مسالك الأفهام - ج7

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج7

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 236

[...]

الحولين، وأن يكمل عدد الرضعات بأسرها فيهما، لقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (1) جعل تمام الرضاعة في الحولين، وقوله: (وفصاله في عامين) (2). وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا رضاع إلا ما كان في الحولين (3). وقال أيضا: لا رضاع بعد فصال (4) ولقول الصادق عليه السلام: لا رضاع بعد فطام. قلت:جعلت فداك وما الفطام؟ قال: الحولين اللذين قال الله عز وجل (5). وهذا هو الحديث الذي ذكره المصنف شاهدا، وإن كان الاصطلاح على أن قوله: عليه السلام عند الإطلاق محمول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن المخصص هنا لفظ الحديث، فإنه لم يرد بهذا اللفظ إلا عن الصادق عليه السلام (6). ولا فرق بين أن يفطم قبل الرضاع في الحولين وعدمه عندنا. فلو فطم ثم ارتضع حصل التحريم، كما انه لو لم يفطم حتى تجارز الحولين، ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام، لم يثبت التحريم. والمعتبر في الحولين الأهلة. ولو انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة وعشرون بالأهلة، وأكمل المنكسر بالعدد من الشهر الخامس والعشرين كغيره من الآجال

(هامش)

(1) البقرة: 233. (2) لقمان: 14. (3) الحديث بهذا اللفظ في الموطأ 2: 607 عن ابن مسعود ولم يسند. إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبلفظ يقاربه عنه صلى الله عليه وآله وسلم في السنن الكبرى للبيهقي 7: 462 وغيره. (4) المصنف لابن أبى شيبة 4: 290. والحديث مقطوع لم يسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (5) الكافي 5: 443 ح 3، التهذيب 7: 318 ح 1313، الاستبصار 3: 198 ح 716، الوسائل 14: 291 ب (5) من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 5. والآية في البقرة: 233.(6) بل ورد بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدة روايات. راجع الوسائل الباب المذكور. (*)

ص 237

[الشرط الرابع: أن يكون اللبن لفحل واحد. فلو أرضعت بلبن فحل واحد مائة، حرم بعضهم على بعض. وكذا لو نكح الفحل عشرا. وأرضعت كل واحدة واحدا أو أكثر، حرم التناكح بينهم جميعا. ولو أرضصت اثنين بلبن فحلين لم يحرم أحدها على الآخر. وفيه رواية اخرى مهجورة.]

على الأقوى. ويحتسب ابتداء الحولين من حين انفصال مجموع الولد. وهذا كله في المرتضع. وأما ولد المرضعة - وهو الذي حصل اللبن من ولادته - فهل يشترط كونه أيضا في الحولين حين ارتضاع الولد الآخر، بحيث لا يقع شيء من الرضعات فيما بعدهما؟ قولان، أحدهما: الاشتراط، لظاهر قوله عليه السلام: لا رضاع بعد فطام فإنه نكرة في سياق النفي، فيتناول بعمومه ولد المرضعة. والثانى: عدمه، لعموم قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) (1) خرج منه ما أجمع على اعتباره فيبقى الباقي، ولأن المتبادر من قوله عليه السلام: لا رضاع بعدفطام فطام المرتضع المبحوث عنه، لا فطام ولد المرضعة، لعدم مدخليته في البحث ليكون الكلام فيه. وعدم الاشتراط أقوى، تمسكا بأصالة عدم الاشتراط حيث وقع الشك. وتفريع ما ذكره المصنف واضح. قوله: أن يكون اللبن لفحل واحد..... الخ . المشهور بين أصحابنا أنه يشترط في اوضاع المحرم أن يكون اللبن لفحل واحد، بل ادعى عليه في التذكرة (2) الإجماع. وهذا الشرط يشمل أمرين: أحدهما: اتحاد الفحل في اللبن الذي ينشر الحرمة بين المرتضع والمرضعة

(هامش)

(1) النساء: 23. (2) تذكرة الفقهاء 2: 621. (*)

ص 238

[...]

وصاحب اللبن، بمعنى أن رضاع العدد المعتبر لا بد أن يكون لبنه لفحل واحد. فلو كان لاثنين، بأن أرضعت بلبن واحد بعض الرضعات، ثم فارقها الأول وتزوجت بغيره وأكملت العدد بلبنه، لم ينشر الحرمة بين المرضعة والولد، فضلا عن صاحبي اللبن. ويتصور فرض ما ذكر من المثال بأن يعتاض الولد بالمأكول في المدة المتخللة بين الرضاعين، بحيث لا يفصل بينهما برضاع أجنبية، ثم يكمل العدد وإن طال الزمان، فإن ذلك لا يخل بالتوالي المعتبر فيما سبق. وعلى هذاالفرض فالشرط على نهج الشروط السابقة، بمعنى أن التحريم لا يثبت في حال من الاحوال بفقد واحد من هذه الشروط. والثاني: اشتراط اتحاد الفحل في التحريم بين رضيعين فصاعدا، بمعنى أنه لا بد في تحريم أحد الرضيعين على الآخر - مع اجتماع الشرائط السابقة - من كون الفحل - وهو ماحب اللبن الذي رضعا منه جميعا - واحدا. فلو رضع كل منهما بلبن واحد لم يحرم أحدهما على الآخر، وإن كان تم العدد في كل واحد بلبن فحل واحد وحصل التحريم بين المرتضع وبين المرضعة والفحل. وعلى هذا التفسير فليس هذا الشرط على نهج ما قبله، لأن أصل التحريم هنا ثابت بدون الشرط، وإنما اعتبر هذا الشرط لثبوت التحريم بين المرتضعين لا مطلقا. وحاصل هذا الشرط: أنه إذا ارتضع ذكر وانثى من لبن فحل واحد، سواء كان رضاعهما دفعة أم على التعاقب، وسواء كان رضاعهما بلبن ولد واحد أم ولدين متباعدين، فإنه يحرم أحدهما على الآخر. ولو أرضعت مائة بلبن فحل واحد كذلك حرم بعضهم على بعض. ولا فرق مع اتحاد الفحل بين أن تتحد المرضمعة كما ذكر أو تتعدد، بحيث يرتضع أحدهم من احداهن كمال العدد المعتبر، والآخر من الاخرى كذلك، وإن بلغن مائة، كالمنكوحات بملك اليمين.

ص 239

[...]

ولو فرض في الأولاد المتعددين رضاع ذكر وأنثن من واحدة بلبن واحد ثم رضاع اخرين منها بلبن آخر وهكذا، حرمت كل انثى رضعت مع ذكرها من لبن الفحل الواحد عليه، ولا تحرم على الآخر. وعلى هذا فتكفي الأخوه في الرضاع من جهة الأب وحده، ولا تكفي من جهة الام وحدها، وهو معنى قولهم: اللبن للفحل . وخالفنا الجمهور (1) في الأمرين معا، لعدم الدليل على اعتبارهما، مع عموم الأدلة المتناولة لمحل النزاع. واستند أصحابنا قي الشرطين معا إلى رواياتهم، مثل قول الباقر عليه السلام: لا يحرم من الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات، من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها (2). ورواية عمار الساباطي: أنه سأل الصادق عليه السلام عن غلام رضع من امرأة أيحل. أن يتزوج أختها لابيها من الرضاعة؟ قال: فقال: لا، قد رضعا جميعا من لبن فحل واحد، من امرأة واحدة. قال: قلت: يتزوج أختها لامها من الرضاعة؟ قال: لا بأس بذلك، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام، فاختلف الفحلان، فلا بأس (3). ولا يخفى عليك ضعف هذين الخبرين بعمار، لكن الحكم بهما مشهور بين الأصحاب إلى حد ادعي فيه الاجماع، مع أنه قد عارضهما ما يدل على عدم اعتبار الفحل، وهي رواية محمد بن عبيد الهمداني قال: قال الرضا عليه السلام: ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون اللبن للفحل حتى

(هامش)

(1) المنغي لابن قدامة 9: 200 و208. (2) تقدمت مصادرها في ص: 217 هامش (1). (3) الكافي 5: 442 ح 10، التهذيب 7: 320 ح 1321، الاستبصار 3: 200 ح 724، الوسائل 14: 294 ب (6) من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 2. (*)

ص 240

[...] 

جاءتهم الرواية عنك انك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك. قال: فقال لي: وذلك أن أمير المؤمنين سألني عنها، فقال لي: إشرح لي اللبن للفحل وأنا أكره الكلام. فقال لي: كما أنت حتى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له امهات أولاد شتى، فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا، أليس كل شيء من ولد ذلك الرجل من امهات الأولاد الشتى يحرم على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى. قال: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الامهات؟ وإنما حرم اله الرضاع من قبل الامهات، وإن كان لبن الفحل أيضا يحرم (1) وهذه هي الرواية التي جعلها المصنف مهجورة. هذا، وقد ذهب أبو علي الطبرسي صاحب التفسير (2) فيه إلى عدم اشتراطاتحاد الفحل، بل يكفي اتحاد المرضعة، لأنه يكون بينهم أخوة الام وإن تعدد الفحل، فيدخل في عموم قوله تعالى: (وأخواتكم من الرضاعة) (3). ولأن الأخوة من الام يحرم التناكح بالنسب، والرضاع يحرم منه ما يحرم بالنسب. وهذا القول في غاية الجودة بشرط اطراح الخبرين المتقدمين (4)، إما لضعف السند أو للمعارضة والرجوع إلى عموم الأدلة، وهي ظاهرة معه. وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام، فهل يحل له أن يتزوج أختها لامها من الرضاعة؟ فقال: إن كانت

(هامش)

(1) الكافي 5: 441 ح 7، التهذيب 7: 320 ح 1322، الاستبصار 3: 200 ح 725، الوسائل 14: 295 ب (6) من أبواب ما يحرم بالرضاع خ ح 9. (2) مجمع البيان 2: 28. (3) النساء: 23. (4) في ص: 239 هامش (2) و(3). (*)

ص 241

[ويحرم أولاد هذه المرضعة نسبا على المرتضع منها. ويستحب أن يختار للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة.]

المرأتان رضعتا من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد فلا يحل وإن كانت المرأتانرضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك (1). وهذه الرواية تؤيد تينك الروايتين مع صحتها، وإن لم تكن عين المتنازع. ولم يذكروها في الاستدلال، وهي أولى به، وينبغي أن يكون الاعتماد عليها لصحتها، وتكون هي المخصص لعموم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (2). قوله: ويحرم أولاد هذه المرضعة نسبا على المرتضع منها . لما كان تحريم الرضاع تابعا لتحريم النسب، وكانت الاخوة من الام كافية في التحريم النسبي، فالرضاع كذلك، إلا أنه خرج من هذه القاعدة - الاخوة من الام من جهة الرضاع خاصة بتلك الروايات، فيبقى الباقي على العموم. فتحرم أولاد المرضعة بالنسب على المرتضع وإن كانوا إخوة من الام خاصة، بأن لم يكونوا أولاد الفحل، عملا بالعموم مع عدم وجود المخرج عنه. كما يحرم على هذا المرتضع أولاد الفحل من النسب وإن لم يكونوا إخوة من الام، لتحقق الاخوة بينهما في الجملة. قوله: ويستحب أن يختار للرضاع.... الخ . لأن الرضاع يؤثر في الطباع والصورة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد، وارتضعت من بني

(هامش)

(1) التهذيب 7: 321 ح 1323، الاستبصار 3: 201 ح 726. راجع أيضا الكافي 5: 443 ح 11، الوسائل 14: 294 ب (6) من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 3. (2) راجع الوسائل 14: 280 ب (1) من أبواب ما يحرم بالرضاع. (*)

ص 242

[ولا تسترضع الكافرة. ومع الاضطرار تسترضع الذمية، ويمنعها من شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. ويكره أن يسلم إليها الولد لتحمله إلى منزلها. وتتأكد الكراهية في ارتضاع المجوسية.]

زهرة (1). وكانت هذه القبائل أفح العرب، فافتخر صلى الله عليه واله وسلم بالرضاع كما افتخر بالنسب. وقال صى الله عليه وآله وسلم: لا تسترضعوا الحمقاء. فإن الولد يشب عليه (2). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنظروا من يرضع أولادهم، فإن الولد يشب عليه (3). وقال الباقر عليه السلام: لا تسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يعدي، وإن الغلام ينزع إلى اللبن - يعني إلى الظئر - في الرعونة والحمق (4). وقال عليه السلام: عليكم بالوضاء من الظؤورة فإن اللبن يعدي (5). وقال عليه السلام لمحمد بن مروان: استرضع لولدك الحسان، وإياك والقباح، فإن اللبن يعدي (6). قوله: ولا تسترضع الكافرة... الخ . هذا النهي على وجه الكراهة [في الذمية] (7) لا التحريم، بقرينة قوله:

(هامش)

(1) لم نجده بهذ اللفظ: راجع تلخيص الحبير 4: 6 ح 1658 وفيه أن هذا اللفظ مقلوب فإنه نشأ في بنيزهرة وارتضع في بنى سعد. راجع ايضا غريب الحديث للهروي 1: 89 والاختصاص: 187. (2) الكافي 6: 43 ح 9، الوسائل 15: 188 ب (78) من ابواب أحكام الاولاد ح 3. (3) الكافي 6: 44 ح 10، الوسائل الباب المتقدم ح 1. (4) الكافي 6: 43 ح 8 الفقيه 3: 307 ح 1481، التهذيب 8: 110 ح 375، الوسائل الباب المتقدم ح 2. (5) الكافي 6: 44 ح 13، الفقيه 3: 307 ح 1479، التهذيب 8: 110 ح 377، الوسائل 15: 189 ب (79) من ابواب أحكام الأولاد، ح 2. (6) الكافي 6: 44 ح 12، التهذيب 8: 110 ح 376، الوسائل الباب المتقدم ح 1. (7) من و فقط. (*)

ص 243

[...]

وتتأكد الكراهة في ارتضاع المجوسية لأن التأكيد يقتضي كراهة في غيرها. ولم يسبق منه الحكم بأصل الكراهة في الذمية بخصوصها حتى يكون فيالمجوسية آكد، كما صنع غيره، فيبقى حينئذ حاصل العبارة كراهة الكافرة مطلقا، والمجوسية أشد كراهة. ويدل على الجواز مطلقا - مضافا إلى أصالته - رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة؟ قال: لا بأس. وقال: امنعوهن من شرب الخمر (1) وهو شامل لجميع أصناف الكفار. وعلى الكراهة مطلقا ما تقدم من الأخبار الدالة على أن للبن تأثيرا في الولد مطلقا. وعلى تأكد الكراهة في المجوسية ورود النهي عنها في بعض الأخبار المحمول على تأكد الكراهة جمعا. ففي صحيحة سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تسترضع للصبى المجوسية، وتسترضع له اليهودية والنصرانية، ولا يشربن الخمر، يمنعن من ذلك (2). وروى عبد الله بن هلال عنه عليه السلام، قال: سألته عن مظائرة المجوس، فقال: لا، ولكن أهل الكتاب (3). وقال: إذا أرضعوا لكم فامنعوهن من شرب الخمر (4). وهذا المنع على وجه الاستحقاق إن كانت المرضعة أمة أو مستأجرة شرط

(هامش)

(1) الكافي 6: 43 ح 4، التهذيب 8: 109 ح 373، الوسائل 15: 186 ب (76) من ابواب أحكام الأولاد. ح 5. (2) الكافي 6: 44 ح 14، التهذيب 8: 110 ح 374، الوسائل الباب المتقدم ح 1.(3) الكافي 6: 42 ح 2، التهذيب 8: 109 ح 372، الوسائل الباب المتقدم ح 3. (4) الكافي 6: 42 ح 3، الوسائل الباب المتقدم ح 4. (*)

ص 244

[ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنا. وروي انه إن أحلها مولاها فعلها طاب لبنها وزالت الكراهية. وهو شاذ.]

عليها ذلك في العقد، وإلا توصل إليه بالرفق استحبابا، لأنه يؤثر في الطباع تأثيرا خبيثا فيتعدى إلى اللبن. ويمكن أن يكون وجه كراهة تسليمه إليها لتحمله إلى منزلها حذرا من أن تسقيه شيئا من ذلك، مضافا إلى النهي (1) عن الركون إلى الذين ظلموا، وهي منهم، وانها ليست مأمونة عليه. لقوله: ويكره أن يسترضع من ولادتها... الخ . المراد بها من زنت فولد من زناها المولود الذي يرضع بلبنه، فإنه يكره استرضاعها ولدا غيره، سواء كانت حرة أم أمة، وسواء كان المسترضع مولاها أم غيره، وسواء سامحها مولاها فيما وقع منها من الزنا وقت الاسترضاع أم لا. روى عبيد الله الحلبي في الموثق، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إمرأة ولدت من الزنا أتخذها ظئرا؟ فقال: لا تسترضها ولا ابنتها (2). وفي معناها رواية علي بن جعفر (3) عن أخيه عليهما السلام. وروى محمد بن مسلم في الحسن عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلى من ولدالزنا (4).

(هامش)

(1) هود: 113. (2) الكافي 6: 42 ح 1، التهذيب 8: 108 ح 367، الاستبصار 3: 321 ح 1143، الوسائل 15: 184 ب (75) من أبواب أحكام الأولاد، ح 4. (3) الكافي 6: 44 ح 11، الفقيه 3: 307 ح 1480، التهذيب 8: 108 ح 368، الاستبصار 3: 321 ح 1144، الوسائل الباب المتقدم ح 1. (4) الكافي 6: 43 ح 5، الفقيه 3: 308 ح 1483، المقنع: 112، التهذيب 8: 109 ح 371، الوسائل الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 245

[...]

والرواية التي أشار. إليها المصنف بطيب لبنها إذا أحلها مولاها ما فعلت هي رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها فولدت واحتجنا إلى لبنها، فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب لبنها؟ قال: نعم (1). وفي معناها حسنة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام، في المرأة يكون لها الخادم قد فجرت يحتاج إلى لبنها، قال: مرها فلتحللها يطيب اللبن (2). ونسبها المصنف إلى الشذوذ من حيث إعراضالأصحاب عن العمل بمضمونها، لأن إحلال ما مضى من الزنا لا يرفع إثمه ولا يدفع حكمه، فكيف يطيب لبنه؟! وهذا في الحقيقة استبعاد محض، مع ورود النصوص الكثيرة به التي لا معارض لا. وكذا يكره استرضاع المرأة التي ولادتها نفسها من زنا، بأن تكون مخلوقة منه. وقد تقدم في الخبر الأول ما يدل عليه. وفي تعدي الحكم المذكور إليها لو كانت أمة فأحل مولاها ما وقع وجة، مأخذه المشاركة في المعنى، بل يمكن دخوله في إطلاق بعض الأخبار، كقول الصادق عليه السلام في حسنة محمد بن مسلم السابقة (3): وكان لا يرى بأسا بولد الزنا إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بالمرأة في حل .

(هامش)

(1) الكافي 6: 43 ح 6، التهذيب 8: 108 ح 369، الاستبصار 3: 321 ح 1145، الوسائل الباب المتقدم ح 5. (2) الكافي 6: 43 ح 7، التهذيب 8: 109 ح 370، الاستبصار 3: 322 ح 1146، الوسائل الباب المتقدم ح 3. (3) في ص: 244 هامش (4) والرواية عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

ص 246

وأما أحكامه فمسائل:

الأولى: إذا حصل الرضاع المحرم انتشرت الحرمة من المرضعة وفحلها إلى المرتضع، ومنه إليهما، صارت المرضعة له اما، والفحل أبا، وآباؤهما أجدادا وجدات، وأولادهما إخوة، وإخوتهما أخوالا وأعماما.]

قوله: إذا حصل الرضاع المحرم... الخ . هذه هي القاعدة التي يتفرع منها مسائل من يحرم من الرضاع. وحاصل الأمر: أن المرضعة تصير اما للمرتضع، وهو إجماع، وهي المراد من قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم) (1) ويتبعها في ذلك آباؤها وإن علوا، وامهاتها كذلك، فيصيرون أجدادا للمرتضع وجدات، وإخوتها وأخواتها يصيرون له أخوالا وخالات، وأولادها إخوة وأخوات، لأن ذلك هو لازم الامومة. وكذلك حكم الرضيع بالنسبة إلى هؤلاء، لأنه لازم النبوة، فيصير ولدا لها، وأولاده وإن نزلوا من ذكر وانثى لذكر وانثى أحفادا لا ولآبائها وامهاتها. هذا كله مستفاد من الآية، ولا خلاف فيه بين المسلمين. وأما انتشار التحريم من الفحل إليه، ومنه إليه - على وجه يصير له كالأب، ويتعدى التحريم إلى آبائه وإن علوا، وإلى إخوته وأخواته فيصيرون أعماما وعمات كذلك، ومن الرضيع وأولاده وإن نزلوا، فيصيرون أحفادا للفحل ومن ذكر - فالأمر فيه كذلك عندنا وعند أكثر أهل العلم، والنصوص به من الجانبين (2)كثيرة. وذهب جماعة (3) من العامة إلى عدم تعدي النشر إلى الفحل، نظرا إلى

(هامش)

(1) النساء: 23. (2) كما في الوسائل 14: 299 ب (8) من أبواب ما يحرم بالرضاع. وسيأتي احاديث العامة بعد أسطر. (3) الحاوي الكبير 11: 358، المغني لابن قدامة 7: 476 - 477. (*)

ص 247

[...]

ظاهر قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) (1) فإن مقتضاها تعلق التحريم بالام والمرتضع ومن لزم من جانب الامومة والاخوة، ولأن اللبن للمرأة لا يشاركها الزوج فيه. وجوابه: أن انتشار التحريم إلى الفحل وتوابعه جاء من قبل الأخبار وإن لم تدل الآية عليه، فمن طرقهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة لما استترت من أفلح أخي أبي القعيس وكانت زوجته قد أرضعتها، وقالت: بن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته: أليس بعمك ؟ ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (2). والحكم فيه عندنا إجماعي، وأخبارنا به كثيرة متفقة. إذا تقرر ذلك فنقول: لما صارت المرضعة اما للرضيع وصاحب اللبن أبا له، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (3)وقد حرم الله تعالى بالنسب سبع نساء، وهي الام وإن علت. فكل ام ولدت مرضعتك، أو ولدت من ولدها، أو أرضعتها، أو أرضعت من ولدها بواسطة أو وسائط، فهي بمنزلة امك. وكذا كل امرأة. ولدت أباك من الرضاعة، أو أرضعته، أو أرضعت من ولده ولو بوسائط، في بمنزلة امك. والبنت وإن سفلت. وهي من الرضاعة: كل بنت ارتضعت بلبنك ولبن من ولدته، أو أرضعتها امرأة ولدتها، وكذلك بناتها من النسب والرضاع فكلهن بمنزلة بنتك.

(هامش)

(1) النساء: 23. (2) صحيح مسلم 2: 1069 ب (2) من كتاب الرضاع والذيل ورد في ح 9 فقط. راجع ايضا سنن البيهقي 7: 452. (3) راجع الوسائل 14: 280 ب (1) من أبواب ما يحرم بالرضاع. (*)

ص 248

[...]

والأخت. وهي من الرضاعة: كل امرأة أرضعتها امك، أو ارضعت بلبن أبيك. وكذا كل بنت ولدتها المرضعة أو الفحل. والعمات والخالات. وهن من الرضاع: أخوات الفحل والمرضعة، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع. وكذا كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك، أوارضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع. وبنات الأخ وبنات الأخت. وهن من الرضاعة: بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب. وكذا كل انثى أرضعتها اختك، أو بناتها، وبنات أولادها من الرضاع والنسب. وبنات كل ذكر أرضعته أمك، أو ارضع بلبن أخيك، وبنات أولاده من الرضاع والنسب. فكلهن بنات أختك أو أخيك. فهذه جملة المحرمات بالنسب وقد ألحق به الرضاع، فرتب عليه ما يرد عليك من المسائل فإن وجدته داخلا في إحدى من ذكر فهو محرم، وإلا فلا، إلا أن يأتي دليل من خارج على التحريم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد وقع الالتباس في حكم نسوة كثيرة في باب الرضاع، ومن راعى القاعدة حق المراعاة ظهر عليه الحكم. ولنذكر منها صورا للتدريب، منها: الأربعة المشهورة التي استثناها في التذكرة (1) من قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . الأولى: قال: ام الأخ والأخت في النسب حرام، لأنها إما ام أو زوجة أب. وأما في الرضاع فإن كانت كذلك حرمت أيضا. وإن لم تكن كذلك لم تحرم، كما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم. وأنت إذا راعيت القاعدة علمت وجه عدم تحريم هذه، وأن استثناءها من القاعدة غير صحيح، لأنها لم تدخل فيها أصلا، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل.

(هامش)

(1) تذكرة الفقهاء 2: 614. (*)

ص 249

[...]

وبيان ذلك: أن المحرمات من النسب هي السبع المذكورة، وام الأخ والأخت ليست أحدها مطلقا، لأنها إن كانت اما فهي داخلة من حيث إنها ام، لا من حيث إنها ام الأخ أو الأخت، ولهذا كانت الام محرمة سواء كانت ام أخ أو أخت لأبيها أم لم تكن. فكونها ام أخ أو أخت أمر خارج عن حكم الامومة وإن لزمها في بعض الاحيان، إلا أن اللزوم منفك من البانبين، فقد توجد الام من دون أن تكون ام أخ أو أخت، وقد توجد أم الأخ أو الأخت ولا تكون اما. فلا يدل تحريم الام على تحريم ام الأخ والأخت مطابقة ولا تضمنا، وهو واضح، ولا التزاما، لعدم اللزوم الذهني بمعنييه. وحينئذ فإذا أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم عليك، لأنها ليست من إحدى المحرمات المذكورة التى هي مدار تحريم الرضاع. ولا يصح استثناؤها من القاعدة إلا على وجه الاستشاء المنقطع كما يستثنى الحمار من الناس. وأيضا فإن تحريم المذكورة ليست من جهة النسب مطلقا، بل قد يكون من جهة النسب كما إذا كانت اماه وقد يكون من جهة المصاهرة كما لو كانت زوجة الأب. فتحريمها من حيث هي ام أخ أعم من تحريمها من جهة النسب فلا يدل عليه، والقاعدة انه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لا ما يحرم من المصاهرة. وهذه المصاهرة ليست مؤثرة في التحريم أيضا، لأنها ملائمة لما يحرمبالمصاهرة لا عينه فإن أم الأخ من حيث إنها اتم الأخ ليست إحدى النسوة الأربع المحرمات بالمصاهرة، وإنما المحرم منكوحة الأب، وهي لا تستلزم كونها أم الأخ، كما حققناه في الام النسبية. وسيأتى تحقيقه إن شاء افه تعالى. الثانية: ام ولد الولد حرام، لأنها إما بنته أو زوجة ابنه. وفي الرضاع قد لا تكون إحداهما، مثل أن ترضع الأجنبية ابن الابن، فإنها ام ولد الولد وليست حراما. والكلام في تحريم هذه واستثنائها من القاعدة كالسابقة، فإن ام ولد الولد

ص 250

[...]

ليست من المحزمات السبع بالنسب من حيث إنا ام ولد الولد، بل على تقدير كونها بنتا من حيث إنها بنت. ويظهر لك اعتبار الحيثية من انفكاك البنت عن الوصف بامية ولد الولد، كما لو لم يكن لها ولد، وانفكاك امية ولد الولد عن الوصف بكونها بنتا، كما إذا كانت زوجة ابن. وأيضا فإن تحريمها مطلقا غير منحصر في النسب، بل قد يكون بالمصاهرة. وهو واضح. والكلام في المصاهرة كما مر، فإن المحرم منها حليلة الابن لا أم ولد الولد، لعدم الملازمة كما مر. الثالثة: جدة الولد في النسب حرام، لأنها إما امك أو ام زوجتك. وفي الرضاع قد لا يكون كذلك، كما إذا أرضصت أجنبية ولدك، فإن امها جدته، وليستبامك ولا ام زوجتك. والكلام في استثناء هذه أيضا كالسابقة، فإن جدة الولد ليست إحدى المحرمات السبع، وإن اتفق كونا اما فتحريمها من تلك الحيثية، لا من حيث كونها جدة الولد. ولعدم انحصارها في النسب مع ظع النظر عن الحيثية، لاشتراكها بين الام وام الزوجة المحرمة بالمصاهرة، في بتقريب ما تقدم. ومن هذه الصورة يظهر أيضا حكم ما لو أرضعت زوجتك ولد ولدها، ذكرا كان الولد أم انثى، فإن هذا الرضيع يصير ولدك بالرضاع بعد أن كان ولد ولدك بالنسب، فتصير زوجتك المرضعة جدة ولدك، وجدة الولد محرمة عليك كما مر، لكن هنا لا تحرم الزوجة، لأن تحريم جدة الولد ليس منحصرا في النسب. ولا من حيث إنها جدة كما عرفت. وكذا القول لو أرضعت ولد ولدها من غيرك. فإن الرضيع يصير ولدك بالرضاع وإن لم يكن له إليك انتساب قبله، وتصير زوجتك جدة ولدك، ولا تحرم بذلك كما قررناه. الرابعة: اخت ولدك في النسب حرام عليك، لأنها إما بنتك أو ربيبتك. وإذا أرضت أجنبية ولدك فبنتها اخت ولدك، وليست ببنت ولا ربيبة. والكلام

ص 251

[الثانية: كل من ينتسب إلى الفحل من الأولاد، ولادة ورضاعا، يحرمون عل هذا المرتضع. وكذا من ينتسب إلى المرضعة بالبنوة ولادة وإن نزلوا. ولا يحرم عليه من ينتسب إليها بالبنوة رضاعا.]

في استثناء هذه أيضا كما مر، فإن أخت الولد ليست إحدى المعحرمات بالنسب،ومشتركة بين المحزرمة بالنسب والمصاهرة مع قطع النظر عن الحيثية، وفي هذه الصورة بحث يأتي. قال في التذكرة: وهذه الصور الأربع مستثناة من قولنا: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1). وإذا تدبرت ما حققناه يظهر لك فساد هذا الاستثناء، أو كونه متجوزا في المنقطع، لكن هذا المعنى الثاني غير مراد لهم. والتحقيق: أن هذه الأربع نسوة ليست محرمات بالنسب ولا بالمصاهرة، وإنما هن ملائمات للمحرم بهما. وسيأتي تتمة البحث في ذلك. فتدبر هذه الجملة تظفر بتحقيق مسائل كثيرة ضل فيها أفهام أقوام. قوله: كل من ينتسب إلى الفحل من الأولاد.... الخ . هذه المسألة متنزعة على ما حقتناه في القاعدة السابقة، فإن الفحل لما صار أبا للمرتضع كان أولاده إخوة له من الأب وأخوات. فإن كان المرتضع ذكرا حرم عليه بنات الفحل ولادة ورضاعا، لأنهن أخواته من الرضاعة. وإن كان أنثى حرم عليه أولاد الفحل ولادة ورضاعا كذلك. ولما صارت المرضعة اما كان أولادها إخوة للمرتضع من الام، والإخوة من الام حرام بالنسب فكذا بالرضاع. ولو كان أولادها من النحل كانوا إخوة للمرتضع من أبيه وأمه. وكذا لو كان المرتضع الآخر منها بلبن الفحل كان أخا للمرتضع الآخر لأبيه وامه. وإن اختصوا بالام فهم إخوة للام خاصة. ولكن استثنى أصحابنا من هذه الصورة ما لو كان

(هامش)

(1) التذكرة 2: 614. (*)

ص 252

[الثالثة: لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحمب اللبن، ولادة ولا رضاعا، ولا في أولاد زوجته المرضعة ولادة، لأنهم صاروا في حكم ولده.]

أولاد المرضعة من الرضاع خاصة ولم يكونوا أولادا للفحل من الرضاع، وإلا لدخلوا في جملة أولاده المحكوم بتحريمهم مطلقا. وذلك بأن تكون قد أرضعت ولدا بلبن غير هذا الفحل الذي ارتضع المبحوث عنه من لبنه، فإن أحد الولدين لا يحرم على الآخر وإن كان بينهما أخوة الام من الرضاعة، لما قد سبق من اعتبار اتحاد الفحل في تحريم أحد المرتضعين على الآخر على القول المشهور. وهذه هي السابقة بعينها، وإنما أعادها لاقتضاء هذا التقسيم ذكرها، حيث ذكر جميع الإخوة للمرتضع من طرف النحل والام بالنسب والرضاع. وعلى قول الطبرسي - رحمه الله - يحرم الجميع (1). قوله: لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن... الخ . هذه المسألة خارجة عن حكم القاعدة السابقة، فإن أولاد المرضعة وأولاد صاحب اللبن إنما صاروا إخوة لولده، وإخوة الولد قد يحرمون بالنسب وقد لا يحرمون، كما ذكر (2) في المسألة الرابعة من المسائل المستثناة. ومقتضى ذلك أن لا يحرم أولاد صاحب اللبن ولا أولاد المرضعة مطلقا على أي المرتفع. مضافا إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (3)وإخوة الولد من حيث هم إخوته لا يحرمون بالنسب مطلقا، وإنما يحرمون من حيث البنوة وهي منتفية هنا. ولكن المصنف جرم بالتحريم في هذه المسألة تبعا

(هامش)

(1) مجمع البيان 2: 28. (2) في ص: 250. (3) راجع الوسائل 14: 280 ب (1) من أبواب ما يحرم بالرضاع. (*)

ص 253

[...]

للشيخ في الخلاف (1) وابن إدريس (2)، لورود نصوص صحيحة دالة على التحريم، فكانت مستثناة لذلك. وهي التي أشرنا إلى خروجها بدليل خارج فيما سلف (3). والروايات منها: صحيحة علي بن مهزيار، قال: سأل عيسى بن جعفر أبا جعفر الثاني عليه السلام عن امرأة أرضعت لي صبيا فهل يحل لي أن أتزوج بنت زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره. فقلت له: إن الجارية ليست بنت المرأة التي أرضت لي، هي بنت غيرها. فقال: لو كن عشرا متفرقات ما حل لك منهن شيء، وكن في موضع بناتك (4). ومنها: ما رواه. الكليني في الصحيح عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: إمرأة أرضصت ولد الرجل هل يحل لذلك الرجل أنيتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع: لا تحل له (5). ومنها: رواية أيوب بن نوح في الصحيح قال: كتب على بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام: إمرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب: لا يجوز ذلك لك، لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك (6).

(هامش)

(1) الخلاف 4: 302 مسألة (73). (2) السرائر 2: 557. (3) لاحظ ص: 248. (4) الكافي 5: 441 ح 8، التهذيب 7: 320 ح 1320، الاستبصار 3: 199 ح 723، الوسائل 14: 296 ب (6) من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 10. (5) الكافي 5: 447 ح 18، الفقيه 3: 306 ح 1471، الوسائل 14: 307 ب (6) من امواب ما يحرم بالرضاع ح 2. (6) الفقيه 3: 306 ح 1470، التهذيب 7: 321 ح 1324، الاستبصار 3: 201 ح 727 الوسائل الباب المتقدم ح 1. (*)

ص 254

[...]

فهذه الروايات الصحيحة هي المخرجة للمسألة من أصل تلك القاعدة. ومع ورود هذه الروايات في موضع النزاع ذهب جماعة من الأصحاب - منهم الشيخ في المبسوط (1) - إلى عدم التحريم، محتجا بما أشرنا إليه من أن أخت الابن من النسب إنما حرمت لكونها بنت الزوجة المدخول بها، فتحريمها بسبب الدخول بامها، وهذا المعنى منتف هنا. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولم يقل: يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة. قال في المختلف: وقول الشيخ في غاية القوة، ولولا الرواية الصحيحة لاعتمدت عليه (2). وقد تقدم (3) من كلامه في التذكرة الجزم بعدم التحريم هنا أيضا كقول الشيخ، من غير التفات إلى ما يخالفه ولا نقل الخلاف. ثم في موضع آخر منها نقل كلام الشيخ في المبسوط وعارضه بالروايات الصحيحة، وقال: لولا هذه الرواية لكان الوجه ما قاله الشيخ في المبسوط، ولكن الرواية صحيحة السند (4). وتعليل المصنف التحريم بانهم صاروا في حكم ولده تبع فيه الرواية، وإلا فكونم بحكم ولد. محل النظر لولاها، وتقييده أولاد المرضعة بالولادة تفريع على القول المتقدم من أن أولاد المرضعة مع تعدد النحل لا يحرم بعضهم على بعض. فلا يحرم إخوة المرتضع كذلك على أبيه، لأنهم ليسوا بمنزلة ولده، لأن

(هامش)

(1) راجع المبسوط 4: 204، 5: 292 و305، الوسيلة: 301 و302، ايضاح الفوائد 3: 50. (2) مختلف الشيعة: 520. (3) في ص: 250 - 251. (4) تذكرة الفقهاء 2: 622 - 623. (*)

ص 255

[وهل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ قيل: لا. والوجه الجواز.]

حكم الأب متفرع من حكم الولد. وعلى قول الطبرسي يحرم عليه الجميع إن عمل بالرواية. واعلم أن مما يتفرع على الخلاف في المسألة ما لو أرضعت جدة ولد الإنسان أو إحدى نساء جده ولده بلبن جده الرضاع المعتبر، فإن أم الرضيع تحرم على زوجها أبي المرتضع، لأنها من جملة أولاد صاحب اللبن، إن قلنا إن أبا المرتضع لا يجوز له أن ينكح في أولاد صاحب اللبن. وسيأتي أن الرضاع كما يحرم سابقا يحرم لاحقا، ويوجب انفساخ عتد من يحكم بتحريمها. فينبغي التفطن لهذا، فانه مما يغفل عنه. قوله: وهل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا... الخ . هذا متفرع على ما قبله. فإن قلنا إن أولاد صاحب اللبن وأولاد المرضعة لا يحرمون على أبي المرتضع، فكذا لا يحرمون على إخوته بطريق أولى. ووجه الأولويه: أن الأولاد بالنسبة إلى أبيه بمنزلة الأولاد والربائب، وكلاهما محرم في الجملة، بخلاف حالهم مع إخوته، فإن إخوة الأخ من حيث هم إخوة الأخ لا يحرمون على الأخ، وإنما يحرمون من حيث هم إخوة، لأن الانسان لو كان له أخ من أبيه وأخت من امه جاز لأخيه المذكور نكاح أخته، إذ لا نسب بينهما يحرم. وإنما تحرم أخت الأخ إذا كانت أختا لمن يحرم عليه من الأب أو من الام، وهناليست كذلك، إذ لا نسب بين إخوة الرضيع من النسب وإخوته من الرضاع. وإن قلنا بتحريمهم على أبيه - كما اختاره المصنف - ففي تحريمهم على إخوته الذين لم يرتضعوا قولان، أحدهما: العدم، لما ذكر من العلة، فإنها حاصلة

ص 256

[أما لو أرضعت امرأة ابنا لقوم،. وبنتا لآخرين، جاز أن ينكح إخوة كل واحد منهما في إخوة الآخر، لأنه لا نسب بينهم ولا رضاع.]

سواء حكمنا بتحريمهم على الأب أم لا. وهذا هو الأشهر. والثاني: تعدي التحريم إليهم، ذهب إليه الشيخ في الخلاف (1) والنهاية (2)، استنادا إلى ظاهر التعليل المذكور في الروايات (3)، فإنهم إذا كانوا بمنزلة ولد الأب حرموا على أولاده والعلة منصوصة فتتعدى. وأجيب بأن تعديها مشروط بوجودها في المعدى إليه، وهنا ليس كذلك، لأن كونهم بمنزلة ولد الأب ليس موجودا في محل النزاع. وليس المراد بحجية منصوص العلة أنه حيث يثبت العلة وما جرى مجراها يثبت به الحكم. قوله: أما لو أرضعت... الخ . عدم التحريم هنا واضح، لأن إخوة أحد المرتضعين بالنسبة إلى إخوة الآخر لا رابطة بينم بالمحرمية أصلا، فإنهم ليسوا بمنزلة إخوة الإخوة الذين يحتمل فيهم التحريم، وإنما هم إخوة إخوة الإخوة. ولا فرق في ذلك بين أن يتحد الفحل بالنسبة إلى المرتضعين ويتعدد. واحترز بقوله: لقوم و آخرين عما لو اتحد أبو الإخوة، فإن التحريم واضح من حيث النسب.

(هامش)

(1) الخلاف 4: 302 مسألة 73. (2) النهاية: 462. (3) الوسائل 14: 296 ب (6) من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 10 و306 ب (16) ح 1. (*)

ص 257

[الرابعة: الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا، ويبطله لاحقا. فلو تزوج رضيعة، فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة برضاعها، كأمه وجدته وأخته، وزوجة الأب والأخ إذا كان لبن المرضعة منهما، فسد النكاح. فإن انفردت المرتضعة بالارتضاع، مثل أن سعمت إليها فامتصت ثديها من غير شعور المرتضعة، سقط مهرها، لبطلان العقد الذي باعتباره يثبت المهر. ولو تولت المرضعة إرضاعها مختارة، قيل: كان للصغيرة نصف المهر، لأنه فسخ حصل قبل الدخول، ولم يسقط، لأنه ليس من الزوجة، وللزوج الرجوع على المرضعة بما أداه إن قصدت الفسخ. وفي الكل تردد، مستنده الشك في ضمان منفعة البضع.]

قوله: الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا... الخ . لا إشكال في أن الرضاع الذي يحرم النكاح على تقدير سبقه عليه يبطله على تقدير لحوقه له. فكما أن امه إذا أرضعت بنتا صارت أخته من الرضاعة، فيحرم عليه نكاحها ابتداء، كذا يحرم عليه لو كان قد عقد عليها قبل الرضاع. وكذا إذا أرضعتها جدته، لأن الجدة إذا كانت من قبل الأب صارت الرضيعة عمته، وإن كانت من قبل الام صارت خالته. وإذا أرضعتها أخته صارت بنت أخته. وكذا إذا أرضتها زوجة الأخ بلبنه صارت بنت أخيه، أو زوجة الأب بلبنه صارت أخته.فيبطل نكاح الصغيرة في جميع هذه المواضع، كما يحرمه ابتداء، لتحقق المعنى الموجب للتحريم في الحالين المنافي لصلاحية الرضيعة لنكاحه. واحترز في زوجة الأب والأخ بكون اللبن منهما عما لو كان من غيرهما بعد مفارقتهما أو في زمان زوجيتهما، كما إذا تزوجاهما مرضعتين، فإن اللبن يستمر للأول، على ما مر تفصيله، فتصير ربيبة الأب والأخ، وهما غير محرمتين على الرجل.

ص 258

[...]

والضابط: أن كل امرأة يحرم عليه أن ينكح بنتها، فإذا أرضعت تلك المرأة زوجته الصغيرة العدد المعتبر شبتت الحرمة المؤبدة وانفسخ النكاح. إذا تقرر ذلك فنقول: إذا ارتضعت الزوجة الصغيرة على وجه انفسخ نكاحها فلا يخلو: إما أن يكون بسبب مختص بها، بأن سعت إلى الكبيرة وهي نائمة وارتضعت الرضاع المحرم، أو بسبب من الكبيرة، بأن تولت إرضاعها، أو بسبب مشترك، بأن سعت الصغيرة إليها وارتضعت منها فلم تمنعها منه ولم تعنها عليه. وعلى تقدير مباشرة الكبيرة: إما أن تكون مختارة في ذلك غير مأمورة به شرعا، أو مأمورة به، أو مكرهة عليه. وعلى التقادير الخمسة: إما أن يكون للصغيرة مهر مسمى أو تكون مفوضة. فالصور عشر، نذكر حكمها في خمسة أقسام: الأول: أن يكون الرضاع بسبب مختص بالصغيرة، فلا شيء لها على الزوج ولا على المرضعة، لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول، فكان كالردة من قبلها كذلك. ولا فرق بين كونها مفوضة وممهورة. وهذا هو الذي جزم به المصنف. وجعله في التذكرة (1) أقوى، وهو يؤذن باحتمال أو وجه بعدم السقوط. ووجه العدم: أن المهر وجب بالعقد، والأصل يقتضي استمراره إلى أن يدلدليل على خلافه، ولا نص هنا عليه. والرضيعة لا قصد لها، فكان فعلها بمنزلة عدمه. فيحتمل حينئذ أن يثبت لها نصف المهر، لأنها فرقة قبل الدخول كالطلاق. وهو أحد وجهي الشافعية (2)، ويضعف بانه قياس لا نقول به، فإما أن يثبت الجميع لما ذكر أو يسقط الجميع من حيث استناده إليها. وكيف كان فالمذهب السقوط.

(هامش)

(1) تذكرة الفقهاء 2: 623. (2) الوجيز 2: 107، روضة الطالبين 6: 435. (*)

ص 259

[...]

الثاني: أن يكون الرضاع بفعل الكبيرة بأن تولته بنفسها من غير ضرورة إليه. وقد اختلف في حكم المهر، فقيل: يجب للصغيرة على الزوج نصف المهر، لأنه فسخ قبل الدخول من غير جهة الزوجه، فجرى مجرى الطلاق. وهذا مذهب الشيخ قي المبسوط (1)، وتبعه عليه جماعة (2). وقيل: يجب عليه جميع المهر، لأن المهر يجب جميعه بالعقد، كما سيأتي، ولا ينتصف إلا بالطلاق، وهذا ليس بطلاق، وإلحاقه به قياس، فيستصحب وجوبه إلى أن يثبت المزيل. وهذا هو الوجه. هذا إذا كان قد سمى لها مهرا. ولو كانت مفوضة البضع قيل وجبت المتعة، إلحاقا لهذا الفسخ بالطلاق. ويضعف ببطلان القياس مع وجود الفارق، فإن الفسخبالطلاق جاء من قبل الزوج، وهنا ليس من قبله. ويحتمل السقوط أصلا، كما لو مات أحدهما، لأن عقد النكاح بالتفويض لا يوجب مهرا، لأنه لم يذكر، وإنما أوجبه الطلاق بالآية (3) فلا يتعدى مورده. وليس هذا بقياس على الموت كما قاسه الأول على الطلاق، بل مستند إلى اصل البراءة. ويحتمل وجوب مهر المثل أو نصفه على ما تقدم من الوجهين، لأنه عوض البضع حيث لا يكون هناك مسمى، لامتناع أن يخلو البضع عن عوض. ثم الزوج إذا غرم شيئا في هذه الفروض هل يرجع به على المرضعة؟ قولان، منشؤهما أن البضع هل يضمن بالتفويت أم لا؟ والقول بالرجوع للشيخ

(هامش)

(1) المبسوط 5: 298. (2) كالعلامة في التحرير 2: 10، والصيمري في تلخيص الخلاف 3: 112 مسألة (14) ونسبه إلى المشهور عند أصحابنا. (3) البقرة: 236. (*)

ص 260

[...]

في المبسوط (1)، وتبعه عليه جماعة (2)، لأن البضع مضمون كالأموال، لأنه يقابل بمال في النكاح والخلع، ولا يحتسب على المريض المهر لو نكح بمهر المثل فما دون، وكذا المريضة المختلعة بمهر المثل، ويضمن للمسلمة المهاجرة مع كفر زوجها، وبالشهادة بالطلاق ثم الرجوع عنها. هذا إذا قصدت بالإرضاع الإفساد. فلو لم تقصده فلا شيء علها، على ما يقتضيه تقييد المصنف وجماعة، لأنها على تقدير عدم القصد غير متعدية، كما لو حفر في ملكه بئرا فتردى فيها مترد، ولأنها محسنة إلى الرضيعة و(ما على المحسنين من سبيل) (3). وبهذا صرح الشيخ في المبسوط (4) بعد أن نقل الخلاف في الفرق بين الأمرين وعدمه. والوجه عدم الفرق بين الحالين في الضمان وعدمه، لأن إتلاف الأموال يوجب الضمان على كل حال، فإن كان البضع ملحقا بها ضمن في الحالين وإلا فلا. والفرق بين موضع النزاع وبين حفر البئر في الملك واضح، إذ لا إتلاف من الحافر أصلا، بخلاف المرضعة. وقال الشيخ في الخلاف (5): لا تضمن المرضعة مطلقا، سواء قصدت الفسخ أم لم تقصد، لأن منفعة البضع لا تضمن بالتفويت، بدليل ما لو قتلت الزوجة نفسها،أو قتلها قاتل، أو ارتدت، أو أرضعت من ينفسخ نكاحها بإرضاعه، فإنها لا تغرم للزوج شيئا.

(هامش)

(1) المبسوط 5: 298. (2) كما في إصباح الشيعة ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 18: 347، وجامع المقاصد 12: 234. (3) التوبة: 91. (4) المبسوط 5: 298. (5) الخلاف 2: 5 323 مسألة (16). (*)

ص 261

[...]

وبالجملة: فالبضع ليس كالمال مطلقا. وإلحاقه به في بعض المواضع يوجب إلحاقه به مطلقا. ومما يخرجه عن الإلحاق بالمال جواز تفويض البضع، وعدم لزوم شيء على تقدير عدم الطلاق، والمال ليس كذلك. وأجيب: بانا وإن لم نلحقه بالأموال لكن نقول: إن سببيتها في لزوم المهر أو نصفه للزوج يوجب ضمان ما يغرمه وإن لم نوجب ضمان البضع من حيث تفويته. فإنا لو أوجبنا ضمانه لأوجبنا عليها مهر المثل مطلقا، لأنه قيمة المتلف شرعا، كما يضمن المتلف من الأموال بقيمته، ولا ينظر إلى ما ملكه به من العوض. وفيه نظر، لأن ما يجب على الزوج مسبب عن العقد، لا عن الفسخ الطارئ، ولا سببية (1) لها فيه. الثالث: أن يكون الرضاع بفعل الصغيرة، والكبيرة عالمة لكن لم تمنعها منه ولن تعنها عليه. وفي إلحاقه بالسابقة، أو عدم الضمان وجهان، من أنها لم تباشر الإتلاف، ومجرد قدرتها على منعها لا يوجب الضمان، كما لو لم يمنعها من مباشرة إتلاف مال الغير مع قدرتها على المنع. ويظهر من المصنف وأكثر الجماعة أن تمكينها بمنزلة المباشرة، وبه صرح في التذكرة (2)، لأن تمكينها من الرضاع بمنزلة الفعل، حيث إن المرتضعة ليست مميزة. ولا يخلو من نظر. ولو قيل هنا باشتراك الصغيرة والكبيرة في الفعل، فيكون السبب منهما، ولا يرجع الزوج على المرضعة إلا بنصف ما يغرمه، لكان أوجه من ضمانها مطلقا. وظاهر الأصحاب القطع بإلحاق التمكين بالمباشرة.

(هامش)

(1) في ش : ولا سببيته. (2) التذكرة 2: 623 و624. (*)

ص 262

[...]

الرابع: أن تتولى الكبيرة الإرضاع، ولكن كان ذلك في موضع الحاجة، بأن لا تجد مرضعة غيرها، واضطرت الصغيرة إلى الإرضاع، ووجب على الكبيرة الفعل. وفي ضمانها حينئذ وجهان، من كونها مأمورة بالفعل شرعا، فكان كالإذن في الإتلاف، فلا يتعقبه الضمان، وأنها محسنه و(ما على المحسنين من سبيل). وهو الذي اختاره الشيخ في المبسوط (1). ومن تحقق مباشرة الإتلاف، لأن غرامته لا تختلف بهذه الأسباب. وظاهر المصنف وصريح بعضهم (2) عدم الفرق. واقتصر في التذكرة (3) على نقل القولين عن الشافعية. والأول لا يخلو من قرب. الخامس: أن تكون الكبيرة مكرهة على الارضاع، بأن حملي عليه القادر على فعل ما توعدها به، مع ظنها فعله، واستلزامه ضررا لا يتحمل لمثلها (4) عادة، وإن لم يبلغ الإكراه حد الإلجاء. ولا ضمان هنا على المرضعة، لأن الإكراه يسقط ضمان المال المحقق (5)، وغاية البضع إلحاقه بالمال. وأما ضمان الزوج للصغيرة فثابت على كل حال. وحكى في التذكرة (6) فيه عن الشافعية وجهين في أنه على المكرهة أو المخوف، ولم يرجح شيئا. والمصنف (رحمه الله) تردد في ضمان المرضعة في جميع الأقسام نظرا إلى تردده في أن البضع هل يضمن بالتفويت أم لا؟ وقد ظهر مما قررناه وجه تردده.

(هامش)

(1) المبسوط 5: 298. (2) راجع إيضاح الفوائد 3: 56.(3) تذكرة الفقهاء 2: 623. (4) في م : مثلها. (5) في و: المحض. (6) تذكرة الفقهاء 2: 624. (*)

ص 263

[ولو كان له زوجتان كبيرة وصغيرة، فأرضعتها الكبيرة، حرمتا أبدا إن كان دخل بالكبيرة، وإلا حرمت الكبيرة حسب. وللكبيرة مهرها إن كان دخل بها، وإلا فلا مهر لها، لأن الفسخ جاء منها. وللصغيرة مهرها، لانفساخ العقد بالجمع. وقيل: يرجع به على الكبيرة.]

قوله: ولو كان له زوجتان... الخ . هذه المسألة وما بعدها متفرعة على الضابط الذي أضلناه في المسألة السابقة، وعلى أصل آخر وهو أن المصاهرة تتعلق بالرضاع كما تتعلق بالنسب، فمن نكح صغيرة أو كبيرة حرمت عليه مرضعتها، لأنها ام زوجته من الرضاع، فحرمت كما تحرم امها من النسب. وكذا تحرم عليه بنتها من الرضاع، وأختها جمعا، وعمتها، وخالتها، وبنت أخيها، وبنت اختها، بدون رضا الكبيرة. وكذا لو كان تحته كبيرة فطلقها، فنكحت صغيرا وأرضعته بلبن المطلق، حرمت عليهما أبدا. أما على المطلق فلأن الصغير صار ابنا له، وهي امرأة الصغير، فتكون حليلة ابنه. وأما على الصغير فلأنها امه، وأيضا زوجة أبيه. وأشباه ذلك كثيرة. ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب (1) المقتضي لعدم تحريمه ما يحرم بالمصاهرة، لا من حيثالمفهوم، بل من بقائه على أصل الحل، لأن ما ذكرناه من المصاهرة يتعلق أيضا بالنسب، فإن ام الزوجة من النسب حرام، وقد حكم صلى الله عليه وآله وسلم بأن الرضاع يصير كالنسب، فهو يقتضي ما ذكرناه من التحريم. ومثله بنت الزوجة من النسب، فإنها حرام، فكذا تحرم بنتها من الرضاع. وكذا القول في زوجة الابن من الرضاع، وزوجة الأب من الرضاع، لأن الأبوة والبنوة قد تثبت بالرضاع فيشملها ما دل على تحريم الحليلة.

(هامش)

(1) راجع الوسائل 14: 280 ب (1) من ابواب ما يحرم بالرضاع. (*)

ص 264

[...]

وما ذكروه من المصاهرة التي لا يتعدى إليها تحريم الرضاع هي المصاهرة الناشئة بالرضاع، نظير المصاهرة الحادثة بالنكاح، مثل كون المرأة اما للزوجة، فإن هذا الوصف يتحقق بنكاح بنت امرأة، فيثبت فيه (1) التحريم. فإذا ارتضع طفل رضاعا محرما صارت المرضعة بمنزلة الزوجة لأبي المرتضع، من حيث إنها ام ابنه فامها بمنزلة ام الزوجة، وأختها بمنزلة أخت الزوجة، وهكذا. ومثل هذا لا يتعدى إليه التحريم إلا ما استثني سابقا (2) مما ورد فيه النص. وهذا بخلاف المصاهرة في الأول، فإنها ليست ناشئة عن الرضاع بل عنالنكاح الصحيح، وإنما الناشئ عن الرضاع هو البنوة مثلا، فلما تحققت لزم الحكم الناشئ عن النكاح، وهو كون منكوحته حليلة ابنه. ومثله الأمومة إذا ثبتت لزوجته حرمت عليه أمها ولو من الرضاع، لدخولها في (امهات نسائكم) (3)، وبنتها، لدخولها في (ربائبكم) مع الدخول بالام، وهكذا. والضابط: تنزيل الولد من الرضاعة منزلة الولد من النسب، وامه منه بمنزله الام، وأبيه بمنزلة الأب، إلى آخر المحرمات النسبية، ثم يلحقهم أحكام المصاهرة بالنسبة إلى النساء المحرمات بها عينا وجمعا. ولا يتعدى إلى ما يناسبها، بل إنما تحرم من حيث هي كذلك، كما يحرم السبع بالنسب من حيث هي كذلك، فلا تتعدى إلى ما يناسبها أو يستلزمها. وهذه قاعدة شريفة إن أحطت بها علما لم يلتبس عليك شيء من فروع الرضاع. وإذا تقرر ذلك فنقول: إذا كان لشخص زوجتان، إحداهما كبيرة، والأخرى صغيرة في الحولين، فأرضعت الكبيرة الصغيرة الرضاع المحرم، انفسخ نكاحهما،

(هامش)

(1) في و: به. (2) لاحظ ص: 252. (3) النساء: 23. (*)

ص 265

[...]

لامتناع الجمع في النكاح بين الام والبنت، وقد صارت الصغيرة بنتا والكبيرة اما دفعة واحدة، فانفسخ نكاحهما. ثم إن كان الرضاع بلبن الزوج حرمتا مؤبدا، سواء دخل بالكبيرة أم لا، لصيرورة الصغيرة بنتا له، والكبيرة اما لزوجته. وإن كان الرضاع بلبن غيره، فإن كان دخل بالكبيرة حرمتا أيضا أبدا، لأن الكبيرة ام الزوجة، والصغيرة بنت المدخول بها. وإن لم يكن دخل بالكبيرة لم تحرم الصغيرة مؤبدا، لأنها ربيبة لم يدخل بامها، وإن انفسخ النكاح، فيجدده إن شاء. وهذه المصاهرة من قبيل ما يتعدى إليه التحريم، لأنه من لوازم النسب كما مر. ثم الكبيرة إن كان قد دخل بها استمزر مهرها بالدخول، فلا يسقط بالسبب الطارئ وإن كان من جهتها، كما لو ارتدت بعده. وإن لم يدخل بها سقط مهرها، لأن الفسخ حصل من قبلها كالردة قبله. وعورض بما لو طلقها واحدة وراجعها، وادعى وقوع الرجعة في العدة، وأنكرت وحلفت أنه لم يراجعها إلا بعد انقضاء العدة، فتزوجت غيره، ثم أكذبت نفسها في اليمين وصدقت الزوج، فإنه لا يقبل قولها على الثاني، وقد حكموا بأن الأول يرجع عليها هنا المثل وإن كان قد وطئها. وعلى هذا فينبغي في مسألتنا الرجوع عليها بالمهر على تقدير الدخول. واجيب بأنه إنما يرجع عليها هنا للحيلولة بينه وبين بضعها، لأنها زوجته، لاتفاقهما حينئذ على بقاء الزوجية، وقد حالت بينه وبينها باليمين. ولهذا لو طلقهاالثاني عادت إلى الأول بغير عقد جديد، ووجب عليه رد المهر عليها، فدل على أن المهر لم يلزمها، وإنما دفعته للحيلولة باليمين. بخلاف مسألة الرضاع، فإن النكاح ارتفع في الظاهر وفي نفس الأمر. وفي الجواب نظر، وفي الفرق إشكال. وأما الصغيرة فتستحق جميع المهر على الزوج، لوجوبه بالعقد، وعدم

ص 266

[ولو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين حرمت الكبيرة والمرتضعتان إن كان دخل بالكبيرة، وإلا حرمت الكبيرة.]

ثبوت مسقط ولا منقص كما مر. وهذا هو الذي قطع به المصنف، مع حكمه بالنصف في المسألة السابقة على تردد. وقيل: ترجع هنا عليه بالنصف خاصة كالطلاق. والأول أقوى. والقول في رجوع الزوج به على الكبيرة وعدمه، والتفصيل بتوليها الإرضاع وعدمه، كما مر في السابقة. قوله: ولو أرضعت الكبيرة... الخ . الوجه في هذه كالسابقة. والحكم بعدم تحريم الصغيرتين مع عدم الدخول بالكبيرة مشروط بكون اللبن لغير الزوج، وإلا حرمن مطلقا. وتحرير المسألة: أن الشخص إذا كان له زوجة كبيرة وزوجتان مرتضعتان، فأرضعتهما الكبيرة الرضاع المحرم، فإن كان بلبنه حرمن مطلقا، سواء أرضعتهما على الاجتماع أم على التعاقب. أما تحريم الصغيرتين فلأنهما صارتا ابنتيه، وأماالكبيرة فلأنها ام زوجته، وأم الزوجة تحرم وإن لم يدخل بالزوجة، والام من الرضاع كالام من النسب كما قررناه. وإن أرضعتهما بلبن غيره، فإن كان قد دخل بالكبيرة حرمن أيضا مؤبدا، لأنهما وإن لم تكونا ابنتيه لكنهما ابنتا زوجته المدخول بها، وهي ام زوجته، فيحرمن جمع. ولا فرق بين كون إرضاعهما دفعة أو على التعاقب، لأن الكبيرة وإن خرجت عن الزوجية بإرضاع الأولى أولا إلا أن الثانية قد صارت بنت من كانت زوجته. وسيأتي تحقيقه. وإن لم يكن دخل بالكبيرة فلا يخلو: إما أن ترضعهما دفعة، أو متعاقبتين. فإن كان الأول، بأن أعطت في الرضعة الأخيرة كل واحدة ثديا وارتوتا دفعة واحدة، انفسخ عقد الجميع، لتحقق الجمع بين الام وبنتيها بالعقد، واختص التحريم بالكبيرة، لأنها ام زوجته، وله تجديد العقد على من شاء من الأختين.

ص 267

[...]

وإن أرضعتهما على التعاقب انفسخ نكاح الكبيرة والأولى خاصة، لتحقق الجمع المحرم فيهما. وبقي نكاح الثانية، لأن الكبيرة لم تصر لها اما حتى انفسخ عقدها، فلم يتحقق الجمع المحرم. ويبقى حل الصغيرة الأولى موقوفا على مفارقة الثانية، كما في كل أخت للزوجة غير معقود عليها. وقس على هذا ما لو أرضعت له زوجة ثالثة ورابعة وأزيد، دفعة وعلى التعاقب. واعلم أن المصنف اعتبر في هذه المسألة وما بعدها في تحريم الجميعالدخول بالكبيرة، ولم يعتبر كون اللبن منه أو من غيره. وقد اعتبره كما ذكرناه (1) العلامة (2) وجماعة (3)، ولعل تركه أجود، لأن الحكم بكون اللبن للزوج يستلزم الدخول بالكبيرة، لما تقدم من اشتراط كونه صادرا عن نكاح، بل عن ولد معه، ومع الدخول يتحقق تحريم الكبيرة وإن لم يكن اللبن له، وبدون الدخول ينتفي عنه اللبن، فلا وجه للتفصيل بكون اللبن منه أو من غيره بالنسبة إلى تحريم الكبيرة. وأما الصغيرة فتحرم على التقديرين. وإنما يحتاج إلى هذا التفصيل من لا يعتبر في اللبن المنسوب إلى الزوج الوطء، بل يكتفي بالزوجية كالعامة، وهم أصل هذا التفصيل، فجرى عليه بعض الأصحاب. ويمكن أن يفرض عندنا كون اللبن للزوج من غير دخول على تقدير كونه قد وطئها قبل الزوجية بشبهة فحملت منه، فإن اللبن يلحق به كالولد لما مر، ثم لا نقول بأن وطء الشبهة ينشر الحرمة مطلقا، فإذا تزوجها حالة اللبن فهو له، وهي قبل دخوله بعد العقد غير مدخول بها مع كون اللبن له، فيأتي التفصيل.

(هامش)

(1) كذا في و. وفي سائر النسخ: كما ذكره. (2) التذكرة 2: 625. (3) لم نجد من اعتبر في التحريم كون اللبن من الزوج - والظاهر انه المراد - غير العلامة في التذكرة. فتأمل. (*)

ص 268

[ولو كان له زوجتان وزوجة رضيعة. فأرضعتها إحدى الزوجتين أولا، ثم أرضعتها الاخرى، حرمت المرضعة الاولى والصغيرة دون الثانية،لأنها أرضعتها وهي بنته. وقيل: بل تحرم أيضا، لأنها صارت اما لمن كانت زوجته. وهو أولى. وفي كل هذه الصور ينفسخ نكاح الجميع، لتحقق الجمع المحرم. وأما التحريم فعلى ما صورناه.]

قوله: ولو كان له زوجتان... الخ . لا إشكال في تحريم المرضعة الأولى مطلقا، لأنها صارت ام زوجته، وتحريمها غير مشروط بشيء. وأما تحريم الصغيرة فمشروط بأحد أمرين، إما كون اللبن للزوج لتصير ابنته، أو كون إحدى الكبيرتين مدخولا بها، سواء كانت الأولى أم الثانية، لأن الصغيرة تصير بنتا لهما، فبأيما دخل صارت بنت زوجته المدخول بها، وهذا واضح. وبقي الكلام في تحريم الثانية من الكبيرتين، فقد قيل إنها لا تحرم، وإليه مال المصنف حيث جعل التحريم أولى، وهو مذهب الشيخ في النهاية (1) وابن الجنيد (2)، لخروج الصغيرة عن الزوجية إلى البنتيه، وام البنت غير محرمة على أبيها، خصوصا على القول باشتراط بقاء المعنى المشتق منه في صدق الاشتقاق، كما هو رأي جمع (3) من الأصولتين. ولرواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام قال: قيل له: إن رجلا تزوج بجارية صغيرة، فأرضعتها امرأته، ثم أرضعتها امرأته الاخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه، فقالأبو جعفر عليه السلام: أخطا ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية وامرأته التي

(هامش)

(1) النهاية: 456. (2) حكى عنه في المختلف 2: 521. (3) راجع الإحكام في اصول الأحكام للآمدي 1: 48. تيسير التحرير 1: 72. (*)

ص 269

[...]

أرضعتها أولا، فأما الأخيرة لم تحرم عليه، كأنها أرضعت ابنتها (1). وهذه الرواية نص في الباب، لكنها ضعيفة السند، في طريقها صالح بن أبى حماد وهو ضعيف (2)، ومع ذلك فهي مرسلة، لأن المراد بأبي جعفر حيث يطلق الباقر عليه السلام، وبقرينة قول ابن شبرمة في مقابله، لأنه كان في زمنه، وابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه السلام. ولو اريد بأبي جعفر، الثاني وهو الجواد عليه السلام بقرينة أنه أدركه وأخذ عنه فليس فيه أنه سمع منه ذلك بل قال: قيل له، وجاز أن يكون سمع ذلك بواسطة، فإلارسال متحقق على التقديرين. مع أن هذا الثاني بعيد، لأن إطلاق أبي جعفر لا يحمل على الجواد عليه السلام. وذهب ابن إدريس (3) والمصنف في النافع (4) وأكثر المتأخرين (5) إلى تحريمها أيضا، وهو الظاهر من كلام الشيخ في المبسوط (6) على التباس يسير فيه، لأن هذه يصدق عليها أنها ام زوجته وإن كان عقدها قد انفسخ، لأن الأصح أنه لايشترط في صدق المشتق بقاء المعنى، فتدخل تحت قوله تعالى: (وامهات نسائكم) (7). ولمساواة الرضاع النسب، وهو يحرم سابقا ولاحقا، فكذا مساويه. وهذا هو الأقوى.

(هامش)

(1) الكافي 5: 446 ح 13، التهذيب 7: 293 ح 1232، الوسائل 14: 305 ب (14) من ابواب ما يحرم بالرضاع. (2) رجال ابن داود 2: 250 رقم 233. رجال العلامة: 230. (3) السرائر 2: 556. (4) المختصر النافع: 176. (5) كالمحقق الآبى في كشف الرموز 2: 128 - 129 وفخر المحققين في الايضاح 3: 52 والمحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 238. (6) المبسوط 5: 300. (7) النساء: 23. (*)

ص 270

[ولو طلق زوجته فأرضعت زوجته الرضيعة، حرمتا عليه.]

واعلم أنه يستفاد مما ذكروه في علة التحريم أنه لا فرق فيه بين كونه في زمان زوجته للكبيرتين وبعد فراقهما بطلاق وغيره، لبقاء معنى الزوجية فيهما بعد الفراق. نعم، لو طلق الكبيرتين قبل أن يدخل بهما، ثم أرضعتا الصغيرة بلبن غيره، لم تحرم الصغيرة، لأنها صارت بنت غير مدخول بها. والمراد بقول المصنف: وفي كل هذه الصور ينفسخ نكاح الجميع المسائل الثلاث المتقدمة، لأنه ذكر فيها حكم التحريم ولم يذكر انفساخ النكاح فيمن لم يحكم بتحريمها، فنبه عليه جملة واحدة. وقد عرفت أنه يستثنى من ذلكمن المسألة الثانية ما لو ارضعت الصغيرة الثانية بلبن غيره بعد ان أرضعت الأولى وحكم بتحريمهما وانفساخ عقدهما، فإن نكاح الثانية لا ينفسخ، لعدم وجود ما يقتضيه. قوله: ولو طلق زوجته... الخ . حكم هذه المسألة متفرع على السابقة. وإنما يتم جزمه بتحريمهما على تقدير الدخول بالكبيرة لتصير الصغيرة بنت مدخول بها، وإلا لم تحرم الصغيرة، كما عرفته من السابقة. وهع ذلك فجزمه بتحريم الصغيرة على تقدير الدخول بالكبيرة مبني على الاكتفاء بإرضاع من كانت زوجته، وقد سبق (1) منه الحكم بخلاف ذلك، لأن الأولوية لا تقتضي التحريم، فكأنه قرينة على كونه اختار التحريم في السابقة، أو رجوع عن الحكم، أو الأولوية في مصطلحه لا تفيد المنع من خلافها. ولا يتوهم اختلاف الحكم من حيث إن الخارجة عن الزوجية هنا المرضعة وهناك الرضيعة لاشتراكهما في المعنى المقتضي للتحريم وعدمه. نعم، يمكن أن يقال: إنه في السابقة راعى النص (2) الوارد بعدم التحريم، فلم

(هامش)

(1) في ص: 268. (2) لاحظ ص: 269 هامش (1). (*)

ص 271

[الخامسة: لو كان له أمة يطؤها، فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا جميعا. ويثبت مهر الصغيرة، ولا يرجع به على الأمة، لأنه لا يثبت للمولى مال في ذمة مملوكه. نعم، لو كانت موطوءة بالعقد رجع به عليها، ويتعلق برقبتها. وعندي في ذلك تردد. ولو قلنا بوجوب العود بالمهر لما قلنا ببيع المملوكة فيه، بل تتبع به إذا تحررت.]

يلتفت إلى الدليل الدال على صدق الزوجية، وهنا رجع إلى الأصل المقتضي للتحريم في غير موضع النص. نظير ما تقدم (1) من سكه بتحريم أولاد صاحب اللبن على الفحل، تبعا للرواية الدالة على أنهم بحكم أولاده، وعدم الحكم بتحريمهم على إخوة المرتضع وإن كانوا بحكم أخيهم، رجوعا إلى الأصلالمقتضي لعدم التحريم في غير موضع النص. والظاهر أن هذا هو السر في جزم المصنف بالتحريم في هذه المسألة. قوله: لو كان له أمة يطؤها... الخ . الكلام في هذه المسألة كما سبق في أن الرضاع إن كان بلبنه حرمتا عليه مطلقا، لصيرورة الأمة أما لزوجته، وصيرورة الزوجة بنته. وإن كان بغير لبنه فالأمة الموطوءة أم زوجته، والزوجة بنت المدخول بها، فتحرمان أيضا. فالحكم بتحريمهما على إطلاقه جيد من جهة التقييد بكونها موطوءة، ولو كانت الأمة غير موطوءة حرمت خاصة، لأنها ام الزوجة. ووجوب غرم الزوج للصغيرة المهر أو نصفه كما سبق. وإنما يختلف الحكم في غرم الأمة

(هامش)

(1) في ص: 252. (*)

ص 272

[السادسة: لو كان لاثنين زوجتان صغيرة وكبيرة، وطلق كل واحد منهما زوجته وتزوج الاخرى، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة، حرمت الكبيرة عليهما، وحرمت الصغيرة على من دخل بالكبيرة.]

له، فإنها إن كانت أمة المولى لم يرجع عليها بشيء، لأن المولى لا يثبت له على مملوكه مال. نعم، لو كانت مكاتبة مطلقة أو مشروطة مطلقا رجع عليها، لانقطاع سلطنته عنها، وصيرورتها بحيث يثبت عليها مال. ولو كانت الأمة لغيره وهي موطوءة بالعقد أو بالتحليل تبعت بالمهرالذي غرمه للصغيرة بعد العتق، كما يتبع بسائر الإتلافات المالية، على تردد من المصنف في الرجوع مطلقا، ومقداره على تقديره. ووجه التردد قد سبق تحريره في المسألة (1) الاولى، وكذا ما يعتبر من الشروط على تقديره. قوله: لو كان لاثنين زوجتان... الخ . وجه تحريم الكبيرة عليهما مطلقا صيرورتها اما لزوجة كل منهما، أما لزوج الصغيرة في الحال فواضح، وأما الآخر فهي ام من كانت زوجته، وقد تقدم (2) الكلام في الاكتفاء به في التحريم. وأما تحريم الصغيرة على من دخل بالكبيرة فلأنها بنت زوجته المدخول بها، أو من كانت زوجته. ولم يذكر هنا خلافا اكتفاء بما سبق، أو للوجه الذي ذكرناه (3) في غير موضع النص.

(هامش)

(1) الظاهر انه سهو من قلمه الشريف وقد تقدم الكلام فيه في الفرع الثاني من المسألة الرابعة من مسائل المتن. راجع ص: 259. (2) في ص: 268. (3) لاحظ ص: 270. (*)

ص 273

[السابعة: إذا قال: هذه اختي من الرضاع، أو بنتي على وجه يصح، فإن كان قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا. وإن كان بعد العقد ومعه بينة حكم بها. فإن كان قبل الدخول فلا مهر. وإن كان بعده كان لها المسمى. وإن فقد البينه وأنكرت الزوجة لزمه المهر كله مع الدخول، ونصفه مع عدمه على قول مشهور.]

قوله: إذا قال: هذه اختي... الخ . إذا ادعى رجل على امرأة أنها محرمة عليه من الرضاع، كأن ادعى أنها أخته منه أو بنته أو امه، فإن كذبه الحس في دعواه، بأن يقضي الحس بحسب سنهما أنها لا يمكن ارتضاعها من لبنه في الحولين، أو لا يمكن رضاعه من لبنها كذلك، أو لا يمكن رضاعهما من. امرأة واحدة أو لبن رجل واحد، لم يلتفت إلى دعواه، وحل له أن يتزوجها، ولم تحرم عليه إن كانت زوجته. وإن أمكن صحة دعواه فلا يخلو: إما أن يكون قبل أن يعقد عليها نكاحا، أو بعده. وعلى التقديرين: إما أن تصدقه في دعواه، أو تكذبه، أو لا ولا، بأن لا تعلم الحال. وعلى تقدير كونه قد تزوجها: إما أن يكون قبل الدخول، أو بعده. تم إما أن يكون قد سمى لها مهرا، أم لا. وعلى تقدير التسمية: إما أن يكون بقدر مهر المثل، أو أزيد، أو أنقص. وبسبب اختلاف هذه الصور تختلف الأحكام. وجملة حكمها: أن دعواه الممكنة إن كانت قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا، سواء صدقته أم كذبته، فليس له التزويج بها بعد ذلك وإن أكذب نفسه. نعم، لو أظهر لدعواه تأويلا محتملا، بأن قال: إني اعتمدت في الإقرار على قول من أخبرني، ثم تبتين لي أن مثل ذلك لا يثبت به الرضاع، وأمكن في حفه ذلك احتمل القبول، لإمكانه. وأطلق الأصحاب عدم قبوله مطلقا، لعموم: إقرار العقلاء

ص 274

[...] 

على أنفسهم جائز (1) وعليه العمل. وإن كانت الدعوى بعد العقد وصدقته الزوجة فالعقد باطل، فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها، لانتفاء النكاح. وإن كان بعده واعترفت بالعلم قبل الدخول فلا شيء أيضا، لأنها بغي بالدخول. وإن ادعت تجدد العلم لها بعده قبل قولها، وكان لها المسمى على قول الشيخ (2) - رحمه الله تعالى - بناء على أن العقد هو سبب ثبوت المهر، لأنه مناط الشبهة، فكان كالصحيح المقتضي لتضين البضع بماوقع عليه التراضي في العقد. ويحتمل وجوب مهر المثل، لبطلان العقد، فيبطل ما تضنمه من المهر، والموجب له حينئذ هو وطء الشبهة وعوفه مهر المثل، لأن المعتبر في المتلفات المالية وما في حكمها هو قيمة المثل، وقيمة منافع البضع هو مهر المثل. وهذا هو الأقوى. هذا إذا كان مهر المثل أقل من المسمى أو مساويا له. أما لو كان أزيد منه احتمل أن لا يكون لها سوى المسمى، لقدومها على الرضا عن البضع بالأقل، فلا يلزمه الزائد، وثبوت مهر المثل مطلقا، لأن ذلك هو المعتبر في قيمته شرعا، ورضاها بدون وجه شرعي لا عبرة به. وهذا هو المعتمد. وإن كذبته الزوجة لم تقبل دعواه في حقها إلا ببينة، فإن أقامها حكم بالبطلان أيضا، وكان الحكم كما لو صدقته. وإن عدم البينة وكان ذلك قبل الدخول حكم بتحريمها عليه عملا بمقتضى إقراره، ولكن لا يقبل في حقها، بل يلزمه لا

(هامش)

(1) راجع الوسائل 16: 111 ب (3) من كتاب الأقرار ح 2، والمستدرك 16: 31 ب (2) من كتاب الأقرار ح 1، وعوالي الئالى 3: 442 ح 5. وراجع أيضا المختلف: 443 والتذكرة 2: 79 وإيضاح الفوائد 2: 428 وجامع المقاصد 5: 233 فهناك بحث في كون هذه الجملة رواية. (2) المبسوط 5: 314. (*)

ص 275

[ولو قالت المرأة ذلك بعد العقد لم تقبل دعواها في حقه إلا ببينة. ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الإقرار.]

نصف المهر على القول المشهور، لأنها فرقة قبل الدخول كالطلاق. والأقوى الجميع، لوجوبه بالعقد. وتشطيره بالطلاق لا يقتضي إلحاق غيره به، لبطلان القياس، لكن له إحلافها إن ادعى عليها العلم، فإن نكلت فحلف هو فالحكم كما لو صدقته. ولو كان ذلك بعد الدخول لزمه جميع المهر مطلقا. ثم على تقدير تصديقها له يبطل العقد ظاهرا، ويصح لكل منهما التزويج، كما لو لم يكن العقد واقعا. وعلى تقدير تكذيبها له لا يصح لا التزويج بغيره وإن حكم عليه بالتحريم أو أقام ببينة بدعواه، لأن البينة لا تثبت الحكم في نفس الأمر، فإذا أكذبتها (1) لزمها حكم التكذيب. ويجوز له حينئذ أن يتزوج بغيرها، ولا يجوز لها التزويج بغيره، ولا غيره (2) - مما يتوقف على إذن الزوج - بدونه. وإن لم تكذبه ولم تصدقه، بل احتملت الأمرين، حكم عليها بما يقتضيه ظاهر الشرع من التحريم بإقراره. قوله: ولو قالت المرأة ذلك... الخ . لو كان المدعي للرضاع المحرم هو المرأة، فإن كان قبل التزويج حكم عليها بظاهر الاقرار، وحكم بتحريم نكاحه. وهو واضح. وإن كان بعده فلا يخلو أيضا: إما أن يكون قبل الدخول أو بعده. ثم إما أن يصادقها الزوج أو لا. ثم إما أن تكون لها بينة، أولا. فإن كان قبل الدخول وصادقها انفسخ العقد، ولا شيء عليه. وإن كذبها لم تقبل دعواها في حقه، وله المطالبة بحقوق الزوجية، وليس لها الامتناع، ولكن ليس لها إبتداؤه بالاستمتاع،

(هامش)

(1) في النسح: أكذبها. والصحيح ما اثبتناه. (2) في م ونسخة بدل و: ولا عبرة بما يتوقف. (*)

ص 276

[الثامنة: لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة، لتحقق الخلاف في الشرائط المحرمة، واحتمال أن يكون الشاهد استند إلى عقيدته.]

لأنه محرم بزعمها. ولا مهر لها، لفساده بزعمها. ويجب عليها أن تفتدي نفسها منه بما أمكنها والتخلص من الاستمتاع بكل ممكن. وإن كان بعد الدخول وصدقها الزوج انفسخ العقد أيضا. ثم إن ادعت سبقالعلم على الوطء فلا شيء لها، لأنها بغى. وإن ادعت لحوقه له بخبر من يقبل قوله فلها المسمى أو مهر المثل على الخلاف السابق. والأقوى أقل الأمرين، لأن المسمى إن كان أقل فلا تستحق ظاهرا غيره، ولا يقبل قولها في استحقاق الزائد، وإن كان مهر المثل أقل فلا تستحق بدعواها غيره، لدعواها أن الوطء لشبهة لا بعقد. ولو كذبها فالحكم في المهر كذلك. وفي العقد لا يقبل منها إلا بالبينة، ولكن لا إحلافه على نفي العلم إن ادعته عليه فإن حلف اندفعت دعواها ظاهرا وبقي النكاح، وعليها فيما بينها وبين الله تعالى التختلص بحسب الإمكان كما مر. وإن نكل ردت اليمين عليها، فتحلف على البت، لأنه حلف على إثبات فعل فإذا حلفت حكم بالفرقة، ووجب بالدخول ما مر. وإن نكلت أو نكلا بقي النكاح ظاهرا. وحيث يبقى ليس لا المطالبة بحقوق الزوجية مطلقا، أما الاستمتاع فلتحريمه بزعمها، وأما النفقة فلعدم استحقاقها لها بدعواها، وإن جاز لها اخذها لو بذلها. وحبسها لأجله لا يقتضي إيجاب النفقة مع عدم الزوجية بزعمها (1). قوله: لا تقبل الشهادة بالرضاع.... الخ . قد عرفت أن الخلاف واقع في القدر المعتبر من الرضاع في التحريم كمية وكيفية، فإن منهم من يحرم بقليله وكثيره، ومنهم من لا يعتبر عشر رضعات، ومنهم

(هامش)

(1) كذا في إحدى الحجريتين، والظاهر انه الصحيح، وفي سائر النسخ: التي تزعمها. (*)

ص 277

[...]

من يعتبر خمس عشرة. ومن غير أصحابنا من يعتبر خمسا، وثلاثا، وواحدة، وما ينطر الصائم. ومن أصحابنا من لا يعتبر الحولين، ومنهم من لا يعتبر الولادة، ومنهم من يكتفي بوجور اللبن في حلقه من غير رضاع. وكذا الخلاف فيها عند غيرنا. إلى غير ذلك من الخلاف الواقع فيه. وإذا كان كذلك لم تكف شهادة الشاهد أن بين فلان وفلانة رضاعا محرما، أو أن فلانا رضع من فلانة رضاعا محرما، ونحو ذلك، لجواز أن يستند الشاهد إلى ما يعتقد أنه محرم، وهو عند الحاكم غير محرم. فلا بد من التفصيل، بأن يشهد أن فلانا ارتضع من ثدي فلانة، من لبن الولادة أو الحمل، المستند إلى النكاح الصحيح، خمس عشرة رضعة تامات، في الحولين، من غير أن يفصل بينها برضاع اخرى. وبالجملة: لا بد من التعرض لجميع الشرائط المعتبرة عند الحاكم الذي يشهدان عنده ليعمل باجتهاده. وهل يشترط أن يضيف إلى ما ذكر وصول اللبن إلى جوفه؟ قولان، أجودهما العدم، لأن الشهادة بالرضاغ تقتضي ذلك. ولا خلاف بين العلماء فيكيفية الوصول إلى الجوف بعد أن يكون الرضاع من الثدي، فيكفي فيه إطلاق الشهادة. نعم، لا يكفي حكاية القرائن، بأن يقول: رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك، لأن حكاية ذلك لا تعد شهادة، بل إن علم الشاهد العلم العادي بوصول اللبن إلى جوفه بالقرائن المفيدة له يشهد بحصوله على الرجه المفصل. واعلم أن ما ذكر من اعتبار التفصيل يتم مع اختلاف مذهب الشاهد لمذهب الحاكم في الشرائط، أو احتمال الاختلاف. أما مع العلم باتفاقهما على الشرائط، كما لو كان الشاهد مقلدا للحاكم فيها موثوقا (1) بمراعاة مذهبه، فالوجه

(هامش)

(1) في نسخة بدل و: معروفا. (*)

ص 278

[وأما إخبار الشاهد بالرضاع فيكفي مشاهدته ملتقما ثدي المرأة، ماصا له على العادة، حتى يصدر.]

عدم الافتقار إلى التفصيل، وإن كان أحوط، خروجا عن خلاف الأصحاب حيث أطلقوا اشتراطه. ومثل هذا ما لو شهد الشاهدان بنجاسة الماء مع الاختلاف الواقع بين الفقهاء فيما به تحصل نجاسته. هذا كله إذا كانت الشهادة على نفس الإرضاع. أما لو كانت على إقرار المقر به لم يعتبر التفصيل على الأقوى، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز . وكذا نفس الإقرار، إلا أن يعلم استناده إلى مذهب يخالف مذهب السامع أو الحاكم. قوله: وأما إخبار الشاهد... الخ . لما كان المعتبر في الشهادة وغيرها العلم بوقوع المشهود به، وكان وصول اللبن إلى الجوف أمرا باطنا لا يدرك بالحس، نبه على بيان ما به يصير معلوما عنده لتصح شهادته به، وذلك بأن يشاهده ملتقما لحلمة ثدي المرأة، ماصا له على العادة المفيدة (1) لخروج اللبن من الثدي إلى الفم إلى أن يصدر. ولا بد مع ذلك من العلم بكون المرأة ذات لبن، فلو لم يعلم ذلك لم يصر شاهدا بالامتصاص المذكور، لأصالة العدم. واكتفى المصنف عن اعتباره بقوله: ماصا له على العادة حتى يصدر لاستلزامه كونها ذات لبن. وإنما اعتبر مع الامتصاص مشاهدته ملتقما لحلمه ثدي المرأة لاحتمال امتصامه غيرها كإصبعها. وكذا لا يكفي (2) التقام الثدي من غير امتصاص، لامكان أن يلتقمه ولا يرتضع.

(هامش)

(1) كذا في النسخ، ولعل الأولى: المفيد. (2) كذا في إحدى الحجريتين. وفي و: لا يعتبر. وفي سائر النسخ: لا يغني. (*)

ص 279

[التاسعة: إذا تزوجت كبيرة بصغير، ثم فسخت إما لعيب فيه، وإما لأنها كانت مملوكة فأعتقت، أو لغير ذلك، ثم تزوجت وأرضعته بلبنه، حرمت على الزوج، لأنها كانت حليلة ابنه، وعلى الصغير لأنها منكوحةأبيه. العاشرة: لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة، ثم أرضعت جدتهما أحدها، انفسخ نكاحهما، لأن المرتضع إن كان هو الذكر فهو إما عم لزوجته وإما خال. وإن كان انثى فقد صارت إما عمة وإما خالة.]

قوله: إذا تزوجت كبيرة بصغير... الخ . إذا تزوجت الكبيرة بالصغير، بأن عقد عليها وليه الإجباري ثم فارقته بالفسخ لعيب، أو لعتقها، أو لكون وليه نسبه إلى قبيلة فبان من غيرها، أو لكون وليه زوجه أمة وكان عبدا (1)، أو جوزنا نكاح الأمة للحر بدون الشرطين، ثم زوجه حرة جاهله بالأمة، ثم علمت الحرة ففسخت عقدها، أو لغير ذلك. ثم تزوجت الكبيرة وأرضعت الأول بلبن الثاني حرمت عليهما، أما على الصغير فلأنها امه (2) ومنكوحة أبيه، ولم يعلل المصنف بالبنوة وهي أقرب، وأما على الكبير فلأنها حليلة ابنه من الرضاع. ولو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها، ثم تزوجت بالصغير، ثم ارضعته بلبن الأول فالحكم كذلك. والفرض فيه أسهل. والكلام في المهر هنا على ما سبق. قوله: لو زوج ابنه الصغير.... الخ . إذا زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة، فأرضعتهما جدتهما، صار

(هامش)

(1) ورد في إحدى الحجريتين: ثم أعتقت. (2) كذا في الحجريتين وهو أولى مما في النسخ الخطية: فلأنه ابنها.

ص 280

[...]

المرتضع ولد الجده بعد أن كان ولد ولدها، فينشر التحريم بينه وبين الآخر، لعلوه بدرجة أوجبت العمومة أو الخؤولة. ووجه ذلك: أن الجدة إن كانت جدتهما لأبيهما كما هو مقتضى العمومة، وكان المرتفع الذكر، صار عما لزوجته، لأنه صار أخا أبيها لامه من الرضاع بعد أن كان ابن عمها، فحرمت عليه. وإن كان المرتضع الانثى مارت عمة لزوجها، لأنها أخت أبيه لامه. وإن كانت الجدة المرضعة جدتهما لامهما، بأن كانا ولدي خالة أيضا مضافا إلى كونهما ولدي عم، فإن أرضعت الجدة الذكر صار خالا لزوجته، لأنه صار أخا امها من الام، وإن أرضعت الانثى صارت خالة لزوجها، لأنها أخت امه من الرضاع. فهذه صور المسألة في فرض واحد، وهو كون الولدين ولدا (1) عم وولدا خالة، والجدة قد تكون لابيهما وقد تكون لامهما. ومن ثم أطلقها المصنف ليشمل الأمرين، فإنه وإن اقتصر على فرض كونهما ولدي عم إلا أن فرض الجدة مطلقة بحيث يشمل كونها من أبيهما وامهما يجوز كونهما ولدي خالة فتكون جدتهماالمرضعة لامهما. وهذا أخصر معا فرضه الشيخ في المبسوط (2)، حيث جعل فرض العم والعمة فيما لو تزوج بنت عمه والمرضعة جدتهما لأبيهما، وفرض الخال والخالة فيما إذا تزوج ابنة عمته أو ابنة خالته، لأنه في صورة العمة إن أرضعت جدتهما الذكر صار خال زوجته، لأنه أخو امها، وإن أرضعت الانثى صارت عمته، لأنها أخت أبيه. وفي الثانية بالعكس، إن كان المرتضع الذكر فهو خال، لأنه أخو امها، وإن أرضعت الانثى صارت خالته، لأنها أخت امه. وكذا لو كانا ولدي خال.

(هامش)

(1) في و: ولدا عمة. (2) المبسوط 5: 316 - 317. (*)

ص 281

السبب الثالث: المصاهرة

والشهيد - رحمه الله - في بعض فوائده طبق عبارة الكتاب على فرض المبسوط، فجعل الضمير المذكر المستتر في قوله زوج ابنه عائدأ إلى الانسان الشامل للذكر والانثى، وجعل أخاه أبا لابنة أعم من الذكر والانثى أيضا، بتكلف إرادة الشخص، فلذا جعله أخا. ثم الولدان إما ذكران فهو إما عم أو عمة، أو أنثيان أختان (1) فهو خال أو خاله، أو أبو الصبى ذكر ووالد الصبية أنثى، أو بالعكس، فيحصل في أحدهما العمومة وفي الآخر الخؤولة. قال: وهذه الصور الأربع مذكورة هنا بالفعل، كما أفصح به في المبسوط. والحامل له على هذا التكلف أن يطابق عبارة الكتاب لفرض المبسوط. وهو حسن، وإن كان ما ذكرناه أوفق بالعبارة، وأظهر في المثال، ومحصلا لمقصد المبسوط من كون المرتضع عما أو عمة أو خالا أو خالة وإن لم يكن المثال واحدا. وما ذكره يفتقر إلى تكلف لا تقتضيه العبارة. والأمر سهل. قوله: السبب الثالث: المصاهرة . المصاهرة علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما، بسبب النكاح، توجب الحرمة. ويلحق بالنكاح الوطء والنظر واللمس على وجه مخصوص. هذا هو المعروف من معناها لغة وعرفا. ولا يحتاج إلى إضافة وطء الأمة والشبهة والزنا ونحوه إليها، وإن أوجب حرمة على بعض الوجوه، فإن ذلك ليس من باب المصاهرة، بل من جهة ذلك الفعل، وإن جرت العادة بإلحاقه بالمصاهرة في بابها، فإنه من باب الاستتباع، وذلك خير من جعل المصاهرة منقولة عن معناها اللغوي إلى معنى أعم مراعاة لإدراج هذهالامور الموجبة للتحريم.

(هامش)

(1) كذا في و وفي غيرها: أو ابنتان أختان. وفي م أو بنتان أو أختان. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج7

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب