مسالك الأفهام - ج5

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج5

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 233

[الثانية: إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع، وأنكر المالك، كلفوا البينة. ومع فقدها يلزمهم الضمان. وقيل: القول قولهم مع اليمين، لانهم أمناء. وهو أشهر الروايتين. وكذا لو ادعى المالك التفريط، فأنكروا. الثالثة: لو قطع الخياط ثوبا قباءا، فقال المالك: أمرتك بقطعه قميصا، فالقول قول المالك مع يمينه. وقيل: قول الخياط، والاول أشبه.ولو أراد الخياط فتقه لم يكن له ذلك، إذا كانت الخيوط من الثوب أو من المالك. ولا أجرة له، لانه عمل لم يأذن فيه المالك.

- لانكاره الزائد منهما مع اتفاقهما على وقوع العقد وعلى العين والمدة. وقيل بالتحالف هنا أيضا، لان كل واحد منهما مدع ومنكر. وهو ضعيف [جد (1). قوله: إذا ادعى الصانع أو الملاح... الخ . القول بضمانهم مع عدم البينة هو المشهور، بل ادعي عليه الاجماع. والروايات (2) مختلفة. والاقوى أن القول قولهم مطلقا، لانهم أمناء، وللاخبار الدالة عليه (3). ويمكن الجمع بينهما وبين ما دل على الضمان بحمل تلك على ما لو فرطوا أو أخروا المتاع عن الوقت المشترط، كما دل عليه بعضها. قوله: لو قطع الخياط ثوبا قباء... الخ . القولان للشيخ (4) رحمه الله، وأقواهما ما اختاره المصنف، لانه منكر لما يدعيه الخياط من التصرف في ماله. والخياط يدعي الاذن في قطعه على الوجه الذي يزعمه، والاصل عدمه. ويدعي أيضا المسقط لضمانه بتصرفه في مال الغير، وهو إذن المالك،

(هامش)

(1) نسخة بدل من و فقط. (2) لاحظ الوسائل 13: 271 ب 29 وب 30 من أبواب أحكام الاجارة. (3) راجع ص: 224 هامش (3). (4) الخلاف 3: 348 مسألة 11 كتاب الوكالة، و506 مسألة 34 كتاب الاجارة. (*)

ص 234

[...

ولان قول المالك مقدم في أصل الاذن فكذا في صفته، لان مرجعه إلى الاذن على وجه مخصوص. ووجه تقديم قول الخياط: أن المالك يدعي عليه حقا وهو الارش، فهو غارم، فيقدم قوله في نفيه وإن لم يثبت له الاجرة. فعلى المختار من تقديم قول المالك لا أجرة للخياط على عمله، وعليه أرش الثوب ما بين كونه مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء، فعلى هذا لا أرش لما يصلح لهما من القطع، لكونه من جملة المأذون. ويحتمل كونه تفاوت ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا، لان القطع على الوجه الذي يدعيه الخياط عدوان. ثم لو أراد فتق القباء (1) ليرفع ما أحدثه من العمل لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط للمالك، سواء كانت من الثوب أم من غيره، إذ ليس له عين يمكنه انتزاعها، ولا يمكن تخليص العمل، لانه ليس عينا وقد صدر عدوانا، فكان كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى آخر عدوانا، فإنه ليس له رده إلى محله الاول إلا بمطالبة المالك. ولو كانت الخيوط للخياط ففي تمكينه من أخذها وجهان أصحهما ذلك، لانها عين ماله وهي باقية، فكانت كالصبغ في الثوب المغصوب. ووجه المنع: استلزامأخذها التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وأنه يزعم أنها للمالك بناء على أن الخيوط على الخياط، وأنه إنما يستحق الاجرة وقد ظلمه المالك بإنكاره. وعلى المختار لو طلب المالك أن يشد في طرف كل خيط خيطا حتى إذا سل الخياط خيوطه صار خيط المالك في مكانه لم يجب على الخياط إجابته، لانه تصرف في مال الغير يتوقف على إذنه، كما لا يجب عليه القبول لو بذله المالك قيمة الخيوط وتبقيتها، لانه مسلط على ماله. وكذا لو بذل للمالك قيمة الثوب.

(هامش)

(1) كذا في هامش و و ن وهو الصحيح وفي سائر النسخ: القميص. (*)

ص 235

كتاب الوكالة

ص 237

[كتاب الوكالة وهو يستدعي بيان فصول

الاول في العقد

وهو استنابة في التصرف. ولابد في تحققه من ايجاب دال على القصد، كقوله: وكلتك أو استنبتك أو ما شاكل ذلك. ولو قال: وكلتني فقال: نعم، أو أشار بما يدل على الاجابة، كفى في الايجاب.

- قوله: في العقد وهو استنابة في التصرف .الوكالة - بفتح الواو وكسرها - استنابة في التصرف. فالاستنابة بمنزلة الجنس يشمل الامانات المالكية كالوديعة والعارية والقراض وغيرها. وخرج بقيد التصرف الوديعة، فإنها استنابة في الحفظ خاصة. والوصية إحداث ولاية لا استنابة، فهي خارجة من أول الامر. وبقي نحو القراض والمزارعة والمساقاة مندرجا في التعريف. وكأنه أراد الاستنابة في التصرف بالذات فتخرج هذه، لان الاستنابة فيها ضمنية أو التزامية، والمقصود بالذات غيرها. ولو صرح بالقيد كان حسنا. قوله: ولابد في تحققه من ايجاب دال على القصد - إلى قوله - كفى في الايجاب . لما كان عقد الوكالة من العقود الجائزة صح بكل لفظ يدل على الاستنابة في التصرف، وإن لم يكن على نهج الالفاظ المعتبرة في العقود. وينبه عليه قول النبي صلى

ص 238

[وأما القبول فيقع باللفظ كقوله: قبلت أو رضيت أو ما شابهه. وقد يكون بالفعل كما إذا قال: وكلتك في البيع فباع.

- الله عليه وآله وسلم لعروة البارقي: اشتر لنا شاة (1) وقوله تعالى حكاية عن أهل الكهف: فليأتكم برزق منه (2). ومنه: بع واشتر وأعتق، وأذنت لك في كذا، و نعم عقيب الاستفهام التقريري ك‍ وكلتني في كذا؟ لانها نائبة مناب وكلتك. وكذا الاشارة الدالة على المراد الواقعة جوابا، فإنها وإن لم تعد (3) إيجابا صريحا ولم يحصل النطق به إلا أنه بمنزلته في الدلالة، فيكفي فيه التوسع في مثل هذا العقد.قوله: وأما القبول فيقع باللفظ - إلى قوله - فباع . إنما اكتفى بالقبول الفعلي بهذا المعنى، لان المقصود الاصلي من الوكالة الاستنابة والاذن في التصرف، وهو إباحة ورفع حجر فأشبه إباحة الطعام ووضعه بين يدي الآكل، فإنه لا يفتقر إلى القبول اللفظي. وما ذكره المصنف من كون القبول الفعلي هو فعل ما تعلقت به الوكالة هو الظاهر من عبارة كثير من الاصحاب، ومنهم العلامة في غير التذكرة (4)، أما فيها (5) فقال: إن القبول يطلق على معنيين: أحدهما: الرضا والرغبة فيما فوض إليه، ونقيضه الرد. والثاني: اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات. ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الاول دون الثاني، حتى لو رد وقال: لا أقبل ولا أفعل، بطلت. ولو أراد أن يفعل أو يرجع فلابد من استئناف إذن مع علم الموكل . والاصل في ذلك أن الذين وكلهم النبي صلى الله عليه وآله لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره. قال: وإن لم يشترط القبول اللفظي كفت الكتابة والرسالة، وكان مأذونا في التصرف انتهى. وهذا يدل على أن القبول الفعلي بمعنى فعل ما وكل فيه

(هامش)

(1) ثاقب المناقب: 112 ح 108، سنن الدار قطني 3: 10 ح 29. (2) الكهف: 19. (3) في ه‍ : تفد.(4) تحرير الاحكام 1: 232، والقواعد 1: 252. (5) التذكرة 2: 114. (*)

ص 239

[ولو تأخر القبول عن الايجاب لم يقدح في الصحة ة، لان الغائب يوكل والقبول يتأخر. ومن شرطها أن تقع منجزة، فلو علقت بشرط متوقع، أو وقت متجدد، لم تصح.

- لا يكفى مطلقا، بل مع اقترانه بالرضا والرغبة ووقوعه قبل أن يرد. والمراد بقوله: كفت الكتابة أي في الايجاب. وإنما رتب الاكتفاء بهما على عدم اشتراط القبول اللفظي، لانه لو اشترط كان عقدا محضا، فلا يكفي فيه الكتابة. أما إذا لم يعتبر فهي إباحة يكفي كل ما دل عليها. وما ذكره المصنف والجماعة (1) من الاكتفاء في الايجاب بالاشارة اختيارا يقتضي الاكتفاء بالكتابة أيضا، لاشتراكهما في الدلالة مع أمن التزوير. قوله: ولو تأخر القبول عن الايجاب - إلى قوله - يتأخر . ظاهر العلامة في التذكرة (2) أن هذا الحكم إجماعي، لانه أسنده إلى أصحابنا، وجوز تراخيه وإن كان إلى سنة. وتعليل المصنف الجواز بتوكيل الغائب مع تأخر القبول لا يخلو من دور، لان جواز توكيل الغائب مع تأخر القبول فرع جواز الراخي، إذ لو قلنا بوجوب فوريته لم يصح توكيل الغائب. ولو أراد توكيل الغائب جائز إجماعا فيدل على جواز التراخي أمكن الاستدلال بالاجماع أيضا على جواز التراخي من غير قيد الغائب، إلا أن يقال الاجماع واقع في الغائب خاصة. ولم يذكره أحد. قوله: ومن شرطها أن تقع منجزة - إلى قوله - لم تصح . من شرط الوكالة وقوعها منجزة عند علمائنا، فلو علقها على شرط متوقع وهو ما يمكن وقوعه وعدمه، أو صفة وهي ما كان وجوده في المستقبل محققا كطلوع الشمس - وإليها أشار بقوله: أو وقت متجدد - لم يصح. واحترز بتعليقها على الشرط عما لو قرنها بشرط لا يقتضي التعليق ك‍ وكلتك في كذا، وشرطت عليك كذا مما لا

(هامش)

(1) منهم العلامة في التذكرة 2: 114، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 8: 178. (2) التذكرة 2: 114. (*)

ص 240

[نعم، لو نجز الوكالة، وشرط تأخير التصرف، جاز.

- مانع منه، فإنه جائز. واعلم أنه متى فسد العقد لتعليقه على الشرط فهل يصح التصرف بعد حصول الشرط؟ قرب في التذكرة ذلك محتجا بأن الاذن حاصل لم يزل بفساد العقد، وصار كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا فقال: بع كذا على أن لك العشر من ثمنه، تفسد الوكالة، ولكن إن باع يصح (1). ولان المقتضي للصحة حاصل وهو الاذن، إذ الغرض حصول المعلق عليه، وانتفاء المانع، إذ ليس إلا رفع الوكالة، وهي أخص من مطلق الاذن، ورفع الخاص لا يستلزم رفع العام. فعلى هذا فائدة الفساد سقوط الجعل المسمى في عقد الوكالة إن كان والرجوع إلى أجرة المثل، كما في المضاربة الفاسدة حيث حكم فيها بعدم استحقاق الحصة المشروطة ووجب للعامل أجرة المثل. وفيه: أن الوكالة ليست أمرا زائدا على الاذن، والجعل المشروط ليس جزء منها، وإنما هو شرط زائد عليها، لصحتها بدونه، بخلاف المضاربة، فإن اشتراط الحصة شرط في صحتها. ولانه لو تملك ذلك لزم الحكم بحصة التصرف مع فسادها بوجه آخر، كعزل الوكيل نفسه مع علم الموكل به وسكوته، فإن الاذن حاصل منهفلا يرتفع بفسخ الوكيل. ولان العقد حينئذ فاسد قطعا، ولا معنى للفاسد إلا ما لا يترتب عليه أثره. ولان الاذن المطلق إنما وجد في ضمن الوجه المخصوص، إذ لا وجود للكلي إلا في ضمن جزئياته، ولم يوجد منها إلا هذا الجزئي، فإذا ارتفع ارتفع الكلي. وللتوقف في هذا الحكم مجال. قوله: نعم، لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف جاز . كأن يقول: وكلتك في كذا ولا تتصرف إلا بعد شهر مثلا، فإنه يجوز بلا خلاف. نقله في التذكرة (2). والوجه أن منعه من التصرف في الوقت المعين شرط زائد

(هامش)

(1) التذكرة 2: 114. (2) التذكرة 2: 114. (*)

ص 241

[ولو وكله في شراء عبد افتقر إلى وصفه، لينتفي الغرر.

- على أصل الوكالة المنجزة، وهي قابلة للشروط السايغة (1). وهذا وإن كان في معنى التعليق إلا أن العقود لما كانت متلقاة من الشارع نيطت بهذه الضوابط، وبطلت فيما خرج عنها وإن أفاد فائدتها. قوله: ولو وكله في شراء عبد افتقر إلى وصفه لينتفي الغرر . لما كان العبد المطلق متوغلا في الابهام، صادقا على أصناف مختلفة فيالاوصاف والرغبات، لم يكن إطلاق التوكيل في شرائه كافيا، بل لابد من وصفه من بعض الوجوه، كقوله: عبدا تركيا ونحوه، لينتفي الغرر. ولا يجب الاستقصاء في الوصف بحيث ترتفع الجهالة عنه اتفاقا. كذا ذكره المصنف وجماعة (2). ويشكل بأن الغرر يندفع بمراعاة الوكيل المصلحة في شرائه، فإن الاطلاق محمول شرعا على الاستنابة في شراء عبد يكون شرائه مشتملا على مصلحة للموكل، فيتخير الوكيل حيث توجد المصلحة في متعدد. ويكون ذلك كالقراض حيث أمره المالك بشراء شيء فإنه أشد توغلا في الابهام. فالجواز مطلقا قوي، وإن كان اعتبار الوصف أحوط. ولا فرق بين المقصود من العبد التجارة والقنية، لان رعاية المصلحة معتبرة في الموضعين. واحتمل الشهيد (3) رحمه الله التفصيل فيجب الوصف في الثاني دون الاول، لان دائرة التجارة أوسع، فإن الغرض منها الاسترباح وهو يتحقق في ضمن أي فرد كان. ويندفع بأن المصلحة معتبرة في كل شيء بحسبه، والاعيان متفاوتة في الموضعين.

(هامش)

(1) في هامش و و ن : يستفاد من حصر الشرائط فيها أن الوكالة لا يشترط فيها الدوام، فلو وقتها بأمد معلوم صح وامتنع تصرف الوكيل بعده. صرح به في التذكرة. منه رحمه الله . راجع التذكرة 2: 114. (2) منهم الشيخ في المبسوط 2: 391، والعلامة في قواعد الاحكام 1: 254. (3) حكاه عنه المحقق الثاني في جامع المقاصد 8: 222. (*)

ص 242

[ولو وكله مطلقا لم يصح على قول. والوجه الجواز. وهي عقد جائز من طرفيه، فللوكيل أن يعزل نفسه، مع حضور الموكل ومع غيبته.

- قوله: ولو وكله مطلقا لم يصح على قول. والوجه الجواز . القول بعدم جوازه مع الاطلاق للشيخ (1) رحمه الله، لاشتماله على الغرر. ووجه الجواز يعلم مما سبق، فإن فعل اططلوكيل لما كان مقيدا بالمصلحة، والجهالة تنتفي بالرجوع إلى المتعارف المناسب للموكل، انتفى المانع. وفي حكم المصنف بجواز الوكالة مطلقا مع الاطلاق وعدم جوازها في شراء العبد مطلقا نوع تنافر، لان دائرة المطلق أوسع من العبد المطلق، لانه فرد من أفراده، فكان أولى بالجواز. ومثله اتفق لفتوى القواعد (2)، فإنه ذكر الاطلاق بعد مسألة العبد وأنه لابد من وصفه ليرتفع الغرر، إلا أن الشراح (3) ذكروا أنه يريد بالاطلاق في الثانية الاطلاق في وكالة شراء العبد، وجعلوه رجوعا عن السابق. وعبارة التحرير (4) تؤيد ما ذكروه، لانه صرح فيها بأن الاطلاق في وكالة شراء العبد، وهو مناسب أيضا لنقل القول بالبطلان، فإن الشيخ منع في مسألة العبد كذلك (5). فإن أريد من العبارةهذا المعنى كان الحكم بتجويزه بعد اعتبار الوصف رجوعا صريحا، أو يريد بالافتقار الاولوية ونحوها. ويحتمل أن يريد هنا مطلق الوكالة الشاملة لشراء العبد، وغيره أولى. وعلى التقديرين فالاقوى الصحة. قوله: وهي عقد جائز من طرفيه، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكل وغيبته . انعزال الوكيل بعزله نفسه وجعل الوكالة من أبواب العقود يقتضي أرجحية ما

(هامش)

(1) المبسوط 2: 391. (2) قواعد الاحكام 1: 254. (3) راجع إيضاح الفوائد 2: 340، وجامع المقاصد 8: 221. (4) تحرير الاحكام 1: 232. (5) المبسوط 2: 391. (*)

ص 243

[...

فسر به في التذكرة سابقا (1) في القبول الفعلي من أنه الرغبة في الفعل والرضا به لا مجرد الفعل، وإلا لكان إباحة محضة وإذنا خالصا، وهو لا يبطل برده، فإن من أذن لغيره في تناول طعامه أو أخذ شيء من ماله فلم يقبل ذلك لا يبطل الاذن له، بل يجوز لهالتصرف بعد ذلك، لان المسوغ وهو إذن المالك موجود، والقبول إذا لم يكن شرطا في الاباحة لم يكن ردها مانعا. ولا فرق في بطلان وكالته بعزل نفسه بين إعلام الموكل وعدمه، بخلاف عزل الموكل له كما سيأتي (2). والفارق النص (3). فعلى هذا لو تصرف بعد عزله نفسه وقبل أن يعلم الموكل بذلك لم ينفذ تصرفه، لابطاله العقد الجائز الذي هو مناط جواز التصرف. ويحتمل توقف انعزاله على علم الموكل، فيجوز له التصرف قبل بلوغه عملا بالاذن العام الذي تضمنته الوكالة، بل يحتمل ذلك مع بلوغه أيضا، لاصالة بقاء الاذن، ومجرد علمه بالرد لا يدل على بطلانه من قبل الآذن. ولو اكتفينا في قبول الوكيل بفعله مقتضاها كيف كان قوي هذا الاحتمال جدا، لانها تصير حينئذ مجرد إذن وإباحة، ويجوز مع ذلك إطلاق العقد عليها من حيث إن قبولها بالقول يصح، ويترتب عليه أثر في الجملة. وبهذا الاحتمال قطع في القواعد (4) مع جهل الموكل بالرد، واستشكل مع علمه. وليس ببعيد. ويمكن الجمع بين كونها عقدا جائزا يبطل بالرد وعدم بطلان التصرف بالرد، بأن يحكم ببطلان الوكالة الخاصة وما يترتب عليها من الجعل لو كان، وبقاء الاذن العام.

(هامش)

(1) راجع ص: 238. (2) في ص: 244. (3) الوسائل 13: 286 ب 2 من أبواب كتاب الوكالة.

(4) قواعد الاحكام 1: 259. (*)

ص 244

[وللموكل أن يعزل، بشرط أن يعلمه العزل. ولو لم يعلمه لم ينعزل بالعزل. وقيل: إن تعذر إعلامه فأشهد، انعزل بالعزل والاشهاد. والاول أظهر.

- ويمكن بناء هذا الحكم على ما تقدم (1) من أن بطلان الوكالة هل يقتضي بطلان الاذن العام أو لا؟ وقد مر تحقيقه، لاشتراكهما في بطلان الوكالة هناك بعدم التنجيز وهنا بعدم القبول، إلا أن الحكم هنا لا يخلو من رجحان على ذلك، من حيث إن الاذن هنا صحيح جامع للشرائط، بخلاف السابق، فإنه معلق. وفي صحته ما قد عرفت. ومن ثم جزم في القواعد ببقاء صحته هنا، وجعل الصحة هناك احتمالا (2). وفي التذكرة (3) عكس، فاستقرب هناك بقاء الاذن الضمني وجعل بقاءه هنا احتمالا. وفي التحرير (4) والارشاد (5) أطلق القول بالبطلان فيهما كما هنا. فقد صار للعلامة رحمه الله في المسألتين ثلاثة أقوال. قوله: وللموكل أن يعزله بشرط أن يعلمه بالعزل - إلى قوله والاول أظهر . ما اختاره المصنف هو المشهور بين الاصحاب خصوصا بين المتأخرين.ومستنده أخبار عن أئمة الهدى عليهم السلام، كصحيحة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام (6): عن رجل وكل آخر وكالة في إمضاء أمر من الامور، وأشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لامضاء الامر، فقال: إشهدوا أني قد عزلت فلانا عن الوكالة. فقال: إن كان الوكيل قد أمضى الامر الذي وكل عليه قبل

(هامش)

(1) لاحظ ص: 240. (2) قواعد الاحكام 1: 252. (3) التذكرة 2: 114 و133. (4) تحرير الاحكام 1: 232. (5) إرشاد الاذهان 1: 417. (6) الفقيه 3: 49 ح 170، التهذيب 6: 213 ح 503، والوسائل 13: 286 ب 2 من كتاب الوكالة ح 1. (*)

ص 245

[...

أن يعزل عن الوكالة فإن الامر ماض، كره الموكل أم رضي. قلت: فإن الوكيل أمضى الامر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالامر ماض على ما أمضاه؟ قال: نعم. قلت له: فان بلغه العزل قبل أن يمضي الامر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشيء؟ قال: نعم، إن الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عنالوكالة . ولاستلزام انعزاله قبل العلم ضررا عظيما، كما إذا وكله في بيع جارية فيطؤها المشتري قبله، أو طعام فيأكله، ونحو ذلك. وفي رواية العلاء بن سيابة عنه عليه السلام (1) نحو ذلك، وفيها أنه لا عبرة بالاشهاد على العزل من دون أن يعلم به الوكيل قبل الفعل. والقول بالاكتفاء في انعزاله بالاشهاد للشيخ (2) وجماعة من الاصحاب (3). واختار في القواعد (4) إنعزاله بالعزل مطلقا، نظرا إلى أنه عقد جائز، ومن حقه أن ينفسخ بالفسخ على جميع الاحوال، وإلا كان على بعضها لازما. والاخبار (5) التي بعضها صحيح حجة عليهما. ومقتضى قول المصنف هنا - ومن وافقه على قوله كالعلامة في سائر كتبه (6)،

(هامش)

(1) الفقيه 3: 48 ح 168، التهذيب 6: 214 ح 506، الوسائل 13: 286 ب 2 من أبواب أحكام الوكالة ح 2. (2) النهاية: 318. (3) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 338، وابن حمزة في الوسيلة: 283، وابن إدريس في السرائر 2: 93. (4) قواعد الاحكا 1: 258. (5) أنظر الوسائل 13: 285 كتاب الوكالة ب 1 وب 2 .(6) في هامش و و ن : أي ما فيها بعد القواعد، فإن اللغة الفصيحة في سائر استعمالها بمعنى الباقي، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن غيلان لما أسلم على عشرة نسوة: أمسك أربعا وفارق سائرهن، أي باقيهن. منه رحمه الله . راجع التذكرة 2: 132، وتحرير الاحكام 1: 232، والارشاد 1: 417. (*)

ص 246

[ولو تصرف الوكيل قبل الاعلام، مضى تصرفه على الموكل. فلو وكله في استيفاء القصاص ثم عزله، فاقتص قبل العلم بالعزل، وقع الاقتصاص موقعه. وتبطل الوكالة بالموت،

- حيث قيدوا الانعزال بعلمه - وعدم الاكتفاء ببلوغه له بما لا يفيد العلم وإن كان بعدل، بل وإن كان بعدلين، لانهما يفيدان ظنا يجوز التعويل عليه شرعا ولكن لا يفيدان العلم، لان مناطه من جهة الاخبار التواتر أو الخبر المحفوف بالقرائن إن قلنا بإفادته العلم، وهو منفي فيهما، فلا ينعزل على مقتضى ظاهر كلامهم إلا بمشافهته به أو بلوغه الخبر بمن يفيد قوله التواتر. والظاهر أنهم لا يريدون هذا المعنى قطعا، لما قد علم من مستند الحكم، خصوصا إخبار الشاهدين، فإنه حجة شرعية فما هو أقوى من ذلك.والاقوى انعزاله بما دل عليه الخبر الصحيح (1) من إخبار الثقة وإن كان واحدا، ولا عبرة بإخبار غير العدل وإن تعدد ما لم يثمر العلم. قوله: ولو تصرف الوكيل - إلى قوله - موقعه . هذا من فروع عدم انعزاله بعزله من دون الاعلام، والحكم حينئذ ظاهر. وإن كان الانسب عطفه عليه بالفاء ليفيد التفريع، إلا أن النسخ المعتبرة - كنسخة شيخنا الشهيد التي قابلها بنسخة مصنفه (2) - بالواو. قوله: وتبطل الوكالة بالموت . أي موت كل من الوكيل والموكل. أما موت الوكيل فظاهر، وأما موت الموكل فتبطل به وكالة الوكيل، فيكون تصرفه بعد الموت باطلا وإن لم يعلم بموته، لان ذلك هو الاصل، وإنما خرجت مسألة العزل بالنص. ولا تبطل الامانة ببطلان الوكالة

(هامش)

(1) الفقيه 3: 49 ح 170، التهذيب 6: 213 ح 503، والوسائل 13: 285 ب 2 من أبواب أحكام الوكالة ح 1. (2) كذا في و. وفي س و ن و ه‍ : بنسخ معظمة. وفي ب معظمه. (*)

ص 247

[والجنون، والاغماء، من كل واحد منهما. وتبط وكالة الوكيل بالحجر على الموكل، فيما يمنع الحجر من التصرف فيه. ولا تبطل الوكالة بالنوم وإنتطاول.

- هنا، فلو تلفت العين الموكل فيها في يده بغير تفريط لم يضمن. وكذا لو كان وكيلا في قبض حق قبضه بعد موت الموكل قبل العلم به وتلف في يده بغير تفريط، لكن يجب عليه المبادرة إلى إيصال العين إلى الوارث، فإن أخر ضمن كالوديعة. قوله: والجنون والاغماء من كل واحد منهما . هذا موضع وفاق، ولانه من أحكام العقود الجائزة. ولا فرق عندنا بين طول زمان الاغماء وقصره، ولا بين الجنون المطبق والادوار. وكذا لا فرق بين أن يعلم الموكل بعروض المبطل وعدمه. ويجئ على احتمال جواز تصرفه مع رده ومع بطلان الوكالة بتعليقها على شرط جواز تصرفه هنا بعد زوال المانع بالاذن العام. قوله: وتبطل وكالة الوكيل بالحجر على الموكل فيما يمنع الحجر من التصرف فيه . - لانه إذا منع من مباشرته فمن التوكيل فيه أولى، ولسلب الحجر للسفه والفلس أهلية التصرف المالي مطلقا. وفي حكم الحجر طرو الرق على الموكل بأن كان حربيا فاسترق. ولو كان هو الوكيل صار بمنزلة توكيل عبد الغير. وسيأتي (1) الكلام فيه. قوله: ولا تبطل الوكالة بالنوم وإن تطاول . لبقاء أهلية التصرف، ومن ثم لا تثبت عليه به ولاية. ومثله السكر إلا أنيشترط في الوكيل العدالة، كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف العام ووكيل الوكيل مطلقا، فتبطل وكالته بالسكر الاختياري. وكذا لو فعله الموكل الذي تشترط عدالته. وقيد في اللمعة (2) النوم المتطاول بأن لا يؤدي إلى الاغماء. وهو حسن إلا أنه خروج عن موضع الفرض.

(هامش)

(1) في ص: 267. (2) اللمعة الدمشقية: 97. (*)

ص 248

[وتبطل الوكالة بتلف ما تعلقت الوكالة به، كموت العبد الموكل في بيعه، وبموت المرأة الموكل بطلاقها. وكذا لو فعل الموكل ما تعلقت الوكالة به.

- قوله: وتبطل الوكالة - إلى قوله - بطلاقها . المراد بمتعلق الوكالة ما دل عليه لفظها مطابقة أو تضمنا. فالاول كما ذكره المصنف من موت العبد الموكل في بيعه والمرأة الموكل في طلاقها، والثاني كتلف الدينار الموكل في الشراء به، فإن متعلق الوكالة حيئنذ الشراء وكونه بالدينار المعين، فإذا تلف الدينار بطلت الوكالة، لفوات متعلقها في الموضعين. ولا فرق بين أن ينص على الشراء بعينه ويطلق بأن يقول: إشتر به، لاقتضائه دفعه ثمنا فلا يتناول بدله كما لو كان تلفه موجبا لضمانه. وفي حكم التلف انتقاله عن ملكه كما لو أعتق العبد الموكل في بيعه، أو باع الموكل في عتقه، أو نقل الدينار عن ملكه كذلك وإن كانبإقراضه للوكيل وإقباضه إياه. قوله: وكذا لو فعل الموكل ما تعلقت به الوكالة . كما لو وكله في بيع عبد ثم باعه، وبطلان الوكالة ظاهر، لامتناع تحصيل الحاصل. وفي حكمه فعل الموكل ما ينافي الوكالة. وفي كون وطئ الزوجة الموكل في طلاقها والسرية الموكل في بيعها منافيا وجهان، من دلالة الوطئ على الرغبة ظاهرا، ولهذا دل فعله على الرجوع في المطلقة رجعية، فرفعه للوكالة أولى، ومن ثبوت الوكالة. ومنافاة الوطئ لها غير معلوم، وثبوت الفرق بين الطلاق والوكالة، فإن الطلاق يقتضي قطع علاقة النكاح فينافيه الوطئ، بخلاف التوكيل، فإنه لا ينافي انتفاع الموكل بالملك الذي من جملته الوطئ بوجه. نعم، فعل مقتضى الوكالة ينافيه، والاولوية ممنوعة. وهذا أقوى. وأولى بعدم البطلان فعل المقدمات. وفي القواعد (1) فرق بين الزوجة والسرية، فقطع في الزوجة بالبطلان وفي السرية بخلافه. والفرق ضعيف. وفي التذكرة (2) توقف في حكم الوطئ والمقدمات

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 1: 258. (2) التذكرة 2: 134. (*)

ص 249

[والعبارة عن العزل أن يقول: عزلتك أو أنزلت نيابتك أو فسخت أو أبطلت أو نقضت أو ما جرى مجرى ذلك.وإطلاق الوكالة يقتضي الابتياع بثمن المثل، بنقد البلد، حالا، وأن يبتاع الصحيح دون المعيب. ولو خالف لم يصح، ووقف على إجازة المالك.

- معا. قوله: والعبارة عن العزل أن يقول: عزلتك... الخ . هذا بيان للعزل القولي، أما الفعلي فقد تقدم ما يدل عليه. ولو نهاه عن فعل ما وكله فيه فهو عزل قولي أيضا، وهو داخل في ما جرى مجراه . قوله: وإطلاق الوكالة يقتضي الابتياع بثمن المثل بنقد البلد حالا . يستثنى من ثمن المثل النقصان عنه بالشئ اليسير الذي يتسامح الناس بمثله ولا يناقشون به، كدرهم ودرهمين في ألف. ويجب تقييد جواز البيع به بعدم وجود باذل لازيد منه، وإلا لم يجز الاقتصار عليه، حتى لو باع بخيار لنفسه فوجد في مدة الخيار باذل زيادة وجب عليه الفسخ إن كانت وكالته متناولة لذلك. وليس كذلك ما لو عين له قدرا فوجد باذلا لازيد، فإنه لا يجب عليه هنا بيعه بالازيد، مع احتماله. والفرق أنه في الاول مخاطب بالعمل بالامر المتعارف، وهنا بالعمل بما عين له. وأما نقد البلد فإن اتحد حمل عليه، لانه المعهود عند الاطلاق، وإن اختلف باع بالاغلب، فإن تساوت النقود في المعاملة باع بما هو أنفع للموكل، فان استوت نفعا ومعاملة تخير.قوله: وأن يبتاع الصحيح دون المعيب - إلى قوله - إجازة المالك . لا خلاف عندنا في أن إطلاق الوكالة بالشراء يقتضي شراء الصحيح دون المعيب، ولانه المعهود عرفا، خصوصا فيما يشترى للقنية، وبهذا فارقت الوكالة القراض. فإذا خالف الوكيل فاشترى المعيب عالما كان فضوليا. وإن كان جاهلا وقع

ص 250

[ولو باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الاذن في ذلك القدر، كان القول قوله مع يمينه، ثم تستعاد العين إن كانت باقية، ومثلها أو قيمتها إن كانت تالفة. وقيل: يلزم الدلال إتمام ما حلف عليه المالك. وهو بعيد.

- عن الموكل، لانه مكلف بالظاهر، والوقوف على الباطن قد يعجز عنه، بخلاف ما لو اشترى بأزيد (1) من ثمن المثل، فإنه لا يقع عن الموكل وإن كان جاهلا، لان نقص القيمة أمر ظاهر مستند إلى تقصيره في تحرير القيمة، بخلاف العيب. كما قرروه. ويشكل فيهما على الاطلاق، فإن من العيب ما هو أظهر من الغبن كالعور والعرج، ومن الغبن ما هو أخفى على كثير من أهل الخبرة من (2) كثير من العيوب كما في الجواهر ونحوها. والذي يقتضيه الفرق ويوافقه النظر أن العيب والغبن معا إن كانا مما يخفى غالبا وقع الشراء عن الموكل مع الجهل بهما، وإلا وقف على الاجازة، فينبغي تأمل ذلك. قوله: ولو باع الوكيل بثمن - إلى قوله - وهو بعيد .هذا الاختلاف راجع إلى صفة الوكالة، وكما يقبل قول الموكل في أصلها فكذا في صفتها، لانه فعله وهو أعرف بحاله ومقاصده الصادرة عنه، ولاصالة عدم صدور التوكيل على الوجه الذي يدعيه الوكيل. ونبه بقوله: ولو باع الوكيل على أن فائدة هذا الاختلاف إنما هو مع وقوع التصرف، لان الوكالة قبله تندفع بمجرد الانكار. لا يقال: إن دعوى الموكل حينئذ تستلزم جعل الوكيل خائنا، لتصرفه على غير الوجه المأمور به، فيكون القول قوله، لانه أمين والاصل عدم الخيانة كما سيأتي. لانا نقول: إن ذلك إنما يتم لو كان تصرفه بالوكالة والخيانة في بعض متعلقاتها، كما لو ادعى الموكل عليه - بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى الوكالة

(هامش)

(1) كذا في ن . وفي غيرها: بدون ثمن المثل. ولا يتم في فرض المسألة وإن كان يناسبه قوله فيما بعد: لان نقص القيمة.... (2) كذا في ه‍ وفي غيرها: في. (*)

ص 251

[فإن تصادق الوكيل والمشتري على الثمن، ودفع الوكيل إلى المشتري السلعة فتلفت في يده، كان للموكل الرجوع على أيهما شاء بقيمته. لكنإن رجع على المشتري، لا يرجع المشتري على الوكيل، لتصديقه له في الاذن. وإن رجع على الوكيل، رجع الوكيل على المشتري بأقل الامرين، من ثمنه وما اغترمه.

- - تأخر قبضه عن تقبيض المبيع أو التعدي فيه بوجه. وهنا ليس كذلك، لان اختلافهما في صفة التوكيل يؤل إلى الاختلاف في أصله، لان الموكل منكر لاصل الوكالة على الوجه الذي يدعيه الوكيل. وبالجملة فالوجه الذي يقتضي القبول في أصلها يقتضيه في صفتها. والقول الذي نقله المصنف ضعيف، ولا سند له. قوله: فإن تصادق الوكيل - إلى قوله - وما اغترمه . إذا حلف الموكل على نفي ما ادعاه الوكيل بطل البيع بالنسبة إلى الوكيل. وأما المشتري فإن صادق (1) على الوكالة ثبت في حقه كذلك، وإلا فلا، بل يلزمه اليمين على نفي ي العلم إن ادعي عليه، فإن نكل ردت على الموكل، وتوقف ثبوت البطلان بالنسبة إليه على يمين أخرى. ثم إما أن تكون العين باقية أو تالفة. فإن كانت باقية وثبت قول الموكل بالنسبة إلى المشتري استرجعها، ورجع المشتري بالثمن إن كان دفعه ولم يصدق الوكيل في دعواه، وإلا رجع بأقل الامرين من الثمن وقيمة المبيع، لان الثمن إن كان أقل فليس في يد الوكيل من مال الموكل الذي هو ظالم للمشتري بزعمه سواه، فيأخذه قصاصا، وإن كان أكثر لم يرجع بأزيد من القيمة، لانه المظلوم فيها بزعمه، ويبقى الزائد في يد الوكيل مجهول المالك.وإن كانت تالفة فحكمه ما ذكره المصنف من تخيير الموكل في الرجوع على أيهما شاء. أما المشتري فلتلف ماله في يده، وأما الوكيل فلعدوانه ظاهرا.

(هامش)

(1) في س: تصادقا. (*)

ص 252

[وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي تسليم المبيع، لانه من واجباته. وكذا إطلاق الوكالة في الشراء يقتضي الاذن في تسليم الثمن. لكن لا يقتضي الاذن في البيع قبض الثمن، لانه قد لا يؤمن على القبض.

- فإن رجع على المشتري بالقيمة وكان مصدقا للوكيل فيما يدعيه لم يرجع المشتري على الوكيل، لتصديقه له في صحة البيع وزعمه أن الموكل ظالم في رجوعه عليه، فلا يرجع على غير ظالمه. هذا إذا لم يكن قد قبض الوكيل الثمن منه، وإلا لم يتوجه عدم الرجوع عليه، لان الوكيل لا يستحق الثمن، والموكل لا يدعيه، لعدم تعينه ثمنا له، وقد أغرم المشتري عوض المال فرجع على الوكيل بما دفعه إليه، لكن إن كان بقدر القيمة أو أقل فالرجوع به ظاهر، وإلا رجع بقدر ما غرم، ويبقى الباقي في يد الوكيل مجهول المالك. وإن لم يكن المشتري مصدقا على الوكالة رجع على الوكيل بما غرمه أجمع لغروره. ولو كان الثمن أزيد وقد دفعه إلى الوكيل رجع به، لفساد البيع ظاهرا. وإنرجع على الوكيل رجع الوكيل على المشتري بالاقل من ثمنه وما اغترمه، لان الثمن إن كان أقل فهو يزعم أن الموكل لا يستحق سواه وأنه ظالم بأخذ الزائد من القيمة، فلا يرجع به على المشتري، وإن كانت القيمة أقل فلم يعزم سواها، لكن يبقى الزائد مجهول المالك ظاهرا، لان الموكل لا يستحقه بزعمه، وموافقة الظاهر له، والوكيل قد خرج عن الوكالة بإنكار الموكل فليس له قبضه، فينتزعه الحاكم ويتوصل إلى تحصيل مالكه. واعلم أن مقتضى السياق كون الوكيل لم يقبض الثمن بعد وإن كان أول الكلام أعم، وحينئذ فيرجع كل واحد من الوكيل والمشتري على الآخر بأقل الامرين مع تصادقهما، ويبقى الزائد مجهول المالك. ولو فرض القبض كانت الزيادة في يد الوكيل أيضا مجهولة إن اتفقت. قوله: وإطلاق الوكالة في البيع - إلى قوله - على القبض . إنما كان من واجباته لان البيع يقتضي ازالة ملك البائع عن المبيع ودخوله في

ص 253

[وللوكيل أن يرد بالعيب، لانه من مصلحة العقد، مع حضور الموكل وغيبته

- ملك المشتري، فيجب على مدخل الملك التسليم، لانه من حقوقه، لكن لا يسلمه حتى يقبض الثمن هو أو من يكون له قبضه رعاية لمصلحة الموكل، أو يتقابضا معا، فلو سلم المبيع قبله فتعذر أخذه من المشتري ضمن، لتضييعه إياه بالتسليم قبله.ووجه الثاني مستفاد مما ذكر، وقبض المبيع فيه كقبض الثمن، فلا يقتضي التوكيل في الشراء تسليم الوكيل المبيع، لانه قد يستأمن على الشراء من لا يستأمن على المبيع. نعم، لو دلت القرائن على الاذن فيهما - كما لو وكله في شراء عين من مكان بعيد يخاف مع عدم قبض الوكيل لها ذهابها - جاز قبضه، بل وجب، كما أنه لو أمره بالبيع في موضع يضيع الثمن بترك قبضه - كسوق غائب عن الموكل، أو البيع على متغلب على الموكل بحيث تدل القرينة على أنه لم يأمره ببيعه إلا رجاء قبضه - جاز القبض كما مر. فلو أخل الوكيل بالقبض فتعذر الوصول إلى الثمن ضمن لتضييعه له. قوله: وللوكيل أن يرد بالعيب... الخ . لان الموكل قد أقامه مقام نفسه في هذا العقد، والرد بالعيب من لوازمه، ولان التوكيل لما لم ينزل إلا على شراء الصحيح، فإذا ظهر العيب كان له الرد وشراء الصحيح. ويشكل الاول: بأنه إنما أقامه مقام نفسه في العقد لا في اللوازم، إذ من جملتها القبض والاقالة وغيرهما وليس له مباشرتها إجماعا. والثاني: بأن مقتضاه وقوف العقد على الاجازة كما مر لا ثبوت الرد. وعلله في التذكرة (1) بأنه إنما يلزمه شراء الصحيح في الظاهر، وليس مكلفا بالسلامة في الباطن، لان ذلك لا يمكن الوقوف عليه، فلا يجوز تكليفه به، يعجز

(هامش)

(1) التذكرة 2: 123. (*)

ص 254

[ولو منعه الموكل لم يكن له مخالفته.

- عن التحرز عن شراء معيب لا يظهر عليه، فيقع الشراء للموكل. وهذا التعليل لا دلالة له على جواز الرد أيضا، لانه مغاير للشراء، والتوكيل إنما اقتضى الشراء لا الرد، ويمكن استفادة جواز الرد من القرائن الخارجية لا من نفس الصيغة. وربما فرق بين ما لو أطلق الموكل كما لو قال: اشتر لي عبدا هنديا وبين ما لو عينه ك‍ هذا العبد فيجوز للوكيل الرد بالعيب في الاول لما مر دون الثاني، لانه بتعيينه له قد قطع نظر الوكيل واجتهاده. والاجود عدم جواز الرد مطلقا وفاقا للتذكرة، لان الوكالة في الشراء إنما اقتضت إدخال المبيع في ملكه، والرد يقابله ويضاده فلا يدخل فيها. قوله: ولو منعه الموكل لم يكن له مخالفته . لا شبهة في بطلان رده بالنهي المذكور، لانه إبطال للوكالة فيما تضمنته وعزل له فيه، وإذا جاز عزله عن الوكالة فعن بعض مقتضياتها أولى. وفي حكمه إظهاره الرضا بالمعيب، فإنه في معنى النهي عن الرد. وأراد بذلك الفرق بين الوكيل وعاملالمضاربة حيث إنه قد سلف (1) أنه ليس للمالك منعه من الرد بالعيب وإن رضي به، مع كون العامل في معنى الوكيل، والفارق انحصار الحق هنا في الموكل واشتراكه في العامل.

(هامش)

(1) في ج 4: 350. (*)

ص 255

الثاني في ما لا تصح فيه النيابة وما تصح فيه

أما ما لا تدخله النيابة فضابطه: ما تعلق قصد الشارع بإيقاعه من المكلف مباشرة كالطهارة مع القدرة - وإن جازت النيابة في غسل الاعضاء عند الضرورة - والصلاة الواجبة ما دام حيا،

- قوله: فضابطه ما تعلق قصد الشارع بايقاعه من المكلف مباشرة . المرجع في معرفه غرض الشارع في ذلك إلى النقل، إذ ليس له قاعدة كلية لا تنخرم وإن كانت بحسب التقريب منحصرة فيما ذكر. أما العبادات فالمقصود منها فعل المكلف ما أمر به وانقياده وتذلله، وذلك لا يحصل إلا بالمباشرة. ولا يفترق الامر في ذلك بين حالتي القدرة والعجز غالبا، فإن العاجز عن الصلاة الواجبة ليس له الاستنابة فيها بل يوقعها بنفسه على الحالات المقررة، وقريب منها الصوم. وقد تخلف الحكم في مواضع أشار المصنف إلى بعضها:منها: غسل أعضاء الطهارة ومسحها إذا عجز عنها المكلف، فإنه يجوز له الاستنابة فيه، سواء في ذلك المائية والترابية، ويتولى هو النية، إذ لا عجز عنها مع بقاء التكليف. وليس هذا توكيلا حقيقيا، ومن ثم يقع بتولي من لا يصح توكيله كالمجنون. وأما تطهير الثوب والبدن وغيرهما مما يجب تطهيره فإنه يجوز الاستنابة فيه، لكن كما يمكن جعل هذا النوع عبادة كذلك يمكن إخراجه، إذ النية ليست شرطا في صحته، فإن الغرض منه هجران النجاسة وزوالها كيف اتفق، وإن توقف حصول

ص 256

[وكذا الصوم والاعتكاف، والحج الواجب مع القدرة، والايمان والنذور، والغصب والقسم بين الزوجات لانه يتضمن استمتاعا،

- الثواب على فعله والتحاقه بالعبادة على النية. ومنها: الصلاة الواجبة، وذلك في ركعتي الطواف حيث يجوز استنابة الحي في الحج الواجب، والمندوبة كصلاة الزيارة، والطواف المندوب حيث يناب فيه، وأما غيرهما من النوافل ومطلق الصوم المندوب ففي جواز التوكيل فيه نظر، وإطلاق جماعة (1) من الاصحاب المنع من الاستنابة في العبادات يشملهما وإن تقيد الاطلاق في غيرهما. والاعتكاف كالصوم، لاشتراطه به. ومنها: أداء الزكاة، فإن الاستنابة فيه جائزة بغير إشكال.ومنها: عتق العبد عن كفارة وجبت عليه بإذنه أو مطلقا على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى. ومنها: الحج المندوب مطلقا، والواجب عند العجز عنه، على ما تقدم (2) تفصيله. ومنها: تولية الامام غيره في القضاء. وكذا تولية منصوبه الخاص لغيره مع الاذن له في ذلك. وتسمية هذا النوع وكالة مجاز، واستثناؤه من هذا الباب لكونه عبادة، بل من أكمل العبادات، وما تقدم في الطهارة آت هنا. وإنما قيدنا تولية القضاء بالامام أو نائبه الخاص لعدم إمكان تولية منصوبه العام - وهو الفقيه في زمان الغيبة - لغيره فيه، لان غيره إن كان جامعا لشرائط الفتوى كان مساويا للاول في كونه نائبا للامام فيه أيضا، وإلا لم يتصور كونه قاضيا، لما اتفق عليه الاصحاب من اشتراط جمع القاضي لشرائط الفتوى. نعم، يمكن الاستنابة في الحلف بعد توجه اليمين عنده. قوله: والقسم بين الزوجات، لانه يتضمن استمتاعا .

(هامش)

(1) كما في الارشاد 1: 416، والتنقيح الرائع 2: 285. (2) في ج 2: 162. (*)

ص 257

[والظهار واللعان وقضاء العدة والجناية والالتقاط والاحتطاب والاحتشاش وإقامة الشهادة، إلا على وجه الشهادة على الشهادة.وأما ما تدخله النيابة فضابطه: ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص بالمباشرة، كالبيع وقبض الثمن والرهن والصلح والحوالة والضمان والشركة والوكالة والعارية وفي الاخذ بالشفعة والابراء والوديعة وقسم الصدقات وعقد النكاح وفرض الصداق والخلع والطلاق واستيفاء القصاص وقبض الديات وفي الجهاد على وجه وفي استيفاء الحدود مطلقا،

- هو - بفتح القاف - مصدر قولك: قسمت الشيء. ولا فرق فيه بين توكيل محرم الزوجة وغيره، وإن كان يكفي فيه مجرد الاقامة عندهن، لما نبه عليه بقوله: لانه يتضمن استمتاعا أي تلذذا وانتفاعا للزوجة به، ولا يتم بدون الزوج. قوله: والالتقاط والاحتطاب والاحتشاش . بناء على كونه يملك بمجرد الحيازة، فلا يتصور فيه الاستنابة على وجه يفيد ملكية الموكل. وقد تقدم (1) أن الاقوى جواز التوكيل فيه وملك الموكل مع نية الوكيل الملك للموكل. قوله: لا على وجه الشهادة على الشهادة . الاولى كون الاستثناء منقطعا، لان الشهادة على الشهادة ليست بطريق الوكالة، بل هي شهادة بكون فلان شاهدا. نعم، فيها مشابهة للوكالة من حيث الصورة بسبب استناد الجواز إلى قول الشاهد الاصل (2)، وبسبب هذه الملامحة (3) يمكن كون الاستثناء متصلا بجعلها من أفرادها مجازا. قوله: وفي استيفاء الحدود مطلقا . أي سواء كانت حدود الآدميين كحد السرقة والقذف أم حدود الله تعالى كحد

(هامش)

(1) تقدم في ج 4: 338. (2) في غير س : الاصلي. (3) في ه‍ الملاحظة. وفي م : المشابهة. (*)

ص 258

[وفي إثبات حدود الآدميين، أما حدود الله سبحانه فلا، وفي عقد السبق والرماية والعتق والكتابة والتدبير وفي الدعوى وفي إثبات الحجج والحقوق.

- - الزنا. والمراد استيفاؤها بعد ثبوتها عند الحاكم بمعنى مباشرتها أو تحصيلها. ولا فرق في ذلك بين حضور المستحق وغيبته. ونبه بقوله: مطلقا على خلاف بعض العامة (1) المانع من التوكيل في استيفاء حدود الآدميين في غيبة المستحق، لانه لا يتيقن بقاء الاستحقاق لجواز العفو، ولانه ربما رق قلبه بحضوره فيعفو. ويضعف بأن الاصل البقاء، والاحتمال لا أثر له مع حضوره ولا ينهض مانعا، لان الغرض استحقاقه الآن ومطالبته به نيابة (2). قوله: وفي اثبات حدود الآدميين، أما حدود الله سبحانه فلا . هكذا أطلق المصنف والعلامة في غير التذكرة (3). ووجه المنع في حدود الله أنها مبنية على التخفيف، ولامره صلى الله عليه وآله (4) بإدرائها بالشبهات، والتوكيل توصل إلى إثباتها. والاقوى جوازه، لان جواز الاستنابة في الاحكام على العموميدخل الحدود فمع التخصيص أولى وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وكل أنيسا في إثبات الحد واستيفائه جميعا، وقال: فإن اعترفت فارجمها (5). وهذا يدل على أنه لم يكن قد ثبت. والامر بإدرائها بالشبهات لا ينافي جواز التوكيل، لان للوكيل أن يدرأها بالشبهة.

(هامش)

(1) المهذب. راجع المجموع 14: 98. (2) في و: بنائبه. (3) قواعد الاحكام 1: 254. (4) الفقيه 4: 53 ح 190، والوسائل 18: 336 ب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح 4. (5) مسند أحمد 4: 116، سنن البيهقي 8: 226. (*)

ص 259

[ولو وكل على قليل وكثير، قيل: لا يصح، لما يتطرق من احتمال الضرر. وقيل: يجوز، ويندفع الحال باعتبار المصلحة. وهو بعيد عن موضع الفرض. نعم لو وكله على كل ما يملكه صح، لانه يناط بالمصلحة.

- قوله: ولو وكل على كل قليل - إلى قوله - يناط بالمصلحة . القولان للشيخ (1) (رحمه الله). والجواز مذهب الاكثر، لانتفاء الغرر، واندفاعالضرر بمراعاة المصلحة في فعل الوكيل مطلقا. والمصنف - رحمه الله - رد هذا القيد بأنه بعيد عن موضع الفرض، فإن الفرض كونه وكيلا في كل شيء فيدخل فيه عتق عبيده وتطليق نسائه وهبة أملاكه ونحو ذلك مما يوجب الضرر، والتقييد خروج عن الكلية. وجوابه: أن القيد معتبر وإن لم يصرح بهذا العموم، حتى لو خصص بفرد واحد تقيد بالمصلحة فكيف بمثل هذا العام المنتشر؟. وفرق المصنف بين هذا العام وبين ما لو خصصه بوجه كقوله: وكلتك على ما أملك، ونحوه، لاندفاع معظم الغرر نظرا إلى أن رعاية المصلحة في الامور المنتشرة أمر خفي جدا، فإذا خصص متعلقها سهلت. وهو غير واضح، لان رعاية المصلحة تضبط الامرين، وانتشار الامور لا يمنع من ذلك، فإن مرجع المصلحة إلى نظر الوكيل، فما علم فيه المصلحة يفعله وما اشتبه يمتنع فعله، ولانه لو فصل ذلك العام المنتشر فقال: وكلتك في عتق عبدي وتطليق زوجاتي وبيع أملاكي، صح، لان كل واحد منها منضبط برعاية المصلحة على ما اعترفوا به، وذلك مشترك بين الامرين. والاقوى الجواز مطلقا.

(هامش)

(1) النهاية: 317، الخلاف 3: 350 مسألة 14، والمبسوط 2: 391. (*)

ص 260

الثالث في شرائط الموكل

يعتبر فيه البلوغ وكمال العقل، وأن يكون جائز التصرف فيما وكل فيه، مما تصح فيه النيابة. فلا تصح وكالة الصبي، مميزا كان أو لم يكن. ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه، كالوصية والصدقة والطلاق، على رواية. وكذا يجوز أن يتوكل فيه. وكذا لا تصح وكالة المجنون. ولو عرض ذلك بعد التوكيل، أبطل الوكالة. وللمكاتب أن يوكل، لانه يملك التصرف في الاكتساب. وليس للعبد القن أن يوكل إلا بإذن مولاه.

- قوله: ولو بلغ عشر جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه . بناء على جواز تصرفه في هذه الاشياء مباشرة فجازت الاستنابة. والاقوى المنع منهما (1). قوله: وليس للعبد القن أن يوكل إلا بإذن مولاه . القن إن قلنا إنه يملك فلا يجوز توكيله فيما يملكه إلا بإذن مولاه، لثبوت الحجر عليه، وإن أحلنا ملكه فتوكيله إنما يكون في حق مولاه، فإن لم يكن مأذونا لم

(هامش)

(1) في و: منها. (*)

ص 261

[ولو وكله إنسان في شراء نفسه من مولاه صح. وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن من الموكل.

- يصح توكيله مطلقا، إذ ليس له التصرف مباشرة، فلا يجوز وكالته. نعم، يجوز له التوكيل فيما يملك مباشرته بدون إذنه كالطلاق. وإن كان مأذونا جاز له التوكيل فيما جرت العادة فيه بالتوكيل خاصة. وسيأتي. قوله: ولو وكله إنسان في شراء نفسه من مولاه صح . المراد أنه وكله بإذن مولاه، لما سيأتي (1) من توقف وكالته على إذنه. وخص هذه الصورة لدفع احتمال البطلان هنا من حيث إن الشراء يستدعي مغايرة المشتري للمبيع، ويندفع بأن المغايرة الاعتبارية كافية. ويمكن أن يكون مبنيا على جواز توكيله بغير إذن مولاه إذا لم يمنع منه شيئا من حقوقه كما سيأتي (2) تحقيقه، والامر هنا كذلك، إذ لا منع من حقوق المولى حيث إنه بحضرته وكلامه معه. قوله: وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن من الموكل... الخ . لان الوكيل لا يملك المباشرة لنفسه ولا ولاية له، وإنما هو نائب فيقتصر على ما دل عليه اللفظ، فإن أذن له في التوكيل صريحا فلا إشكال. وكذا لو دل اللفظ بإطلاقه أو عمومه على ذلك ك‍ اصنع ما شئت أو مفوضا ونحوه. ولو لم يأذن له صريحا ولا ضمنا ولكن دلت القرينة على الاذن - كما لو وكله فيما لا يباشره مثله لرفعهعنه، أو عجزه عنه أو عن بعضه لاتساعه، كالزراعة في أماكن متعددة لا يقوم جميعها إلا بمساعد - فالاجود جوازه، لكن يجب تقييده بعلم الموكل بترفعه وعجزه، فلو لم يعلم بهما لم يجز له التوكيل، لانتفاء القرينة من جانب الموكل التي هي مناط الاذن. ويقتصر في التوكيل في الاخير على ما يعجز عنه، لان توكيله خلاف الاصل فيقتصر فيه على موضع الحاجة. وحيث أذن له في التوكيل فإن صرح بكونه وكيلا عن الوكيل لحقه أحكام الموكل، وإن صرح بكونه وكيلا عن الموكل وأطلق كان وكيلا آخر عنه.

(هامش)

(1 و2) لاحظ ص: 267 - 268. (*)

ص 262

[ولو كان المملوك مأذونا له في التجارة، جاز أن يوكل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه، لانه كالمأذون فيه. ولا يجوز أن يوكل في غير ذلك، لانه يتوقف على صريح الاذن من مولاه، وله أن يوكل فيما يجوز أن يتصرف فيه، من غير إذن مولاه، مما تصح فيه النيابة كالطلاق. وللمحجور عليه أن يوكل فيما له التصرف فيه، من طلاق وخلع وما شابهه. ولا يوكل المحرم في عقد النكاح، ولا ابتياع الصيد.

- وسيأتي (1) تفصيله.قوله: ولا يوكل المحرم في عقد النكاح ولا إيداع الصيد . هذا الحكم صالح لدخوله في باب الموكل والوكيل، فإنه كما لا يجوز للمحرم أن يوكل في العقد كذا لا يصح له التوكيل فيه. والمحرم عليهما من ذلك ايقاع العقد في حال الاحرام والتوكيل فيه كذلك. أما لو حصلت الوكالة في حالته ليوقع في حال الاحلال فظاهر العبارة منه أيضا، والاولى الجواز. وهل التحريم مشروط بكون العقد للموكل كما هو ظاهر الكلام والنص (2)، أم هو أعم من ذلك حتى يحرم على الاب والجد وشبههما التوكيل حال الاحرام في إيقاع عقد المولى عليه، وكذا الوكيل الذي يسوغ له التوكيل؟ كل محتمل، وطريق الاحتياط واضح. وفي حكم التوكيل في إيداع الصيد التوكيل في شرائه وبيعه، لامتناع إثبات المحرم يده على الصيد. وفي حكم المحرم المعتكف في عقد البيع حيث لا يجوز له ذلك. وفي بعض النسخ: ابتياع الصيد بدل إيداعه. وهو أجود

(هامش)

(1) في ص: 288 - 290. (2) راجع الوسائل 9: 89 ب 14 من أبواب تروك الاحرام. (*)

ص 263

[وللاب والجد أن يوكلا عن الولد الصغير. وتصح الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا، وللحاضر على الاظهر.ولو قال الموكل: اصنع ما شئت، كان دالا على الاذن في التوكيل، لانه تسليط على ما يتعلق به المشيئة.

- قوله: وتصح الوكالة في الطلاق عن الغائب إجماعا، وللحاضر على الاظهر . هذا هو المشهور، بل ادعى عليه ابن إدريس الاجماع (1)، ولان الطلاق قابل للنيابة وإلا لما صح توكيل الغائب، ولعموم صحيحة سعيد الاعرج عن الصادق عليه السلام: في رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل يطلقها أيجوز ذلك؟ فقال عليه السلام: نعم (2) من غير استفصال، وهو يفيد العموم. ومنع منه الشيخ (3) وجماعة (4) جمعا بين ما تقدم وبين إطلاق رواية زرارة عنه عليه السلام: لا تجوز الوكالة في الطلاق (5) بحملها على الحاضر. وهي مع ضعفها قاصرة عن الدلالة. قوله: ولو قال الموكل: اصنع ما شئت كان دالا على الاذن في التوكيل، لانه تسليط على ما يتعلق به المشيئة . تقرير الاستدلال على جواز توكيل الوكيل بذلك: أن ما من صيغ العموم وقد أذن له في أن يفعل كل ما شاء، فإذا شاء أن يوكل فقد دخل في عموم الاذن. وهو

(هامش)

(1) السرائر 2: 95. (2) الكافي 6: 129 ح 1 و2، الاستبصار 3: 278 ح 986 و987، التهذيب 8: 38 - 39ح 115 و116، الوسائل 15: 333 ب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1. (3) النهاية: 319. (4) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 337، وابن البراج في المهذب 2: 277. (5) الكافي 6: 130 ح 6، التهذيب 8: 39 ح 120، الاستبصار 3: 279 ح 991، الوسائل 15: 334 ب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 5. (*)

ص 264

[ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة فيما وكل فيه، عارفا باللغة التي يحاور بها. وينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة عنهم. ويكره لذوي المروات أن يتولوا المنازعة بنفوسهم.

- جيد في موضعه. وخالف في ذلك العلامة في التذكرة (1) محتجا بأنه إنما يستلزم التعميم فيما يفعله بنفسه، فلا يتناول التوكيل. وجوابه يعلم من التقرير، فإن العموم تناول فعله بنفسه وبنائبه حيث يشاء النيابة، وفي الحقيقة مدلول العام كمدلول الخاص فيالحجة وإن اختلفا في القوة والضعف، فهذا إذن له في التوكيل من حيث العموم فيدخل فيما تقدم (2) إلا أنه أعاده للتنبيه على أنه موضع شبهة كما ذكره العلامة. قوله: ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة فيما وكل فيه عارفا باللغة التي يحاور بها . أي يكون له بصيرة تامة ومعرفة باللغة التي يتعلق بعين ما وكل فيه ليكون مليا بتحقيق مراد الموكل. وقال ابن البراج: إن ذلك واجب (3). وهو ظاهر أبي الصلاح (4). وهو ضعيف. قوله: وينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة عنهم . وكذا يوكل من يباشر عنهم جميع ما يقتضيه الحال من التصرف الذي يمنعون منه، وكذا غير السفهاء ممن للحاكم عليه ولاية كالصبيان والمجانين. وكذا الحكم في الوصي إلا أن ينص له الموصي على عدم التوكيل. قوله: يكره لذوي المروات أن يتولوا المنازعة بنفوسهم .

(هامش)

(1) التذكرة 2: 116. (2) لاحظ ص: 261. (3) نقله عن العلامة في المختلف: 436. (4) الكافي في الفقه: 337. (*)

ص 265

[...

المراد بهم أهل الشرف والمناصب الجليلة الذين لا يليق بهم الامتهان. وروي أن عليا عليه السلام وكل عقيلا في خصومة وقال: إن للخصومة قحما وإن الشيطان ليحضرها، وإنى لاكره أن أحضرها (1) . قال في الصحاح: القحمة - بالضم - المهلكة، وللخصومة قحم أي أنها تقحم بصاحبها على ما لا يريده (2).

(هامش)

(1) المغني لابن قدامة 5: 205، المجموع 14: 98، النهاية لابن الاثير 4: 19. (2) الصحاح 5: 2006 مادة قحم . (*)

ص 266

الرابع في شرائط الوكيل

يعتبر فيه البلوغ، وكمال العقل، ولو كان فاسقا أو كافرا أومرتدا. ولو ارتد المسلم لم تبطل وكالته، لان الارتداد لا يمنع الوكالة ابتداء، وكذلك استدامة. وكل ما له أن يليه بنفسه، وتصح النيابة فيه، صح أن يكون فيه وكيلا. فتصح وكالة المحجور عليه لتبذير أو فلس. ولا تصح نيابة المحرم فيما ليس للمحرم أن يفعله، كابتياع الصيد وإمساكه وعقد النكاح.

- قوله: ولو ارتد المسلم لم تبطل... الخ . المراد عدم بطلانها من حيث الارتداد كما يدل عليه تعليله، وذلك لا ينافي بطلانها من جهة أخرى، ككونه وكيلا على مسلم، فإنه بحكم الكافر في هذه الجهة على الظاهر. ولا فرق بين المرتد عن فطرة وغيره كما يقتضيه إطلاقهم. وأراد بذلك دفع توهم بطلان وكالته، لحكمهم ببطلان تصرفاته. ووجه خروج الوكالة أن تصرفه الممنوع ما كان لنفسه، ووكالته لغيره ليست منه. قوله: وكل ماله أن يليه بنفسه وتصح النيابة فيه صح أن يكون فيه وكيلا . هذا ضابط ما يجوز الوكالة فيه بمعنى أن يكون وكيلا. واحترز بقوله: وتصح

ص 267

[ويجوز أن تتوكل المرأة في طلاق غيرها. وهل تصح في طلاق نفسها؟قيل: لا، وفيه تردد. وتصح وكالتها في عقد النكاح، لان عبارتها فيه معتبرة عندنا. وتجوز وكالة العبد إذا أذن مولاه.

- النيابة فيه عما يصح أن يليه بنفسه من العبادات وما وافقها من الاحكام التي لا تصح النيابة فيها مع أن للانسان أن يليها بنفسه، ودخل فيه المحجور عليه لسفه وفلس، فإنهما يليان لانفسهما بعض الافعال فتصح وكالتهما فيها بل في غيرها أيضا. وخرج توكل المحرم في حفظ الصيد وشرائه، إذ ليس له أن يليه لنفسه كما مر (1). قوله: ويجوز أن تتوكل المرأة في طلاق غيرها - إلى قوله - وفيه تردد . أما وكالتها في طلاق غيرها - سواء كانت زوجة لزوجها أم لاجنبي فلا إشكال فيه، لان الطلاق يقبل النيابة في الجملة. وأما طلاق نفسها فمنع منه الشيخ (2) وابن إدريس (3) لاشتراط المغايرة بين الوكيل والمطلقة. وهو ضعيف، لانه يكفي فيه المغايرة الاعتبارية.قوله: وتصح وكالتها في عقد النكاح، لان عبارتها فيه معتبرة عندنا . نبه بذلك على خلاف الشافعي (4)، فإنه منع من توكلها فيه إيجابا وقبولا كالمحرم. وليس بشيء. قوله: وتجوز وكالة العبد إذا أذن مولاه . لان عبارته معتبرة، والمانع كون منافعه مملوكة لمولاه فمع إذنه يزول المانع. ومقتضى إطلاق توقف توكيله على إذن المولى - في كلام المصنف وغيره - عدم الفرق

(هامش)

(1) لاحظ ص: 262 وج 2: 247. (2) المبسوط 2: 365 و5: 29. (3) السرائر 2: 87. (4) الام 5: 19، ومختصر المزني: 166. (*)

ص 268

[...

بين أن يمنع ما وكل فيه شيئا من حقوق سيده المطلوبة منه وعدمه، كما لو وكله في إيجاب عقد أو قبوله في حال خلوة من أمر السيد بشيء أو في حال اشتغاله بأمره أو مقدماته حيث لا منافاة. ويدل على حكم الاطلاق كون منافعه بأجمعها ملكا للسيد، فلا فرق بين قليلها وكثيرها. وذهب العلامة في التذكرة إلى جواز توكيله بغير إذنه إذا لم يمنع شيئا من حقوقه (1)، وهو متجه لشهادة الحال وانتفاء الضرر. وأورد عليه: أن المنافي إن كان هو أن منافعه بجميعها ملك المولى فلا يجوز الانتفاع بها بدون إذنه، ولا يعتد بها في نظر الشارع بدونه. وإن كان المانع هو منافاة التوكيل لانتفاع المولى وجب أن لا يفرق بين قليل المنافع وكثيرها، فيجوز أن يستغزله ويستنسجه حيث لا يمنع انتفاع المولى، كأن يغزل وهو يتردد في حوائج المولى، وذلك باطل. وجوابه: أنا نختار الاول، والقليل غير المنافي خارج من العموم مستند إلى قرائن الاحوال، بل ربما استند بعضها إلى الضرورة، كالاستظلال بحائط الغير والاستناد إليه والاستضاءة بمصباحه حيث لا يتجه عليه ضرر، وقد تقرر في الاصول أن الاذن في ذلك وأشباهه مستند إلى العقل. وأيضا فإن ذلك يستلزم تحريم محادثة عبد الغيرومحاورته بما يستلزم تكلمه، فإن ذلك من جملة منافعه التي منع من استيفائها، وهو ظاهر البطلان. والفرق بين ما حكم بجوازه وبين ما أورده من الاستغزال ونحوه شواهد الاحوال والقرائن التي تلحق الامور المشتبهة بالمعلوم. فإن قيل: تكليمه خرج بإطباق الناس عليه، وجريان العادة المطردة به، كالشرب من ساقية الغير بغير إذنه. قلنا: المستند واحد، وهو القرائن المقترنة بعدم المفسدة، مع أن إيقاعه لصيغة العقد إيجابا أو قبولا أو هما من جملة الكلام، فتخصيص بعضه دون بعض تحكم.

(هامش)

(1) التذكرة 2: 117. (*)

ص 269

[ويجوز أن يوكله مولاه في إعتاق نفسه. ولا تشترط عدالة الولي، ولا الوكيل في عقد النكاح. ولا يتوكل الذمي على المسلم للذمي ولا للمسلم، على القول المشهور. وهل يتوكل المسلم للذمي على المسلم؟ فيه تردد. والوجه الجواز على كراهية. ويجوز أن يتوكل الذمي على الذمي.

- ولا يخفى أن تكليمه أيضا مشروط بعدم منافاته لشيء من حقوق السيد، كإبطائه عن غرض مطلوب منه ونحوه، وإلا حرم أيضا.قوله: ويجوز أن يوكله مولاه في إعتاق نفسه . الكلام في توليه إعتاق نفسه كالكلام في توكيله في شراء نفسه من مولاه، فإنه يحتمل المنع من حيث إن المعتق مغاير للمعتق. والحق الجواز والاكتفاء بالمغايرة الاعتبارية. قوله: ولا يشترط عدالة الولي ولا الوكيل في عقد النكاح . الجار متعلق بالفعل، وهو متناول للولي والوكيل، أي لا يشترط عدالة الولي وهو الاب والجد له في النكاح، فلهما أن يزوجا الولد وإن كانا فاسقين، ولهما أن يوكلا غيرهما فيه. وكذا الوكيل في عقد النكاح لا يشترط أن يكون عدلا، بل يصح توكيل الفاسق فيه إيجابا وقبولا، لقبوله النيابة، وأصالة عدم اشتراط العدالة، إذ لا يتضمن ذلك استيمانا على أمر خفي كالمال، خلافا لبعض الشافعية (1) حيث اشترط العدالة فيهما. وأما اشتراط عدالة الولي في ولاية المال ففيه خلاف بين أصحابنا. وفي التذكرة قطع بأن الفاسق لا ولاية له حتى لو كان عدلا ففسق أنتزع المال منه (2). واستشكل في القواعد في باب الوصايا (3). قوله: ولا يتوكل الذمي على المسلم... الخ . مدار الوكالة بالنسبة إلى إسلام الوكيل والموكل والموكل عليه وكفرهم والتفريق

(هامش)

(1) راجع المهذب (المجموع) 14: 103، وحلية العلماء 5: 116. (2) التذكرة 2: 511.(3) قواعد الاحكام 1: 353. (*)

ص 270

[ويقتصر الوكيل من التصرف على ما أذن له فيه، وما تشهد العادة بالاذن فيه. فلو أمرهه ببيع السلعة بدينار نسيئة، فباعها بدينارين نقدا صح. وكذا لو باعها بدينار نقدا، إلا أن يكون هناك غرض صحيح يتعلق بالتأجيل. أما لو أمره ببيعه حالا، فباع مؤجلا لم يصح، ولو كان بأكثر مما عين، لان الاغراض تتعلق بالتعجيل.

- ثمانية، فإن الموكل إما مسلم، أو كافر. وعلى التقديرين: فالوكيل إما مسلم، أو كافر. وعلى التقادير الاربعة: فالموكل عليه إما مسلم أو كافر. فمنها صورتان لا تصح الوكالة فيهما عندنا، وهما ما نسب المصنف الحكم فيهما إلى المشهور، وفي التذكرة (1) ادعى الاجماع عليهما، وهما وكالة الكافر على المسلم لكافر أو مسلم، لاستلزامه السبيل للكافر على المسلم المنفي بالآية (2). وباقي الصور تصح الوكالة فيها من غير كراهة إلا في صورة واحدة، وهي وكالة المسلم للكافر على المسلم، فإن المشهور فيها الكراهة، بل ادعى في التذكرة الاجماع عليها (3). والمصنف تردد فيها ثم حكم بها. ويظهر من الشيخ في النهاية (4) عدم الجواز.واعلم أن المصنف والجماعة (5) عبروا عن الكافر بالذمي، ولا فرق من حيث الحكم، بل إذا ثبت المنع في الذمي ثبت في غيره بطريق أولى، وكذا الكراهة. وصور الجواز مشتركة من غير أولوية، فلذلك عدلنا إلى التعبير بالعام. قوله: ويقتصر الوكيل... الخ . أما اقتصاره على ما أذن فيه فلا شبهة فيه. وأما تجاوزه إلى ما تشهد العادة بالاذن فيه فهو جائز مع اطرادها أو دلالة القرائن على ما دلت عليه، كما لو أذن له في البيع بقدر نسيئة فباع به نقدا أو بأزيد بطريق أولى، لانه قد زاده خيرا. ومثل بيع

(هامش)

(1 و3) التذكرة 2: 117. (2) النساء: 141. (4) النهاية: 317. (5) منهم العلامة في القواعد 1: 253، والشهيد في اللمعة: 97. (*)

ص 271

[ولو أمره ببيعه في سوق مخصوصة، فباع في غيرها بالثمن الذي عين له، أو مع الاطلاق بثمن المثل صح، إذ الغرض تحصيل الثمن.

- النسيئة نقدا البيع بأزيد مما عين له مع المماثلة في النقد والنسيئة، والشراء بأنقص.ويجب تقييد ذلك كله بعدم الغرض فيما عين، وإلا لم يجز التعدي وإن لم يصرح بالنهي، فإن الاغراض تختلف والمصالح لا تنضبط. ويمكن كون الغرض في البيع نسيئة أن يخاف على الثمن قبل الاجل، أو يخاف ذهابه في النفقة مع احتياجه إليه بعده، فلا يجوز تعدي أمره إلا مع القطع بعدم الغرض، فإن الغرض هنا ليس نادرا حتى يحمل على الغالب. ومثله الشراء نسيئة بمثل ما أذن فيه نقدا، لامكان أن يتضرر ببقاء الثمن معه، أو يخاف تلفه قبل الاجل وعدم حصوله بعده أو صعوبته، فلا يجوز التعدي وإن جهل الحال إلا مع تحقق عدم الغرض. وأما الثمن المعين فيمكن كون الاقتصار عليه إرادة إرفاق المشتري إن كان معينا، فلا يجوز بيعه بأزيد. ولو لم يكن معينا جاز البيع بالاكثر مع عدم العلم بالغرض وعدم التصريح بالنهي عن الزائد، لندور الغرض في الفرض المذكور وأغلبية إرادة الازيد، مع إمكان أن يريد الارفاق المطلق، أو عدم الاشطاط في البيع، أو سهولة المعاملة، فإنه مندوب إليه شرعا، وعدم زيادة الربح عن مقدار معين لغرض شرعي، أو غير ذلك، إلا أن هذه الامور نادرة في المطلق فلا يلتفت إليها مع الاشتباه. قوله: ولو أمره ببيعه في سوق مخصوصة... الخ .الكلام هنا نحو ما سبق، فإن الغالب على ما ذكره المصنف، مع إمكان تعلق الغرض بالسوق بسبب جودة النقد أو كثرته أو حله أو صلاح أهله أو مودة بين الموكل وبينهم. والمصنف أطلق جواز التعدي، ولابد من تقييده بعدم العلم بالغرض. واشترط في التذكرة (1) العلم بعدم الغرض، فلا يجوز التخطي مع الجهل به، لان ذلك ليس نادرا. ولو علم انتفاء الغرض صح البيع في غيره قطعا، لكن لا يجوز نقل

(هامش)

(1) التذكرة 2: 125. (*)

ص 272

[أما لو قال: بعه من فلان، فباعه من غيره، لم يصح ولو تضاعف الثمن، لان الاغراض في الغرماء تتفاوت. وكذا لو أمره أن يشتري بعين المال، فاشترى في الذمة، أو في الذمة فاشترى بالعين، لانه تصرف لم يؤذن فيه، وهو مما تتفاوت فيه المقاصد. وإذا ابتاع الوكيل وقع الشراء عن الموكل، ولا يدخل في ملك الوكيل، لانه لو دخل في ملكه لزم أن ينعتق عليه أبوه وولده لو اشتراهما، كما ينعتق أبو الموكل وولده.

- المبيع إليه فلو نقله كان ضامنا، وإنما الفائدة صحة المعاملة لا غير.قوله: أما لو قال: بعه من فلان... الخ . الغرض في تعيين الاشخاص أكثري فلا يجوز التخطي مع الاطلاق قطعا، سواء علم الغرض أم جهل الحال أم علم انتفاء الغرض على ما يظهر من إطلاقهم، لندور الفرض، ووقوفا مع الاذن. قوله: وكذا لو أمره أن يشتري... الخ . أي لا يصح التعدي مطلقا كما مر، لاختلاف الاغراض في ذلك غالبا، فإنه يجوز أن يتعلق الغرض بالشراء بالعين بسبب حل المال وخلوصه من الشبهة، وتعيين الثمن فيبطل البيع بتلفه قبل القبض، لاحتمال أن لا يريد بدل غيره أو لا يقدر عليه. والعكس في شراء الذمة، لشبهة في المال أو تحريمه ونحو ذلك. ويتحقق الامر بأحدهما بالنص عليه يقينا ك‍ اشتر بعين هذا المال، أو: اشتر في الذمة . والامر بالعين بالتعيين بما يدل عليه لغة وإن لم يصرح به ك‍ اشتر بهذا المال فإن الباء تقتضي المقابلة ولو أطلق له الامرين أو أتى بعبارة تشملهما - بأن سلم إليه ألفا وقال: اصرفها في الثمن أو قال: اشتر كذا بألف ولم يشر إلى المعين ونحو ذلك - تخير. ومتى قيل بعدم صحة العقد في هذه الصور فالمراد كونه فضوليا يقف على الاجازة.قوله: وإذا ابتاع الوكيل وقع الشراء... الخ .

ص 273

[ولو وكل مسلم ذميا في ابتياع خمر لم يصح.

- هذا موضع وفاق، ووجهه مع ذلك: أن الوكيل إنما قبل لغيره فوجب أن ينتقل الملك إلى ذلك الغير دونه عملا بالقصد، كما لو اشترى الاب والوصي للمولى عليه. ونبه بذلك على خلاف أبي حنيفة (1) حيث حكم بأنه ينتقل أولا إلى الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل، محتجا بأن حقوق العقد تتعلق به، كما لو اشتراه بأكثر من ثمن مثله ولم يذكر الموكل لفظا، فإنه يدخل في ملكه ولا ينتقل إلى الموكل، ولان الخطاب إنما جرى معه. ويضعف بمنع تعلق الاحكام به في نفس الامر، وإنما تعلقت به في المثال ظاهرا لعدم العلم بقصده، والخطاب إنما وقع معه على سبيل النيابة. ويعارض بشراء الاب والوصي، فإنه وافق فيه على وقوعه للطفل ابتداء. ويلزمه ما ذكره المصنف - رحمه الله - من لزوم انعتاق أب الوكيل ونحوه من ينعتق عليه لو اشتراه للموكل، ولم يقل به أحد.قال العلامة رحمه الله: أوردت ذلك على بعض الحنفية فأجاب: بأنه في الزمن الاول يقع للوكيل وفي الزمن الثاني ينتقل إلى الموكل، فألزمته بأنه لم رجح الانتقال في الزمن الثاني إلى الموكل دون العتق؟ فلم يجب بشيء (2). والحق أنه لو انتقل إلى الوكيل كان اللازم ترجيح العتق، لانه مبني على التغليب باعترافهم. وله نظائر كثيرة. قوله: ولو وكل مسلم ذميا في ابتياع خمر لم يصح . كما يشترط كون الوكيل قادرا على أن يلي الفعل لنفسه يشترط كون الموكل كذلك، فلا يكفي جواز تصرف أحدهما دون الآخر. وحينئذ فلا يصح توكيل المسلم الذمي في بيع خمر وابتياعه وإن كان الذمي يملك ذلك لنفسه. وقد تقدم (3) مثله في توكيل المحرم محلا في شراء صيد وبيعه.

(هامش)

(1) المغني لابن قدامة 5: 263. (2) التذكرة 2: 130 - 131. (3) لاحظ ص: 262. (*)

ص 274

[وكل موضع يبطل الشراء للموكل، فإن كان سماه عند العقد لم يقععن أحدهما. وإن لم يكن سماه قضي به على الوكيل في الظاهر.

- قوله: وكل موضع يبطل الشراء للموكل... الخ . أما عدم وقوعه عن الوكيل فلان العقد تابع للقصد وقد خص الشراء بالموكل لفظا ونية فلا يقع عنه. وأما عدم وقوعه عن الموكل فلمخالفة أمره، فلا يكون ما وكل فيه واقعا فيكون فضوليا. وأما مع عدم ذكر الموكل فيقع للوكيل، لان الخطاب معه. هذا بحسب الظاهر، بمعنى أن البايع يأخذ منه الثمن، ويلحقه بالنسبة إليه جميع الاحكام، لعدم تكليفه بالامور الباطنة. وأما الوكيل في نفس الامر مع عدم إجازة الموكل فيجب عليه التخلص بحسب الامكان. وسيأتي تفصيله (1). ولابد من تقييد ذلك أيضا بعدم الشراء بعين مال الموكل، وإلا بطل العقد مع عدم إجازته وإن لم يذكره، لانه يصير كظهور استحقاق أحد العوضين المعينين. هذا بالنسبة إلى نفس الامر، وأما بحسب الظاهر فإن صدق البائع على ذلك أو قامت به البينة ثبت البطلان ظاهرا وباطنا، ووجب عليه رد ما أخذه، وإلا ثبت ظاهرا ووجب على الوكيل عوض المدفوع للموكل، لتعذر تحصيله (2) شرعا، لاعترافه بالتفريط بسبب المخالفة، وعلى البائع الحلف على نفي العلم بالحال إن ادعى عليه ذلك وإلا فلا. واعلم أن المراد بتسمية الوكيل للموكل التصريح بعقد الشراء له مع موافقة القصد على ذلك، إذ لو ذكره لفظا ولم يقصده باطنا وقع البيع له ظاهرا ووقف علىإجازته للمخالفة، لكن يكون الشراء في الباطن للوكيل إن لم يشتر بعين مال الموكل ولم يكن للبائع غرض في تخصيص الموكل، فيكون الحكم مبنيا على الظاهر في الموضعين.

(هامش)

(1) في ص: 276. (2) في س : تخليصه. (*)

ص 275

[وكذا لو أنكر الموكل الوكالة. لكن إذا كان الوكيل مبطلا فالملك له، ظاهرا وباطنا، وإن كان محقا كان الشراء للموكل باطنا.

- قوله: وكذا لو أنكر الموكل الوكالة لكن... الخ . هذه المسألة قد تقدمت في مواضع جزئية كثيرا، وهنا أتى فيها بضابط كلي. وتفصيل المسألة: أن الوكيل إذا اشترى ولم تثبت وكالته في ذلك - إما لدعوى المخالفة، أو لانكار أصل الوكالة - فلا يخلو: إما أن يكون قد اشترى بعين مال الموكل ولو بحسب الدعوى، أو في الذمة. وعلى الاول: إما أن يكون البائع عالما بكون الثمن لمالكه، أو تقوم البينة بذلك، أو لا. وعلى التقادير: فإما أن يصرح بكون الشراء للموكل، أو ينوى ذلك خاصة. ثم إما أن يكون الوكيل صادقا بحسب الواقع أو كاذبا.وحكمها: أنه متى كان الشراء بالعين فهو فضولي، سواء ذكر الموكل أم لا، وسواء نوى الشراء للموكل أم لا. فإن لم يجز المالك وقد ذكره صريحا أو كان له بنية أن العين له أو البائع عالما بذلك، فان كان الوكيل صادقا فالعقد صحيح باطنا فاسد ظاهرا. فإن رجع المالك في العين وأخذها من البائع رجع إليه مبيعه، وإن رجع بالعين على الوكيل لتعذر أخذها من البائع أخذ الوكيل المبيع قصاصا، وتوصل إلى رد ما فضل منه عن حقه إن كان هناك فضل. وإن تلفت تخير في الرجوع، فإن رجع على البائع رجع على الوكيل، وإن رجع على الوكيل لم يرجع على البائع، لاعترافه بظلم الموكل في الرجوع. ولو لم يعلم البائع بالحال ولم يحصل الوصفان الآخران لم يجب عليه الدفع، بل يحلف على نفي العلم إن ادعي عليه ثم يغرم الوكيل ويأخذ العين قصاصا كما مر. وإن كان الوكيل كاذبا بحسب الواقع بطل الشراء بالعين مطلقا، وأتى فيه التفصيل، لكن إن كانت العين قد تلفت عند البائع وجب على الوكيل رد المبيع إليه، وإن كانت باقية عنده فخلاص الوكيل أن يصالح الموكل عليها بما دفعه من المثل أو القيمة ثم يصالح البائع على العين إن أمكن.

ص 276

[وطريق التخلص أن يقول الموكل: إن كان لي فقد بعته من الوكيل، فيصح البيع ولا يكون هذا تعليقا للبيع على الشرط ويتقاصان. ولو امتنع الموكل من البيع جاز أن يستوفي عوض ما أداه إلى البائع عن موكله من هذه السلعة، ويرد ما يفضل عليه أو يرجع بما يفضل له.

- وإن كان الشراء في الذمة وذكر الموكل وقع له باطنا ان كان محقا وبطل ظاهرا فيأخذه قصاصا. وإن لم يذكره لفظا ولا نية فالشراء للوكيل ظاهرا وباطنا. وإن كان مبطلا وذكر الموكل بطل البيع مطلقا. وإن نواه خاصة فالسلعة للبائع باطنا، فيشتريها منه بالثمن إن كان باقيا، وإلا دفعها إليه ولا شيء عليه. وإن لم ينوه وقع الشراء للوكيل. قوله: وطريق التخلص أن يقول الموكل - إلى قوله - ويتقاصان . إنما لم يكن ذلك شرطا مع كونه بصيغته لان الشرط المبطل ما أوجب توقف العقد على أمر يمكن حصوله وعدمه، وهذا أمر واقع يعلم الموكل حاله، فلا يضر جعله شرطا. وكذا القول في كل شرط علم وجوده، كقول البايع يوم الجمعة مع علمه به: إن كان يوم الجمعة فقد بعتك كذا ومثله قول منكر التزويج أو الوكالة عقيب دعوى الزوجة: إن كانت زوجتي فهي طالق . وكذا لو أوقع البيع أو الطلاق من غير تعليق على الشرط صح أيضا ولم يكن إقرارا بالتوكيل وفاقا للتذكرة (1).قوله: وإن امتنع الموكل من البيع... الخ . ويكون ذلك على سبيل المقاصة، ومن ثم توقف على امتناع الموكل. والمراد بالرجوع بما يفضل الرجوع بالزائد عن قيمة المبيع لو كانت أقل من الثمن المدفوع، والرجوع أيضا على وجه المقاصة على تقدير ظفره بمال للموكل وأمكنه وضع يده عليه. ولا يجوز له التصرف في المبيع قبل أحد الامرين، لخروج الملك عنه على كل تقدير، لانه إن كان صادقا في دعوى الوكالة فهو للموكل، وإن كان كاذبا فهو للبائع.

(هامش)

(1) التذكرة 2: 136. (*)

ص 277

[ولو وكل اثنين، فإن شرط الاجتماع لم يجز لاحدهما أن ينفرد بشيء من التصرف. وكذا لو أطلق. ولو مات أحدهما بطلت الوكالة. وليس للحاكم أن يضم إليه أمينا. أما لو شرط الانفراد جاز لكل منهما أن يتصرف غير مستصحب رأي صاحبه.

- ولو رفع أمره إلى الحاكم أمر من أخبره الوكيل أنه له (1) ببيعه منه برفق، وليس له إجبارهعلى ذلك لانتفاء الملك عنه ظاهرا. ولو باعه الحاكم بالقيمة بعد الامتناع صح وإن لم يعلم الحال، لان الوكيل إن كان صادقا فالموكل ممتنع من إيفاء الحق، فللحاكم البيع عليه، وإن كان كاذبا فالملك له، فتلغو الصيغه. قوله: ولو وكل اثنين فإن شرط الاجتماع... الخ . لان توكيله إياهما على هذا الوجه يؤذن بعدم رضاه برأي أحدهما وتصرفه منفردا. وإذا كان الاطلاق مؤديا لمعنى الاجتماع فشرطه على الخصوص لمجرد التأكيد. والمراد باجتماعهما على العقد صدوره عن رأيهما وأمرهما معا، لا إيقاع كل منهما الصيغة وإن كان ذلك جائزا أيضا. فلو وكل أحدهما في إيقاع الصيغة أو وكلا ثالثا صح إن اقتضت وكالتهما جواز التوكيل، وإلا تعين عليهما إيقاع الصيغة مباشرة، فيوقعها كل واحد مرة. ويمكن أن يكون هذا من مواضع جواز توكيل الوكيل ولو بكون أحدهما يوكل الآخر، لدلالة القرائن على أنه لا يريد مباشرة الصيغة مرتين غالبا. وهذا بخلاف الوصيين على الاجتماع، فإن توكيل أحدهما للآخر وتوكيلهما لثالث جائز. والفرق بين الوصي والوكيل أن الوصي يتصرف بالولاية كالاب، بخلاف الوكيل، فإنه يتصرف بالاذن فيتبع مدلوله. ونبه بقوله: وليس للحاكم أن يضم إليه على الفرق أيضا بين الوصي والوكيل حيث إن موت أحد الوصيين على الاجتماع يجوز للحاكم الضم، والفرق أنه لا ولايةللحاكم هنا على الموكل، بخلاف الموصي، لان النظر في حق الميت واليتيم إليه، وإذا تعذر أحد الوصيين صار الآخر بالنسبة إلى التصرف بمنزلة عدم الوصي، إذ لم يرض

(هامش)

(1) في س و ب : أنه ماله. (*)

ص 278

[ولو وكل زوجته، أو عبد غيره، ثم طلق الزوجة وأعتق العبد، لم تبطل الوكالة. أما لو أذن لعبده في التصرف بماله، ثم أعتقه، بطل الاذن، لانه ليس على حد الوكالة، بل هو إذن تابع للملك.

- برأيه منفردا فيشاركه الحاكم بنصب شريك. قوله: ولو وكل زوجته أو عبده ثم طلق الزوجة وأعتق العبد لم تبطل الوكالة (1). إذ لا مدخل للعبودية والزوجية في صحة الوكالة. نعم، لو باعه توقف فعله على إذن المشتري كما لو وكل عبد غيره ابتداء حتى لو رد الوكالة بطلت. قال في التذكرة: ولو لم يستأذن المشتري نفذ تصرفه وإن ترك واجبا . (2) قوله: أما لو أذن لعبده في التصرف... إلخ . قد عرفت في أول الوكالة أن صيغتها لا تنحصر في لفظ، بل تصح بكل ما دلعلى الاذن في التصرف. وحينئذ فيشكل الفرق بين توكيل العبد والاذن له في التصرف حيث لا تبطل الوكالة بعتقه وتبطل الاذن، إلا أن يستفاد ذلك من القرائن الخارجية الدالة على أن مراده من الاذن ما دام في رقه ومراده من الوكالة كونه مأذونا مطلقا. وحينئذ فلا فرق بين كون الاذن بصيغة الوكالة وغيرها، مع احتمال الفرق، فيزول مع الاذن المجرد لا مع التوكيل بلفظها، حملا لكل معنى على لفظه. ويضعف بما مر، فإن الوكالة ليست أمرا مغايرا للاذن، بل يتأدى بكل ما دل عليه، فلا فرق بين الصيغتين. واحتمل في القواعد (3) بطلانها مع البيع دون العتق، لانتقاله إلى التأهل للوكالة على وجه أقوى من الحالة الاولى، بخلاف البيع، لانتقال منافعه لشخص

(هامش)

(1) يلاحظ الفرق بين نسخة الشرائع لدى الشارح رحمه الله والنسخة التي لدينا. ولعل الجمع بينهما في عبارة الجواهر من جهة اختلاف نسخ الشرائع. (2) التذكرة 2: 134. (3) قواعد الاحكام 1: 253. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج5

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب