبب الشرط، فإن وفى به فلا بحث، وإلا أشكل الامر.والذي تقتضيه القواعد أنه لا يلزم العامل الوفاء به - وبه صرح في التحرير (4) - فمتى أخل به تسلط المالك على فسخ العقد، وإن كان ذلك له بدون الشرط، إذ لا يمكن هنا سوى ذلك، فإن فسخ قبل ظهور الربح فللعامل عليه الاجرة كما مر (5)،

(هامش)

(1) المبسوط 3: 197. (2) سورة المائدة: 1. (3) التهذيب 7: 371 ح 1503، الاستبصار 3: 232 ح 835 والوسائل 15: 30 ب 20 من أبواب المهور ح 4. (4) تحرير الاحكام 1: 279. (5) في ص: 382. (*)

ص 396

الرابعة عشرة :

إذا كان مال القراض مائة، فخسر عشرة، وأخذ المالك عشرة، ثم عمل بها الساعي فربح، كان رأس المال تسعة وثمانين إلا تسعا، لان المأخوذ محسوب من رأس المال، فهو كالموجود، فإذا المال في تقدير تسعين. فإذا قسم الخسران، وهو عشرة على تسعين، كان حصة العشرة المأخوذة دينارا وتسعا، فيوضع ذلك من رأس المال.

وإن فسخ بعد ظهوره ففي كون جميع الربح للمالك نظر، من أنه لم يبذله للعامل إلا بالشرط وقد فات، ومن ملك العامل له قبل الفسخ والاصل بقاؤه، والمالك قد قدم على ذلك، حيث اقتصر على شرط ذلك في عقد لا يلزم الوفاء فيه بالشرط. وربما قيل (1) هنا بأن للمالك الربح كله وعليه الاجرة، لما ذكرناه. ولا يخلو من اشكال. قوله: إذا كان مال القراض مائة فخسر عشرة... الخ . لما كان الربح إنما يجبر خسران رأس المال الذي ربح لا مطلق الخسران، فإذا أخذ المالك بعد الخسران شيئا كان من جملة رأس المال، فلا بد أن يخصه من الخسران شيء، فيسقط من أصل الخسران، ويجبر الربح الباقي. فإذا فرض أن المال كان مائة، فخسر عشرة، وأخذ المالك بعد الخسران عشرة، ثم ربح المال الباقي، فهذا الربح لا يجبر مجموع ذلك الخسران، لان الذي أخذه المالك من جملة المال الخاسر، وقد بطل القراض فيه بأخذه، فلا بد من اسقاط ما يخصه من الخسران، ثم يجبر الباقي منه بالربح الجديد، وبالجملة: فإنما يجبر الربح خسران المال الذي ربح. وطريق معرفة ما يخص المأخوذ من الخسران أن يبسط الخسران - وهو عشرة - على المال وهو تسعون، فيصيب كل واحد تسع، فنصيب العشرة المأخوذة دينار وتسع، فيوضع ذلك - أعني: الدينار والتسع الذي أصاب العشرة من الخسران - مما بقي من أصل رأس المال بعد العشرة، وهو تسعون، لانه لما اسرد العشرة فكأنه استرد نصيبها من الخسران. والضابط: أن ينسب المأخوذ إلى الباقي، ويأخذ للمأخوذ من

(هامش)

(1) في هامش ن : القائل الشيخ علي رحمه الله في الشرح. منه رحمه الله . راجع جامع المقاصد 8: 55 - 56. (*)

ص 397

الخامسة عشرة :

لا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطأها، وإن أذن له المالك. وقيل: يجوز مع الاذن. أما لو أحلها بعد شرائها، صح.

السادسة عشرة :

إذا مات وفي يده أموال مضاربة، فإن علم مال أحدهم بعينه، كان أحق به، وإن جهل كانوا فيه سواء.

الخسران بمثل تلك النسبة. قوله: لا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطأها... الخ . لا إشكال في تحريم وطئه بدون الاذن لانها مال الغير، فلو فعل كان زانيا يحد مع عدم الشبهة كاملا إن لم يكن ظهر ربح، وإلا فبقدر نصيب المالك. وأما إذا أذن له في شراء جارية ووطئها فالحق أنه كذلك، لان الاذن قبل الشراء لا أثر له، لان التحليل إما تمليك أو عقد، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء، فلا يتناوله الحصر في قوله: إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم (1). والقول بالجواز للشيخ في النهاية (2)، إستنادا إلى رواية (3) ضعيفة السند، مضطربة المفهوم، قاصرة الدلالة. وأما إذا أذن له بعد الشراء على وجهه فلا ريب في جوازه، إن لم يكن ظهر فيها ربح. وإلا بني على تحليل أحد الشريكين لصاحبه. والاقوى المنع. قوله: إذا مات وفي يده أموال مضاربة - إلى قوله - كانوا فيه سواء . ضمير فيه يعود إلى المال المجتمع من أموال المضاربة، ومعنى استوائهم في ذلك المال أنه يقسم بينهم على نسبة أموالهم، لا أن يقسم بالسوية، كما في اقتسام غيرهم من الشركاء. هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في يده على حدة، وأما إذا كانت ممتزجة مع جملة ماله مع العلم بكونه موجودا فالغرماء بالنسبة إلى جميع التركةكالشريك، إن وسعت التركة أموالهم أخذوها، وإن قصرت تحاصوا.

(هامش)

(1) المؤمنون: 6. (2) النهاية: 430. (3) التهذيب 7: 191 ح 845، والوسائل 13: 190 ب 11 من كتاب المضاربة. (*)

ص 398

[فإن جهل كونه مضاربة، قضي به ميراث

قوله: وإن جهل كونه مضاربة قضي به ميرثا . المراد أن العامل كان بيده مضاربة في الجملة، ولكن لم يعلم بقاؤها ولا تلفها، وبواسطة ذلك جهل كون المال الذي بيده مضاربة، إذ كما يمكن أن يكون من مال المضاربة يمكن كونه ماله، فيحكم بكونه ميراثا، عملا بظاهر اليد. ولكن مع ذلك هل يحكم بضمانه للمضاربة من حيث أصالة بقائه إلى أن يعلم تلفه بغير تفريط، ولعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي (1) أم لا، لاصالة براءة الذمة، وكونه أمانة غير مضمون، وأصالة بقائه لا يقتضي ثبوته في ذمته مع كونه أمانة؟ وجهان. ويتخرج على الاول: أن أصالة بقائه يقتضي كون مالكه كالشريك في مال العامل حيث يشتبه ماله فيه، فيقدم على غيره من الغرماء، مع احتمال كونه أسوتهم، لان العامل يصير ضامنا بترك تعيينه والوصية به، فإذا لم توجد العين كان بمنزلة التلف. والاقوى ما اختاره المصنف من عدم ثبوت شيء للمالك حيث لا يعلم بقاؤه يقينا في يده إلى حين موته، لاصالة البراءة. واستحقاق شيء من التركة موقوف على وجوب سببه، ومجرد المضاربة لا تصلح للسببية، لان ثبوته في الذمة موقوف على ثبوت التقصير، وفي عين التركة موقوف على العلم بكونه من جملتها، والاصل عدمهما. نعم، لو علم وجوده فيها باعتراف العامل في وقت لا يمكن تجدد تلفه فيه عادة، أو بشهادة عدلين، فصاحبه كالشريك، أو علم تلفه بتقصير، أو بقاؤه إلى بعد الموت مع تقصير العامل في ترك الوصية به، فصاحبه أسوة الغرماء. وقد مضى مثل هذا البحث في الرهن (2). تم المجلد الرابع ولله الحمد، ويليه المجلد الخامس بإذنه تعالى

(هامش)

(1) تقدم مصادره في ص: 359، الهامش (2). (2) في ص 546: 37 - 39. (*)

الصفحة السابقة

مسالك الأفهام - ج4

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب