مسالك الأفهام - ج12

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج12

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 97

الثالثة: لا يجوز أن يأكل الانسان من مال غيره إلا بإذنه. وقد رخص - مع عدم الاذن - في التناول من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم منه الكراهية، ولا يحمل منه. وكذا ما يمر به الانسان من النخل، وكذا الزرع والشجر، على تردد.

ما انبسط فهو ميت (1). ومع هذا الاشتهار فطريقها لا يخلو من ضعف، لان إسماعيل بن عمر واقفي، وشعيبا مطلق، وهو مشترك بين الثقة والممدوح والمهمل. فلتوقف المصنف عن موافقتهم في الحكم وجه وجيه. وظاهر الرواية أنه لا يحكم بحل اللحم وعدمه باختبار بعضه، بل لا بد من اختبار كل قطعة منه على حدة، ويلزم كل واحدة حكمها، بدليل قوله: فكل ما انقبض فهو حلال، ركل ما انبسط فهو حرام . ومن هنا مال الشهيد في الدروس (2) إلى تعديتها إلى اللحم المشتبه منه الذكي بغيره، فيتميز بالنار كذلك. وقد تقدم (3) الكلام فيه. قوله: ولا يجوز أن يأكل.... الخ . الاصل تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه بالاكل وغيره، ولقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (4). وقوله صلى الله عليه وآله:

(هامش)

(1) الكافي 6: 261 ح 1، التهذيب 9: 48 ح 200، الوسائل 16: 370 ب 37 من أبوابالاطعمة المحرمة ح 1. (2) الدروس الشرعية 3: 14. (3) في ص: 20. (4) البقرة: 188. (*)

ص 98

المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه (1). وقوله صلى الله عليه وآله: المسلم أخو المسلم، لا يحل له ماله إلا عن طيب نفس منه (2). ولا يفرق في ذلك بين فرق المسلمين وإن كانوا أهل بدعة، عملا بالعموم. وقد استثني من هذا العموم أمران: الاول: الاكل من بيوت من تضمنته الآية وهي قوله تعالى: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) (3). يعني: مجتمعين ومنفردين. والمراد بالآباء هنا ما يشمل الاجداد، بقرينة الجمع، ولان الجد أدخل في القرب من العم والخال. ويحتمل عدم دخولي الاجداد، لانهم ليسوا آباء حقيقة، بدليل صحة السلب، والاطلاق منزل عليها. والجمع جاء باعتبار جمع المأذونين في الاكل، قضية للمطابقة. وكذا القول في الامهات بالنسبة إلى الجدات. ولا فرق في الاخوة والاخوات بين كونهم للابوين أو لاحدهما. وكذا الاعمام والاخوال. والمراد ب‍ ما ملكتم مفاتحه بيت العبد، لان ماله ملك السيد أو من له عليه ولاية. وقيل: الولد، لانه لم يذكر بالصريح، وملكه لمفاتحه مبالغة في أولوية الاب، كما في قوله صلى الله عليه وآله: (أنت ومالك لابيك (4). وقيل: ما يجده

(هامش)

(1) مسند أحمد 3: 491، صحيح مسلم 4: 1986 ح 32، مجمع الزوائد 4: 172. (2) عوالي اللآلي 3: 473 ح 1، سنن الدار قطني 3: 25 ح 87. (3) النور: 61. (4) الكافي 35: 135 ح 5، التهذيب 6: 343 ح 961، الاستبصار 3: 48 ح 157، الرسائل 12: 194 ب 78 من أبواب ما يكتسب به ح 1. (*)

ص 99

الانسان في داره ولم يعلم به. وفي بعض الروايات عن الصادق عليه السلام: أنه الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله ويأكل بغير إذنه (1). والمرجع في الصديق إلى العرف. وفي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا...) الآية، قلت: ما يعني بقوله: أو صديقكم؟ قال: هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه (2). واشترط بعضهم (3) تقييد الجواز بما يخشى فساده. وآخرون (4) بالدخول إلى البيت بإذن المذكورين. وآخرون (5) بعدم الكراهة. والاصح عدم اشتراط الاولين. أما الثالث فحسن، بمعنى أنه لو نهاه أو علم أو غلب على ظنه الكراهةحرم عليه الاكل. ولا يتعدى إلى غير البيوت من أموالهم، وقوفا فيما خالف الاصل على مورد الاذن. الثاني: الاكل مما يمر به الانسان من ثمر النخل أو غيره من الشجر أو المباطخ والزرع. وقد اختلف الاصحاب فيه بسبب اختلاف الرواية، وبالجواز قال الاكثر، بل ادعى عليه في الخلاف (6) الاجماع. وبه روايتان مرسلتان (7) لا تقاوم

(هامش)

(1) الكافي 6: 277 ح 5، التهذيب 9: 96 ح 416، الوسائل 16: 435 ب 24 من أبواب آداب المائدة ح 5. (2) الكافي 6: 277 ح 1، التهذيب 9: 95 ح 414، الوسائل 16: 434 الباب المتقدم ح 1. (3) المقنع: 125. (4) السرائر 3: 124. (5) الدروس الشرعية 3: 20. (6) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 546 مسألة (28). (7) انظر الوسائل 13: 14 ب 8 من أبواب بيع الثمار ح 3 و4. (*)

ص 100

الرابعة: من تناول خمرا، أو شيئا نجسا، فبصاقه طاهر، ما لم يكن متلوثا بالنجاسة. وكذا لو اكتحل بدواء نجس، فدمعه طاهر، ما لم يتلون بالنجاسة. ولو جهل تلونه، فهو على أصل الطهارة.

ما دل عليه الدليل (1) عموما من تناول (2) مال الغير بغير إذنه، والمنع لا يحتاج إلى رواية تخصه، وما ورد (1) فيه فهو مؤكد، مع أنه من الصحيح. ومن قال بالجواز قيده بأن لا يقصد ولا يفسد ولا يحمل معه شيئا، ولا يعلم أو يظن الكراهة. وقد تقدم (4) البحث في ذلك وتحقيق الدليل من الجانبين في كتاب التجارة. والمصنف - رحمه الله - جزم بالجواز من غير نقل خلاف ثم، وتردد هنا. وتردده - رحمه الله - يمكن أن يكون في جواز الجميع، وأن يكون مختصا بالزرع والشجر دون النخل. والاظهر الاول. قوله: من تناول خمرا..... الخ . إنما حكم بطهره لان البواطن لا تنجس بدون التغير، وعلى تقدير تغيرها تطهر بزواله، فإذا ظهر البصاق غير متغير كان طاهرا لذلك. وكذا الدمع. ومع الجهل بلوثه (5) يحكم بطهره، لان البصاق والدمع طاهران بالاصل فيستصحب إلى أن يعلم الناقل عنه. ويؤيده رواية أبي الديلم قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل يشرب الخمر فبزق فأصاب ثوبي من بزاقه، فقال: ليس

(هامش)

(1) انظر ص 97 - 98. (2) كذا فيما لدينا من النسخ، ولعل الصحيح: من حرمة تناول.....(3) انظر الوسائل الباب المتقدم ح 7. (4) في ج 3: 371 - 373. (5) كذا في ذ، و، خ وفي سائر النسخ: بلونه. (*)

ص 101

الخامسة: الذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا، ثم أسلم ولم يقبض الثمن، فله قبضه. السادسة: يحل (1) الخمر إذا انقلبت خلا، سواء كان انقلابها بعلاج أو من قبل نفسها، وسواء كان ما يعالج به عينا باقية أو مستهلكة، وإن كان يكره العلاج. ولا كراهية فيما ينقلب من قبل نفسه.

بشيء (2). قوله: الذمي إذا باع خمرا.... الخ . لثبوته في ذمة المشتري قبل الإسلام فيستصحب. ولا يقدح كون أصله محرما على المسلم، لانه قد استقر على وجه محلل في وقت يقر عليه، كما لو كان قد قبضه ثم أسلم. قوله: تطهر الخمر إذا انقلبت خلا.... الخ . المشهور بين الاصحاب جواز علاج الخمر بما يحمضها ويقلبها إلى الخلية من الاجسام الطاهرة، سواء كان ما عولج به عينا قائمة أم لا. ويدل عليه رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخمر يصنع فيها الشيء حتى تحمض، قال: إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس (3). وعموم حسنة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الخمر العتيقة

(هامش)

(1) في الشرائع (الطبعة الحجرية): تطهر.(2) التهذيب 9: 115 ح 498، الوسائل 17: 302 ب 35 من أبواب الاشربة المحرمة ح 1. (3) الكافي 6: 428 ح 1، التهذيب 9: 119 ح 511، الوسائل 17: 296 ب 31 من أبواب الاشربة المحرمة ح 2. (*)

ص 102

ولو ألقي في الخمر خل حتى يستهلكه، لم يحل ولم يطهر. وكذا لو ألقي في الخل خمر فاستهلكه الخل. وقيل: يحل إذا ترك حتى تصير الخمر خلا. ولا وجه له.

تجعل خلا، قال: لا بأس (1). وإنما كره العلاج لقوله عليه السلام في رواية أبي بصير وقد سأله عن الخمر يجعل خلا فقال: لا إلا ما جاء من قبل نفسه (2) . وقوله عليه السلام في رواية اخرى: لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يقلبها (3) . وربما قيل باشتراط ذهاب عين المعالج به قبل أن يصير خلا، لانه ينجس بوضعه ولا يطهر بانقلابها خلا، لان المطهر للخمر هو الانقلاب وهو غير متحقق في ذلك الجسم الموضوع فيها. ولا يرد مثله في الآنية، لانها مما لا تنفك عنها الخمر، فلو لم تطهر معها لما أمكن الحكم بطهرها وإن انقلبت بنفسها. وهو متجه، إلا أن الاشهر الاول. واعلم أنه ليس في الاخبار المعتبرة ما يدل على جواز علاجها بالاجسام والحكم بطهرها كذلك، وإنما هو عموم أو مفهوم كما أشرنا إليه، مع قطع النظر عنالاسناد إليه. قوله: ولو ألقي في الخمر.... الخ . القول للشيخ (4) وابن الجنيد (5)، لرواية عبد العزيز بن المهتدي قال: كتبت

(هامش)

(1) الكافي 6: 428 ح 2، التهذيب 9: 117 ح 504، الوسائل 17: 296 الباب المتقدم ح 1. (2) التهذيب 9: 118 ح 510، الاستبصار 4: 93 ح 360، الوسائل 17: 297 الباب المتقدم ح 7. (3) الكافي 6: 428 ح 4، التهذيب 9: 117 ح 506، الاستبصار 4: 94 ح 361، الوسائل 17: 296 الباب المتقدم ح 4. (4) النهاية: 592 - 593. (5) حكاه عنه العلامة في المختلف: 689. (*)

ص 103

إلى الرضا عليه السلام: جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخل وشيء يغيره حتى يصير خلا، قال: لا بأس به (1). وتأول الشيخ رواية أبي بصير السابقة (2) من قوله: لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يقلبها بأن معناه: إذا جعل فيه ما يغلب عليه فيظن أنه خل، ولا يكون كذلك مثل القليل من الخمر يطرح عليه كثير من الخل، فإنه يصير بطعم الخل، ومع هذا فلا يجوز استعماله حتى يعزل عن تلك الخمر، ويترك مفردا إلى أن يصير خلا، فإذا صار خلا حل حينئذ ذلك الخل (3). وأنكر ذلك ابن إدريس (4) والمصنف - رحمه الله - حيث قال: لا وجه له للاجماع على أن الخل يصير بمخالطة الخمر له نجسا، ولا دلالة على طهارته بعد ذلك، لانه إنما يطهر الخمر بالانقلاب إلى الخل، فأما الخل فهو باق على حقيقته، وليس له حالة ينقلب إليها ليطهر بها. وقال في المختلف: إن كلام الشيخ ليس بعيدا من الصواب، لان انقلاب الخمر إلى الخل يدل على تمامية استعداد انقلاب ذلك الخمر إلى الخل، والمزاج واحد، بل استعداد الملقى في الخل بصيرورته خلا أتم، ولكن لا يعلم لامتزاجه بغيره، فإذا انقلب الاصل المأخوذ منه علم انقلابه أيضا، ونجاسة الخل تابعة للخمرية وقد زالت، فتزول النجاسة عنه، كما مر في الخمر إذا انقلب .

(هامش)

(1) التهذيب 9: 118 ح 509، الاستبصار 4: 93 ح 359، الوسائل 17: 297 ب 31 من أبواب الاشربة المحرمة ح 8. (2) في ص: الصفحة السابقة. (3) التهذيب 9: 118 ذيل ح 510. (4) السرائر 3: 133. (*)

ص 104

السابعة: أواني الخمر من الخشب والقرع والخزف غير المغضور لا يجوز استعماله، لاستبعاد تخلصه. والاقرب الجواز بعد إزالة عين النجاسة وغسلها ثلاثا.

قال: وقد نبه شيخنا أبو علي بن الجنيد عليه فقال: فأما إذا أخذ إنسان خمرا ثم صب عليه خلا، فإنه يحرم عليه شربه والاصطباغ به في الوقت ما لم يمض عليه وقت تنتقل في مثله العين من التحليل إلى التحريم أو من التحريم إلى التحليل (1). واعلم أن الروايات الواردة في الباب كلها ضعيفة. والقول بطهر الخل إذا مضى زمان يعلم انقلاب الخمر فيه إلى الخلية متجه، إذا جوزنا العلاج وحكمنا بطهارته مع بقاء عين المعالج بها، لان الخل لا يقصر عن تلك الاعيان المعالج بها حيث حكم بطهرها مع طهره. إلا أن إثبات الحكم من النص لا يخلو من إشكال، واستفادته من إطلاق جواز علاجه أعم من بقاء عين المعالج [بها] (2). قوله: أواني الخمر.... الخ . القول بالمنع من استعمال الاواني المذكورة مطلقا للشيخ في النهاية (3)، لرواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل مسكر، وكل مسكر حرام، قلت: فالظروف التي يصنع فيها؟ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدباء والمزفت والحنتم والنقير،قلت: وما ذلك؟ قال: الدباء: القرع، والمزفت: الدنان، والحنتم: الجرار الزرق، والنقير: خشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون

(هامش)

(1) المختلف: 689. (2) من ط، م . (3) النهاية: 592. (*)

ص 105

فيها (1). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدباء والمزفت وزدتم أنتم الحنتم - يعني: الغضار - ثم قال: وسألته عن الجرار الخضر والرصاص، قال: لا بأس بها (2). ولان في الخمر حدة ونفوذا في الاجسام الملاقية لها، فإذا لم تكن الآنية مغضورة دخلت أجزاؤها بها واستقرت في باطنها، فلا ينفذ الماء إليها على وجه التطهير. وجوابه - مع قطع النظر عن سند الاولى - حمل النهي على الكراهة، وإلا فالماء ينفذ فيما ينفذ فيه الخمر ويخرق الآنية وإن لم يكن فيها خمر. ولان ذلك لو منع لمنع في غيره من النجاسات المائعة، فإنها تدخل في باطن الاناء المذكور (3) بالوجدان، ولا خلاف في طهرها. نعم، قد ينقدح أن الماء لا يدخل إلى باطنه إلا بالترشح، فلا يكفي في التطهير. ويندفع بأنه يدخل كذلك في الاواني والثياب والحشايا (4) مع الحكم بطهرها في غير الخمر إجماعا، فليكن فيه كذلك. وإطلاق النصوص بطهارة هذه

(هامش)

(1) الكافي 6: 418 ح 3، التهذيب 9: 115 ح 499، الوسائل 2: 1075 ب 52 من أبواب النجاسات ح 2.(2) الكافي 6: 418 ح 1، التهذيب 9: 115 ح 500، الوسائل 17: 285 ب 25 من أبواب الاشربة المحرمة ح 1. (3) في إحدى الحجريتين: الاواني المذكورة. (4) الحشايا جمع الحشية بالتشديد،: الفراش. انظر نهاية ابن الاثير 1: 393. (*)

ص 106 

الاشياء يشمل موضع النزاع، ويوجب الاكتفاء بنفوذ الماء على هذا الوجه. فكان القول بطهارة الاناء المذكور من الخمر إذا غسل ونفذ الماء فيه إلى ما نفذت الخمر فيه أقوى. ويؤيده رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الذي يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه الخل أو ماء وكامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس (1). وإطلاق النص والفتوى يقتضي ثبوت الطهارة بالماء القليل والكثير. وتحققها بهما فيما لا يتشرب واضح. أما فيه فبالكثير إذا نقع حتى نفذ في باطنه على حد ما نفذت فيه الخمر. واعتبار المصنف وغيره (2) في طهارته ثلاث مرات أو سبع صريح في طهره بالقليل أيضا، لان الكثير لا يعتبر فيه التعدد. إذا تقرر ذلك فما الذي يعتبر من العدد على تقدير تطهيره في القليل؟ اختلف فيه كلام الشيخ، فاعتبر تارة ثلاثا (3)، وهو الذي اختاره المصنف هنا، وأخرى سبعا (4). ومستند القولين رواية عمار السابقة، وفيها: وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال: تغسله ثلاث مرات، وسئل يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتى يدلك بيده ويغسله ثلاث مرات . وهي حجة الاول. وفي

(هامش)

(1) الكافي 6: 427 ح 1، التهذيب 9: 115 ح 501، الوسائل 17: 294 ب 30 من أبواب الاشربة المحرمة ح 1. والكامخ: إدام يؤتدم به، رخصه بعضهم بالمخللات التي تستعمل لتشهي الطعام. المنجد: 698. (2، 4) المبسوط 1: 15، قواعد الاحكام 2: 159. (3) النهاية: 592. (*)

ص 107

رواية أخرى عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الاناء يشرب فيه النبيذ قال: يغسل سبع مرات (1). ومن عمل بالاولى حمل هذه على الاستحباب جمعا. ولا ريب أنه أولى، إذ يلزم من العمل بالسبع اطراح رواية الثلاث. ويمكن على هذا حمل الروايتين على الاستحباب، لاطلاق الرواية (2) عن عمار بالغسل في أولها الصادق بمسماه. وكذا إطلاق غيره من النصوص الصحيحة (3).وهذا هو الذي اختاره العلامة (4) وجماعة. وفيه قوة. مع أن رواية عمار - مع ضعف سندها، وقصورها عن إفادة الوجوب، واختلافها في التقدير - يظهر عليها قرائن الاستحباب، من اعتباره مع الثلاث دلك الاناء بيده، وعدم اعتباره في غيرها، والدلك غير واجب، بل المعتبر زوال العين كيف اتفق. وأيضا في رواية السبع قال: وكذلك الكلب أي: يغسل منه سبعا، وهم لا يقولون به، فهو قرينة الاستحباب. وأما القول بحمل المطلق على المقيد، فيسقط دلالة الاطلاق، ثم المقيد بالثلاث والسبع يحصل الجمع بينهما بوجوب الثلاث واستحباب السبع، فإنما يتم

(هامش)

(1) التهذيب 9: 116 ح 502، الوسائل 17: 294 ب 30 من أبواب الاشربة المحرمة ح 2. (2) المذكورة في الصفحة السابقة. (3) انظر الوسائل 17: 295 الباب المتقدم ح 5، 6. (4) إرشاد الاذهان 1: 240. (*)

ص 108

الثامنة: لا يحرم شيء من الربوبات والاشربة وإن شم منه رائحة المسكر، ك‍: رب الرمان والتفاح، لانه لا يسكر كثيره.

مع اعتبار الرواية، وضعفها يمنع ذلك. فالرجوع إلى إطلاق (1) الاوامر (2) المعتمدة بالغسل من غير تحديد الصادق بالمرة أقوى، وإن كان اعتبار العدد المذكور أفضل وأحوط. قوله: لا يحرم شيء من الربوبات... الخ . لما كان الاصل في هذه الاشياء الحل، والتحريم يتوقف على دليل يدل عليه، ولم يقم دليل على تحريم هذه الربوبات، فلا وجه للعدول عما دل عليه الاصل من حلها، وإن أشبهت المسكر في الرائحة وغيرها، ما لم تشاركه في خاصية الاسكار فتصير من أفراده، لكن ذلك يتخلف عنها مطلقا، إذ لم ينقل فيها فعل ذلك مطلقا. ويؤيده رواية جعفر بن أحمد المكفوف قال: كتبت إليه - يعني: أبا الحسن الاول عليه السلام - أسأله عن السكنجبين والجلاب ورب التوت ورب التفاح ورب الرمان، فكتب عليه السلام: حلال (3). وفي رواية أخرى مثلالاولى وزاد [فيها] (4): رب السفرجل، وبعده: إذا كان الذي يبيعها غير عارف وهي تباع في أسواقنا، فكتب: جائز لا بأس بها (5).

(هامش)

(1) انظر الهامش (2، 3) في الصفحة السابقة. (2) في د : الاولى. وفي ذ، خ : الاول. (3) الكافي 6: 426 ح 1، التهذيب 9: 127 ح 551، الوسائل 17: 293 ب 29 من أبواب الاشربة المحرمة ح 1. (4) من الحجريتين. (5) الكافي 6: 427 ح 2، التهذيب 9: 127 ح 552، الوسائل 17: 293 الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 109

التاسعة: يكره أكل ما باشره الجنب والحائض، إذا كانا غير مأمونين. وكذا يكره أكل ما يعالجه من لا يتوقى النجاسات، وأن يسقي الدواب شيئا من المسكرات.

قوله: يكره أكل ما باشره.... الخ . المراد بكونهما غير مأمونين في التحفظ من النجاسة. وكذا القول في كل من لا يتحفظ منها إذا لم تعلم عليه يقينا. ولا يحكم بنجاسة ما باشره وإن غلب على الظن نجاسته على أصح القولين. قوله: وأن يسقي الدواب... الخ . لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن البهيمة - البقرة وغيرها - تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال: نعم (1). ورواية غياث عن أبي عبد الله عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام كره أن يسقى الدواب الخمر (2). ولا يحرم، لعدم تكليفها، فلا يتعلق النهي بها، ولا بصاحبها حيث لم يشربها، خلافا للقاضي (3). ولا يلحق بها الاطفال وإن شاركوا في عدم التكليف، بل يحرم سقيهم المسكر، وقد روي: أن من سقى مولودا مسكرا سقاه الله من الحميم (4).

(هامش)

(1) التهذيب 9: 114 ح 497، الوسائل 17: 246 ب 10 من أبواب الاشربة المحرمة ح 5. (2) الكافي 6: 430 ح 7، التهذيب 9: 114 ح 496، الوسائل 17: 426 الباب المتقدم ح 4. (3) المهذب 2: 433. (4) الكافي 6: 397 ح 6، التهذيب 9: 103 ح 449، الوسائل 17: 426 الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 110

ويكره الاسلاف في العصير. وأن يستأمن على طبخه من يستحل شربه قبل أن يذهب ثلثاه، إذا كان مسلما. وقيل: لا يجوز مطلقا. والاول أشبه.

قوله: ويكره الاسلاف.... الخ . هكذا أطلق الشيخ - رحمه الله - في النهاية (1). وعلله: بأنه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه ويكون قد تغير إلى حال الخمر، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد، وإن كان لو فعل ذلك لم يكن محظورا . وناقشه ابن إدريس (2) في ذلك وقال: السلف لا يكون إلا في الذمة، ولا يكون في العين، وإذا كان في الذمة لزمه تسليم ما في ذمته من العصير من أي موضع كان، سواء تغير ما عنده إلى حال الخمر أم لم يتغير، فلا وجه حينئذ للكراهة. وأجيب (3) بأمكان. أن يرد بالسلف بيع عين مشخصة يسلمها إليه في وقت معين، وأطلق عليه اسم السلف مجازا، كما ورد السلف في مسوك الغنم مع المشاهدة، أو يحمل على الحقيقة ويتعذر عليه تحصيل العصير عند الاجل، لا نقلابه كذلك. ولا يخفى ما في هذا الجواب من التكلف، وقوة كلامابن إدريس. قوله: وأن يستأمن على طبخه.... الخ . القول بعدم الجواز للشيخ في النهاية (4)، وتبعه ابن إدريس (5) والعلامة (6)

(هامش)

(1، 4) النهاية: 591. (2) السرائر 3: 131. (3) المختلف: 688. (5) السرائر 3: 129. (6) قواعد الاحكام 2: 159. (*)

ص 111

ويكره: الاستشفاء بمياه الجبال الحارة.

وولده الفخر (1)، لرواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج فيقول: قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال: خمر لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف، يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث وقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، يشرب منه؟ فقال: نعم (2). والمراد بقوله: على الثلث أنه قد لقى منه الثلث وذهب ثلثاه بالغليان. والمصنف - رحمه الله - اختار الكراهة، لان ذا اليد قوله مقبول في طهارة ما تحت يده ونجاسته، فليكن هنا كذلك. ويمكن الطعن في الرواية بضعف السند، فإن في طريقها يونس بن يعقوب، وقد قال الصدوق ابن بابويه (3) والكشي (4): إنه فطحي (5)، وإن كان الشيخ (6) قد وثقه، إذ لا منافاة بين الامرين، فيصلح حينئذ دليلا للكراهة لا التحريم. قوله: ويكره الاستشفاء.... الخ . المستند رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نهى

(هامش)

(1) إيضاح الفوائد 4: 158 - 159. (2) الكافي 6: 421 ح 7، التهذيب 9: 122 ح 526، الوسائل 17: 234 ب 7 ، من أبوابالاشربة المحرمة ح 4. (3) حكاه عنه العلامة في خلاصة الرجال: 185 رقم (2). (4) اختيار معرفة الرجال: 385 رقم (720). (5) في هامش ذ، ر : قال النجاشي: إنه رجع من الفطحية، وقول النجاشي مقبول. منه رحمه الله . انظر رجال النجاشي: 446 رقم (1207). (6) رجال الطوسي: 363 و394. (*)

ص 112

ومن اللواحق النظر في حال الاضطرار

وكل ما قلنا [5] بالمنع من تناوله، فالبحث فيه مع الاختيار. ومع الضرورة يسوغ التناول، لقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) (1)، وقوله: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم) (2)، وقوله: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (3).

رسول الله صلى الله عليه وآله عن الاستشفاء بالحميات، وهي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي توجد فيها رائحة الكبريت، فإنها تخرج من فوح جهنم (4). قوله: وكل ما قلنا بالمنع... الخ . لا خلاف في أن المضطر إذا لم يجد الحلال يباح له أكل المحرمات من الميتة والدم ولحم الخنزير وما في معناها، على ما قال تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) وغيرها من الآيات. والمراد بالمخمصة في قوله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة): المجاعة. وقوله تعالى: (غير متجانف لاثم) أي: غير منحرف إليه، وهو كقوله تعالى: (غير باغ ولا عاد). وسيأتي (5) تفسيرهما.

(هامش)

(1) البقرة: 173. (2) المائدة: 3. (3) الانعام: 119. (4) الكافي 6: 389 ح 1، التهذيب 9: 101 ح 441، الوسائل 1: 160 ب 12 من أبواب الماء المضاف ح 3. (5) في ص: 114. (*)

ص 113

فليكن النظر في: المضطر، وكيفية الاستباحة. أما المضطر: فهو الذي يخاف التلف لو لم يتناول. وكذا لو خاف المرض بالترك. وكذا لو خشي الضعف المؤدي إلى التخلف عن الرفقة، مع ظهور أمارة العطب، أو ضعف الركوب المؤدي إلى خوف التلف. فحينئذ يحل له تناول ما يزيل تلك الضرورة.

قوله: أما المضطر فهو الذي... الخ . ما ذكره من تفسير الاضطرار هو المشهور بين الاصحاب، لتحقق معنى الاضطرار على جميع هذه الاحوال. وقال الشيخ في النهاية: لا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس، فإن خاف ذلك أكل ما يمسك الرمق، ولا يتملا منه (1). ووافقه تلميذه القاضي (2) وابن إدريس (3) والعلامة في المختلف (4). والاصح الاول. وفي معنى ما ذكر من يخاف طول المرض أو عسر برئه، لان ذلك كله اضطرار، ومنعه على تقديره حرج منفي (5). ولا يشترط تيقن وقوع ذلك، بل يكفي غلبة الظن كنظائره. ولا يجب الامتناع إلى أن يشرف على الموت، فإن التناول حينئذ لا ينفع ولا يدفع، بل لو انتهى إلى تلك الحالة لم يحل له التناول، لانه غير مفيد، والغرض من إباحة المحرم حفظ النفس.

(هامش)

(1) النهاية: 586. (2) المهذب 2: 442.(3) السرائر 3: 113. (4) المختلف: 683 - 684. (5) الحج: 78، الفتح: 17. (*)

ص 114

ولا يختص ذلك نوعا من المحرمات، إلا ما سنذكره. ولا يترخص: الباغي، وهو الخارج على الامام، وقيل: الذي يبغي الميتة، ولا العادي، وهو: قاطع الطريق، وقيل: الذي يعدو شبعه.

قوله: ولا يختص ذلك نوعا... الخ . إذا بلغ المضطر حدا يجوز له تناول المحرم لم يختص شيئا منها دون شيء، لعموم قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) (1) بعد تفصيل ما حرم عليه، وكذا غيره من الآيات (2). لكن بعض المحرمات يقدم على بعض بنص خارج. وسيأتي (3) تحقيقه عن قريب. قوله: ولا يترخص الباغي... الخ . قد عرفت استثناء الباغي والعادي من الرخصة بالآية. وقد اختلف في المراد منهما، فذهب المصنف وجماعة (4) إلى أن الباغي هو الخارج على الامام والعادي قاطع الطريق، لرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) (5) قال: الباغي الذي يخرج على الامام، والعادي الذي يقطع الطريق، لا تحل له الميتة (6). والرواية مرسلة، وفي طريقها سمهل بن زياد، إلا أن تفسيرها للباغي

(هامش)

(1) البقرة: 173. (2) المائدة: 3، الانعام: 119. (3) في ص: 122 و126. (4) الجامع للشرائع: 390، إرشاد الاذهان 2: 114. (5) البقرة: 173. (6) الكافي 6: 265 ح 1، معاني الاخبار: 213 ح 1، الوسائل 16: 389 ب 56 من أبواب الاطعمة المحرمة ح 5. (*)

ص 115

وأما كيفية الاستباحة: فالمأذون فيه حفظ الرمق، والتجاوز حرام، لان القصد حفظ النفس. وهل يجب التناول للحفظ؟ قيل: نعم، وهو الحق. فلو أراد التنزه والحال حالة خوف التلف، لم يجز.

مناسب لمعناه المشهور شرعا، ولعله حقيقة شرعية فيه. وإنما الكلام في الآخر، وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العادي السارق (1). ومثله روى عبد العظيم الحسني عن الجواد عليه السلام (2). والقول بأن الباغي من يبغي الميتة والعادي من يعدو شبعه لبعض المفسرين (3). وهو حسن أيضا، لان باغي الميتة مع الاختيار عاص كغيره ممن فسر به الباغي، ومن تجاوز شبعه غير مرخص أيضا، لانه لا ضرورة له إليه، بل لا ضرورة (4) إلى إخراجه من الرخصة. وفي الروايتين (5) السابقتين: الباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا، لا ليعود به على عياله . وقيل فيهما غير ذلك. قوله: وأما كيفية الاستباحة... الخ . لا خلاف في أن المضطر يستبيح سد الرمق، وهو بقية الحياة، بمعنى أنه

(هامش)

(1) الكافي 3: 438 ح 7، التهذيب 3: 217 ح 539، الوسائل 16: 388 الباب المتقدم ح 2. (2) الفقيه 3: 216 ح 1007، التهذيب 9: 83 ح 354، الوسائل 16: 388 الباب المتقدم ح 1. (3) كنز العرفان للمقداد 2: 322 - 323، وانظر النكت والعيون للماوردي 1: 223، تفسير الفخر الرازي 5: 13 - 14، تفسير القرطبي 2: 231، الدر المنثور 1: 407.(4) في ذ، د، ر، خ : بل الضرورة. (5) وهما روايتا حماد وعبد العظيم الحسني. (*)

ص 116

يأكل ما يحفظه من الهلاك، وليس له أن يزيد على الشبع إجماعا. وهل يجوز له أن يزيد عن سد الرمق إلى الشبع؟ ظاهر المصنف والاكثر العدم، لان الضرورة اندفعت بسد الرمق، وقد يجد بعده من الحلال ما يغنيه عن الحرام. وهو حسن حيث لا يحتاج إلى الزائد، بأن كان في بادية وخاف أن لا يتقوى على قطعها لو لم يشبع، أو يحتاج إلى المشي أو العدو، فيجوز ما تندفع به الحاجة. وكذا يجوز له التزود منه إذا كان لا يرجو الوصول إلى الحلال. فلو كان يرجوه لم يجز. إذا تقرر ذلك، فهل يجب التناول على الوجه المأذون فيه، أو هو باق على أصل الرخصة، فله التنزه عنه؟ قولان أصحهما الاول، لان تركه يوجمب إعانته على نفسه، وقد نهى عنه تعالى بقوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (1)، كما يجب دفع الهلاك بأكل الطعام الحلال. ووجه الثاني: أن الصبر عنه (2) لكونه محرما ضرب من الورع، فيكون كالصبر على القتل لمن يراد منه إظهار كلمة الكفر. وهو ضعيف، لان المأكول على هذا الوجه ليس محرما، فلا ورع في تركه. والفرق بين الامرين واضح، فإن في الاستسلام للقتل ممن أكره على كلمة الكفر إعزاز الإسلام وإيذانا بشرفه، وإنه مما يتنافس في حفظه بالنفس، بخلاف تناول المحرم.

(هامش)

(1) البقرة: 195. (2) في د : عليه. (*)

ص 117

ولو اضطر إلى طعام الغير وليس له الثمن وجب على صاحبه بذله، لان في الامتناع إعانة على قتل المسلم. وهل له المطالبة بالثمن؟ قيل: لا، لان بذله واجب، فلا يلزم له العوض. وإن كان الثمن موجودا، وطلب ثمن مثله، وجب دفع الثمن. ولا يجب على صاحب الطعام بذله لو امتنع من بذل العوض، لان الضرورة المبيحة لاقتساره مجانا زالت بالتمكن من البذل.

قوله: ولو اضطر إلى طعام... الخ . إذا وجد المضطر طعاما حلالا لغيره، فذاك الغير إما أن يكون حاضرا أو غائبا. فإن كان حاضرا، نظر إن كان مضطرا إليه فهو أولى به، وليس للاول أخذه منه إذا لم يفضل عن حاجته، إلا أن يكون غير المالك نبيا فيجب على المالك بذله له. فإن آثر المالك المضطر غيره على نفسه في صورة لا يجب عليه دفعه، ففي جوازه وجهان، أصحهما ذلك مع تساويهما في الإسلام والاحترام، لعموم قوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسم ولو كان بهم خصاصة) (1) ولان المقصود حفظ النفس المحترمة وهو حاصل بأحدهما، فلا ترجيح. ويحتمل عدم الجواز، لقدرته على حفظ نفسه بعدم بذل ماله، فلا يجوز له بذله، لما فيه من إلقائها في التهلكة بيده. ويمكن حينئذ منع كون ذلك إلقاء في التهلكة، كثبات المجاهد لمثله مع ظهور أمارة العطب، فإن المقتول على هذا

(هامش)

(1) الحشر: 9. (*)

ص 118

الوجه [المشروع] (1) ليس بهالك بل فائز. ولو كان المضطر ذميا أو بهيمة لم يجز إيثاره وإن كان محترما. وإن لم يكن المالك مضطرا إليه فعليه إطعام المضطر، مسلما كان أم ذميا أممستأمنا. وكذا لو كان يحتاج إليه في ثاني الحال على الاظهر. وللمضطر أن يأخذه ويقاتله عليه، فإن قتل المالك المضطر عن طعامه فعليه القصاص. ولو منعه من الطعام فمات جوعا ففي ضمانه له وجهان، من أنه لم يحدث فيه فعلا مهلكا، ومن أن الضرورة أثبتت له في ماله حقا فكأنه منع منه طعامه. وفي مقدار ما يجب على المالك بذله من سد الرمق أو القدر المشبع وجهان مبنيان على القدر الذي يحل من الميتة. وهل يجب على المضطر الاخذ قهرا والقتال، أو الثابت مجرد الجواز؟ وجهان مبنيان على الخلاف في أنه هل يجب عليه الاكل من الميتة أم لا؟ وأولى بأن لا يجب هنا لو قيل به ثم، لان عقل المالك ودينه يبعثانه على الاطعام وهو واجب عليه، فجاز أن يجعل الامر موكولا إليه. والاصح الوجوب مع إظهاره الامتناع، لوجود العلة الموجبة في الميتة. ثم إن كان المضطر قادرا على دفع ثمنه لم يجب على المالك بذله مجانا قطعا، لان ضرورة الجائع تندفع ببذله الثمن القادر عليه. وإن كان عاجزا عنه، ففي وجوب بذله مجانا وجهان: أحدهما: العدم، لعصمة مال الغير كعصمة نفسه، فيجمع بين الحقين

(هامش)

(1) من الحجريتين فقط. (*)

ص 119

بالعوض وقت القدرة. والثاني: عدم جواز أخذ العوض، لوجوب بذله فلا يتعقبه العوض، لانه لا عوض على فعل الواجب، كما أنه إذا خلص مشرفا على الهلاك لا يجب له عليه أجرة المثل. وجوابه: منع الكلية، كما يجب بذل الطعام في الغلاء على المحتكر ويجبر عليه مع جواز أخذه العوض إجماعا. والمعلوم وجوبه نفس بذل المال أعم من كونه مجانا أو بعوض. وفرقوا بينه وبين تخليص المشرف على الهلاك: بأنه هناك يلزمه التخليص وإن لم يكن للمشرف على الهلاك مال، ولا يجوز التأخير إلى تقدير الاجرة وتقريرها، بخلاف ما هنا. ولا يخلو هذا الفرق من قصور. وربما سوى بعضهم (1) بين الامرين حيث يحتمل الحال موافقته على أجرة يبذلها أو يقبلها، ولا يلزمه تخليصه حتى يقبل الاجرة كالمضطر، كما أنه لو لم يحتمل الحال مساومة المضطر يجب عليه بذله ولا يلزمه العوض، بخلاف ما إذا احتمل وإن لم يكن هناك مال مقدور عليه. إذا تقرر ذلك، فإذا بذل المالك الطعام مجانا فعليه قبوله، ويأكل إلى أن يشبع مع سعة المبذول. وإن بذله بالعوض، نظر إن لم يقدر العوض فعلى المضطر قيمة ما أكل في ذلك الزمان والمكان أو مثله إن كان مثليا. وله أن يشبع أيضا. وإن قدر العوض، فإن لم يفرد له ما يأكله فكذلك. وإن أفرده، فإن كان المقدر ثمن المثل فالبيع صحيح، وله أن يأخذ ما فضل عن الاكل. وإن كان أكثر

(هامش)

(1) انظر روضة الطالبين 2: 553. (*)

ص 120

فسيأتي (1) البحث فيه. وإن أطعمه المالك ولم يصرح بالاباحة، ففيه وجهان أصحهما أنه لا عوض عليه، ويحمل على المسامحة المعتادة في الطعام سيما في حق المضطر. ولو اختلفا فقال المطعم: أطعمتك بعوض، وقال المضطر: بلا عوض، ففي تصديق المطعم لانه أعرف بكيفية ما بذله، أو المضطر لاصالة براءة ذمته، وجهان. ولو افتقر المضطر إلى وجور الطعام في فمه، فوجره المالك وهو مغمى عليه بنية العوض، ففي استحقاته العوض وجهان. وأولى بالاستحقاق هنا، لانه خلصه من الهلاك، فكان كالعفو عن القصاص إلى الدية، ولما فيه من التحريض على تدارك المضطرين. ووجه العدم: أن المضطر لم يطلب ولا تناول (2)، فكانالمالك متبرعا. والاقوى الاول. وكما يجب بذل المال لابقاء الآدمي، يجب بذله لابقاء البهيمة المحترمة وإن كانت ملكا للغير، ولا يجب البذل للحربي والكلب العقور. ولو كان للانسان كلب غير عقور جائع وشاة فعليه إطعام الشاة. ولو كان صاحب الطعام غائبا أكل منه وجوبا، وغرم قيمة ما أكل إن كان قيميا ومثله إن كان مثليا، سواء قدر على العوض أم لا، لان الذمم تقوم مقام الاعيان.

(هامش)

(1) في الصفحة التالية. (2) في خ : ولم يتناول. (*)

ص 121

وإن طلب زيادة عن الثمن، قال الشيخ: لا تجب الزيادة. ولو قيل: تجب، كان حسنا، لارتفاع الضرورة بالتمكن. ولو امتنع صاحب الطعام والحال هذه جاز له قتاله، دفعا لضرورة العطب. ولو واطأه فاشتراه بأزيد من الثمن كراهية لاراقة الدماء، قال الشيخ: لا يلزمه إلا ثمن المثل، لان الزيادة لم يبذلها اختيارا. وفيه إشكال، لان الضرورة المبيحة للاكراه ترتفع بإمكان الاختيار.

 قوله: وإن طلب زيادة عن الثمن... الخ . قال الشيخ في المبسوط: إذا امتنع صاحب الطعام من بذله إلا بأزيد من ثمن مثله، فإن كان المضطر قادرا على قتاله قاتله، فإن قتل المضطر كان مظلوما مضمونا، وإن قتل المالك كان هدرا، وإن لم يكن قادرا على قتاله أو قدر فتركه حذرا من إراقة الدماء، فإن قدر على أن يحتال عليه ويشتريه منه بعقد فاسد حتى لا يلزمه إلا ثمن مثل فعله، فإن لم يقدر إلا على العقد الصحيح فاشتراه بأكثر من ثمن مثله، قال قوم: يلزمه الثمن، لانه باختياره بذل، وقال آخرون: لا تلزمه الزيادة على ثمن المثل، لانه مضطر إلى بذلها، فكان كالمكره عليها، وهو الاقوى عندنا (1). والمصنف - رحمه الله - رجح وجوب الزائد مع قدرته عليه، محتجا بارتفاع الضرورة مع التمكن من بذل العوض الزائد، فلم يجب على المالك بذله، لان غريمه غير مضطر.ويفهم من تعليله الوجوب بارتفاع الضرورة أنه لو لم يكن قادرا على بذلها

(هامش)

(1) المبسوط 6: 286. (*)

ص 122

ولو وجد ميتة وطعام الغير، فإن بذل له الغير طعامه بغير عوض، أو عوض هو قادر عليه، لم تحل الميتة. ولو كان صاحب الطعام غائبا، أو حاضرا ولم يبذل، وقوي صاحبه على دفعه عن طعامه، أكل الميتة. وإن كان صاحب الطعام ضعيفا لا يمنع، أكل الطعام وضمنه، ولم تحل الميتة. وفيه تردد.

لم يجب كما ذكره الشيخ، وإن كان قد أطلق الحكم. ومن الاصحاب (1) من حمل كلام الشيخ على أن: مراده مع عدم القدرة على الثمن في العاجل والآجل، وحينئذ فلا يتحقق خلاف معنوي . وهذا لا يخلو من نظر، لان الشيخ - رحمه الله - لم يعلل عدم الوجوب بما يقتضي العجز، بل ظاهر قوله: لانه مضطر إلى بذلها أنه دفعها أو ما هو أعم منه، فلا يناسب تقييده بالعجز. وكيف كان فالتفصيل بالقدرة وعدمها أقوى. قوله: ولو وجد ميتة وطعام الغير... الخ . إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير، فلا يخلو: إما أن يكون ذلك الغير حاضرا، أو غائبا. وعلى تقدير حضوره: إما أن يبذل طعامه تبرعا، أو بعوض مثله فما دون (2)، أو بأزيد، أو يمنع من ذلك كله. وعلى تقديره: إما أن يمكن المضطر مقاتلته وقهره عليه أم لا. وإن كان غائبا ففيه أوجه: أحدها - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله -: أنه يأكل الميتة ويدع طعام الغير، لان الميتة محرمة لحق الله تعالى، وحقوق الله مبنية على المساهلة

(هامش)

(1) في هامش و: هو الشهيد في شرح الارشاد. منه رحمه الله . انظر غاية المراد: 277. (2) في الحجريتين: مثله أو بأدون. (*)

ص 123

ولان إباحة الميتة للمضطر منصوص عليها، وجواز الاكل من مال الغير بغير إذنه يؤخذ من الاجتهاد. ولان الميتة يتعلق بها حق واحد لله تعالى، ومال الغير يتعلق به الحقان واشتغال ذمته. والثاني: أنه يأكل الطعام، لانه قادر على طعام حلال العين، فأشبه ما إذا كان المالك حاضرا وبذله. والتصرف في مال الغير ينجبر بثبوت عوضه في الذمة. والثالث: أنه يتخير، لتعارض المعنيين. والمصنف - رحمه الله - بعد أن حكم بتقديم الميتة على تقدير غيبته - مضافا إلى التفصيل على تقدير الحضور - تردد في الحكم. وقد ظهر وجه تردده. وإن كان صاحب الطعام حاضرا، نظر إن بذله بلا عوض وجب على المضطر قبوله. ولو باعه بثمن المثل فما دون وجب عليه الشراء إن كان الثمنمعه، أو رضي المالك بكونه في ذمته. وكذا لو باع بما يتغابن الناس بمثله. وإن كان بذله بزيادة كثيرة، ففي تقديمه على الميتة مع القدرة عليه أوجه أحدها أنه لا يلزمه لكن يستحب. وإذا لم يلزمه الشراء فهو كما لو لم يبذله المالك أصلا، وإذا لم يبذله لم يقاتله عليه المضطر إن كان يخاف من المقاتلة على نفسه أو كان يخاف أن يهلك المالك (1) في المقاتلة، بل يعدل إلى الميتة. وإن كان لا يخاف لضعف المالك وسهولة دفعه فهو على الخلاف فيما إذا كان غائبا. والمصنف - رحمه الله - رجح أن يشتريه بالثمن الغالي مع قدرته عليه ولا يأكل الميتة، لانه حينئذ غير مضطر إليها. ثم يجئ في أن الواجب عليه المسمى أو ثمن المثل ما تقدم.

(هامش)

(1) في الحجريتين: المال. (*)

ص 124

وإذا لم يجد المضطر إلا الآدمي ميتا، حل له إمساك الرمق من لحمه. ولو كان حيا، محقون الدم، لم يحل. ولو كان مباح الدم، حل له منه ما يحل من الميتة.

وإن امتنع من بذله أصلا، فإن كان قويا لا يمكن قهره عليه فلا شبهة في إباحة الميتة، إذ لا قدرة على غيرها. وإن كان ضعيفا يمكن قهره قاتله وأخذه منه قهرا. والفرق بينه وبين الغائب: أن الغائب غير مخاطب بدفعه إلى المضطر، وماله باق على أصل حرمته (1)، بخلاف الحاضر، فإنه مأمور شرعا بدفعه، فإذا امتنع جاز أخذه قهرا موافقة لامر الشارع، ولم يكن بسبب ذلك مضطرا إلى الميتة. قوله: وإذا لا يجد المضطر.... الخ . المحرمات التي يضطر الانسان إلى تناولها قسمان، أحدهما: ما سوىالمسكر، ويباح جميعه بالضرورة ما لم يكن فيه إهلاك معصوم الدم. وهنا مسألتان: الاولى: لو لم يجد إلا آدميا ميتا جاز له الاكل منه، لان الميت وإن كان محترما إلا أن حرمة الحي أعظم، والمحافظة عليها أولى. ولهذا لو كان في السفينة ميت وخاف أهلها الغرق كان لهم طرحه في البحر ولا يجوز طرح الحي. واستثنى بعضهم (2) ما إذا كان المتت نبيا. وآخرون (3) أنه مع الجواز يقتصر على أكله نيا، لان الضرورة تندفع به، وفي طبخه وشبهه هتك لحرمته، فلا يجوز الاقدام عليه مع اندفاع الضرورة بدونه، بخلاف الميتة، فإنه يجوز للمضطر أكلها

(هامش)

(1) في ط، م : احترامه. (2) ررضة الطالبين 2: 551. (3) الحاوي الكبير 15: 175. (*)

ص 125

نية ومطبوخة. ولو كان المضطر ذميا والميت مسلما (1) فهل له أكله؟ وجهان، من اشتراكهما في الاحترام وعصمة الدم فيقدم الحي كالمسلم، ومن رجحان عصمة المسلم حيث إنها ذاتية وعصمة الذمي عرضية، لالتزامه أحكام الذمة. ولو وجد المضطر ميتة ولحم آدمي أكل الميتة دون الآدمي، وإليه أشار المصنف - رحمه الله - بقوله: ولو لم يجد إلا الآدمي ميتا سواء في الميتة الخنزير وغيره. وكذا المحرم لو وجد الصيد ولحم الآدمي قدم الصيد، وإن قيل بتقديم الميتة على الصيد في حقه. الثانية: أن يجد المضطر آدميا حيا، فإن كان معصوم الدم لم يجز أكله، وإن كان كافرا كالذمي والمعاهد. وكذا لا يجوز للسيد أكل عبده، ولا للوالد أكل ولده. وإن لم يكن معصوما - كالحربي والمرتد - جاز له قتله وأكله، وإن كان قتله متوقفا على إذن الامام، لان ذلك مخصوص بحالة الاختيار. وفي معناهما الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة مستحلا وغيرهم ممن يباح قتله. ولو كان له على غيره قصاص، ووجده في حالة الاضطرار، فله قتله قصاصا وأكله. وأما المرأة الحربية وصبيان أهل الحرب ففي جواز قتلهم وأكلهم وجهان أصحهما ذلك، لانهم ليسوا معصومين، وليس المنع من قتلهم في غير حالة الضرورة لحرمة روحهم، ولهذا لا يتعلق به كفارة ولادية، بخلاف الذمي والمعاهد. ووجه المنع: تحريم قتلهم في حالة الاختيار. وقد عرفت جوابه.

(هامش)

(1) في ذ، د، و: مسلم. (*)

ص 126

ولو لم يجد المضطر ما يمسك رمقه سوى نفسه، قيل: يأكل من المواضع اللحمة كالفخذ. وليس شيئا، إذ فيه دفع الضرر بالضرر. ولا كذلك جواز قطع الآكلة، لان الجواز هناك إنما هو لقطع السراية الحاصلة، وهنا إحداث سراية. ولو اضطر إلى خمر وبول، تناول البول.

قوله: ولو لم يجد المضطر.... الخ . إذا لم يجد المضطر سوى نفسه، بأن يقطع فلذة (1) من فخذه ونحوه من المواضع اللحمة، فإن كان الخوف منه كالخوف على النفس ترك الاكل، أو أشد حرم القطع قطعا. وإن كان أرجى للسلامة ففيه وجهان: أحدهما: الجواز، لانه إتلاف بعض لاستبقاء الكل، فأشبه قطع اليد بسبب الآكلة. والثاني: المنع، لانه قطع فلذة من معصوم قد يتولد منه الهلاك، فلا يدفع الضرر بالضرر. ويفرق بينه وبين قطع الآكلة: بأن الجواز في قطعها لدفع السراية الحاصلة، وهنا إحداث سراية. وفيه نظر، لان حدوث السراية على هذا التقدير غير معلوم، والفرض كون المضطر خائف الهلاك، فسراية جوعه على نفسه كسراية الآكلة. ولا يجوز أن يقطع من غيره لحفظ نفسه حيث يكون معصوما اتفاقا، إذ ليس فيه إتلاف البعض لابقاء الكل. وكذا ليس للانسان أن يقطع جزء منه للمضطر، إلا أن يكون المضطر نبيا. قوله: (ولو اضطر إلى خمر.... الخ . لان تحريم البول أخف، كما لو وجد بولا وماء نجسا، فإنه يشرب الماء،

(هامش)

(1) الفلذة: القطعة من الكبد واللحم والمال... لسان العرب 3: 502. (*)

ص 127

ولو لم يجد إلا الخمر، قال الشيخ في المبسوط: لا يجوز دفع الضرورة بها، وفي النهاية: يجوز، وهو الاشبه.

لان نجاسته عرضية بخلاف البول ولا فرق بين بول بفسه وغيره. وموضع البحث ما إذا كان البول نجسا، وإلا قدم مطلقا وإن قيل بتحريمه لاستخباثه، لان المختلف فيه أخف من المتفق عليه. قوله: ولو لا يجد إلا الخمر.... الخ . وجه ما اختاره الشيخ (1) من عدم الجواز عموم (2) الادلة الدالة على تحريم الخمر مع عدم المعارض، فإن الآيات التي دلت على إباحة المضطر محصلها تحليل الميتة والدم ولحم الخنزير، فإنها هي التي ذكر تحريمها في صدر الآية (3) ثم سوغها للمضطر، فلا يتعدى إلى الخمر، لتوقف إباحتها على الدليل. والاقوى ما اختاره في النهاية (4) من الجواز، وهو مذهب المصنف والاكثر، لان حفظ النفس من التلف واجب وتركه محرم، وهو أغلظ تحريما من الخمر وغيره، فإذا تعارض التحريمان وجب ترجيح الاخف وترك الاقوى. ولان تحريم الميتة ولحم الخنزير أفحش وأغلظ من تحريم الخمر، فإباحتهما للمضطر توجبإباحة الخمر بطريق أولى. ويؤيده رواية محمد بن عبد الله عن بعض أصحابه قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: لم حرم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال: إن الله تعالى لم

(هامش)

(1) المبسوط 6: 288. (2) لاحظ الوسائل 1 7: 237 ب 9 من أبواب الاشربة المحرمة. (3) المائدة: 3. (4) النهاية: 591 - 592. (*)

ص 128

ولا يجوز التداوي بها، ولا بشيء من الانبذة، ولا بشيء من الادوية معها شيء من المسكر، أكلا ولا شربا. ويجوز عند الضرورة أن يتداوى به للعين.

 يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سواه من رغبة منه فيما حرم عليهم ولا لزهد فيما أحل لهم، ولكنه خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم، فأحله لهم وأباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم، ثم أباحه للمضطر فأحله له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك (1). الحديث. وهو نص في المطلوب، لكنه مرسل، وفي سنده جهالة، فلذا جعلنا. شاهدا لا دليلا. قوله: ولا يجوز التداوي بها.... الخ . هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل ادعى عليه في الخلاف (2) الاجماع. واستدلوا عليه بصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن دواء عجن بالخمر، قال: لا والله ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به؟! إنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير (3). وحسنة عمر بن أذينة قال: كتبت إلى الصادق عليه السلام أسأله عن رجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر سكرجة من نبيذ صلب، ليس

(هامش)

(1) الكافي 6: 242 ح 1، الفقيه 3: 218 ح 1009 وفيه: روى محمد بن عذافر عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام، التهذيب 9: 128 ح 553، الوسائل 16: 309 ب 1 من أبواب الاطعمة المحرمة ح 1. (2) الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 545 مسألة (27). (3) الكافي 6: 414 ح 4، التهذيب 9: 113 ح 490، الوسائل 17: 275 ب 20 من أبواب الاشربة المحرمة ح 4. (*)

ص 129

يريد به اللذة إنما يريد به الدواء، فقال: لا ولا جرعة، وقال: إن الله عز وجل لم يجعل في شيء مما حرم دواء ولا شفاة (1). ورواية أبي بصير قال: دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقالت: جعلت فداك إنه يعتريني قراقر في بطني وقد وصفت لي أطباء العراق النبيذ بالسويق، وقد عرفت كراهتك له فأحببت أن أسألك عن ذلك؟ فقال لها: وما يمنعك من شربه؟ قالت: قد قلدتك ديني فألقى الله عز وجل حين ألقاه فأخبره أن جعفر بن محمد أمرني ونهاني، فقالى: يا أبا محمد ألا تسمع هذه المسائل؟ لا فلا تذوقي منه قطرة، وإنما تندمين إذا بلغت نفسك ها هنا - وأومأ بيده إلى حنجرته - يقولها ثلاثا أفهمت؟ قالت: نعم (2). وغير ذلك من الاخبار (3) الكثيرة. وأطلق ابن البراج (4) جواز التداوي به إذا لم يكن له عنه مندوحة، وجعل الاحوط تركه. وكذا أطلق في الدروس (5) جوازه للعلاج، كالترياق. والاقوى الجواز مع خوف التلف بدونه، وتحريمه بدون ذلك. أما الاول فلما ذكرناه من جوازه للمضطر بدون المرض. وأما مع عدمه فلهذه النصوص الكثيرة. وهو اختيار العلامة في المختلف (6). وتحمل هذه الروايات على تناول

(هامش)

(1) الكافي 6: 413 ح 2، التهذيب 9: 113 ح 488، الوسائل 17: 274 الباب المتقدم ح 1. (2) الكافي 6: 413 ح 1، التهذيب 9: 112 ح 487، الوسائل 17: 275 الباب المتقدم ح 2. (3) لاحظ الوسائل 17: 274 ب 20 من أبواب الاشربة المحرمة. (4) المهذب 2: 433. (5) الدررس الشرعية 3: 25. (6) المختلف: 687. (*)

ص 130

الدواء لطلب العافية، جمعا بين الادلة. وأما التداوي بها للعين فقد اختلفت الرواية فيه، فروى هارون بن حمزة الغنوي في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشتكى عينه فنعت له كحل يعجن بالخمر فقال: هو خبيث بمنزلة الميتة، فإن كان مضطرا فليكتحل به (1). وبهذه أخذ المصنف والاكثر. ومنع ابن إدريس (2) منه مطلقا، لاطلاق النص (3) والاجماع بتحريمه الشامل لموضع النزاع، ولما روي من أن الله تعالى ما جعل في حرام شفاء (4). وروى مروك عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من اكتحل بميل من مسكر كحله الله بميل من نار (5). والاصح الاول، لما ذكر من الرواية الصريحة فيه. وهذه الرواية - مع ضعف سندها بالارسال - مطلقة فلا تنافي المقيد من الجواز عند الضرورة. والنص والاجماع على تحريمه مختصان بتناوله بالشرب ونحوه.

(هامش)

(1) التهذيب 9: 114 ح 493، الوسائل 17: 279 ب 21 من أبواب الاطعمة المحرمة ح 5. (2) السرائر 3: 126. (3) المذكور في ص: 128 - 129. (4) الكافي 6: 414 ح 6، التهذيب 9: 113 ح 491، الوسائل 17: 278 الباب المتقدم ح 1. (5) الكافي 6: 414 ح 7، الفقيه 3: 373 ح 1761، التهذيب 9: 114 ح 492، الوسائل 17: 279 الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 131

خاتمة في: الآداب

يستحب: غسل اليدين قبل الطعام وبعده..... ومسح اليد بالمنديل..... والتسمية عند الشروع..... والحمد عند الفراغ..... وأن يسمي على كل لون على انفراده..... ولو قال: بسم الله على أوله وآخره، أجزأ. ويستحب الاكل: باليمين مع الاختيار..... وأن يبدأ صاحب الطعام..... وأن يكون آخر من يمتنع...... وأن يبدأ في غسل اليد بمن على يمينه، ثم يدور عليهم إلى الاخير..... وأن يجمع غسالة الايدي في إناء واحد...... وأن يستلقي الآكل بعد الاكل، ويجعل رجله اليمنى على رجله اليسرى.

قوله: يستحب غسل اليدين..... الخ . اشتملت هذه الخاتمة على جملة من آداب الاكل مستفادة من الاخبار، وجملتها اثنا عشر: الاول: غسل اليدين قبل الاكل. روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر (1). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ قبل حضور طعامه (2). والمراد بالوضوء هنا غسل اليدين. وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام جامدا ومائعا، ولا بين كونه يباشر باليد أو بآلة كالملعقة، وإن كان الحكم مع المباشرة

(هامش)

(1) مستدرك الوسائل 16: 269 ب 42 من ابواب آداب المائدة ح 11، نقله من كتاب الاخلاق المخطوط. (2) المحاسن: 424 ح 217، الكافي 6: 290 ح 4، الوسائل 16: 471 ب 49 من أبواب آداب المائدة ح 3. (*)

ص 132

آكد، بل هو الاصل في الشرعية، لان الاكل من صاحب الشرع وخلفائه كان كذلك. الثاني: غسلهما بعد الفراغ. روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أوله ينفي الفقر، وآخره ينفي الهم (1). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر، وإماطة للغمر عن الثياب، ويجلو البصر (2). والغمر - بفتح الغين المعجمة، وفتح الميم - أثر الطعام في اليد. وروى أبو حمزة عن الباقر عليه السلام أنه قال: يا أبا حمزة الوضوء قبل الطعام وبعده يذهبان الفقر، قلت: بأبي أنت وامي يذهبان، قال: يذيبان (3). قال الصادق عليه السلام: من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة، وعوفي من بلوى في جسده (4). الثالث: مسح اليدين بالمنديل بعد الغسل الثاني دون الاول. قال الصادق عليه السلام: إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل، فإنه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد (5). وعن مرازم قال: رأيت أبا الحسن

(هامش)

(1) الكافي 6: 290 ح 5، الوسائل 16: 471 الباب المتقدم ح 4. (2) المحاسن: 424 ح 220، الكافي 6: 290 ح 3، الوسائل 16: 471 الباب المتقدم ح 6. (3) المحاسن: 425 ح 224، الكافي 6 ج 290 ح 2، التهذيب 9: 98 ح 424، الوسائل 16: 470 الباب المتقدم ح 1. (4) الكافي 6: 290 ح 1، الفقيه 3: 226 ح 1062، التهذيب 9: 97 ح 423، الوسائل 16: 471 الباب المتقدم ح 5. (5) المحاسن: 424 ح 216، الكافي 6: 291 ح 1، الوسائل 16: 476 ب 52 من أبواب آداب المائدة ح 2. (*)

ص 133

عليه السلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمسح بالمنديل، وإذا توضأ بعد الطعام مسح بالمنديل (1). ولعل إطلاق المصنف المسح عائد إلى الغسل المتصل به في العبارة، وهو الواقع بعده. وإنما يستحب مسحهما بالمنديل من أثر ماء الغسل، لا من أثر الطعام، فإن ذلك مكروه، وإنما السنة في لعق الاصابع، روى زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه كره أن يمسح الرجل يده بالمنديل وفيها شيء من الطعام، تعظيما للطعام، حتى يمصها أو يكون إلى جانبه صبي يمصها (2).ويستحب مسح الوجه باليدين بعد الغسل قبل مسحهما بالمنديل. قال الصادق عليه السلام: مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف، ويزيد في الرزق (3). وعن المفضل قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فشكوت إليه الرمد، فقال: إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك وقل ثلاث مرات: الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل، قال: ففعلت فما رمدت عيني بعد ذلك (4). الرابع: التسمية عند الشروع. فعن أبي عبد الله عليه السلام قاله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا وضعت المائدة حفتها أربعة آلاف ملك، فإذا

(هامش)

(1) المحاسن: 428 ح 244، الكافي 6: 291 ح 2، التهذيب 9: 98 ح 426، الوسائل 16: 476 الباب المتقدم ح 1. (2) المحاسن: 429 ح 245، الكافي 6: 291 ح 3، الوسائل 16: 477 ب 53 من أبواب آداب المائدة ح 1. (3) الكافي 6: 291 ح 4، الوسائل 16: 478 ب 54 من أبواب آداب المائدة ح 1. (4) الكافي 6: 292 ح 5، الوسائل 16: 478 الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 134

قال العبد: بسم الله، قالت الملائكة: بارك الله عليكم في طعامكم، ثم يقولون للشيطان: اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم، فإذا فرغوا فقالوا: الحمد لله، قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فأدوا شكر ربهم، فإذا لم يسموا قالت الملائكة للشيطان: ادن يا فاسق فكل معهم، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا اسم الله عليها قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم (1).وقال أمير المؤمنين عليه السلام: من أكل طعاما فليذكر اسم الله عليه، فإذا نسي ثم ذكر الله بعد تقيأ الشيطان ما أكل، واستقل الرجل الطعام (2). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من ذكر اسم الله عند طعام أو شراب في أوله، وحمد الله في آخره، لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا (3). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وضع الغداء والعشاء فقل: بسم الله، فإن الشيطان يقول لاصحابه: اخرجوا فليس هاهنا عشاء ولا مبيت، وإن نسي أن يسمي قال لاصحابه: تعالوا فإن لكم هاهنا عشاء ومبيتا (4). وعنه عليه السلام قال: إن الرجل إذا أراد أن يطعم طعاما فأهوى بيده

(هامش)

(1) الكافي 6: 292 ح 1، الفقيه 3: 224 ح 1047، التهذيب 9: 98 ح 427، الوسائل 16: 482 ب 57 من أبواب آداب المائدة ح 1. (2) الكافي 6: 293 ح 5، الوسائل 16: 480 ب 56 من أبواب آداب المائدة ح 3 وفيه: واستقبل الرجل. (3) المحاسن: 434 ح 270، الكافي 6: 294 ح 14، الوسائل 16: 483 ب 57 من أبواب آداب المائدة ح 5. (4) المحاسن: 432 ح 260، الكافي 6: 293 ح 4، الوسائل 16: 480 ب 56 من أبواب آداب المائدة ح 2. (*)

ص 135

وقال: بسم الله والحمد لله رب العالمين، غفر الله عز وجل له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه (1).ولو نسي التسمية فليقل عند الذكر: بسم الله على أوله وآخره. ورخص في تسمية واحد (2) من المجتمعين على المائدة عن الباقين، رواه (3) عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن الصادق عليه السلام. الخامس: حمد الله تعالى عند الفراغ. وقد تقدم في الاخبار السابقة ما يدل عليه. وعن النبي صلى الله عليه وآله: ما من رجل يجمع عياله ويضع مائدته، فيسمون في أول طعامهم، ويحمدون في آخره، فترفع المائدة، حتى يغفر لهم (4). ويستحب تكرار الحمد في الاثناء لا الصمت، قال زرارة: أكلت مع أبي عبد الله عليه السلام طعاما فما أحصي كم مرة قال: الحمد لله الذي جعلني أشتهيه (5). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: اذكروا الله على الطعام ولا تلغطوا، فإنه نعمة من نعم الله ورزق من رزقه، يجب عليكم فيه شكره وذكره وحمده (6).

(هامش)

(1) المحاسن: 435 ح 273، الكافي 6: 293 ح 7، الوسائل 16: 480 الباب المتقدم ح 1. (2) في د، ص، ط : واحدة. (3) الكافي 6: 293 ح 9، التهذيب 9: 99 ح 429، الوسائل 16: 486 ب 58 من أبواب آداب المائدة ح 2. (4) الكافي 6: 296 ح 25، الوسائل 16: 484 ب 57 من أبواب آداب المائدة ح 6. (5) الكافي 6: 295 ح 17، الوسائل 16: 487 ب 59 من أبواب آداب المائدة ح 6. (6) المحاسن: 434 ح 266، الكافي 6: 296 ح 23، الوسائل 16: 481 ب 56 منأبواب آداب المائدة ح 6. (*)

ص 136

ويستحب أن يقول إذا فرغ: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وأيدنا وآوانا وأنعم علينا وأفضل، الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم. السادس: أن يسمي الله تعالى على كل لون عند الشروع في الاكل منه، إذا تعددت الالوان على المائدة. قال داود بن فرقد لابي عبد الله عليه السلام: كيف أسمي على الطعام؟ فقال: إذا اختلفت الآنية فسم على كل إناء، قلت: فإن نسيت أن أسمي؟ قال: تقول: بسم الله على أوله وآخره (1). وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ضمنت لمن سمى على طعام أن لا يشتكي منه، فقال ابن الكواء: يا أمير المؤمنين لقد أكلت البارحة طعاما فسميت عليه وآذاني، قال: لعلك أكلت ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض [قال: نعم، قال: من هاهنا أتيت] (2) يا لكع (3). وكذا يستحب إعادتها لو قطع الاكل بالكلام ثم عاد إليه. ولو قال في الالوان المتعددة: بسم الله على أوله وآخره، أجزأ، وإن كان تكرارها بحسبها أفضل. السابع: أن يأكل بيده اليمنى مع الاختيار، لقول الصادق عليه السلام: لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع (4). ولو كان له مانع من الاكل باليمنى - كوجع

(هامش)

(1) الكافي 6: 295 ح 20، التهذيب 9: 99 ح 431، الوسائل 16: 490 ب 61 من أبواب آداب المائدة ح 1، وأورد ذيله في ص 485 ب 58 ح 1. (2) لم يرد ما بين المعقوفتين في مصادر الحديث، وررد في نسخ المسالك الخطية. (3) المحاسن: 437 ح 285، الكافي 6: 295 ح 18، الفقيه 3: 224 ح 1050، الوسائل 16: 490 ب 61 من أبواب آداب المائدة ح 3. (4) الكافي 6: 272 ح 2، التهذيب 9: 93 ح 403، الوسائل 16: 420 ب 10 من أبواب آداب المائدة ح 3. (*)

ص 137

ونحوه - فلا بأس باليسار. الثامن: أن يبدأ صاحب الطعام بالاكل إذا كان معه غيره. قال الصادق عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل مع القوم كان أول من يضع مع القوم يده، وآخر من يرفعها، ليأكل القوم (1). التاسع: أن يكون آخر من يترك الاكل، لما ذكر في الخبر. العاشر: أن يبدأ صاحب الطعام بغسل يده، ثم يبدأ بعده بمن على يمينه، ثم يدور عليهم إلى الآخر. هذا في الغسل الاول. أما في الثاني فيبدأ بمن على يساره كذلك، ويكون آخر من يغسل يده. وعلل تقديم غسل يده. أولا برفع الاحتشام عن الجماعة، وتأخيره آخرا بأنه أولى بالصبر على الغمر. هكذا روي عن الصادق عليه السلام (2). وفي خبر آخر عنه عليه السلام: فإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يمين الباب، حرا كان أو عبدا (3). الحادي عشر: أن تجمع غسالة الايدي في إناء واحد. قال الصادق عليهالسلام: اغسلوا أيديكم في إناء واحد تحسن أخلاقكم (4). الثاني عشر: أن يستلقي الآكل بعد الاكل، ويجعل رجله اليمنى على

(هامش)

(1) المحاسن: 448 ح 349، الكافي 6: 285 ح 2، الوسائل 16: 460 ب 41 من أبواب آداب المائدة ح 1. (2) انظر المحاسن: 426 ح 230، الكافي 6: 290 ح 1، علل الشرائع: 290 ب 216 ح 1 و2، الوسائل 16: 274 ب 50 من أبواب آداب المائدة ح 1 - 3. (3) الكافي 6: 290 ح 1، علل الشرائع: 290 ب 1 216 ح 1، الوسائل 16: 474 الباب المتقدم ح 1. (4) المحاسن: 426 ح 229، الكافي 6: 291 ح، الوسائل 16: 475 ب 51 من أبواب آداب المائدة ح 1. (*)

ص 138

ويكره: الاكل متكئا، والتملي من المأكل، وربما كان الافراط حراما، لما يتضمن من الاضرار. ويكره: الاكل على الشبع. والاكل باليسار.

اليسرى. روى البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: إذا أكلمت فاستلق على قفاك، وضع رجلد اليمنى على اليسرى (1). قوله: ويكره الاكل متكئا..... الخ . لما ذكر شيئا من سنن الاكل أتبعه بذكر شيء من مكروهاته، وهي أربعة: الاول: الاكل متكئا على أحد جانبيه. وكذا يكره مستلقيا، بل يجلس متوركا على الايسر، قال الصادق عليه السلام: ما أكل رسول الله صلى الله عليهوآله متكئا منذ بعثه الله تعالى حتى قبض، كان يأكل أكلة العبد، ويجلس جلسة العبد، تواضعا لله عز وجل (2). وفي خبر آخر عنه عليه السلام: لا تأكل متكئا ولا منبطحا (3). وفي رواية اخرى عنه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد، ولا يضعن أحدكم إحدى رجليه على الاخرى ويتربع، فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها (4). وروى الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه أكل متكئا على

(هامش)

(1) الكافي 6: 299 ح 21، التهذيب 9: 100 ح 435، الوسائل 16: 500 ب 74 من أبواب آداب المائدة ح 1. (2) المحاسن: 457 ح 390، الكافي 6: 270 ح 1، الوسائل 16: 414 ب 6 من أبواب آداب المائدة ح 7. (3) المحاسن: 458 ح 393، الكافي 6: 271 ح 4، الوسائل 16: 413 الباب المتقدم ح 4. (4) المحاسن: 442 ح 308، الكافي 6: 272 ح 10، الوسائل 16: 419 ب 9 من أبواب آداب المائدة ح 2. (*)

ص 139

يده وأنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينه عنه (1). وهو محمول إما على استثناء الاتكاء على هذا الوجه، أو على بيان جوازه، وأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينه عنه نهي تحريم، أو نحو ذلك. الثاني: التملي من المأكل. قال النبي صلى الله عليه وآله: ما ملا ابن آدم وعاء أشر من بطنه، فإذا كان ولابد فثلث لطعامك، وثلث لشرابك، وثلثلنفسك (2). وقال الباقر عليه السلام: ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مملوء (3). وقال الصادق عليه السلام: إن البطن ليطغى من أكله، وأقرب ما يكون العبد من الله إذا خف بطنه، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلا بطنه (4). وربما كان الافراط في الاكل حراما، لما يتضمن من الضرر الناشئ عن ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله: المعدة بيت الداء (5) وقال الصادق عليه السلام: كل داء من التخمة ما عدا الحمى، فإنها ترد ورودا (6). والوجدان على ذلك أعدل شاهد. الثالث: الاكل على الشبع، لما تقدم. وقال الباقر عليه السلام: إذا شبع

(هامش)

(1) الكافي 6: 271 ح 5، الوسائل 16: 415 ب 7 من أبواب آداب المائدة ح 1. (2) مشكاة الانوار للطبرسي: 327. مسند أحمد 4: 132، سنن ابن ماجة 2: 1111 ح 3349، سنن الترمذي 4: 509 ح 2380. (3) المحاسن: 447 ح 339، الكافي 6: 270 ح 11، الوسائل 16: 411 ب 4 من أبواب آداب المائدة ح 2. (4) المحاسن: 446 ح 337، الكافي 6: 269 ح 4، الوسائل 16: 405 ب 1 من أبواب آداب المائدة ح 1. (5) عوالي اللآلي 2: 30 ح 72، مجمع البيان 4: 244 - 245. (6) المحاسن: 447 ح 341، الكافي 6: 269 ح 8، الوسائل 16: 411 ب 4 من أبواب آداب المائدة ح 1. (*)

ص 140

ويحرم الاكل على مائدة يشرب عليها شيء من المسكرات أو الفقاع.

 البطن طغى (1). وعن أبي عليه السلام قال: الاكل على الشبع يورث البرص (2). والفرق بين الشبع والتملي: أن الشبع هو البلوغ في الاكل إلى حد لا يشتهيه، سواء امتلا بطنه منه أم لا، والتملي مل ء البطن منه وإن بقيت شهوته للطعام، كمايتفق ذلك لبعض الناس، فبينهما عموم وخصوص من وجه. الرابع: الاكل باليسار، وكذا الشرب وغيرهما من الاعمال، مع الاختيار. روى جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه كره للرجل أن يأكل بشماله، أو يشرب أو يتناول بها (3). وروى أبو بصير عنه عليه السلام أنه قال: لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع (4). وإنما ذكر كراهة الاكل باليسار مع سبق ذكره (5) استحباب الاكل باليمين بناء على أنه لا يلزم من نفي الاستحباب في الاكل باليسار إثبات الكراهة، لانه أعم، فجاز أن يكون مباحا، فنبه على كونه مكروها، للنهي عنه بخصوصه على وجه لم يبلغ حد المنع من النقيض. قوله: ويحرم الاكل على مائدة...... الخ . يدل على تحريم الاكل على مائدة يشرب عليها الخمر قول الصادق عليه

(هامش)

(1) المحاسن: 446 ح 335، الوسائل 16: 407 ب 1 من أبواب آداب المائدة ح 11، وفيهما: عن أبي عبد الله عليه السلام. (2) المحاسن: 447 ح 340، الكافي 6: 269 ح 7، التهذيب 9: 93 ح 399، الوسائل 16: 408 ب 2 من أبواب آداب المائدة ح 3. (3) المحاسن: 456 ح 382، الكافي 6: 272 ح 1، الفقيه 3: 222 ح 1035، التهذيب 9: 93 ح 402، الوسائل 16: 420 ب 10 من أبواب آداب المائدة ح 2. (4) تقدم ذكر مصادره في ص: 136 هامش (4). (5) في ص: 131. (*)

ص 141

السلام في صحيحة هارون بن الجهم: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: ملعونمن جلس على مائدة يشرب عليها الخمر (1). وفي رواية اخرى: ملعون من جلس طائعا على مائدة يشرب عليها الخمر (2). وروى جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأكل على مائدة يشرب عليها الخمر (3). والرواية الاولى تضمنت تحريم الجلوس عليها، سواء أكل أم لا. والاخيرة دلت على تحريم الاكل منها، سواء كان جالسا أم لا. والاعتماد على الاولى، لصحتها. وعداه العلامة (4) إلى الاجتماع على اللهو والفساد. وقال ابن إدريس: لا يجوز الاكل من طعام يعصى الله به أو عليه (5). ولم نقف على مأخذه. والقياس باطل، وطريق الحكم مختلف. وعلل بأن القيام يستلزم النهي عن المنكر من حيث إنه إعراض عن فاعله وإهانة له، فيجب لذلك، ويحرم تركه بالمقام عليها. وفيه نظر، لان النهي عن المنكر إنما يجب بشرائط من جملتها تجويز التأثير، ومقتض الروايات تحريم الجلوس والاكل حينئذ وإن لم ينه عن المنكر

(هامش)

(1) المحاسن: 585 ح 77، الكافي 6: 268 ح 1، التهذيب 9: 97 ح 422، الوسائل 16: 400 ب 62 من أبواب الاطعمة المحرمة ح 1. (2) المحاسن: 584 ح 76، الكافي 6: 268 ذيل ح 1، الوسائل 16: 401 الباب المتقدم ح 2. (3) الكافي 6: 268 ح 2، التهذيب 9: 97 ح 421، الوسائل 16: 401 الباب المتقدم ح 3. (4) قواعد الاحكام 2: 160. (5) السرائر 3: 136. (*)

ص 142

ولم يجوز تأثيره. وأيضا فالنهي عن المنكر لا يتقيد بالقيام، بل بحسب مراتبه المعلومة على التدريج، وإذا لم يكن المقام من مراتبه لا يجب فعله. وأما إلحاق الفقاع بالخمر فإنه وإن لم يرد عليه نص بخصوصه لكن قد ورد (1) أنه بمنزلة الخمر، وأنه خمر مجهول، وأنه خمر استصغره الناس، فجاز إلحاقه به في هذا الحكم.

(هامش)

(1) انظر الوسائل 17 ت 287 ب 27 و 28 من أبواب الاشربة المحرمة. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج12

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب