(1) في ج 6: 190 وغيره. (*)
ص 108
ولو وضع أحدهما ميتا، كان ما أقر به للآخر، لان الميت كالمعدوم. وإذا أقر بولد لم
يكن إقرارا بزوجية أمه، ولو كانت مشهورة بالحرية
يقتضي التسوية. ويشكل مع إمكان
الاستعلام، لان مطلق الاستحقاق أعم من التسويةوالتفضيل. والوجه الرجوع إلى المقر في
السبب، فإن ذكر ما يقتضي التفضيل أو التسوية عمل به، وإلا اتجه قسمته بالسوية. وكذا
لو ولدت أزيد من اثنين. قوله: (ولو وضع أحدهما ميتا... الخ . هذا الحكم ليس على
إطلاقه، لان جهة استحقاقهما إن كانت وصية للحمل كيف كان اتجه ذلك. وكذا إن كان إرثا
بالولادة مع انحصار الارث في الحمل. ولو كانت الوصية مفصلة على وجه يكون الوصية
لاحدهما لا يرجع إلى الآخر، أو كان إرثا بجهة لا توجب الانتقال إلى الآخر، بأن كانا
أخوين لام للميت وليس لهما ثالث من جهتها، فحياتهما موجبة لهما الثلث ولاحدهما خاصة
السدس، ولا يكون ما أقر به للآخر مطلقا. والاجود أن يقال: ينزل الميت كأن لم يكن،
وينظر في الحي على ما ذكر من حال جهة الاستحقاق. وحينئذ فلا بد من الرجوع إلى المقر
في الجهة ليعلم مقدار استحقاق الحي، ولا يلزم من كون الميت كالمعدوم - على ما أشار
إليه في التعليل - أن يكون مجموع المقر به للآخر كما ذكرناه. قوله: وإذا أقر...
الخ . لان الزوجية والنسب أمران متغايران غير متلازمين، فلا يدل أحدهما على
ص 109
النظر الرابع في اللواحق

وفيه مقاصد:
المقصد الاول: في تعقيب الاقرار بالاقرار

إذا كان في
يده دار على ظاهر التملك، فقال: هذه لفلان بل لفلان، قضي بها للاول، وغرم قيمتها
للثاني، لانه حال بينه وبينها، فهو كالمتلف.
الآخر بإحدى الدلالات. ونبه بذلك على
خلاف أبي حنيفة حيث قال (1): إن كانت أمه مشهورة بالحرية كان الاقرار بالولد إقرارا
بزوجية أمه، وإن لم تكن مشهورة فلا. وأراد بالحرية ما يقابل الفجور. وهل يلزمه
بإقراره بالولد خاصة مهر المثل لامه؟ قولان أقربهما ذلك، لاستلزام تولده منه الوطئ
عادة، ولحوقه به يقتضي كون الوطئ شبهة، وهو يوجب مهر المثل. قوله: إذا كان في
يده... ال . أما القضاء بها للاول فلعموم: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز
(2). وأما الثاني فلما أشار إليه المصنف - رحمه الله - من أنه قد حال بينه وبينها
بإقراره للاول مع اعترافه بأنه المستحق، فيغرم له القيمة، لتعذر الوصول إلى العين،
كما لو أتلف عليه مالا ثم أقر له به، هذا إذا لم يصادق المقر له الاول على ملكية
(هامش)
(1) راجع فتح القدير 4: 1 83 و1 8 4، حلية العلماء 8: 373، المغني لابن قدامة 5:
335 - 336. (2) ذكرت مصادر الحديث في ج 7: 274، هامش (1) فراجع. (*)
ص 110
وكذا لو قال: غصبتها من فلان، بل من فلان.
الثاني، وإلا دفعت إلى الثاني.وربما
احتمل عدم الغرم له، لان الاقرار الثاني صادف ملك الغير لها فلا ينفذ عاجلا. ثم على
تقدير ملكيته لها يلزمه تسليمها إلى المقر له ثانيا. وقال ابن الجنيد (1): يرجع إلى
مراد المقر ويقبل قوله إن كان حيا، وإلا كان المقر لهما بمنزلة متداعيين لشيء هو في
يدهما، فيأخذه ذو البينة، ومع عدمها فالحالف، فإن حلفا اقتسماه. والاظهر الاول.
قوله: وكذا لو قال: غصبتها... الخ . وجه مساواة هذه للسابقة في الحكم: أن
الاقرار بالغصب من الشخص يستلزم الاقرار له باليد، وهي تدل ظاهرا على الملكية،
ولهذا يحكم لذي اليد بها، فيكون مقرا لكل منهما بما يقتضي الملك. وفي المسألة وجه
(2) بعدم الغرم هنا للثاني كالتي بعدها، لعدم التنافي بين الاقرارين، فإن الغصب
يصدق من ذي اليد وإن لم يكن مالكا، كما لو كانت في يده بإجارة أو إعارة ونحوهما،
فيحكم بها للاول، لسبق الاقرار باليد له، ولا يغرم للثاني، لانتفاء ما يدل على
ملكيته. ويضعف بأن الاقرار بالغصب إما أن يقتضي الاقرار بالملك على وجه يوجب الضمان
أولا، فإن اقتضاه فقد أقر للاثنين بذلك فكانت كالسابقة فيضمن للثاني، وإن لم يقتضه
لم يجب الدفع إلى الاول في هذه الصورة فضلا عن الغرم للثاني، لعدم الاقرار له بما
يقتضي الملك، من حيث إن الغصب منه أعم من كونه
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 442، وفيه:... في يد غيرهما فيأخذه...(2) راجع
جامع المقاصد 9: 320. (*)
ص 111
أما لو قال: غصبتها من فلان وهي لفلان، لزمه تسليمها إلى المغصوب منه، ثم لا يضمن.
ولا يحكم للمقر له بالملك، كما لو كانت دار في يد فلان، وأقر بها الخارج لآخر. وكذا
لو قال: هذه لزيد غصبتها من عمرو.
وكذا يضعف ما قيل من الفرق بين الاقرارين: بأن
الاقرار للاول اتفق بغير معارض فيسمع، بخلاف الثاني، لثبوت استحقاق الغير العين قبل
الاقرار له، فإنه لو التفت إلى هذا لزم عدم الغرم للثاني وإن صرح له بالملك، لسبق
الاستحقاق لغيره. والحق أن الاقرار بالغصب إقرار باليد، وهي كافية في وجوب الرد
إليه، ويبقى الاقرار للثاني موجبا لذلك أيضا، وقد فات بإقراره الاول فيضمن له.
قوله: ( أما لو قال: غصبتها... الخ . هذه صورة ثالثة مترددة بين السابقتين، فإن
إقراره للاول بالغصب المحتمل لغير الملك، وإقراره للثاني بالملك، فلا منافاة بين
الامرين، لكن يلزم بدفعها إلى الاول الذي أقر بغصبها منه، لاعترافه له باليد التي
أقل مراتبها استحقاق المنفعة بإجارة أو وصية أو نحو ذلك، بخلاف السابقتين، فإن
الاولى صريحة في ملكهما، والثانية هما فيه مستويان (1) نفيا وإثباتا كما علم. وفي
هذه قول آخر (2) بالضمان للثاني، لاعترافه له بالملك وقد حال بينهوبين تسليمه إليه
بإقراره الاول فيغرم له وإن لم نقل بغرمه في السابقة، لعدم
(هامش)
(1) في إحدى الحجريتين: سواء. (2) راجع جامع المقاصد 9: 324. (*)
ص 112
ولو أقر بعبد لانسان، فأنكر المقر له، قال الشيخ: يعتق، لان كل واحد منهما أنكر
ملكيته، فبقي لغير (1) مالك. ولو قيل: يبق على الرقية المجهولة المالك، كان حسنا.
الاعتراف بالملك، ولان الاقرار بالغصب من الاول إقرار له باليد المفيدة للملكية كما
مر (2) فيكون في قوة التناقض، ولهذا لم ينفذ إقراره بالملك للثاني مع كونه صريحا
فيه. وهذا هو الاقوى. وقوله: كما لو كانت دار في يد فلان فأقر بها الخارج لآخر
أشار به إلى الوجه في عدم جواز دفعها إلى الثاني، مع أنه قد أقر له بالملكية ولم
يقر للاول بها، ولم يحكم بالتنافي لذلك، وقلنا إن الاقرار بالملك لم يحصل إلا لواحد
فلم لا يدفع إليه؟ والوجه: أنه وإن لم يكن قد أقر للاول بالملك لكن أقر له باليد
سابقا، فصار بالاقرار كذي اليد بالفعل على المقر به، وصار المقر خارجا عن العين
بواسطة الاقرار، فإذا أقر بملكها لآخر كان كما لو أقر الخارج بملك ما هو في يد غيره
لغير ذي اليد، فإنها لا تسلم إليه بهذا الاقرار. ولكن يبقى فيه أن إقراره الاول إذا
أثر هذا القدر وأفاد اليد - وهي تقتضي شرعا الملك - وجب الحكم بها للاول والضمان
للثاني، لتفويته حقه بزعمه بإقراره الاول، فإن الاقرارين وإن لم يتنافيا صورة
لكنهما متنافيان معنى. قوله: (ولو أقر... الخ .من شرائط صحة الاقرار عدم تكذيب
المقر له المقر، وإن لم يشترط قبوله
(هامش)
(1) في الشرائع (الطبعة الحجرية) ومتن بعض نسخ المسالك: بغير. (2) في الصفحة
السابقة. (*)
ص 113
لفظا على رسم الايجاب والقبول والانشاء ات. فإن كذبه نظر إن كان المقر به مالا لم
يدفع إليه، وفيما يفعل به أوجه أظهرها تخير الحاكم بين أخذه وإقرار يد المقر عليه
إلى أن يظهر مالكه. وإن كان الاقرار بعبد تحت يد المقر بحيث يظهر كونه مالكا ظاهرا،
فأنكر المقر له ملكه، ففيه أوجه أيضا: أحدها - وبه قال الشيخ (1) وأتباعه (2) -:
أنه يحكم بعتقه، لان صاحب اليد لا يدعيه، والمقر له ينفيه، فيصير العبد في يد نفسه
فيعتق. وهذا كما إذا أقر اللقيط بعد البلوغ بأنه مملوك زيد وأنكر زيد، فإنه يحكم
بحريته. ولانتفاء علقة المقر به بإقراره، والمقر له بنفيه، ومن عداهما لانحصار
الملك فيهما ظاهرا، وأصالة عدم مالك آخر. ولان الحرية أصل في الآدمي، وإنما تثبت
رقيته بأمر ظاهر، ولم يثبت هنا فيرجع إلى الاصل. ويضعف بأنه لا يلزم من انتفاء
ملكيته وعلقتها ظاهرا انتفاؤها في نفس الامر، لان المفروض كونه رقا فلا يزال بذلك،
بل لا يلزم من انتفاء علقة الرقية لشخص (3) معين ظاهرا انتفاء الرقية عنه ظاهرا ولا
باطنا، لان الفرض ظهور الرقية والحكم بها شرعا حين الاقرار، ومن ثم نفذ وأثر في
الجملة، فلا يلزم مننفيها عن شخص معين انتفاؤها مطلقا، وهذا الامر الثابت ظاهرا رفع
حكم الاصل المدعى. وثانيها - وهو الذي اختاره المصنف - رحمه الله -: أنه يبقى على
الرقية
(هامش)
(1) المبسوط 3: 23. (2) راجع المهذب 1: 411 - 412، جواهر الفقه: 91 مسألة (335).
(*) (3) في ق، ط، خ : بشخص.
ص 114
ولو أقر أن المولى أعتق عبده ثم اشتراه، قال الشيخ (1): صح الشراء. ولو قيل: يكون
ذلك استنقاذا لا شراء، كان حسنا. وينعتق، لان بالشراء سقط عنه لواحق ملك الاول. ولو
مات هذا العبد، كان للمشتري من تركته قدر الثمن مقاصة، لان المشتري إن كان صادقا
فالولاء للمولى إن لم يكن وارث سواه. وإن كان كاذبا، فما ترك للمشتري، فهو مستحق
على هذا التقدير قدر الثمن على اليقين، وما فضل يكون موقوفا.
المجهولة، لانه محكوم
عليه بها فلا يرفع إلا بأحد الاسباب المقتضية للتحرير، وليس الجهل بمالك العبد
منها. ويخالف صورة اللقيط - على تقدير تسليمها - بأنه محكوم بحريته تبعا للدار،
فإذا أقر بالرق ونفاه المقر له بقي على أصل الحرية. وهذا هو الاظهر. وعليه، فيحكم
فيه كما ذكرنا في المال. وثالثها (2): ثبوت الحرية إن ادعاها العبد، لانه مدع لا
ينازعه أحد فيدعواه، ولا سلطنة لاحد عليه. ويضعف بمنع عدم المنازع، فإن الحاكم ولي
المال المجهول، فعليه أن ينازع من يدعيه بغير حجة شرعية كسائر ما بيده من الاموال
المجهولة المالك. قوله: ولو أقر أن المولى... الخ . من شرائط الاقرار أيضا كون
المقر به تحت يد المقر وتصرفه، بمعنى أنه إذا لم يكن تحت يده لم يسلطنا إقراره على
الحكم بثبوت المقر به للمقر له، بل يكون ذلك بمنزلة الشهادة أو الدعوى. ولا يلغا
قوله من كل وجه، بل إذا حصل
(هامش)
(1) المبسوط 3: 23، ولكن فرض المسألة فيما إذا شهد بالعتق. (2) راجع إيضاح الفوائد
2: 436 - 437، الدروس الشرعية 3: 131. (*)
ص 115
المقر به يوما في يده نفذ إقراره، وأمر بتسليمه إلى المقر له. ويترتب على ذلك أنه
لو قال: العبد الذي في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا، ثم حصل العبد في ملكه، امر
ببيعه في دين عمرو. ولو أقر بحرية عبد في يد غيره، أو شهد بحريته فلم يقبل شهادته،
لم يحكم بحريته في الحال. ولو أقدم المقر على شرائه صح، تنزيلا للعقد على قول من
صدقه الشرع وهو صاحب اليد البائع. ويخالف ما إذا قال: فلانة أختي من الرضاع، ثم
أراد أن ينكحها، فإنه لا يمكن منه، لان في الشراء غرض استنقاذه من أسر الرق، وهذا
الغرض لا يحصل هناك، إذ (1) يمنع من الاستمتاع بفرج اعترف أنه حرام عليه. ثم إذا
اشتراه حكم بحرية العبد ورفعت يده عنه.ثم العقد الجاري بينه وبين البائع ما حكمه؟
أهو بيع أو فداء؟ فيه أوجه: أحدها: أنه بيع من الجانبين. والثاني: أنه بيع من جهة
البائع، وافتداء من جهة المقر. والثالث - وهو أضعفها -: أنه افتداء من الجانبين.
ووجه ضعفه: أنه لا ينتظم أن يأخذ المال لينقذ من يسترقه. ووجه الاول: أنه محكوم
برقيته ظاهرا، وإنما يحكم بعتقه على المشتري بعد الحكم بصحة البيع. ولان العتق
مترتب على ملكه المتوقف على صحة الشراء، إذ ليس هنا سبب موجب لانتقاله عن ملك
البائع الثابت ظاهرا سواه. ووجه الثاني: اعتراف المشتري بحريته وامتناع شراء الحر.
ولانسلم أن عتقه متوقف على صحة الشراء مطلقا، بل على استقلال يد المقر عليه لينفذ
(هامش)
(1) كذا في د، و، ط وفي سائر النسخ: أو يمنع.
ص 116
إقراره، سواء انتقل إليه بالشراء أم الاستنقاذ. ومنه يظهر الجواب عن كون العتق
مترتبا على ملكه. وتظهر الفائدة في ثبوت الخيار. فعلى الاول: يثبت لهما معا خيار
المجلس والشرط، وللمشتري خيار الحيوان. ولو كان المبيع بثمن معين فخرج معيبا ورده
كان له أن يسترد العبد، بخلاف مالو باع عبدا وأعتقه المشتري ثم خرج الثمن المعين
معيبا ورده، حيث لا يسترد العبد بل يعدل إلى القيمة، لاتفاقهما على العتق هناك.
وعلى الثاني: لاخيار للمشتري ولا رد. نعم، له أخذ الارش (ظاهرا) (1)، لانه بزعم
البائع شراء يوجبه، وبزعم المشتري يستحق جميع الثمن، فالارش الذي هو جزء منه متفق
عليه على التقديرين. ولا يخلو هذا القول الثاني من إشكال بالنسبة إلى ثبوت الخيار
الذي لا يمنع (2) العتق،، لانه ينعتق على المشتري قهرا بتمام القبول، كما ينعتق
قريبه إذا اشتراه، بل هذا أقوى، لانه بالنسبة إليه حر قبل الشراء، وبالنظر إلى غيره
بعده بلا فصل، فلا يتجه ثبوت خيار المجلس للبائع ولا خيار العيب، بل يتجه له الارش.
وليس هذا كتصرف المشتري بالعتق وغيره حيث يكون للبائع خيار، لان الممنوع (3) من
التصرف إنما هو الواقع باختياره، وهذا لا يتوقف على اختياره. وبهذا يقوى جانب كونه
فداء من الجانبين من هذا الوجه، وإن كان من جانب البائع لا ينتظم الفداء بحسب
الصورة، من حيث جواز أخذه العوض وتوقفه على
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) في إحدى الحجريتين: يجامع العتق. (3) في خ، م : المنع،
وفي ق، ص، ط : المجموع. (*)
ص 117
رضاه وعلى ما يريده من العوض المخالف لحكم الفداء. ومما يتفرع على ذلك الولاء، فإنه
لا يثبت للمشتري، لاعترافه بأنه لم يعتقه، ولا للبائع، لزعمه أنه ليس بمعتق، بل هو
موقوف. فلو مات وقد اكتسب مالا، فإن كان له وارث بالنسب فهو له، وإلا فينظر إن صدق
البائع المشتري وكان عتقه على وجه يوجب الولاء أخذه ورد الثمن. وإن كذبه وأصر على
كلامه الاول، فقد قال المصنف وجماعة (1): إن للمشتري أن يأخذ من ماله قدر الثمن
وكان الباقي موقوفا، لان البائع إن كان صادقا فكل المال للمشتري، وإن كان كاذبا
والصادق المشتري فالولاء للبائع في نفس الامر وقد ظلم المشتري في أخذ الثمن، فإذا
ظفر بماله كان له أن يأخذ منه حقه. ولا يخفى أن هذا ليس على إطلاقه، لان إقرار
المشتري بعتق البائع إياه قد يكون على وجه يثبت به الولاء له وقد لا يكون، فلا بد
من مراعاة عتق يثبت به الولاء ولو بالرجوع إلى تفسيره، وإلا لم يكن له أخذ شيء، لان
ولاءه حينئذ بزعمه لغير المعتق، فلا يرجع على غير من ظلمه. ولو كان إقراره بأنه حر
الاصل، أو أنه أعتق قبل أن اشتراه البائع، لم يكن له أخذ الثمن أيضا، لما ذكرناه.
وربما استشكل (2) الرجوع بالثمن مطلقا، من حيث إنه تبرع بدفعه مع زعمه أن القابض لا
يستحقه، فإذا استهلك مع التسليط فلا ضمان. وبأنه إنما بذله افتداء تقربا إلى الله
تعالى باستنقاذ حر، فيكون سبيله سبيل الصدقات، والصدقات لا يرجع فيها.
(هامش)
(1) راجع المبسوط 3: 2 4، قواعد الاحكام 1: 279، إيضاح الفوائد 2: 438. (2) راجع
الدروس الشرعية 3: 135. (*)
ص 118
وأجيب بأن مثل هذا الدفع يرغب فيه للاستنقاذ، وقد يكون ذلك مضمونا على القابض
لظلمه. وبأن المبذول (1) على جهة الفدية لا يمنع من الرجوع فيه، لانه ليس تبرعا
محضا، والقربة لا تنافي ثبوت العوض، كما لو فدى أسيرا في بلد المشركين ثم استولى
المسلمون على بلادهم ووجد الباذل عين ماله فله أخذه. ويتفرع أيضا مالو استأجر العبد
المقر بحريته بدلا عن الشراء، فإنه لا يحل له استخدامه ولا الانتفاع به، وللمؤجر
مطالبته بالاجرة. ولر أقر بحرية جارية الغير، ثم قبل نكاحها منه، لم يحل له وطؤها،
وللمولى (2) المطالبة بالمهر. ولو كان إقراره بانك غصبت العبد من فلان ثم اشتراه
منه، ففي صحة العقد وجهان: الصحة، كما لو أقر بحريته ثم اشتراه. وتظهر الفائدة في
لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع، ووجوب دفعه على المشتري إلى المالك. والثاني:
المنع، لان التصحيح ثم للافتداء والانقاذ من الرق، ولا يتجه مثله في تخليص ملك
الغير. واعلم أنه قد أورد (3) على أصل نفوذ الاقرار في حق العبد والحكم بعتقه على
تقدير الشراء: بأنه قد يتجه فيه ضرر عليه، كما إذا كان عاجزا عن التكسب،
(هامش)
(1) كذا في إحدى الحجريتين، ولعله الصحيح، وفي النسخ الخطية والحجرية الثانية: وبأن
الرجوع بالمبذول... (2) كذا في د، ق، و، ط، وفي ذ، ص، خ، م والحجريتين:
وللزوج. (3) راجع الدروس الشرعية 3: 135. (*)
ص 119
المقصد الثاني في تعقيب الاقرار بما يقتضي ظاهره الابطال

وفيه مسائل: الاولى: إذا
قال: له عندي وديعة، وقد هلكت، لم يقبل. أما لو قال: كان له عندي، فإنه يقبل. ولو
قال: له علي مال من ثمن خمر أو خنزير، لزمه المال.
فيشكل نفوذه في جقه؟؟، لان للعبد
حقا في هذا الاقرار، بل يتوقف على تصديق العبد على الحرية. وجوابه: أنه وإن كان له
حظ في الاقرار إلا أن حريته لا تتوقف على اختياره إخبارا ولا إنشاء، فإنه لو باشر
عتقه وهو عاجز نفذ في حقه، وكذا لو أخبر مالكه أنه أعتقه، فإنه ينفذ بغير إشكال،
وهذا في معناه. قوله: إذا قال: له عندي... الخ . الفرق بين المسألتين واضح، فإن
قوله: (له عندي وديعة يقتضي بقاءها، فقوله: (قد هلكت ينافيه، فلا يقبل قوله
ولا تسمع دعواه، لان الهالك لا يكون عنده وديعة، بخلاف الثانية، فإن قوله: كان
(له عندي) (1) لا يدل على البقاء ولا ينافي الهلاك، وغايته أنه إقرار (2)
بالوديعة وقول الودعي مقبول في التلف بيمينه، فيكون هنا كذلك. قوله: ولو قال: له
علي مال... الخ . لان قوله: له علي يقتضي ثبوته في الذمة أو وجوب تسليمه،
وكونه
(هامش)
(1) من خ، م . (2) في و، ط : أقر. (*)
ص 120
الثانية: إذا قال: له علي ألف، وقطع، ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه، لزمه الالف.
ولو وصل فقال: له علي ألف من ثمن مبيع، وقطع، ثم قال: لم أقبضه، قبل، سواء عين
المبيع أولم يعينه. وفيه احتمال للتسوية بين الصورتين. ولعله أشبه.
من ثمن خمر أو
خنزير ينافيه، لانه يقتضي سقوطه، لعدم إمكان ثبوت مال ثمنا لاحدهما في شرع الإسلام،
فلا يقبل تفسيره بالمنافي ويثبت (1) ما أقر به أولا قوله: إذا قال: له... الخ
. هنا ثلاث مسائل ذكر المصنف - رحمه الله - منها اثنتين: إحداها: إذا قال: له علي
ألف وقطع كلامه، ثم قال: إن الالف ثمن لمبيع لم أقبضه، لزمه الالف، لاقراره به،
ويلغا المنافي (2)، لانه دعوى محضة تقتضي إثبات مال عند المقر له - وهو المبيع -
وكوقف استحقاق تسليم الالف على قبضه فيسمع الاقرار دون الدعوى، لانفصال أحدهما عن
الآخر حكما ولفظا. وثانيها: أن يصل بإقراره بالالف قوله: من ثمن مبيع، ثم يقطع ثم
يقول: لم أقبضه. وفيه قولان: أحدهما: مساواة الاول، لاقراره بالالف، ولا ينافيه ما
وصله به من قوله: من ثمن مبيع، لان الغرض ثبوت الالف أما تعيين سببها فلا حاجة
إليه، وإنما يجئ التنافي من قوله: لم أقبضه، وهو منفصل عن الاول. وهذا هو الذي
اختاره المصنف رحمه اله.
(هامش)
(1) في د، ق، ط : ويقبل. (2) في خ، م والحجريتين: الباقي. (*)
ص 121
****
والثاني: قبول دعواه الاخيرة، لان قوله: من ثمن مبيع مقبول من حيث اتصاله، وهو
أعم من كونه مقبوضا وغير مقبوض، فإذا قال بعد ذلك: لم أقبضه فقد ذكر بعض
محتملاته، بل ما يوافق الاصل، إذ الاصل عدم القبض فعلى البائع إثبات القبض. وهذا
اختيار الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2). وثالثها: أن يأتي بمجموع الكلام متصلا
فيقول: له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه. فإن قلنا بالقبول في السابقة قبل هنا
بطريق أولى. وإن قلنا بعدمه احتمل هنا القبول، لان الكلام جملة واحدة، ولامكان صدقه
فيما أخبر به وأراد التخلص بالاقرار به، فلو لم يقبل منه والزم بخلاف ما أقر به لزم
انسداد باب الاقرار بالواقع حيث يراد، وهو مناف للحكمة. وقيل (3): لا يقبل هنا
أيضا، لاشتماله على إقرار ودعوى فيقبل الاقرار وتسقط الدعوى إلى أن يأتي لها بحجة.
ولان هذه الضميمة بمنزلة المنافي، لان مقتضى: أن له عليه ألفا وجوب أدائها إليه
مطلقا وثبوتها في ذمته أو في عهدته، وكونها: من ثمن مبيع لم يقبضه يقتضي عدم
استقرارها في الذمة، لجواز تلف المبيع قبل أن يقبضه، وعدم وجوب تسليمها مطلقا بل مع
تسليم المبيع. والاول لا يخلو من قوة. والمنافاة ممنوعة، وإنما هو وصف زائد على
الاقرار المطلق، والواقع هو الاقرار المقيد لا المطلق، كما لو قيد الالف بقيد آخر
(هامش)
(1) ا لمبسو ط 3: 34.(2) ا لخلاف 3: 375 مسأ لة (2 4). (3) راجع السرائر 2: 5 1 1 -
5 1 2، قواعد الاحكام 1: 286، اللمعة الدمشقية: 139، جامع المقاصد 9: 330. (*)
ص 122
الثالثة: لو قال: ابتعت بخيار، أو كفلت بخيار، أو ضمنت بخيار، قبل إقراره بالعقد
ولم يثبت الخيار. الرابعة: إذا قال: له علي دراهم ناقصة، صح إذا اتصل بالاقرار
كالاستثناء، ويرجع في قدر النقيصة إليه. وكذا لو قال: دراهم زيف، لكن يقبل تفسيره
بما فيه فضة. ولو فسره بمالافضة فيه لم يقبل.
غير ذلك. وموضع الاشتباه ما إذا كان
المقر غير معتقد لزومه على هذا الوجه باجتهاد أو تقليد، وإلا فلا إشكال في اللزوم،
لانها مسألة اجتهادية فيؤخذ على المعتقد بما يدين به، ويبقى غيره على ما يقتضيه نظر
المفتي. قوله: لو قال: ابتعت بخيار... الخ . أما عدم قبول وصف الخيار في الكفالة
والضمان على القول بعدم صحة اشتراطه فيهما فواضح، لانه تعقيب للاقرار بالمفسد. وأما
على القول بصحته أو كون الخيار في البيع فوجه عدم ثبوت الخيار ما تقدم (1) في دعوى
الاجل وعدم قبض المبيع، وأولى بعدم القبول هنا، لان الخيار يفضي إلى إسقاط
الحقبالاختيار، بخلاف التأجيل وعدم قبض المبيع على بعض الوجوه. ويحتمل القبول هنا
أيضا، لجواز أن يكون الحق المقر به كذلك، فلو لم يقبل أخل بحكمة الاقرار بالحق
الواقع كما ذكرناه في نظائره، إلا أن الاشهر هنا عدم سماع الخيار. ولو قيل بالقبول
كالسابق كان حسنا. قوله: إذا قال: له علي دراهم... الخ . وجه القبول مع الاتصال:
أن المقر به هو الدراهم الموصوفة بما ذكر فلا
(هامش)
(1) في ص: 23 و120. (*)
ص 123
الخامسة: إذا قال: له علي عشرة لا بل تسعة، لزمه عشرة. وليس كذلك لو قال: عشرة إلا
واحدا.
يلزم غيرها، لانه لم يقر به. ولان الكلام لا يتم إلا بآخره. ولانه من الممكن
أن يكون له عنده دراهم بهذا الوصف، فلو لم يقبل الاقرار بها نافى غرض الشارع وحكمته
كنظائره. وفي المسألة وجه آخر بعدم القبول، عملا بأول الكلام، وكون الوصف منافيا
للسابق، لاقتضائه الرجوع عن بعضه. ولا يخفى ضعفه، إذ لم يثبت بالاقرار سواه حتى
يقال إنه سقط، ولا منافاة بين الامرين، فقطع بعض الكلام عن بعض وإلزامه به بعيد عن
مقصد الشارع. وعلى تقدير قبول الوصف بالنقصان يرجع إليه فيه، وبالزيف - وهو المغشوش
- يرجع إليه في قدر الغش، بشرط أن يبقى معه فضة يصدق معها اسمالدراهم، إذ لو خلت
منها كانت فلوسا لا دراهم مغشوشة. قوله: إذا قال: له علي عشرة... الخ . الفرق
بين المسألتين أن قوله: لا بل تسعة إضراب عن الاقرار بالعشرة بعد الايجاب، وقد
تقدم (1) أنه يجعل ما قبل بل كالمسكوت عنه وإقراره بغيره، فلا يقبل رجوعه،
بخلاف قوله: إلا واحدا فإنه استثناء، وهو تركيب عربي يكون جزء من الكلام ومن
متمماته، والمراد منه هو القدر الحاصل بعد الاستثناء، فقوله: له عشرة إلا واحدا
بمعنى: له تسعة، وكأن للتسعة اسمين أحدهما: عشرة إلا واحدا، فليس هنا إقرار بالعشرة
ولا رجوع عنها.
(هامش)
(1) في ص: 19. (*)
ص 124
السادسة: إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن، ثم أنكر فيما بعد، وادعى أنه أشهد تبعا
للعادة ولم يقبض، قيل: لا تقبل دعواه، لانه مكذب لاقراره. وقيل تقبل، لانه ادعى ما
هو معتاد. وهو أشبه، إذ ليس هو مكذبا للاقرار، بل (هو) مدعيا شيئا آخر، فيكون على
المشتري اليمين. وليس كذلك لو شهد الشاهدان بإيقاع البيع ومشاهدة القبض، فإنه لا
يقبل إنكاره، ولا يتوجه اليمين، لانه إكذاب للبينة.
قوله: إذا أشهد بالبيع... الخ
. القول بالقبول للاكثر (1)، بمعنى سماع الدعوى وتوجه اليمين بها على المشتري على
وقوع الاقباض حقيقة. وإنما انتقلت اليمين إليه مع أنه المدعيلاقرار البائع بالقبض،
فهذه اليمين إنما هي في مقابلة الدعوى الواقعة من البائع ثانيا بأنه لم يقبض وأن
إقراره السابق ماكان مطابقا للواقع. وبهذا يحصل الجواب عن حجة المانع من قبول قوله،
من حيث إنه مكذب بدعواه الثانية لاقراره السابق. وحاصل الجواب: أنه ما كذب الاقرار،
بل هو معترف بوقوعه، وإنما يدعي معه أمرا آخر وهو كونه تبعا للعادة من الاشهاد على
القبض من غير أن يحصل قبض لاقامة الشهادة والحجة، خوفا من تعذر الشهود وقت الاقباض،
ولكون هذا أمرا معتادا بين المتعاملين اتجه قبوله، لا بمعنى تقديم قول مدعيه، بل
بمعنى سماع دعواه وتوجه اليمين على المشتري بأن الدفع بطريق الحقيقة لا على جهة
المواطاة.
(هامش)
(1) راجع المبسوط 3: 32، قواعد الاحكام 1: 287، إيضاح الفوائد 2: 463، اللمعة
الدمشقية: 1 39، جامع المقاصد 9: 344. (*)
ص 125
المقصد الثالث في الاقرار بالنسب

وفيه مسائل: الاولى: لا يثبت الاقرار بنسب الولد
(الصغير)، حتى تكون البنوة ممكنة... ويكون المقر به مجهولا... ولا ينازعه فيه
منازع. فهذه قيود ثلاثة. فلو انتفى إمكان الولادة لم يقبل، كالاقرار ببنوة من هو
أكبر منه، أو مثله في السن، أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادته لمثله، أو أقر
ببنوة ولد امرأة له، وبينهما مسافة لا يمكن الوصول إليها في مثل عمره.. وكذا لو كان
الطفل معلوم النسب، لم يقبل إقراره. وكذا لو نازعه منازع في بنوته، لم يقبل إلا
ببينة.
هذا كله إذا كانت الشهادة على إقراره. أما لو شهد الشاهدان بمشاهدة القبض لم
يقبل إنكاره، ولا يمين على المشتري، لان ذلك طعن في البينة وإكذاب لها فلا يلتفت
إليه. ومثله ما لو رجع عن الاقرار في الاول، فإنه لا يقبل ولا تتوجه اليمين. قوله:
لا يثبت الاقرار... الخ . الصفات المعتبرة في المقر معتبرة في الاقرار بالنسب،
ويزيد هنا شرائط أخر. وتحرير الحال: أن المقر بنسبه (1) إما ولد أو غيره. فإن كان
ولدا اعتبر فيه امور:
(هامش)
(1) في ذ، د، و، ط، م : بنسب. (*)
ص 126
أحدها: أن لا يكذبه الحس، بأن (لا) (1) يكون ما يدعيه ممكنا، فلو كان في سن لا
يتصور أن يكون ولدا للمستلحق، بأن كان أكبر منه سنا، أو مثله، أو كان المستلحق أكبر
ولكن بقدر لا يولد لمثله، فلا اعتبار بإقراره. والمصنف - رحمه الله - اعتبر في
إلحاقه إمكان تولده منه عادة. وهو أخص من مطلق إمكان تولده، لان ابن العشر قد تقدم
(2) أنه يمكن التولد منه لكن ذلك خلاف العادة. والاولى اعتبار مطلق الامكان. وكذا
لو كان بين المقر وبين أم الولد مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها، أو
علم عدم خروج المقر إلى بلدها، ونحو ذلك. وثانيها: أن لا يكذبه الشرع، بأن يكون
المستلحق مشهور النسب من غيره، لان النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره. ولا فرق
بين أن يصدقه المستلحق أو يكذبه. وهل يلحق الولد المنفي باللعان بغير المعروف
بالنسب، من حيث انتفائه شرعا عمن عرف به، أم بالمعلوم؟ وجهان من عدم المنازع
وانتفائه شرعا، ومنبقاء شبهة النسب، ومن ثم لو استلحقه الملاعن بعد ذلك ورثه الولد.
وثالثها: أن لا ينازعه في الدعوى من يمكن اللحاق (3) به، فإن الولد حينئذ لا يلحق
بالمقر ولا بالآخر إلا بالبينة أو القرعة. واعلم أن إطلاق العبارة يقتضي استواء
الام والاب في الدعوى بشرائطها.
(هامش)
(1) من ذ، خ، م والحجريتين، والظاهر أنها زائدة. (2) في ج 10: 189. (3) في ق
: إلحاقه، وفي د، خ، م : الالحاق. (*)
ص 127
ولا يعتبر تصديق الصغير. وهل يعتبر تصديق الكبير؟ ظاهر كلامه في النهاية (1): لا،
وفي المبسوط (2): يعتبر، وهو الاشبه. فلو أنكر الكبير لم يثبت النسب.
والحكم في
الاب كذلك. وأما الام ففي إلحاقها به قولان، منشؤهما عموم (3) الادلة الدالة على
نفوذ الاقرار بالولد، ومن ثبوت نسب غير معلوم الثبوت على خلاف الاصل فيقتصر على
إقرار الرجل، مع وجود الفارق بينهما بإمكان إقامة الام البينة على الولادة دونه.
قوله: ولا يعتبر... الخ . هذا شرط رابع مختلف فيه، وهو تصديق الولد لمن استلحقه
إذا كان ممن يعتبر تصديقه. فلو استلحق بالغا عاقلا فكذبه لم يثبت النسب في أظهر
القولين، لان الاقرار بالنسب يتضمن الاقرار في حق الغير فيتوقف على تصديقه أو
البينه، فإن لم يكن بينة حلفه، فإن حلف سقطت دعواه، وإن نكل حلف المدعي وثبت نسبه.
ولو استلحقه صغيرا ثبت نسبه وورث كل واحد منهما الآخر. والمجنون بحكم الصغير في عدم
اعتبار تصديقه، لاشتراكهما في عدم الاهلية. ووجه عدم اعتبار تصديقه: أن ذلك إقرار
في حق نفسه، ولهذا لم يعتبر تصديق الصغير. وضعفه ظاهر، لاشتراك الحق، وخروج الصغير
بالاجماع، وتعذره في حقه. وحيث يعتبر التصديق لم يكف (4) عدم التكذيب، لانه أعم منه
فلا يدل عليه،
(هامش)
(1) ا لنها ية: 684. (2) المبسو ط 3: 38. (3) انظر الوسائل 1 7: 569 ب 9 من
أبواب ميراث ولد الملاعنة ح 1. (4) كذا في ذ، د والحجريتين، وفي سائر النسخ:
يكلف. (*)
ص 128
ولا يثبت النسب في غير الولد، إلا بتصديق المقر به. وإذا أقر بغير الولد للصلب، ولا
ورثة له، وصدقه المقر به، توارثا بينهما، ولا يتعدى التوارث إلى غيرهما.
خلافا
لظاهر عبارة القواعد (1) حيث اعتبر في الكبير عدم التكذيب، وكأنه تجوز في العبارة،
وقد صرح في غيرها (2) باشتراط (3) التصديق. قوله: لا يثبت النسب... الخ . ما
تقدم حكم إلحاق الولد للصلب، وإلحاق النسب فيه بنفس المقر، وأما الاقرار بغيره
فالنسب فيه يلحق بغيره، فإنه إذا قال: هذا أخي، كان معناه: أنه ابن أبي وابن أمي،
ولو أقر بعمومة غيره كان النسب ملحقا بالجد، فكأنه قال: ابن جدي. ويشترط في هذا
الالحاق ما تقدم (4) من الشرائط، ويزيد اعتبار تصديق المقر به أو البينة على الدعوى
وإن كان ولد ولد، لان إلحاقه بالولد قياس مع وجود الفارق، فإن إلحاق نسبه بغير
المقر - وهو الولد - فكان كالاخ. قوله: وإذا أقر بغير الولد... الخ . هذا من
جملة ما افترق فيه الاقرار بالولد عن غيره، فإن الاقرار بالولد مع التصديق أو بدونه
يثبت به النسب، ويتعدى التوارث إلى غيرهما من أنسابهمابشرطه، وأما الاقرار بغير
الولد للصلب وإن كان ولد ولد فيختص حكمه مع
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 1: 287، ولكن ذكر ذلك في مطلق الولد وبعد أسطر صرح باشتراط تصديق
الكبير. (2) راجع إرشاد الاذهان 1: 4 1 1، تحرير الاحكام 2: 1 2 0، المختلف: 441،
تذكرة الفقهاء 2: 170. (3) في ص، د، ق، و، ط : باعتبار. (4) في ص: 125. (*)
ص 129
ولو كان له ورثة مشهورون، لم يقبل إقراره في النسب. الثانية: إذا أقر بولد صغير،
فثبت نسبه، ثم بلغ فأنكر، لم يلتفت إلى إنكاره، لتحقق النسب سابقا على الانكار.
التصديق بالمتصادقين، لما تقرر من أن ذلك إقرار بنسب الغير فلا يتعدى المقر، ولو لم
يحصل تصديق افتقر إلى البينة. ويشترط فيه أيضا (شرطا) (1) زائدا على الشرائط
السابقة: أن يكون الملحق به ميتا، فما دام حيا لم يكن لغيره الالحاق به وإن كان
مجنونا. وأن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به، أما إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد
موته ففي لحوقه وجهان، من سبق الحكم ببطلان هذا النسب، وفي إلحاقه به بعد الموت
إلحاق عار بنسبه، وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ المورث لا ما يتضرر به، ومن أن
المورث لو استلحقه بعد ما نفاه باللعان وغيره لحق به وإن لم يرثه عندنا. وهذا
أقوى.قوله: ولو كان له ورثة... الخ . لان ذلك إقرار في حق الغير حيث إن الارث
يثبت شرعا للورثة المعروفين، فإقراره بوارث آخر يقتضي منعهم من الارث أو مشاركتهم
فيه أو مشاركة من ينتسب إليهم، فلا يقبل بمجرده وإن صادقه الآخر، بل يفتقر إلى
البينة. قوله: إذا أقر بولد... الخ . نبه بذلك على خلاف بعض العامة (2) حيث ذهب
إلى انتفاء النسب بإنكاره بعد البلوغ، لانا إنما حكمنا به حيث لم يكن إنكار ولا
صلاحية له، فإذا تحقق
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) راجع الوجيز 1: 202، روضة الطالبين 4: 61. (*)
ص 130
الثالثة: إذا أقر ولد الميت بولد له آخر، فأقر بثالث، ثبت نسب الثالث إن كانا
عدلين. ولو أنكر الثالث الثاني، لم يثبت نسب الثاني، لكن يأخذ الثالث نصف التركة،
ويأخذ الاول ثلث التركة، والثاني السدس، وهو تكملة نصيب الاول. ولو كان الاثنان
معلومي النسب، فأقرا بثالث، ثبت نسبه إن كانا عدلين. ولو أنكر الثالث أحدهما، لم
يلتفت إليه، وكانت التركة بينهم أثلاثا.
صار كالكبير ابتداء. ويضعف بأن هذا لو آثر
لزم أن لا يثبت قبل البلوغ أيضا، لفقد الشرط. وحيث اعترف ببنوته وجب استصحابه. وحيث
نقول بعدم الالتفات إلى إنكاره لو أراد المقر به تحليف المقر لم يكن له ذلك، لانه
لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه. ولو استلحق مجنونا فأفاق وأنكر فالاظهر أنه
كالصغير. قوله: إذا أقر ولد الميت... الخ . إذا أقر الولدان بثالث شاركهما في
الارث بالنسبة، سواء كانا عدلين أم لا، ولكن لا يثبت نسبه إلا مع عدالتهما، فلا
يتعداهما الميراث بدون العدالة كما مر (1). وكذلك توقف نسب الثاني على اعتراف
الثالث وعدالته مع الاول. ولو فرض إنكار الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني، سواء
كان الاولان
(هامش)
(1) في ص: 128. (*)
ص 131
عدلين أم لا، لانه لم يشهد به، إذ (1) لم يعترف سوى الاول، فيثبت نسبه في حقه خاصة
(2). وحينئذ فيأخذ الثالث نصف التركة، لان إرثه ثابت باعتراف الاولين، وكذلك الاول
باعتراف الآخرين، فكان المتفق عليهما الاثنين، فيكون للثالث نصف التركة والاول
يعترف بأنهم ثلاثة فليس له إلا ثلثها ويبقى سدس من التركة للثاني ثابتا (3) له
باعتراف الاول، وهو المراد بقول المصنف إنه: تكملة نصيب الاول أي: تكملته بزعم
الثالث، وإلا فهو يعترف أن لانصيب له في الزائد عن الثلث. وربما قيل بأن النصف يقسم
بين الاول والثاني (4) بالسوية، لان ميراث البنين يقتضي التسوية، ولا يسلم لاحدهم
شيء إلا ويسلم للآخر مثله، والثالث بزعمهما غصبهما بعض حقهما. والاظهر الاول، لان
حق الثاني شائع فيما في يد الاول والثالث بالسوية، فله الثلث من كل منهما. والضابط
على الاول في هذه الصورة ونظائرها: أن يؤخذ أصل المسألة على قول المنكر وأصلها على
قول المقر، ويضرب أحدهما في الآخر، ويقسم الحاصل باعتبار مسألة الانكار، فيدفع نصيب
المنكر منه إليه، ثم باعتبار مسألة الاقرار، فيدفع نصيب المقر منه إليه، ويدفع
الباقي إلى المقر به، فمسألة الانكار
(هامش)
(1) في ذ، خ، م : أو لم...(2) في م : حصة صاحبه، وفي الحجريتين: حق صاحبه.
(3) فيما لدينا من النسخ الخطية والحجريتين: ثابت، والصحيح ما أثبتناه. (4) كذا في
د ، واستظهره في هامش و، وهو الصحيح، وفي سائر النسخ الخطية والحجريتين:
والثالث. (*)
ص 132
الرابعة: لو كان للميت إخوة وزوجة، فأقرت له بولد، كان لها الثمن، فإن صدقها الاخوة
كان الباقي للولد دون الاخوة. وكذا كل وارث في الظاهر أقر بمن هو أقرب منه، دفع
إليه جميع ما في يده. ولو كان مثله، دفع إليه من نصيبه بنسبة نصيبه. وإن أنكر
الاخوة كان لهم ثلاثة الارباع، وللزوجة الثمن، وباقي حصتها للولد.
في هذه الصورة من
اثنين، ومسألة الاقرار من ثلاثة، فيضرب أحدهما في الآخر، فثلث المرتفع - وهو اثنان
- للمقر، ونصفه - ثلاثة - للمنكر، ويبقى سهم للآخر. وعلى الثاني: أن ينظر في أصل
المسألة على قول المنكر ويصرف إليه نصيبه منها، ثم يقسم الباقي بين المقر والمقر
به، فإن انكسر صححته بالضرب. فأصل المسألة في هذه الصورة على قول المنكر اثنان،
يدفع إليه واحد منهما، والآخر لا ينقسم على اثنين فتضرب اثنين في أصل المسألة
فالمرتفع - وهو أربعة - نصفه للمنكر، ونصفه للآخرين لكل منهما واحد. هذا كله إذا لم
يكن الاولان معلومي النسب، وإلا فلا عبرة بإنكار الثالث، وكانت التركة بينهم
أثلاثا، لثبوت نسب الاولين واعترافهما بالثالث، سواء كاناعدلين أم لا، لكن مع
عدالتهما يثبت نسب الثالث وإلا فلا. قوله: لو كان للميت إخوة... الخ . إذا كان
الوارث للميت ظاهرا إخوة وزوجة فلها الربع ظاهرا، فإذا أقرت بولد فقد أقرت له بنصف
نصيبها وهو الثمن. ثم ينظر إن صادقها الاخوة دفعوا إليه جميع ما يخصهم ظاهرا وهو
ثلاثة أرباع التركة، لان ذلك مقتضى حكم الولد، سواء ثبت نسبه بأن كان فيهم عدلان أم
لا. وكذا القول في كل وارث ظاهرا أقر بمن هو أولى منه، كما لو أقر العم أو الاعمام
بأخ.
ص 133
الخامسة: إذا مات صبي مجهول النسب، فأقر إنسان ببنوته، ثبت نسبه، صغيرا كان أو
كبيرا، سواء كان له مال أو لم يكن، وكان ميراثه للمقر. ولا يقدح في ذلك احتمال
التهمة، كما لو كان حيا وله مال. ويسقط اعتبار التصديق في طرف الميت ولو كان كبيرا،
لانه في معنى الصغير. وكذا لو أقر ببنوة مجنون، فإنه يسقط اعتبار تصديقه، لانه لا
حكم لكلامه.
واحترز بقوله: وارث في الظاهر عن أمرين: أحدهما: الوارث في نفس
الامر، فإن إرثه كذلك مناف صحة إقراره، فيمتنع اعتباره. والثاني: عما لو لم يكن
وارثا أصلا، فإن إقراره لا يعتبر، لانه إقرار علىالغير، وإنما ينفذ إقرار الوارث
ظاهرا لكونه إقرارا على ما في يده. ولو كان الوارث قد أقر بمساو، كما لو أقر الاخ
بآخر، دفع إليه بنسبة نصيبه - أي: نصيب المقر به إلى أنصباء الورثة - من نصيبه أي:
نصيب المقر. فلو كان أحد الاخوين قد أقر بأخت - مثلا - دفع إليها من نصيبه - وهو
النصف - خمسا، لانه نسبة نصيب الاخت إلى سهام الاخوين، ويبقى من نصيبها على زعمه
خمس آخر من نصيب الاخ غير المقر. وعلى هذا. والضابط: أن المقر يدفع إلى المقر له ما
زاد من نصيبه لولا الاقرار على تقدير وجود المقر به. فالزوجة تدفع الثمن، لانه
الفاضل من نصيبها لولا إقرارها بالولد، والاخ يدفع الخمس، لانه الفاضل من نصيبه
لولا الاقرار بالاخت، وهكذا. قوله: إذا مات صبي مجهول... الخ . هذا الحكم مشهور
بين الاصحاب، ذكره الشيخ في المبسوط (1)
(هامش)
(1) ا لمبسرط 3: 41. (*)
ص 134
وغيره (1)، وادعى عليه الاتفاق. وحكمه مع صغر الميت واضح، لان اعتبار التصديق ساقط
في جانب الصغير لو كان حيا فكذا مع الموت. ولا يقدح التهمة بطلب المال لو كان له
مال، كما لا يقدح لو كان حيا موسرا والمقر فقير، لعدم المنازع في ماله حينئذ، ولان
أمر النسب مبني على التغليب، ولهذا يثبت بمجرد الامكان، حتى لو قتله ثم استلحقه
فإنه يقبل استلحاقه ويحكم بسقوط القصاص. ونبه بقوله: ولا يقدح في ذلك احتمال
التهمة على خلاف أبي حنيفة (2) حيث ذهب إلى عدم لحوقه حينئذ، لثبوت التهمة في
حقه. ورد (3) باعترافه بعدم قدح التهمة في (4) حياته ويساره وفقر المقر فكذا بعد
موته، لاشتراكهما في المعنى وهو كون الصغير ليس أهلا للتصديق. وأما على تقدير كونه
كبيرا فوجهوه بما أشار إليه المصنف - رحمه الله - منكون الميت في حكم الصغير حيث لا
يمكن في حقه التصديق، فيسقط اعتباره كما سقط في حق الصغير. ولا يخلو من إشكال،
لاصالة عدم النسب، وكون إلحاقه بمجرد الدعوى على خلاف الاصل فيقتصر فيه على موضع
الوفاق وهو الصغير، وإطلاق (5) اشتراط تصديق الكبير وهو منتف هنا، ولانص في المسألة
ولا إجماع. وتوقف
(هامش)
(1) راجع السرائر 3: 31 1، إصباح الشيعة: 338، قراعد الاحكام 1: 287. (2) راجع
الحاوي الكبير 7: 97، المغني لابن قدامة 5: 333 و334. (3) راجع تذكرة الفقهاء 2:
170. (4) في ذ، خ، م : مع. (5) أي: إطلاق كلام الفقهاء وفتاواهم، ولم نجد في ذلك
نصا. (*)
ص 135
السادسة: إذا ولدت أمته ولدا، فأقر ببنوته لحق به، وحكم بحريته، بشرط أن لا يكون
لها زوج.
في التذكرة (1) لذلك، وعذره واضح. والوجهان آتيان في استلحاق المجنون بعد
بلوغه عاقلا، سواء مات أم لا. قوله: إذا ولدت أمته... الخ . هذا مع إمكان كونه
منه كما هو شرط في غيره ممن يلحق من الاولاد. ثم إن كانت فراشا للمولى وولادته
متأخرة عن ملكها بحيث يمكن علوقه بعد الملك حكم بكون الامة أم ولد. وإن احتمل تقدمه
عليه ففي الحكم بكونها أم ولد بمجرد إلحاق الولد والحكم بلحوقه وجهان، من ظهور
الاستيلاد في ملكه،والاصل عدم غيره، ومن إمكان استيلادها بالنكاح ثم ملكها بعد ذلك،
أو أنه استولدها بالشبهة أو بإباحة المولى، فلا تكون أم ولد بمجرد لحوقه. وربما رجع
الوجهان إلى تعارض الاصل والظاهر، وترجيح الاصل هو الغالب. ولا إشكال لو صرح في
إقراره بعلوقه في ملكه أو بما يستلزمه، كما لو قال: هي في ملكي من خمس سنين وسن
الولد أربع سنين، ونحوه. ولو قال: ولدته في ملكي، احتمل الامران، من حيث إن الولادة
لا تنافي علوقه قبله، بأن يحبلها قبل الملك ثم يشتريها فتلد في ملكه. هذا كله إذا
لم يكن للامة زوج، وإلا كان لاحقا به، لانه فراش، ولم يلتفت إلى دعوى المولى.
(هامش)
(1) تذكرة الفقهاء 2: 170. (*)
ص 136
ولو أقر بابن إحدى أمتيه وعينه، لحق به. ولو ادعت الاخرى أن ولدها هو الذي أقر به،
فالقول قول المقر مع يمينه. ولو لم يعين ومات، قال الشيخ - رحمه الله -: يعين
الوارث، فإن امتنع أقرع بينهما. ولو قيل باستعمال القرعة بعد الوفاة مطلقا، كان
حسنا.
قوله: ولو أقر بابن إحدى... الخ . إذا كان له أمتان فصاعدا، ولكل واحدة
ولد، فقال: ولد إحداهما ولدي، وكان استلحاقهما ممكنا على الوجه السابق، أمر
بتعيينه، كما لو طلق إحدى امرأتيه وأعتق أحد عبيده. فإذا عين أحدهما ثبت نسبه وكان
حرا وورثه. ثم في صيرورة أمه أم ولد ما سبق (1). وكذا الحكم لو كان الولدان من أم
واحدة فأقربأحدهما خاصة. فإن تعددت الام وادعت الاخرى أن المستلحق ولدها فالقول قول
المولى مع يمينه، لان الاصل معه، وهو ينفي ما تدعيه. وكذا لو بلغ الولد وادعى ذلك.
فإن نكل المولى قال في التذكرة: حلف المدعي وقضي بمقتضى يمينه (2). وهذا يتم
فيما لو كان المدعى الولد، أما الام فإن كان إقراره متضمنا كونها أم ولد فيمينها
لاثبات حقها من أمية الولد جيد، أما لاثبات ولادة ولدها فمشكل، لانها تثبت بيمينها
حقا لغيرها وهو حرية الولد. ولو مات المقر قبل التعيين قال الشيخ (3): قام وارثه
مقامه في التعيين، لا بمعنى أنه ينشى، تعيينا من غير علم سابق له بحقيقة الحال،
(هامش)
(1) في الصفحة السابقة. (2) تذكرة الفقهاء 2: 171. (3) ا لمبسوط 3: 46. (*)
ص 137
السابعة: لو كان له أولاد ثلاثة من أمة، فأقر ببنوة أحدهم، فأيهم عينه كان حرا،
والآخران رقا. ولو اشتبه المعين ومات، أو لم يعين، استخرج بالقرعة.
لان النسب لا
يلحق بالتشهي، بل إن كان عالما بالحال ولو بإقرار المورث قبل إخباره بذلك، لان الحق
انتقل من المورث إليه. فإن امتنع من التعيين لعدم علمه أو لغيره اقرع. ويشكل بأنه
إقرار في حق الغير ولا (1) دليل على قبوله، ولان التعيين إنما يعتد به إذا كان من
جميع الورثة، والمقر به منهم، فلو اعتبر تعيينه لزم الدور. فلذلك ذهب المصنف - رحمه
الله - إلى القول باستعمال القرعة بعد الوفاة مطلقا، أي: سواء ادعى الوارث العلم
وعين أم لا، لان هذا من الامور المشكلة وموردالقرعة بالنص (2). وهذا أقوى. ثم إذا
خرجت القرعة لواحد، وكان قد ذكر المقر ما يقتضي أمية أمه، صارت أم ولد بذلك من غير
احتياج إلى قرعة اخرى. قوله: لو كان له أولاد ثلاثة... الخ . لا فرق بين كون
المعين الاكبر من الاولاد والاصغر والاوسط، إن لم نقل بصيرورة الامة فراشا بالوطئ
كما هو المشهور، ولا يلحق ولدها بالمولى إلا بإقراره. والمصنف - رحمه الله - اقتصر
على التفريع على مختاره. وقد تقدم (3) البحث فيه.
(هامش)
(1) في خ، م : بلا. (2) لاحظ الوسائل 1 8: 1 87 ب 1 3 من أبواب كيفية الحكم.
(3) في ج 1 0: 2 1 8 - 2 27. (*)
ص 138
وعلى القول الآخر بصيرورتها فراشا بالوطئ يتحرر المعين ومن ولد بعده. فإن عين
الاكبر وأقر به ابتداء لحق به، وتبعه الاوسط والاصغر، لكونهما مولودين على فراشه.
وإن عين الاوسط أو أقر به تبعه الاصغر، وبقي الاكبر رقيقا. وإن عين الاصغر لحق به
وحده. وكذا الحكم لو لم يعين واستخرج الولد بالقرعة. وعلى هذا فالاصغر نسيب حر على
كل حال، لانه إما المقر به أو تابع لمن قبله بالفراش، بخلاف الآخرين، لاحتمال كون
المقر به هو الاصغر فيكونان رقا. وعلى هذا فهل يفتقر إلى إدخاله في القرعة؟ وجهان:
لا، لانها لاخراج المشتبه بالحرية أو الرقية وهو منفي في حقه، ولجواز أن تقع
(القرعة) (1) على غيره فيلزم استرقاقه، و: نعم، لا ليرق إن خرجت لغيره بل ليرق غيره
إن خرجت عليه، ويقتصر بالحرية عليه. وهذا حسن.وربما قيل بمنع حريته، لان امه وإن
كانت ام ولد يجوز أن يكون رقيقا في نفس الامر. ويشكل بأنا إذا حكمنا بصيرورتها
فراشا ألحقنا به أولادها ظاهرا، من غير التفات إلى إمكان كونهم من غيره ولو بوجه
صحيح، فلا يقدح هذا التجويز. والاصحاب أهملوا التفريع على هذا القول، نظرا إلى
الاشهر بينهم من عدم صيرورتها فراشا بالوطئ.
(هامش)
(1) من ذ، خ، م فقط. (*)
ص 139
الثامنة: لا يثبت النسب إلا بشهادة رجلين عدلين. ولا يثبت بشهادة رجل وامرأتين على
الاظهر، ولا بشهادة رجل ويمين، ولا بشهادة فاسقين ولو كانا وارثين.
قوله: لا يثبت
النسب... الخ . حصر ثبوت النسب في شهادة رجلين بالنظر إلى الشهادة لا إلى مطلق ما
يثبت به، فلا ينافي ما سيأتي (1) إن شاء الله من أنه يثبت بالاستفاضة، لان مستندها
ليس من حيث الشهادة بل من حيث إخبار من يؤمن الكذب في خبره. وقرينة اختصاص الحصر
بالشهادة ما نفى ثبوته به بعد ذلك من شهادة رجل وامرأتين وشهادة رجل ويمين، وغير
ذلك. والاعتذار عن الكلامين (2) المظنون (3) اختلافهما بحمل الافتقار إلى الشاهدين
على ما إذا كان هناك منازع، والاكتفاء بالشياع على عدمه، ليس بجيد، إذ لا يفترق
الحال فيما يثبت به بين المنازع وعدمه، بل الوجه ما ذكرناه من عدم المنافاة بين
الامرين، وأنه يثبت بهما مطلقا. ووجه اختصاصه بالشاهدين دون ما ذكر: أن متعلقه ليس
مالا، ولا المقصود منه المال، وإن ترتب عليه بالعرض كالميراث.والقول بثبوته بشهادة
رجل وامرأتين للشيخ - رحمه الله - في المبسوط (4)، نظرا إلى ترتب المال عليه في
الجملة. وهو شاذ، مع أنه حكم فيه (5) في هذا الباب بعدم ثبوته بذلك.
(هامش)
(1) في الطرف الثاني من كتاب الشهادات. (2) كذا في ذ، د، ق، و، ط ، وفي خ، م
والحجريتين: الكلام. (3) في ق، ط: المطلوب. (4) المبسوط 3: 39، ولاكن فيما إذا
كانوا من الورثة. (5) ا لمبسو ط 3: 47. (*)
ص 140
التاسعة: لو شهد الاخوان - وكانا عدلين - بابن للميت، ثبت نسبه وميراثه، ولا يكون
ذلك دورا. ولو كانا فاسقين لم يثبت النسب، ولكن يستحق دونهما الارث.
قوله: لو شهد
الاخوان... الخ . نبه بقوله: ولا يكون ذلك دورا على ما حكاه الشيخ في المبسوط
(1) من توجه الدور من حيث: إن الابن لو ورث لحجب الاخوين، وخرجا عن كونهما وارثين،
فيبطل الاقرار بالنسب، لانه إقرار من ليس بوارث، وإذا بطل الاقرار بطل النسب، فيبطل
الميراث، فيؤدي ثبوت الميراث إلى نفيه، وذلك دور. ووجه اندفاعه على ما فرضه المصنف
واضح، لان النسب يثبت من حيث شهادتهما لا من حيث إقرارهما، لفرض كونهما عدلين
وشهادة العدلين تثبت النسب وإن كان الشاهد أجنبيا، والشيخ فرضها على تقدير إقرار
الاخوين. والحق أن توهم الدور على تقدير عدالتهما لا وجه له، سواء فرضا شاهدين أم
مقرين، لان إقرارهما في معنى الشهادة، إذ لا يختص بلفظ مخصوص حتى يفترق الحال، كما
لا يختص الاقرار كذلك، فيتأدى بلفظ الشهادة. وإنما يتوجه الدور مع كون المقر بمن هو
أولى منه ممن لا يثبت به النسب،كما لو كان الاخ واحدا أو كانا غير عدلين. فيتجه
حينئذ أن يقال: إن إقراره إنما يسمع إذا كان وارثا، لما تقدم (2) من أن إقرار
الاجنبي بالوارث غير مسموع، فإذا كان المقر به حاجبا للمقر اتجه أن يقال: إنه لو
ورث لحجب المقر، ولو حجبه
(هامش)
(1) المبسو ط 3: 39. (2) في ص: 129. (*)
ص 141
العاشرة: لو أقر بوارثين أولى منه، فصدقه كل واحد منهما عن نفسه لم يثبت النسب،
وثبت الميراث، ودفع إليهما ما في يده. ولو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى إنكارهما.
ولو أقر بوارث أولى منه، ثم أقر بآخر أولى منهما، فإن صدقه المقر له الاول دفع
المال إلى الثاني، وإن كذبه دفع المقر إلى الاول المال وغرمه للثاني. ولو كان
الثاني مساويا للمقر له أولا، ولم يصدقه الاول، دفع المقر إلى الثاني مثل نصف ما
حصل للاول.
يخرج عن أهلية الاقرار، وإذا بطل الاقرار فلا نسب ولا ميراث، فيزول
المانع من نفوذ إقراره، ويلزم من توريثه منع توريثه. وجوابه حينئذ أن المعتبر كونه
وارثا لولا الاقرار، بل لا يصح اعتبار كونه وارثا في نفس الامر، لان ذلك لا يجامع
خروجه عن الارث كما قررناه سابقا (1)، وذلك لا ينافي خروجه عن الجائز (2) به
بالاقرار (3). قوله: لو أقر بوارثين... الخ . إنما لم يلتفت إلى تناكرهما لان
استحقاقهما للارث يثبت في حالة واحدة، فلم يكن أحدهما أولى من الآخر، بخلاف ما لو
أقر بأحدهما ثم أقر بالآخر،فإن اشتراكهما في التركة متوقف على مصادقة الاول. قوله:
ولو أقر بوارث أولى منه... الخ . إذا أقر الوارث ظاهرا - كالعم - بمن هو أولى
منه - كالاخ - نفذ إقراره في
(هامش)
(1) في ص: 132 - 133. (2) كذا في ذ، د، خ، و، م ، وفي ق، ص : الجارية، وفي
ط ؟ الجازية. (3) في خ م : الاقرار. (*)
ص 142
المال، لكونه حائزا للتركة شرعا، فيكون إقراره في حق نفسه. فإذا أقر بعد ذلك بمن هو
أولى منهما كالولد، فإن صدقه الاخ فلا بحث. وإن كذبه فالمشهور أن التركة تدفع إلى
الاخ، لانه استحقها بإقرار الحائز لها أولا، فيكون إقراره ثانيا بمن هو أولى منه
بمنزلة الرجوع عن الاول وتعقيبه بالمنافي، فلا يسمع في حق المقر له الاول، ولكن
يغرم المقر للثاني التركة، لانه فوتها عليه بإقراره الاول (1)، فكان كما لو قال: هي
لفلان بل لفلان. وهذا يتم مع تسليمه التركة اختيارا إلى الاخ، لانه حينئذ بمنزلة
المتلف لها. أما مع عدم التسليم فيشكل: بأنه لا منافاة بين الاقرار بالاخ والاقرار
بالولد، لامكان اجتماعهما على الصدق، بخلاف قوله: لفلان بل لفلان، وبإمكان أن لا
يكون عالما بالولد حين أقر (2) بالاخ، فلا تقصير وإن كان قد نفى وارثا غيره. والوجه
بناء الضمان على ما تقدم (3) من الخلاف فيمن أقر لميت وعين له وارثا هل يؤمر
بالتسليم إليه بدون البحث أم لا؟ فإن أوجبنا البحث فهنا كذلك،ولا ضمان بمجرد
الاقرار، لعدم استلزامه الاستحقاق (4) بذاته. وإن لم نوجبه، فإن سلم التركة إلى
الاخ بأمر الحاكم، أو أوجبناه فأمره بعد البحث، فلا ضمان إن لم يكن عالما بالولد
حينئذ، لعدم التفريط، وامتثاله الامر فلا يتعقب الضمان. وإن سلمه بدون أمره مع
العلم ضمن قطعا، وبدونه على الاقوى، لمباشرته الاتلاف. ولا يفرق بين العالم والجاهل
فيما يرجع إلى الغرم.
(هامش)
(1) في خ، م : للاول. (2) في خ، م إقراره. (3) في ص: 21. (4) في ذ، م
والحجريتين: الاستلحاق. (*)