ص 191
الصنعة أمر آخر غير الاصل، ولهذا تضمن لو أزيلت مع بقاء الاصل، ويمح الاستيجار
عليها. ويشكل بأنه لم يخرج بالصنعة عن أصله، وإنما اشتمل على وصف زائد، وقد صرحوا
في باب الربا بأنه لا فرق بين المصنوع وغيره في المنع من المعاوضة عليه بزيادة.
وهذا أقوى (1). فضمانها بالقيمة أظهر. مع أنا نمنع من بقائه مثليا بعد الصنعة، لان
أجزاءه ليست متفقة القيمة، إذ لو انفصلت نقصت قيمتها عنها متصلة كما لا يخفى. وفي
المسألة وجه ثالث بضمان المصنوع بمثله مصنوعا إن أمكنتالمماثلة. وهو بعيد. واختلفت
فتوى التذكرة في هذه المسألة، فقال في موضع منها (2): إذا أتلف حليا وزنه عشرة
وقيمته عشرون ضمن الاصل بمثله وقيمة الصنعة، وكذا في غير النقدين، ربويا كان أو غير
ربوي . وقال في موضع (3) آخر منها: ولو كان فيه صناعة كمعمول الحديد والنحاس
والرصاص من الاواني والآلات ونحوها، والحلي من الذهب والفضة والمنسوج من الحرير
والكتان والغطن والشعر والصوف، والمغزول من ذلك، فالاقرب أنه يضمن بالقيمة)،. وهذا
كله إذا كانت الصنعة محللة. أما المحرمة، كالاواني حيث يمنع من اتخاذها من النقدين
مطلقا، وكآلات الملاهي والصليب والصنم، فإنه يضمن بمثله، ولا تعتبر قيمة الصنعة،
لانه لا قيمة لها شرعا.
(هامش)
(1) في ذ، ر، خ : قوي. (2، 3) تذكرة الفقهاء 2: 384 و383. (*)
ص 192
ولو كان المغصوب دابة، فجنى عليها الغاصب أو غيره، أو عابت من قبل الله سبحانه،
ردها مع أرش النقصان. ويتساوى بهيمة القاضي وغيره في الارش.
قوله: ولو كان
المغصوب دابه...... الخ . لا ريب في ضمان نقص الحيوان المغصوب بالعيب في يد
الغاصب، سواء كان من قبله أم من قبل غيره، لان الجملة مضمونة عليه فكذا أبعاضها.
ومع بقاء العين فهي مال المالك يتعين رده، فيجب أرش النقصان جمعا بين حق العين
الموجودة والصفات والاجزاء المفقودة، فإن حق العين الرد والذاهب القيمة وهو هنا
الارش. وهذا أمر لا يتفاوت بتفاوت الملاك. ونبه بقوله: ويتساوى بهيمة القاضي
وغيره على خلاف مالك (1) وأحمد (2) في إحدى الروايتين عنه أن في قطع ذنب بهيمة
القاضي تمام القيمة، لانها لا تصلح له بعد ذلك. لنا: أن النظر في الضمان إلى نفس
المفوت لا إلى أغراض الملاك، ألا ترىأن في وطئ جارية الاب بالشبهة مهر المثل، كما
في وطئ جارية الاجنبي بالشبهة، وإن تضمن وطئ جارية الاب تحريمها عليه.
(هامش)
(1، 2) لم ينقل هذا القول إلا عن مالك، انظر الحاوي الكبير 7: 140، حلية العلماء 5:
224، المغني لابن قدامة 5: 386. (*)
ص 193
ولا تقدير في قيمة شيء من أعضاء الدابة، بل يرجع إلى الارش السوقي. وروي في عين
الدابة ربع قيمتها. وحكى الشيخ - رحمه الله - في المبسوط (1) والخلاف (2) عن
الاصحاب: في عين الدابة نصف قيمتها، وفي العينين كمال قيمتها، وكذا كل ما في البدن
منه اثنان. والرجوع إلى الارش السوقي أشبه.
قوله: ولا تقدير في قيمة...... الخ .
الحيوان المملوك يراعى فيه ماليته، فيضمن بتلفه قيمته، وبتلف شيء من أجزائه نقصه
بسببه (3). ولا فرق في ذلك بين نوع من الحيوان ونوع، لاشتراكهما في المالية، فيجب
في نقصها الارش كسائر الاموال. وهذا مذهب الاكثر، ومنهم الشيخ في المبسوط (4). وقال
في الخلاف (5): كل ما في البدن منه اثنان ففيهما القيمة، وفي أحدهما نصفها .
واحتخ عليه بالاجماع والرواية، وهي: كل ما في البدن منه اثنان ففي الاثنين جميع
القيمة، وفي الواحد نصفها. ورده ابن إدريس (6) بأن الرواية (7) لم ترد كذلك إلا في
الانسان، وحمل البهائم عليه قياس. وكلام ابن إدريس جيد من حيث هذا العموم، فإنه لم
يرد في الحيوان
(هامش)
(1) المبسوط 3: 62. (2) الخلاف 3: 397 مسألة (4).(3) في خ : بنسبته. (4) المبسوط
3: 62. (5) الخلاف 3: 397 مسألة (4). (6) السرائر 2: 498. (7) انظر الوسائل 19: 213
ب 1 من أبواب ديات الاعضاء. (*)
ص 194
ولو غصب عبدا أو أمة فقتله، أو قتله قاتل، ضمن قيمته، ما لم تتجاوز قيمة دية الحر.
ولو تجاوزت لم يضمن الزيادة. ولو قيل: يضمن الزائد بسبب الغصب، كان حسنا. ولا يضمن
القاتل غير الغاصب سوى قيمته، ما لم تتجاوز عن دية الحر. ولو تجاوزت عن دية الحر
ردت إليه. فإن زاد الارش عن الجناية طولب الغاصب بالزيادة دون الجاني. أما لو مات
في يده ضمن قيمته ولو تجاوزت قيمة دية الحر.
مطلقا. نعم، روى الكليني بإسناده إلى
عاصم (1) بن حميد عن الباقر عليه السلام، وبإسناده إلى مسمع (2) عن الصادق عليه
السلام أن عليا عليه السلام قضى في عين الدابة ربع ثمنها. وروى أبو العباس (3) عن
الصادق عليه السلام قال: من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها . والاصح وجوب الارش
مطلقا، لضعف ما أوجب التقدير أو عدمه، لان هذه الروايات لا يقول الشيخ بمضمونها،
وما ادعاه لم نقف فيه على رواية. وقال في المختلف (4): تحمل الرواية والاجماع
الذي ادعاه الشيخ على غير الغاصب في إحدى العينين، بشرط نقص المقدر عن الارش .
وهذا الحمل حسن لو صحت الرواية، ومع ذلك فمدلولها خلاف ما ادعاه الشيخ. قوله: ولو
غصب عبدا..... الخ . قاتل العبد غير الغاصب يضمن قيمته ما لم يتجاوز دية الحر،
فيرد إليها.
(هامش)
(1) الكافي 7: 367 ح 1، وانظر التهذيب 10: 309 ح 1151، الوسائل 19: 271 ب 47 من
أبواب ديات الاعضاء ح 3. (2) الكافي 7: 367 ح 2 وانظر التهذيب 10: 309 ح 1152،
الوسائل 19: 271 الباب المتقدم ح 4. (3) الكافي 7: 368 ح 3، وانظر التهذيب 10: 309
ح 1149، الوسائل 19: 270 الباب المتقدم ح 1. (4) المختلف: 457. (*)
ص 195
وحاصله: أنه يضمن أقل الامرين من قيمته ودية الحر. وهو موضع نص (1) ووفاق. وأما
الغاصب، فإن مات عنده ضمن قيمته طلقا، لانه مال محض وقد فوته على مالكه عدوانا،
فيلزمه قيمته كغيره من الاموال، ولا معارض هنا لهذا الحكم. وإن قتله الناصب وتجاوزت
قيمته دية الحر ففي ضمانه للزائد قولان: أحدهما: العدم، ذهب إليه الشيخ في المبسوط
(2) والخلاف (3)، تسوية بين الغاصب وغيره ولاصالة البراءة ولان الاغلب فيه
الانسانية لا المالية وذهب المصنف - رحمه الله - وابن إدريس (4) وأكثر (5)
المتأخرين إلى أنه يضمن جميع القيمة مطلقا، لانه مال فيضمنه بقيمته كما مر. وإنما
اقتصرنا في غير الغاصب على الدية عملا بالاتفاق، فيبقى ما عداه على الاصل. وهذا
أقوى، وعليه الفتوى. فلو قتله غيره، فزادت قيمته عن دية الحر، لزم القاتل دية الحر،
والغاصب الزيادة، لان ماليته مضمونة عليه. قال في المختلف: والظاهر أن مراد الشيخ
بقوله في المبسوط: إنه لا يلزم القاتل الزيادة عن دية الحر، الجاني دون الغاصب،
لانه أشار في المبسوط إلى ما اخترناه من لزوم الزائد، لانه قال: إذا غصب عبدا فقطع
آخر يده، فإن رجع السيد على الغاصب رجع بأكثر الامرين مما نقص وأرش الجناية، وإن
رجع على القاطع رجع بالارش وهو نصف القيمة، والزائد في مال الغاصب، لاختصاص ذلك
بالجاني، فلا يتعدى إلى الغاصب، لما فيه من مخالفة الاصل، فإن العبد
(هامش)
(1) انظر الوسائل 19: 152 ب 6 من أبواب ديات النفس. (2) المبسوط 3: 62. (3)
الخلاف 3: 398 مسألة (5). (4) السرائر 2: 492. (5) تحرير الاحكام 2: 139، المختلف:
457. (*)
ص 196
ولو جنى الغاصب عليه بما دون النفس، فإن كان تمثيلا، قال الشيخ (1): عتق وعليه
قيمته.وفيه تردد، ينشأ من الاقتصار بالعتق في التمثيل على مباشرة المولى.
مال
(2). وعلى هذا فيرتفع الخلاف. قوله: ولو جنى الغاصب..... الخ . وجه ما اختاره
الشيخ من عتقه بتنكيل الغاصب عموم ما دل على عتق المنكل به في النصوص الشامل لتنكيل
المولى وغيره، فقد روى في التهذيب (3) عن جعفر بن محبوب عمن ذكره عن أبي عبد الله
عليه السلام قال:، (كل عبد مثل به فهو حر . ولا يعارضه ما ورد فيه تنكيل المولى
بخصوصه، كرواية أبي بصير عن أبي جعفر (4) عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام فيمن نكل بمملوكه أنه لا سبيل عليه سائبة لعدم التنافي بين الحكم
بعتقه على المولى المنكل وعتقه على كل من نكل [به] (5). وقد حققنا في باب العتق (6)
أن الاخبار كلها ضعيفة. وقد خالف ابن إدريس (7) في العتق بتنكيل المولى فضلا عن
غيره.
(هامش)
(1) لمبسوط 3: 62. (2) المختلف: 457، وانظر المبسوط 3: 62 و98. (3) التهذيب 8: 223
ح 801، وانظر الكافي 6: 189 ح 1، الوسائل 16: 26 ب 22 من أبواب كتاب العتق ح 1.
(4) التهذيب 8: 223 ح 802، وانظر الكافي 7: 172 ح 9، الفقيه 3: 85 ح 306، الوسائل
16: 26 الباب المتقدم ح 2. (5) من د، ط، م . (6) في ج 10: 359. (7) السرائر 3: 8
- 9. (*)
ص 197
وكل جناية ديتها مقدرة في الحر، فهي مقدرة في المملوك بحساب قيمته. وما ليست مقدرة
في الحر ففيها الحكومة. ولو قيل: يلزم الغاصب أكثر الامرين من المقدر والارش، كان
حسنا.
والمصنف (1) تردد أيضا ثم في عتقه بالتنكيل مطلقا لذلك، ومنه نشأ تردده هنا،
لانه إن كان ولا بد فينبغي الاقتصار في الحكم على تنكيل المولى، وقوفا فيما خالف
الاصل على مورده وهو المولى، لان عتقه مؤاخذة له على سوء فعله،ولعموم قوله صلى الله
عليه وآله: لا عتق قبل ملك (2) ولاصالة بقاء الرقية في موضع الشك. وهذا هو
المعتمد. والعلامة في بعض فوائده بنى الخلاف في الحكم على الخلاف في الحكمة، فإن
كانت في المولى للعقوبة لم يطرد، وإن كانت جبر وهن المنكل به لما فاته من التكسب
بالعتق اطرد. ولا يخفى ضعف هذا المبنى، لانه رد للحكمة إلى غير معلوم. والنص على
تقدير العمل به غير معلل. والعلة المستنبطة ساقطة الاعتبار عند الاصحاب. وبهذا يظهر
فساد ما قيل أيضا من بناء الخلاف على أن التنكيل يخرج العبد عن الملكية، أو المولى
عن أهلية الملك بالنسبة إلى العبد، أو عقوبة محضة. فعلى الاخيرين لا عتق، وعلى
الاول يعتق. وكل ذلك رد إلى ما لا يعلم. قوله: وكل جناية ديتها مقدرة...... الخ
. الكلام في هذه كما سبق (3) في الجناية على نفسه حيث تزيد قيمته عن دية
(هامش)
(1) شرائع الإسلام 3: 104. (2) الكافي 6: 179 ح 1، الفقيه 3: 69 ح 232، التهذيب 8:
217 ح 773، الاستبصار 4: 5 ح 14، الوسائل 16: 7 ب 5 من أبواب العتق ح 1. (3) في
ص: 195. (*)
ص 198
أما لو استغرقت [ديته] قيمته، قال الشيخ - رحمه الله -: كان المالك مخيرا بين
تسليمه وأخذ القيمة، وبين إمساكه ولا شيء له، تسوية بين الغاصب في الجناية وغيره.
وفيه التردد.
الحر. والاقوى فيها أيضا مراعاة جانب المالية بالنسبة إلى الغاصب،
فيضمن أكثر الامرين من المقدر والقيمة. ثم إن كان هو الجاني فهذا حكمه. وإن كان
الجاني عليه غير غاصب - بأن (1) قطع يده - ضمن أقل الامرين من نصف قيمته ونصف دية
الحر. فإن زاد نصف القيمة عن نصف الدية تخير المالك بين الرجوع على الغاصب بنصف
القيمة مطلقا، فيرجع الغاصب على الجاني بأقل الامرين، وبين أن يضمن الجاني أقل
الامرين، فلا يرجع به على الغاصب، ويأخذ المالك من الغاصب الزائد إن اتفق.
وبالجملة، فقرار موجب الجناية على الجاني والزائد على الغاصب. قوله: أما لو
استغرقت..... الخ . هذا قول الشيخ في المبسوط (2). ووجهه: أن المقتضي لدفعه إلى
الجاني إذا أخذت منه قيمته التحرز من الجمع للمالك بين العوض والمعوض، وهذا المعنى
موجود في الغاصب، فيستويان في هذا الحكم، لاشتراكهما في المقتضي،ولرواية أبي مريم
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أنف العبد أو
ذكره أو شيء يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد (3). وهي
شاملة بإطلاقها للغاصب، إلا أن الطريق ضعيف.
(هامش)
(1) في و: فإن. (2) المبسوط 3: 62. وانظر الخلاف 3: 400 - 401 مسألة (9). (3)
التهذيب 10: 194 ح 765، الوسائل 19: 298 ب 18 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح
3. (*)
ص 199
ولو زادت قيمة المملوك بالجناية، كالخصاء أو قطع الاصبع الزائدة، رده مع دية
الجناية، لانها مقدرة.
والمصنف تردد في ذلك، مما ذكر، ومن أن المدفوع عوض [عن] (1)
الفائت فلا جمع. وحمل الغاصب على الجاني قياس. وهذا أقوى. وهو خيرة ابن إدريس (2).
قوله: ولو زادت قيمة المملوك...... الخ . الكلام هنا في الجمع بين العين والقيمة
أو تخير المالك بين أحدهما كالسابقة، فقد قيل بأنه لا يجمع بينهما. والاصح خلافه،
لان القيمة عوض الفائت لا عوض الجميع، فلا يلزم الجمع، وإن كان المدفوع يصلح لان
يكون قيمة للمجموع، إلا أنه هنا لم يقع كذلك، بل قيمة لبعضه. والشيخ (3) وافق على
جمع المالك بين الامرين هنا، محتجا بأنه ضمان مقدر. وقيل في قطع الاصبع الزائدة إنه
لا شيء فيها، لعدم نقص القيمة كما هو الفرض. والاصح ضمان قيمتها، لان لها مقدرا وهو
ثلث دية [الاصبع] (4) الاصلية.واحترز بقوله: لانها مقدرة عما لو نقص السمن
المفرط ولم تنقص القيمة، فلا شيء للمالك بلا (5) إشكال، لانه لا مقدر له شرعا ليجب
بفواته، ولا
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) السرائر 2: 496 - 497. (3) المبسوط 3: 64. (4) من ط . (5)
في ذ، و: ولا، وفي خ : فلا. (*)
ص 200
والبحث في المدبر والمكاتب المشروط وأم الولد كالبحث في القن. وإذا تعذر تسليم
المغصوب دفع الغاصب البدل، ويملكه المغصوب منه، ولا يملك الغاصب العين المغصوبة.
ولو عادت كان لكل منهما الرجوع.
نقصت فيه (1) القيمة ليجب قدر النقص، فهو من قبيل
الجناية على ما لا قيمة له. قوله: والبحث في المدبر..... الخ . لاشتراك الجميع
في أصل الرقية وإن تشبث الثلاثة بالحرية. وفي حكم المشروط هنا المطلق الذي لم يؤد
شيئا، وكان عليه أن يذكره لئلا يوهم خروجه من حيث إنه مخالف للمشروط في كثير من
الاحكام. ولو أدى شيئا كان في جزئه الحر في الواقع بنسبة المؤدى بحكم الجاني الحر.
قوله: وإذا تعذر تسليم المغصوب...... الخ . إذا تعذر رد العين على الغاصب عند
طلب المالك لها - والمراد التعذر عادة - وجب عليه دفع بدلها إلى المالك مثلا أو
قيمة. فإن رضي المالك بالبدل على وجه المعاوضة ملكه ملكا مستقرا لا يزول بالقدرة
على العين بعد ذلك. وإنأخذه على وجه البدلية - لتعذر العين - ملكه أيضا ملكا محضا،
فنماؤه المنفصل له، لكن متى عادت العين كان لكل منهما الرجوع في ماله، فيجبر الآخر
على رد ما بيده، سواء، في ذلك الغاصب والمالك على الاقوى. وأما العين المغصوبة فهي
باقية على ملك مالكها مطلقا، ونماؤها له متصلا ومنفصلا، وإنما ملك العوض للحيلولة
بينه وبين ملكه لا لكونه عوضا، حتى لو اتفقا على ترك التراد فلا بد من بيع ونحوه
ليملك الغاصب العين.
(هامش)
(1) في و، خ : به. (*)
ص 201
وعلى الغاصب الاجرة، إن كان مما له أجرة في العادة، من حين الغصب إلى حين دفع
البدل. وقيل: إلى حين إعادة المغصوب. والاول أشبه.
هكذا أطلقوه. ولا يخلو من إشكال
من حيث اجتماع العوض والمعوض على ملك المالك من غير دليل واضح. ولو قيل بحصول الملك
لكل منهما متزلزلا، أو توقف ملك المالك (1) للبدل على اليأس من العين وإن جاز له
التصرف فيه، كان وجها في المسألة. قوله: وعلى الغاصب الاجرة..... الخ . لا إشكال
في وجوب الاجرة قبل دفع البدل، لان يد الغاصب يد عدوان محض. وأما بعده فقيل الحكم
كذلك، لان الغاصب لم يملك العين، وإنما دفع بدلها لمكان الحيلولة لا على وجه
المعاوضة، ولهذا كان النماء المنفصل (2) للمالك، فحكم الغصب باق إلى أن ترجع العين
إلى مالكها. والمصنف - رحمه الله - رجح سقوط الاجرة بعد دفع البدل، لان الغاصب قد
برئ من العين بدفع بدلها، فيبرأ من توابعها إلى أن يتمكن منها. وهذا لا يتم مع
الحكم ببقائها على ملك المالك، وعدم وجود مسقط لضمان الغاصب لها، فإنه لا يكون إلا
بردها أو بالمعاوضة عليها على وجه تنتقل عن ملك مالكها، ونحوذلك، ولم يحصل.
(هامش)
(1) كذا في هامش د، و، وإحدى الحجريتين، وهو الصحيح، وفي متنهما وسائر النسخ:
الغاصب. (2) في ط : المتصل. (*)
ص 202
ولو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه كالخفين، فتلف أحدهما،
ضمن التالف بقيمته مجتمعا، ورد الباقي وما نقص من قيمته بالانفراد. وكذا لو شق ثوبا
نصفين، فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق، ثم تلف أحدهما.
قوله: ولو غصب شيئين
ينقص..... الخ . أما ضمان قيمة التالف مجتمعا فلان ذلك هو قيمته [من] (1) حين
الغصب إلى حين التلف. وأما نقصان قيمة الآخر بالانفراد فلحصوله بسبب التفريق
المستند إليه. فلو كانت قيمتهما مجتمعين عشرة، فصارت قيمة الباقي إلى ثلاثة، ضمن
سبعة. ومثله القول في شق الثوب ثم تلف أحد النصفين. ويفرض نقص أحد النصفين - وإن
كان غير متوقف على الآخر، من حيث إمكان الانتفاع به في غيره - بأن يكون جعله ثوبا
إنما يحصل بهما، لصغر النصف عن الاستقلال وعدم وجود مماثل له يتممه ونحو ذلك. واعلم
أنه على تقدير تلف أحد النصفين من الثوب المشقوق لا حاجة إلى نقصانهما بالشق، بل لو
كان النقصان بواسطة تلف أحدهما من غير أن ينقصا بالشق فالحكم كذلك، بل هو الموافق
للمسألة السابقة، فإن النقصان لو استند إلى الشق قبل التلف لكان ضمان النقص حاصلا
وإن ردهما. ويمكن أن يجعل الباء في الشق سببية، على معنى نقصان كل واحد بواسطة
التفرقة التي سببها الشق، ليكون أدخل في تشبيه حكم المسألة بالسابقة، وإن كان لا
يخلو من تكلف، والاول مع سلامته عنه يبعد (2) معه الشبه.
(هامش)
(1) من د، ط، م . (2) في د، م : بعيد. (*)
ص 203
أما لو أخذ فردا من خفين يساويان عشرة، فتلف في يده، وبقي الآخر في يد المالك ناقصا
عن قيمته بسبب الانفراد، رد قيمة التالف أن لو كان منضما إلى صاحبه. وفي ضمان ما
نقص عن قيمة الآخر تردد.
قوله: أما لو أخذ فردا من خفين.... الخ . الفرق بين هذه
المسألة والتي قبلها الموجب لاختلافهما في الحكم - مع اشتراكهما في تلف أحد الزوجين
ونقصان الآخر -: أن التلف في الاول حصل بعد إثبات الغاصب يده عليهما معا، فكان
الذاهب من القيمة بالتلف والنقصان مضمونا عليه، بخلافه هنا، فإنه لم يغصب إلا أحد
الشيئين فيضمن قيمته قطعا، والآخر حصل نقصه بسبب التفريق المستند إليه من غير أن
يكون غاصبا له، فيكون كحبس المالك عن الماشية فتتلف، فيحتمل ضمان النقص للسببية،
وعدمه، لعدم غصبه. والاقوى الضمان. وقد تقدم (1) أنه يتحقق بالسببية وإن لم يكن
هناك غصب. وبقي الكلام في قيمة التالف الذي غصبه، فإنها كانت على تقدير اجتماعه مع
الآخر تزيد عن حالة التفريق، وتلفه في يده لم يحصل إلا حالة التفريق، فإذا اعتبرنا
قيمته يوم التلف احتمل وجوب قيمته منفردا حينئذ، أو (2) قيمته مجتمعا، لانه سبب في
ذهاب الزائد كالآخر. والمصنف - رحمه الله - جزم بضمان قيمته مجتمعا. وهو الاصح. ولا
منافاة بين الحكم بوجوب القيمة يوم التلف وضمان الزيادة، لانا نوجب قيمته يوم التلف
بسبب الغصب والزيادة بالسببية كما مر (3). مثاله: لو كانت قيمتهما عشرة، وأحدهما
مجتمعا خمسة، ومنفردا ثلاثة،
(هامش)
(1، 3) في الصفحة السابقة. (2) في ر، خ، م : وقيمته. (*)
ص 204
ولا تملك العين المغصوبة بتغييرها وإخراجها عن الاسم والمنفعة، سواء كان ذلك بغعل
الغاصب أو فعل غيره، كالحنطة تطحن، والكتان يغزل وينسج.
ضمن الثلاثة إجماعا، وفي
تمام الخمسة وجهان أصحهما الضمان، وفي تمام السبعة بسبب الباقي (1) وجهان أيضا.
والاصح ضمان السبعة. قوله: ولا تملك العين المغصوبة..... الخ . هذا الحكم محل
وفاق بين الاصحاب، وإنما خالف فيه أبو حنيفة (2)، فجعل كل تغير مغير للاسم موجبا
لانتقال الملك إلى الغاصب، ويغرم للمالك مثله أو قيمته. وضعفه ظاهر، لاصالة بقاء
الملك، مع عدم ثبوت كون التغير موجبا لانتقال الملك عن مالكه. وكما لا يملك الغاصب
العين بهذا العمل لا يملك شيئا من الاجرة بسببه، لتعديه. ثم ينظر إن كان مما يمكن
رده إلى الحالة الاولى فرده ضمن أرش النقص إن [كان] (3) نقصت قيمته. ولو رضي المالك
ببقائه على الحالة الثانية لم يكن للغاصب رده. وإن ألزمه بالرد إليها لزمه مع الارش
إن نقص. ولو كان مما لا يمكن رده - كطحن الحنطة - فهو للمالك مجانا، وأرش نقصه إن
فرض نقصه في بعض الاحيان.
(هامش)
(1) في إحدى الحجريتين: الثاني. (2) اللباب 2: 191، حلية العلماء 5: 257، شرح فتح
القدير 8: 259، المغني لابن قدامة 5: 403. (3) من د، ط . (*)
ص 205
ولو غصب مأكولا فأطعمه المالك، أو شاة فاستدعاه ذبحها مع جهل المالك، ضمن الغاصب.
وإن أطعمه غير المالك، قيل: يغرم أيهما شاء، لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل،
وإن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب، لغروره. وقيل: بل يضمن الغاصب من رأس، ولا
ضمان على الآكل، لان فعل المباشر ضعف عن التضمين بمضامة الاغترار، فكان السبب أقوى.
قوله: ولو غصب مأكولا فأطعمه..... الخ . إنما ضمن الغاصب مع كون المالك مباشرا
للاتلاف ومتسلما لماله لضعف المباشرة (1) بالغرور واليد، لان التسليم ليس تاما، فإن
التام هو التسليم على وجه يكون بتسليمه يتصرف تصرف الملاك لا التصرف على وجه دون
آخر. وقد تقدم (2) البحث في ذلك. ومثله ما لو استدعاه ذبح شاته ونحوها من الحيوان،
لضعف المباشرة بالغرور، وكونه قد أذن له في الاتلاف مجانا فلا يستتبع الضمان
المقتضي لعدم غرم الغاصب له. وأما إذا أطعم الطعام غير المالك فقد ترتبت الايدي على
المغصوب، فيتخير المالك في تضمين كل واحد من الآكل والغاصب، ويستقر الضمان على
الغاصب مع جهل الآكل، لغروره وقدومه على أن الاكل مجانا لا يتعقب الضمان، فإذا فرض
رجوع المالك عليه رجع على الغار (3) جمعا بين الحقين. وهذا هو
(هامش)
(1) في د، م : المباشر. (2) في ص: 156 - 157. (3) في ل، و: الغاصب. (*)
ص 206
ولو غصب فحلا، فأنزاه على الانثى، كان الولد لصاحب الانثى وإن كانت للغاصب. ولو نقص
الفحل بالضراب، ضمن الغاصب النقص، وعليه أجرةالضراب. وقال الشيخ في المبسوط: لا
يضمن الاجرة. والاول أشبه، لانها عندنا ليست محرمة.
أصح القولين. وقد تقدم (1).
وقيل: يختص الضمان بالغاصب من غير أن يشاركه الآكل في أصل الغرم، لضعف المباشرة
بالغرور، فاختص السبب لقوته. والاظهر الاول، لان ضعف المباشرة لا يبلغ حدا ينتفي به
الرجوع عليه، مع كونه متصرفا في مال الغير ومتلفا له. نعم، ينجبر غروره برجوعه على
الغار على تقدير رجوع المالك عليه ابتداء. قوله: ولو غصب فحلا فأنزاه..... الخ .
لا خلاف في كون الولد في الحيوان غير الانسان تابعا للام خاصة، سواء في ذلك الغاصب
وغيره، لانه نماؤها. ولا في ضمان الغاصب أرش الفحل على تقدير نقصانه، لان نقص
المغصوب مطلقا مضمون على الغاصب، خصوصا الحاصل بسبب الاستعمال. وإنما الخلاف في
ثبوت أجرة الضراب عليه، فمنعه الشيخ في المبسوط (2)، محتجا بنهي النبي صلى الله
عليه وآله عن كسب الفحل. والاكثر على ثبوتها، لانها منفعة محللة قد استوفاها
الغاصب، فكان عليه عوضها. وحملوا النهي على الكراهة.
(هامش)
(1) في ص. 156 - 157. (2) المبسوط 3: 96. (*)
ص 207
ولو غصب ماله أجرة وبقي في يده حتى نقص، كالثوب يخلق والدابة تهزل، لزمه الاجرة
والارش ولم يتداخلا، سواء كان النقصان بسبب الاستعمال أو لم يكن.
قوله: ولو غصب
ماله أجرة..... الخ . إنما لم يتداخلا لان كل واحد من أرش النقصان وأجرة العين
ثابت على انفراده على الغاصب، فإذا اجتمعا ثبتا أيضا، استصحابا للحكم، وكون التداخل
على خلاف الاصل. ونبه بقوله: سواء كان النقصان بسبب الاستعمال أو لم يكن على
خلاف بعض العامة، حيث ذهب إلى أن نقصانه بالاستعمال يوجب التداخل وضمان أكثر
الامرين من الارش والاجرة، استنادا إلى أن نقص الاجزاء ملحوظ في الاجرة، ولهذا لا
يضمن المستأجر الاجزاء الناقصة، وكان ما ينقص بالاستعمال تعتبر أجرته زائدة على ما
لا ينقص به، فلولا كونها ملحوظة لم تتحقق الزيادة. ويضعف بمنع كونه ملحوظا بها
مطلقا. وما ذكره مستندا (1) لا يدل عليه.وإنما الاجرة في مقابلة الاستعمال،
والنقصان غير مضمون على المستأجر، لاذن المالك له في التصرف الشامل لما ينتقص معه
العين وعدمه. وزيادة الاجرة بسبب النقص غير معلوم، وبتقديره لا يدل على التداخل
[فإنه غير الاول فلا يجبره] (2).
(هامش)
(1) في ذ : مسندا، وفي د، و، م : سندا. (2) من د، ط. و، م . (*)
ص 208
ولو أغلى الزيت فنقص، ضمن النقصان. ولو أغلى عصيرا فنقص وزنه، قال الشيخ: لا يلزمه
ضمان النقيصة، لانها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها، بخلاف الاولى. وفي الفرق
تردد.
قوله: ولو أغلى الزيت فنقص...... الخ . إذا غصب زيتا أو دهنا فأغلاه، فإما
أن ينتقص عينه أو قيمته أو كلاهما، أو لا ينتقص واحدة منهما. فعلى الاول، بأن أغلى
رطلين قيمتهما درهم فصارا رطلا قيمته درهمان، ففيه وجهان: أصحهما - وهو الذي يقتضيه
إطلاق المصنف رحمه الله -: أنه يرده ويغرم مثل الرطل الذاهب، لان للزيت بدلا مقدرا
وهو المثل، فصار كما لو خصى العبد فلم تنقص قيمته. والزيادة الحاصلة أثر محض لا
ينجبر به النقصان، كما لا يستحق به الغاصب شيئا. والثاني: أنه يرده ولا غرم عليه،
لان ما فيه من الزيادة والنقصان يستندان إلى سبب واحد، فينجبر النقصان بالزيادة.
وقد ظهر جوابه مما ذكر في الاول. وإن انتقصت قيمته دون عينه رده مع أرش النقصان.
وإن انتقصا جميعا فالواجب عليه مع رد الباقي مثل ما ذهب بالاغلاء، إلا إذا كان ما
نقص من القيمة أكثر مما نقص من العين، فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي. وإن
لم ينتقص واحدة منهما رده ولا شيء عليه. ولو غصب عصيرا وأغلاه فهل هو كالزيت حتى
يضمن مثل الذاهب إذا لم ينقص القيمة؟ فيه وجهان، أحدهما - وهو الاظهر -: نعم، لانه
مضمون بالمثل كالزيت. والثاني: لا، وهو الذي اختاره الشيخ (1).
(هامش)
(1) المبسوط 3: 82. (*)
ص 209
النظر الثالث في اللواحق

وهي نوعان: النوع الاول: في لواحق الاحكام وهي مسائل:
الاولى: إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب، فإن كانت أثرا - كتعليم الصنعة، وخياطة
الثوب، ونسج الغزل، وطحن الطعام - رده ولا شيء له. ولو نقصت قيمته بشيء من ذلك ضمن
الارش.
والفرق: أن حلاوة العصير باقية، والذاهب منه مائية ورطوبة لا قيمة لها،
بخلاف الذاهب من الزيت، فإنه مالية وزيت، فتقوم. ويضعف كون المائية لا قيمة لها وإن
آلت إلى الذهاب في الاستقبال، فإنه لا يمنع من تقويمها في الحال. قوله: إذا زادت
قيمة المغصوب.... الخ . الزيادة في المغصوب تنقسم إلى آثار محضة، وإلى أعيان.
والثاني يأتي (1). وجملة القول في القسم الاول: أن الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة
شيئا، لتعديه. ثم ينظر إن لم يمكن رده إلى الحالة الاولى رده إلى مالكه بحاله مع
أرش النقص إن اتفق نقصان قيمته. وإن أمكن رده إلى الحالة الاولى، فإن رضي به المالك
لم يكن للغاصب رده إلى ما كان عليه، وإن ألزمه
(هامش)
(1) في ص: 211. (*)
ص 210
الرد إلى الحالة الاولى لزمه ذلك مع أرش النقص إن نقص عما كان قبل تلك الزيادة. إذا
تقرر ذلك، فمن صور هذا القسم تعليم الصنعة وخياطة الثوب وقصارته وطحن الحنطة ونحو
ذلك. وإنما تكون الخياطة من هذا القسم إذا خاطه بخيوط المالك، أما إذا كانت الخيوط
للغاصب فهي عين محضة، وسيأتي (1) ما يدل على حكمها في نظيرها.ثم في (2) الطحن
والقصارة وشق الثوب وكسر الاناء ما (3) لا يمكن رده إلى ما كان. ولا يجبر (4) على
رفاء الثوب وإصلاح الاناء، لانه لا يعود إلى ما كان بالرفاء والاصلاح. ولو غزل
القطن المغصوب رد الغزل وأرش النقص إن نقص. وليس للمالك إجباره على نقضه إن كان لا
يمكن رده إلى الحالة الاولى. وإن أمكن فله إجباره عليه مع ضمان النقص عن أصله لا عن
الصنعة، لان أمر المالك برده إذن في إذهاب الصنعة، وإن صارت حقه بالتبعية لملك
العين مع كونها ليست عينا.
(هامش)
(1) في الصفحة التالية. (2) سقطت لفظة في من د، ط، م . (3) سقطت لفظة ما
من ، ذ، ل، و، خ . (4) في هامش و: وعن مالك أنه يجبر عليهما، كما في تسوية
الحفر. منه رحمه الله . انظر المدونة الكبرى 5: 341 وفزق فيه بين الافساد اليسير
والكثير، مختصر خليل: 257. (*)
ص 211
وإن كان عينا، كان له أخذها وإعادة المغصوب وأرشه لو نقص. ولو صبغ الثوب كان له
إزالة الصبغ، بشرط ضمان الارش إن نقص الثوب. ولصاحب الثوب إزالته أيضا، لانه في
ملكه بغير حق. ولو أراد أحدهما ما لصاحبه بقيمته، لم يجب على أحدهما إجابة الآخر.
وكذا لو وهب أحدهما صاحبه لم يجب على الموهوب له القبول. ثم يشتركان، فإن لم ينقص
قيمة مالهما فالحاصل لهما، وإن زادا فكذلك. ولو زادت قيمة أحدما كانت الزيادة
لصاحبها. وإن نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الارش، ولا يلزم المالك ما ينقص من
قيمة الصبغ. ولو بيع مصبوغا بنقصان من قيمة الصبغ لم يستحق الغاصب شيئا، إلا بعد
توفية المغصوب منه قيمة ثوبه على الكمال. ولو بيع مصبوغا بنقصان من قيمة الثوب، لزم
الغاصب إتمام قيمته.
قوله: وإن كان عينا.... الخ . هذا هو القسم الثاني، وهو ما
إذا كانت الزيادة من الغاصب عينا، إما محضة كالغرس، أو من وجه كصبغ الثوب. وسيأتي
(1) حكم الاول، والكلام هنا في الثاني. والصبغ إما أن يكون للغاصب، أو للمالك، أو
لاجنبي، فهنا أحوال: الاولى: أن يكون للغاصب، فينظر إن كان الحاصل محض تمويه لا
يحصل منه عين لو نزع فليس للغاصب النزع إن رضي المالك. وهل له إجباره عليه؟ فيه
وجهان: نعم لانه قد يريد (2) تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته و: لا لانه
(هامش)
(1) في ص: 239. (2) في ط، ر، م : يزيد. (*)
ص 212
حينئذ كقصارة الثوب. والاقوى الاول.وإن حصل بالانصباغ عين مال، فإما أن يمكن فصله
عنه، أو لا يمكن. ففي الثاني يصير شريكا للمغصوب منه، لانه عين مال انضم إلى ملكه.
ثم ينظر إن كانت قيمته مغصوبا مثل قيمته وقيمة الصبغ قبل الصبغ - كما إذا كانت قيمة
الثوب عشرة، وقيمة الصبغ عشرة، وهو يساوي بعد الصبغ عشرين، ولم يتغير قيمتهما - فهو
بينهما بالسوية. ولو كان ذلك لزيادة قيمة الثوب ونقصان قيمة الصبغ فهو بينهما
بالنسبة، كما لو ارتفعت قيمة الثوب إلى اثني عشر، وانخفضت قيمة الصبغ إلى ثمانية.
ولو زادت قيمتهما لزيادة قيمة الثوب فالزيادة لمالكه خاصة، أو لزيادة الصبغ
فالزيادة للغاصب، أو لزيادتهما معا فهي بينهما على نسبة الزيادة في كل منهما. ولو
كانت الزيادة بسبب العمل خاصة فهي بينهما، لان كل واحد منهما قد زاد بالصنعة (1)،
والزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلى الاثر المحض تسلم للمغصوب منه. ولو
نقصت قيمته عن قيمتهما معا فالنقصان على الغاصب خاصة، لانه إن كان من الصبغ فظاهر،
وإن كان من الثوب فضمانه عليه إذا لم يستند النقصان إلى الثوب وحده باعتبار السوق،
حتى لو نقص والحال هذه عن قيمة الثوب وحده لزم الغاصب أرش النقصان، ولا شيء له
لمكان الصبغ. وفي الاول - وهو ما إذا أمكن فصله عن الثوب - فللغاصب إزالته مطلقا مع
ضمان أرش الثوب إن نقص.
(هامش)
(1) في إحدى الحجريتين: بالصبغة. (*)
ص 213
وقيل (1): إن أذى فصله إلى استهلاكه لم يجب الغاصب إليه، لاستلزامه التصرف في مال
الغير بغير فائدة، مع كونه متعديا في أصل الفعل.والاشهر إجابته كما يقتضيه إطلاق
المصنف - رحمه الله - لانه لولاه لزم منه عدوان آخر، وهو التصرف في مال الغير بغير
حق، إذ لا سبيل إلى تملكه بعوض، ولا بغيره قهرا، وبقاء الثوب في يد المالك ممنوعا
من التصرف فيه لاجل الصبغ ضرر آخر، فكانت إجابة الغاصب أصلح، وفيها جمع بين الحقين.
فعلى هذا يجاب إليه وإن نقص الثوب مع ضمان أرشه. ولو طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة
لم يجب القبول، لان كل واحد مسلط على ماله، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس
منه. وقال ابن الجنيد (2): إذا لم يرض المالك بالقلع، ودفع قيمة الصبغ، وجب على
الغاصب القبول. ورجحه في المختلف (3). والاظهر العدم. وكذا لا يجب على أحدهما قبول
هبة ما للآخر (4)، لما فيه من المنة. ولو طلب أحدهما البيع، فإن كان هو مالك الثوب
أجبر الغاصب على الاجابة، دون العكس. وفرقوا بينهما: بأن المالك يعسر بيعه الثوب
منفردا، لقلة الراغب بعيب الشركة، والغاصب متعد فليس له الاضرار بالمالك بالمنع (5)
من
(هامش)
(1) في هامش و: القول لابن الجنيد والعلامة في المختلف. منه رحمه الله. انظر
المختلف: 455. (2، 3) انظر الهامش (1) هنا. (4) في د، ل، ط، و: مال الآخر. (5)
في ذ والحجريتين: بما يمنع من..... (*)
ص 214
البيع، بخلاف الغاصب، فإنه بتعديه لا يملك إزالة ملك غير المتعدي. ويحتمل أن لا
يجبر أحدهما على موافقة الآخر، لتحقق الشركة المقتضية لذلك، وأن يجبر المالك للغاصب
كالعكس، تسوية بين الشريكين، ليصل كل واحد منهما إلى ثمن ملكه الذي لا يمكن تحصيله
(1) إلا به. الحالة الثانية: أن يكون الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب. فإن لم يحدث
بفعله نقصان فلا غرم على الغاصب. وهما شريكان في الثوب المصبوغ كما سبق (2) في
الغاصب والمالك. وان حدث نقصان، فإن لقيت قيمة الثوب فهي لصاحب الثوب، ويغرم الغاصب
الصبغ للآخر. وإن زادت بما لا تبلغ قيمة الصبغ فالزائد لمالك الصبغ، ويغرم الغاصب
له الباقي. وإن زادت عنهما فهو (3) بينهما بالنسبة. هذا كله إذا لم تنقص القيمة
السوقية لاحدهما، وإلا اعتبرت النسبة كما مر. ولو أمكن فصله فلهما تكليف الغاصب به.
ولصاحب الثوب طلب الفصلأيضا. فإن حصل به نقص فيهما أو في أحدهما عما كان قبل الصبغ
غرمه الغاصب. الحالة الثالثة: أن يكون الصبغ مغصوبا من مالك الثوب أيضا، بأن أخذ
ثوبه وصبغه في مصبغته. فإن لم يحدث بفعله نقصان فيهما فهو للمالك، ولا غرم على
الغاصب، ولا شيء له إن زادت القيمة، لان الموجود منه أثر محض. وإن حدث بفعله نقصان
غرم الارش. وإذا أمكن الفصل فللمالك إجباره عليه. وللغاصب الفصل إذا رضي المالك.
(هامش)
(1) كذا في د، ط ، وفى سائر النسخ تخلصه، وفي إحدى الحجريتين: تخليصه. (2) في ص:
211 - 212. (3) في لا : فهي. (*)
ص 215
الثانية: إذا غصب دهنا - كالزيت أو السمن - فخلطه بمثله فهما شريكان. وإن خلطه
بأدون أو أجود، قيل: يضمن المثل، لتعذر تسليم العين. وقيل: يكون شريكا في فضل
الجودة، ويضمن المثل في فضل الرداءة، إلا أن يرضى المالك بأخذ العين. أما لو خلطه
بغير جنسه لكان مستهلكا، وضمن المثل.
واعلم أن المذكور في الكتاب هو الحالة الاولى
لا غير. قوله: إذا غصب دهنا..... الخ . إذا خلط المغصوب بغيره على وجه يتعذر
التمييز بينهما، فلا يخلو: إما أن يخلطه بجنسه، أو بغيره. والاول: إما أن يكون
بمثله في الجودة والرداءة، أو بأعلى منه، أو بأدنى. فإن خلطه بمثله فقد جزم المصنف
والاكثر (1) أنه يكون شريكا للغاصب بنسبة المخلوط، لان عين مال المالك موجودة في
الجملة، غايته أنها ممتزجة بغيرها، وذلك لا يخرجها عن ملكه. ولان في إثبات الشركة
إيصال المالك إلى بعض حقه بعينه، وإلى بدل بعضه من غير زيادة فوتت على الغاصب، فكان
أولى من إيصاله إلى بدل الكل. وقال ابن إدريس (2) ينتقل إلى المثل بالمزج وإن كان
بالمساوي، لاستهلاك العين، إذ لا يقدر الغاصب على ردها لو طلبه. ورد بأن ذلك لا
يوجب خروجها عن ملكه، كما اختلط المالان بغير
(هامش)
(1) انظر المبسوط 3: 80، غنية النزوع: 280، إصباح الشيعة: 340 - 341، الجامع
للشرائع: 351، المختلف: 455، قواعد الاحكام 1: 206، جامع المقاصد 6: 302. (2)
السرائر 2: 482. (*)
ص 216
اختيارهما أو برضا المالكين. وبأنه لو غصب رطلا من هذا ورطلا من هذا فخلطهما
وجعلناهما بذلك هالكين يلزم انتقال الملك فيهما إلى الغاصب، وهو تملك اختياري بمحض
العدوان. وإن خلطه بأجود فقولان: أحدهما: أنه كذلك، لوجود عين المنصوب المقتضي
لتسلط المالك عليها، وعدم الانتقال إلى مثلها أو قيمتها. ولا يقدح في ذلك الزيادة،
لانها زيادة صفة بفعل الغاصب، فكان كما لو علم العبد صنعة أو صاغ النقرة حليا. وقال
الشيخ في المبسوط (1) وابن إدريس (2): يتخير الغاصب في دفع القدر من العين أو
غيرها، لان العين قد استهلكت، إذ لا يقدر على الرد لو طالبه، والتخيير في الحقيقة
راجع إلى ضمان المثل، لانه حينئذ لا ينحصر في العين، وهي أجود مما يلزمه، فإذا
بذلها وجب قبولها بطريق أولى. ولان بعضها عين حقه، وبعضها خير منه. وهذا هو القول
الذي حكاه المصنف - رحمه الله - أولا. وإن خلطه بالاردأ، فإن جعلناه في غيره هالكا
فهنا أولى، فيعطيه مثله من غيره، وليس له أن يعطيه منه، لانه صار دون حقه، إلا أن
يرضى المالك وإن حكمنا بالشركة، نظرا إلى بقاء العين. وإن كانت ناقصة تخير المالك
بين أن يأخذ حقه من العين، وبين أن يطلب المثل من غيره. وظاهر العبارة أنه مع
اختيار أخذه من العين يأخذها مجانا. والاقوى أخذ الارش، لان النقص حصل بفعل الغاصب
فيضمن أرشه. وإن خلط المغصوب بغير جنسه - كما إذا خلط الزيت بالشيرج، أو خلط
(هامش)
(1) المبسوط 3: 79 - 80. (2) السرائر 2: 482. (*)
ص 217
الثالثة: فوائد المغصوب مضمونة بالغصب. وهي مملوكة للمغصوب منه، وإن تجددت في يد
الغاصب، أعيانا كانت كاللبن والشعر والولد والثمر، أو منافع كسكنى الدار وركوب
الدابة. وكذا منفعة كل ما له أجرة بالعادة.
دقيق حنطة بدقيق شعير - فالمغصوب هالك،
لبطلان فائدته وخاصيته باختلاط غير الجنس به، بخلاف الجيد مع الردئ المتفقين في
الجنس. وفيه وجه بثبوت الشركة هنا أيضا، كما لو خلط برضاهما أو امتزجا بأنفسهما.
وقواه في التذكرة (1).. وله وجه، لان إسقاط حقه من العين مع وجودها بعيد. إلا أنه
يشكل بأنه: على تقدير القسمة الاجبارية يكون قد حتمنا على المالك أخذ غير المثل إن
كان الطالب هو الغاصب، أو (2) كلفنا الغاصب بغير المثل في المثلي إن كان الطالب
المالك، وكلاهما خارج عن قواعد الغصب، لكنه وارد على تقدير امتزاجهما بغير الغصب
كما مر، وفيه جمع بين الحقين. قوله: فوائد المغصوب مضمونة....... الخ . لا إشكال
في كون فوائد المغصوب لمالكه، لانها نماء ملكه ومنافعه، فتكون مضمونة في يد الغاصب
كالاصل. ولا فرق في ثبوت أجرة المنفعة بين أن يستعمل (3) العين وعدمه. وعلى (4)
تقدير استعمالها وكون منفعتها مختلفة القيمة - بأن يكون العبد كاتبا خياطا حائكا
ونحو ذلك - إن استعملها في الاعلى ضمنها.
(هامش)
(1) التذكرة 2: 395. (2) في ذ : وكلفنا. (3) في و: تستعمل. (4) في و: لكن
على..... (*)
ص 218
ولو سمنت الدابة في يد الغاصب، أو تعلم المملوك صنعة أو علمافزادت قيمته، ضمن
الغاصب تلك الزيادة. فلو هزلت، أو نسي الصنعة أو ما علمه فنقصت القيمة لذلك، ضمن
الارش وإن رد العين. ولو تلفت ضمن قيمة الاصل والزيادة.
وإن استعملها في الوسطى أو
الدنيا، أو لم يستعملها، ففي ضمان أجرة متوسطة أو الاعلى (1) وجهان. ولو كان دابة
أو مملوكا اعتبرت أجرته في الوقت المعتاد لعمله كالنهار دون الليل، إلا أن يكون له
صنعة في النهار واخرى في الليل فيجب على الغاصب أجرتهما. في القواعد (2) اعتبر في
أجرة الصانع الاعلى، ثم حكم في مطلق المنصوب بضمان أجرة المثل عن عمل مطلق. ولعل
المطلق شامل للاعلى، لان المراد بأجرة الطلق أجرته لعمل يليق به عادة من غير تقييد
بعمل مخصوص، كالكتابة مثلا أو الخياطة أو ركوب الدابة أو تحميل التراب عليها أو
البر، فيتناول الاعلى حيث يكون قابلا له. وربما فسر المطلق بالمتوسط، فيختلف الحكم.
قوله: ولو سمنت الدابة..... الخ . قد تقدم (3) أن زيادة الاثر في المغصوب يتبع
العين، ولا يستحق عليه الغاصب شيئا إذا كان بسببه، لان الزيادة - من السمن والتعلم
- من الله سبحانه وتعالى وإن كان الغاصب سببا. ومتى صار [السبب] (4) بتلك الصفة
ملكا للمغصوب منه
(هامش)
(1) في ، د، ط، و، م ،: أعلى منه. (2) قواعد الاحكام 1: 203 و205. (3) في ص: 209.
(4) من الحجريتين. (*)
ص 219
فرعان
الاول: لو زادت القيمة لزيادة صفة، ثم زالت الصفة، ثم عادت الصفة والقيمة، لم
يضمن قيمة الزيادة التالفة، لانها انجبرت بالثانية. ولو نقصت الثانية عن قيمة
الاولى ضمن التفاوت. أما لو تجددت صفة غيرها، مثل أن سمنت فزادت قيمتها، ثم هزلت
فنقصت قيمتها، ثم تعلمت صنعة فزادت قيمتها، ردها وما نقص بفوات الاولى.
فهو مع
الاصل في ضمان الغاصب. فإذا فرض تلفه، أو ذهاب الوصف خاصة بأن نسي الصنعة وهزل
السمن، كان مضمونا على الغاصب كالاصل، فيضمن ماتلف من الاصل والزيادة. وهذا مما لا
إشكال فيه. قوله: لو زادت القيمة...... الخ . إذا تجدد الكمال بعد النقصان، سواء
كان الكمال الاول الذي توسط نقصه موجودا من حين الغصب أم تجدد في يد الغاصب، فإن
كان الكمال الثاني هو الاول بعينه، كما لو كان صانعا أو عالما فنسي العلم والصنعة
ثم تذكرهما، فلا شبهة في جبر المتجدد للذاهب، لانه ذهب ثم عاد فكأنه لم يزل. ولا
يرد أن [ذلك] (1) العلم غير باق، فالعائد غير الزائل. لمنع ذلك أولا. ولو سلم لزمه
ضمانه وإن لم ينس، لانه يتجدد في يد الغاصب بعد زوال ما كان حالته. وإن لم يكن عينه
فلا يخلو: إما أن يكون من الوجه الذي حصل فيه الاول، كما لو هزلت الجارية ثم سمنت
وعادت القيمة كما كانت، ففيه قولان: أحدهما: أنه ينجبر أيضا، ويسقط الغرم، كما لو
أبق العبد فعاد، أو جنى
(هامش)
(1) من د، و، ط، م . (*)
ص 220
على عين فابيضت ثم زال البياض. وهذا هو الذي يقتضيه إطلاق المصنف حيث خص الضمان
بصفة غيرها، وإن كان ظاهر قوله: ثم عادت الصفة قد يقتضي خلاف ذلك، لان السمن
الاول غير الثاني، إلا أن الصفة - وهي نفس السمن - واحدة. والثاني: العدم، لان
السمن الثاني غير الاول، والاول وقع مضمونا، والثاني تجدد هبة من الله تعالى كالاول
لو كان متجددا، فلا يحصل للغاصب بسببه شيء. وهذا أظهر. ثم على القول بالانجبار إنما
يسقط الضمان مطلقا لو عادت القيمة بتمامها بالعائد، فلو لم تبلغ القيمة الاولى ضمن
ما بقي من النقصان. وإن كان الكمال من وجه آخر، بأن نسي صنعة وتعلم اخرى، أو أبطل
صنعة (1) الاباق وأحدث صنعة (2) اخرى، فلا انجبار بحال. وعلى هذا فلو تكرر النقصان
وكان في كل مرة مغايرا بالنوع للناقص في المرة الاخرى ضمن الكل، حتى لو غصب جارية
قيمتها مائة فسمنت وبلغت القيمة ألفا، وتعلمت صنعة فبلغت ألفين، ثم هزلت ونسيت
الصنعة فعادت قيمتها إلى مائة، ردها وغرم ألفا وتسعمائة. ولو علم العبد المغصوب
سورة من القرآن أو حرفة فنسيها، ثم علمه حرفة أو سورة اخرى فنسيها أيضا، ضمنهما.
وإن لم تكن مغايرة، كما إذا علمه سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا وهو ينساها في كل
مرة، ففيه الوجهان، فإن قلنا لا يحصل الانجبار بالعائد ضمن النقصان في كل مرة، وإن
قلنا يحصل ضمن أكثر المرات نقصانا.
(هامش)
(1، 2) في إحدى الحجريتين: صفة. (*)
ص 221
الثاني: لا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة، كالسمن المفرط إذا زال
والقيمة على حالها أو زائدة.
فروع
الاول: لو مرض العبد المغصوب ثم برئ فزال أثر
المرض، ففي جبر الصحة للفائت منها وجهان: نعم، لان الصحة الثانية هي الاولى. وبه
قطع في التذكرة (1). والثاني: العدم، لمنع كونها الاولى، بل يكفي الشك فيستصحب حكم
الضمان. وكذا الحكم فيما لو رده مريضا ثم برئ وزال الاثر. الثاني: لو غصب شجرة
فتحات (2) ورقها ثم أورقت، أو شاة فجز صوفها ثم نبت، يغرم الاول ولا يجبر بالثاني،
لانه غيره، بخلاف ما لو سقط سنالجارية المغصوبة ثم نبت أو تمعط (3) شعرها ثم نبت،
فإنه يحصل الانجبار. والفرق: أن الورق والصوف متقومان فيغرمهما، وسن الجارية وشعرها
غير متقومين، وإنما غرم أرش النقص الحاصل بفقدانهما وقد زال. هكذا قيل. وهذا يتم في
الشعر، أما في السن فلا، لان لها مقدرا من الحر فيكون حكمها في الرق بنسبته من
القيمة. الثالث: لو زادت قيمة الجارية بتعلم صنعة محرمة كالغناء ثم نسيته، قيل: لم
يضمن النقصان، لانه محرم، والمضمون الزيادات المحترمة. وربما احتمل هنا الغرم، لان
الواجب على الغاصب قيمتها كذلك، ولهذا لو غصب عبدا مغنيا يغرم تمام قيمته. قوله:
لا يضمن من الزيادة...... الخ . لان المعتبر من هذه الصفات القيمة، فما لا أثر له
في زيادة القيمة لا اعتبار
(هامش)
(1) التذكرة 2: 388. (2) تحات الورق من الشجر: تناثر. المنجد: 115. (3) امتعط شعره
وتمعط أي: تساقط من داء ونحوه. الصحاح 3: 1161. (*)
ص 222
الرابعة: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، ويضمنه وما يتجدد من منافعه، وما
يزداد من قيمته لزيادة صفة فيه. فإن تلف في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين قبضه
إلى حين تلفه إن لم يكن مثليا.
به. ولا فرق في ذلك بين الموجود حال الغصب والمتجدد
في يد الغاصب. واحترز بقوله: والقيمة على حالها عما لو كان بعض السمن لا أثر له
في القيمة وبعضه له أثر فزال الجميع، فإنه يضمن قيمة ما له أثر فيها دون ما زاد
عليه. قوله: لا يملك المشتري ما يقبضه...... الخ . لا إشكال في عدم ملك المشتري
شراء فاسدا (1)، لان نقل الملك من مالك إلى آخر موقوف على أسباب نصبها الشارع وحدود
(2) حددها، فما لم يحصل فالملك باق على أصله. وتسميته على تقدير فساد الشراء مشتريا
مجاز بحسب الصورة، وإلا فالبيع حقيقة لا يطلق إلا على الصحيح. وأما كونه مضمونا
عليه فلانه قبضه ليكون مضمونا عليه كذلك. ولعموم: على اليد ما أخذت حتى تؤدي .
وللقاعدة المشهورة: أن ما كان مضمونا بصحيحه يضمن بفاسده، والبيع لو صح انتقل ضمان
المبيع إلى المشتري بمعنى كون تلفه من ماله، فيكون في فاسد. كذلك.وأما حكم المصنف
بضمانه أعلى القيم فبتنزيله منزلة الغاصب، حيث إن المالك لم يأذن في قبضه إلا على
تقدير صحة البيع، فبدونه يكون موضوعا بيده بغير حق.
(هامش)
(1) في د، م : بشراء فاسد. (2) في ط، لا : وحد حدودها. (*)
ص 223
ولو اشترى من غاصب ضمن العين والمنافع، ولا يرجع على الغاصب إن كان عالما. وللمالك
الرجوع على أيهما شاء. فإن رجع على الغاصب رجع الغاصب على - المشتري. وإن رجع على
المشتري لم يرجع على الغاصب، لاستقرار التلف في يده. وإن كان المشتري جاهلا بالغصب
رجع على البائع بما دفع من الثمن. وللمالك مطالبته بالدرك إما مثلا أو قيمة، ولا
يرجع [المشتري] بذلك على الغاصب، لانه قبض ذلك مضمونا. ولو طالب الغاصب بذلك، رجع
الغاصب على المشتري. [ولو طالب المشتري لم يرجع على الغاصب].
وهذا يتم على تفسير
الغصب بأنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق، أما لو اعتبرنا العدوان لم يتم كونه
غاصبا إلا بتقدير علمه بالفساد وجهل البائع، أما مع جهلهما أو جهل المشتري فليست
يده يد عدوان. والوجه حينئذ أنه يضمن القيمة يوم التلف إن لم نقل في الغاصب مطلقا
كذلك، وإلا كان الحكم فيه كذلك مطلقا بطريق أولى. قوله: ولو اشترى من غاصب.....
الخ . المشتري من الغاصب - سواء كان عالما بالغصب أم جاهلا - من باب تعاقب الايدي
على المغصوب. وقد تقدم (1) تفصيل حكمها، ولكن يزيد هنا بواسطة الشرى (2) أحكاما
تخصه أوجب ذكره بخصوصه. وقد تقدم الكلام فيه في البيع (3) أيضا.
(هامش)
(1) في ص: 155. (2) كذا في و، وفي سائر النسخ: المشتري.(3) في ج 3: 158 - 159.
(*)
ص 224
وجملة أمره: أن المشتري إن كان عالما بالحال فهو غاصب محض يطالب بما يطالب به
الغاصب. ويتخير المالك بين مطالبته بالعين أو بدلها وما استوفاه من منافعها وفات
تحت يده منها، وبين مطالبة الغاصب الاول وهو البائع. فإن طالب البائع رجع على
المشتري بما استقر تلفه تحت يده، وبالعين إن كانت باقية وبدلها إن كانت تالفة،
لاستقرار التلف في يده. نعم، لو كان قبل بيعه قد استوفى شيئا من المنافع، أو مضى
زمان يمكن استيفاء شيء منها فيه، أو نقصت في يده نقصانا مضمونا، اختص بضمانه من غير
أن يرجع به على المشتري ابتداء أو عودا. وإن رجع على المشتري بشيء من ذلك لم يرجع
على البائع، لا ستقرار التلف أو ما في حكمه في يده. ولا يرجع على البائع بالثمن إن
كان تالفا، لانه قد سلطه عليه وأذن له في إتلافه، وإن كان في مقابله (1) عوض لم
يسلم له، لانه مع علمه بأنه لا يسلم له العوض في حكم المسلط عليه مجانا، وللاجماع
على ذلك. وإن كان الثمن باقيا ففي رجوعه عليه به قولان: أحدهما - وهو الاشهر، بل
ادعى عليه في التذكرة (2) الاجماع -: عدم الرجوع، لانه (3) بإعطائه إياه عالما بعدم
عوض حقيقي في. مقابلته يكون في معنى هبته إتاه، إذ لا معنى لها إلا إعطاء العين من
غير عوض، وهو متحقق هنا. وللمصنف - رحمه الله - في بعض رسائله (4) قول بجواز رجوعه
به حينئذ. وهو قوي، لعدم وقوع ما يدل على التمليك، وأصالة بقائه على ملك مالكه
(هامش)
(1) في ل، م : مقابلة. (2) التذكرة 1: 463. (3) كذا في و، خ ، وفي سائر
النسخ: ولانه. (4) الرسائل السبع للمحقق: 306 المسألة الرابعة من المسائل الطبرية.
(*)
ص 225
وتسليطه (1) على التصرف فيه، غايته أن (2) يمنع الرجوع بعوضه بعد تلفه أما معبقائه
فلا. وإن كان جاهلا، فإن كانت العين باقية في يده ردها وأخذ الثمن إن كان باقيا
وبدله إن كان تالفا، لظهور فساد العقد الموجب لتراد العوضين. ثم إن كان عوض العين
بقدر الثمن فذلك. وإن كان أزيد ففي رجوعه على الغاصب بالزيادة عن الثمن وجهان، من
أن الشراء عقد ضمان وقد شرع فيه على أن يكون العين من ضمانه وإن كان الشراء صحيحا،
ومن دخوله على أن يكون المجموع في مقابلة الثمن، وهو يقتضي كون الزائد عليه في معنى
التبرع به وإعطائه إياه بغير عوض، فإذا أخذ منه عوضه رجع به. وهذا قوي. ولا يمنع من
ذلك كون البيع عقد ضمان، لانه إن كان المراد من كونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبيع
عنده تلف من ماله واستقر عليه الثمن فهذا مسلم، ولكن لم يكن شارعا فيه على أن يضمن
القيمة، ومعلوم أنه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شيء بالتلف، غايته أن يكون ما
قابل الثمن من المبيع مأخوذا بعوضه والباقي سالم (3) له بغير عوض، فكان الغاصب
مغررا موقعا إياه في خطر الضمان فليرجع عليه. وإن كان المراد غيره فلم قلتم: إن
الشراء عقد ضمان مطلقا؟ وحينئذ، فإن رجع المالك على المشتري جاهلا بعوض المبيع لم
يرجع به على الغاصب البائع إن لم تزد قيمته عن الثمن. وإن رجع به على الغاصب رجع به
على المشتري. وإن رجع بالزيادة على المشتري رجع بها على الغاصب. وإن
(هامش)
(1) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل المحيح: تسلطه. (2) في لا : أنه.(3) في لا : سالما. (*)
ص 226
وما يغترمه المشتري، مما لم يحصل له في مقابلته نفع، كالنفقة والعمارة، فله الرجوع
به على البائع. ولو أولدها المشتري كان حرا، وغرم قيمة الولد، ويرجع بها على
البائع. وقيل في هذه: له مطالبة آيهما شاء. لكن لو طالب المشتري رجع على البائع،
ولو طالب البائع لم يرجع على المشتري. وفيه احتمال آخر. أما ما حصل للمشتري في
مقابلته نفع، كسكنى الدار وثمرة الشجر والصوف واللبن، فقد قيل: يضمنه الغاصب لا
غير، لانه سبب الاتلاف، ومباشرة المشتري مع الغرور ضعيفة، فيكون السبب أقوى، كما لو
غصب طعاما وأطعمه المالك. وقيل: له إلزام أيهما شاء، أما الغاصب فلمكان الحيلولة،
وأما المشتري فلمباشرة الاتلاف. فإن رجع على الغاصب رجع على المشتري، لاستقرار
التلف في يده. وإن رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب [والاول أشبه] (1).
رجع بها
على الغاصب لم يرجع بها على المشتري. ويظهر من إطلاق المصنف عدم رجوع المشتري
بالدرك مثلا وقيمة، ومن تعليله بكونه قبضه مضمونا، عدم رجوعه بالزائد. وقد عرفت
جواب التعليل. قوله: وما يغترمه المشتري..... الخ . ما تقدم حكم رجوع المشتري
على الغاصب بالثمن وعوض المبيع،
(هامش)
(1) لم يرد ما بين المعقوفتين في متن نسخة الشرائع الخطية المعتمدة، وورد في هامشها
بعنوان: خ، أي: نسخة، وورد في الشرائع الطبعة الحجرية: 277، ومتن الجواهر 37: 182.
ص 227
والكلام هنا في غيره من منافعه وما غرمه على المبيع. ومحصله: أن غرامة المشتري
بواسطة المبيع عليه أو المالك إن لم يكن حصل له في مقابلته نفع - كالبناء والغرس
إذا نقضه المالك - فله الرجوع به على الغاصب، لانه دخل على أن يكون ذلك له بغير
غرم، وإنما جاء الضرر من تغريرالغاصب. وكذا القول في أرش نقصانه. وإن حصل له في
مقابلته نفع، كالسكنى والثمرة واللبن والركوب إذا غرمه المالك، ففي رجوعه به على
الغاصب قولان: أحدهما: العدم، ذهب إليه الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2) وابن
إدريس (3)، لمباشرته الاتلاف مع حصول منفعة في مقابلته، وحوالة الضمان على مباشر
الاتلاف أولى. والثاني: الرجوع، ذهب إليه المصنف في كتاب التجارة (4) من هذا الكتاب
وفي النافع (5)، وإن كان هنا (6) لم يرجح أحد القولين، لان الغاصب قد غره، ولم يشرع
على أن يضمن ذلك، فكان الضمان على الغار، كما لو قدم إليه طعام الغير فأكله جاهلا
ورجع المالك على الآكل، أو غصب طعاما فأطعمه المالك، فإنه لا يرجع على الغار. وعلى
هذا فيتخير المالك بين رجوعه ابتداء على الغاصب، فلا يرجع على
(هامش)
(1) المبسوط 3: 71. (2) لم نجده فيه. (3) السرائر 2: 493. (4) شرائع الإسلام 2: 13.
(5) انظر المختصر النافع: 256 - 257، ولكنه تردد في الحكم ولم يصرح بالرجوع. (6)
كلام الشارح قدس سره يبتني على نسخته من الشرائع حيث لم ترد فيها جملة:
والاول أشبه ، وانظر الهامش (1) في الصفحة السابقة. (*)
ص 228
الخامسة: لو غصب مملوكة فوطئها، فإن كانا جاهلين بالتحريم لزمه مهر أمثالها،
للشبهة. وقيل: عشر قيمتها إن كانت بكرا، ونصف العشر إن كانت ثيبا. وربما قصر بعض
(1) الاصحاب هذا الحكم على الوطئ بعقد الشبهة.
المشتري، وبين أن يرجع على المشتري
لترتب يده على ماله، فيرجع على الغاصب. وقيل: بل يتعين الرجوع على الغاصب خاصة.
والاصح الاول. ولو كان المغصوب جارية بكرا فافتضها المشتري فرجع عليه بالعوض، ففي
رجوعه به الوجهان، لحصول نفع في مقابلته. وأولى بعدم الرجوع هنا لو قيل به ثم، لانه
بدل جزء منها أتلفه، فأشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها. وأما المنافع التي لم
يستوفها وفاتت تحت يده فرجع عليه بها، ففي حكم ما لم يحصل له في مقابلته نفع. وأولى
بالرجوع، لانه لم يتلف، ولا شرع في العقد على أن يضمنها.ولو أولد الامة غرم قيمته
لمولاها (2) عند انعقاده حرا، ويرجع به على الغاصب، لانه شرع في العقد على أن يسلم
الولد حرا من غير غرامة، ولم يوجد منه تفويت. والكلام في تخير المالك في الرجوع -
مع استقراره - على الغاصب أو كونه ابتداء عليه كما مر. ويحتمل إلحاق عوض الولد بما
حصل له في مقابلته نفع كالمهر، لان نفع حرية الولد يعود إليه. وهذا هو الاحتمال
الذي أشار إليه، فيجري فيه الوجهان، إلا أن الاشهر الاول. قوله: لو غصب مملوكة
فوطئها..... الخ . إذا وطئ الغاصب المملوكة المغصوبة فلا يخلو: إما أن يكونا
جاهلين
(هامش)
(1) المبسوط 3: 65 - 66. (2) في ذ : لولاها. (*)
ص 229
بالتحريم، أو عالمين، أو بالتفريق. وعلى التقادير الاربعة: إما أن يحبلها أو لا.
وعلى التقادير الثمانية: فإما أن يطأها مختارة، أو مكرهة. ومع الجهل: إما أن يطأها
بعقد، أو بدونه. وقد تقدم الكلام على نظير المسألة في النكاح (1) والبيع (2). ولنشر
إلى أحكام المسألة إجمالا تبعا للمصنف - رحمه الله - فنقول: إن وطئها جاهلين
بالتحريم وجب عليه مهر أمثالها، لانه عوض منفعة البضع حيث لا مقدر له شرعا. وبه قال
الشيخ (3) وابن إدريس (4). وقال بعض الاصحاب (5): يجب عشر قيمتها إن كانت بكرا
ونصفه إن كانت ثيبا، للرواية، وقد تقدمت في النكاح (6). ورد بورودها في غير محل
النزاع على خلاف الاصل فيقتصر بها على موردها. وفي المسألة قول (7) ثالث، وهو أن
الحكم بوجوب مهر المثل أو العشر ونصفه مقصور على ما لو وطئ الغاصب بعقد الشبهة، بأن
توهم حلها بالعقد مندون إذن سيدها، لبعده عن شرائع الإسلام أو قرب عهده به. ووجه
هذا القول: أن منفعة البضع لا تضمن بدونه كما يظهر في الزانية. وحينئذ فلا يجب
المسمى في العقد بفساده، بل مهر المثل أو ما في معناه، لانه المقدر شرعا للبضع حيث
يظهر فساد العقد.
(هامش)
(1) في ج 3: 392. (2) في ج 8: 13 - 16. (3) المبسوط 3: 65 - 66. (4) السرائر 2: 488
- 489. (5) حكاه فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2: 188. (6) في ج 8: 18. (7) انظر
الهامش (1) في الصفحة السابقة. (*)
ص 230
ولو افتضها بإصبعه، لزمه دية البكارة. ولو وطئها مع ذلك، لزمه الامران.
والاظهر
الاول. وعدم ضمان منفعة البضع بدون العقد ممنوع، كما يظهر ذلك في وطئ الشبهة، وهذا
منه. واعلم أن الجهل بتحريم وطئ المغصوبة قد يكون للجهل بتحريم الزنا مطلقا، وقد
يكون لتوهم حلها خاصة، لدخولها بالغصب في ضمانه، ولا يقبل دعواهما إلا من قريب
العهد بالاسلام، أو في من نشأ في موضع بعيد من المسلمين، وقد يكون لاشتباهها عليه
وظنه أنها جاريته، وهنا لا يشترط لقبول دعواه ما ذكر. قوله: ولو افتضها
بإصبعه..... الخ . وجه وجوب الامرين من غير أن يدخل أرش البكارة في المهر أنهما
أمران مختلفان، فإزالة البكارة جناية والوطئ استيفاء منفعة البضع، فلا يدخل أحدهما
تحت الآخر. وذهب جماعة - منهم العلامة في التحرير (1)، والشهيد في الدروس (2) - إلى
التداخل، لان البكارة ملحوظة على تقدير وجوب المهر أو العشر، ويزيد باعتبارها
الواجب، ولو وجب أرش البكارة منفردا لزم وجوب مهر ثيب لا بكر، كما لو افتضها بإصبعه
ثم وطئها، فلا وجه للجمع بينهما. وأجيب بأن ملاحظة البكارة في مهر المثل أو العشر
لا يقتضي التداخل،
(هامش)
(1، 2) هذا سهو من قلمه الشريف قدس سره فإن العلامة والشهيد قدس سرهما إنما
حكما بالتداخل في صورة زوال البكارة بالوطئ، مع تفصيل للثاني بين مهر المثل والعشر،
والاول صرح بلزوم الامرين في صورة الافتضاض والوطئ، انظر تحرير الاحكام 2: 142،
الدروس الشرعية 3: 115، جواهر الكلام 37: 188 - 189. (*)
ص 231
وعليه أجرة مثلها من حين غصبها إلى حين عودها. ولو أحبلها لحق به الولد، وعليه
قيمته يوم سقط حيا، وأرش ما ينقص من الامة بالولادة.
لان ملاحظتها من حيث إن وطئ
البكر خلاف وطئ الثيب، فملاحظتها باعتبار الوطئ لا باعتبار الجناية، فلا بد للبكارة
من شيء زائد، وهو عشر آخر على قول أو أرش نقصان قيمتها عن حالة البكارة إلى الثيوبة
نظرا إلى نقص المالية. قوله: وعليه أجرة مثلها.... الخ . المراد أجرة مثلها في
غير زمان الوطئ، لانه قد ضمن منفعة البضع فيوقته، فلا بد من استثنائه من الزمان.
والمعتبر أجرة المثل لما يصلح لعمله عادة مع اتحاده، ومع تعدده فالمعتبر أجرة مثل
الاعلى. ويمكن دخوله في مطلق أجرة المثل، لان المراد بها ما يبذل أجرة في تلك المدة
لامثال هذه الامة على الوصف الذي (1) هي عليه من قبول الصنائع المتعددة التي من
جملتها ملك (2) الاعلى. وقد تقدم (3) البحث في ذلك. قوله: ولو أحبلها لحق به
الولد..... الخ . أما لحوق الولد به فللشبهة الموجبة لالحاق مثله. وأما وجوب قيمته
عليه حينئذ فلانه وقت الحيلولة بين مولى الامة وبين ما هو من نمائها وتابع لها،
مراعاة للجمع بين الحقين، ولانه أول وقت إمكان التقويم فيقوم أن لو كان رقيقا،
ويسلم قيمته للمولى مع أرش نقصان الولادة لو نقصت.
(هامش)
(1) فيما لدينا من النسخ الخطية: التي والصحيح ما أثبتناه. (2) في و: تملك. (3)
في ص: 217. (*)
ص 232
ولو سقط ميتا، قال الشيخ - رحمه الله -: لم يضمنه، لعدم العلم بحياته. وفيه إشكال
ينشأ من تضمين الاجنبي. وفرق الشيخ - رحمه الله - بين وقوعه بالجناية وبين وقوعه
بغير جناية.
قوله: ولو سقط ميتا.... الخ . إذا سقط الولد ميتا لا بجناية جان من
الغاصب أو أجنبي ففي وجوب شيء على الغاصب وجهان: أحدهما: العدم. ذهب إليه الشيخ في
المبسوط (1) محتجا بأنه لا يعلم كونه حيا قبل ذلك، ووجوب شيء فرع ثبوت الحياة، لانه
إنما يقوم بعد سقوطه حيا، ولعدم الحيلولة. ولو سقط بالجناية فعليه الضمان، لان
الالقاء عقيب الضرب يظهر منه أن الموت بسببه، بخلاف الاول، لما تقرر من أصالة عدم
الحياة إلى أن يعلم غيره. والمصنف - رحمه الله - استشكل الحكم بعدم ضمان الحمل من
غير جناية، من حيث اعتراف الشيخ بتضمين الاجنبي لو سقط بجنايته ميتا. والفرق غير
واضح. لان عدم العلم بحياته ثابت على التقديرين، فإن كان مؤثرا في عدم وجوب شيء فلا
أثر للضرب. والوجه أن الغاصب يضمن دية جنين أمة، سواء سقط بجناية أم لا، لكن على
تقدير كونه بجنايته فللمالك دية جنين أمة، وباقي دية جنين الحرة للامام، لان القاتل
لا يرث، والامة رقيقة لا ترث أيضا.
(هامش)
(1) المبسوط 3: 66. (*)
ص 233
ولو ضربها أجني فسقط، ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر، وضمن الغاصب للمالك دية جنين
أمة. ولو كان الغاصب والامة عالمين بالتحريم، فللمولى المهر إن أكرهها الغاصب على
الوطئ، وعليه الحد. وإن طاوعت حد الواطئ ولا مهر. وقيل: يلزمه عوض الوطئ، لانه
للمالك. والاول أشبه، إلا أن تكون بكرا فيلزمه أرش البكارة.
قوله: ولو ضربها
أجنبي.... الخ . وجه الفرق: أن الولد محكوم بحريته، لان الفرض كون الواطئ جاهلا
والولد لاحق به، فيضمن الجاني عليه لابيه دية جنين حر. ولما كان الغاصب ضامنا
للمالك قيمته على تقدير كونه مملوكا - مراعاة لمنفعة الامة - كان الواجب عليه
للمولى دية جنين أمة، على ما سيأتي (1). ولا يتوقف وجوب حق المولى على الغاصب على
أخذه الحق من الجاني، بل كل واحد من الحقين متعلق بذمة غريمه من غير تقييد بالآخر.
قوله: ولو كان الغاصب..... الخ . من الصور التي سبق ذكرها ما إذا كانا عالمين
بالتحريم، فإن انضم إلى ذلك كون الامة مكرهة فللمولى مهر مثلها أو ما في حكمه
اتفاقا، لانتفاء المانع وهو كونها بغيا، وعلى الغاصب الحد لكونه زانيا. وإن طاوعته
حد، ولا مهر على المشهور، لنهي (2) النبي صلى الله عليه وآله
(هامش)
(1) في الصفحة التالية. (2) مسند أحمد 1: 356، سنن ابن ماجة 2: 730 ح 2159. سنن أبي
داود 3: 267 ح 3428، سنن الترمذي 3: 439 ح 1133، سنن النسائي 7: 189. سنن البيهقي
6: 6. (*)
ص 234
ولو حملت لم يلحق به الولد، وكان رقا لمولاها، ويضمن الغاصب ما ينقص بالولادة. ولو
مات ولدها في يد الغاصب ضمنه. ولو وضعته ميتا، قيل: لا يضمن، لانا لا نعلم حياته
قبل ذلك. وفيه تردد. ولو كان سقوطه بجناية جان لزمه دية جنين الامة، على ما نذكر في
الجنايات (1).
عن مهر البغي الشامل لموضع النزاع. وقيل: لا يسقط هنا، لانه مال
لغيرها وهو المالك، ولا تزر وازرة وزر أخرى. والنهي عن مهر البغي لا يتناول
المتنازع، لان ذلك عوض المنفعة للمالكلا مهر حقيقي، ومن ثم لا يطلق على الامة اسم
المهيرة، بل على الحرة كما مر (2) في بابه. ولان النهي عن ثبوت المهر للبغي، ولا
نقول إنه لها بل لمولاها. لكن الاشهر بين الاصحاب هو الاول، بل قال الشهيد في شرح
الارشاد: إن القائل بثبوته غير معروف (3) مع أنه مختار العلامة في التذكرة (4).
ولا إشكال في وجوب أرش البكارة لو كانت بكرا، لان إزالة البكارة جناية عليها فيثبت
أرشها، وليست كالوطئ. قوله: ولو حملت لم يلحق.... الخ . إنما لم يلحق الولد
لكونه زانيا، فيكون رقا للمولى، لانه نماء مملوكته.
(هامش)
(1) شرائع الإسلام 4: 291. (2) في ج 8: 144. (3) راجع غاية المراد: 137. وليس فيه
هذه العبارة. نعم، نفى ثبوت العوض باستيفاء. البضع في غير النكاح الصحيح وشبهه. (4)
في هامش ذ : في كتاب البيع منها. منه قدس سره . راجع تذكرة الفقها، 1: 495 -
496، وكذا ج 2: 396.
ص 235
ولو كان الغاصب عالما، وهي جاهلة، لم يلحق الولد، ووجب الحد والمهر.
وكما لا يلحق
بأبيه لا يلحق بأمه، لاشتراكهما في المقتضي. وهو الذي يقتضيه إطلاق قوله: لم يلحق
الولد . وتظهر فائدة عدم لحوقه بهما (1) في عدم ثبوت التوارث بينهما لو فرض
حريتهما أو أحدهما بعد ذلك. ثم الولد مضمون على الغاصب ما دام في يده كالام. ولو
وضعته ميتا فالاشكال في ضمانه كما سبق (2). ولكن المصنف (3) - رحمه الله - جزم هنا
بضمانه. والوجه فيه: أنه لما كان محكوما برقيته كان ملحقا بالمال، فيكون مضمونا
عليه على كل حال كحمل البهيمة، والحمل له قيمة شرعا وإن لم يعلمحياته، بخلاف السابق
(4)، فإن ضمانه لقيمته موقوف على ولادته حيا، لكونه حرا، ولم يحصل. وكما يضمن دية
جنين الامة يضمن نقص أمه بسبب الوضع وأجرتها. قوله: ولو كان الغاصب..... الخ .
هذه من الصور السابقة أيضا، وهي ما إذا كان الغاصب عالما بالتحريم والامة جاهلة به،
فهو زان دونها. ويلحق بها الولد دونه، وعليه الحد والمهر، لكون الوطئ محترما من
طرفها.
(هامش)
(1) كذا في ص ، وفي سائر النسخ: بها. (2، 4) في ص: 232. (3) هذا سهو من قلمه
الشريف قدس سره فإن المصنف رحمه الله لم يجزم بذلك. بل تردد فيه. واحتمل في
جواهر الكلام (37: 197) عثور الشارح على نسخة اخرى من الشرائع، والعبارة كما هي
عليه في النسخة الخطية المعتمدة للشرائع. (*)
ص 236
ولو كان بالعكس لحق به الولد، وسقط عنه الحد والمهر، وعليها الحد. السادسة: إذا غصب
حبا فزرعه، أو بيضا فاستفرخه، قيل: الزرع والفرخ للغاصب، وقيل: للمغصوب منه، وهو
أشبه.
قوله: ولو كان بالعكس..... الخ . المراد بالعكس أن تكون هي عالمة بالتحريم
دونه، وهي تتمة الصور (1) السابقة. وحكمها: أن الولد لاحق به للشبهة، دونها للزنا،
وعليه قيمة يوم ولادته حيا كما سبق (2)، وعليها الحد للزنا. وفي ثبوت المهر ما مر
(3) من الخلاف من كونها بغيا، وكونه مال الغير. قوله: إذا غصب حبا فزرعه..... الخ
. القول بكونه للغاصب للشيخ في المبسوط (4) والخلاف (5)، محتجا بأن عينالمغصوب قد
تلفت فلا يلزم الغاصب سوى قيمتها أو مثلها، والفرخ والزرع غير الحب والبيض، ومن قال
إنهما عينهما فهو مكابر. مع أنه قال في الكتابين (6) أيضا بكونه للمالك. وهو الحق،
لان الزرع والفرخ يكونان من عين مال المغصوب
(هامش)
(1) في د، خ، م : الصورة. (2) في ص: 231. (3) في ص: 233. (4) المبسوط 3: 105.
(5) الخلاف 3: 420 مسألة (38). (6) في هامش ذ، و: القول الثاني الموافق
للاصحاب قاله الشيخ في المبسوط في كتاب العارية، وفي الخلاف في كتاب الدعاوي
والبينات. منه قدس سره . راجع المبسوط 3: 56، الخلاف (طبعة كوشانپور) 2: 641 مسألة
(17). (*)