مسالك الأفهام - ج11

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج11

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 189

ولو قال: لعمر الله، كان قسما، وانعقدت به اليمين. ولا تنعقد اليمين: بالطلاق، ولا بالعتاق، ولا بالتحريم، ولا بالظهار، ولا بالحرم، ولا بالكعبة والمصحف والقرآن، و(لا) الابوين، ولا بالنبي والائمة عليهم السلام.

وإن كان محتملا على السواء لا يحكم به إلا مع تصريحه بإرادة المعنى المطلوب. هذا بحسب الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فالمعتبر ما نواه. وعلى هذا فيحكم بوقوع اليمين ممن سمع منه قوله: أقسمت بالله لافعلن، ما لم يخبر عن إرادة الخبر، ولا يحكم على من سمع منه: أشهد بالله لافعلن، إلا مع إخباره بإرادة اليمين. وعلى قول الشيخ لا يحكم باليمين فيهما إلا مع إخباره بإرادة اليمين، كما لو تلفظ بالكنايات في الطلاق والظهار وقلنا بوقوعهما بها أو ببعضها، على ما سبق (1) تحقيقه. قوله: (ولو قال: لعمر الله... الخ). هو بفتح (2) العين مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف. والمعنى: لعمر الله قسمي. وهو بمعنى البقاء والحياة. وهو قريب من العمر بالضم، لكنه لم يستعمل في القسم إلا مفتوحا. وهو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من انعقاد اليمين كالقدرة والعلم وغيرهما من الصفات، لكنه لما استعمل في اليمين عرفا وشرعاحكموا بانعقاده به. قوله: (ولا تنعقد اليمين... الخ). المشهور بين الاصحاب أن اليمين لا تنعقد إلا بالله تعالى وأسمائه المذكورة

(هامش)

(1) في ج 9: 63 - 6 4 و67 و73 و4 8 4. (2) في هامش ق، ط : صرح في القاموس بأن العمر بالفتح هو العمر بالضم، حيث قال: العمر بالفتح وبالضم وبضمتين: الحياة، ثم قال: ولعمر الله أي: وبقاء الله. كذا وجدت بخط المصنف رحمه الله . انظر القاموس المحيط 2: 95. (*)

ص 190

وكذا: وحق الله، فإنه حلف بحقه لا به. وقيل: تنعقد. وهو بعيد

سابقا، ولا تنعقد بغيره من المخلوقات المعظمة والاماكن المشرفة، كالانبياء (1) (والائمة) (2) والملائكة والحرم والكعبة وغيرها، قال صلى الله عليه وآله: لا تحلفوا إلا بالله (3)، وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (4)، وروى محمد بن مسلم في الحسن قال: (قلت لابي جعفر عليه السلام قول الله عز وجل: (والليل إذا يغشى، (5) (والنجم إذا هوى، (6) وما أشبه ذلك، فقال: إن الله يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به (7). وشذ قول ابن الجنيد (8) بانعقاده بما عظم الله من الحقوق، كقوله: وحق رسول الله وحق القرآن، وبالطلاق والعتاق والصدقة ونحوها.قوله: (وكذا: وحق الله... الخ). حق الله قد يراد به ما يجب له على عباده من العبادات التي أمر بها،

(هامش)

(1) في خ، م والحجريتين: كالنبي. (2) من (ذ، خ، م والحجريتين. (3) الكافي 7: 438 ح 1، التهذيب 8: 283 ح 1 0 4 0، وسائل الشيعة 1 6: 124 باب 6 من أبواب كتاب الايمان ح 1. (4) سنن الدارمي 2: 1 85، صحيح البخاري 3: 235، صحيح مسلم 3: 1267 ح 3، سنن البيهقي 10: 28. (5) الليل: 1. (6) النجم: 1. (7) الكافي 7: 4 4 9 ح 1، التهذيب 8: 277 ح 1 0 0 9، الوسائل 1 6: 160 ب 3 0 من أبواب كتاب الايمان ح 3: وفي المصادر: إن لله أن يقسم.... (8) ما حكاه عنه العلامة في المختلف: 649، وليس فيه: الطلاق والعتاق والصدقة، انظر نهاية المرام للعاملي 2: 330. (*)

ص 191

ولا تنعقد اليمين إلا بالنية. ولو حلف من غير نية لم تنعقد، سواء كان بصريح أو كناية، وهي يمين اللغو.

وفي الحديث: (قلت: يا رسول الله ما حق الله على عباده؟ قال: ألا يشركوا به شيئا، ويعبدوه. ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة (1). وقد يراد به القرآن، قال تعالى: (وإنه لحق اليقين، (2) يعني: القرآن. وقد يراد به الله الحق، كغيره من الصفات الراجعة إلى ذاته من غير اعتبار زيادة. فإذا قال الانسان: وحق الله لافعلن، لم تنعقد اليمين، لاشتراكه بين أمور كثيرة أكثرها لا تنعقد به اليمين، سواء قصد تلك الافراد أم أطلق، لان المتبادر من حقه غيره. وقال الشيخ في المبسوط (3) وجماعة (4): تنعقد اليمين بذلك، لانها يمين عرفا، ولاغلبية استعمالها في المعنى الاخير، ولان حق (5) صفة عامة فإذا أضيف إلى الله تعالى اختص به، فكان يمينا كسائر صفات ذاته من العظمة والعزة وغيرها. ولا إشكال في عدم. الانعقاد لو قصد به أحد المعنيين الاولين. قوله: ولا تنعقد اليمين إلا بالنية... الخ . المراد بالنية القصد إليه. واحترز به عمن سبق لسانه إلى كلمة اليمين، كقوله في حالة غضب أو لجاج أو عجلة أو صلة كلام: لا والله (و) (6) بلى والله، فإن يمينه لا تنعقد ولا يتعلق به كفارة، لقوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في

(هامش)

(1) نقله بتمامه في الحاوي الكبير 1 5: 27 5، وأورد صدره في مسند أحمد 2: 3 0 9، سنن ابن ماجة 2: 1435 ح 4296، مجمع الزوائد 1: 5 0. (2) الحاقة: 51. (3) المبسوط 6: 1 97 و1 9 9. (4) المختلف: 65 5، الدروس الشرعية 2: 1 62، التنقيح الرائع 3: 506. (5) في الحجريتين: الحق. (6) من ق والحجريتين. (*)

ص 192

والاستثناء بالمشيئة يوقف اليمين عن الانعقاد، إذا اتصل بالمجين، أو انفصل بما جرت العادة أن الحالف لم يستوف غرضه. ولو تراخى عن ذلك من غير عذر حكم باليمين، ولغا الاستثناء. وفيه رواية مهجورة. ويشترط في الاستثناء النطق، ولا تكفي النية. ولو قال: لادخل (1) الدار إن شاء زيد، فقد علق اليمين على مشيئته، فإن قال: شئت، انعقدت اليمين، وإن قال: لم أشأ، لم تنعقد. ولو جهل حاله، إما بموت أو غيبة، لم تنعقد اليمين، لفوات الشرط.

أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) (2) فعن الصادق عليه السلام أنه قال: (اللغو هو قول الرجل: لا والله وبلى والله، ولا يعقد على شيء (3) ولو قصد الحلف على شيء فسبق لسانه إلى غيره فهو في معنى لغو اليمين أيضا. ولا فرق مع عدم القصد بين الصريح كقوله: والله، والكناية كحلفه بما يحتمل اليمين وغيره كقوله: وحق الله. قوله: والاستثناء بالمشيئة... الخ . المراد بالاستثناء بالمشيئة هنا أن يقول بعد اليمين: إن شاء الله. فإذا عقب اليمين بها لم يحنث بالفعل المحلوف عليه ولم تلزمه الكفارة. لما روي أنه صلى

(هامش)

(1) في الشرائع الطبعة الحجرية: لا أدخل، وفي متن الجواهر (35: 248): لادخلن. (2) المائدة: 89. (3) تفسير العياشي 1: 336 ح 164 الكافي 7: 443 ح 1، التهذيب 8: 280 ح 1023الوسائل 16: 144 ب 17 من كتاب الايمان ح 1. (*)

ص 193

الله عليه وآله قال: من حلف على يمين فقال: إن شاء الله. لم يحنث (1). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: من استثنى في يمين فلا حنث عليه ولا كفارة (2). ولا فرق بين ما يعلم مشيئة الله فيه كالواجب والندب وغيرهما (3). لعموم النص، خلافا للعلامة (4) حيث خص الحكم بما لا يعلم فيه المشيئة، نظرا إلى التعليل. ويشتر ط: أن يتلفظ بكلمة الاستثناء، فلو نوى بقلبه إن شاء الله لم تعتبر نيته. ولم يندفع (5) الحنث والكفارة. وأن يكون قاصدا إلى التلفظ بها كاليمين، فلو سبق لسانه إليها من غير قصد لم يعتد بها. وأن يكون كلمة الاستثناء متصلة باليمين لا يتخللها كلام ولا سكوت. إلا أن يكون قليلا. كنفس (6) وعي وتذكر وسعال ونحو ذلك مما لا يخل بالمتابعة عرفا. والرواية التي أشار إليها المصنف بعدم اشتراط الاتصال رواها عبد الله بن ميمون القداح في الصحيح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: للعبد أن

(هامش)

(1) مسند أحمد 2: 3 0 9، صحيح مسلم 3: 1275 ح 23، سنن الترمذي 4: 92 ح 1 53 2، نصب الراية 3: 3 0 2، سنن البيهقي 1 0: 46. (2) الكافي 7: 448 ح 5، التهذيب 8: 282 ح 1 031، الوسائل 16: 1 57 ب 28 من كتاب الايمان ح 1. (3) في ذ : وغيرها، ولعل الاولى: وغيره (4) قواعد الاحكام 2: 130. (5) في خ، م : يرتفع. (6) في ذ والحجريتين: كتنفس. (*)

ص 194

يستثني في اليمين ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي (1). وهو مروي أيضا عن ابن عباس (2) رضي الله عنه. والرواية مهجورة لم يعمل بها أحد من الاصحاب وإن كانت معتبرة الاسناد. وحملت على ما لو استثنى بالنية واستمرت كذلك إلى أربعين يوما ثم أظهرها. وإنما اكتفى بالاستثناء نية (3) لان اليمين تتخصص بالنية، كما إذا حلف على عام وخصصه (4) بالنية أو مطلق وقيده بها، ونحو ذلك، فإذا استثنى سرا لم ينو (5) شمول اليمين. وفيه: أن الاستثناء يوقف اليمين فلا يتقيد (6) حينئذ بالاربعين. قيل: التقييد بالاربعين للمبالغة. قلنا: إذا وقفت دائما كان التقييد بالدوام أو بما زاد عليها أبلغ. ولا فرق مع اتصاله باليمين بين تأخره عنها وتقدمه وتوسطه. ثم مع تأخيره إن كان عازما عليه من ابتداء اليمين فلا إشكال في صحته. وإن عزم عليه في أثنائه أو بعده بغير فصل فوجهان أصحهما الصحة.ولو قال: والله لافعلن كذا إلا أن يشاء الله، أولا أفعل إلا أن يشاء الله، فوجهان أشهرهما أنه كالاول، فلا يحنث بالفعل ولا بعدمه. ويحتمل الحنث في الاول إن لم يفعل وفي الثاني إن فعل. لان شرط منع الحنث مشكوك فيه.

(هامش)

(1) تفسير العياشي 2: 324 ح 16، التهذيب 8: 281 ح 1029، الوسائل 16: 158 ب 29 من كتاب الايمان ح 6، ولم ترد فيهما: في اليمين. (2) لم نجده مرويا عنه بهذا اللفظ في صحاح العامة وجوامعهم. نعم، روي عنه الاستثناء ولو بعد سنة، انظر سنن البيهقي 10: 48. (3) كذا في ذ، ص، و، م ، وفي سائر النسخ: فيه. (4) في ذ والحجريتين: وخصه. (5) في الحجريتين: لم يبق. (6) كذا في ذ، و، خ والحجريتين، وفي ص، ق، ط : ينعقد. (*)

ص 195

ولو قال: لادخلن الدار إلا أن يشاء زيد، فقد عقد اليمين، وجعل الاستثناء مشيئة زيد. فإن قال زيد: قد شئت أن لا يدخل، وقفت اليمين، لان الاستثناء من الاثبات نفي. ولو قال: لادخلت إلا أن يشاء فلان، فقال: قد شئت أن يدخل، فقد سقط حكم اليمين، لان الاستثناء من النفي إثبات.

قوله: (ولو قال: لادخلن الدار... الخ . تعليق اليمين بشرط في عقدها وحلها جائز، سواء كان الشرط مشيئة غيره أم لا. وقد ذكر المصنف من تعليقها بالمشيئة صورا: أحدها: أن يعلق عقدها على مشيئة زيد، بأن يقول: لادخلن الدار إن شاء زيد. فهنا قد علق انعقاد اليمين على مشيئة زيد، فيكون مشيئته شرطا فيها. فإن قال: شئت، انعقدت، لوجود الشرط. وإن قال: لم أشأ، لم ينعقد، لفقد الشرط. وكذا لو جهل حال مشيئته بموت أو غيبة أو غيرهما، لعدم حصول شرط الانعقاد وهو مشيئته أن (لم) (1) يفعل. وهذه الصورة لا إشكال فيها. وثانيها: أن يعلق الحل على مشيئته، بأن يقول: لادخلن الدار إلا أن يشاء (زيد) (2). وهنا قد عقد اليمين، ولكن جعل لحلها طريقين: أحدهما: أن يدخل،والثاني: أن يشاء زيد أن لا يدخلها. فإن دخل قبل مشيئته بر، سواء شاء زيد بعد ذلك أم لا (3)، لحصول الحل بفعل مقتضى اليمين فلا تؤثر المشيئة بعده فيه. وإن لم يدخلها وشاء زيد أن لا يدخلها بر أيضا، وهو معنى قول المصنف -

(هامش)

(1) سقطت من ذ، خ، م . (2) من خ، م . (3) في خ والحجريتين: أم لم يشأ. (*)

ص 196

رحمه الله -: (وقفت اليمين . ووجهه: أن متعلق المشيئة المذكورة هو عدم دخوله، فكأنه قال: لادخلن إلا أن يشاء زيد أن لا أدخل فلا أدخل، لان المستثنى والمستثنى منه متضادان، والاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات. ولما كان المحلوف عليه إثبات الدخول كان الاستثناء ضده وهو عدم الدخول، فإذا شاءه (1) فقد حل اليمين. ولو فرض مشيئة زيد الدخول فاليمين بحالها، لان مشيئته للفعل غير مستثناة. وكذا لو جهل حال مشيئته. لان الانعقاد حاصل. وإنما الحل مشروط بمشيئته (2) عدم الدخول، ولم يحصل الشرط فلم يقع الحل، لانها منعقدة بدونه. وثالثها: أن تتعلق اليمين بنفي الدخول معلقا على المشيئة. وله صورتان كالاثبات. ذكر المصنف منهما واحدة. وهي المبهم منهما ومحل النظر كالسابقة. فإن قال: لادخلت الدار إلا أن يشاء فلان، فالكلام فيه كالسابق، فإن المستثنى منه نفي فيكون الاستثناء إثباتا، فكأنه قال: لا دخلتها إلا أن يشاء، زيد أن أدخل. فإن لم يدخل بر في يمينه. وإن دخل وقد شاء فلان دخوله قبل أن يدخل بر أيضا. وإن كان قد شاء أن لا يدخل حنث. ولا يغني مشيئة الدخول بعد ذلك.. وإن لم تعرف المشيئة فهي منعقدة. هذا ما اقتضاه لفظ الاستثناء عند الاطلاق أو مع قصده. أما لو قصد في استثنائه عكس ذلك فإنه يقبل ويدين بنيته. فإن قال: إني أردت بالاستثناء

(هامش)

(1) في د، و، ط : شاء. (2) في د، ص، خ، م : بمشيئة. (*)

ص 197

ولا يدخل الاستثناء في غير اليمين. وهل يدخل في الاقرار؟ فيه تردد. والاشبه أنه لا يدخل.

مخالفة مشيئته، فأردت بقولي لا أدخلن إلا أن يشاء أن أدخل: فإني أخالفه ولا أدخل. وبقوله (1) (لا أدخل إلا أن يشاء أن لا أدخل : فإني أخالفه وأدخل فينعكس الحكم. فإن شاء في الاولى أن يدخل قبل دخوله انحلت اليمين وارتفع وجوب الدخول، لوقوع الشرط. وفي الثانية إذا شاء أن لا يدخل انحلت اليمين أيضا، لوجود شرط الحل. والتضاذ بين المستثنى والمستثنى منه حاصل على هذا التقدير أيضا. والحكم مع الجهل بمشيئته كالسابق. والضابط أنه: كلما كان العقد موقوفا وجهل الشرط فلا عقد، وكلما كان الحل موقوفا فهي منعقدة إلا مع علم شرط الحل. والصورة الثانية للنفي ما لو قال: لادخلت الدار إن شاء زيد أن لا أدخلها. وإنما تنعقد يمينه هنا إذا شاء زيد أن لا يدخلها. والبحث فيها كالاولى. فتنحل بدخولها قبل مشيئته، ويجهل حالها بموت وشبهه. قوله: ولا يدخل الاستثناء... الخ . الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا يدخل في غير اليمين، بمعنى صحة دخوله وإيقافه، لانه تعليق، فكل ما كان شرطه التنجيز ينافيه. واليمين خرج من ذلك بنص (2) خاص وإلا لكان حكمه كذلك. وللشيخ (3) قول بصحته في الطلاق والعتاق والاقرار، بمعنى أنه يوقفه أيضا،

(هامش)

(1) كذا في النسخ الخطية، ولعل الاولى: وبقولي. (2) انظر ص: 193، هامش (1 ر 2). (3) المبسوط 6: 200. (*)

ص 198

استنادا إلى عموم (1) ما دل على دخوله في اليمين، وتعليق الطلاق والعتق والاقرار على المشيئة يمين أيضا وإن لم يكن بالله، كما مر (2) عليه التنبيه في باب الظهار والايلاء، وأن اليمين والشرط متقاربان في الصيغة. وعلى قوله يقف الطلاق والعتق بذلك كما يقف اليمين، وهو في معنى البطلان على قول من أبطل ذلك بتعليقه على الشرط الفاسد، وإنما يخالفه عند من يقول بصحة العقد والايقاع وبطلان الشرط خاصة كابن إدريس (3)، فإذا علق الطلاق ونحوه على المشيئة صح ولغا الشرط. والاصح بطلانهما معا. وهو قول الشيخ أيضا في الخلاف (4).وأما الاقرار. فمن قال بدخوله في الطلاق والعتق قال به في الاقرار فحكم بإلغائه إذا تعقبته المشيئة. ومن (5) رده فيهما اختلفوا هنا، فمنهم من جوز دخوله فيه، ومنهم العلامة في المختلف (6). نظرا إلى أن الاقرار المعلق لا يصح، فيكون تعليقه على المشيئة موقفا له، ولاصالة براءة الذمة من موجبه. والاكثر (7) ومنهم المصنف على عدم دخوله فيه، ويكون تعقيبه به كتعقيب الاقرار بالمبطل، فيلغو الاستثناء ويلزم الاقرار. وهذا أقوى. كل ذلك إذا لم يقصد بالمشيئة التبرك، وإلا لم يضر في الجميع.

(هامش)

(1) انظر ص: 193، هامش (1 و2). (2) انظر ج 9: 476، وج 1 0: 1 28. (3) السرائر 2: 69 5 - 69 6. (4) الخلاف 4: 483 مسألة (5 3). (5) سقطت العبارة: ومن رده - إلى - على المشيئة من ص، ق، ط،. (6) المختلف: 649. (7) السرائر 3: 4 1 - 42،. إيضاح الفوائد 4: 9، الدروس الشرعية 2: 165. (*)

ص 199

والحروف التي يقسم بها: الباء، والواو، والتاء. وكذا لو خفض ونوى القسم، من دون النطق بحرف القسم، على تردد، أشبهه الانعقاد.

قوله: (والحروف التي يقسم... الخ . قال أهل اللسان: حروف القسم ثلاثة، وهي: الباء الموحدة، والواو، والتاء. وأصلها الباء، وهي صلة الحلف والقسم. وكان الحالف يقول: حلفت أو أقسمت بالله، ثم لما كثر الاستعمال وفهم المقصود حذف الفعل. وتلي الباء الواو، وآية قصورها عن الباء أن الباء تدخل على المضمركما تدخل على المظهر، تقول: بك وبه لافعلن كذا، بخلاف الواو. وتلي الواو التاء. وقد تقام التاء مقام الواو. كما في تخمة وهي من الوخامة، وتراث وهو من قولهم: ورث. وآية قصورها أنها لا تدخل من الاسماء إلا على الله، كما قال تعالى: (تالله تفتؤ تذكر يوسف، (1) (وتالله لاكيدن أصنامكم، (2)، ولا تدخل على سائر الاسماء. وربما قالوا: تربي وترب الكعبة وتالرحمن. فإذا قال: تالله لافعلن كذا، فإن نوى به اليمين فلا شك في كونه يمينا. وكذا نحمله عليه مع الاطلاق. لاشتهار الصيغة في الحلف لغة وشرعا وعرفا. ولو قال: لم أرد به اليمين، وإنما أردت: وثقت بالله واعتصمت به أو استعين بالله أو أو من بالله ثم ابتدأت: لافعلن، فوجهان أظهرهما القبول إذا لم يتعلق به حق

(هامش)

(1) يوسف: 85. (2) الانبياء: 57. (*)

ص 200

ولو قال: ها الله، كان يمينا.

آدمي، كما لو ادعى عدم القصد، وهذا بخلاف ما لو أتى بالباء (1) أو الواو. ولو قال: والله برفع الهاء أو نصبها، فهو لحن. وفي انعقاد اليمين به مع قصده وجهان. ولو حذف حروف القسم وقال: الله - بالجر - لافعلن، ونوى اليمين ففي انعقاده وجهان، من وروده لغة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث ركانة: (الله ما أردت إلا واحدة (2) [بالجر] (3) ولان الجر مشعر بالصلة الخافضة، ومن أن العادة لم تستمر بالحلف كذلك. ولا يعرفه إلا خواص الناس والاول أقوى. ولو رفع أو نصب فالوجهان. وأولى بالوقوع هنا مع النصب، لجوازه بنزع الخافض. ولو قال: بله (4)، وشدد اللام وحذف الالف بعدها، فهو غير ذاكر لاسم الله تعالى صريحا، فإن البلة هي الرطوبة، لكن إن نوى به اليمين فهو لحن شائع في ألسنة العوام والخواص، وقد يستجيز العرب حذف الالف في الوقف، لان الوقف يقتضي إسكان الهاء، فالوجه وقوع اليمين به مع قصده. ويحتمل العدم، لكونه لحنا ظاهرا. قوله: ولو قال: ها الله... الخ . مما يقسم به لغة: ها الله. فإذا قيل: لاها الله ما فعلت. فتقديره: لا والله، و ها للتنبيه يؤتى بها في القسم عند حذف حرفه. ويجوز فيها: ها الله بقطع الهمزة ووصلها، وكلاهما مع إثبات الالف وحذفها. نص عليه ابن هشام في

(هامش)

(1) كذا في د، ق وهو الصحيح، وفي سائر النسخ: بالتاء. (2) سنن ابن ماجة 1: 66 1 ح 2 0 5 1، سنن البيهقي 7: 342. (3) من خ، م . (4) في ( ص، د، ق، ط : بالله. (*)

ص 201

وفي أيمن الله تردد، من حيث هو جمع يمين. ولعل الانعقاد أشبه، لانه موضوع للقسم بالعرف. وكذا: أيم الله، و: من الله، و: م الله.

المغني (1). قوله: وفي أيمن الله تردد... الخ). مما يقسم به لغة: أيمن الله، وهو اسم لا حرف، خلافا للزجاج والرماني. واختلفوا (2) في أنه مفرد مشتق من اليمين، أو جمع يمين، فالبصريون على الاول، والكوفيون على الثاني. وهمزته همزة وصل على الاول، وقطع علىالثاني. واعترض على القائل بجمعه بجواز كسر همزته وفتح ميمه، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو: أفلس وأكلب. والمصنف - رحمه الله - تردد في انعقاد اليمين به من حيث إنه جمع يمين على قول، فالقسم به لا بالله، وعلى القول الآخر فالقسم أيضا بوصف من أوصاف الله وهو يمنه (3) وبركته لا باسمه، ومن أنه موضوع للقسم عرفا، والقسم بالوصف الذاتي لله كالقسم به، ككبرياء الله وعظمته. وهذا أقوى. والاغلب في هذا رفعه بالابتداء وإضافته إلى اسم الله. والتقدير: أيمن الله قسمي. ويجوز جره بحرف القسم، وإضافته إلى الكعبة وكاف الضمير. وأما أيم الله وما بعده فمقتضب من أيمن تخفيفا بحذف بعض حروفه أو إبداله لكثرة الاستعمال. وقد ذكر الفاضل اللغوي ابن بري في الاستدراك على الصحاح في هذه الكلمات إحدى وعشرين لغة. أربع في أيمن : فتح الهمزة وكسرها، مع ضم النون وفتحها. وأربع في ليمن : باللام المكسورة والمفتوحة،

(هامش)

(1) مغني اللبيب 2: 349. (2) الانصاف للانباري 1: 404 مسألة 59. (3) في د، خ، م : يمينه. (*)

ص 202

النظر الثاني في الحالف

ويعتبر فيه: البلوغ، وكمال العقل، والاختيا ر، والغصد. فلا تنعقد يمين: الصغير، ولا المجنون، ولا المكره، ولا السكران، ولا الغضبان إلا أن يملك نفسه.

والنون المفتوحة والمضمومة. ولغتان في (يمن : بفتح النون، وضمها. وثلاث لغات في أيم : بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم، وبفتح الهمزة مع فتح الميم. ولغتان في إم بكسر الميم وضمها، مع كسر الهمزة فيهما. وثلاث في من بضم الميم والنون، وفتحهما، وكسرهما. و م : بالحركات الثلاث. وكل ذلك يقسم به. قوله: (في الحالف... الخ . قد تقدم (1) في الصيغة اشتراط النية، والمراد منها القصد إليها، فاشتراطه هنا إما باعتبار صلاحيته شرطا للحالف كما يصلح شرطا لصحة الصيغة، أو للتنبيه على مغايرته لها من وجه. بأن يراد منه اتصاف الحالف به في نفسه، سواء ربط بمقصود أم لا، وبالنية ربط القصد بالصيغة الدالة على الحلف، كما ينبه عليه نشره، فإنه أخرج باشتراط القصد السكران والغضبان الذي لا يملك نفسه، فإنه لا قصد لهما في أنفسهما، بخلاف الكامل الخالي من موانع القصد، فإنه قاصد فيالجملة لكن قد يربط قصده بالصيغة فيكون قاصدا ناويا، وقد لا يتوجه بقصده إليها فيكون لاغيا بحلفه.

(هامش)

(1) في ص: 191. (*)

ص 203

وتنعقد اليمين بالقصد. وتصح اليمين من الكافر، كما تصح من المسلم. وقال في الخلاف: لا تصح.

قوله: (وتنعقد اليمين بالقصد . لا شبهة في انعقادها بالقصد مع باقي الشرائط، وإنما الغرض أنها لا تنعقد بدونه، فالقصد من العبارة مفهومها لا منطوقها. ونبه بذلك على خلاف بعض العامة (1) حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح وإن لم يقصد، وإنما يتوقف على القصد ما ليس بصريح كالكناية بالحق والقدرة والكلام ونحو ذلك. قوله: (وتصح اليمين من الكافر... الخ . إذا حلف الكافر بالله تعالى على شيء، سواء كان مقرا بالله كاليهودي والنصراني ومن كفره بجحد فريضة من المسلمين، أم غير مقر به كالوثني، ففي انعقاد يمينه أقوال أشهرها - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، والشيخ في المبسوط (2)، وأتباعه (3)، وأكثر المتأخرين (4) - الانعقا د، لوجود المقتضي، وهو حلفه بالله تعالى مع باقي الشرائط، وانتفاء المانع، إذ ليس هناك إلا كفره وهو غير مانع، لتناول الادلة الدالة على انعقاد اليمين له من الآيات (5) والاخبار (6)، ولان

(هامش)

(1) راجع الحاوي الكبير: 15: 276، المغني لابن قدامة 11: 191. (2) المبسوط 6: 194. (3) ا لمهذب 2: 406. (4) ا لجا مع للشرا ئع: 4 1 7، إرشاد الاذهان 2: 84، الدروس الشرعية 2: 166. (5) المائدة: 89، النحل: 91. (6) انظر الوسائل 16: 159 ب (30 من أبواب كتاب الايمان وغيره. (*)

ص 204

الكفار مخاطبون بفروع الشرائع، فيدخلون تحت عموم قوله تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان، (1) وغيره (2). وقال الشيخ في الخلاف (3) وابن إدريس (4): لا تنعقد مطلقا، لان شرط صحتها الحلف بالله والكافر لا يعرف الله. وفي إطلاق القولين معا منع (5) ظاهر. وفصل العلامة في المختلف (6) جيدا فقال: إن كان كفره باعتبار جهله بالله وعدم علمه به لم تنعقد يمينه، لانه يحلف بغير الله، ولو عبر به فعبارته لغو، لعدم اعتقاده ما يقتضي تعظيمه بالحلف به. وإن كان جحده باعتبار جحد (7) نبوة أو فريضة انعقدت يمينه، لوجود المقتضي وهو الحلف بالله تعالى من عارف به إلى آخر ما يعتبر. وتوقف فعل المحلوف عليه لو كان طاعة والتكفير على تقدير الحنث على الإسلام لا يمنع أصل الانعقاد، لانه مشروط بشرط زائد على أصل اليمين (8)، فلا ملازمة بينهما. وفائدة الصحة تظهر في بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة، وفي العقاب على متعلقها لو مات على كفره ولما يفعله، لا في تدارك الكفارة لو (9) سبق الحنث الإسلام، لانها تسقط عنه به.

(هامش)

(1 و2) المائدة: 89، النحل: 91. (3) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 552 مسألة (9). (4) السرائر 3: 48. (5) في (خ : نظر. (6) المختلف: 650 - 651. (7) في ص، و، ط : جحده بنبوة، وفي م : جحد نبي. (8) في ذ، ص، خ، م : النذر.(9) في د، م : ولو. (*)

ص 205

وفي صحة التكفير منه تردد، منشؤه الالتفات إلى اعتبار نية القربة.

قوله: وفي صحة التكفير... الخ . إذا قلنا بصحة يمين الكافر على بعض الوجوه، وحنث في يمينه، ووجبت عليه الكفارة، فظاهر مذهب الاصحاب (1) عدم صحتها منه حال كفره مطلقا، لانها من العبادات المشروطة بنية القربة فيها، وهي متعذرة في حقه، سواء عرف الله أم لا. لان المراد من القربة ما يترتب عليه الثواب، وهو منتف في حقه. والمصنف - رحمه الله - تردد في ذلك. ووجه التردد مما ذكر، ومن احتمال أن يراد بالقربة قصد التقرب إلى الله تعالى، سواء حصل له القرب والثواب أم لا، كما سبق (2) تحقيقه في عتق الكافر، ومن حيث إن بعض خصال الكفارة قد يشك في اعتبار نية القربة فيها، كالاطعام والكسوة كما تقوله العامة (3)، فإنهم لا يعتبرون النية إلا في الصوم من خصالها، لصدق الاطعام ونحوه بدونها. ولكن مذهب الاصحاب اعتبار نية القربة في جميع خصالها، وظاهرهم اختيار المعنى الاول من معاني القربة، ومن ثم أبطلوا عبادات الكافر، ومن اختار منهم صحة يمينه منع من صحة التكفير منه ما دام على كفره. فما تردد المصنف - رحمه الله - فيه لا يظهر فيه خلاف معتد به، وإن كان البحث قد ينساق إلى توجه القول علىأحد الوجهين.

(هامش)

(1) راجع المبسوط 6: 194، المهذب 2: 4 0 6، الجامع للشرائع: 4 17. (2) انظر ج 10: 285 - 286. (3) ولكنه مذهب بعض العامة لا جميعهم، فقد حكم بعضهم بصحة الاعتاق والاطعام دون الصوم من الكافر، انظر الحاوي الكبير 1 5: 2 69، الوجيز 2: 8 1، شرح فتح القدير 4: 370، كفاية الاخيار 2: 155. (*)

ص 206

ولا تنعقد من الولد مع والده، إلا مع إذنه. وكذا يمين المرأة، والمملوك، إلا أن تكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح. ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك، كان للاب والزوج والمالك حل اليمين ولا كفارة.

قوله: ولا تنعقد من الولد... الخ). لا إشكال في توقف انعقاد يمين كل واحد من الثلاثة على إذن الولي المذكور، ما لم يكن يمينه على فعل واجب أو ترك محرم. وهو مستفاد من أحاديث، منها حسنة (1) منصور بن حازم أن الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يمين لولد مع والده، ولا للمملوك مع مولاه، ولا للمرأة مع زوجها . وإنما الكلام في أن الاذن هل هو شرط في صحته، أو النهي مانع منها؟ فالمشهور - وهو الذي جزم به المصنف رحمه الله هنا - الثاني، حيث جعل لكل واحد من الثلاثة حل اليمين لو بادر إليها المولى عليه قبل الاذن، ولم يحكم ببطلانها بدون الاذن. واحتجوا على ذلك بعموم الآيات الدالة على وجوب الوفاء باليمين، كقوله تعالى: (ولا تنقضوا الايمان، (2) وقوله (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) إلى قوله (ذلك كفارة أيمانكم إذا

(هامش)

(1) في هامش ذ، و: في شرح الارشاد جعلها صحيحة، مع أن في طريقها إبراهيم بن هاشم، والحق أنها حسنة كما ذكرناه. منه قدس سره . انظر غاية المراد: 257، الكافي 7: 44 0 ح 6، الفقيه 3: 227 - 228 ح 1 070 وفيه: عن أبي جعفر عليه السلام،التهذيب 8: 285 ح 1 0 5 0، الوسائل 1 6: 128 ب 10 من كتاب الايمان ح 2. (2) النحل: 91. (*)

ص 207

حلفتم واحفظوا أيمانكم، (1). وهذه الآيات تعم صورة النزاع. خرج منه ما إذا حل الاب والمولى والزوج فيبقى الباقي. ولان (2) البطلان إنما كان لحق أحد الثلاثة، فإذنه ليس سببا في الصحة. ولا عدم إذنه مانعا، وإنما المانع في الحقيقة نهيه. وقيل: تقع (3) بدون الاذن باطلة، حتى لا تنفعه إجازة الولي فضلا عن توقف إبطالها على رده، لنفيه (4) صلى الله عليه واله اليمين مع أحد الثلاثة المحمول على نفي الصحة. لانه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة، لان نفيها غير مراد. ولان اليمين إيقاع وهو لا يقع موقوفا. وهذا أقوى. والجواب عن الآيات المذكورة أن الامر بامتثال مقتضى اليمين وحفظها موقوف على وقوعها صحيحة إجماعا، وهو عين المتنازع، ونحن نمنع وقوعها فضلا عن عقدها وتوكيدها، فلا يدل على مطلوبهم. وأما دعوى كون الاذن ليس سببا في الصحة ولا عدم الاذن مانعا. فهومصادرة محضة، فإن الخصم يقول إن إذنه شرط أو سبب وإن عدم إذنه مانعها لا نهيه. وتظهر فائدة القولين فيما لو زالت الولاية بفراق الزوج وعتق المملوك (5)

(هامش)

(1) المائدة: 89. (2) في هامش ذ : هذه الحجة الثانية ذكرها الشهيد في شرح الارشاد، وهي ضعيفة جدا. منه قدس سره انظر غاية المراد: 257. (3) في (ص، ق، و، ط : يقع... باطلا. (4) تقدم ذكر مصادره في الصفحة السابقة، هامش (1). (5) في خ، م،: العبد. (*)

ص 208

ولو حلف بالصريح، وقال: لم أرد اليمين، قبل منه، ودين بنيته.

وموت الاب قبل الحل في المطلق أو مع بقاء الوقت. فعلى الاول تنعقد اليمين وعلى الثاني هي باطلة بدون الاذن مطلقا. واعلم أن العبارة لا تخلو عن تسامح، لانه حكم أولا بعدم انعقاد اليمين من أحد الثلاثة بدون الاذن، ومقتضاه أنه ينحل (1)، لانه ضد العقد، ثم قال إنه لو فعل قبل الاذن فلهم حلها. وهو يقتضي انعقادها، لان الحل لا يكون إلا للمنعقد. وكأنه أراد: لا ينعقد انعقادا تاما بل متوقفا على الاذن، ومن ثم كان الاذن اللاحق بعده مصححا لها، فلو كانت منحلة لم يؤثر فيها الاذن (2) بعدها. قوله: ولو حلف بالصريح... الخ . وذلك لان القصد من الامور الباطنة التي لا يطلع عليها غيره فيرجع إليهفيه، ولجريان العادة كثيرا بإجراء ألفاظ اليمين من غير قصد، بخلاف الطلاق ونحوه، فإنه لا يصدق، لتعلق حق الآدمي به، وعدم اعتياد عدم القصد فيه، فدعواه عدم القصد خلاف الظاهر. ولو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده كان دعوى خلافه خلاف الظاهر. فيتجه عدم قبول قوله من هذا الوجه. لكن مقتضى العلة الاولى وإطلاق الفتوى القبول (مطلقا، لامكانه) (3)، رحق الله لا منازع فيه، فيدين بنيته.

(هامش)

(1) في ذ، د، خ : منحل. (2) في ص، ق، و، ط : الحل. (3) من ذ، خ، م والحجريتين. (*)

ص 209

النظر الثالث في متعلق اليمين

وفيه مطالب:

المطلب الاول: لا تنعقد اليمين على الماضي

نافية كانت أو مثبتة. ولا تجب بالحنث فيها الكفارة، ولو تعمد الكذب.

قوله: لا تنعقد اليمين على الماضي... الخ . اليمين على الماضي غير منعقدة عندنا. ثم إن كان كاذبا وتعمد فهي الغموس، سميت به لانها تغمس صاحبها في الاثم أو في النار. ولا كفارة لها عندنا سوى الاستغفار، خلافا للشافعي (1) حيث أوجبها لها، وحكم بانعقاد اليمين على الماضي مطلقا، عملا بعموم الآيات (2)، ولقوله صلى الله عليه وآله: واليمين على من أنكر (3) وهو حلف على الماضي. ولو تضمنت الغموس ظلما فكفارته مع الاستغفار رده.

(هامش)

(1) راجع الحاوي الكبير 15: 266 - 267، المغني لابن قدامة 11: 178 - 179، شرحفتح القدير 4: 348، روضة الطالبين 8: 3، رحمة الامة: 2 4 1. (2) البقرة: 2 2 5، المائدة: 89. (3) عوالي اللئالي 2: 34 5 ح 1 1، الوسائل 18: 2 1 5 ب 25 من أبواب كيفية الحكم ح 3، سنن البيهقي 8: 123. (*)

ص 210

وإنما تنعقد على المستقبل، بشرط أن يكون واجبا، أو مندوبا، أو ترك قبيح، أو ترك مكروه، أو (على) مباح يتساوى فعله وتركه، أو يكون البر أرجح. ولو خالف أثم، ولزمته الكفارة. ولو حلف على ترك ذلك لم تنعقد، ولم تلزمه الكفارة، مثل أن يحلف لزوجته أن لا يتزوج، أو لا يتسرى، أو تحلف هي كذلك، أو تحلف أنها لا تخرج معه، ثم احتاجت إلى الخروج.

قوله: (وإنما تنعقد على المستقبل... الخ . هذه هي القاعدة في متعلق اليمين على مذهب الاصحاب. وضابطه: ما كان راجحا أو متساوي الطرفين، ومتى كان الرجحان في نقيضه دينا أو دنيا لم ينعقد. ورواياتهم به كثيرة، ففي صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام قال: (إذا حلف الرجل على شيء، والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه. فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه، فإنما ذلك من خطوات الشيطا ن (1). وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كل يمين حلف عليها أن لا يفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا والآخرة فلا كفارة عليه، وإنما الكفارة في أن يحلف الرجل: والله لا أزني والله لا أشرب والله لا أخون وأشباه هذا، ثم فعل فعليه الكفارة (2). وغيرها من الاخبار (3).

(هامش)

(1) الكافي 7: 443 ح 1، التهذيب 8: 284 ح 1 0 43، وسائل الشيعة 16: 146 ب، 18 من كتاب الايمان ح 2. (2) الكافي 7: 4 47 ح 8، التهذيب 8: 29 1 ح 1 075، الاستبصار 4: 4 1 ح 1 4 2، وسائل الشيعة 16: 151 ب 23 من كتاب الايمان ح 3. (3) راجع وسائل الشيعة 16: 145 ب 18 من كتاب الايمان. (*)

ص 211

وخالف في ذلك العامة (1)، فأوجبوا الكفارة بالمخالفة وإن كانت أولى، لرواية (2) رووها في ذلك. واعلم أن الاولوية في المباح متبوعة (3). ولو طرأت بعد اليمين (انحلت) (4) فلو كان البر أولى في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتبع ولا كفارة. ولو تجدد ما يوجب البر بعد ذلك، فإن كان قد خالف مقتضى اليمين انحلت، الا اتبع الطارئ أيضا، وهكذا. وقوله: (مثل أن يحلف لزوجته أن لا يتزوج أو لا يتسرى مثال للحلف على ترك الراجح، لما تقدم (5) من كون النكاح راجحا في الجملة، سواء منع من النقيض أم لا، فالحلف على تركه لا ينعقد. هذا إذا جعلنا النكاح حقيقة في الوطئ. ولو جعلناه حقيقة في العقد لم يدخل التسري، لانه وطئ الامة مع التخدير أو بدونه. فإذا حلف على ترك التسري اعتبر في صحة اليمين رجحانه أوتساوي طرفيه. فلو كان تركه أرجح ولو في الدنيا لبعض العوارض انعقدت اليمين وحنث بالفعل. وبذلك صرح الشيخ في الخلاف (6).

(هامش)

(1) راجع الحاوي الكبير 1 5: 26 4، المبسوط للسرخسي 8: 1 27، بدائع الصنائع 3: 17، المغنى لابن قدامة 11: 173 - 174. (2) وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه . انظر مسند أحمد 4: 256، سنن الدارمي 2: 1 86، صحيح البخاري 8: 1 5 9، صحيح مسلم 3: 127 2 ح 1 1 - 1 3، سنن ابن ماجة 1: 68 1 ح 2 1 0 8، سنن الترمذي 4: 9 0 - 91 ح 1530. (3) في د، ط : ممنوعة، وفي الحجريتين: متنوعة. (4) من الحجريتين. (5) في ج 9: 7. (6) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 581 مسألة (106). (*)

ص 212

ولا تنعقد على فعل الغير، كما لو قال: والله لتفعلن، فإنها لا تنعقد في حق المقسم عليه، ولا المقسم.

وربما استفيد من عدم انعقاد اليمين لامرأته على ترك التزويج أنه لا يكره تزويج الثانية فصاعدا. وإلا لانعقدت اليمين على تركه. وهو أصح القولين في المسألة لمن وثق من نفسه بالعدل. وعلى القول (1) بالكراهة يحمل انعقاد اليمين على كون الحالف ممن ينعقد اليمين في حقه، لعارض اقتضى رجحان تزويجه، كما فرضوا اليمين على ترك كثير من الامور الراجحة بمجرد الغرض. قوله: ولا تنعقد... الخ . إذا قال لغيره: أسألك بالله لتفعلن أو أقسم عليك (بالله) (2) ونحو ذلك، وتسمى يمين المناشدة (3)، فهي غير منعقدة في حقه ولا في حق القائل. أما في حقه فلانه لم يوجد منه لفظ ولا قصد. وأما في حق القائل فلان اللفظ ليس صريحا في القسم، لانه عقد اليمين لغيره لا لنفسه. ولكن يستحب للمخاطب إبراره في قسمه، لما رواه البراء بن عازب: (أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتسميت العاطس. ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار القسم. ونصرة المظلوم (4). وإذا لم يفعل فلا كفارة على أحدهما.

(هامش)

(1) في ذ، خ، م والحجريتين: وعلى تقدير الكراهة. (2) من خ، م والحجريتين. (3) كذا في و، وفي سائر النسخ والحجريتين: الفاسدة. وفي لسان العرب (3: 422): نشدتك الله أي: سألتك بالله... وتقول: ناشدتك الله. (4) الخصال: 34 0 - 3 4 1 ح 2، وسائل الشيعة 3: 3 0 1 ب 3 0 من أبواب لباس المصليح 8. (*)

ص 213

ولا تنعقد على مستحيل، كقوله: والله لاصعدن السماء، بل تقع لاغية. وإنما تقع على ما يمكن وقوعه. ولو تجدد العجز انحلت اليمين، كأن يحلف ليحج في هذه السنة فيعجز.

وفي مرسلة عبد الله بن سنان عن علي بن الحسين عليه السلام قال: إذا أقسم الرجل على أخيه فلم يبر قسمه فعلى المقسم كفارة يمين (1). وهو قول لبعض العامة (2). وحملها الشيخ (3) على الاستحباب. مع أن إرسالها يمنع من الايجاب. وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقسم على أخيه قال: (ليس عليه شيء، إنما أراد إكرامه (4). قوله:، (ولا تنعقد على مستحيل... الخ . لا فرق في عدم انعقاد اليمين على غير المقدور بين المستحيل عادة كصعود السماء، وعقلا كالجمع بين النقيضين، وشرعا كترك الصلاة حال كونه مكلفا بها. ولو كان الفعل ممكنا في نفسه لكن الحالف عاجز عنه في الحال، كما لو حلف أن يحج ماشيا هذه السنة وهو عاجز عنه في الوقت المعين. لم ينعقد ولو تجددت القدرة بعد السنة.

(هامش)

(1) التهذيب 8: 29 2 ح 1 08 0، الاستبصار 4: 4 1 ح 1 4 1، وسائل الشيعة 16: 174 ب 42 من كتاب الايمان ح 4. (2) راجع الحاوي الكبير 15: 278 - 279، المغني لابن قدامة 1 1: 248، روضة ا لطا لبين 8: 4.(3) الاستبصار 4: 41 ذيل ح 141. (4) الكافي 7: 462 ح 12، التهذيب 8: 294 ح 1 089، الاستبصار 4: 41 ح 139، وسائل الشيعة 16: 174 الباب المتقدم ح 1. (*)

ص 214

المطلب الثاني: في الايمان المتعلقة بالمأكل والمشرب

وفيه مسائل: الاولى: إذا حلف لا يشرب من لبن عنز له، ولا يأكل من لحمها، لزمه الوفاء، وبالمخالفة الكفارة، لا مع الحاجة إلى ذلك. ولا يتعداها التحريم. وقيل: يسري التحريم إلى أولادها، على رواية فيها ضعف.

ولو انعكس فكان قادرا حال اليمين ثم تجدد العجز قبل الفعل انحلت اليمين، لفقد الشرط، مع كونه موسعا فلم يكن بالتأخير مقصرا. لكن لو تجددت القدرة بعد العجز في غير المقيد بالوقت أو فيه قبل خروجه وجب. قوله: إذا حلف لا يشرب... الخ . الحلف على شرب لبن العنز وأكل لحمها من قبيل الحلف على المباح، فيعتبر في انعقاده تساوي طرفيه في الدنيا أو رجحان جانب اليمين. فلو كان محتاجا إلى الاكل لم ينعقد. وكذا لو تجددت الحاجة كما مر. ومثله ما لو كان الاكل (منها) (1) راجحا كالهدي والاضحية. وحيث تنعقد اليمين لا يتعدى التحريم إلى أولادها على الاصح، للاصل، وعدم تعلق اليمين بغيرها، وعدم تناول الام للولد بإحدى الدلالات. والقول بسريان التحريم إلى أولادها للشيخ (2) وأتباعه (3) وابن الجنيد (4)،

(هامش)

(1) من ذ، خ، م والحجريتين. (2) النهاية: 560 - 561. (3) المهذب 2: 4 03، فقه القرآن 2: 22 5. (4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 650. (*)

ص 215

الثانية: إذا حلف لا آكل طعاما اشتراه زيد، لم يحنث بأكل ما يشتريه زيد وعمرو، ولو اقتسماه، على تردد. ولو اشترى كل واحد منهما طعاما وخلطاه، قال الشيخ: إن أكل زيادة عن النصف حنث. وهو حسن.

استنادا إلى رواية عيسى بن عطية قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إني آليت أن لا أشرب من لبن عنزي، ولا آكل من لحمها، فبعتها وعندي من أولادها، فقال: لا تشرب من لبنها، ولا تأكل من لحمها. فإنها منها (1). والرواية ضعيفة السند، فإن عيسى بن عطية مجهول الحال، مع جماعة (2) آخرين في سندها، وفيه أيضا عبد الله بن الحكم وهو ضعيف. فهي بالاعراض (3) عنها حقيق. قوله: إذا حلف لا آكل طعاما... الخ . هنا مسائل: الاولى: لو حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد، فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة واحدة، ففي حنثه بالاكل منه وجهان: أحدهما: نعم. لانهما لما اشترياه فكل واحد منهما قد اشترى نصفه، ومن ثم كان على كل واحد نصف ثمنه، وإذا كان لزيد نصفه فقد أكل من طعام اشتراه زيد.

(هامش)

(1) الكافي 7: 460 ح 2، التهذيب 8: 292 ح 1 082، وسائل الشيعة 16: 171 ب 37 من كتاب الايمان. (2) في هامش ذ، ق : هم سهل بن الحسن، ويعقوب بن اسحاق الضبي، وأبو محمد الارمني. منه قدس سره وهؤلاء رجال سند الحديث في التهذيب فقط، انظر الهامش (1) هنا. (3) في ذ، د، خ، م : فالاعراض. (*)

ص 216

والثاني: لا، لان الشراء عقد واحد، فإذا اشترك فيه اثنان ولم ينفرد أحدهما به اختص كل واحد منهما في العرف بنصفه، فلم تكمل الصفقة لاحدهما. فلم يقع الحنث، لان الاسماء في الايمان تتبع العرف. وحينئذ فليس فيه (1) جزء يقال إن زيدا انفرد بشرائه، بل كل جزء يقال إنه اشتراه زيد وعمرو، فهو كما لو حلف: لا لبست ثوب زيد، فلبس ثوبا لزيد وعمرو، أو قال: لادخلت دار زيد. فدخل دارا لزيد وعمرو.. وهذا اختيار المصنف والاكثر (2)، ومنهم الشيخ في الخلاف (3)، وفي المبسوط (4) قوى القولين معا. وأجيب عن حجة الاول بأنه لا يلزم من لزوم كل واحد نصف ثمنه أن يكون مشتريا لنصفه، وإنما الواقع أن كل واحد منهما نصف مشتر لجميعه لا مشتر تام لنصفه. وهذا قوي (5). وأما تشبيه الطعام المشترك بالثوب والدار فضعيف. للفرق بأن بعض القميص ليس بقميص وبعض الدار ليس بدار، والحال أن زيدا لم يشتر جميع القميص والدار. بخلاف الطعام، فإن اسمه يقع على القليل والكثير، وإنما المخلص منه بما ذكر من أن المشترك ليس ولا بعضه مال زيد ولا ما اشتراه.

(هامش)

(1) في ق، و، ط له. (2) راجع السرائر 3: 49، الجامع للشرائع: 4 2 0، إرشاد الاذهان 2: 86 إيضاح ا لفوا ئد 4: 18. (3) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 564 مسألة (46). (4) المبسوط 6: 223. (5) في ق وإحدى الحجريتين: أقوى. (*)

ص 217

الثانية: حيث قلنا إنه لا يحنث بالاكل منه إذا كان مشاعا فاقتسماه لم يحنث بما يأكله من نصيب عمرو، وهل يحنث بما يأكله من نصيب زيد؟ وجهان منشؤهما (من) (1) أن القسمة تمييز لما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو فيصدق على ما حصل لكل واحد منهما أنه الذي اشتراه، ومن أن الذي اشتراه غير معين، وما حصل له بالقسمة معين. فهذا ليس هو الذي اشتراه بعينه. فلا يحنث به. ولا نسلم أن القسمة تميز (2) ما اشتراه، بل تميز (3) حقه من المشترك بينهما بالشراء المشترك. وهذا اقوى. وتردد الشيخ في المبسوط (4) أيضا بين القولين. الثالثة: لو كان قد حلف على ما اشتراه زيد، فاشترى طعاما منفردا، واشترى عمرو طعاما كذلك. ثم اختلطا فأكل منه الحالف، ففيه أوجه: أحدها - وهو الذي اختاره الشيخ في الخلاف (5)، واستحسنه المصنف -: أنه إن أكل النصف فما دونه لم يحنث، وإن زاد على النصف حنث. لانه بزيادته على النصف يقطع بأنه أكل من طعام زيد لا بدونه. ومثله ما ذكروه فيما لو حلف لا يأكل تمرة فاختلطت بتمر كثير، فإنه لا يحنث ما أبقى تمرة، ويحنث لو أكل الجميع، لانا تحققنا حينئذ أنه أكل المحلوف عليه. ومحل التقييد بالنصف عند استواء القدرين، وإلا فالمعتبر الزيادة على مقدار حق عمرو ليتحقق دخول حق زيد.

(هامش)

(1) من خ، م . (2 و3) في و: تمييز. (4) المبسوط 6: 223. (5) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 565 مسألة (48). (*)

ص 218

وثانيها: أنه لا يحنث ولو أكل كله. لانه لا يمكن الاشارة إلى شيء منه بأنه اشتراه زيد، فصار كما لو اشتراه زيد مع غيره بتقريب ما تقدم. وثالثها: أنه إن أكل المخلوط قليلا يمكن أن يكون مما اشتراه الآخر - كالحبة والحبتين من الحنطة - لم يحنث، وإن أكل قدرا صالحا - كالكف والكفين - يحنث، لانا نتحقق (1) عادة أن فيه مما اشتراه زيد وإن لم يتعين لنا. ورابعها: التفصيل بوجه آخر، وهو أن الطعام إن كان مائعا - كاللبن والعسل - أو ما يشبه الممتزج - كالدقيق - حنث بأكل قليله وكثيره، لامتزاجه واختلاط جميع أجزائه بعضها ببعض، فأي شيء أكله يعلم أن فيه أجزاء مما اشتراه زيد، وإن كان متميزا - كالتمر والرطب والخبز - لم يحنث حتى يأكل أزيد مما اشتراه عمرو، لدخول الاحتمال في المتميز وانتفائه عن الممتزج. وهذا اختيار العلامة في المختلف (2). وخامسها: أنه يحنث بالاكل منه مطلقا. اختاره ابن البراج (3). واحتج عليه بأنه: لا يقطع على أنه لم يأكل من طعام زيد . وهذا الوجه ضعيف، وحجته واهية جدا، لان الحنث منوط بالقطع بأكل ما اشتراه زيد الذي هو متعلق اليمين، لا بعدم القطع بأنه لم يأكل منه.

(هامش)

(1) في م والحجريتين: لانه يتحقق. (2) المختلف: 656. (3) المهذب 2: 417. (*)

ص 219

ولو حلف لا يأكل تمرة معينة، فوقعت في تمر، لم يحنث إلا بأكله أجمع أو بتيقن أكلها. ولو تلف منه تمرة لم يحنث بأكل الباقي مع الشك.

قوله: ولو حلف لا يأكل تمرة معينة... الخ . إذا حلف لا يأكل تمرة معينة أو عددا مخصوصا، فوقع المحلوف عليه في تمر واشتبه، لم يحنث بالاكل منه إلا أن يعلم أكل المحلوف عليه، ولا يعلم ذلك إلا بأكل الجميع، لانه يتيقن أكلها. وقد يعلم بدون ذلك، كما لو كانت من جنس مخصوص ووقعت في أجناس مختلفة، فأكل مجموع جنس المحلوف عليه، فإنه يحنث وإن بقي غيره، لان المعتبر العلم بكونه أكل المحلوف عليه. ومتى أبقى من المجموع أو من الجنس بقدر العدد المحلوف عليه لم يحنث. والفرق بين هذا وبين ما لو اشتبهت الحليلة بنساء أجنبيات - حيث حكموا بتحريم الجميع - أو اشتبهت أجنبية بزوجاته: أن الاصل في النكاح تحريم ما عدا الحليلة، فما لم تعلم بعينها يحرم النكاح، عملا بالاصل إلى أن يثبت السبب المبيح، بخلاف التمرة المحلوف عليها، فإن أمرها بالعكس، إذ الاصل جواز أكل التمر إلا ما علم تحريمه بالحلف، فما لم يعلم يبقى على أصل الحل. وكذا القول في نظائره من الاعداد المشتبهة بغيرها المخالف لها في الحكم، فإنه يعمل فيه بالاصل من حل وحرمة وطهارة ونجاسة. هذا من حيث الحنث وعدمه. وهل حل التناول ملازم لعدم الحنث؟ المشهور ذلك، وهو الذي أطلقه المصنف. واستقرب العلامة (1) وجوب اجتناب المحصور الذي لا يشق تركه، لانه احتراز عن الضرر المظنون ولا حرج فيه

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 2: 132. (*)

ص 220

فيجب. ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال (1). ولو فرض تلف تمرة لم يحنث بأكل الباقي، كما لو أبقى تمرة. لاحتمال كون التالفة هي المحلوف عليها. فيتمسك في الباقي بأصالة الحل. واعلم أن المصنف - رحمه الله - وكثيرا (2) مثلوا لعدم الحنث بإبقاء تمرة، والاولى التمثيل بإبقاء بعض تمرة لينبه على أن من حلف لا يأكل تمرة لا يحنث بأكل بعضها. وكذا لو حلف لا يأكل رمانة أو رغيفا ونحو ذلك. وإنما يحنث بأكل الجميع لان البعض لا يصدق عليه اسم المحلوف عليه. ولو كان الحلف على أكلها فاختلطت لم يبر إلا بأكل الجميع، لاحتمال أن يكون المتروك هو المحلوف عليه أو بعضه. والحكم هنا كما سبق في اقتضائه الجميع فلا يبر إلا به. وفي استثناء ما بقي من فتات الرغيف التي جرت العادة بأن يدعه الناس ولا يتكلفون التقاطه وجهان، والاجود اتباع العرف. ولو قال: لآكلن هذه الرمانة، فترك حبة لم يبر. ولو قال: لا آكلها، فترك حبة لم يحنث. مع احتماله كما سبق.

(هامش)

(1) عوالي اللئالي 3: 466 ح 17، وراجع سنن البيهقي 7: 1 69، الدرر المنتثرة للسيوطي: 126 ح 401. (2) انظر الجامع للشرائع: 422، قواعد الاحكام 2: 132. (*)

ص 221

الثالثة: إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا، فأكله اليوم، حنث، لتحقق المخالفة، ويلزمه التكفير معجلا. وكذا لو هلك الطعام قبل الغد أو في الغد بشيء من جهته. ولو هلك من غير جهته لم يكفر.

قوله: (إذا حلف ليأكلن هذا... الخ . إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا، فلا يخفى البر إن أكله غدا، والحنث إن أخر أكله عن الغد مع الامكان، ويبقى الكلام في مواضع: الاول: أن يأكله قبل الغد اختيارا، وقد جزم المصنف - رحمه الله - بالحنث ولزوم تكفيره معجلا، لتحقق المخالفة منه (1) لمقتضى اليمين اختيارا، وقد كان وجب عليه الوفاء باليمين، لايقاعه إياه، فيدخل تحت العموم (2). ولا يتم ذلك إلا بحفظ الطعام إلى الغد ليبر به يمينه، فإذا أكله فقد فوت البر بنفسه مختارا، وهذا معنى الحنث، فتجب الكفارة حينئذ. ويضعف بأن الحنث لا يتحقق إلا بمخالفة اليمين بعد انعقادها ولم يحصل قبل الغد، لانه سبب الوجوب فلا يحصل المسبب قبله. ولامكان موته قبل مجئ الغد فيسقط. ولان تعليقه الاكل على مجئ الغد تعليق بما لا يقدر عليه الحالف. فكيف يحنث قبل حصوله؟! والاقوى مراعاة وجوبها ببقائه إلى الغد، وتمكنه من أكله لو كان موجودا. وبالجملة، فالحاصل قبل الغد باليمين جزء السبب لاتمامه (3)، وإنما يتم بحضور

(هامش)

(1) في ذ، خ، م : فيه. (2) المائدة: 89، النحل: 91. (3) في ذ، م : تمام السبب. (*)

ص 222

الغد وربما بني الحكم على أن المكلف إذا علم انتفاء شرط التكليف هل يحسن تكليفه قبل مجئ وقته أم لا؟ وفيه خلاف بين الاصوليين، تقدم (1) البحث فيه في الصوم إذا طرأ المانع في أثناء النهار وقد أفسده قبله باختياره. وفيه نظر. للفرق بين الامرين، فإنه في هذه المسألة لم يتم سبب الوجوب قطعا. لتعليق اليمين على أمر متجدد لم يحصل بعد، بخلاف القاعدة الاصولية فإنها مفروضة فيما إذا اجتمعت الشرائط وتم السبب وإنما طرأ بعد ذلك ما أبطله، فيمكن الحكم هنا بوجوب الكفارة، لاجتماع شرائط التكليف في ابتداء الفعل، دون مسألة النزاع. الثاني: أن يهلك الطعام قبل الغد بسبب من الحالف. وفيه القولان كما لو أكله. الثالث: أن يهلك قبله لا بسببه، فلا حنث ولا كفارة قطعا. الرابع: أن يهلك في الغد قبل التمكن من أكله، باختياره أو بغير اختياره. والحكم كما لو تلف قبله. الخامس: أن يهلك في الغد بعد التمكن من أكله باختياره. فيحنث قطعا وتجب الكفارة، لتفويته الواجب باختياره. كما لو حلف ليأكلنه من غير تقييد بوقت فلم يأكله اختيارا وأتلفه (2). السادس: أن يهلك في الغد بعد التمكن لا باختياره. وفي حنثه وجهان

(هامش)

(1) في ج 2: 42 - 45. (2) في د : أو أتلفه. (*)

ص 223

من إخلاله بمقتضى اليمين بعد انعقادها مختارا، ومن أن الوقت موسع قد جوز له الشارع تأخيره. لان جميع الغد وقت له فليس مقصرا في التأخير (1). وربما خرج الوجهان على أن من مات في أثناء الوقت ولم يصل هل يجب عليه القضاء أم لا؟ لان التأخير عن أول الغد كتأخير الصلاة عن أول الوقت. وربما فرق بينه وبين ما لو قال: لآكلن هذا الطعام وأطلق. ثم أخر مع التمكن حتى تلف الطعام، فإنه ليس هناك لجواز التأخير وقت مضبوط، والامر فيه إلى اجتهاد الحالف، فإذا مات بان خطؤه وتقصيره، وهاهنا الوقت مقيد (2) مضبوط، وهو في مهلة من التأخير إلى تلك الغاية. وهكذا نقول: من مات في أثناء الوقت قبل أن يصلي لا يقضى على الاظهر. وفيه: أن وقت الموسع العمر. وتضيقه مشروط بظن ضيق العمر عنه بقرائن حالية، فلا تقصير مع حصول الموت قبله مطلقا، بل مع ظهور الامارة والمخالفة،فلو مات فجاة لم يتبين الخطأ، حيث لم يخالف ما ناطه الشارع به كالوقت الموسع. ثم إذا قلنا بالحنث في الغد فهل يحكم به في الحال أو قبيل (3) الغروب؟ وجهان. وتظهر فائدة الوجوب المعجل في جواز الشروع في إخراجها حينئذ، وفيما لو مات فيما بين الوقتين.

(هامش)

(1) في خ : با لتأخير. (2) في ذ، و، خ : مقدر. (3) كذا في ط ، وفي سائر النسخ: قبل. (*)

ص 224

الرابعة: لو حلف: لا شربت من الفرات، حنث بالمشرب من مائها، سواء كرع منها أو اغترف بيده أو بإناء. وقيل: لا يحنث إلا بالكرع منها. والاول هو العرف.

قوله: لو حلف: لاشربت من الفرات... الخ . إذا حلف: لا شربت من ماء الفرات مثلا، حنث بالشرب منها كرعا قطعا. وهل يحنث بالشرب من آنية اغترفت (1) منها، أو بالشرب بيده منها؟ قولان: أحدهما يحنث، وإليه ذهب الاكثر (2) ومنهم الشيخ في الخلاف (3)، وإليه مال المصنف - رحمه الله - لدلالة العرف على صدق الشرب منه بذلك، واللغة لا تنافي ذلك. لان من هنا للابتداء، والمراد كون الفرات مبدأ للشرب. سواء كان بواسطة أم بغيرها (4). ويؤيده قوله تعالى: (إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني) إلى قوله: (إلا من اغترف غرفة بيده، (5) والاستثناء حقيقة في المتصل. والثاني: لا يحنث، لان الشرب منها بغير واسطة - كالكرع - حقيقة وما عداه مجاز، وآية الحقيقة أن الحلف لو كان على الشرب من ماء الاداوة لم يحنث بصب مائها في إناء غيرها أو في يده ثم شربه قطعا، ولو كان حقيقة في الاعم لزم الحنث هنا. وهذا اختيار الشيخ في المبسوط (6) وابن إدريس (7).

(هامش)

(1) في خ، م : اغترف. (2) الجامع للشرائع: 4 2 1، قواعد الاحكام 2: 133، إيضاح الفوائد 4: 21 - 22.(3) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 571 مسألة (67). (4) في الحجريتين: أو بغير واسطة. (5) البقرة: 249. (6) المبسوط 6: 232. (7) السرائر 3: 52. (*)

ص 225

الخامسة: إذا حلف: لا أكلت رؤوسا، انصرف إلى ما جرت العادة بأكله غالبا، كرؤوس البقر والغنم والابل. ولا يحنث برؤوس الطيور والسمك والجراد. وفيه تردد. ولعل الاختلاف عادي.

والاقوى الاول. لدلالة العرف عليه، والشرب من الشيء بواسطة أو بغيرها غير منضبط، لانه لو اعتبر عدم الواسطة لزم عدم الحنث بالكرع أيضا، لان أخذه بالفم سابق على الشرب، بدليل أنه لو مجه من فيه بعد أخذه لم يكن شاربا، ولو صب من الكوز في القدح وشرب لا يصدق عليه أنه شرب من الكوز، فدل على عدم انضباط الواسطة. وإنما المرجع إلى العرف. وهو دال في الشرب من النهر على ما يعم الواسطة، وفي الكوز على ما كان بغير واسطة، وعلى أن توسط الفم غير مانع مطلقا. قوله: (إذا حلف: لا أكلت رؤوسا... الخ). الرؤوس حقيقة لغوية في جميع هذه الاشياء وأشباهها، لكن العرف خصها عند إطلاق القائل: (أكلت رؤوسا أو اشتر لنا رؤوسا بالتي تميز عن الابدان وتشوى وتطبخ وتباع بانفرادها، وهي رؤوس الابل والبقر والغنم. أما الاخيران فواضح. وأما الاول فلاعتياد أهل البادية أكله منفردا، وذكروا أن ذلك يعتاد بالحجاز أيضا.وقد اختلف الفقهاء في حملها عند الاطلاق على معناها العام. أو على بعض أفرادها وهي النعم وما شابهها، فالاكثر (1) على الثاني، ترجيحا للعرف على

(هامش)

(1) المبسوط 6: 238، الخلاف (طبعة كوشا نپور) 2: 57 2 مسألة (72)، قواعد الاحكام 2: 132، الدروس الشرعية 2: 168. (*)

ص 226

وكذا لو حلف: لا يأكل لحما. وهنا يقوى أنه يحنث بالجميع.

اللغة، وابن إدريس (1) على الاول، حملا للفظ على معناه لغة. ولعل العرف غير منضبط. والمصنف - رحمه الله - حمل الاختلاف على اختلاف العادة. وليس بجيد، بل الاختلاف واقع وإن استقرت العادة في مقابلة اللغة، نظرا إلى أن اللغة حقيقة إجماعا، والعادة ناقلة عن الحقيقة اللغوية أو مخصصة، وكلاهما مجاز غايته أن يصير راجحا، ومع تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح يقع الاشكال في الترجيح. ولو ادعي صيرورة العرف حقيقة ففي ترجيح إحدى الحقيقتين على الاخرى خلاف بين الاصوليين، وإن كان المختار من ذلك ترجيح العرف على اللغة إذا كان منضبطا، والمعتبر منه عرف الحالف، هذا كله إذا لم ينو الحالف شيئا، وإلا تعين. قوله: وكذا لو حلف: لا يأكل لحما... الخ). الخلاف هنا كالسابق، من حيث إن اللحم لغة متناول لجميع لحوم الحيوان، ومن دلالة العرف على خروج بعضها إذا قال القائل: أكلت لحما. والقولان للشيخ. فالثاني له في المبسوط (2)، إلا أنه استثنى الحيتان خاصة، وحكم بدخول لحم الصيد والطير فيه. والاول له في الخلاف (3)، محتجا بأن اسم اللحم يطلق عليه، قال تعالى: (ومن كل تأكلون لحها طريا، (4). وقواه ابن إدريس (5) مع

(هامش)

(1) السرائر 3: 50 - 51. (2) المبسوط 6: 239. (3) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 573 مسألة (73). (4) فاطر: 12. (5) السرائر 3: 52. (*)

ص 227

ولو حلف: لا يأكل شحما، لم يحنت بشحم الظهر. ولو قيل: يحنث عادة، كان حسنا.

ذهابه في الاول إلى التقييد. مستدلا بترجيح عرف الشرع على العادة. وكذلك المصنف. والاقوى أن الحكم فيه كالسابق من البناء على العرف إن انضبط وإلا عم، عملا بالحقيقة اللغوية. هذا إذا لم ينو شيئا مخصوصا، وإلا فالمعتبر ما نواه. قوله: (ولو حلف: لا يأكل شحما... الخ . المراد بشحم الظهر الابيض الملاصق للحم بحيث لا يختلط بالاحمر في الظهر. ومثله في الحنث. وفي دخوله في اسم اللحم أو الشحم وجهان: ووجه الاول: أنه لحم سمين، ولهذا يحمر عند الهزال. ووجه الثاني: إطلاق اسم الشحم عليه، ولهذا استثناه الله تعالى منه بقوله: (حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما، (1) والاصل في الاستثناء المتصل كما مر (2) في الاقرار، والمنفصل مجاز لا يحمل عليه اللفظ عند الاطلاق بدون القرينة. ويشكل بأن القرينة موجودة، لانه عطف معه الحوايا وما اختلط بعظم وهو لحم اتفاقا، فيلزم أن يصير الاستثناء متصلا ومنفصلا، فحمله في الجميع على المنفصل أولى. وأجيب بأن العطف في قوة تكرير العامل، فيكون الاستثناء في قوة المتعدد، فيصير استثناء ات متعددة لا يضر اختلافها بالاتصال والانفصال.

(هامش)

(1) الانعام: 146. (2) في ص: 68 - 69. (*)

ص 228

وإن قال: لا ذقت شيئا، فمضغه ولفظه، قال الشيخ (1): يحنث. وهو حسن.

وادعى ابن إدريس (1) إجماع أهل اللغة على تسميته شحما حقيقة. والاقوى الرجوع فيه إلى العرف، وهو الذي يقتضيه كلام المصنف، غير أنه ادعى دلالة العرف على تسميته شحما. وعلى كل تقدير فهو منحصر في أحد الصنفين اللحم والشحم، فإذا حلف على أكل اللحم ولم نقل بكون السمين شحما دخل في اللحم، وإلا ففي الشحم. قوله: وإن قال: لا ذقت شيئا... الخ). إذا حلف: لا ذقت شيئا. فأكل أو شرب حنث قطعا. لتضمنهما الذوق وزيادة. وإن اقتصر على مضغه ولفظه من فيه من غير أن يدخله أو بعضه الحلق فوجهان أصحهما الحنث، لتحقق الذوق بذلك، لانه حقيقة في إدراك طعم الشيء في الفم بالقوة المودعة في اللسان المنبثة (3) في العصب المفروش على وجهه، وهي (4) كقوة المس (5) في توقفها على المماسة باللسان (6)، ويتم فعلها بتوسط الرطوبة اللعابية، ولا يشترط إدخاله بعد ذلك إلى الحلق، ومن ثم جاز للصائم أن يذوق الطعام من غير أن يفطر به. وفيه وجه ضعيف بأنه لا يحنث بذلك، لانه (7) لا يفطر الصائم به. ولا

(هامش)

(1) المبسوط 6: 239 - 24 0. (2) السرائر 3: 55 - 56. (سا) في ق، و، خ : المثبتة.(4) في ص، د : وهو. (5) في خ والحجريتين: اللمس. (6) في ذ : للسان. (7) في ذ، خ، م والحجريتين: بذلك كما لا.... (*)

ص 229

السادسة: إذا قال: لا أكلت سمنا، فأكله مع الخبز، حنث. وكذا لو أذابه على الطعام وبقي متميزا. أما لو حلف لا يأكل لبنا، فأكل جبنا أو سمنا أو زبدا، لم يحنث.

يخفى عدم الملازمة. قوله: (إذا قال: لا أكلت... الخ . كل واحد من السمن والجبن واللبن والزبد أشياء مختلفة اسما وصفة، وإن كان بعضها في الاصل راجعا إلى بعض. فإذا حلف أن لا يأكل سمنا لم يحنث بأكل اللبن والجبن قطعا. وفي حنثه بأكل الزبد وجهان أصحهما أنه لا يحنث. لتفاوتهما في الاسماء والصفات. ووجه الحنث أن الزبد سمن، لاشتماله عليه دون العكس، لان الزبد عبارة عن مجموع السمن وباقي المخيض. ولا فرق في السمن بين أكله جامدا وذائبا، مع الخبز ومنفردا، وعلى الطعام إذا بقي متميزا، لصدق (1) اسمه، أما إذا استهلك في الطعام لم يحنث واحترز بقوله: (وكذا لو أذابه على الطعام عما لو شربه ذائبا بغير طعام ونحوه، فإنه لا يحنث، لعدم دخول الاكل في الشرب. مع احتماله هنا، نظرا إلى العرف. وهو بعيد. وانضباط العرف ممنوع. وكذا لا يحنث بحلفه على أكل الزبد بالسمن، ولا باللبن والجبن بطريق أولى، وبالعكس، لاختلاف الاسم والوصف لغة وعرفا. ويدخل في اللبن:

(هامش)

(1) في ذ، د، ق : ليصدق. (*)

ص 230

السابعة: لو قال: لا أكلت من هذه الحنطة، فطحنها دقيقا أو سويقا، لم يحنث.

الحليب والرائب (1) واللبأ (2) والمخيض (3) من الانعام والصيد، إلا أن يخص العرف بعضها. قوله: (لو قال: لا أكلت من هذه الحنطة... الخ). هذا مما تعارض فيه الاسم والاشارة، فإن هذه تقتضي تعلق اليمين بها ما دامت موجودة وإن تغيرت، وتقييدها بالحنطة والدقيق ونحوهما يقتضي زوالاليمين بزوال القيد. وفي بقاء الحنث بالتغير المذكور وجهان: أجودهما - وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله ولم يذكر غيره، وقبله الشيخ في المبسوط (4) - زواله، لان اسم الحنطة قد زال بالطحن، وصورته قد تغيرت، فصار كما لو زرعها فنبتت فأكل حشيشها، أو قال: لا آكل من هذا البيض، فصار فرخا فأكله. والثاني: بقاء الحنث، ذهب إليه القاضي ابن البراج (5)، لان الاشارة وقعت على العين وهي باقية. ولان الحنطة إنما تؤكل غالبا كذلك، فصار كما لو قال: لا آكل هذا الكبش، فذبحه وأكله. ولان الحقيقة النوعية ما تبدلت، وإنما المتغير بعض أوصافها، بخلاف ما لو صارت الحنطة حشيشا والبيض فرخا. وكذا الحكم

(هامش)

(1) راب اللبن: إذا خثر وأدرك، فهو رائب. الصحاح 1: 140 (2) اللبأ على فعل، بكسر الفاء وفتح العين: أول اللبن في النتاج. الصحاح 1: 70. (3) المخيض: اللبن الذي قد مخض واخذ زبده. الصحاح 3: 1105. (4) المبسوط 6: 240. (5) المهذب 2: 4 19 - 42 0. (*)

ص 231

فيما لو قال: لا آكل الرطب فصار تمرا، أو البسر فصار رطبا، أو العنب فصار زبيبا، أو لا أشرب من هذا العصير فصار خلا. وذكر (1) أنه باحث الشيخ في ذلك، وأورد عليه: أن عين الحنطة باقية، وإنما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن. فأجابه: بأن متعلق اليمين مسمى الحنطة، والدقيق لا يسمى حنطة، كماأن الخبز لا يسمى دقيقا. فألزمه: بأن من حلف أن لا يأكل هذا الخيار وهذا التفاح، ثم قشره وقطعه وأكله لا يحنث، ولا شبهة في أنه يحنث. فالتزم بمثل ذلك في الخيار والتفاح. وهو التزام ردئ. والحق أن الخيار والتفاح لم يخرجا عن مسماهما بالتقطيع، ولا حدث لهما اسم زائد على كونه خيارا مقطعا أو تفاحا كذلك، بخلاف الحنطة المطحونة، فإنها لا تسمى بعد الطحن حنطة لغة ولا عرفا إلا على وجه المجاز. وبهذا حصل الفرق بينهما الموجب للحنث في أكل الخيار المقطع والتفاح دون الدقيق. وفي المختلف (2) - بعد أن نقل كلام الشيخين واعترض عليه - حقق المسألة بما محصله يرجع إلى اختيار كلام القاضي في الحنطة والدقيق، دون الرطب إذا صار تمرا والعنب زبيبا. ونحو ذلك. والفرق: أن ما يصلح للاكل حالة اليمين على حالته التي هو عليها يتعلق به التحريم على تلك الحالة دون غيرها مما ينتقل إليها عن اسمه الاول، وما لا يؤكل على تلك الحالة يتعلق التحريم به

(هامش)

(1) المهذب 2: 4 19 - 42 0. (2) المختلف: 657 - 658. (*)

ص 232

وكذا لو حلف: لا آكل الدقيق، فخبزه وأكله. وكذا لو حلف: لا يأكل لحما، فأكل ألية، لم يحنث. وهل يحنث بأكل الكبد والقلب؟ فيه تردد.

على حالة تؤكل، كالحنطة والدقيق، فيحنث بأكلها خبزا. قوله: وكذا لو حلف: لا يأكل لحما... الخ . إذا حلف: لا يأكل لحما أو لا يشتريه، لا يحنث بالشحم إذا كان في البطن قطعا. وفيما خالط اللحم من شحم الظهر والبطن وجهان (1) في وقد تقدم (2) الكلام فيهما. وكذا الاشكال في الالية، فقيل إنها من اللحم كشحم (3) الظهر، لانها نابتة من اللحم قريبة من، اللحم السمين. وأصحهما المنع، لمخالفتها اللحم اسما وصفة، ولانها تذوب كالشحم. والاشكال في دخولها في اسم الشحم لو حلف عليه كذلك، فإنها منحصرة فيهما. ويحتمل خروجها عنهما معا، لمخالفتها (4) لهما اسما وصفة. وكذا البحث في السنام. ولا يحنث على أحدهما بالآخر.. وهل يحنث في اللحم بالكبد والقلب؟ وجهان، من أنهما في معناه، وقد يقومان مقامه، ويؤيده في القلب قوله صلى الله عليه وآله: إن في الجسد مضغة (5) الحديث، والمضغة القطعة من اللحم، ومن عدم انصراف اللفظ إليهما

(هامش)

(1) في خ، م والحجريتين: الوجهان. (2) في ص: 227. (3) سقطت العبارة: كشحم الظهر - إلى - اسم الشحم من ص، ق، ط، وفي هامش و: أنها ليست في الاصل. (4) في ص : لمخالفتهما لها. (5) الخصال 1: 3 1 ح 1 0 9، عوالي اللئالي 4: 7 ح 8، مسند أحمد 4: 274، صحيح البخاري 1: 20 صحيح مسلم 3: 1220 ح 1 07، سنن البيهقي 5: 264. (*)

ص 233

الثامنة: لو حلف: لا يأكل بسرا، فأكل منصفا، أو لا يأكل رطبا، فأكل منصفا، حنث. وفيه قول آخر ضعيف.

عند الاطلاق، كما إذا قال السيد لعبده: اشتر لنا لحما، فاشتراهما مدعيا أنهما داخلان تحت إطلاق الامر، فإنه يستحق اللوم، ويمنع من دخولهما عرفا. وهو آية الحقيقة، ولصحة السلب، يقال: ما اشتريت لحما وإنما اشتريت كبدا وقلبا. ولعل هذا أظهر عرفا، والوجهان، آتيان في لحم الرأس والخد واللسان والاكارع (1)، وأولى بالدخول لو قيل به ثم، أما الكرش (2) والمصران (3) والمخ فلا. قوله: لو حلف: لا يأكل بسرا... الخ . لما كان معتمد البر والحنث على موجب اللفظ الذي تعلقت به اليمين ما لم يقترن به نية أو قرينة خارجية، وكان مدلول كل من لفظ البسر والرطب مخالفا للآخر، فإن الاول يطلق على ما لم يرطب من ثمرة النخل بعد مقاربتها (4) له، والثاني لما نضج منه وسرت فيه الحلاوة والمائية، لم يدخل أحدهما في الآخر إذا حلف عليه. أما المنصف - وهو الذي صار نصف الواحدة منه رطبة ونصفها بقي بسرا - ففي الحنث به لو حلف على أن لا يأكل البسر أو الرطب، أو البر به لو حلف على أن يأكله، وجهان، من صدق اسم الرطب على الجزء المرطب والبسر على الجزء

(هامش)

(1) الكراع في الغنم والبقر: بمنزلة الوظيف في الفرس والبعير، وهو مستدق الساق.الصحاح 3: 1275. (2) الكرش: لكل مجتر بمنزلة المعدة للانسان. الصحاح 3: 1017. (3) المصير: المعا، والجمع: المصران. الصحاح 2: 817. (4) كذا في ذ ، وفي سائر النسخ الخطية: مقارنتها. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج11

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب