مسالك الأفهام - ج9

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج9

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 185

مطلقا. وأصرح منه إضافة قوله: إلى نكاحي، ونحوه. ودونه كقوله: رددتك،وأمسكتك، فقيل بالاكتفاء بهما أيضا، لورودهما في القرآن كناية عنها في قوله تعالى: وبعولتهن أحق يردهن في ذلك (1) وقوله فإمساك بمعروف (2). وقيل: إنهما كناية فيفتقران إلى نيتها، لاحتمالهما غيرها كالامساك باليد أو في البيت ونحوه. وهو أولى. ودون ذلك كله: تزوجتك، وأعدتك إلى النكاح، ورفعت تحريم نكاحك، وأعدت حله، ونحو ذلك. وفي الاكتفاء به قولان، من أن المعتبر في الرجعة ما يدل على إرادة النكاح وكل ذلك دال عليها، ولانها تصح بالفعل فلا تعتبر صيغة معينة. وهذا أقوى (3). ووجه العدم: أن الاسباب الشرعية تتوقف على وضع الشارع. وفيه: تضييق لم يثبت، والمعلوم توقف أصلها لا اللفظ الدال عليها. والثاني: كإشارة الاخرس وسيأتي (4)، وكالوطئ ومقدماته من النظر والتقبيل واللمس بقصد الرجوع أو مع عدم قصد غيره، لدلالته على الرجعة كالقول، وربما كان أقوى منه. ولا تتوقف إباحته على تقديم رجعة، لانها زوجة فيباح الفعل بذلك وتحصل به الرجعة. ويشترط وقوعه بالقصد، فلو وقع سهوا أوبظن كونها الزوجة لم يفد الرجعة قطعا. ولو أوقعه بقصد عدم الرجعة أولا بقصدها إن اعتبرناه فعل حراما، لانفساخ النكاح بالطلاق وإن كان رجعيا، لان فائدة الرجعي جواز الرجوع فيها

(هامش)

(1 و2) البقرة: 228 - 229. (3) في ح، ش، م : قوي. (4) في ص: 193. (*)

ص 186

. ولو أنكر الطلاق كان ذلك رجعة، لانه يتضمن التمسك بالزوجية.

لابقائه بحاله، وإلا لم تبن بانقضاء العدة، لكن لا حد عليه وإن كان عالما بالتحريم، لعدم خروجها عن حكم الزوجة رأسا، ولقيام الشبهة، بل التعزير على فعل المحرم إلا مع الجهل بالتحريم. ثم إن لم يراجعها فعليه مهر المثل، لظهور أنها بانت بالطلاق، إذ ليس هناك سبب غيره. وإن راجعها بعد ذلك ففي سقوطه وجهان، من وقوع الوطئ في حال ظهور خلل النكاح وحصول الحيلولة بينهما، ومن ارتفاع الخلل أخيرا وعودها إلى صلب النكاح الاول، ومن ثم لو طلقها بائنا (1) كان طلاق مدخول بها نظرا إلى الدخول الاول، ولان الرجعة - كما علم من تعريفها - بأنها (2) رد نكاح زالبطلاق يملك الزوج رفعه في العدة. ومثله ما لو ارتدت المرأة بعد الدخول فوطئها الزوج في مدة العدة وعادت إلى الإسلام، أو أسلم أحد المجوسيين أو الوثنيين ووطئها ثم أسلم المتخلف قبل انقضاء العدة. وأولى هنا بعدم ثبوت المهر، لان أثر الطلاق لا يرتفع بالرجعة بل يبقى نقصان العدد، فيكون ما بعد الرجعة وما قبل الطلاق بمثابة عقدين مختلفين، وأثر الردة وتبديل الدين يرتفع بالاجتماع في الإسلام، فيكون الوطئ مصادفا للعقد الاول. ولو قيل بوجوب المهر هنا وبعدمه في تبديل الدين كان حسنا. قوله: (ولو أنكر الطلاق.... الخ). المشهور بين الاصحاب أن إنكار الطلاق من الاقوال المفيدة للرجعة،

(هامش)

(1) في ح : ثانيا. (2) وردت كلمة بأنها في النسخ الخطية والحجريتين، والظاهر أنها زائدة، راجع الجواهر 32: 182. (*)

ص 187

لدلالته على التمسك بالزوجية، ولانه أبلغ من الرجعة بألفاظها المشتقة منها وما في معناها، لدلالتها على رفعه في غير الماضي ودلالة الانكار على رفعه مطلقا.وهذا آت في إنكار كل ما يجوز فيه الرجوع والفسخ من العقود. وقد تقدم الخلاف في كونه رجوعا في الوصية (1) من حيث إنه أعم من قصد الرجوع، ومن الجائز أن يكون الباعث على الانكار عدم التفطن إلى وقوع ما أنكره ولو ذكره لم يرجع. وظاهرهم الاتفاق على كونه هنا رجوعا، ولعل الوجه في اختصاصه بذلك ورود النص الصحيح به هنا دون غيره، فيبقى ما عداه على ما يقتضيه النظر، ففي رواية أبي ولاد الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن امرأة ادعت على زوجها أنه طلقها تطليقة وأشهد لها شهودا على ذلك، ثم أنكر الزوج بعد ذلك، فقال: إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدة فإن إنكاره الطلاق رجعة، وإن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدة فإن على الامام أن يفرق بينهما (2) الحديث. وبهذا يندفع ما قيل: إن الرجعة مترتبة على الطلاق وتابعة له، وإنكار المتبوع يقتضي إنكار التابع، فلا يكون رجعة وإلا لكان الشيء سببا في النقيضين. لان الشارع إذا جعل إنكار الطلاق رجعة فقد قطع التبعية المذكورة، أو يجعل الانكار كناية عن الرجعة ولا يراد منه حقيقته، فإن المقصود حينئذ من إنكار الطلاق إعادة النكاح المتحقق في الرجعة بكل لفظ دل

(هامش)

(1) لم نجده في كتاب الوصية، راجع ج 6: 135 - 136. (2) الكافي 6: 74 ح 1، التهذيب 8: 42 ح 129، الوسائل 15: 372 ب (14) من أبوأب أقسام الطلاق. (*)

ص 188

ولا يجب الاشهاد في الرجعة، بل يستحب.

عليه وهذا منه. قوله: ولا يجب الاشهاد... الخ . الاشهاد على الرجعة غير واجب عندنا، للاصل، ولكن يستحب لحفظ الحق ودفع النزاع. ولانه لا يقبل قوله فيها على بعض الوجوه - كما سيأتي (1) - وربما كان محقا. ولقول الباقر عليه السلام في حسنة محمد بن مسلم: الطلاق لا يكون بغير شهود، والرجعة بغير شهود رجعة، ولكن يشهد فهو أفضل (2) وقول الصادق عليه السلام في حسنة الحلبي في الذي يراجع ولم يشهد: قال: يشهد أحب إلي، ولا أرى بالذي صنع بأسا (3). وأوجبه بعض العامة (4) فيها للامر به في قوله تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم بعد قوله: ا فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف (5) وليس الامر متعلقا بقوله: فارقوهن إجماعا، لان المراد به ترك الرجعة وهو غير متوقف على الاشهاد، فيكون للرجعة، لآنها أقرب إليه من الطلاق. وقد تقدم (6)جملة من الروايات عن أئمتنا عليهم السلام أن الامر متعلق بالطلاق وإن بعد. ومنهم (7) من حكم بالاستحباب أيضا، وحمل الامر عليه كما في قوله تعالى:

(هامش)

(1) في ص: 197. (2) الكافي 6: 73 ح 3، التهذيب 8: 42 ح 128، الوسائل 15: 371 ب (13) من أبواب أقسام الطلاق ح 3. (3) الكافي 6: 72 ح 1، التهذيب 8: 42 ح 126، الوسائل الباب المتقدم ح 2. (4) الحاوي الكبير 10: 319. حلية العلماء 7: 127. (5) الطلاق: 2. (6) في ص: 111. (7) الحاوي الكبير 10: 319، حلية العلماء 7: 127، المغني لابن قدامة 8: 483. (*)

ص 189

ولو قال: راجعتك إذا شئت، أو إن شئت، لم يقع ولو قالت: شئت. وفيه تردد. ولو طلقها رجعية فارتدت فراجع لم يصح، كما لا يصح ابتداء الزوجية. وفيه تردد ينشأ من كون الرجعية زوجة. ولو أسلمت بعد ذلك استأنف الرجعة إن شاء.

وأشهدوا إذا تبايعتم (1). قوله: ولو قال: راجعتك... الخ . القول بعدم جواز تعليق الرجعة على الشرط هو المشهور بين الاصحاب، ذكره الشيخ في المبسوط (2) وأتباعه (3) والمتأخرون (4). والمصنف تردد فيه، من عدم الجزم بها حيث علقها على الشرط، وأنها إعادة للنكاح فلا يقبل التعليق كابتدائه، ولانها إيقاع فلا يقبله كالطلاق. ومن عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: المؤمنون عند شروطهم (5) وأصالة الصحة، ويمنع من عدم الجزم مطلقا، أو من (6) اشتراطه على خلاف هذا الوجه. والاشهر عدم الوقوع حتى عند من يجوز (7) تعليق الطلاق، إلحاقا لها بالنكاح. قوله: ولو طلقها... الخ . مبنى الحكم على أن الطلاق هل رفع حكم الزوجية رفعا متزلزلا يستقر

(هامش)

(1) البقرة: 282. (2) المبسوط 5: 106. (3) راجع المهذب 2: 294، وإصباح الشيعة ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 20: 286. (4) راجع القواعد 2: 66. (5) الوسائل 15: 30 ب (20) من أبواب المهور ح 4. (6) في ش : ومن. (7) في ح، و: حتى من مجوز. (*)

ص 190

بانقضاء العدة، أو أن خروج العدة تمام السبب في زوال الزوجية؟ ويؤيد الاول تحريم وطئها لغير الرجعة، ووجوب المهر بوطئها على قول، وتحريمها به إذا أكمل العدد. ويؤيد الثاني عدم وجوب الحد بوطئها، ووقوع الظهار واللعان والايلاء بها، وجواز تغسيل الزوج لها وبالعكس، فهي بمنزلة الزوجة. وإلى هذا أشار المصنف بكونها زوجة. ولما كان ابتداء نكاح المرتدة ممتنعا بني على أنالرجعة هل هي نكاح مبتدأ، أو استدامة وإزالة لما كان طرأ عليه من السبب الذي لم يتم؟ واحتج على عدم الجواز أيضا بأن الرجوع تمسك بعصم الكوافر، وهو منهي عنه نهي فساد، لقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكرافر (1). وأن الرجعة إثبات لما صار بالقوة بالفعل، فإن الطلاق أزال قيد النكاح بالفعل، والرجعة سبب فاعل لحصوله بالفعل، فكان كالمبتدأ، وشرط تحقق الاثر من الفاعل قبول المحل وبالارتداد زال القبول. وبأن المقصود من الرجعة الاستباحة، وهذه الرجعة لا تفيد الاباحة، فإنه لا يجوز الاستمتاع بها ولا الخلوة معها ما دامت مرتدة. وبأنها جارية إلى البينونة وانقطاع ملك النكاح، والرجعة لا تلائم حالها. ويتفرع على ذلك أيضا ما لو طلق المرتدة في زمن العدة، فإن جعلنا النكاح مرتفعا زمن العدة لم يقع كما لا يقع بالاجنبية، وإلا وقع. ويمكن الفرق بين الرجعة والطلاق بأن الطلاق محرم للنكاح كالردة فلا ينافي العدة، فيقع مراعى برجوعها إلى الإسلام.

(هامش)

(1) الممتحنة: 10. (*)

ص 191

ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا ثم راجعها في العدة، قيل: لا يجوز، لان الرجعة كالعقد المستأنف.والوجه الجواز، لانها لم تخرج عن زوجيته، فهي كالمستدامة. ولو طلق وراجع، فأنكرت الدخول بها أولا، وزعمت أنه لا عدة عليها ولا رجعة، وادعى هو الدخول، كان القول قولها مع يمينها، لانها تدعي الظاهر.

قوله: ولو كان عنده ذمية... الخ . البحث في هذه كالسابقة، ويزيد هنا أن الذمية لا تحرم استدامة نكاحها، فإذا لم نجعل الطلاق مزيلا للنكاح الاول رأسا جازت الرجعة، بخلاف المرتدة، لتحريم نكاحها حينئذ. والاقوى جواز الرجعة هنا، لان العائد بالرجعة هو النكاح الاول، فكان في حكم المستدام، وأثره لم يزل بالكلية بل يتوقف على انقضاء العدة، ومن ثم جاز وطؤها بنية الرجعة بغير لفظ يدل عليه، ولا شيء ممن ليست بزوجة يجوز وطؤها كذلك. ولان النكاح لو زال لكان العائد بالرجعة إما الاول أو غيره، والاول يستلزم إعادة المعدوم، والثاني منتف إجماعا وإلا لتوقف على رضاها، فالنكاح الاول باق غايته أنه متزلزل، واستدامته غير ممتنعة بالذمية. هذا إذا منعنا ابتداء نكاحها وإلا سقط التفريع. قوله: ولو طلق وراجع... الخ . الاولى التعليل بأنها تدعي ما يوافق الاصل، لان الاصل عدم الدخول، وأما الظاهر فقد يتخلف مع الخلوة حيث لا نجعلها موجبة للدخول. وعلى كل حال لا شبهة في تقديم قولها مع يمينها، فإذا حلفت بطلت رجعته في حقها، ولا نفقة لها

ص 192

ولا سكنى، ولا عدة عليها، ولها أن تنكح في الحال، وليس له أن ينكح أختها ولاأربعا سواها [خاصة] (1) لاعترافه بأنها زوجة. ولو كانت دعواه أي طلقتها بعد الدخول فلي الرجعة فالحكم كذلك، إلا أن نكاح اختها هنا والاربع سواها متوقف على مضي زمان تنقضي به عدتها. وعلى التقديرين فهو مقر لها بكمال المهر وهي لا تدعي إلا النصف، فإن كانت قد قبضت المهر فليس له مطالبتها بشيء، وإن لم تكن قبضته فليس لها إلا أخذ النصف. فإذا أخذته ثم عادت واعترفت بالدخول فهل لها أخذ النصف الآخر، أم لابد من إقرار مستأنف من جهة الزوج؟ وجهان. وينبغي أن يأخذ الحاكم النصف الذي لا يدعيه (2) الزوج من يده أو يدها، لانه مال لا يدعيه أحد وحفظ مثله وظيفة الحاكم. ولو انعكس الحكم، فادعت المرأة الدخول وأنكر الزوج فالقول قوله عملا بالاصل. فإذا حلف فلا رجعة له. ولا سكنى ولا نفقة لها، وعليها العدة، ويرجع عليها بنصف الصداق إن كانت قبضته، وإلا رجعت هي بالنصف. ولو عادت وكذبت نفسها لم تسقط العدة. ولا فرق بين أن يكون الاختلاف في الدخول قبل جريان الخلوة وبعدها على الاقوى، وإن كانت الخلوة ترجح جانب من يدعي الدخول فيتعارض الاصل والظاهر، لان الاصل أقوى.

(هامش)

(1) من ش، م والحجريتين. (2) في ح : لا تدعيه الزوجة. (*)

ص 193

ورجعة الاخرس بالاشارة الدالة على المراجعة. وقيل: بأخذ القناع عن رأسها. وهو شاذ. وإذا ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان محتمل، فأنكر، فالقول قولها مع يمينها. ولو ادعت انقضاءها بالاشهر لم يقبل، وكان القول قول الزوج، لانه اختلاف في زمان إيقاع الطلاق. وكذا لو ادعى الزوج الانقضاء، فالقول قولها، لان الاصل بقاء الزوجية أولا. ولو كانت حاملا فادعت الوضع قبل قولها، ولم تكلف إحضار الولد.

قوله: ورجعة الاخرس... الخ . رجعة الاخرس كغيرها من عقوده وإيقاعاته تكون بالاشارة المفهمة لها. وهذا هو المشهور بين الاصحاب. والقول بأنها تكون بأخذ القناع لابني بابويه (1)، أخذا من طلاقه بوضع القناع على رأسها المروي (2) ثم بطريق السكوني، فيكون ضد العلامة علامة الضد. والاصل ممنوع، والقياس باطل. نعم، لو أفاد ذلك الرجعة كان من جملة إشاراته الدالة عليها لا (3) أنه سبب برأسه.قوله: وإذا ادعت انقضاء... الخ . سيأتي (4) أن العذة تكون بالحيض وبوضع الحمل وبالاشهر، فإذا اختلفا بعد

(هامش)

(1) في ح، ط : لابن بابويه، راجع المقنع: 119، وحكاه عن والده في الفقيه 3: 333 ذيل ح 1613. (2) لاحظ الوسائل 15: 300 ب 19 من أبواب مقدمات الطلاق ح 3. (3) في ش، ط والحجريتين: إلا. (4) في ص: 213. (*)

ص 194

الطلاق فادعت المرأة انقضاء العدة لتمنعه من الرجعة وادعى هو بقاءها، فإن كانت من ذوات الحيض وادعت انقضاءها في زمان يحتمل، انقضاؤها فيه شرعا وإن بعد عادة فالقول قولها مع يمينها، لان النساء مؤتمنات في أرحامهن وقد قال تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن (1) ولولا أن قولهن مقبول لم يأثمن بالكتمان، لانه لا اعتبار بكتمانهن حينئذ نظير قوله تعالى: ولا تكتموا الشهادة . (2) وروى زرارة في الحسن عن الباقر عليه السلام قال: العدة والحيض للنساء إذا ادعت صدقت . (3) وسيأتي (4) أن أقل المدة المحتملة لانقضاء عدة الحرة بالحيض ستة وعشرون يوما ولحظتان. ولافرق في ذلك بين مستقيمة الحيض والطهر زيادة على ذلك وغيرها، لعموم النص، وإمكان تغير العادة. وينبغي استفصالها مع التهمة وسؤالها كيف الطهر والحيض؟ وفي بعض الاخبار (5) أنه لا يقبل منها غير المعتاد إلا بشهادة أربع من النساء المطلعات على باطن أمرها. وقربه الشهيد في اللمعة (6). ولا بأس به مع التهمة وإن

(هامش)

(1) البقرة: 228. (2) البقرة: 283. (3) الكافي 6: 101 ح 1، التهذيب 8: 165 ح 575، الاستبصار 3: 356 ح 1276، الوسائل 15: 441 ب (24) من أبواب العدد ح 1. (4) في ص: 225. (5) التهذيب 1: 398 ح 1242 و6: 271 ح 733، الاستبصار 1: 148 ح 511 و3: 356 ح 1277، الوسائل 2: 596 ب (47) من أبواب الحيض ح 3، و18: 266 ب (24) من أبواب الشهادات ح 37. (6) اللمعة الدمشقية: 124. (*)

ص 195

ضعف مأخذه (1). وحيث لا يقبل منها [غير المعتاد] (2) إما لدعواها انقضاءها قبل وقت الامكان، أو لكونه خلاف المعلوم من عادتها، فجاء وقت الامكان نظر إن كذبت نفسها أو قالت: غلطت، وابتدأت دعوى الانقضاء صدقت بيمينها. وإن أصرت على الدعوى الاولى ففي تصديقها الآن وجهان، من فساد الدعوى الاولى فلا يترتب عليها أثر ولم تدع غيرها، ومن أن إصرارها عليها يتضمن دعوى الانقضاء الآن والزمان زمان الامكان. وإن كانت من ذوات الحمل فادعت وضعه صدقت أيضا بيمينها مع إمكانه، لما تقدم. ويختلف الامكان بحسب دعواها، فإن ادعت ولادة ولد تام فأقل مدة تصدق فيها ستة أشهر ولحظتان من يوم النكاح، لحظة لامكان الوطئ ولحظة للولادة، فإن ادعت أقل من ذلك لم تصدق. وإن ادعت سقطا مصورا أو مضغة أو علقة اعتبر إمكانه عادة. وربما قيل: إنه مائة وعشرون يوما ولحظتان في الاول، وثمانون يوما ولحظتان في الثاني، وأربعون يوما ولحظتان في الثالث، لقوله صلى الله عليه وآله: يجمع أحدكم في بطن امه أربعون يوما نطفة، وأربعون يوما علقة،

(هامش)

(1) في هامش و: لانه رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه عليه السلام أن عليا عليه السلام قال في امرأة ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر، قال: كلفوا نسوة من بطانتها أن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت. فإن شهدت صدقت. وإلا فهي كاذبة. والشيخ حملها على من كانت متهمة بقرينة دعوى ثلاث حيض في شهر، فلو انتفت التهمة رجع إليها قطعا. منه رحمه الله . لاحظ التهذيب 8: 166 ذيل ح 576، الاستبصار 3: 357 ذيل ح 1277. (2) من و فقط. (*)

ص 196

ولو ادعت الحمل، فأنكر الزوج، وأحضرت ولدا، فأنكر ولادتها له، فالقول قوله، لامكان إقامة البينة بالولادة.

وأربعون يوما مضغة، ثم تنفخ فيه الروح (1). وحيث قدم قولها في ذلك لم تكلف إحضار الولد، لعموم الادلة (2)، ولجواز موته وتعذر إحضاره. وإن ادعت الانقضاء بالاشهر فالقول قول الزوج مع يمينه، لان هذا الاختلاف راجع في الحقيقة إلى وقت الطلاق والقول قوله فيه كما يقدم قوله في أصله. ولانه مع دعوى بقاء العدة يدعي تأخر الطلاق والاصل فيه معه، لاصالة عدم تقدمه في الوقت الذي تدعيه. هذا إذا لم يتفقا على وقت الايقاع، وإلا رجع إلى الحساب. ولو انعكس الفرض فادعت بقاء العدة لتطالب بالنفقة، وادعى الانقضاء،قدم قولها في الجميع. أما في الاولين فظاهر. وأما في الاخير فلان الاصل حينئذ معها، لاصالة عدم تقدم الطلاق وبقاء الزوجية الثابتة (3) أولا إلى أن يظهر زوالها. قوله: ولو ادعت الحمل.... الخ . ما تقدم من تقديم قولها في الوضع حكم ما لو اتفقا على الحمل وأنه منه، فيرجع إليها في ولادته، للآية (4) والخبر (5). أما لو ادعت الحمل والوضع وأنكره الزوج فالقول قوله، لاصالة عدم الحمل. ولا فرق في تقديم قوله بين أن تحضر ولدا وتدعي ولادته وعدمه، لامكان إقامتها البينة على ولادته، فلا يلحق به

(هامش)

(1) مسند الحميدي 1: 69 ح 126، مسند أحمد 1: 382، مع اختلاف في بعض اللفظ. (2 و5) كالتي تقدمت في ص: 194، هامش (3)، وانظر أيضا الوسائل 15: 441 ب (24) من أبواب العدد ح 2. (3) في ح، ش، ط : الثانية. (4) البقرة: 228. (*)

ص 197

وإذا ادعت انقضاء العدة، فادعى الرجعة قبل ذلك، فالقول قول المرأة. ولو راجعها، فادعت بعد الرجعة انقضاء العدة قبل الرجعة، فالقولقول الزوج، إذ الاصل صحة الرجعة.

بمجرد دعواها، لجواز التقاطها له، وإنما يلزمه الاعتراف بما يعلم ولادته على فراشه لا بما تدعي المرأة ولادته كذلك. وحينئذ فلا يحكم بانقضاء العدة بذلك، بل يفتقر إلى مضي مدة الاقراء أو الاشهر ويرجع إليها فيهما كالاول وإن كذبت في الآخر. ويأتي في إصرارها على هذه الدعوى مع مضي زمن يمكن فيه انقضاؤها بغيرها ما سبق. قوله: وإذا ادعت انقضاء... الخ . المراد في الاول: أنهما اتفقا على انقضاء العدة ولكن ادعى الزوج الرجعة قبل انقضائها وأنكرت هي. ووجه تقديم قولها حينئذ: أن الاصل عدم تقدم الرجعة في الوقت الذي يدعيه. وفي الثاني: أنهما اتفقا على حصول الرجعة ولكن اختلفا في وقوعها في العدة أو بعدها، فادعى وقوعها فيها وأنكرت المرأة. وقد حكم المصنف والعلامة (1) تبعا للشيخ (2) أن القول قول الزوج، لاتفاقهما على حصول رجعة ثم هي تدعي فسادها بوقوعها بعد العدة وهو يدعي صحتها ومدعي الصحة مقدم. ويؤيد ذلك أصالة بقاء الزوجية، لانها كانت مستمرة في زمن العدة الرجعية حيث

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 2: 66. (2) المبسوط 5: 107. (*)

ص 198

إنها [كانت] (1) بحكم الزوجة، والاصل عدم زوال ذلك المعلوم. ويشكل الفرق بين المسألتين، لان تقديم قولها في الاول يوجب وقوع الرجعة فاسدة، لكونها بعد انقضاء العدة، ومدعي الصحة مقدم، غايته أن معها أصالة عدم تقدمها لكن ذلك لا يعارض دعوى الصحة لانها أقوى، ومن ثم قدم مدعي العقد الصحيح والايقاع الصحيح مع معارضة أصل عدم جمعه للشرائط وأصالة بقاء الملك على مالكه وغير ذلك من الاصول. ولو نظر إلى أصالة عدم تقدم ما هو حادث اتجه تقديم قولها في الموضعين، لاصالة عدم تقدم الرجعة فيهما. ويمكن الفرق بين المسألتين بأن الزوجين في الثانية متفقان على وقوع رجعة وإنما اختلافهما في صحتها وفسادها، فلذلك قدم [قول] (2) مدعي الصحة، بخلاف الاولى، فإنهما لم يتصادقا على الرجعة وإنما ادعاها الزوج في وقت ليس له إنشاؤها، فلا يقبل إقراره بها. وقوله قي الاولى: فالقول قول المرأة يريد به في عدم الرجعة قبل انقضاء العدة أعم من وقوعها وعدمه أو في عدم الرجعة أصلا، فيتم الفرق.والتحقيق في هذه المسألة وراء هذا كله أن نقول: على تقدير اتفاقهما على الرجعة في الجملة فهذا الاختلاف لا يخلو: إما أن يقع في عدة يرجع إليها فيها كالعدة بالحمل والاقراء، أو لا كالعدة بالاشهر. ثم إما أن يتفقا على وقت أحدهما ويختلفا في الآخر، أو يطلقا الدعوى مجردة عن التوقيت. ثم إما أن يكون هذا

(هامش)

(1) من الحجريتين. (2) من و فقط. (*)

ص 199

الاختلاف قبل أن تنكح زوجا آخر، أو بعده. فهنا صور يظهر بتحريرها حكم المسألة. الاولى: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة كيوم الجمعة، فقال الزوج: راجعت يوم الخميس، وقالت: بل راجعت يوم السبت، فالقول قولها مع يمينها. ولا فرق هنا بين العدد، لان وقت انقضاء العدة متفق عليه والاختلاف في أنه هل راجع قبله؟ والاصل أنه ما راجع سابقا، لان الرجعة أمر حادث والاصل عدم تقدمها في كل وقت يحصل فيه الاختلاف. وأيضا فالزوج يدعي بعد انقطاع سلطنته أنه راجع قبله فلا يسمع قوله، كما لو ادعى الوكيل بعد العزل أنه تصرف قبله، أو الولي بعدزوال ولايته انه زوج المولى عليه أو باع ماله، ونحو ذلك. وفي هذه الصورة وجهان آخران دون ما ذكرناه في القوة: أحدهما: تقديم قول الزوج، لان الرجعة تتعلق به وهو أعلم بفعله، ولانه يستبقي النكاح فالاصل فيه معه. ويضعف الاول بأن الرجعة مما يمكن فيها إقامة البينة فلا يقبل فيها قول مدعي الفعل، كاعتداد المرأة بالاشهر بخلاف عدتها بما لا يمكن فيه إقامة البينة أو يتعسر. والثاني بأن النكاح قد انقطع بانقضاء العدة، وإنما يدعي هو إحداث سبب يقتضي بقاءه وهو الرجعة وهي تنكره والاصل عدمه. وثانيهما: تقديم قول المبتدئ بالدعوى وقد صادقه الآخر فيها، فإذا قالت مثلا: انقضت عدتي يوم الجمعة، وصادقها الزوج وقال: رجعت يوم الخميس، فهي المصدقة، لان قولها في انقضاء العدة مقبول متفق عليه، وإذا حكم به لم يلتفت إلى ما يلحقه من دعوى الرجعة بعد ذلك. وإن قال الزوج أولا: راجعتك يوم الخميس

ص 200

فهو المصدق، لاستقلاله بالرجعة المتفق عليها القاطعة للعدة، وإذا صححنا الرجعة منه لم يعتبر قولها: إنك راجعت يوم السبت. فإن تساوق كلامهما سقط هذا الوجه وبقي ما سبق. وهذا الوجه أضعف من السابق. الثانية: أن يتفقا على وقت الرجعة كيوم الجمعة وقالت: انقضت عدتي يومالخميس، وقال الزوج: بل يوم السبت، فالقول قول الزوج مع يمينه، لان وقت الرجعة متفق عليه، والاصل أن العدة لم تنقض قبله. وفي هذه الصورة الوجهان الآخران: فالاول: تقديم قول المرأة مع يمينها، لانها المصدقة في انقضاء العدة، وقد ادعت أنه انقضى قبل أن يراجع. وهذا الوجه أقوى حيث تكون العدة مما يقبل قولها فيها بأن ترتبت على الحيض أو الوضع، لان الرجوع إليها في ذلك يقتضي ترتب أثره عليه وأهمه حكم الرجعة. ولو ترتبت على الاشهر اتجه تقديم قوله، لاصالة عدم انقضائها. والثاني: تقديم قول السابق بالدعوى كما سبق. الثالثة: أن لا يتفقا على وقت أحدهما، بل يقتصر الزوج على أن الرجعة سابقة، والزوجة على أن انقضاء العدة سابق. وهنا ينبغي أن يكون موضوع فتوى المصنف وتوجيه ما علل به الحكم في المسألتين. والوجه في الاولى ما اختاره من تقديم قول الزوجة مطلقا، لان المفروض انقضاء العدة قبل النزاع، والاصل عدم تقدم الرجعة في وقت العدة. ولا يقدح فيه كونها بعده (1) غير صحيحة، لان القدر المتفق عليه بينهما تلفظه بالرجوع وأما اجتماع شرائطه المقتضية لعود

(هامش)

(1) في و، م : بعدة. (*)

ص 201

الزوجية فأمر خارج عن النزاع. والفرق بينه وبين تنازعهما في الصحة والفساد لا يخلو من إشكال. وفي الثانية تقديم قولها مع كون العدة مما يرجع إليها فيها، وقوله فيما إذا كانت بالاشهر لما ذكرناه. هذا كله إذا كان الاختلاف قبل أن تتزوج بغيره. الرابعة: أن يقع النزاع بعدما نكحت غيره. فإذا نكحت ثم جاء الاول وادعى الرجعة - سواء عذرهما في النكاح لجهلهما بالرجعة، أم نسبهما إلى الخيانة والتلبيس - نظر إن أقام عليها بينة فهي زوجة الاول، سواء دخل بها الثاني أم لم يدخل، ويجب لها مهر المثل على الثاني إن دخل بها. وإن لم تكن بينة وأراد التحليف سمعت دعواه على كل منهما، فإن ادعى عليها فأقرت له بالرجعة لم يقبل إقرارها على الثاني. وفي غرمها للاول مهر المثل لتفويت البضع عليه قولان تقدم البحث فيهما في النكاح (1). وإن أنكرت فهلتحلف؟ فيه وجهان مبنيان على أنها هل تغرم له لو أقرت أم لا؟ فإن لم نقل بالغرم فلا وجه للتحليف، لان الغرض منه الحمل على الاقرار ولا فائدة فيه. فإن قلنا بالتحليف فحلفت سقطت دعوى الزوج. وإن نكلت حلف وغرمها مهر المثل، ولا يحكم ببطلان النكاح الثاني وإن جعلنا اليمين المردودة كالبينة، لانها إنما تكون كذلك في حق المتداعيين خاصة. وربما احتمل بطلان النكاح على هذا التقدير لذلك. وهو ضعيف. فإذا انقطعت الخصومة معها بقيت على الزوج الثاني. ثم إن أنكر صدق بيمينه، لان العدة قد انقضت، والنكاح وقع صحيحا في الظاهر، والاصل عدم الرجعة. وإن نكل ردت اليمين على المدعي، فإن حلف حكم بارتفاع النكاح

(هامش)

(1) في ج 7: 110 - 111. (*)

ص 202

ولو ادعى أنه راجع زوجته الامه في العدة، فصدقته، فأنكر المولى وادعى خروجها قبل الرجعة، فالقول قول الزوج. وقيل: لا يكلف اليمين، لتعلق حق النكاح بالزوجين. وفيه تردد.

الثاني، ولا تصير المرأة للاول بيمينه. ثم إن قلنا إن اليمين المردودة كالبينة فكأنه لم يكن بينها وبين الثاني نكاح، فلا شيء لها عليه إلا مهر المثل مع الدخول. وإن قلنا إنها كالاقرار فإقراره عليها غير مقبول، ولها كمال المسمى إن كان بعدالدخول، ونصفه إن كان قبله. والاقوى ثبوت المسمى كملا مطلقا وإن جعلناها كالبينة، لما ذكرناه من أنها إنما تكون كالبينة في حق المتنازعين خاصة. وإذا انقطعت الخصومة بينهما فله الدعوى على المرأة إن لم يكن سبق بها. ثم ينظر إن بقي النكاح الثاني - بأن حلف - فالحكم كما ذكر فيما إذا بدأ بها. وإن لم يبق - بأن أقر الثاني للاول بالرجعة، أو نكل فحلف الاول - فإن أقرت المرأة سلمت إليه، وإلا فهي المصدقة باليمين، فإن نكلت وحلف المدعي سلمت إليه. ولها على الثاني مهر المثل إن جرى دخول، وإلا فلا شيء عليه كما لو أقرت بالرجعة. وكل موضع قلنا لا تسلم المرأة إلى الاول لحق (1) الثاني - وذلك عند إقرارها، أو نكولها ويمين الاول - فإذا زال حق الثاني بموت وغيره سلمت إلى الاول، كما لو أقر بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراه فإنه يحكم عليه بحريته. قوله: ولو ادعى أنه راجع... الخ . القول بعدم تكليفه اليمين للشيخ في المبسوط (2). ووجهه: ما أشار إليه المصنف من أن الرجعة تفيد استباحة البضع وهو حق يتعلق بالزوجين فقط، فمع

(هامش)

(1) في ش، م : بحق. (2) المبسوط 5: 107. (*)

ص 203

المقصد الرابع: في جواز استعمال الحيل

يجوز التوصل بالحيل المباحة دون المحرمة في إسقاط ما لو لا الحيلة لثبت. ولو توصل بالمحرمة أثم وتمت الحيلة. فلو أن امرأة حملت ولدها على الزنا بامرأة لتمنع أباه من العقد عليها، أو بأمة يريد أن يتسرى بها، فقد فعلت حراما، وحرمت الموطوءة على قول من ينشر الحرمة بالزنا. أما لو توصل بالمحلل - كما لو سبق الولد إلى العقد عليها في صورة الفرض - لم يأثم.

تصادقهما على صحتها شرعا لم يعتبر رضا المولى، ولا يفتقر إلى اليمين على الزوج للمرأة لمصادقتها، ولا للمولى لعدم اعتبار رضاه. والمصنف تردد في ذلك التفاتا إلى أن حق المولى إنما يسقط زمن الزوجية لا مع زوالها، وهو الآن يدعي عود حقه والزوج ينكره، فيتوجه اليمين. وبهذا يظهر منع تعلق الحق بالزوجين فقط، فإن ذلك إنما هو في زمن الزوجية، إذ قبلها الحقمنحصر في المولى، وكذا بعدها، والنزاع هنا في ذلك، فالقول باليمين أجود. بل يحتمل تقديم قول المولى، لقيامه في ذلك مقام الزوجة، وقولها مقدم على الوجه المتقدم، فلا أقل من توجه اليمين على الزوج. قوله: يجوز التوصل بالحيل المباحة.... الخ . هذا باب واسع في جميع أبواب الفقه، والغرض منه التوصل إلى تحصيل أسباب يترتب عليها أحكام شرعية، وتلك الاسباب قد تكون محللة وقد تكون محرمة، والغرض من تعليم الفقيه الاسباب المباحة، وأما المحرمة فيذكرونها بالعرض ليعلم حكمها على تقدير وقوعها. فمن ذلك الحيل على إسقاط الربا

ص 204

ولو ادعي عليه دين قد برئ منه بإسقاط أو تسليم، فخشي من دعوى الاسقاط أن تنقلب اليمين إلى المدعي، لعدم البينة، فأنكر الاستدانة وحلف، جاز بشرط أن يوري ما يخرجه عن الكذب. وكذا لو خشي الحبس بدين يدعى عليه فأنكر.

والشفعة، وهي مذكورة في بابهما (1). وكذلك الحيل على التخلص من الرضاع المحرم، ونحو ذلك. ومما ذكره هنا من الحيل المحللة ما إذا خافت المرأة من تزويج زوجها بامرأة معينة فحملت ولدها على العقد عليها قبله، أو شراء أمة فاشتراها كذلك ووطئها، تمت الحيلة. ولو زنى بها وقلنا إن الزنا ينشر الحرمة سابقا حرمت أيضا على أبيه، وتمت الحيلة المحرمة. ومن قبيل الحيلة المحرمة ما لو كرهت المرأة زوجها وأرادت انفساخ العقدبينهما فارتدت انفسخ النكاح، وبانت منه إن كان قبل الدخول، ولو كان بعده وقفت البينونة على انقضاء العدة قبل رجوعها، فإن أصرت إلى انقضائها بانت منه، فإذا رجعت بعد ذلك إلى الإسلام قبل وتمت الحيلة. قوله: ولو ادعي عليه دين... الخ . التورية في الصورتين شرط في الانكار والحلف، وهي في الحلف آكد. والمراد بالتورية أن يعدل بمدلول اللفظ إلى أمر غير ما يدل عليه ظاهرا، بأن يقول: ما استدنت منك ويقصد نفيها في مكان مخصوص أو زمان غير الذي كانت الاستدانة فيه، أو نوعا من المال غير الذي وقع (2)، أو غير ذلك. وكذلك ينوي إذا حلف. وإنما جاز ذلك لمكان الضرورة، حيث إنه برئ من الدين في نفس الامر

(هامش)

(1) راجع ج 3: 332 ولواحق المقصد الرابع من كتاب الشفعة. (2) في الحجريتين: دفع. (*)

ص 205

والنية أبدا نية المدعي إذا كان محقا، ونية الحالف إذا كان مظلوما في الدعوى. ولو أكرهه على اليمين أنه لا يفعل شيئا محللا، فحلف ونوى ما يخرج به عن الحنث جاز، مثل أن يوري أنه لا يفعله بالشام، أو بخراسان، أو في السماء، أو تحت الارض.

وغير مخاطب بأدائه مع الاعسار. قوله: والنية أبدا... الخ . يعني (1) أن المدعي إذا كان محقا فأنكر المدعى عليه وحلف موريا بما يخرجه عن الكذب لم ينفعه ذلك، بل وقعت اليمين على طبق ما يريده المدعي، وترتب على المنكر الوعيد الذي ورد (2) فيمن حلف بالله كاذبا، بخلاف ما إذا كان مظلوما كالمثالين السابقين، فإن التورية تصرف اللفظ عن ظاهره وترفع عنه الاثم والكذب. وكذا القول في غير وقت اليمين من المحاورة الواقعة بينهما في الصورتين، فإن التورية تنفع المظلوم دون الظالم. قوله: ولو أكرهه على اليمين.... الخ . سيأتي في كتاب الايمان (3) أن المكره لا تنعقد يمينه، فإذا أكرهه على الحلف [على] (4) أن لا يفعل شيئا له فعله جاز له فعله وإن لم يور. والمطابق من المثال أن يحمله (5) على الحلف على ذلك لا على وجه الاكراه، فيوري بما ذكر

(هامش)

(1) في ح، و، م : بمعنى.(2) لاحظ الوسائل 16 م 118 ب (4) من أبواب كتاب الايمان. (3) في الامر الثاني من كتاب الايمان. (4) من ح، ش، ط . (5) في و: نحمله. (*)

ص 206

ولو اجبر على الطلاق كرها فقال: زوجتي طالق، ونوى طلاقا سالفا، أو قال: نسائي طوالق، وعنى نساء الاقارب، جاز. ولو أكره على اليمين أنه لم يفعل، فقال: ما فعلت كذا، وجعل ما موصولة لا نافية، صح.

ونحوه من المخصصات الزمانية والمكانية والحالية، فيخرج به حينئذ عن الحنث وهو الاثم في مخالفة مقتضى اليمين. قوله: ولو اجبر على الطلاق.... الخ . الكلام في هذا المثال كالسابق، فإن طلاق المكره لا يقع وإن لم يور. وقد اتفق مثل ذلك للعلامة في كتبه (1)، وتنبه له في التحرير (2) فاستدرك الحكم بعدم وقوعه وإن لم ينو شيئا كما ذكرناه. قوله: ولو أكره على اليمين... الخ .الاشكال في هذا المثال كالسابق وزيادة أن الحلف على الماضي وهو غير منعقد عندنا، سواء جعل ما موصولة أو نافية. واعلم أنه على تقدير الافتقار إلى العدول عن جعل ما نافية إلى جعلها موصولة إنما تظهر فائدته لمن لا يعرف العربية، أو مع عدم ظهور الاعراب في متعلق اليمين بأن كان مقصورا، أما لو ظهر فيه الاعراب وكان المحلوف له ممن يفهم ذلك لم تظهر التورية، لان متعلق اليمين مع النفي منصوب ومع جعلها موصولة مرفوع خبر عنه، مثلا لو اتهمه بفعل شيء بالامس وحمله على اليمين فقال: ما فعلت بالامس شيئا، كانت ما نافية، ولو أراد جعلها موصولة فالعبارة

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 2: 138. (2) تحرير الاحكام 2: 57. (*)

ص 207

ولو اضطر إلى الاجابة ب‍ نعم فقال: نعم، وعنى الابل، أو قال: نعام، وعنى نعام البر، قصدا للتخلص، لم يأثم.

الصحيحة أن يقول: ما فعلت شيء، ف‍ ما مبتدأ بمعنى الذي، و فعلت صلتهاوعائدها محذوف وهو ضمير المفعول، و شيء خبر عن الموصول المبتدأ، فلا يظهر العدول إلا مع جهل من حمله على الحلف بالحال. ولو أراد التورية لكونه خبرا عن الفعل فيما مضى وقد وقع منه وأنكره لمصلحة - وهو معذور في الانكار - فالتورية لاجل الخبر لا لاجل اليمين. قوله: ولو اضطر إلى الاجابة... الخ . هذا أيضا من ضروب التورية بأن يأتي باللفظ المشترك ويقصد من معانيه غير ما يراد عنه في تلك المحاورة، فإنه يخرج بذلك عن الكذب وإن لم يكن يمينا. ويستفاد من تقييده بالاضطرار ومن الامثلة السابقة أن التورية لا تصح من غير ضرورة، لان إطلاق اللفظ محمول على حقيقته المتبادرة منه، فصرفه إلى مجازه أو نحوه يوهم الكذب. وقيل: تجوز التورية مطلقا ما لم يكن ظالما، لان العدول عن الحقيقة سائغ، والقصد مخصص. وهذا هو الاظهر، لكن ينبغي قصره على وجه المصلحة، كما روي عن بعض السلف الصالح أنه كان إذا ناداه أحد ولا يريد الاجتماع به يقول لجاريته: قولي له: اطلبه في المسجد، وكان آخر يخط دائرة فيالارض ويضع فيها إصبع الجارية ويقول لها: قولي له: ليس ها هنا واقصدي داخل الدائرة.

ص 208

وكذا لو حلف: ما أخذ جملا ولا ثورا ولا عنزا، وعنى بالجمل: السحاب، وبالثور: القطعة الكبيرة من الاقط، وبالعنز: الاكمة، لم يحنث. ولو اتهم غيره في فعل فحلف: ليصدقنه، فطريق التخلص أن يقول: فعلت ما فعلت، وأحدهما صدق.

قوله: وكذا لو حلف... الخ . هذا من أقسام التورية بصرف اللفظ المشترك إلى بعض معانيه التي هي خلاف الظاهر في تلك المحاورة. وهو قصد صحيح بطريق الحقيقة وإن كانت مرجوحة بحسب الاستعمال، حتى (1) لو فرض بلوغها حد المجاز - من حيث تبادر الذهن إلى غيرها - كان قصدها صارفا عن الكذب، لان استعمال المجاز أمر سائغ وإن كان إطلاق اللفظ لا يحمل عليه عند التجرد عن القرينة، فإن المخصص هنا هو النية فيما بينه وبين الله تعالى للسلامة من الكذب حيث لا يكون ظالما في الدعوى عليه بذلك، وإلا لم تنفعه التورية كما مر (2). قوله: ولو اتهم غيره... الخ . المراد أن المتهم بالفعل حلف أنه يصدق من اتهمه به في ذلك ويبقي الامرمبهما، بأن اتهمه في سرقة - مثلا - فحلف المتهم بالسرقة ليصدقنه في حال هذه السرقة، فيقول: سرقت ما (3) سرقت فيبر من اليمين، لانه صادق في أحد الخبرين. وهذا يتم إذا لم يقصد التعيين والتعريف، وإلا لم يبر بذلك بل بالصدق في ذكر أحدهما خاصة. والظاهر من إطلاق اللفظ هو إرادة التعيين، فلا يكفي صدقه في أحد الاخبارين إلا مع قصده ذلك.

(هامش)

(1) كذا في ش، ح، و وفي ط، م : حتى يلزم فرض، وفي الحجريتين: حتى يلزم لو فرض. (2) في ص: 205. (3) كذا في ح، ش و ط، و، م والحجريتين: وما. (*)

ص 209

ولو حلف ليخبرنه بما في الرمانة من حبة، فالمخرج أن يعد العدد الممكن فيها، فذلك وأمثاله سائغ.

قوله: ولو حلف ليخبرنه.... الخ . المراد أنه حلف ليخبرنه بعدد حبات الرمانة قبل كسرها، وإلا فلو أطلق أمكن البر بكسرها وعد ما فيها من الحبات، ولم يفتقر إلى الحيلة. وهكذا عبر بهجماعة من الفضلاء لا كما أطلق المصنف. ويمكن مع الاطلاق أن يتم المثال بالاخبار بذلك وإن كان له طريق آخر إلى التخلص. وقد يتعين الطريق المذكور مع الاطلاق، لضيق الوقت الذي عينه للاخبار. وطريق التخلص حينئذ ان يبتدئ من عدد يتيقن أن الحبات التي في الرمانة لا تنقص عنه، ويذكر الاعداد بعدها على الولاء، بأن يقول: فيها مائة حبة، مائة وواحدة، مائة واثنتان..... وهكذا، إلى أن ينتهي إلى العدد الذي يتيقن أنه لا يزيد عليه، فيكون مخبرا عن ذلك العدد. ومثله ما لو حلف ليخبرنه عن عدد ما في هذا البيت من الجوز، أو يكون قد أكل تمرا - مثلا - لا يعلم قدره وحلف ليخبرنه بعدد ما أكل، ونحو ذلك. وفي هذا الفرض مناقشتان: إحداهما: مثل ما تقدم في السابق، وهو أن هذا إنما يكفي الاقتصار عليه حيث لا يقصد التعيين والتعريف، أما لو قصده لم يبر بهذا المقدار من الاخبار، لانه لا (1) يحصل به التعريف. بل يحتمل قويا أن لا يكون الاطلاق منزلا عليه أيضا إلا مع قصده بالخصوص، لانه خلاف الظاهر والمتبادر إلى الفهم. والثانية: أنه قد تحقق في الاصول أن الخبر لا يشترط في تحققه الصدق، بل

(هامش)

(1) في م والحجريتين: لانه يحصل. (*)

ص 210

لو أخبر خبرا كاذبا صدق عليه الخبرية، لان المراد منه القضية التي تحتمل الصدق والكذب. وعلى هذا لا يفتقر في البر من يمينه إلى تعداد ما ذكر، بل يكتفي بذكر أي عدد شاء لصدق الخبرية، سواء كان مطابقا للواقع أم لا، اللهم إلا أن يقصد الخبر المطابق أو يكون الاطلاق متبادرا إليه فيتم ما ذكروه. ويمكن تمثيل هذه الفروض في التعليقات التي تترتب عليها الاحكام الشرعية كالطلاق عند العامة والظهار عندنا، بل هي في ذلك أظهر من اليمين، لان انعقاد اليمين بذلك مشروط بكونه راجحا أو متساوي الطرفين، وقد لا يتفق في هذه الامثلة ذلك، فلا تنعقد اليمين. ومثاله في التعليقات أن يقول الرجل لزوجته: إن لم تصدقيني في حال هذه السرقة، أو: إن لم تخبريني بعدد حبات هذه الرمانة قبل كسرها فأنت علي كظهر امي، ونحو ذلك. فطريق تخلصها من الظهار إخباره بما ذكر من الطريق. وأشار بقوله: فذلك وأمثاله سائغ إلى أن فروع الباب لا تنحصر في ذلك. والضابط تحصيل الحيلة المخرجة من الكذب أو المحصلة للمطلوب. وفروع الباب كثيرة فلنشر إلى بعضها للتمرين.منها: لو قال لها: إن أكلت هذه الرمانة فأنت علي كظهر أمي. فطريق التخلص على تقدير أن لا تترك أكلها أن تبقي منها حبة فصاعدا، فيصدق عدم أكلها. ومثله لو قال: إن أكلت هذا الرغيف، فأبقت منه بقية تحس (1). ولو أبقت فتاتا يدق مدركه وقع، لصدق أكله نظرا إلى العرف. ويحتمل مثله في إبقاء حبة

(هامش)

(1) في ش والحجريتين: تحسن. (*)

ص 211

واحدة من الرمانة، إلا أن العرف فيها غير منضبط، إذ يصدق قول من فعل ذلك: ما أكلت الرمانة، بخلاف الفتات المذكور. ومنها: ما لو قال لها وهي صاعدة في السلم: إن نزلت فأنت علي كظهر أمي، وإن صعدت فأنت علي كظهر امي. فالحيلة في التخلص بالطفرة إن أمكنها. وبالحمل (1) فيصعد بها أو ينزل، وينبغي أن يكون الحمل بغير أمرها. وبأن يضجع السلم على الارض وهي عليه فتقوم من موضعها. وبأن يكون بجنبه سلم آخر فتنقل إليه وإن مضى في نصب سلم آخر زمان وهي واقفة، إلا أن يضيف إلى ذلك قوله: وإن وقفت في السلم أيضا فأنت علي كظهر أمي، فيقع مع المكث لا مع المبادرة إلى ما سيق (2).ومنها: ما إذا أكلا تمرا أو مشمشا وخلط النوى ثم قال: إن لم تميزي نوى ما أكلت عن نوى ما أكلت فأنت علي كظهر أمي. أو خلطت دراهمها بدراهمه فقال: إن لم تميزي دراهمك من دراهمي كذلك. فيحصل الخلاص عن ذلك بأن تبددها (3) بحيث لا يبقى منها اثنان، فإذا فعلت ذلك فقد ميزت، إلا أن يريد التمييز الذي يحصل به التعيين والتنصيص (4) كما تقدم فلا يحصل الخلاص بذلك، وينبغي أن يحمل اللفظ عند الاطلاق على هذا، لان المتبادر إلى الفهم عرفا ذلك كما مر (5). وإنما يجتزأ بالحيلة الاولى مع إرادة المعنى

(هامش)

(1) في و: أو بالحمل. (2) كذا في ش ولعله الصحيح. وفي سائر النسخ والحجريتين: سبق. (3) في ط والحجريتين: تعددها. (4) في الحجريتين: والتخصيص. (5) في ص: 208. (*)

ص 212

اللغوي أو إرادته بخصوصه. ومنها: ما لو كان في فيها تمرة فقال لها الزوج: إن ابتلعتيها فأنت علي كظهر أمي، وإن قذفتيها فأنت علي كظهر أمي، وإن أمسكتيها فأنت علي كظهر أمي. فالحيلة في تخلصها منها جميعا بأن تأكل بعضها وتقذف بالبعض الآخر. ولو قال: إن أكلتيها فأنت علي كظهر أمي، وإن لم تأكليها فأنت علي كظهر أمي، لم تتخلص بما ذكر من الحيلة. وفي التخلص منه بالابتلاع وجهان، من حيث إنه يصدق أن يقال: ابتلع وما أكل، ومن عدم انضباط العرف. ومنها: لو قال لها: كل كلمة كلمتني بها إن لم أقل لك مثلها فأنت علي كظهر أمي، فقالت له المرأة: أنت علي كظهر أمي. فإن لم يقل ذلك وقع الظهار بالاول، وإن قاله وقع بالثاني. فطريق تخلصه أن يقول لها: أنت تقولين: أنت علي كظهر أمي، أو يقول ذلك مجردا عن أنت تقولين بغير قصد الظهار مصرحا بعدم القصد متصلا به. ومنها: لو كان في يدها كوز ماء فقال: إن قلبت هذا الماء أو تركته أو شربته أو شربه غيرك فأنت علي كظهر أمي. فيحصل الخلاص بأن تضع به خرقة فتبلها به. ومنها: لو كانت في ماء راكد فقال لها: إن مكثت فيه أو خرجت منه فأنت علي كظهر أمي. فالطريق أن يحملها إنسان في الحال. ولو كان الماء جاريا لم يقع، سواء مكثت أم خرجت، لان ذلك الماء قد فارقها بجريانه، إلا أن يدل العرف على إرادة ما يعم ذلك من الماء فيكون كالراكد. وقس على هذه الفروض ما يرد عليك بضرب من النظر مراعيا للعرف والوضع.

ص 213

المقصد الخامس: في العدد

والنظر في ذلك يستدعي فصولا.

قوله: المقصد الخامس في العدد....... الخ . هو جمع عدة مأخوذ من العدد، لاشتماله عليه غالبا، والعدة الاسم من الاعتداد، يقال: أنفذت عدة كتب إلى جماعة، وقد يجعل مصدرا ويقول: اعتدت المرأة اعتدادا ويقال: عدة. وشرعا: اسم لمدة معدودة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد، أو التفجع على الزوج. وشرعت صيانة للانساب وتحصينالها من الاختلاط. والاصل فيها قل الاجماع الآيات كقوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسن ثلاثة قروء (1) وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن (2) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا (3) وغير ذلك من الادلة (4). واعلم أن المدة المستدل بمضيها على براءة الرحم تتعلق تارة بالنكاح ووطئ الشبهة وتشتهر باسم العدة، وأخرى بملك اليمين إما حصولا في الابتداء أو زوالا في الانتهاء وتشتهر باسم الاستبراء. والنوع الاول منه ما يتعلق بفرقة بين الزوجين وهو حي كفرقة الطلاق واللعان والفسوخ، وتشمله عدة الطلاق، لانه أظهر أسباب الفراق، وحكم العدة عن وطئ الشبهة حكمها، وإلى ما يتعلق بفرقة

(هامش)

(1) البقرة: 228. (2) الطلاق: 4. (3) البقرة: 234. (4) لاحظ الوسائل 15: 421 ب 12 13 من أبواب العدد وغيرهما.

ص 214

الاول لا عدة على من لم يدخل بها، سواء بانت بطلاق أو فسخ، عدا المتوفى عنها زوجها، فإن العدة تجب مع الوفاة ولو لم يدخل. والدخول يتحقق بإيلاج الحشفة وإن لا ينزل، ولو كان مقطوع الانثيين، لتحقق الدخول بالوطئ. أما لو كان مقطوع الذكر سليم الانثيين قيل: تجب العدة، لامكان الحمل بالمساحقة. وفيه تردد، لان العدة تترتب على الوطئ. نعم، لو ظهر حمل اعتدت منه بوضعه، لامكان الانزال.

تحصل بموت الزوج وهي عدة الوفاة. وسنذكر (1) تفصيلها. قوله: لا عدة على من...... الخ . إنما تجب العدة في غير الوفاة بعد الدخول فلا تجب بدونه قال تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها (2). ولما كان الاصل في هذه العلة (3) طلب براءة الرحم لم تجب بالفراق عن مطلق النكاح، بل اعتبر جريان سبب شغل (4) الرحم ليحتاج إلى معرفة براءته. ثم لا يعتبر تحقق الشغل ولا توهمه، فإن الانزال مما يخفى ويختلف فيحق الاشخاص بل في الشخص الواحد باعتبار ما يعرض له من الاحوال فيعسر تتبعه ويقبح، فأعرض الشارع عنه واكتفى بسبب الشغل وهو الوطئ، وناطه بتغيب

(هامش)

(1) في و: وسيذكر. (2) الاحزاب: 49. وفي الآية: ثم طلقتموهن... . (3) في إحدى الحجريتين ونسخة بدل الثانية: العدة. (4) في ش، ط. م والحجريتين: يشغل. (*)

ص 215

قدر الحشفة. وهذا صنعة في تعليق الاحكام بالمعاني الخفية، ألا ترى أن الاعتقاد الصحيح الذي هو المطلوب وبه تحصل النجاة لما كان أمرا خفيا - لكونه في الضمير - علقت الاحكام بالكلمة الظاهرة، حتى لو توفرت القرائن الدالة على أن الباطن مخالف للظاهر - كما إذا أكره على الإسلام بالسيف - لا يبالى بها ويدار (1) الحكم على الكلمة، وأن (2) مناط التكليف - وهو العقل والتمييز - لما كان خفيا يحصل بالتدريج ويختلف بالاشخاص والاحوال أعرض عن تتبعه، ومعرفة كماله وعقله (3) بالسن أو الاحتلام. وكما اكتفى في الترخص بالسفر المخصوص وأعرض عن المشقة التي هي الحكمة فيه. إذا عرفت ذلك فالمعتبر من الوطئ تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دبر. وفي حكمه دخول منيه المحترم فرجا، فيلحق به الولد إن فرض وتعتد بوضعه، وظاهر الاصحاب عدم وجوبها بدون الحمل هنا. فلو دخل الخصي بما ذكر وجبت العدة وإن بعد احتمال المعلق (4) منه، كما بعدفي مدخل الحشفة بغير إنزال وإن كان فحلا، لوجود المقتضي الذي جعله الشارع سببا لها. وأما المجبوب وهو مقطوع الذكر سليم الانثيين فلا يوجد منه الدخول، فلا يجب على زوجته إذا كانت حائلا عدة على أصح القولين، لانتفاء المقتضي لها

(هامش)

(1) في ش، و: ويدير، وفي ط : ومدار. (2) في ح : فإن. (3) في م والحجريتين: وعلقه. (4) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية والحجريتين، ولعله تصحيف: العلق، يقال: علقت المرأة، إذا حبلت، أنظر معجم مقاييس اللغة 4: 131. (*)

ص 216

ولا تجب العدة بالخلوة منفردة عن الوطئ على الاشهر. ولو خلا ثم اختلفا في الاصابة، فالقول قوله مع يمينه.

وهو الوطء. والقول بوجوب العدة للشيخ في المبسوط (1) محتجا بإمكان المساحقة. وضعفه ظاهر، فإن مجرد الامكان غير كاف في الوطئ الكامل فكيف في غيره؟! نعم، لو ظهر بها حمل لحقه الولد واعتدت حينئذ بوضعه. والممسوح الذي لم يبق له شيء لا يتصور منه دخول، ولو أتت زوجته بولد لا يلحقه على الظاهر، فلا يجب على زوجته منه عدة. وربما قيل: إن حكمه حكم المجبوب. وهو بعيد. واعلم أنه لا فرق بين وطئ الصبي القاصر عن سن من يصلح للولادة [له] (2) وغيره، لوجود المقتضي وهو الوطئ الذي جعل مناطا لها، كوطئ الكبير بتغييب الحشفة خاصة من غير إنزال، ويتغلب جانب التعبد هنا نظرا إلى تعليق الحكم بالوجه (3) المنضبط.قوله: ولا تجب العدة.... الخ . قد تقدم (4) الكلام في ذلك وأن ابن الجنيد أوجبها بالخلوة وقدم قول مدعي الاصابة إذا لم يكن هناك ما يوجب تكذيبه. والعمل على المشهور فمهما تمسكا بأصالة العدم. ولا فرق في الخلوة بين التامة وهي التي تكون في منزل الزوج وغيرها كالواقعة في منزل أهلها.

(هامش)

(1) المبسوط 5: 238. (2) سقطت من ط . (3) في الحجريتين: بالوطئ. (4) في ص: 178. (*)

ص 217

الفصل الثاني في ذات الاقراء وهي المستقيمة الحيض. وهذه تعتد بثلاثة أقراء، وهي الاطهار على أشهر الروايتين، إذا كانت حرة، سواء كانت تحت حر أو عبد.

قوله: في ذات الاقراء..... الخ . القرء - بالفتح والضم - تجمع على أقراء وقروء وأقرؤ. وقال بعض أهل اللغة (1): إنه بالفتح الطهر، ويجمح على فعول كحرب وحروب وضرب وضروب، والقرء بالضم الحيض، ويجمع على أقراء كقفل وأقفال (2). والاشهر عدم الفرق بين الضم والفتح، وأنه يقع على الحيض والطهر جميعا بالاشتراك اللفظي أو المعنوي (3). والمراد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: دعي الصلاة أيام أقرائك (4) الاول، كما أن الطهر هو المراد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر وقد طلق امرأته في الحيض: إنما السنة أن تستقبل بها الطهر ثم تطلقها في كل قرء طلقة (5) وفي قول الاعشى (6): مورثة عزا وفي الحي منعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا والكناية راجعة إلى الغزوة المذكورة في البيت السابق وهو قوله: وفي كل عام أنت جاشم غزوة * تشد لاقصاها عزيم عزائكا

(هامش)

(1) نقله عنه في روضة الطالبين 6: 341، ولم نجده فيما لدينا من كتب اللغة. (2) في ح، ش، م : كفعل وأفعال. (3) في ش، ط، م : والمعنوي. (4) سنن الدارقطني 1: 212 ح 36، سنن البيهقي 7: 416. (5) السنن الكبرى للبيهقي 8: 330.(6) ديوان الاعشى: 132. (*)

ص 218

والذي يضيع في غيبة الزوج طهر المرأة أما الحيض فيستوي فيه حال الحضور والغيبة. ويقال: أقرأت المرأة فهي مقرئ إذا حاضت، وأقرأت إذا طهرت. وقد قيل: إن اللفظين مأخوذان من قولهم: قرأت الطعام في الشدق وقرأت الماء في الحوض إذا جمعته، وقد تحذف الهمزة فتقول: قريت الماء. وزمان الطهر يجمع الدم في الرحم، وزمان الحيض يجمع شيئا منه ويرسل شيئا إلى أن يدفع الكل، فيحصل معنى الجمع فيهما. وقيل: الاصل فيه الضم، يقال: ما قرأت فلانة جنينا أي: لم يضم رحمها على ولد، ومنه سمي القرآن قرآنا، لانه يضم السور والآيات، وهو مقارب للجمع، إذ يجوز أن يقال فيه: جمع السور والآيات. وقيل: أصله الوقت الذي يأتي فيه الشيء، يقال: أقرأت حاجتك إذا دنت، وأقرأت الريح إذا هبت لوقتها، وأقرأت المرأة إذا دنى وقت حيضها أو طهرها. ثم في كيفية وقوع الاسم عليهما أوجه: أحدها: أنه حقيقة في الطهر مجاز في الحيض، فإن الطهر هو الذي يجمع الدم في الرحم ويحبسه. وقد قيل: إنه مأخوذ من قولهم: أقرأت النجوم إذا تأخر مطرها، وأيام الطهر هي التي يتأخر فيها خروج الدم. والثاني: عكسه، لان المرأة لا تسمى من ذوات الاقراء إلا إذا حاضت. وثالثها: أنه مشترك بينهما كسائر الاسماء المشتركة. وهو الاشهر. والحامل على أحد الاولين أن المجاز خير من الاشتراك. ويرجح الاخير نص أهل اللغة (1)

(هامش)

(1) لسان العرب 1: 130، المصباح المنير للفيومي 2: 501. (*)

ص 219

على ثبوت الاشتراك، ولا رجحان للمجاز عليه بعد ثبوته. ثم إن جعلناه مأخوذا من الانتقال أو الوقت أو الجمع فالاشتراك معنوي. وإن جعلناه مقولا عليهما لا باعتبار ذلك، أو أن كل واحد باعتبار غير الآخر، فهو لفظي. إذا تقرر ذلك فنقول: اتفق العلماء على أن أقراء العدة [على] (1) أحد الامرين، واختلفوا في أيهما المراد من الآية (2)، فذهب جماعة (3) من الفقهاء وأكثر أصحابنا إلى أنه الطهر، لقوله تعالى: ثلاثة قروء فأثبت الهاء في العدد وهو مختص بالمذكر. والطهر مذكر دون الحيض. ولقوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن (4) أي: في زمان عدتهن، واللام بمعنى في كقوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة (5) أي: فيه، وحذف لفظ الزمان لان العدة تستعمل مصدرا والمصادر يعبر بها عن الزمان. يقال: آتيك خفوق النجم، أي: زمان طلوعه وإشراقه، وفعلت كذا مقدم الحجيج أي: زمان قدومهم. وإذا كان المعنى: فطلقوهن في زمان عدتهن، كانت الآية إذنا في الطلاق في زمان العدة، ومعلوم أن الطلاق في الحيض محرم إجماعا فينصرف الاذن إلى زمان الطهر. وروي (6) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قرأ: لقبل عدتهن وقبل

(هامش)

(1) من و فقط. (2) البقرة: 228. (3) مختصر المزني: 217، اختلاف العلماء للمروزي: 137، الاشراف على مذاهب العلماء 4:305 - 306، الحاوي الكبير للماوردي 11: 165، الكافي لابن عبد البر 2: 619. (4) الطلاق: 1. (5) الانبياء: 47. (6) تفسير القرآن للصنعاني 2: 296، النكت والعيون للماوردي 6: 29 (*).

ص 220

الشيء أوله، والطلاق المأذون فيه هو الطلاق في الطهر فيكون ذلك أول العدة. وفي الحديث النبوي السابق (1) تصريح به. ومن طريق الخاصة رواية زرارة (2) ومحمد بن مسلم (3) في الحسن عن الباقر عليه السلام قال: القرء ما بين الحيضتين وقال: الاقراء هي الاطهار (4) وغيرهما من الاخبار (5) الكثيرة، وهي الروايات التي ذكر المصنف أنها أشهر الروايتين في ذلك وأراد بهما الجنس. وقيل: إنه الحيض، لقوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر (6) فنقلها عما يئست منه إلى بدله والبدل غير المبدل، ولما كان اليأس من الحيض دل على أنه القرء. ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم للمرأة في الرواية السابقة: دعي الصلاة أيام أقرائك (7) والمراد به الحيض. ومن طريق الخاصة رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عدة التي تحيض ثلاثة أقراء، وهي ثلاثة حيض (8) ورواية أبي بصير قال: التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة أقراء، وهي ثلاثة حيض (9). ورواية عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه قال: قال علي عليه السلام:

(هامش)

(1) راجع ص: 217، هامش (5). (2 - 4) الكافي 6: 89 ح 2 - 4، التهذيب 8: 122 ح 423 - 425، الاستبصار 3: 330 ح 1174 - 1175، الوسائل 15: 424 ب (14) من أبواب العدد ح 1 - 3. (5) لاحظ الوسائل 15: 424 ب (14) من أبواب العدد ح 4، 5، 6، 9. (6) الطلاق: 4. (7) مر ذكر مصادرها في ص: 217، هامش (4). (8 و9) التهذيب 8: 126 ح 434 و435، الاستبصار 3: 330 ح 1171 و1172، الوسائل 15: 425 ب (14) من أبواب العدد ح 7. وفي مصادر الرواية الاخيرة: عدة التي.. (*)

ص 221

إذا طلق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة (1). وغيرها من الروايات الكثيرة. والاول أشهر بين الاصحاب. والشيخ (2) حمل هذه على التقية. وهو بعيد، لان العامة مختلفون في ذلك، فلا وجه لتقية قوم دون قوم. وجمع المفيد (3) - رحمه الله - بينهما بوجه أظهر مما ذكره الشيخ، وهو أنه إذا طلقها في آخر طهرهااعتدت بالحيض، وإن طلقها في أوله اعتدت بالاقراء التي هي الاطهار. واستوجهه الشيخ في التهذيب (4). وكيف كان فالمذهب هو الاول. بقي تنقيح العبارة يتوقف على أمور: الاول: هذه العدة بالاقراء ثابتة للمطلقة والمفسوخ نكاحها بسبب من قبلها أو قبله والموطوءة بشبهة، وكان على المصنف التنبيه على ذلك، فإنه اقتصر على اعتدادها بما ذكر ولم يذكر سببه، وإن تعرض (5) في بعض المسائل للمطلقة فإن ذلك غير كاف. وأيضا فالامر غير مختص بالطلاق، ولكن أشرنا فيما سبق (6) إلى أنه ربما عنون البحث بعدة الطلاق والحق به باقي الاسباب. وسيأتي (7) في ذات الشهور جعلها عدة للطلاق والفسخ، وكان ينبغي تقديمه في أول هذا الفصل

(هامش)

(1) التهذيب 8: 125 ح 432، الاستبصار 3: 329 ح 1169، الوسائل 15: 429 ب (15)من أبواب العدد ح 12. (2) التهذيب 8: 126 ذيل ح 435، الاستبصار 3: 330 ذيل ح 1172، (3) حكاه عنه الشيخ في التهذيب 8: 127، ذيل ح 438. (4) المصدر السابق. (5) في ص: 223. (6) في ص: 213. (7) في ص: 229. (*)

ص 222

وإحالة الباقي عليه. ومع ذلك فما ذكره غير حاصر. الثاني: إن جعلنا القرء الحيض فالمعتبر منه ما يحكم بعدده شرعا من العادة للمعتادة حيث ينقطع عليها أو يتجاوز العشرة، والعدد الذي ينقطع عليه إن وقع في العشرة. وفي حكمه النفاس، فيعد قرءا كالحيض. ويمكن فرضه فيما لو طلقها بعد الوضع وقبل أن ترى دما، فيحتسب النفاس قرءا. وإن جعلناه الطهر فالمراد به المدة التي بين حيضتين، أو حيض ونفاس، أو نفاسين. ويمكن فرضه في نفاس حمل لا يعتبر وضعه في العدة كأحد التوأمين إذا طلقها بينهما قبل النفاس من الاول. وإنما يعتبر جميع المدة في غير الطهر الاول، وفيما (1) إذا لم تبلغ المدة ثلاثة أشهر، كما سيأتي (2).الثالث: المراد بمستقيمة الحيض معتادته وقتا وعددا وإن استحيضت بعد ذلك، فإنها ترجع في الحيض إلى عادتها المستقرة وتجعل ما سواها طهرا. وفي حكمها معتادته وقتا خاصة، لانها بحسب (3) أوله مستقيمة العادة وإنما تلحق بالمضطربة في آخره، وحيث كان القرء هو الطهر فالمعتبر الدخول في حيض متيقن ليعلم انقضاء الطهر الثالث، وهو يحصل في معتادة أوله بحصوله فيه. أما معتادته عددا خاصة فكالمضطربة بالنسبة إلى الحكم به ابتداء، وسيأتي (4) حكمها في العبارة. الرابع: الاعتداد بثلاثة أقراء مختص بالحرة، سواء كان من تعتد بسبب

(هامش)

(1) في و، م : فيما. (2) في ص: 237. (3) في ط، و: تحسب. (4) في ص: 224. (*)

ص 223

ولو طلقها وحاضت بعد الطلاق بلحظة، احتسبت تلك اللحظة قرءا ثم أكملت قرأين آخرين، فإذا رأت الدم الثالث فقد قضت العدة.

وطئه حرا أم عبدا. وهو موضع وفاق. ولو كانت أمة فعدتها قرءان، وسيأتي (1). وفي إلحاق المعتق بعضها بالحرة أو الامة نظر، من تغليب الحرية، وأصالة بقاء العدة إلى أن يعلم الانتقال، وبقاء التحريم إلى أن يعلم الحل، ومن أصالة البراءة من الزائد، واستصحاب عدمه إلى أن يثبت الناقل بحزيتها أجمع. ولم أقف فيه لاصحابنا على شيء يعتد به. والشافعية (2) جزموا بالثاني. الخامس: لا فرق بين مجئ الحيض الموجب لانقضاء العدة طبيعيا - وهو الذي ينوب كل شهر هلالي مرة (3) غالبا - وغيره، حتى لو استعجلته بالدواء في غير وقته المعتاد احتسب لها وانقضت به العدة، للعموم (4). قوله: ولو طلقها وحاضت..... الخ . الوجه في احتساب ما بقي من الطهر الاول قرءا النص، وهو كثير منه رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: قلت له: أصلحك الله رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين، فقال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للازواج (5). ولا يمكن الحكم بانقضائها برؤية الدم في الثالثة إلا إذا جعلنا بقية الطهر قرءا ثم يحتسب ما بين الحيضتين قرأين فتمت الثلاثة بدخول

(هامش)

(1) في ص: 298. (2) راجع روضة الطالبين 6: 343. (3) في ش، و: عادة.(4) البقرة: 228، ولاحظ أيضا الوسائل 15: 425 ب 14 من أبواب العدد ح 7، 8. (5) الكافي 6: 86 ح 1، التهذيب 8: 123 ح 426، الاستبصار 3: 327 ح 1163، الوسائل 15: 426 ب 15 من أبواب العدد ح 1. (*)

ص 224

هذا إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان، وإن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض، أخذا بالاحتياط.

الحيضة الثالثة. وأما ما قيل من أن الوجه فيه: أن بعض القرء مع قرأين تامين يسمى الجميع ثلاثة قروء، كما يقول القائل: خرجت من البلد لثلاث مضين مع وقوع خروجه في الثالثة، وقال تعالى: الحج أشهر معلومات (1) والمراد شوال وذو القعدة وبعض ذي الحجة. ففيه: أن ذلك مجاز لا يترتب عليه الحكم الشرعي بمجرده. ثم هو منقوض بما لو تم الاولان وأضيف إليهما بعض الثالث، بأن طلقها قبل الحيض بلا فصل واتصل بآخره، فإن القرء الاول إنما يحتسب بعد الحيض، فيكمل الاولان قرأين ويعتبر كمال الثالث إجماعا، ولو اعتبر ما ذكر في هذا التعليل لامكن بدخول الطهر الثالث. وأما إطلاق أشهر الحج على شهرين وبعض الثالث فهو عين المتنازع، وقد تقدم (2) أن الاصح كون مجموع ذي الحجة من أشهر الحج. وتظهر فائدته في استدراك بعض الافعال فيه. قوله: هذا إذا كانت.... الخ . هذا استدراك على قوله: إن العدة تنقضي برؤية الدم الثالث، فإن ذلك إنما يتم إذا كانت عادتها مستقرة بحيث يكون أول الحيض منضبطا كما قررناه سابقا (3)، وذلك في المعتادة وقتا وعددا وفي المعتادة وقتا خاصة، أما لو اختلفت

(هامش)

(1) البقرة: 197. (2) في ج 2: 194. (3) راجع ص: 222. (*)

ص 225

وأقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان، لكن الاخيرة ليست من العدة، وإنما هي دلالة على الخروج منها. وقال الشيخ رحمه الله: هي من العدة، لان الحكم بانقضاء العدة موقوف على تحققها. والاول أحق.

عادتها - بأن لم تكن مستقرة وقتا، بل كانت تراه تارة في أول الشهر وتارة في وسطه وأخرى في آخره مثلا - فإنها بالنسبة إلى الحكم بأوله كالمضطربة كما تقدم تحقيقه في بابه (1). وحينئذ فلا يحكم بانقضاء العدة إلا مع العلم بكونه حيضا. وذلك بعد مضي ثلاثة أيام من أوله. هذا إذا أوجبنا عليها العبادة إلى أن تمضي ثلاثة أيام. ولو حكمنا لها بالحيض من حين رؤية الدم إما مطلقا أو مع ظنه حكم بانقضاء العدة برؤيته. ويمكن أن يريد المصنف وجوب الصبر إلى مضي الثلاثة وإن حكمنا بتحيضها من أوله، لما ذكره من الاخذ بالاحتياط في العدة، بخلاف ترك العبادة، فإن الامر فيه أسهل وحق الله مبني على التخفيف، بخلاف حق الآدمي (2). وفي العدة يجتمع الحقان. ولكن هذا آت في تحيضها برؤيته، فإنه يشتمل على الحقين أيضا. وكيف كان فالاحتياط في العدة أقوى. واعلم أن قوله: وإن اختلفت يشمل ما عدا المعتادة وقتا وعددا معا، فإن الاختلاف فيما عداها متحقق. ولكن الاجود تقييد الاختلاف بكونه بواسطة الوقت، لما ذكرناه. وبقي حكم المبتدئة والمضطربة، وسيأتي (3) الكلام فيه. قوله: أقل زمان تنقضي..... الخ . حيث جعلنا الاقراء هي الاطهار، وكان تمام الطهر محسوبا بقرء، فأقل

(هامش)

(1) في ج 1: 60. (2) في ش، ط، م : الآدميين. (3) في ص: 247. (*)

ص 226

زمان يمكن فيه انقضاء العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان، وذلك بأن يكون الباقي من الطهر الذي طلقت فيه لحظة بعد تمام صيغة الطلاق، ثم تحيض ثلاثة أيام، ثم تطهر عشرة، ثم تحيض ثلاثة، ثم تطهر عشرة، ثم تطعن في الدم الثالث المستقر عادة. وهذا مبني على الغالب وإلا فقد يتفق أقل من ذلك، بأن يطلقها بعد الولادة وقبل رؤية دم النفاس - وقد أسلفنا أنه محسوب هنا بحيضة وأقله لحظة - فإذا رأت بعد الطلاق بلحظة لحظة نفاسا، ثم انقطع عشرة، ثم رأت ثلاثة، ثم انقطع عشرة، ثم رأت الدم الثالث، انقضت عدتها بذلك، وهو ثلاثة وعشرون يوما وثلاث لحظات. إذا تقرر ذلك فقد اختلفوا في اللحظة الاخيرة هل هي من العدة، أو دليل على انقضائها قبلها؟ فالاصح - وهو الذي اختاره المصنف - الثاني، لان العدة ثلاثة قروء وهي الاطهار، وبتمامها تتم العدة، ولا شبهة في أنها تتم عند ابتداء الدم،وابتداؤه كاشف عن تمامها قبله وموجب لظهور آخره حيث إنه لاحد له بحسب الزمان، فلا يعد زمان الحيض من العدة. وحينئذ فأقلها بالحقيقة ستة وعشرون يوما ولحظة لا غير. وقال الشيخ (1): هي من العدة، لتوقف الانقضاء عليها، فكانت كغيرها من الاجزاء. وربما بني على أن القرء هو الانتقال من الطهر إلى الحيض، فيكون الحصول في الحيض من العدة. ويضعف الاول بأنه لا يستلزم كونها منها، وإنما هي كاشفة عن سبق انتهاء الطهر الثالث الذي هو غاية العدة. والثاني بما تحقق من أن القرء هو الطهر لا

(هامش)

(1) المبسوط 5: 235 - 236. (*)

ص 227

ولو طلقها في الحيض لم يقع. ولو وقع في الطهر، ثم حاضت مع انتهاء التلفظ، بحيث لم يحصل زمان يتخلل الطلاق والحيض، صح الطلاق، لوقوعه في الطهر المعتبر. ولا تعتد بذلك الطهر، لانه لم يتعقب الطلاق، وتفتقر إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض.

الانتقال المذكور. وتظهر فائدة التعليلين (1) فيما لو كانت غير مستقيمة الحيض فتوقف ظهوره على مضي ثلاثة أيام، فيكون جملتها من العدة كاللحظة على الاول، وكاشفة عن كون اللحظة الاولى منها من العدة خاصة على الثاني، لان مضي الثلاثة يوجب تحقق الحيض من أولها، والانتقال يحصل بلحظة منها. وربما قيل: إن مجموع الثلاثة منها على التقديرين. وهو ضعف في ضعف. وتظهر الفائدة في جواز الرجوع في اللحظة المذكورة أو الثلاثة، وفيما لو تزوجت بغيره فيها، وفيما لو مات الزوج فيها. فعلى المختار يصح النكاح دون الرجعة وينتفي الارث بالموت، وعلى قول الشيخ يثبت نقيض الاحكام. قوله: ولو طلقها في الحيض...... الخ . قد عرفت أن المعتبر وقوع الطلاق في الطهر، وأن بقاء جزء منه بعد الطلاق كاف في احتسابه قرءا وإن قل. فإذا طلق في الطهر، فإن بقي بعد الطلاق جزء من الطهر اجتمع الامران صحة الطلاق واحتساب الطهر. وإن اتصل الحيض بالطلاق - بمعنى أنه بعد تمام صيغة الطلاق بغير فصل خرج الدم - حصل شرط الطلاق وهو وقوعه في الطهر فوقع صحيحا، ولم يحتسب بذلك الطهر بل يعتبر ثلاثة أطهار بعد

(هامش)

(1) في ط، م : التعليل. (*)

ص 228

فرعلو اختلفا فقالت: كان قد بقي من الطهر جزء بعد الطلاق، وأنكر، فالقول قولها، لانها أبصر بذلك، والمرجع في الحيض والطهر إليها.

الحيض وتبين بدخول الحيضة الرابعة. وزعم بعض العامة (1) أن الطلاق المقارن للحيض كالواقع فيه. والمصنف نبه على خلافه وبيان فساده بقوله: لوقوعه في الطهر المعتبر . ولو صادف الحيض جزءا (2) من صيغة الطلاق انتفى الامران وحكم ببطلانه، لوقوع بعضه في الحيض. وللشيخ في المبسوط (3) في هذا المقام عبارة موهمة، وعليها مناقشات وأجوبة، ولا طائل تحت الجميع. قوله: لو اختلفا فقالت.... الخ . إذا ادعت بقاء جزء من الطهر بعد الطلاق فقد ادعت قصر العدة، وإنكاره لذلك طلبا لطولا ليرجع فيها. والمذهب أن القول قولها في ذلك وإن كان معه أصالة بقاء العدة واستصحاب حكم الزوجية، لان المرجع في الحيض والطهر إليها، لما سلف من الآية (4) والرواية (5)، وهما مقدمان على دليل الاستصحاب. ويبقى الكلام في النفقة لبقية ما يدعيه من مدة العدة وهي تنكره كما أسلفناه في نظيره (6). فإن كان قد دفعها إليها فليس له انتزاعها، لاعترافه بعدم

(هامش)

(1) راجع الام للشافعي 5: 210، الحاوي الكبير 11: 174 - 175، وللاستزادة انظر المجموع 18: 137 - 138. (2) في ش، م والحجريتين: جزء. (3) المبسوط 5: 234. (4 و5) لاحظ ص: 194، هامش (1 و3). (6) لاحظ ص: 191 - 192. (*)

ص 229

الفصل الثالث في ذات الشهور [وهي] التي لا تحيض وهي في سن من تحيض، تعتد من الطلاق والفسخ مع الدخول بثلاثة أشهر، إذا كانت حرة.

استحقاقه. وإن لم يكن دفعها لم يكن لها المطالبة به لذلك. ويحتمل جواز أخذها منها في الاول، لما تقدم من أن شرط استحقاق المطلقة رجعيا النفقة بقاؤها على الطاعة كالزوجة، وبادعائها البينونة لا يتحقق التمكين من طرفها، فلا تستحق نفقة على القولين، فله المطالبة بها حينئذ، ولا (1) تكون كالمال الذي لا يدعيه أحد، لان مالكه هنا معروف. ويمكن الفرق بين عدم التمكين المستند إلى دعوى البينونة وبينه على تقدير الاعتراف ببقاء العدة بالنسبة إليه، لانها بزعمها ليست ناشزا في الاول، بخلاف الثاني. والاجود الاول. قوله: التي لا تحيض.... الخ . لا فرق فيمن لا تحيض وهي في سن الحيض بين كون انقطاعه لطبيعة أولعارض من حمل ورضاع ومرض وغيرها عندنا، فتعتد بثلاثة أشهر، لعموم قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن (2) أي: فعدتهن كذلك. وشمل أيضا من بلغت التسع وإن لم يكن مثلها تحيض عادة، لان سن الحيض هو التسع كما مر في بابه (3) وإن لم تحض فيه عادة. ويدل عليه - مع عموم الآية - رواية الحلبي في الحسن عن أبي

(هامش)

(1) في ح. ط : فلا. (2) الطلاق: 4. (3) في ج 1: 56. (*)

ص 230

وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان: إحداهما: أنهما تعتدان بثلاثة أشهر. والاخرى: لا عدة عليهما. وهو الاشهر.

عبد الله عليه السلام قال: عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر (1). وفي معناها (2) غيرها. وفي معنى الطلاق والفسخ وطئ الشبهة. وبالجملة ما عدا الوفاة - وما في معناها - من أنواع الفراق كذات (3) الاقراء. قوله: وفي اليائسة والتي..... الخ . اختلف الاصحاب في [أن] (4) الصبية التي لم تبلغ التسع واليائسة إذا طلقت بعد الدخول - وإن كان قد فعل محرما في الاولى - أو فسخ نكاحها كذلك أو وطئت بشبهة هل عليهما عدة أم لا؟ فذهب الاكثر - ومنهم الشيخان (5) والمصنف والمتأخرون (6) - إلى عدم العدة. وقال السيد المرتضى (7) وابن زهرة (8): عليهما العدة.والروايات مختلفة أيضا، وأشهرها بينهم ما دل على انتفائها، فمنها حسنة

(هامش)

(1) الكافي 6: 100 ح 8، الفقيه 3: 331 ح 1605، التهذيب 8: 118 ح 407، الاستبصار 3: 332 ح 1183، الوسائل 15: 412 ب (4) من أبواب العدد ح 7. (2) لاحظ الوسائل 15: 410 ب (4) من أبواب العدد. (3) في و والحجريتين: لذات. (4) من ح فقط. (5) المقنعة: 532 و533، المبسوط 5: 239، الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 301، مسألة (1)، النهاية: 532 و535. (6) راجع الجامع للشرائع: 470، الارشاد 2: 47، إيضاح الفوائد 3: 337، المقتصر: 270. (7) الانتصار: 145 - 146. (8) الغنية ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 20: 255. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج9

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب