مسالك الأفهام - ج9

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج9

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 5

القسم الثالث :
في الايقاعات، وهي أحد عشر كتابا

ص 7

كتاب الطلاق

ص 9

كتاب الطلاق والنظر في الاركان والاقسام واللواحق. وأركانه: أربعة الركن الاول: في المطلق

شروط المطلّق 

ويعتبر فيه شروط أربعة:

الشرط الاول: البلوغ

فلا اعتبار بعبارة الصبي قبل بلوغه عشرا. وفيمن بلغ عشرا عاقلا وطلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف.

قوله: الطلاق... الخ . الطلاق - لغة - حل القيد، ويطلق على الارسال والترك، يقال: ناقة طالق أي: مرسلة ترعى حيث تشاء، وطلقت القوم: إذا تركتهم (1). وشرعا: إزالة قيد النكاح بصيغة طالق وشبهها. ويقال: طلق الرجل امرأته تطليقا، وطلقت هي تطلق طلاقا، فهي طالق وطالقة (2). وعن الاخفش أنه لا يقال: طلقت بالضم (3). وفي ديوان الادب (4) أنه لغة. قوله: فلا اعتبار بعبارة الصبي... الخ . الرواية التي أشار إليها رواها ابن فضال، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين (5). وضعفها بالرجلين

(هامش)

(1 و2 و3) لسان العرب 10: 226. (4) لم نجد. فيه. (5) التهذيب 8: 75 ح 254، الاستبصار 3: 302 ح 1072. (*)

ص 10

المذكورين، فإنهما فطحيان، ومع ذلك عمل بمضمونها الشيخان (1) وجماعة (2) من المتقدمين. وقد روى في معناها ابن أبي عمير في الحسن مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين (3). وروى ابن بكير جواز طلاقه غير مقيد بالعشر أيضا عنه عليه السلام قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل، ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم (4). وفي معناها موقوفة سماعة قال: سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته، قال: إذا طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها فلا بأس، وهو جائز (5) وعمل بمضمونها ابن الجنيد (6) فلم يقيد بالعشر. ولم يعتبر المصنف خلافه، بل اقتصر على نقل القول المشهور. والاصح عدم صحته مطلقا، لضعف المستند، ومخالفته للاصول الشرعية وأكثر الامة. مع أنه قد روى أبو الصباح الكناني بطريق قريب إلى الصحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس طلاق الصبي بشيء (7). وروى أبو بصير عنه عليه

(هامش)

(1) لم نجد. في باب الطلاق من المقنعة. نعم، حكم في باب الوصية (667) بصحة وصية الصبي إذا بلغ عشر سنين، وربما استظهر منه صحة سائر تصرفاته. النهاية: 518. (2) راجع المهذب 2: 288 الوسيلة: 323. (3) الكافي 6: 124 ح 5 وفيه: لا يجوز. الوسائل 15: 324 ب (32) من أبواب مقدمات الطلاق ح 2. (4) الكافي 6: 124 ح 4، التهذيب 8: 76 ح 257 الاستبصار 3: 303 ح 1075. الوسائل الباب المتقدم ح 5، وفي الكافي والوسائل: لا يجوز. (5) الكافي 6: 124 ح 1. الفقيه 3: 325 ح 1575، التهذيب 8: 76 ح 255، الاستبصار 3: 303 ح 1073، الوسائل الباب المتقدم ح 7. (6) انظر المختلف: 589. (7) في هامش و: الطريق صحيح إلا أن فيه محمد بن الفضيل، وهو مشترك، والظاهر أنه الثقة. منه رحمه الله. لاحظ الكافي 6: 124 ح 2، التهذيب 8: 76 ح 256، الاستبصار 3: 303 ح 1074. الوسائل الباب المتقدم ح 1. (*)

ص 11

ولو طلق وليه لم يصح، لاختصاص الطلاق بمالك البضع، وتوقع زوال حجره غالبا. ولو بلغ فاسد العقل طلق وليه، مع مراعاة الغبطة. ومنع منه قوم. وهو بعيد.

السلام قال: لا يجوز طلاق الصبي ولا السكران (1). وهذا مذهب ابن إدريس (2) والمتأخرين (3). قوله: ولو طلق وليه... الخ . أشار بالتعليل الاول إلى الرواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: الطلاق بيد من أخذ بالساق (4) والمبتدأ منحصر في خبره، وهو يقتضي انحصار وقوع الطلاق المعتبر في الزوج المستحق للوصف. وبقوله: وتوقع زوال حجره إلى بيان الفرق بينه وبين المجنون، حيث يجوز للولي أن يطلق عنه مع المصلحة بخلاف الصبي، لان الصبي لحجره أمد يتوقع زواله بالبلوغ غالبا، بخلافالمجنون، فإنه لا أمد له. وقيد بالغلبة لجواز بلوغه فاسد العقل، فيجوز طلاقه عنه حينئذ مع المصلحة، كما سيأتي. قوله: (ولو بلغ فاسد... الخ . المشهور بين الاصحاب المتقدمين منهم والمتأخرين - ومنهم الشيخ

(هامش)

(1) الكافي 6: 124 ح 3، الوسائل الباب المتقدم ح 4. (2) السرائر 2: 664. (3) راجع قواعد الاحكام 2: 60، إيضاح الفوائد 3: 291، التنقيح الرائع 3: 291 - 292، المقتصر: 269. (4) سنن ابن ماجة 1: 672 ح 2081، المعجم الكبير للطبراني 11: 300 ح 11800، سنن الدارقطني 4: 37، سنن البيهقي 7: 360، كنز العمال 9: 640 ح 27770. (*)

ص 12

في النهاية (1) وابن الجنيد (2) وابن بابويه (3) وأتباع (4) الشيخ والمتأخرون (5) - جواز طلاق الولي عن المجنون المطبق مع الغبطة، لان مصلحة المجنون منوطة بالولي عنه، لتعذر إسنادها إليه، وعدم توقع زوال عذره، فلو لم يجعل للولي هذا التصرف لزم تضرر المجنون بتقدير استغنائه عن الزوجة وكون مصلحته في مفارقتها، والضرر منفي بالآية (6) والرواية (7)، بخلاف الطفل، لان نكاحه منوط بالمصلحة، وعذره متوقع الزوال. ولصحيحة أبي خالد القماط قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه؟ قال: ولم لا يطلق هو؟ قلت: لا يؤمن إن هو طلق أن يقول غدا لم أطلق، أو لا يحسن أن يطلق. قال: ما أرى وليه إلا بمنزلة السلطان (8). وروى الصدوق عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن طلاق المعتوه الزائل العقل أيجوز؟ قال: لا (9). وعن أبي بصير عنه عليه السلام: أنه سئل عن المعتوه يجوز طلاقه؟ فقال: ما هو؟ فقلت: الاحمق الذاهب العقل. فقال: نعم (10). ثم قال ابن بابويه: يعني إذا طلق عنه وليه، فأما أن يطلق هو فلا، لما

(هامش)

(1) النهاية: 518 - 519. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 589. (3) المقنع: 119. (4) راجع المهذب 2: 288، الوسيلة: 323. (5) راجع الجامع للشرائع: 466، قواعد الاحكام 2: 60، إيضاح الفوائد 3: 292. (6) الحج: 78. (7) لاحظ الوسائل 17: 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات ح 3، 504. (8) الكافي 6: 125 ح 1، التهذيب 8: 75 ح 253، الاستبصار 3: 302 ح 1071، الوسائل 15: 329 ب (35) من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1. (9 و10) الفقيه 3: 326 ح 1576، 1577. (*)

ص 13

رواه صفوان بن يحيى عن أبي خالد القماط قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل يعرف رأيه مرة وينكره اخرى، يجوز طلاق وليه عنه؟ فقال: ما له هو لا يطلق؟ قال: قلت: لا يعرف حد الطلاق، ولا يؤمن عليه إن طلق اليوم أن يقول غدا لم أطلق. فقال: ما أراه إلا بمنزلة الامام، يعني الولي (1). وفي الاحتجاج بهذه الاخبار نظر، لان جعل الولي بمنزلة الامام أو السلطان لا يدل على جواز طلاقه عنه. ولان متن الحديثين لا يخلو من قصور، لان السائل وصف الزوج بكونه ذاهب العقل، ثم يقول له الامام: ما له لا يطلق؟ مع الاجماع على أن المجنون ليس له مباشرة الطلاق ولا أهلية التصرف، ثم يعلل السائل عدم طلاقه بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده، ثم يجيبه بكون الولي بمنزلة السلطان. وكل هذا يضعف الاحتجاج بها. والدليل الاول من غير الاخبار بمجرده لا يصلح حجة في ذلك إلا مع تحقق الضرر ليمكن الاحتجاج بخبر الاضرار، لا بمجرد ما ادعوه من الجواز مع الغبطة. وأيضا فهذه الاخبار ليس فيها تقييد باشتراط طلاقه بالمصلحة والغبطة للمجنون. ومن ثم ذهب ابن إدريس (2) إلى عدم الجواز وقبله الشيخ في الخلاف (3)، محتجا بإجماع الفرقة، وبأصالة بقاء العقد وصحته، وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الطلاق لمن أخذ بالساق (4) والزوج هو الذي له ذلك دون

(هامش)

(1) الفقيه 3: 326 ح 1578. (2) السرائر 2: 673، 694. (3) الخلاف 4: 442 مسألة (29). (4) مر ذكر مصادره في ص: 11، هامش (4). (*)

ص 14

غيره. وزاد ابن إدريس الاحتجاج بقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره (1) فأضاف الطلاق إلى الزوج، فمن جعله لغيره يحتاج إلى دليل. وذكر حديث الساق، ثم أورد على نفسه: إن هذا وال عليه وناظر في مصالحه، فله فعل ما يشاء مما هو راجع إلى مصالحه. وأجاب بالمعارضة بالصبي، فإنه لا يطلق عنه وليه مع كونه ناظرا في مصالحه. وبأن الطلاق شرطه مقارنة نية المطلق الذي هو الزوج، وهو مفقود في المجنون. ولقد تمالا (2) عليه في المختلف (3)، وزاد في تضعيف كلامه بما لا يحتمله، وبالغ في إنكاره عليه، مع سبق الشيخ إلى ذلك، ودعواه الاجماع عليه، مع مخالفته هو نفسه في ذلك في النهاية (4) وكتابي الاخبار (5). والعجب هنا أن الشيخ فخر الدين ادعى في شرحه (6) الاجماع على جواز طلاق الولي عن المجنون المطبق، مع دعوى الشيخ الاجماع على عدمه وموافقة ابن إدريس له. والحق أن الاجماعين ممنوعان. وتكلف الاستناد في مثل ذلك على معلومية نسب المخالف في الحكم مشترك بين معظم الاحكام الشرعية. ومع هذا

(هامش)

(1) البقرة: 230. (2) في النسخ الخطية والحجريتين: تمالى، وفي م : مال، والصحيح ما أثبتناه. (3) المختلف: 589. (4) النهاية: 518 - 519. (5) التهذيب 8: 75، الاستبصار 3: 302. (6) إيضاح الفوائد 3: 292. (*)

ص 15

الشرط الثاني: العقل

فلا يصح طلاق المجنون ولا السكران، ولا من زال عقله بإغماء أو شرب مرقد، لعدم القصد. ولا يطلق الولي عن السكران، لان زوال عذره غالب، فهو كالنائم. ويطلق عن المجنون. ولو لم يكن له ولي طلق عنه السلطان أو من نصبه للنظر في ذلك.

كله فاعتمادنا على العمل بالمشهور من الجواز.. والجواب عن حجة المانع بمنع الاجماع. والاصالة مقطوعة بالطلاق الصادر من الولي المراعي للمصلحة أو الدافع للضرر، النافذ تصرفه فيما فيه مصلحته من غير الطلاق، واستثناؤه ليس بجيد. والخبر (1) - مع تسليم سنده - لا ينافي ذلك، لان طلاق الولي كطلاقه، كما يجوز طلاق الوكيل بالاجماع، إذ لم يوجب أحد إيقاع الطلاق مباشرة لاجل ذلك. وينبغي أن يجعل دلالته على عدم جواز طلاق الفضولي ونحوه. والكلام في دلالة الآية (2) كالخبر. واشتراط نية المطلق يعتبر في مباشرته كالوكيل، وتجعل نيته كنية الزوج. قوله: فلا يصح... الخ . لا خلاف في عدم صحة طلاق من ذكر مباشرة. ويدل عليه - مع الاجماع - أنه مشروط بالقصد، ولا قصد لهؤلاء. ويدل عليه - مع ذلك - أخبار كثيرة، منها رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طلاق السكران وعتقه، قال:

(هامش)

(1) راجع ص: 13، هامش (4). (2) البقر ة: 230. (*)

ص 16

لا يجوز (1). وسأل زكريا بن آدم الرضا عليه السلام عن طلاق السكران والصبي والمعتوه والمغلوب على عقله ومن لم يتزوج بعد فقال: لا يجوز (2) وغيرهما. والمراد بالسكران من بلغ بتناول المسكر حدا يرفع قصده. وقد قال بعض الفضلاء (3) في حده: إذا اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم. والمقصود أن يصير مثل المجنون الذي لا تنتظم اموره، أما ما دام في ابتداء نشاطه فهو كالعاقل، وإذا سقط كالمغشي عليه فكالنائم والمغمى (4) عليه، ولا اشتباه إذا بلغ هذا الحد. ولا يصح طلاق الولي عنه، كما لا يمح عن الصبي والنائم والمغمى عليه، لاشتراك الجميع في أن لهم أمدا يرتقب. بخلاف المجنون. والمراد به المطبق كما استفيد من أولة الجواز. فلو كان يعتريه أدوارا لم يجز الطلاق عنه حالة الدور، لان ترقب عقله أقرب من الصبي الممتنع الطلاق عنه. وإطلاق المصنف وجماعة (5) المجنون منزل عليه، ولو أرادوا العموم منعنا الحكم فيه. والمراد بقوله: ولو لم يكن له ولي الولي الخاص كالاب والجد وإلا فالسلطان وليه على العموم، وكذا من نصبه.

(هامش)

(1) الكافي 6: 126 ح 4، التهذيب 8: 73 ح 245، الوسائل 15: 328 ب 34 من أبواب مقدمات الطلاق ح 5. (2) التهذيب 8: 73 ح 246، الوسائل الباب المتقدم ح 7. (3) راجع روضة الطالبين 6: 59. (4) في ش : أو المغمى. (5) لاحظ النهاية: 509، إرشاد الاذهان 2: 42، اللمعة الدمشقية: 123 (*).

ص 17

الشرط الثالث: الاختيار

فلا يصح طلاق المكره. ولا يتحقق الاكراه ما لم تكمل امور ثلاثة: كون المكره قادرا على فعل ما توعد به. وغلبة الظن أنه يفعل ذلك مع امتناع المكره. وأن يكون ما توعد به مضرا بالمكره في خاصة نفسه أو من يجري مجرى نفسه كالاب والولد، سواء كان ذلك الضرر قتلا أو جرحا أو شتما أو ضربا. ويختلف بحسب منازل المكرهين في احتمال الاهانة. ولا يتحقق الاكراه مع الضرر اليسير.

قوله: الاختيار، فلا يصح... الخ . التصرفات القولية المحمول عليها بالاكراه باطلة عندنا وعند أكثر العلماء. سواء في ذلك الطلاق والنكاح والبيع وسائر المعاملات وغيرها. والاصل فيه وراء الاجماع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا طلاق في إغلاق (1) فسره علماء (2) الغريب بالاكراه، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (3) والمراد رفع أحكامه. وروى زرارة في الحسن عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن طلاق المكره وعتقه. فقال: ليس طلاقه بطلاق

(هامش)

(1) مسند أحمد 6: 276، سنن ابن ماجة 1: 659 ح 2046، سنن أبي داود 2: 258 ح 2193، مسند أبي يعلى الموصلي 7: 421 ح 88. (2) معالم السنن للخطابي 3: 242. غريب الحديث لابن الجوزي 2: 161، النهاية لابن الاثير 3: 379. (3) المصنف لابن أبي شيبة 5: 49، سنن ابن ماجة 1: 659 ح 2045، علل الحديث 1: 431 ح 1296. (*)

ص 18

ولا عتقه بعتق (1). وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته يقول: لو أن رجلا مسلما مر بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتى يتخوف على نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل لم يكن عليه شيء (2). وقد جرت عادة الفقهاء بذكر حد الاكراه في هذا المحل، مع الاحتياج إليه فيما قبله من العقود وغيرها. وقد أشار المصنف إلى امور يتحقق معها الاكراه، ويظهر من جملتها حده. وجملة ذلك امور ثلاثة: كون المكره غالبا قادرا على ما يهدده به بولاية أو تغلب، وكون المكره مغلوبا عاجزا عن الدفع بفرار أو مقاومة أو استعانة بالغير. وأن يعلم أو يغلب [على] (3) ظنه أنه لو امتنع مما يطلبه منه وقع به المكروه. وأن يكون ما توعد به مضرا بالمكره في خاصة نفسه أو من يجري مجرى نفسه من أبيه وولده وغيرهما، من قتل أو جرح أو ضرب شديد أو حبس أو شتم أو إهانة واستخفاف إذا كان المطلوب منه وجيها (4) يغض ذلك منه. ويختلف الضرب والشتم وما يجري مجراهما من الاهانة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم. أما التخويف بالقتل والقطع فلا يختلف. ولم يذكر المصنف من وجوه الاكراه التوعد بأخذ المال. والاصح تحققه به، واختلافه باختلاف حال الناس في اليسار وضده كالاخيرين، فإن منهم من يضر بحاله أخذ عشرة دراهم ومنهم من لا يضره أخذ مائة. ومن العلماء (5) من جعل

(هامش)

(1) الكافي 6: 127 ح 2، الوسائل 15: 331 ب 37 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1. (2) الكافي 6: 126 ح 1، الوسائل الباب المتقدم ح 2. (3) من ش وإحدى الحجريتين. (4) في ش : وجها. (5) روضة الطالبين 6: 56. (*)

ص 19

المال من قبيل الاول، فلا يختلف الحال فيه باختلاف الناس، وجعل الكثير منه والقليل محققا للاكراه. وما ذكرناه أظهر. ةوالعبار الجامعة لذلك كله أنه حمل القادر على فعل أو توعده بما يكون مضرا بالمحمول ظلما، مع رجحان إيقاعه به لو لم يفعل مطلوبه وعجز (1) عن دفعه. وتحرير المبحث يتم بامور: الاول: يستثنى من الحكم ببطلان فعل المكره ما إذا كان الاكراه بحق، فإنه صحيح، كإكراه الحربي على الإسلام والمرتد، إذ لو لم يصح لما كان للاكراه عليه معنى. وله موارد كثيرة ذكرناها فيما سلف (2) من هذا الكتاب. والعبارة الجامعة لها - مع السابقة - أن يقال: ما لا يلزمه في حال الطواعية لا يصح منه إذا أتى به مكرها، وما يلزمه في حال الطواعية يصح مع الاكراه عليه. ولا يخلو الحكم بإسلام الكافر مع إكراهه عليه من غموض من جهة المعنى وإن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما بعده، لان كلمتي الشهادة نازلتان في الاعراب عما في الضمير منزلة الاقرار، وإلظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب. لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا وصحبة المسلمين والاطلاع على دينهم يوجب له التصديق القلبي تدريجا، فيكرن الاقرار اللساني سببا في التصديق القلبي. الثاني: إنما يمنع (3) وقوع الطلاق بالاكراه إذا لم يظهر ما يدل على اختياره.

(هامش)

(1) في ش : وعجزه. (2) في ج 3: 157. (3) في ح : يمتنع (*).

ص 20

أما إذا ظهر بأن خالف المكره وأتى بغير ما حمله عليه حكم بوقوع الطلاق، لان مخالفته له تشعر باختياره فيما أتى به. وذكروا لذلك صورا، منها ما يظهر فيه الاختيار، ومنها ما يلتبس أمره. فمنها: أن يكرهه على طلقة واحدة فيطلق ثلاثا، فإنه يشعر برغبته واتساع صدره للطلاق، فيقع الجميع لا اثنتان، مع احتماله، لان صيغته الاولى يحكم عليها بالاكراه لعدم المعارض، فتلغو ويقع ما بعدها. ووجه وقوع الجميع أن إيقاع الاخيرتين قرينة اختياره في الاولى. ولو أوقع الثلاث بصيغة واحدة، فإن كان يعتقد عدم صحة ما زاد على الواحدة بذلك فهو كما لو أوقع واحدة خاصة، بل أولى، لان التلفظ بالثلاث على هذا الوجه مختلف في أنه يسد مسد الواحدة أم لا كما سيأتي (1)، فقد أتى بالمحمول عليه على أدنى مراتبه. وإن كان يعتقد وقوع الثلاث بهذا اللفظ كالمخالف وقع عليه الثلاث، لدلالته على الاختيار. ولا يحتمل هنا إلغاء واحدة كما احتمل في السابق المترتب، لان هذا لفظ واحد مخالف للمكره عليه ابتداء فوقع صحيحا، بخلاف الثلاث المترتبة، فإن الاول منها عين المكره عليه. اومنه: ما لو انعكس، بأن أكرهه على ثلاث طلقات فطلق واحدة فقيل تقع الواحدة لانها غير ما أكرهه عليه. والاقوى هنا عدم الوقوع. لان الواحدة بعض ما أكرهه عليه، ولانه قد يقصد دفع مكروهه بإجابته إلى بعض مطلوبه، ولا يقصد إيقاع الواحدة. ومنها: لو أكرهه على طلاق زوجته فطلق زوجتين، فإن وقع ذلك بلفظ

(هامش)

(1) في ص: 29 - 31. (*)

ص 21

واحد - كما لو قال له: طلق زوجتك زينب، فقال لها ولفاطمة: أنتما طالقتان - وقع عليهما، لان ذلك خلاف المكره عليه وقد عدل عنه إلى غيره فلا مانع من صحته. وإن قال: زينب طالق وفاطمة طالق، طلقت فاطمة ولم تطلق زينب، لانها مكره عليها بخلاف الاخرى. ومنهم من لم يفصل بين العبارتين وأطلق الحكم بوقوع الطلاق عليهما. والفرق متجه. ومنها: لو أكرهه على طلاق زوجتين فطلق واحدة عكس السابقة، قيل: يقع. والوجه عدم الوقوع كما (1) قلناه فيما لو أكرهه على طلقات فطلق واحدة. ومنها: لو أكرهه على طلاق واحدة معينة فطلق غيرها. ولا شبهة هنا في الوقوع، لان ذلك مباين لما أكرهه عليه بكل وجه. ومنها: ما لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه لا على التعيين فطلق واحدة بعينها، قيل: يقع الطلاق، لانه مختار في تعيينها، ولانه لما عدل عن الابهام إلى التعيين فقد زاد على ما أكرهه عليه، لان الاكراه على طلاق إحداهما لا على طلاق هذه، وطلاق هذه طلاق إحداهما مع زيادة، وقد تقرر في الاصول أن الامر بالكلي ليس أمرا بجزئي معين. ويحتمل قويا عدم الوقوع، لان متعلق الاكراه وإن كان كليا لكنه يتأدى في ضمن طلاق كل واحدة بعينها وبطلاق واحدة غير معينة، فكل واحد من الافراد داخل في المكره عليه ومدلول عليه بالتضمن. نعم، لو صرح له بالحمل على طلاق واحدة مبهمة - بأن يقول: إحداكما طالق مثلا - فعدل عنه إلى طلاق معينة فلا شبهة هنا في وقوع الطلاق على

(هامش)

(1) في و: لما (*).

ص 22

المعينة، لانه غير المكره عليه جزما. ومنها: لو أكرهه على أن يطلق بكناية من الكنايات فطلق باللفظ الصريح، أو بالعكس عند القائل بصحته، أو عدل من صريح مأمور به إلى صريح آخر، فإنه يقع الطلاق خصوصا في الاول، لانه قد حمله على طلاق فاسد فعدل إلى صحيح، وعند مجوزه عدل إلى غير الصيغة المكره عليها. الثالث: لا يعتبر في الحكم ببطلان طلاق المكره التورية وإن كان يحسنها عندنا، لان المقتضي لعدم وقوعه هو الاكراه الموجب لعدم القصد إليه، فلا يختلف الحال بين التورية وعدمها. ولكن ينبغي التورية للقادر عليها، بأن ينوي بطلاق فاطمة المكره عليها غير زوجته ممن يشاركها في الاسم، أو ينوي طلاقها من الوثاق، أو يعلقه في نفسه بشرط. ولو كان جاهلا بها، أو أصابته دهشة عند الاكراه - كسل السيف مثلا - عذر إجماعا. الرابع: لو قصد المكره إيقاع الطلاق ففي وقوعه وجهان، من أن الاكراه أسقط أثر اللفظ ومجرد النية لا تعمل، ومن حصول اللفظ والقصد. وهذا هو الاصح. الخامس: لو قال: طلق زوجتي وإلا قتلتك، أو غير ذلك مما يتحقق به الاكراه، فطلق ففي وقوع الطلاق وجهان أصحهما الوقوع، لانه أبلغ في الاذن. ووجه المنع: أن الاكراه يسقط حكم اللفظ، فصار كما لو قال لمجنون: طلقها، فطلق. والفرق بينهما: أن عبارة المجنون مسلوبة أصلا، بخلاف عبارة المكره، فإنها مسلوبة لعارض (1) تخلف القصد، فإذا كان الآمر قاصدا لم يقدح إكراه

(هامش)

(1) في (ح): بعارض. (*)

ص 23

المأمور. السادس: لو اكره الوكيل على الطلاق دون الموكل ففي صحته وجهان أيضا، من تحقق اختيار الموكل المالك للتصرف، ومن سلب عبارة المباشر. السابع: لو توعده بفعل مستقبل كقوله: إن لم تفعل لاقتلنك أو أضربنك غدا، ففي عده إكراها نظر، من حصول الخوف بإيقاع الضرر، ومن سلامته منه الآن، والتخلص من الضرر يحصل بإيقاعه عند خوف وقوعه في الحال. وهذا قوي (1). نعم، لو كان محصل الاكراه في الآجل، على أنه إن لم يفعل الآن أوقع به المكروه في الآجل وإن فعله ذلك الوقت، ورجح وقوع المتوعد به، اتجه كونه إكراها، لشمول الحد له. الثامن: لا يحصل الاكراه بأن يقول: طلق امرأتك وإلا قتلت نفسي أو كفرت أو تركت الصلاة ونحوها، ولا بأن يقول ولي القصاص لمن هو عليه: طلق امرأتك وإلا اقتصصت منك، لان ذلك حقه فلا يعد استيفاؤه ضررا بالمأمور. التاسع: لو تلفظ بالطلاق ثم قال: كنت مكرها، وأنكرت المرأة، فإن كان هناك قرينة تدل على صدقه - بأن كان محبوسا، أو في يد متغلب، ودلت القرينة على صدقه - قبل قوله بيمينه، وإلا فلا. ولو طلق في المرض ثم قال: كنت مغشيا علي أو مسلوب القصد، لم يقبل قوله إلا ببينة تقوم على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت، لان الاصل في تصرفات المكلف الصحة إلى أن يثبت خلافها. وإنماعدلنا في دعوى الاكراه عن ذلك بالقرائن، لظهورها وكثرة وقوعها ووضوح قرائنها، بخلاف المرض.

(هامش)

(1) في الحجريتين: أقوى. (*)

ص 24

الشرط الرابع: القصد

وهو شرط في الصحة مع اشتراط النطق بالصريح. فلو لم ينو الطلاق لم يقع، كالساهي والنائم والغالط. ولو نسي أن له زوجة فقال: نسائي طوالق، أو: زوجتي طالق، ثم ذكر لم يقع به فرقة.

العاشر: جميع ما ذكرناه آت في غير الطلاق من النكاح والبيع والعتق وسائر التصرفات، ولكن جرت العادة بالبحث عنه هنا كما أسلفناه. قوله: القصد.... الخ . القصد معتبر في صخة التصرفات القولية من الطلاق وغيره إجماعا. ويدل عليه في الطلاق بخصوصه صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق (1) وقول الباقر عليه السلام: لا طلاق على سنة وعلى طهر من غير جماع إلا بنية. ولو أن رجلا طلق ولم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقا (2). والمراد به أن يكون قاصدا بلفظ الطلاق - مثلا - معناه، ولا يكفي القصد إلى لفظه من غير قصد معناه. ثم عدم القصد قد يكون متخلفا عنهما معا، كالنائم تجري كلمة الطلاق على لسانه، ومثله الساهي، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق (3). ولو استيقظ النائم وقد جرى لفظ الطلاق على لسانه فقال: أجزت ذلك

(هامش)

(1) التهذيب 8: 51 ح 160، الوسائل 15: 286 ب (11) من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 4. (2) الكافي 6: 62 ح 3، الوسائل 15: 283 ب (10) من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 8، وذكر ذيله في ص: 285 ب (11) ح 1. وفيهما: إلا ببينة. (3) مسند أحمد 6: 100 - 101، سنن الدارمي 2: 171، سنن ابن ماجة 1: 658 ح 2041، سنن أبي داود 4: 141 ح 4402 - 4403، مسند أبي يعلى 7: 366 ح 44. (*)

ص 25

الطلاق أو أوقعته، فهو لغو. وقد يكون القصد متخلفا عن المعنى دون اللفظ كالغالط. بأن سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى. فإنه لا يقع طلاقه، لعدم القصد إلى معناه. وهل يقبل دعوى سبق اللسان؟ ظاهر العبارة يدل عليه. ووجهه: أن ذلك أمر باطني لا يعلم إلا من قبله، فيرجع إليه فيه، ولان الاصل عدم القصد. ويحتمل عدم القبول، لان الاصل في الافعال والاقوال الصادرة عن العاقل المختار وقوعها عن قصد. ويمكن حمل عدم الوقوع في كلام المصنف عليه في نفس الامر لا في الظاهر، وأما في الظاهر فإن وجد قرينة تدل عليه قوي القبول وإلا فلا. ومن هذا الباب ما لو نسي أن له زوجة فقال: نسائي طوالق، أو: زوجتي طالق، ثم ذكر بعد التلفظ بذلك أن له زوجة، فإنه لا يقع في نفس الامر، لانه غير قاصد لطلاق زوجته من اللفظ أصلا. وأما في الظاهر فيحكم عليه به. ويظهر من لمصنفا وأكثر الاصحاب قبول قوله في عدم القصد. ولو كان اسم امرأته ما يقارب حروفه حروف طالق ك‍: طالب وطارق وطالع. فقال: أنت طالق، ثم قال: أردت أن أقول: طالب أو نحو ذلك فالتف الحرف بلساني، قبل قوله، لقوة القرينة وظهورها هنا، بخلاف السابق. ولو قال لها وهو يحل وثاقها عنها: أنت طالق. وقال: أردت: عن الوثاق، ففي قبول قوله ظاهرا وجهان كالسابق. ووجه المنع: أن التلفظ بكلمة الطلاق كالمستنكر في حالة النكاح، فإذا نطق بها بعد قبول التأويل. وفي معنى الساهي من يحكي لفظ الغير، مثل أن يقول: قال فلان: زوجتي

ص 26

ولو أوقع وقال: لم أقصد الطلاق قبل منه ظاهرا، ودين بنيته باطنا وإن تأخر تفسيره، ما لم تخرج من العدة، لانه إخبار عن نيته.

طالق. وكذا الفقيه إذا كان يكرر لفظ الطلاق في تصويره وتدريسه. ومن صور سبق اللسان ما إذا طهرت امرأته من الحيض أو ظن طهارتها فأراد أن يقول: أنت الآن طاهرة، فقال: طالقة. قوله: ولو أوقع... الخ . إطلاقه القبول يشمل ما لو أوقع لفظا صريحا مجردا عن قرينة عدم القصد إلى الطلاق وغيره، وما إذا كانت المرأة في العدة الرجعية والبائنة، وما لو صادقته المرأة على ذلك وعدمه. والوجه في الجميع ما أشار إليه من أن ذلك إخبار عن نيته، ولا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبله، فكان قوله مقبولا كنظائره من الامور التي لا تعلم إلا من المخبر. ويشكل ذلك على إطلاقه بما قدمناه من أن الظاهر من حال العاقل المختار القصد إلى الفعل، فإخباره بخلافه مناف للظاهر. ولو كان الاصل مرجحا عليه هنا لزم مثله في البيع وغيره من العقود والايقاعات مع الاتفاق على عدم قبول قوله فيه. واختصاص الطلاق بذلك مشكل، بل الامر فيه أشد، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة (1). ولان حق الغير متعلق به فلا يقبل في حقه. ولو فرق بين الطلاق وغيره من العقود - بأن القبول فيه مقيد بالعدة، وما

(هامش)

(1) سنن سعيد بن منصور 1: 369 ح 1603، سنن ابن ماجة 1: 657 ح 2039، سنن أبي داود 2: 259 ح 2194. سنن الترمذي 3: 490 ح 1184، شرح معاني الآثار للطحاوي 3: 98، موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي 1: 343 (*)

ص 27

دامت المرأة فيها فهي في علاقة الزوجية فلم تخرج عنه رأسا، بخلاف النكاح والبيع وغيرهما، فإن أمره يثبت بالعقد فلا يقبل من العاقد خلافه - لانتقض ذلك بالعدة البائنة، فإن الزوجية زائلة معها بالكلية، وإنما فائدتها استبراء الرحم من أثر الزوج وذلك أمر خارج عن الزوجية، ومن ثم تثبت العدة البائنة للوطئ بالشبهة مع انتفاء الزوجية أصلا. وربما خصه بعضهم بوقوعه في العدة الرجعية. وهو كالمستغنى عنه أيضا، لان الزوج له الرجعة في العدة الرجعية بكل لفظ دل عليها، فدعواه عدم القصد حينئذ يقوم مقام الرجعة كما لو أنكر الطلاق، بل أقوى، لان إنكار الطلاق قد يستند إلى عدم التفطن إليه ولو ذكره لما رجع، بخلاف دعوى عدم القصد إليه، لانه صريح في إرادة نقضه وعود الزوجية المقتضي للرجعية (1)، فقبول قوله حينئذ من حيث إنه رجعة لا من حيث الرجوع إليه في القصد. ويمكن أن يكون مستند حكمهم بذلك وتخصيص الطلاق بذلك رواية منصور بن يونس في الموثق عن الكاظم عليه السلام في حديث طويل محصله أنه طلق امرأته ولم يكن له في طلاقها نية وإنما حمله عليه بعض أقاربه، فقال له عليه السلام: ما بينك وبين الله فليس بشيء، ولكن إن قدموك إلى السلطان أبانها منك (2). والاقوى عدم القبول إلا مع قيام القرينة على صدقه كالامثلة السابقة، أو كونها في عدة رجعية فيجعل ذلك بمنزلة الرجعة. نعم، لو صادقته الزوجة على

(هامش)

(1) في الحجريتين: للرجعة. (2) الكافي 6: 127 ح 3، الوسائل 15: 332 ب (38) من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1. (*)

ص 28

وتجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا، وللحاضر على الاصح.

ذلك لم يبعد القبول، لان الحق منحصر فيهما فيدينان بما يتفقان عليه، ويوكل أمرهما إلى الله تعالى. قوله: وتجوز الوكالة... الخ . القول بجواز الوكالة فيه مطلقا هو المشهور بين الاصحاب. ويدل عليه صحيحة سعيد الاعرج عن الصادق عليه السلام: في رجل جعل أمر امرأته إلى رجل فقال: اشهدوا أني قد جعلت أمر فلانة إلى فلان، فيطلقها، أيجوز ذلك للرجل؟ قال: نعم (1) وترك الاستفصال يفيد العموم، وغيرها من الاخبار (2). ولانه فعل قابل للنيابة، إذ لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر بعينه، ومن ثم وقع من الغائب إجماعا فكذا من الحاضر، لاشتراكهما في المقتضي. وذهب الشيخ (3) وأتباعه (4) إلى المنع من توكيل الحاضر فيه، استنادا إلىرواية زرارة عن الصادق عليه السلام قال: لا تجوز الوكالة في الطلاق (5) فحملها الشيخ على الحاضر جمعا بين الروايات وإلا فلا دلالة لها على الاختصاص. وضعف سندها بجماعة يمنع من جعلها معارضة للصحيح وتخصيصه بها. وعلى قول الشيخ تتحقق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق وإن كان في البلد.

(هامش)

(1) الكافي 6: 129 ح 2، التهذيب 8: 39 ح 116، الاستبصار 3: 278 ح 987، الوسائل 15: 333 ب (39) من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1. (2) لاحظ الوسائل 15 الباب المتقدم ح 2، 3، 4، 6. (3) النهاية: 511. (4) راجع المهذب 2: 277، والوسيلة: 323. (5) الكافي 6: 130 ح 6، التهذيب 8: 39 ح 120، الاستبصار 3: 279 ح 991، الوسائل 15 الباب المتقدم ح 5. (*)

ص 29

ولو وكلها في طلاق نفسها، قال الشيخ: لا يصح. والوجه الجواز. تفريع على الجواز لو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة، قيل: يبطل، وقيل: يقع واحدة. وكذا لو قال: طلقي واحدة، فطلقت ثلاثا، قيل: يبطل، وقيل: يقع واحدة، وهو أشبه.

قوله: ولو وكلها... الخ . ما دل على جواز النيابة فيه مطلقا يشمل استنابتها كغيرها. واستند الشيخ (1) في تخصيصها بالمنع إلى أن القابل لا يكون فاعلا، وظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الطلاق بيد من أخذ بالساق (2) فإنه يقتضي عدم صحة التوكيل مطلقا، خرج منه غير المرأة بدليل من خارج فتبقى هي على أصل المنع. ولا يخفى ضعف الدلالة، فإن المغايرة بين القابل والفاعل يكفي فيه الاعتبار، وهما مختلفان بالحيثية. والخبر - مع تسليمه - لا يفيد الحصر. وعلى تقدير تسليم إفادته فما أخرج غيرها من الوكلاء عنه يخرجها، لتناوله لها. وأما الاستدلال على الجواز بتخيير النبي صلى الله عليه وآله وسلم نساءه (3) فضعيف، لان ذلك من خصائصه. وقد قيل يجب عليه طلاق من يختار مفارقتها. وقد تقدم (4) الكلام فيه. قوله: تفريع... الخ . هنا مسألتان:

(هامش)

(1) رابع المبسوط 5: 29، ولم نجد الاستدلال في باب الطلاق والوكالة منه، وكذا فيما لدينا من كتبه. نعم. احتج له في إيضاح الفوائد 3: 293. (2) مر ذكر مصادره في ص: 11، هامش (4). (3) لاحظ الوسائل 15: 335 ب 41 من أبواب مقدمات الطلاق. (4) في ج 7: 71. (*)

ص 30

الاولى: لو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فاقتصرت على واحدة، هل تصح الواحدة أم تبطل؟ قولان. وتحرير المبحث: أنه إما أن يقصد بقوله طلقي ثلاثا الثلاث المرسلة بلفظ واحد، أو يريد بها الثلاث الصحيحة الشرعية. وعلى تقدير إرادة الاول: إما أن نقول إن الثلاث المرسلة تصح منها واحدة، أو يبطل الجميع. فإن أراد الاول وقلنا ببطلانه مطلقا فلا شبهة في بطلان ما فعلته من الواحدة، لانه وكلها في طلاق فاسد فطلقت طلاقا صحيحا. وإن قلنا بصحة واحدة منها احتمل أن تصح الواحدة التي أتت بها، لان قوله طلقي ثلاثا على هذا التقدير في قوة: طلقي نفسك واحدة، لان المعتبر منها هو الواحدة. رلان الواحدة مدلول عليها من الاذن في الثلاث تضمنا، فلا مانع من صحتها. ووجه البطلان: أن التوكيل وقع في المجموع من حيث هو مجموع، والواحدة غيره. والوكالة تتبع غرض الموكل، وجاز تعلق غرضه بهذه الصيغة (1) بعينها، بل لو لم يعلم الغرض فالواجب اتباع مدلول لفظه. وأيضا فإن الصحيح من الثلاث واحدة على خلاف فيها، والتي أتت بها طلقة صحيحة بالاجماع، فلا تكون هي التي وكل فيها. وهذا أقوى.وإن قصد بقوله طلقي ثلاثا الطلاق الصحيح فوقوع الثلاث كذلك يتوقف على تخلل الرجعة بينها. فإن وكلها في الرجعة، أو قلنا إن التوكيل في الطلقات يستلزم التوكيل في الرجعة، لانها لا تكون صعيحة إلا بها، فالتوكيل

(هامش)

(1) في ح : الصورة. (*)

ص 31

فيها يقتضي الاذن في تحصيل كل ما تتوقف عليه الصحة، فطلقت واحدة احتمل صحتها، لدخولها في ضمن ما وكل فيه كما مر. ولان صحة الثلات تتوقف على سبق صحة الواحدة، فلو اشترطت صحة الواحدة بوقوع الثلاث لزم الدور. ولان الحكم بتوقف الثانية على الرجوع في الاول يستلزم صحة الاولى، فإذا أوقعتها واقتصرت استصحب حكم الصحة. ويحتمل البطلان، لان الموكل فيه هو المجموع ولم يحصل. والغرض المتعلق بالثلات - وهو البينونة التامة - لا يحصل بالواحدة. ولو قلنا إن التوكيل في الطلاق لا يقتضي التوكيل في الرجعة ولم يصرح بها لم يكن التوكيل في الثلاث صحيحا، فيحتمل قويا صحته في الواحدة، إذ لا مانع منها، ويقع حينئذ منها لو أوقعتها، وعدمه، لان التوكيل وقع في مجموع ولم يحصل. والفرق بين الوكالة على هذا التقدير والوكالة في الثلاث المرسلة على القول بوقوع واحدة: أن الواحدة هناك وقعت في ضمن لفظ واحد لم يقع مدلوله، وما وقع منه مختلف فيه، بخلاف الموكل فيه هنا، فإنه أمور متعددة لابد على تقدير وقوعها صحيحة من صحة كل واحدة منها قبل أن تقع الاخرى، والواحدة صحيحة على كل تقدير. الثانية: لو عكس فقال: طلقي نفسك واحدة، فطلقت ثلاثا، فإن أوقعتالثلاث مرسلة وقلنا بصحة الواحدة ففي صحتها هنا وجهان: نعم، لانها فعلت ما وكلها فيه، لان الفرض أنه لم يقع إلا واحدة، فكأنها لم تطلق إلا واحدة كما أمرها، و: لا، لان الواحدة الموكل فيها منفردة صحيحة بالاجماع، بخلاف ما لو أوقعتها، فإن فيها خلافا، فلا تكون فعلت ما وكلها فيه.

ص 32

ويمكن أن يقال: إن توكيلها في واحدة يقتضي إيقاع واحدة صحيحة أعم من أن تقع على وجه متفق عليه أو مختلف فيه، إذا كان الحاكم يحكم بصحتها. ولا نسلم أن توكيلها في طلقة واحدة يدل على إيقاعها منفردة، بل على إيقاع واحدة في الجملة أعم من كونها منفردة أو مجامعة لغيرها، فيكون ما فعلته من الواحدة في ضمن الثلاث المرسلة - حيث يحكم بصحتها - فردا لهن أفراد ما وكلت فيه، فيصح. وإن أوقعت ثلاثا متعاقبة فلا إشكال في صحة واحدة وهي الاولى، لانها بإيقاعها قد امتثلت عين ما وكلت فيه، والباقي وقع فضولا إن خللت بينها رجعتين وباطلة محضا إن لم ترجع. وعلى التقديرين فالاخيرتان باطلتان. ولا يمنع بطلانهما من صحة الاولى التي حكم بصحتها وطابقت مقتضى الوكالة. واعلم أن الشيخ فخر الدين (1) نزل المسألتين على وقوع الطلقات الثلاث مرسلة، ولم يتعرض لحكم المتعاقبة. وحكم بالبطلان في الصورتين، للمخالفة في الاولى بإيقاع واحدة إجماعية مع كون الوكالة في واحدة مختلف فيها، والثانية بالعكس. وفي ترجيح المصنف صحة الواحدة في الثانية دون الاولى ما يؤذن بإرادة المرتبة (2)، إذ لا وجه للفصل بينهما على تقدير الارسال.

(هامش)

(1) إيضاح الفوائد 3: 293 - 294. (2) في و: المترتبة. (*)

ص 33

الركن الثاني: في المطلقة

وشروطها أربعة (1):

الاول: أن تكون زوجة

فلو طلق الموطوءة بالملك لم يكن له حكم. وكذا لو طلق أجنبية وإن تزوجها. وكذا لو علق الطلاق بالتزويج لم يصح، سواء عين الزوجة كقوله: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو أطلق كقوله: كل من أتزوجها.

قوله: وشروطها أربعة... الخ . لا منافاة بين قوله إنها أربعة وعده في التفصيل خمسة، لان الخامس - وهو التعيين - ذكره على وجه التنبيه على الخلاف فيه ثم اختار عدم كونه شرطا، فيرجع الامر إلى الاربعة، وكلامه في قوة قوله: واشترط بعضهم خامسا. والاشبه عدم اشتراطه. قوله: أن تكون زوجة... الخ . لما كان حل النكاح أمرا مستفادا من الشرع متلقى في موضع الاذن كان زواله أيضا موقوفا على حكم الشارع به، فما لم يعلم حكمه بالزوال فالحكم بالحل مستصحب. وقد ثبت بالنص (2) والاجماع أن طلاق الزوجة الدائمة موجب لرفع نكاحها، فإلحاق غيرها بها - من الامة والاجنبية - غير صحيح. فإذا أوقعه على الموطوءة بالملك لم يفد حكما، وبقيت محللة بأصل الملك. وكذا لو أوقعه على أجنبية، سواء علقه بتزويجها أم لا.

(هامش)

(1) كذا في النسخة الخطية المعتمدة من الشرائع ونسخة الشارح قده ، وفي متن الجواهر والشرائع الحجرية: خمسة. وسيأتي الشرط الخامس في ص: 48. (2) لاحظ الوسائل 15: 286 ب 12 من أبواب مقدمات الطلاق. (*)

ص 34

الثاني: أن يكون العقد دائما

فلا يقع الطلاق بالامة المحللة، ولا المستمتع بها ولو كانت حرة.

وخالف فيه العامة، فحكم بعضهم (1) بوقوعه على الاجنبية وإن لم يعلقه على تزويجها. وتظهر الفائدة في انتقاص عدد طلقاتها المحرمة على تقدير تزويجها. وآخرون (2) جوزوا تعليقه على نكاحها عامة أو خاصة على اختلاف آرائهم. واحتج المانع منهم بما روي أن عبد الرحمن بن عوف قال: دعتني أمي إلى قريب لها فراودتني في المهر، فقلت: إن نكحتها فهي طالق، ثم سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: انكحها فإنه لا طلاق قبل النكاح (3). وأخبار الاصحاب (4) عن زين العابدين والباقر والصادق عليهم السلام به كثيرة. قوله: (أن يكون العقد... الخ .الحكم في هذين موضع وفاق. والتقريب فيه كما مر في السابقة. ولان التحليل نوع إباحة، فمتى شاء الزوج تركها بغير طلاق، فلا حاجة إليه. والمتمتع بها تبين بانقضاء المدة وبإسقاطه لها كما مر (5). وقد روى محمد بن إسماعيل في الصحيح عن الرضا عليه السلام قال: قلت: وتبين بغير طلاق؟ قال: نعم (6).

(هامش)

(1 و2) في هامش و: المجوز لوقوعه بالاجنبية مطلقا أبو حنيفة، وكذا تعليقه بالنكاح مطلقا. وجوزه مالك بشرط أن يخصص المرأة. أو عينها في نساء محصورات كنساء قرية وقبيلة. منه رحمه الله . لاحظ الاشراف على مذاهب العلماء 4: 185، حلية العلماء 7: 8 - 9، تحفة الفقهاء 2: 196. (3) لم نظفر عليه في الصحاح وسائر الجوامع الحديثية للعامة. أنظر سنن البيهقي 7: 318 - 321، وتلخيص الحبير 3: 212، ففيه ما يناسب المقام. (4) لاحظ الوسائل 15: 287 ب 12 من أبواب مقدمات الطلاق. (5) في ج 7: 461. (6) الكافي 5: 459 ذيل ح 2، التهذيب 7: 266 ح 1147، الاستبصار 3: 151 ح 553، الوسائل 14: 478 ب 25 من أبواب المتعة ح 1. (*)

ص 35

الثالث: أن تكون طاهرا من الحيض والنفاس

ويعتبر هذا في المدخول بها الحائل، الحاضر زوجها.

والاعتماد على الاتفاق وإلا فتعدد الاسباب ممكن.قوله: أن تكون طاهرا... الخ . اتفق العلماء من الاصحاب وغيرهم على تحريم طلاق الحائض، وفي معناها النفساء. واستدلوا عليه بقوله تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن (1). قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا لابيه: مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء (2) وأراد به قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن . واتفق أصحابنا على بطلان الطلاق على تقدير وقوعه، وأخبارهم به كثيرة، فمنها: صحيحة الحلبي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الرجل يطلق امرأته وهي حائض، قال: الطلاق على غير السنة باطل (3). وروى الفضلاء زرارة، ومحمد بن مسلم، وبكير، وبريد، وفضيل، وإسماعيل الازرق، ومعمر بن يحيى، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: إذا طلق الرجل في دم النفاس أو طلقها بعدما يمسها فليس طلاقه إياها بطلاق (4). واستثني من هذا العام ثلاثة: غير المدخول بها، والغائب زوجها، والحامل

(هامش)

(1) الطلاق: 1. (2) مسند أحمد 2: 63، صحيح البخاري 7: 52، سنن ابن ماجة 1: 651 ح 2019، سنن أبي داود 2: 255 ح 2179. (3) الكافي 6: 58 ح 3، التهذيب 8: 47 ح 144، الوسائل 15: 277 ب 8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3. (4) الكافي 6: 60 ح 11، التهذيب 8: 47 ح 147، الوسائل الباب المتقدم ح 5. (*)

ص 36

لا الغائب عنها مدة يعلم انتقالها من القرء الذي وطئها فيه إلى آخر. فلو طلقها وهما في بلد واحد، أو غائبا دون المدة المعتبرة وكانت حائضا أو نفساء، كان الطلاق باطلا، علم بذلك أو لم يعلم. أما لو انقضى من غيبته ما يعلم انتقالها فيه من طهر إلى آخر ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض. وكذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها مطلقا. وكذا لو طلق التي لم يدخل بها وهي حائض كان جائزا. ومن فقهائنا (1) من قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب بشهر، عملا برواية (2) يعضدها الغالب في الحيض. ومنهم (3) من قدرها بثلاثة أشهر، عملا برواية جميل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام. والمحصل ما ذكرناه ولو زاد عن الامد المذكور.

على القول بأنها تحيض، لصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال: خمس يطلقهن أزواجهن متى شاؤا: الحامل المستبين حملها، والجارية التي لم تحض، والمرأة التي قعدت عن المحيض، والغائب عنها زوجها، والتي لم يدخل بها (5). قوله: لا الغائب عنها... الخ . قد عرفت أن طلاق الحائض إذا كان زوجها غائبا جائز في الجملة،

(هامش)

(1) راجع النهاية: 512، والوسيلة: 320. (2) لاحظ الوسائل 15: 307 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3، 5. (3) كابن الجنيد. راجع المختلف: 587. (4) لاحظ الوسائل 15: 308 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 7. (5) التهذيب 8: 70 ح 230، الوسائل 15: 306 ب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 4. (*)

ص 37

للنصوص (1) الصحيحة والاجماع. ولكن اختلف الاصحاب في أنه هل يكفيفي جوازه مجرد الغيبة أم لابد معها من أمر آخر؟ ومنشأ الاختلاف اختلاف الاخبار الواردة في ذلك، فإن منها ما هو مطلق (2) في تجويزه له كالاخبار السابقة وغيرها مما هو في معناها، وبعضها (3) مقيد بمدة. فذهب المفيد (4) وعلي بن بابويه (5) وابن أبي عقيل (6) وأبو الصلاح (7) وغيرهم (8) إلى جواز طلاقها حيث لا يمكنه استعلام حالها من غير تربص، لما مر، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب، قال: يجوز طلاقه على كل حال، وتعتد امرأته من يوم طلقها (9). وصحيحة إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه السلام قال: خمس يطلقهن الرجل على كل حال؟ الحامل، والتي لم يدخل بها زوجها، والغائب عنها زوجها، والتي لم تحض، والتي قد يئست من المحيض (10). وغيرهما (11) من الاخبار.

(هامش)

(1 و2) لاحظ الوسائل 15: 305 ب 25 من أبواب مقدمات الطلاق. (3) لاحظ الهامش (2 و4) في الصفحة السابقة. (4) المقنعة: 526. (5 و6) حكاه عنهما العلامة في المختلف: 587. (7) الكافي في الفقه: 306. (8) راجع المراسم: 161. (9) الكافي 6: 80 ح 7، الوسائل 15: 307 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1. (10) الكافي 6: 79 ح 1، الفقيه 3: 334 ح 1615، التهذيب 8: 61 ح 198، الاستبصار 3: 294 ح1039، الوسائل 15: 205 ب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1. (11) الوسائل 15: 305 ب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشراثطه. (*)

ص 38

وذهب الشيخ في النهاية (1) وابن حمزة (2) إلى اعتبار مضي شهر منذ غاب، لموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الغائب إذا أراد أن يطلق امرأته تركها شهرا (3). ولان الحاضر يجب عليه استبراؤها مدة تنتقل فيها من الطهر الذي واقعها فيه إلى غيره، وأقل ما يحصل ذلك في شهر غالبا، فإذا غاب ولم يعلم انتقالها واشتبه عليه حالها كان انتظاره هذه المدة موجبا لانتقالها إلى طهر آخر بحسب الغالب في عادات النساء. والاخبار السابقة مطلقها يجب حمله على المقيد حذرا من التنافي. وذهب ابن الجنيد (4) والعلامة في المختلف (5) إلى اعتبار مضي ثلاثة أشهر، لصحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام قال: الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلق حتى تمضي ثلاثة أشهر (6). وروى إسحاق بن عمار قال: قلت لابي إبراهيم عليه السلام: الغائب الذي يطلق كم غيبته؟ قال: خمسة أشهر ستة أشهر. قال: حد دون ذلك، قال: ثلاثة أشهر (7).

(هامش)

(1) النهاية: 512. (2) الوسيلة: 320.(3) الكافي 6: 80 ح 2 و3، الفقيه 3: 325 ح 1574، التهذيب 8: 62 ح 202، الاستبصار 3: 295 ح 1041، الوسائل 15: 307 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3. (4 و5) راجع المختلف: 587. (6) التهذيب 8: 62 ح 203، الوسائل 15: 308 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 7. (7) الفقيه 3: 325 ح 1573، التهذيب 8: 62 ح 204، الاستبصار 3: 295 ح 1043، الوسائل 15: 308 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 8. (*)

ص 39

وذهب المصنف وأكثر المتأخرين (1) - وقبلهم الشيخ في الاستبصار (2) - إلى اعتبار مضي مدة يعلم انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى آخر بحسب عادتها، ولا تتقدر بمدة غير ذلك. وهو الذي جعله المصنف المحصل في المسألة. ووجه ذلك الجمع بين الاخبار، بتنزيل اختلافها كذلك على اختلاف عادة النساء في الحيض، فمن علم من حال امرأته أنها تحيض في كل شهر حيضة جاز له أن يطلق بعد شهر، ومن يعلم أنها لا تحيض إلا بعد كل ثلاثة أشهر أو خمسة لم يجز له أن يطلقها إلا بعد مضي هذه المدة، وهكذا. وهذا القول لا بأس به، لما فيه من الجمع بين الاخبار المعتبرة المختلفة ظاهرا، إلا أنه لا يخلو من إشكال من حيث إن الاخبار المعتبرة الصحيحة بين مطلق في عدم التربص، ولا شيء من عادات النساء بمتروك أصلا، وبين مقيد بثلاثة أشهر، وهو مخالف للغالب من عادات النساء. وأيضا فليس في هذه الاخبار سؤال عن واقعة مخصوصة حتى يتوجه حملها على كون تلك المرأة معتادة بتلك العادة، وإنما وقع السؤال في كل حديث عن مطلق النساء على وجهالقاعدة الكلية، فحملها على العادات المختلفة بعيد. وحديث الشهر أقرب إلى الغالب إلا أنه ليس كالسابق في وضوح السند. وبالجملة فأظهر الاقوال من جهة النقل ما دل على اعتبار ثلاثة أشهر، لصحة روايته، وحمل الاحاديث المطلقة المشاركة لها في صحة السند عليه جمعا

(هامش)

(1) راجع السرائر 2: 690، الارشاد 2: 42، المقتصر: 269، رسائل المحقق الكركي 2: 211 - 212. (2) الاستبصار 3: 295 ذيل ح 1043. (*)

ص 40

بين المطلق والمقيد. وهو مع ذلك موافق للحكم بالتربص للمجهولة الحال وهي المسترابة والمرضع، مع أن الغالب من حال الغائب عن زوجته أن يكون حالها مجهولا وحملها ممكنا في وقته، ومع جهله بحالها تصير في معنى المسترابة. وهذا هو الاقوى، إلا أن يعلم عادة المرأة وانتقالها بحسبه من طهر إلى آخر فيكفي تربصه ذلك المقدار كما في الحاضر، لان حكم الغائب أخف من حكمه شرعا، فمع إمكان إلحاقه به لا يزيد عليه، ومع الجهل يجب التربص ثلاثة لما ذكرناه. وهذا اختيار الشيخ فخر الدين في شرحه (1). وهو أيضا جامع بين الاخبار مع زيادة في الاعتبار. إذا تقرر ذلك فنقول: إذا طلق الغائب زوجته فلا يخلو: إما أن يطلقها بعد مضي المدة المعتبرة، أو قبلها. وعلى التقديرين: إما أن يوافق فعله كونها جامعة لشرائطه في الواقع، بأن يكون قد حاضت بعد طهر المواقعة وطهرت فوقع الطلاقحال الطهر، أو لا يوافق، بأن تبين وقوعه في طهر المواقعة أو حالة الحيض، أو يستمر الاشتباه. وبيان الحكم ينتظم في مسائل: الاولى: أن يطلقها مراعيا للمدة المعتبرة ثم تظهر الموافقة، بأن كانت قد انتقلت من طهر المواقعة إلى آخر. وهنا يصح الطلاق إجماعا، لاجتماع الشرائط المعتبرة في صحته ظاهرا وفي نفس الامر. الثانية: أن يطلقها كذلك ولكن ظهر بعد ذلك كونها حائضا حال الطلاق. وهنا يصح الطلاق أيضا، لان شرط صحته للغائب مراعاة المدة المعتبرة وقد

(هامش)

(1) إيضاح الفوائد 3: 305. (*)

ص 41

حصل. والحيض هنا غير مانع، لعدم العلم به، وهو مما قد استثني من صور المنع من طلاق الحائض بالنص (1) والفتوى. وفي رواية أبي بصير: قلت: الرجل يطلق امرأته وهو غائب، فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا، قال: يجوز (2). والمراد من هذه الرواية أنه لم يكن عالما بالحيض حال الطلاق ثم علم، لعطفه العلم على الطلاق بالفاء المفيدة للتعقيب. ولا خلاف في هذه الصورة أيضا. الثالثة: الصورة بحالها في أنه طلق بعد المدة المعتبرة ولكن ظهر بعد ذلك كونها باقية في طهر المواقعة لم تنتقل منه إلى حيض ولا إلى طهر آخر. وهو صحيح أيضا كالسابقة، لعين ما ذكر فيها، وهو وقوعه على الوجه المعتبر شرعا. ولان الطلاق إذا حكم بصحته في حالة الحيض بالنص (3) والاجماع فلان يحكم بصحته في حالة الطهر أولى، لما قد عرفت من أن شرط الطلاق في غير الغائب أمران: وقوعه في طهر، وكون الطهر غير طهر المواقعة، فإذا اتفق وقوعه فيحالة الحيض تخلف الشرطان، لعدم طهر آخر غير طهر المواقعة وعدم الخلو من الحيض، وإذا اتفق وقوعه في حالة الطهر فالمتخلف شرط واحد وهو كون الطهر غير طهر المواقعة، فإذا كان تخلف الشرطين في الغائب غير مانع فتخلف أحدهما أولى بعدم المنع. وربما قيل (4) هنا بعدم الوقوع، لانتفاء شرط الصحة وهو استبراء الرحم،

(هامش)

(1 و3) لاحظ الوسائل 15: 305 ب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه. (2) التهذيب 8: 62 ح 201، الاستبصار 3: 294 ح 1040، الوسائل 15: 308 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 6. (4) أنظر رسائل المحقق الكركي 2: 212. (*)

ص 42

خرج منه حالة الحيض للرواية (1) فيبقى الباقي. وللمنع من وجود الشرط. وأن الاذن في الطلاق استنادا إلى الظن لا يقتضي الحكم بالصحة إذا ظهر بطلان الظن. وجوابه: أن الشرط المعتبر في استبراء الرحم للغالب إنما هو مراعاة المدة المعتبرة وهو حاصل، وموضع النص (2) والفتوى - وهو حالة الحيض - منبه عليه. وظهور بطلان الظن غير مؤثر فيما حكم بصحته. والحاصل: أن الشرط المعتبر حاصل. والمانع - وهو ظهور الخطأ - غير معلوم المانعية، وقد تخلف فيما هو أولى بالحكم - أو مساو - في المنع. وكون الحكمة في الانتظار المدة المقررة هو استبراء الرحم غير لازم، لانها مستنبطة لا منصوصة فلا يلزم اطرادها، وإنما المنصوص (3) اعتبار انقضاء المدة المعتبرة، واستنبط معها (4) الاكتفاء بظن الانتقال من طهر إلى آخر، وكلاهما متحقق. الرابعة: أن يطلقها مراعيا للمدة المعتبرة ويستمر الاشتباه، فلا يعلم كونها حائضا حال الطلاق أو طاهرا طهر المواقعة أو غيره. وهنا يصح الطلاق قولا واحدا، لوجود المقتضي للصحة، وهو استبراؤها المدة المعتبرة مع باقي الشرائط، وانتفاء المانع، إذ ليس ثم إلا اشتباه الحال، وهو غير صالح للمانعية. وكون انتقالها من طهر المواقعة إلى آخر شرطا في صحة الطلاق مخصوص بالحاضر، وأما الشرط في الغائب فهو مضي المدة المعتبرة مع عدم العلم بكونها

(هامش)

(1 و2) لاحظ الهامش (1) في الصفحة السابقة. (3) لاحظ الوسائل 15: 307 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق ح 3، 5، 7، 8. (4) في إحدى الحجريتين: منها. (*)

ص 43

حائضا حال الطلاق أو باقية في طهر المواقعة، فمتى انتفى العلم بذلك حصل الشرط. الخامسة: أن يطلقها قبل مضي المدة المعتبرة ولكن ظهر بعد الطلاق وقوعه في طهر لم يقربها فيه. وفي صحة الطلاق حينئذ وجهان، من حصول شرط الصحة في نفس الامر وظهور الحال، ومن عدم اجتماع الشرائط المعتبرة في الطلاق حال إيقاعه المقتضي لبطلانه. ويمكن أن يجعل ظهور اجتماع الشرائط بعد ذلك كاشفا عن صحته، خصوصا مع جهله ببطلان الطلاق من دون مراعاة الشرط، لقصده حينئذ إلى طلاق صحيح ثم ظهر اجتماع شرائطه. والاظهر الصحة. السادسة: أن يطلقها قبل الاستبراء وتبين عدم الانتقال، أو يستمر الاشتباه، فيبطل الطلاق عند كل من اعتبر المدة، لوجود المقتضي للبطلان، وهو عدم التربص به المدة المعتبرة، وعدم انكشاف حصول ما يقتضي الصحة، بخلاف السابق. السابعة: لو طلقها بعد [انقضاء] (1) المدة المعتبرة ولكن اتفق له مخبر يجوز الاعتماد عليه شرعا بأنها حائض بسبب تغير عادتها، ففي صحة الطلاق حينئذ وجهان أجودهما العدم. وكذا لو أخبره ببقائها في طهر المواقعة، أو بكونها حائضا حيضا آخر بعد الطهر المعتبر في صحة الحيض، لاشتراك الجميع في المقتضي للبطلان. وصحة طلاقه غائبا مشروط بعدم الظن بحصول

(هامش)

(1) من الحجريتين. (*)

ص 44

المانع. الثامنة: لو كان خروج الزوج في طهر آخر غير طهر المواقعة صح طلاقها من غير تربص ما لم يعلم كونها حائضا، ولا يشترط هنا العلم أو الظن بعدم الحيض، بخلاف ما سبق. والفرق: أن شرط الصحة هنا موجود، وهو استبراؤها بالانتقال من طهر إلى آخر، وإنما الحيض بعد ذلك مانع من صحة الطلاق، ولايشترط في الحكم بصحة الفعل العلم بانتفاء موانعه، بل يكفي عدم العلم بوجودها، بخلاف السابق، فإن شرط صحة الطلاق مضي المدة المعتبرة المشتملة على العلم بانتقالها من طهر إلى آخر، والجهل بالشرط يقتضي الجهل بصحة المشروط. التاسعة: النفاس هنا كالحيض في المنع والاكتفاء بطهرها منه. فلو غاب وهي حامل ومضت مدة يعلم بحسب حال الحمل وضعها وطهرها من النفاس جاز طلاقها، كما لو انتقلت من الحيض. ويكفي في الحكم بالنفاس ظنه المستند إلى عادتها وإن كان عدمها ممكنا كما قلناه في الحيض. ومثله ما لو كان حاضرا ووطئها قبل الوضع، فإنه يكتفي بنفاسها في الاستبراء. العاشرة: لو وطئها حاملا ثم غاب وطلق قبل مضي مدة تلد فيها غالبا وتنفس فصادف الطلاق ولادتها وانقضاء نفاسها، ففي صحته الوجهان الماضيان (1) في الحيض. والحكم فيهما واحد. واعلم أن المراد بالعلم في هذه المواضع كلها معناه العام، وهو الاعتقاد

(هامش)

(1) في الصفحة السابقة، المسألة الخامسة. (*)

ص 45

الراجح الشامل للظن المستند إلى عادتها في الحيض والطهر والحمل. وينبه عليه إطلاقهم العلم ثم ظهور خلافه، كما قال المصنف: أما لو انقضى من غيبته ما يعلم انتقالها من طهر إلى آخر ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض . والمراد بقوله: ولو اتفق قي الحيض ما يشمل الحيض المتعقب للطهر الذي جامعها فيه وغيره. ونبه بقوله: اتفق على أنه لم يكن معلوما له حال الطلاق، وإنما اتفق ذلك في الواقع وإن انكشف بعد الطلاق. وقوله: وكذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها مطلقا أي: سواء مضت مدة يعلم انتقالها فيها من ذلك الطهر إلى آخر أم لا، لكن بشرط أن لا يعلم أنها حائض كما نبهنا عليه، لان الحيض مانع مطلقا إلا على تقدير وقوعه في نفس الامر ولم يظهر في حق الغائب كما فصلناه. فقوله: مطلقا منزل على ما ذكرناه لا على ما يشمل كونها حائضا مع العلم به. وقوله: ولو زاد الامد المذكور يريد به ما لو كان عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مرة، فإنه على ما اختاره من أن المعتبر في صحة طلاق الغائب العلم بانتقالها من طهر إلى آخر يعتبر في صحة طلاقها في هذه الصورة مضي الاربعة الاشهر، كما يعتبر مضي المدة القليلة لو كانت تحيض فيها، وذلك أزيد مما ورد في النصوص (1) من اعتبار مضي ثلاثة أشهر. وبقي في هذه المسألة مباحث شريفة حررناها في موضع آخر برسالة (2) مفردة من أراد استقصاء البحث فيها فليراجعها.

(هامش)

(1) لاحظ ص: 36، هامش (4). (2) طبعت ضمن مجموعة تضم عشرة مباحث. (*)

ص 46

ولو كان حاضرا وهو لا يصل إليها بحيث يعلم حيضها فهو بمنزلة الغائب.

قوله: ولو كان حاضرا... الخ . أقسام المطلق بالنسبة إلى الحضور والغيبة وحكمهما أربعة، ففي حكم الغائب الحاضر الذي لا يمكنه معرفة حالها، وفي حكم الحاضر الغائب الذي يطلع على حالها بورود الاخبار عليه ممن يعتمد عليه في وقت الحاجة. ويدل على حكم من هو بمنزلة الغائب صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها وهي في منزل أهلها، وقد أراد أن يطلقها وليس يصل إليها فيعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت، قال: فقال: هذا مثل الغائب عنه أهله يطلقها بالاهلة والشهور. قلت: أرأيت إن كان يصل إليها الاحيان والاحيان لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلقها؟ فقال: إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلقها إذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود (1) الحديث. وفي هذا الخبر دلالة على الاكتفاء في الغيبة بشهر. وهو صحيح السند أولى بالحجة للقول من خبر (2) إسحاق بن عمار. وأنكر ابن إدريس (3) إلحاق غير الغائب به، محتجا بأصالة بقاء الزوجية، وبأن حمله عليه قياس. وقد عرفت أن مستنده الخبر الصحيح، مع اشتراكهما في العلة، وهو يرفع الاصل، ولا يحوج إلى القياس.

(هامش)

(1) الكافي 6: 86 ح 1، الفقيه 3: 333 ح 1614، التهذيب 8: 69 ح 229، الوسائل 15:310 ب (28) من أبواب مقدمات الطلاق ح 1. (2) تقدم ذكر مصادره في ص: 38، هامش (3). (3) السرائر 2: 686، 687. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج9

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب