جمع دية بالكسر وبتخفيف الياء، بل التشديد لحن، والهاء فيها عوض عن فاء الكلمة
إذ الاصل ودية كوعدة، لانها مأخوذة من الودى وهو دفع الدية، يقال: (وديت القتيل
أديه دية) وقد تسمى لغة عقلا لمنعها من الجرأة على الدم، فإن من معاني العقل المنع،
وربما تسمى دما تسمية للمسبب باسم سببه، والمراد بها هنا المال الواجب بالجناية على
الحر في النفس أو ما دونها سواء كان له مقدر أولا وإن كان ربما اختصت بالاول
والثاني بالارش والحكومة (1) فهي حينئذ تسمية بالمصدر. والاصل في مشروعيتها الكتاب
العزيز (2) والاجماع والسنة القطعية. (و) كيف كان ف (- النظر) في هذا الكتاب يتم
(في امور أربعة).
فنقول: (القتل) إما (عمد وقد سلف مثاله) في أول كتاب القصاص، بل تقدم هناك أيضا
ما يستفاد منه غيره (و) إما (شبيه العمد، مثل أن يضرب للتأديب فيموت و) إما (خطاء
محض، مثل أن يرمى طائرا فيصيب إنسانا) أولم يقصد الفعل أصلا، كمن تزلق رجله فيقع
على غيره فيقتله، أو ينقلب في النوم على غيره كذلك. (و) حينئذ ف (- ضابط العمد أن
يكون عامدا في فعله وقصده) بمعنى أن يقصد الفعل والقتل، أو يقصد الفعل الذي يقتل
مثله غالبا وإن لم يقصد القتل، كما مر تحقيقه في كتاب القصاص مع زيادة قيد العدوان
فيما ترتب عليه منه، ضرورة عدم وجوب القصاص بالضابط المزبور الشامل للقتل بحق وغيره
مما لا قصاص فيه. (و) ضابط (شبيه العمد أن يكون عامدا في فعله) وهو الضرب للتأديب
أو المزح أو نحوهما مما لم يرد به القتل، ومنه علاج الطبيب فيتفق الموت به، بل ومنه
الضرب بما لا يقتل غالبا بقصد العدوان فيتفق الموت به، على الكلام السابق في القصاص
فيه وفيما لو قصد القتل بما لا يقتل غالبا، والغرض هنا بيان كون المراد بشبيه العمد
أن يكون عامدا في فعله (مخطئا في قصده) الذي هو القتل بمعنى عدم قصده القتل. (و)
أما ضابط (الخطأ المحض) المعبر عنه في النصوص بالخطأ الذي
لا شيهة فيه هو (أن يكون مخطئا فيهما) أي الفعل والقصد، كالمثال الذي سمعته الذي لم
يقصد به رمي الانسان ولاقتله، سواء كان بما يقتل غالبا أولا. ويلحق به تعمد الطفل
والمجنون شرعا كما يلحق بشبه العمد قصد الفعل والقتل لمن ظنه مستحقا لذلك بكفر أو
قصاص فبان خلافه، بل ومن ظنه صيدا مباحا فبان إنسانا، وربما يتكلف لا دراجهما بأنه
قصد الفعل وأخطأ في قصد القتل المخصوص. وعلى كل حال فلا خلاف عندنا في أن الاقسام
ثلاثة، لكل منها حكم يخصه خلافا لمالك فجعلها قسمين بإدراج شبيه العمد في العمد،
وأوجب به القود، وهو وإن كان يوهمه بعض نصوصنا المحتمل كونها تقية منه، لكن الاجماع
والسنة بل والكتاب على خلافه، ضرورة عدم صدق القتل المؤمن متعمدا عليه كما هو واضح.
وقد تقدم في أول القصاص جملة من النصوص المشتملة على تقسيم القتل والجمع بينها
جميعا يقتضي التثليث الذي ذكره الاصحاب فلاحظ وتأمل. (وكذا) الكلام في (الجناية على
الاطراف) فإنها (تنقسم) أيضا (هذه الاقسام) الثلاثة بلا خلاف أجده بيننا، بل
الاجماع محصل عليه، بل يمكن استفادته من النصوص أيضا.
هذا كله في أقسام القتل (و) أما مقادير الديات، فمقدار (دية العمد مائة بعير من
مسان الابل أو مأتا بقرة أو مأتا حلة كل حلة ثوبان من برود اليمن أو ألف دينار أو
ألف شاة أو عشرة آلاف درهم) بلا خلاف أجده في شيء من الستة المزبورة، كما عن بعض
الاعتراف به، بل عن الغنية الاجماع عليه أيضا وعلى التخيير بينها، بل يمكن
استفادتها من النصوص كما ستعرفه في أثناء البحث إن شاء الله. إنما الكلام في كل
واحد واحد منها، أما الاول فقد سمعت ما في المتن الذي هو معنى ما في القواعد مائة
من مسان الابل، بل في الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والمفاتيح وكشف اللثام الاجماع
عليه على ما حكى عن بعضها.
والمراد بالمسان الكبار كما في القاموس، وعن الازهري والزمخشري " إذا أثنت فقد أسنت
"، قالا: " أول الاسنان الاثناء وهو أن تنبت ثنيتاها وأقصاه في الابل البزول، وفي
البقر والغنم الصلوغ " وعن المغرب: " الثنى من الابل الذي أثنى أي نبتت ثنيته (1)
وهو ما استكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة " وعن حواشي الشهيد: " المسنة من
الثنية إلى بازل عامها " وفي النبوي المروي عن زكاة المبسوط: " المسنة هي الثنية
فصاعدا " (2) وعن المهذب البارع وغيره: " المسان جمع مسنة وهي من الابل ما دخل في
السادسة وتسمى الثنية أيضا، فإن دخلت في السابعة فهي الرباع والرباعية، فإن دخلت في
الثامنة فهي السديس بكسر الدال، فإن دخلت في التاسعة فهي بازل (3) أي طلع نابه، فإن
دخلت في العاشرة فهي بازل عام ثم بازل عامين " (4) إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة
على ما ذكرنا. فمن الغريب ما تسمعه في خبر الحكم بن عتيبة (5). وكيف كان فعن الجامع
مائة من فحولة مسان الابل وكأن وجهه ما في خبر معاوية بن وهب (6) " سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن دية العمد، فقال: مائة من فحولة الابل المسان، فإن لم يكن إبل
فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم ".
(هامش)
(1) كذا في الاصل، ولكن في " المغرب في ترتيب المعرب " هكذا: " أثنى أي ألقى
ثنيته... " فراجع. (2) المبسوط ج 1 ص 198. (3) بازغ (ن ل). (4) مفتاح الكرامة ج 10
ص 353. (5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس، الحديث 8. (6) الوسائل الباب
- 2 - من أبواب ديات النفس، الحديث 2. (*)
ص 6
ونحوه مضمر أبي بصير. (1) وخبر الحكم بن عتيبة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " قلت
له: فما أسنان المائة بعير؟ فقال: ما حال عليه الحول، ذكران كلها ". بل وظاهر خبر
زيد الشحام (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في العبد يقتل حرا عمدا قال: مائة من
الابل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم ". فإن الجمل اسم
للفحل. إلا أن الاكثر كما في الرياض الاطلاق، بل لم أجد من حكى عنه اعتبار الفحولة
غيره، إذ المصنف وإن عبر بالبعير إلا أنه - كما في الصحاح - من الابل بمنزلة
الانسان من الناس، يقال للجمل بعير وللناقة بعير. ومن هنا يشكل تقييد إطلاق غيرها
من النصوص (4) بها، وإن كان فيها الصحيح والموثق وغيرهما، خصوصا بعد ما قيل من
موافقتها للعامة - ولذا حكى عن الشيخ حملها على التقية - واشتمالها على ما لا يقول
به من الترتيب، وكون الاخير منها في العبد، واشتمال سابقه على حول الحول في أسنان
المائة بعير الذي لا يكون به البعير مسنا، وغير ذلك. ولكن مع ذلك فالاحتياط لا
ينبغي تركه. كما أنه لا ينبغي تركه في اعتبار المسنة في البقر خروجا عن خلاف محكي
النهاية والمهذب والجامع وإن لم أجد ما يشهد له فضلا عن كونه صالحا لتقييد إطلاق
غيره الشامل للفحل وغيره من النصوص، ومعقد المحكي من إجماع الغنية وظاهر المبسوط
والسرائر والتحرير وغيرها، ولذا لم أجد من اعتبر الفحولة هن
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 3. (2) الوسائل الباب - 2 - من
أبواب ديات النفس الحديث 8 وله صدر. (3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس
الحديث 5. (4) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
ص 7
ولا الانوثة. إذ التاء في البقرة للوحدة الجنسية لا التأنيث كتمر وتمرة كما هو
واضح. وأما الثالث أي مأتا حلة فلا أجد فيه خلافا معتدا به، بل عن بعض الاصحاب نفيه
عنه، بل عن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها الاجماع عليه، إلا أني
لم أجد في النصوص ما يدل عليه سوى صحيح عبد الرحمان (1) " سمعت ابن أبي ليلى يقول:
كانت الدية في الجاهلية مائة من الابل، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم
إنه فرض على أهل البقرة مأتي بقرة وعلى أهل الشياة ألف شاة ثنية، وعلى أهل الذهب
ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل (2) الحلل مأتا حلة، قال
العجلي (3): فسألت أبا عبد الله عليه السلام عما روى ابن أبي ليلي، فقال: كان علي
عليه السلام يقول: الدية ألف دينار، وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعشرة آلاف لاهل
الامصار، وعلى أهل البوادى الدية مائة من الابل، ولاهل السواد مأتا بقرة أو ألف شاة
". إلا أنه مع كون الرواى ابن أبي ليلي المعلوم حاله، وترك الصادق عليه السلام ذكر
الحلل لما سأله عما رواه الموجود فيه - على ما عن الكافي والفقيه والاستبصار (4) -
مائة حلة، ومن هنا يحكى عن الصدوق في المقنع (5) الفتوى بها، وإن كان هو شاذا لم
نعرف من وافقه عليه، مضافا إلى ضعف مستنده، نعم عن التهذيب (6) روايتها مأتا حلة،
ولا باس بالعمل بها بعد الانجبار بم
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الاول. (2) كذا في الفقيه ولكن
في الكافي والتهذيب والاستبصار والوسائل هكذا: " وعلى أهل اليمن الحلل ". (3)
البجلى (خ ل). (4) الفقيه ج 4 ص 107 والكافي ج 7 ص 280 والاستبصار ج 4 ص 259. (5)
المقنع ص 182. (6) التهذيب ج 10 ص 160. (*)
ص 8
عرفت وإن كان الراوى من عرفت. وخلو كلام الصادق عليه السلام عن ذلك لا يدل على
كذبه. وأما ما في صحيح جميل بن دراج (1) " في الدية قال: ألف دينار، أو عشرة آلاف
درهم، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل، ومن أصحاب الابل الابل، ومن أصحاب الغنم الغنم،
ومن أصحاب البقر البقر ". فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلة دون عددها، مع
أن عن بعض نسخ التهذيب (2) " الخيل " بدل " الحلل " وإن كانت نسخة الكافي (3) أرجح
سيما بعد ما في نسخة اخرى للتهذيب الموافقة لها. فحينئذ تحمل على إرادة المأتين
بقرينة ما عرفت، والمناسبة في القيمة لغيرها. بل قد يشعر صحيح ابن عتيبة (4) عن
الباقر عليه السلام في حديث. بكون مدار الدية في كل أرض على ما يوجد فيها غالبا "
قال: قلت له: إن الديات إنما كانت تؤخذ قبل اليوم من الابل والبقر والغنم، قال:
فقال: إنما كان ذلك في البوادى قبل الإسلام فلما ظهر الإسلام وكثرت الورق في الناس
قسمها أمير المؤمنين عليه السلام على الورق، قال: قلت: أرأيت من كان اليوم من أهل
البوادى ما الذي يؤخذ منهم في الدية اليوم؟ إبل أو ورق؟ فقال: الابل اليوم مثل
الورق، بل هي أفضل من الورق في الدية " الحديث. وفي صحيح عبد الله بن سنان (5) "
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من قتل
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 4. (2) التهذيب ج 10 ص 159،
وفيه " الحلل " وعندنا نسخة مخطوطة مصححة منه وفيه لفظة " الخيل " بعنوان (خ ل).
(3) الكافي ج 7 ص 281. (4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 8. (5)
الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 9. (*)
ص 9
مؤمنا متعمدا قيد منه (1) إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا
بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية إثنا عشر ألفا، أو ألف دينار، أو مائة من الابل وإن
كان في أرض فيها الدنانير ففيها ألف دينار، وإن كان في أرض فيها الابل فمائة من
الابل، وإن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب إثنى عشر ألفا). وعلى كل حال
فالحكم مفروغ منه، كالمفروغية عن كون كل حلة ثوبين، على ما نص عليه أكثر الاصحاب
وأهل اللغة، بل في المتن كالقواعد وغيرها من برود اليمن، نعم في محكي السرائر: " أو
نجران ". قال أبو عبيد كما في الصحاح وغيره: " الحلل برود اليمن، والحلة إزار ورداء
لا تسمى حلة حتى يكون ثوبين " وعن النهاية الاثيرية " الحلة واحدة الحلل، وهي برود
اليمن، ولاتسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد " وعن المصباح المنير " الحلة
بالضم لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد ". ولكن عن العين " الحلة إزار ورداء بردا أو
غيره لا يقال لها حلة حتى تكون ثوبين " وعن القاموس " لا تكون حلة إلا أن تكون
ثوبين أو ثوب له بطانة ". بل عن الازهري في التهذيب: " قال شمر: وقال خالد بن جنبة:
الحلة رداء وقميص تمامها العمامة، قال: ولا يزال الثوب الجيد يقال له في الثياب
حلة، فإذا وقع على الانسان ذهبت حلته حتى يجمعن له إما إثنان وإما ثلاثة، وأنكر أن
تكون الحلة إزار ورداء وحدة، قال: والحلل الوشي والحبرة والخز والقز والقوهي
والمردى والحرير، قال: وسمعت اليمامي يقول: الحلة كل ثوب جيد جديد تلبسه غليظ أو
رقيق، ولا يكون إلا ذا ثوبين، وقال ابن شميل: الحلة القميص والازار والرداء لا أقل
من هذه الثلاثة، وقال شمر: الحلة عند الاعراب ثلاثة أثواب، قال: وقال ابن الاعرابي:
يقال للازار والرداء حلة
(هامش)
(1) في الاصل: " اقيدبه ". (*)
ص 10
ولكل واحد منهما على انفراده حلة، قلت: وأما أبو عبيد فإنه جعل الحلة ثوبين، وروى
شمرعن القعنبي عن هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نضرة، عن عبادة ابن نسئ، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الكفن الحلة وخير الضحية الكبش الاقرن، وقال أبو
عبيد: الحلل برود اليمن من مواضع مختلفة منها، قال: والحلة إزار ورداء، ولا تسمى
حلة حتى تكون ثوبين، قال: ومما يبين ذلك حديث عمر، إنه رأى رجلا عليه حلة قد ائتزر
بإحداهما وارتدى بالاخرى فهذان ثوبان، وبعث عمر إلى معاذ بن عفراء بحلة فباعها
واشتري بها أرؤس من الرقيق فأعتقهم، ثم قال: إن رجلا آثر قشرتين يلبسهما على عتق
هؤلاء لغبين الرأى، أراد بالقشرتين الثوبين، قلت: والصحيح في تفسير الحلة ما قال
أبو عبيد لان أحاديث السلف تدل على ما قال " (1). مضافا إلى شهادة ما سمعته من
الاصحاب له، بل ينبغي الاقتصار فيها على برود اليمن، لانه المتيقن، ونص عليه
الفاضلان والشهيدان وأبو العباس وغيرهم، على ما حكى عن بعضهم، وإن كان بعض كلمات
أهل اللغة تقتضي الاعم من ذلك، وأما إلحاق خصوص نجران باليمن، فلم أجد له شاهدا،
نعم الظاهر اعتبار ما يسمى ثوبا عرفا لا مجرد ما يستر العورة. وأما الرابع فلا أجد
فيه خلافا بل عن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها الاجماع عليه،
والنصوص (2) مستفيضة فيه حد الاستفاضة وهو معروف. ولكن في الرياض: " أي مثقال من
الذهب خالص كما في صريح الخبر " أي موثق أبي بصير (3) قال: " دية المسلم عشرة آلاف
درهم من الفضة، أو ألف
(هامش)
(1) تهذيب اللغة للازهري ج 3 ص 441 - 442، وكانت عبارة الاصل كعبارة كشف اللثام -
المنقولة عنه ظاهرا - مغلوطة وصححناها على طبق المصدر. (2) راجع الوسائل الباب - 1
- من أبواب ديات النفس. (3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 وله
ذيل. (*)
ص 11
مثقال من الذهب، أو ألف شاة عى أسنانها ". وفيه أن الظاهر إرادته الاشارة إلى ما في
غيره من النصوص (1) من الدينار المعروف ووزنه أنه مثقال، لا أن المراد كفاية ألف
مثقال وإن لم تكن مسكوكة، إلا بناء على إجزاء ذلك عنها. وكذا الكلام في الدراهم
التي لا خلاف أجده في عددها للمعتبرة المستفيضة (2) نعم في خبرى عبد الله بن سنان
(3) وعبيد بن زراة (4) " أنها إثنا عشر ألف درهم " إلا اني لم أجد عاملا بهما وعن
الغنية وظاهر المبسوط والسرائر ولتحرير وغيرها الاجماع على خلافه، فينبغي حملهما
على التقية، أو على ما ذكره الشيخ (5) عن الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى "
أنه روى أصحابنا، أن ذلك من وزن ستة " قال: وإذا كان كذلك فهن يرجع إلى عشرة آلاف.
وأما الالف شاة فلا خلاف أجده في عددها أيضا نصا وفتوى، بل عن الغنية وظاهر الكتب
السالفة الاجماع عليه كما لا خلاف أجده في اجزاء مسماها من غير فرق بين الذكر
والانثى. نعم قد سمعت ما في النصوص السابقة من أن مكان كل جمل عشرين من فحولة
الغنم، إلا اني لم أجد عاملا به بل عن الغنية الاجماع على خلافه، فالمتجه حمله على
التقية. وعن الشيخ حمله على أحد وجهين: الاول: أن الابل تلزم أهل الابل فمن امتنع
من بذلها ألزمه الولي قيمتها وقد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة الغنم، كما قال
الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (6) " ومن الغنم قيمة
(هامش)
(1) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس. (2) راجع الوسائل الباب - 1 -
من أبواب ديات النفس. (3 و4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 9
و10. (5) ذكره في التهذيب ج 10 ص 162. (6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس
الحديث 3. (*)
ص 12
كل ناب من الابل عشرون شاة. والثاني: اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرا كما في خبر زيد
الشحام (1) عن الصادق عليه السلام. والاول لا يرجع إلى قول، والثاني يمكن أن يكون
ذكره جمعا وإلا فلا فرق في دية العمد بين كون القاتل حرا أو عبدا كما هو واضح.
وبذلك كله ظهر لك الدليل على الستة أجمع من النصوص والفتاوى ومعقد الاجماعات وإن لم
تكن مجموعة جميعها في خبر واحد، بل ليس في شيء منها التعرض لعدد الحلل إلا ما سمعته
من صحيح عبد الرحمان (2) عن ابن أبي ليلى. ولكن ضم بعضها إلى بعض بعد حمل " الواو "
في بعضها على " أو " بقرينة غيره من الاخبار ومعاقد الاجماعات يقتضي ما ذكره
الاصحاب. فوسوسة بعض متأخرى المتأخرين في ذلك في غير محلها، وكأنه لم يحط بالنصوص
وكلمات الاصحاب الظاهرة أيضا في أنها على التخيير الموافق للاصل - لا التنويع - كما
هو المعروف بين الاصحاب، بل المجمع عليه من المتأخرين، بل عن صريح الغنية وظاهر
السرائر والمفاتيح الاجماع على ذلك، فليس حينئذ للولي الامتناع من قبول أحدها مع
بذله، وإن لم يكن الباذل من أهل المبذول. نعم عن ظاهر المقنع والمقنعة والنهاية
والخلاف والمبسوط والمراسم والوسيلة والقاضي أنها على التنويع، بل في كشف اللثام
نسبته إلى عبارات كثير من الاصحاب، لما في عدة من الاخبار (3) من أن الابل على
أهلها والبقر على أهلها وهكذا، ولكن بقرينة غيرها من النصوص (4) والفتاوى يمكن
حملها على إرادة التسهيل على القاتل، كما أومى إليه ما سمعته من قول الباقر عليه
السلام في صحيح ابن عتيبة (5)، وحينئذ تتفق النصوص جميعا، بل عدم تحرير هذا الخلاف
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 5. (2) الوسائل الباب - 1 - من
أبواب ديات النفس الحديث الاول. (3 و4) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات
النفس. (5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 8. (*)
ص 13
ممن عادته ذلك، كابن إدريس والفاضل في المختلف وغيره يشعر بعدم فهم الخلاف منهم في
ذلك، والامر سهل إذ على تقديره واضح الضعف. (و) على كل حال فهي (تستأدى في سنة
واحدة) عندنا كما في كشف اللثام ومحكي المبسوط وصحيح أبي ولاد (1) وحسنه (2)، بل عن
غير واحد نفي الخلاف فيه، بل عن الغنية الاجماع عليه، وهو كذلك على معنى عدم
التأجيل زائدا على السنة كما تسمعه في غيرها، خلافا لابي حنيفة فأجلها ثلاث سنين،
بل لعله كذلك أيضا على معنى عدم وجوب المبادرة عليه إلى أدائها قبل تمام السنة، وإن
حكى عن الشيخ في الخلاف حلولها مدعيا عليه إجماع الفرقة وأخبارها، إلا أنا لم نجد
من وافقه عليه ولا خبرا صريحا يقتضيه، بل ظاهر الصحيح المزبور ومعقد صريح الاجماع
وظاهره ونفي الخلاف، خلافه، وبه يخرج عما يقتضي الحلول من إطلاق النصوص، نعم لا
يجوز له تأخيرها عنها إلا مع التراضي بعقد صلح أو غيره. ومبدء السنة مع إطلاق
ثبوتها من حين التراضي لا من حين الجناية، وإن قيل إنه مقتضي قول أبي على بالتخيير،
لكنك عرفت ضعفه في محله. وكيف كان فهي حيث تجب ابتداء كما في قتل الوالد الولد
ونحوه (من مال الجاني) لا العاقلة ولا بيت المال (مع التراضي بالدية) على الاطلاق
بلا خلاف، كما عن الخلاف والغنية الاعتراف به، بل ظاهرها كونه بين المسلمين كما أن
ظاهر المحكي عن المبسوط الاجماع عليه عندنا، مؤيدا بشهادة التتبع له، مضافا إلى ما
في الخبرين (3) " لا يضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا " وفي المضمر (4) " فإن
لم يكن له مال يؤدى سأل المسلمين حتى يؤدي ديته
(هامش)
(1 و2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث 1. (3) الوسائل الباب - 3 -
من أبواب العاقلة الحديث 1 و2. (4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القصاص في النفس
الحديث 5. (*)
ص 14
على أهله " على أن ضمان العاقلة على خلاف الاصل فيقتصر فيه على المتيقن الذي هو
الخطاء المحض. وقيد التراضي في العبارة وغيرها محمول على صورة الاطلاق وإلا ففي
غيرها على حسب ما يقع من الصلح مقدارا وأجلا ومستحقا عليه وغير ذلك مما هو جائز بعد
التراضي عليه منهما، كما أنه في صورة وجوبها ابتداءا في قتل الوالد الولد والعاقل
المجنون وفوات المحل لا اعتبار بالتراضي، وبذلك ونحوه صح تقديرها بما عرفت، وإن كان
المختار أن الواجب في العمد القصاص كما هو واضح، والله العالم. (وهي) أي دية العمد
(مغلظة) بالنسبة إلى دية شبه العمد والخطأ، وإن اتحدت معها في مقدار السنة (في
السن) في الابل (والاستيفاء) إذ قد عرفت اعتبار كونها مسانا فيها وتستأدى في سنة
واحدة دونهما كما ستعرف (وله أن يبذل من إبل البلد أو من غيرها وأن يعطى من إبله أو
إبل أدون أو أعلى إذا لم تكن مراضا) لا تندرج في إطلاق الادلة (وكانت بالصفة
المشترطة) التي هي كونها مسنة بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن المبسوط من عدم إجزاء
ما يشتريها إن كانت دون إبله، قال: " وهكذا لو طلب الولي غير إبله وهي أعلى من إبله
لم يكن له " ولم أجد من وافقه عليه، بل ولا ما يصلح دليلا له يخرج به عن الاصل،
واطلاق الادلة ومعاقد الاجماعات الصريحة والظاهرة التي مقتضاها الاجتزاء بأى فرد
منها كغيرها من أفراد الخمسة. وما في الوسيلة " من اعتبار كونها سمانا جاعلا له من
التغليظ فيها " لا أعرف له دليلا. (وهل) يتعين على الولي أن (يقبل القيمة السوقية)
عن الاصناف لو بذلها الجاني (مع وجود الابل) مثلا (فيه تردد) من أنها واجبة أصالة
فلا ينتقل إلى القيمة إلا بالتراضي، ومن قيام القيمة مقامها، (والاشبه) باصول
المذهب وقواعده أنه (لا) يتعين عليه القبول كما صرح به الفاضل وولده وثاني الشهيدين
وأبو العباس وغيرهم على ما حكى عن بعضهم للاصل بعد
ص 15
ظهور الادلة في وجوب أعيانها، كما لا يجب على الجاني ذلك لو اقترحها الولي. نعم
ربما احتمل وجوب القبول مع فقد القاتل لها لما عرفت مع أصالة البرائة، وهو أيضا
ضعيف، ضرورة الانتقال حينئذ إلى غيرها من أفراد الميسورة له. فما عن المبسوط - من
أن " الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان من أهل الابل وبذل القيمة قيمة مثله كان له
ذلك، وإن قلنا ليس له ذلك كان أحوط. فأما إن كان من أهلها فطلب الولي القيمة لم يكن
له ذلك " - واضح الضعف بعد ما عرفت من أن مقتضي المذهب وجوبها أجمع على التخيير، من
غير فرق بين أهل الابل وغيرهم، وعلى تقديره فلا دليل على إجزاء القيمة حتى مع
التعذر، والله العالم. (و) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا من النصوص والفتاوى ومعاقد
الاجماعات الصريحة والظاهرة على التخيير المزبور أن (هذه الستة) مقادير (اصول في
نمفسها وليس) بعضها بدلا عن آخر فلا يعتبر التساوى في القيمة ولا التراضي ولا
(بعضها مشروطا بعدم بعض و) حينئذ ف (- الجاني مخير في بذل أيها شاء) كما صرح بذلك
كله غير واحد، بل في ظاهر كشف اللثام ومحكي المبسوط الاجماع عليه. نعم قد سمعت ما
في خبري معاوية بن وهب (1)، والشحام (2) وغيرهما من أنه " إن لم يكن إبل فمكان كل
جمل عشرون من فحولة الغنم " بل في خبر أبى بصير (3) " دية الرجل مائة من الابل، فإن
لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك وإن لم يكن فألف كبش " إلا أن ذلك مع احتماله التقية
ورجحان غيره عليه من وجوه، ليس نصا في البدلية، لاحتمال أن يراد فإن لم تؤد الابل
فكذا، كما أنك سمعت الكلام فيها في النصوص الاخر (4) من أن " الابل على أهله
(هامش)
(1 و2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 و5. (3) الوسائل الباب -
1 - من أبواب ديات النفس الحديث 12. (4) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات
النفس. (*)
ص 16
والبقر على أهلها وهكذا " الذي عبر به واحد من قدماء الاصحاب وأن المراد منه
التسهيل على القاتل لئلا يكلف تحصيل غيره. وأما ما في صحيح ابن سنان (1) عن الصادق
عليه السلام من قوله عليه السلام: " قيمة كل بعير مائة وعشرون درهما أو عشرة
دنانير، ومن الغنم قيمة كل ناب من الابل عشرون شاة " وصحيح ابن الحجاج (2) من قول
أمير المؤمنين عليه السلام: " وقيمة الدنانير عشرة آلاف درهم " فهو بيان للواقع في
تلك الازمان، أو إشارة إلى الحكمة في شروع التقادير أول مرة. ولكن عن القاضي: "
فدية العمد المحض إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ألف دينار جياد، وإن كان من أصحاب
الفضة فعشرة آلاف درهم جياد، وإن كان من أصحاب الابل فمائة مسنة، قيمة كل واحد منها
عشرة دنانير، أو مأتا مسنة من البقر إن كان من أصحاب البقر، قيمة كل واحدة منها
خمسة دنانير، أو ألف شاة إن كان من أصحاب الغنم، قيمة كل واحدة منها دينار واحد، أو
مأتا حلة إن كان من أصحاب الحلل، قيمة كل حلة خمسة دنانير " وظاهره اعتبار التساوى
في القيم، إلا أن النصوص عدا ما سمعت والفتاوى ومعقد الاجماع المحكي صريحه وظاهره
على خلافه، بل إن كان الضابط اعتبار القيمة فلا مشاحة في العدد مع حفظ قدر القيمة
وهي عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، ضرورة كون المدار عليها لا عليه، وهو مما يمكن
القطع بعدمه. ومن هنا يتجه حمله على إرادة بيان الحكمة في شرعها ابتداءا وإلا كان
واضح الفساد. بل الظاهر عدم إجزاء التلفيق منها كما عن جماعة التصريح به ضرورة خروج
الملفق عن اسم كل واحد منها، لكن في القواعد الاشكال فيه، مما عرفت، ومن ثبوت
الاختيار في كل جزء فيثبت في الكل، إذ لا فارق بن افتراقه
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث الاول. (2) الوسائل الباب - 1
- من أبواب ديات النفس الحديث الاول.
ص 17
واجتماعها، ولكن الاخير كما ترى واضح المنع، لظهور كون التخيير بين المجموع كخصال
الكفارة لا الملفق من الستة فما دون، والله العالم.
في مقدار دية شبيه العمد وأنها تستأدى في سنتين
هذا كله في دية العمد بغير الصلح الذى هو على حسب ما يقع عليه. (و) أما (دية
شبيه العمد) فهي أيضا الاصناف الستة، كدية الخطاء كما صرح به غير واحد من غير نقل
خلاف فيه، بل قيل قد يظهر من السرائر الاجماع، ولعله لفحوى الاجتزاء بها في العمد،
إذ لا ريب في أولوية غيره منه بالاجتزاء بذلك، ولكون موضوع التخيير في جملة من
النصوص الدية من غير تقييد بأحد الثلاثة. قال الصادق عليه السلام في خبر زرارة (1):
" الدية ألف دينار، أو إثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الابل ". وفي مرسل يونس: (2)
" قالوا الدية عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار، أو مائة من الابل ". وقد سمعت ما في
صحيح عبد الرحمان (3) المشتمل على قضية ابن أبي ليلى وصحيح جميل (4) وغيرهما. وفي
خبر أبي بصير (5) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " دية الخطاء إذا لم يرد
الرجل القتل، مائة من الابل أو عشرة آلاف من الورق، أو ألف من الشياة " وقال: " دية
المغلظة التي تشبه العمد وليس بعمد أفضل من دية الخطاء بأسنان الابل " (ثلاث
وثلاثون حقة) وثلاث وثلاثون جذعة (وأربع وثلاثون ثنية) كلها (طروقة
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 10، وفيه وفى التهذيب ج 10 ص
160 عبيدالله بن زرارة عن أبى عبد الله... (2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات
النفس الحديث 7. (3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الاول. (4)
الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 4. (5) الوسائل الباب - 2 - من
أبواب ديات النفس الحديث 4. (*)
ص 18
الفحل) (1). قال: وسألته (2) عن الدية، فقال: " دية المسلم عشرة آلاف من الفضة أو
ألف مثقال من الذهب أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا ومن الابل مائة على
أسنانها، ومن بقر مائتان ". وهو ظاهر في الاتحاد في مقدار الدية وأن الاختلاف إنما
هو في مقادير الاسنان في الابل، وبالجملة فالامر مفروغ منه. وأما قول أحدهما عليهما
السلام في صحيح محمد وزرارة وغيرهما (3) في الدية، قال: " هي مائة من الابل وليس
فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك، قال ابن أبي عمير: فقلت لجميل: هل للابل أسنان
معروفة؟ فقال: نعم ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى
بازل عامها، كلها خلفة إلى بازل عامها، قال: روى ذلك بعض أصحابنا عنهما، وزاد علي
بن حديد في حديثه: إن ذلك في الخطأ " فالمراد منه عدم زيادة دراهم أو دنانير على
الابل، لان الدية لا تكون دراهم ولا دنانير. وعلى كل حال فقد عرفت أن الابل في دية
العمد المسان، وأما فيها ففي القواعد والتبصرة واللمعة والنافع والروضة " أنها ثلاث
وثلاثون بنت لبون، وثلاث وثلاثون حقة، وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل ". بل ربما
نسب إلى النهاية وإن كنا لم نتحققه، وإنما المحكي عنها وعن الخلاف والوسيلة والمهذب
أن
(هامش)
(1) هنا تمت رواية أبى بصير وقد جعل الشارح جملا منها من المتن. (2) الوسائل الباب
- 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 2. (3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس
الحديث السابع، وهذا سنده " محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن
على بن حديد وابن أبى عمير جميعا، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما
عن أحدهما... " (*)
ص 19
الاربع والثلاثين خلفة أي حامل كما هو المشهور والتي يتبعها ولدها كما عن المبسوط،
ولا ريب في أنها غير الثنية التي هي طروقة الفحل، بمعنى البالغة ضرب الفحل، واحتمال
إرادة ما طرقها الفحل فحملت، بقرينة أن الحقة ما بلغت أن يضربها الفحل، فيتوافق
الجميع كما ترى. وعلى كل حال لم نظفر له بمستند مما وصل إلينا من النصوص، وإن نسبه
في محكى الخلاف إلى إجماع الفرقة وأخبارها، وفي النافع " أنه أشهر الروايتين " وفي
المفاتيح " أنه المشهور وبه روايتان " بل في المسالك والروضة " أن به رواية أبي
بصير والعلاء بن الفضيل، لكن لم نقف على شيء من ذلك، كما اعترف به الابي وأبو
العباس والاصبهاني والمقدس الاردبيلي وفاضل الرياض وغيرهم على ما حكي عن بعضهم،
والموجود في خبر أبي بصير (1) " ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون
ثنية كلها طروقة الفحل " كما عن المقنعة والمراسم والغنية والاصباح، والجذعة هي
التي دخلت في الخامسة، وبنت اللبون هي التي كمل بها سنتان ودخلت في الثالثة، فلا
يمكن إرادتها من الجذعة، وكذا في خبر العلاء بن الفضيل (2)، إلا أن في آخره: "
وأربع وثلاثون ثنية كلها خلفة طروقة الفحل " كذا عن الكافي والاستبصار والفقيه، وفي
التهذيب، " أربع وثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل ". وفي كشف اللثام (3) " وقوله: "
كلها طروقة الفحل " أو " كلها خلفة طروقة
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 4. (2) الوسائل الباب - 1 - من
أبواب ديات النفس الحديث 13 والكافي ج 7 ص 282 والاستبصار ج 4 ص 258 وفى التهديب ج
10 ص 247 أيضا هكذا: " أربع وثلاثون ثنية كلها خلفة طروقة الفحل " ولكن في ج 10 ص
158 منه هكذا: " وأربع وثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل " ولم نجده في الفقيه مسندا
إلى العلاء، نعم في كلام من الصدوق هكذا: " وفى شبه العمد المغلظة... وثلاث وثلاثون
ثنية خلفة طروقة الفحل " الفقيه ج 4 ص 108. (3) كشف اللثام ج 2 ص 315. (*)
ص 20
الفحل " يحتمل أن يراد به كل من الاربع والثلاثين وأن يراد كل منهما ومما قبلها،
ولعله المتعين فيما في التهذيب. وظاهر طروقة الفحل فيه المعنى المعروف من بلوغها
ذلك لا الحمل، وفي النهاية والغنية والاصباح، أنه روى ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت
لبون، وأربعون خلفة، قال في النهاية: كلها طروقة الفحل ". قلت: إلا أنه لم نجده
فيما وصل إلينا من النصوص كما لم نجد عاملا به، بل خبر أبي بصير والعلاء غير جامعين
لشرائط الحجية، والفتوى بمضونهما مشكل، بعد عدم الجابر، وإجماع الشيخ كأنه متبين
الخلاف. وأشكل من ذلك القول الذي قد عرفت أنه لا دليل عليه من النصوص التي وصلت
إلينا، ودليل مثل ذلك منحصر فيها، ضرورة عدم صلاحية غيره. (و) حينئذ فالمتجه العمل
بما (في رواية) عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه
السلام التي رواها المحمدون الثلاثة (1) صحيحا في بعض الطرق من أنها (ثلاثون بنت
لبون، وثلاثون حقة، وأربعون خلفة وهي الحامل) وفاقا للمحكي عن أبي علي والمقنع
والجامع والمقتصر وظاهر الغنية والتحرير، بل قيل إنه عمل بها في المبسوط أيضا، غير
أنه أثبت مكان ثلاثون بنت لبون، ثلاثون جذعة، وإن كان ذلك كافيا في الخلاف والخروج
عن الصحيح المزبور المتعين للعمل، كما جزم به في المسالك وغيرها، والله العالم. (و)
كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه (يضمن هذه الدية الجاني دون العاقلة) بل عن الخلاف
والتحرير وظاهر المبسوط والسرائر أو صريحها الاجماع عليه للاصل وغيره، فما عن
الحلبي من أنها على العاقلة واضح الفساد. نعم إن لم يكن عنده مال فعن النهاية
والمهذب والغنية، بل في الاخير الاجماع عليه، " استسعى أو امهل إلى السنة وإن مات
أو هرب اخذ بها أولى الناس به،
(هامش)
(1) الفقيه ج 4 ص 105 والكافي ج 7 ص 281 والتهذيب ج 10 ص 159 والاستبصار ج 4 ص 259.
(*)
ص 21
وإن لم يكن له أحد اخذت من بيت المال " مع أنه لا يخلو من منع خصوصا بالنسبة إلى
أخذ أولى الناس به بها، ولذا أنكرهما ابن إدريس، بل قال: " إنه خلاف الاجماع، فانه
لا ضمان عليهما في الخطأ المحض " وهو كذلك للاصل وغيره، اللهم إلا أن يقال
باستفادته مما سمعته في المضمر السابق (1) الوارد في العمد، بناء على أولوية
المفروض منه، مؤيدا بعدم بطلان دم المسلم وغيره مما يفهم منه الرجوع في مثله إلى
بيت المال، مع معارضة إجماع ابن إدريس باجماع ابن زهرة، ولعله لذا لم يستبعده في
الرياض. لكن ذلك كله محل بحث، خصوصا بعد عدم ظهور الخبر المزبور في بيت المال،
وإنما هو سأل من المسلمين ليؤدي هو ديته كما هو المتعارف في زماننا. نعم قد سمعت
سابقا خبر أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم
هرب القاتل، فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال اخذت الدية من ماله وإلا
فمن الاقرب فالاقرب... فإنه لا يبطل (يطل) دم امرؤ مسلم " ونحوه خبر أبي بصير (3)
عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل قتل رجلا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن
كان له مال اخذ منه وإلا اخذ من الاقرب فالاقرب " ولعله تأتي للمسألة تتمة إن شاء
الله في آخر الكتاب، والله الموفق. (و) كيف كان فقد (قال المفيد ره تستادى في سنتين
فهي إذن مخففة عن العمد في السن) في الابل خاصة كما عرفت (وفي الاستيفاء) كما هو
المحكي عن المبسوط والمراسم والغنية والسرائر والتقي والفاضل في جملة من كتبه
والشهيد وأبي العباس وغيرهم. بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل ظاهر المبسوط الاجماع
عليه، بل في الغنية نفي الخلاف فيه، مؤيدا بأنه المناسب لكون شبيه العمد
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 5. (2 و3) الوسائل الباب
- 4 - من أبواب العاقلة، الحديث 1 و3 (*)
ص 22
الذي قد عرفت أنها فيه سنة والخطأ الذي ستعرف إن شاء الله أنها فيه ثلاث سنين. وأما
احتمال أنها أقل من سنة فمقطوع بعدمه، ولو بملاحظة أغلظية العمد منه، كما أنها لا
تزيد على الثلاثة قطعا لمعلومية سهولة الخطاء بالنسبة إليه، فهي مابين السنة إلى
الثلاث، وربما يشهد للثاني، ما في خبر أبي بصير (1) السابق الظاهر في اختصاص غلظتها
بالنسبة إلى الخطأ بأسنان الابل دون غيرها. ولكن الشهرة المزبورة المعتضدة بنفي
الخلاف وظهور الاجماع المزبور عينته في السنين ولا باس به، وأما ما عن ابن حمزة من
أنها تؤدي في سنة إن كان موسرا، وإلا في سنتين، فلم نعرف له موافقا ولا دليلا،
والله العالم. (ولو اختلف) (2) أي الولي ومن عليه الدية (في الحوامل) بناء على
المختار، أو حيث نعتبر حوامل (ملا) (رجع إلى أهل المعرفة) والاولى اعتبار العدالة
والتعدد، (ولو تبين الغلط) بعد ذلك (لزم الاستدراك) لظهور عدم وصول الحق، (و) كذا
أيضا (لو أزلقت بعد الاحضار قبل التسليم لزم الابدال و) هو واضح. نعم لو كان الا
زلاق (بعد القبض لا يلزم) الابدال، لان الواجب إقباض الحوامل وقد حصل، لا الولادة.
ولو اختلف الولى والدافع بعد القبض، فقال: لم تكن حوامل وقد أضمت أجوافها، فقال
الغريم: بل ولدت عندك، فعن التحرير " إن قبضها بقول أهل الخبرة فالقول قول الغريم،
عملا بظاهر إصابتهم، وإن قبضها بغير قولهم، فالقول قول الولي عملا بأصل عدم الحمل
". وفيه أن المتجه العمل بالاخير على كل حال لعدم ثبوت حجية الظاهر المزبور. هذا
كله في أسنان الابل، أما غيرها فهي متساوية في دية العمد والخطأ، لكن
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 4. (2) كذا في الشرائع ولكن في
الاصل " ولو اختلفا " (*)
ص 23
قد سمعت ما في خبر أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام: " أو ألف من الشاة على
أسنانها أثلاثا ومن الابل مائة على أسنانها) إلا أني لم أجد عاملا به، فيمكن حمله
على إرادة أي شيء كان. وربما احتمل رجوع ضمير أسنانها إلى الابل، أي الالف من الشاة
يوافق أسنان الابل أثلاثا في القيمة غالبا. وفيما حضرني من نسخة للتهذيب معتبرة: "
أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا من الابل قيمة على أسنانها " والظاهر أنه تصحيف
وإلا فالموجود في أكثر النسخ " مائة على أسنانها " وعلى كل حال فهو غير واضح الوجه.
في مقدار دية الخطأ المحض وأنها تستأدى في ثلاث سنين وأنها
على العاقلة
(و) أما (دية الخطاء المحض) فالاكثر كما في كشف اللثام، وعن غيره، بل المشهور،
بل عليه عامة المتأخرين، على أنها (عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت
لبون وثلاثون حقة) لخبر عبد الله بن سنان (2) الذي رواه المحمدون الثلاثة صحيحا في
بعض الطرق عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام الذي تقدم بعضه في
دية شبيه العمد، قال: " والخطأ يكون فيه ثلاثون حقة، وثلاثون ابنة لبون، وعشرون بنت
مخاض، وعشرون ابن لبون ذكر " الحديث. (و) لكن (في رواية) العلاء بن الفضيل عنه عليه
السلام التي في طريقها العبيدي عن يونس عن محمد بن سنان (3) (خمس وعشرون بنت مخاض،
وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة) إلا أنا لم نجد عاملا
بها عدا ما يحكى عن ابن حمزة، نعم عن الخلاف إجماع الفرقة على العمل بالروايتين،
وإن كنا لم نتحققه بالنسبة إلى هذه الرواية، فهو حينئذ شاذ قاصر عن إثبات التخيير
به بينه وبين ما في الصحيح السابق من وجوه. وأما ما عن المبسوط والسرائر - عشرون
بنت مخاض، وعشرون ابن لبون
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الثاني والتهذيب ج 10 ص 158
وفيه " ومن الابل مائة فانها على اسنانها ". (2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات
النفس الحديث الاول. (3) التهذيب ج 10 ص 158. (*)
ص 24
وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة - فلم نجد له شاهدا فيما وصل إلينا من
النصوص. كما لم نجد عاملا بما سمعته في ذيل صحيح زرارة ومحمد بن مسلم، من خبر علي
ابن حديد (1) في الخطأ، فتعين العمل حينئذ بما سمعته من المشهور هنا، وإن أعرضوا عن
الصحيح المزبور في دية العمد، والله العالم. (وتستأدى) دية الخطاء (في ثلاث سنين)
في كل سنة ثلثها بلا خلاف أجده فيه بل عن المهذب وغيره الاجماع عليه بل عن الخلاف "
اتفاقا منابل من الامة، وخلاف ربيعة لا يعتد به " (2) وعن الغنية " بلا خلاف إلا من
ربيعة فإنه قال في خمس " وقال الصادق عليه السلام في صحيح أبي ولاد، (3) " كان علي
عليه السلام يقول: تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة "
فالحكم حينئذ مفروغ منه (سواء كانت الدية تامة) كدية المسلم الحر (أو ناقصة) كدية
المرأة وغيرها مما ستعرف إن شاء الله، لصدق الدية على الجميع، بل في المتن والقواعد
ومحكي المبسوط والمهذب (أو دية طرف) بل في كشف اللثام " لعموم الدليل والفتاوى "،
قلت: ولكن حكي عن الفاضل الخلاف فيه ولعله لاصالة الحلول بعد دعوى انسياق الصحيح
المزبور وغيره إلى دية النفس وإن كان فيه منع خصوصا بعد تصريح من عرفت وظهور غيره،
إلا أن الظاهر كون الاجل المزبور متمما لها فيلحقه التوزيع أيضا بتوزيعها. وحينئذ
فالطرف إن كانت ديته قدر الثلث اخذ في سنة واحدة في الخطأ وإن كان أزيد حل الثلث
بانسلاخ الحول، وحل الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثا آخر فما دون، وإن كان
أكثر، حل الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث.
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 7. (2) الخلاف ج 2 ص 400. (3)
الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث الاول. (*)
ص 25
وإن تعدد الجاني والمجني عليه حل عند كل حول ثلث. وإن قلع عينيه وقطع يديه ورجليه
حل له ثلث لكل جناية. وكذا الكلام في الطرف، لو قطع عمدا أو شبه عمد بالنسبة إلى
أجلهما، نعم قد يقال بالحلول فيما ليس له مقدر من الجراح مع احتمال إلحاقه بالدية
المقدرة بعد ملاحظة النسبة. وأما الجناية على العبد فيحتمل أيضا جريان حكم الدية
عليها وإن كانت هي قيمة، ويحتمل كونه كالاموال. وأما العكس فالظاهر الحلول فيما
يتعلق منها برقبته، نعم لو أراد المولى فداءه أمكن ملاحظة التأجيل، والله العالم.
وكيف كان (فهي مخففة في السن) في الابل خاصة (و) في (الصفة) بالنسبة إلى شبه العمد
فلا يعتبر في شيء منها أن تكون خلفة كما صرح به في الوسيلة، إلا أن المصنف لم يعتبر
فيها ذلك كما عرفت، وإنما ذكره رواية. (و) يمكن أن يكون ذلك بناء عليها كما ذكر
مسألة الاختلاف (في الاستيفاء) بالنسبة إليهما معا. (و) على كل حال ف (هي على
العاقلة) بلا خلاف أجده بيننا بل وبين غيرنا فيه كما اعترف به بعضهم إلا من الاصم
منهم الذي لا يعتد بخلافه، وكذا الخوارج، بل عن الخلاف دعوى إجماع الامة عليه، قال:
" وخلاف الاصم لا يعتد به " (1) كل ذلك مضافا إلى النصوص (2) التي إن لم تكن
متواترة فلا ريب في القطع بذلك منها، ولا ترجع العاقلة بذلك على القاتل، لانه (لا
يضمن الجاني منها شيئا) للاصل وغيره، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار، فحكما بالرجوع
ولا نجد لهما دليلا، بل في السرائر إجماع الامة على خلافهما، وإن أنكر عليه الفاضل
في المختلف وادعى أنه جهل منه في تخطئة الشيخ الاعظم الذي
(هامش)
(1) الخلاف ج 2 ص 400. (2) راجع الوسائل أبواب العاقلة من كتاب الديات. (*)
ص 26
هو الاصل في إفشاء المذهب وتقريره، لكن ذلك كما ترى لا يصلح دليلا، نعم يأتي إن شاء
الله، إن العاقلة إذا فقدت أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل كما نص عليه هنا في
كشف اللثام.
ولو قتل في الشهر الحرام الزم دية وثلثا 
(ولو قتل في الشهر الحرام) رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم، (الزم دية وثلثا
من أي الاجناس كان تغليظا) بلا خلاف أجده بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما
صريحا فضلا عن الظاهر مستفيض أو متواتر، بل في المسالك " أن به نصوصا كثيرة "، وفي
محكي الخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة وأخبارها، وإن كنا لم نعثر إلا على خبر كليب
الاسدي (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ما
ديته؟ قال: دية وثلث " وخبره الآخر (2) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من
قتل في شهر حرام فعليه دية وثلث " الحديث، اللهم إلا أن يكون قرء (3) ما تسمعه من
النصوص (4) الاتية " في الحرم " بلفظ الجمع على إرادة الاشهر الحرم، بل ربما كان
ذلك عذرا للمصنف وغيره ممن أنكر وجود دليل على إلحاق الحرم بالشهر الحرام، فأنه من
المستبعد عدم رؤيتهم للنصوص المزبورة مع وجودها في المجامع العظام، وعلى كل حال
ففيهما الكفاية لاثبات مثله بعد ما عرفت، والله العالم. (وهل يلزم مثل ذلك في حرم
مكة) زاده الله شرفا؟ ففي المتن (قال الشيخان) أي في المقنعة والمبسوط والخلاف
والنهاية على ما حكي عن بعضها: (نعم) يلزم مثل ذلك، وظاهره التوقف بل هو صريحه في
النكت، قال: " ونحن نطالب الشيخين بدليل ذلك " وكذا النافع وتبعه على ذلك الفاضل في
التحرير وأبو العباس والمقداد والشهيدان والكاشاني على ما حكي عن بعضهم، مع اعتراف
أكثرهم
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات النفس الحديث الاول. (2) التهذيب ج 10 ص
215. (3) قرءا بالتثنيه. (ن ل) (4) راجع الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات النفس.
(*)
ص 27
بعدم النص عليه. نعم قال الكركي في حاشية الكتاب بعد حكاية ذلك عن الشيخين
والاعتراف بعدم النص: " وكفى بهما متبعا " إلا أن ذلك كله في غير محله إذ هو - مع
أنه مذهب بني حمزة وزهرة وإدريس والفاضل في القواعد والارشاد والشهيد في اللمعة
أيضا، بل مذهب الاكثر كما في كشف اللثام، بل المشهور كما في مجمع البرهان، بل في
ظاهر المحكي عن موضعين من المبسوط والسرائر وغاية المراد، وكذا الغنية، الاجماع
عليه، بل في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارها - يدل عليه صحيح زراة (1)
المروى في الكافي والفقيه " قلت لابي جعفر عليه السلام: رجل قتل رجلا في الحرم،
قال: عليه دية وثلث " وخبره الاخر (2) المروى في التهذيب " قلت لابي عبد الله عليه
السلام: رجل قتل رجلا في الحرم، قال عليه: دية وثلث ". فلاوجه حينئذ للتوقف في
المسألة خصوصا بعد التأييد بالاشتراك في الحرمة وتغليظ قتل الصيد فيه، المناسب
لتغليظ غيره، بعد الاعتضاد بما عرفت، سيما الاخبار المرسلة في الخلاف. نعم قد عرفت
احتمال قراءة الخبرين الحرم بلفظ الجمع على أن يكون صفة للاشهر الحرم، وقد حضرني
نسخة من الكافي معتبرة جدا وقد اعرب فيها " الحرم " بضمتين. وربما يؤكد ذلك تتمة
الخبر المزبور " قال ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، ويعتق رقبة ويطعم ستين
مسكينا، قال: قلت: يدخل في هذا شيء؟ قال: وما يدخل؟ قلت: العيدان وأيام التشريق،
قال: يصومه فانه حق لزمه " ومن المعلوم أن ذلك كفارة القاتل في الشهر الحرام بناء
على القول به لا الحرم،
(هامش)
(1) الكافي ج 4 ص 140 والفقيه ج 4 ص 110 ولكن فيه عن أبى عبد الله عليه السلام،
الوسائل الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2. (2) التهذيب ج 10 ص 216،
الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث 3. (*)
ص 28
وإن كان الخبر المزبور فيه إشكال بدخول العيدين مع أنه ليس إلا عيد واحد في الاشهر
الحرم كما أوضح عنه صحيح زرارة الاخر (1) " قال: سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في
الشهر الحرام، قال: تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين من أشهر الحرم،
قلت: فإنه يدخل في هذا شيء؟ فقال: وما هو؟ قلت: يوم العيد وأيام التشريق، قال:
يصومه فإنه حق لزمه " والله العالم. نعم قال في كشف اللثام: " الظاهر اختصاص ذلك
بالعمد كما تشعر به عبارة النهاية وتعليل الاصحاب بالانتهاك، ويدل عليه الاصل
فيقتصر في خلافه على اليقين ". قلت: هو وإن كان صريح الوسيلة أيضا لكن المحكي عن
صريح المبسوط والسرائر العموم، بل هو ظاهر الغنية، بل قيل هو ظاهر المقنعة وما تأخر
عنها، بل ظاهر السرائر وكذا المبسوط والغنية الاجماع عليه. بل قيل: إن العموم
اللغوي في بعض النصوص السابقة يقطع الاصل، والتعليل يدفعه التصريح والاطلاق الذي هو
كالتصريح بمعونة السياق، مع احتمال كونه لبعض الافراد خصوصا بعد كون العنوان بمن
قتل ونحوه، بل لعل القاتل خطأ منتهك أيضا وإن لم يكن آثما، ولذا وجبت عليه الكفارة،
ولعله لذا مال في الرياض إليه، بل حكي فيه عن بعض متأخري المتأخرين ذلك، مدعيا عليه
النص والاجماع. قلت: لعل مراده من النص ما سمعته في صحيح زرارة (2) المصرح فيه
بالخطأ، وإلا فلا صراحة في غيره من النصوص، ضرورة ظهور ذكر كفارة العمد فيه، مضافا
إلى ظهور " قتل " في قصد القتل الذي لا يشمل الخطأ كما في كل فعل جعل عنوانا للحكم
الشرعي، وحينئذ فعموم " من " لا يجدي بعد ظهور مدخولها في ذلك، إذ هو على حسبه،
فالاصل حينئذ بحاله. نعم الظاهر عدم الاختصاص بقتل المسلم، لعموم النص والفتوى
ومعاقد
(هامش)
(1 و2) الكافي ج 4 ص 139، الوسائل الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث
الاول. (*)
ص 29
الاجماعات، وإن احتمله بعض الناس. ولا بقتل الكبير والعاقل ولا غيرهم، فتغلظ الدية
بقتل الجميع، وإن لم يكن قصاص بقتل العاقل المجنون، وكذا لو قتل الوالد الولد، بل
لا فرق أيضا بين سليم الاعضاء ومفقودها كما صرح به في القواعد وغيرها للعمومات، نعم
قد سمعت خبر سورة بن كليب (1) عن الصادق عليه السلام في أقطع اليد إذا قتل فلاحظ
وتأمل. هذا ولا يبعد إلحاق المراقد المنورة بذلك في التغليظ كما هو محتمل النهاية،
بل فهمه منها غير واحد، وإن أنكره ابن إدريس حاملا لعبارة الشيخ على غيره لعدم
الدليل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع. لكن فيه أن من المعلوم كون التغليظ
المزبور لانتهاك الحرمة التي هي فيها أشد في الحرم قطعا، ولذا حكي عن المقداد ذلك
مستدلا له بالتنقيح، وأن المنقح له العقل والاولوية العرفية، لان مراقدهم أفضل من
مكة، فيكون أفضل من الحرم. قلت: وهو كذلك كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في ذلك
(2) وخصوصا مرقد النبي صلى الله عليه وآله ومشهد أمير المؤمنين عليه السلام
والحائر. وعلى كل حال فالزائد لولي المقتول كما هو الظاهر من إطلاق النص والفتوى،
بل هو كصريح الاخير، نحو قوله في الخبر الاول، وإن كان السبب في ذلك انتهاك حرمة
الزمان والمكان. ولو اجتمع سببا التغليظ فالوجه تعدد الثلث لقاعدة عدم التداخل
القاطعة لاصل البرائة، خلافا لبعض، منهم الشهيد الثاني، ترجيحا لاصل البراءة عليها
وهو في غير محله. نعم ظاهر النص والفتوى وغيرهما، أن الزيادة المزبورة حيث تؤخذ
الدية دون ما إذا اقتص، فما عن ثاني الشهيدين من وجوبها معه أيضا للتغليظ غير
(هامش)
(1) يعنى في كتاب القصاص راجع الوسائل الباب - 50 - من أبواب القصاص في النفس
الحديث الاول. (2) راجع الوسائل أبواب المزار. (*)
ص 30
واضح الوجه. كما أن ظاهرهما اختصاص ذلك في القتل، ولذا قال المصنف: (ولا نعرف (1)
التغليظ في الاطراف) لانه لم يذكره أصحابنا كما عن المبسوط والسرائر، بل عن الاخير
زيادة " دون قطع الاطراف عندنا " بل في المسالك " لا قائل به من أصحابنا " ولا في
قتل الاقارب للاصل وعدم الدليل، وبه صرح الفاضل وغيره. نعم هو مناسب لمذاق العامة
القائلين بالقياس والاستحسان، كما يحكى عن بعضهم القول به فيها، كما عن آخر التغليظ
للقرابة أيضا، (2) وفي اشتراط المحرمية لهم وجهان، وعن الشافعي منهم اختصاص التغليظ
بأسنان الابل، والجميع كما ترى.
لو رمي في الحل إلى الحرم فقتل فيه لزمه التغليظ ولا يقتص من
الملتجئ وحكم مشاهد الأئمة (عليهم السلام) 
(فرع:) (لو رمي) وهو (في الحل) بسهم مثلا (إلى) من هو في (الحرم فقتل فيه لزمه
التغليظ) كما صرح به الفاضل وغيره لصدق القتل فيه وإن خرج السبب (وهل يغلظ مع العكس
فيه تردد) من الاصل وعدم صدق القتل في الحرم، ومن حصول سببه في الحرم فهو كمن قتل
فيه، ولذا تلزم الكفارة من رمى فيه صيدا في الحل، بل هو المناسب للتغليظ في الحرم
وخصوصا في الانسان الذي هو أعظم حرمة من الصيد المحلل قتله بالاصل. ولكن لا ريب في
أن الاقوى الاول بعد عدم هذه الاعتبارات في قطع الاصل الشرعي، بل قد يحتمل ذلك في
(هامش)
(1) في الشرائع: ولا يعرف. (2) قال في بداية المجتهد ج 2 ص 455: " واختلفوا في
تغليظ الدية في الشهر الحرام والبلد الحرام.. وقال الشافعي: تغلظ فيهما في النفس
وفى الجراح. وكذلك عند الشافعي من قتل ذا رحم محرم... " (*)
ص 31
الاول أيضا، وإن كان ظاهر المصنف والفاضل وغيرهما اختصاص التردد في الثاني، لامكان
دعوى انسياق الظرفية من النص، والله العالم. (ولا يقتص من الملتجى إلى الحرم فيه)
بعد أن قتل خارجه ثم استجار به (و) لكن (يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج) منه
بلا خلاف أجده في أصل الحكم كما اعترف به في المسالك، بل في التنقيح ومحكي الخلاف
وظاهر المبسوط الاجماع عليه، لعموم آيات الامن (1) ولفحوى قول الصادق عليه السلام
في صحيح هشام (2) " في الرجل يجنى في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام
عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع، فإذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج
فيقام عليه الحد وإن جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد فإنه لم ير للحرم حرمة "
ولو للاجماع المزبور على عدم الفرق بين الحد والقصاص. (و) منه يعلم الوجه فيما ذكره
المصنف وغيره من أنه (لو جنى في الحرم اقتص منه) فيه (لانتها كه الحرمة) بل لا خلاف
أجده فيه كما اعترف به في الرياض، فيبقى حينئذ عموم أدلة القصاص والحدود بحالها
سليمة عن المعارض. (وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد الائمة عليهم السلام) فضلا عن النبي
صلى الله عليه وآله (قال به في) المقنعة والمهذب و(النهاية) والسرائر وحدود التحرير
وغيرها، واستحسنه المصنف في النكت، ولعله لمعلومية زيادة شرفها على الحرم. ولذا قال
في التنقيح بعد أن حكي عن الشيخين ذلك: " وهو قريب أما أولا فلما ورد عنهم عليهم
السلام أن بيوتنا مساجد، (3) وأما ثانيا فلما تواتر من رفع العذاب الاخروي عمن
(هامش)
(1) سورة آل عمران: 3 - الاية 97 وغيرها. (2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب مقدمات
الحدود وأحكامها العامة الحديث الاول. (3) راجع الوسائل الباب - 16 - من أبواب
الجنابة. (*)
ص 32
يدفن بها (1) والعذاب الدنيوي أولى، وأما ثالثا فلان ذلك مناسب لوجوب تعظيمها
واستحباب المجاورة بها والقصد إليها " (2) بل عن ظاهر التحرير أن المشهد البلد،
فضلا عن الصحن الشريف والروضة المنورة، بل لا يخفى على من أحاط خبرا بما ورد (3) في
الحائر وحرمه وأنه أربعة فراسخ بل أزيد وغير ذلك مما جاء في قبر النبي صلى الله
عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وغيره من الائمة عليهم السلام زيادة تعظيمها،
ولكن مع ذلك قد تشعر عبارة المصنف بل صريح غيره بالتوقف بل المنع، وهو لا يخلو من
جرأة، والله العالم.
في أن دية المرأة على النصف، ودية الزنا دية المسلم دية
المسلم إذا أظهر الإسلام وما قيل فيها 
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أن (دية المرأة) الحرة المسلمة
صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، سليمة الاعضاء أوغير سليمتها، (على النصف من
جميع الاجناس) المذكورة في العمد وشبهه والخطأ، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي
منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص (4)، بل هو كذلك من المسلمين كافة إلا من ابن علية
والاصم، فقالا هي كالرجل، وقد سبقهما الاجماع ولحقهما، بل لم يعتد بخلافهما من حكي
إجماع الامة غير مشير إليهما، ولا باس به. وحينئذ فمن الابل خمسون، ومن الدينار
خمسمائة وهكذا كما هو واضح. وكذا الجراحات والاطراف منها على النصف من الرجل ما لم
تقصر ديتها عن ثلث دية الرجل، فإن قصرت دية الجناية جراحة أو طرفا عن الثلث تساويا
قصاص
(هامش)
(1) راجع الوسائل الباب - 13 - من أبواب الدفن ومستدرك الوسائل ج 1 ص 121. (2)
التنقيح للفاضل المقداد، كتاب القصاص ص 815 من نسخة مخلوطة منه عندنا. (3) راجع
الوسائل أبواب المزار وكامل الزيارات. (4) راجع الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات
النفس. (*)
ص 33
ودية كما مر الكلام فيه مفصلا. ولا تلحق بها الخنثى المشكل في ذلك، للاصل وغيره،
وإن احتمل، وديتها ثلاثة أرباع دية الرجل على ما صرح به بعضهم. وجميع فرق الإسلام
المحقة والمبطلة متساوية في الدية، وإن لم تكن غير المحقة منهم كفارا في الآخرة (1)
إجراء لهم مجري المسلمين كاجراء حكم الإسلام على المنافقين استدراجا لهم ومصلحة
للمؤمنين ما لم يجحدوا ما هو معلوم الثبوت من دين النبي صلى الله عليه وآله كالغلاة
والنواصب ومن أنكر ما اعترف بثبوته في دينه صلى الله عليه وآله، فإنهم كفار، كل ذلك
لعموم الادلة، بل في كشف اللثام الاتفاق على التساوي في الدية، وإن كان قد يشكل بأن
المتجه سقوطها على القول بكفرهم في الدنيا حتى دية الذمي ضرورة عدم كونهم منهم،
والله العالم. (ودية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام دية المسلم) بلا خلاف أجده بين من
تأخر عن المصنف، بل عن بعض نسبته إلى الاكثر على الاطلاق، وآخر إلى المشهور، وثالث
إلى جمهور الاصحاب، لثبوت إسلامه باظهاره الإسلام الذي من ضرورة المذهب، بل الدين،
وجوب قبوله ممن يحصل منه ما لم يعلم خلافه، فيندرج حينئذ بذلك في المسلمين
والمؤمنين في الديات وغيرها إلا ما ثبت خروجه من أحكامهم. نعم إذا لم يصف الإسلام
أو كان غير بالغ ولم يسبه مسلم أو لم نقل بتبعيته له فيه، يتجه عدم الدية له، للاصل
بعد عدم الإسلام فعلا ولا شرعا حتى دية الذمي، ضرورة عدم كونه منه. ودعوى - كونه
بحكم المسلم لقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على
(هامش)
(1) قال في كشف اللثام: " وجميع فرق الإسلام المحقة والمبطلة متساوية في الدية
اتفاقا وان لم يكن غير المحقة منهم كفارا في الحقيقة.. فانهم كفار... " أقول:
الظاهر زيادة الواو في قوله وقول شارحنا: " وان لم يكن " فراجع. (*)
ص 34
الفطرة " (1) كما في كشف اللثام - يدفعها عدم ثبوت العمل به على الوجه المزبور من
الاصحاب وإلا لاقتضى إسلام ولد الزنا من الكافرين، وهو معلوم العدم، ولا يبعد كون
المراد أنه خلق على اختيار الإسلام لو ترك ونفسه، لا أن المراد أنه مسلم فعلا، بل
يمكن دعوى القطع بذلك خصوصا بعد ملاحظة قوله " حتى " وغيره. كدعوى ثبوت الدية
المزبورة لكل نفس ما لم تكن كافرة، ضرورة اتفاق النص والفتوى على أنها دية المسلم،
ولعله لذا قيد المصنف وغيره بما إذا أظهر الإسلام ولعل من أطلق يريد ذلك أيضا، ومن
هنا يظهر لك النظر فيما في كشف اللثام من " أنه لا فرق على القولين أي قول المشهور
وقول المرتضى بين البالغ منه وغيره، فان الطفل لا يتبع والده إلا أن يسبيه مسلم
وقلنا بتبعيته له. وعلى المختار الوجه أيضا ذلك فانه وإن لم يتبع أحدا إلا أن كل
مولود يولد على الفطرة " وإن وافقه عليه بعض من تأخر عنه. بل وما في المحكي من
حواشي الشهيد " من أن المنقول أنه إن أظهر الإسلام فديته دية مسلم وإلا فدية ذمي،
قال: وهو جمع بين القولين " وأشار إليه المصنف بقوله: " إن أظهر الإسلام "، والله
العالم. (و) كيف كان فقد (قيل) والقائل الصدوق والمرتضى ديته: (دية الذمي) ثمانمائة
درهم. بل قال السيد: " والحجة بعد الاجماع المتردد، أنا قد بينا أن مذهب الطائفة أن
ولد الزنا لا يكون قط طاهرا ولا مؤمنا بايثاره واختياره وإن أظهر الايمان وهم على
ذلك قاطعون وبه عاملون، فإذا كانت هذه صورته عندهم فيجب
(هامش)
(1) قال في سفينة البحار ج 2 ص 373: " قال النبي صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد
على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه " ولكن في الوسائل ج 11 ص 96 هكذا: "
عن أبى عبد الله عليه السلام انه قال: ما من مولود يولد الا على الفطرة فأبواه
اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه... " (*)
ص 35
أن تكون ديته دية الكفار من أهل الذمة للحوقه في الباطن بهم. قال: فان قيل: كيف
يجوز أن يقطع على مكلف أنه من أهل النار وفي ذلك منافاة للتكليف، وولد الزنا إذا
علم أنه مخلوق من نطفة الزاني فقد قطع على أنه من أهل النار، فكيف يصح تكليفه؟
قلنا: لا سبيل لاحد في القطع على أنه مخلوق من نطفة الزنا لانه يجوز أن يكون هناك
عقد، أو شبهة عقد، أو أمر يخرج به عن أن يكون زانيا فلا يقطع أحد على أنه على
الحقيقة ولد زنا، فأما غيره فانه إذا علم أن امه وقع عليها هذا الوطى (1) من غير
عقد ولا ملك يمين ولا شبهة فالظاهر في الولد أنه ولد الزنا والدية معمول فيها على
ظاهر الامور دون باطنها " (2). وقال ابن إدريس: " ولم أجد لباقي أصحابنا فيه قولا
فأحكيه، والذي تقتضيه الادلة التوقف في ذلك، وأن لا دية له لان الاصل برائة الذمة "
(3). قلت: هو كذلك على ما اعترف به غيره عدا ما سمعته من الصدوق، ومنه يعلم حينئذ
ما في إجماع السيد المزبور بعد الاغضاء عما ذكره من تفريع وجوب دية الذمي على كونه
كافرا، ضرورة عدم اقتضاء ذلك كونه ذميا كما اعترف به ابن إدريس وغيره، بل وبعد
الاغضاء عما في جوابه عما سأله به نفسه، فإنه لا يرجع إلى حاصل، فتأمل. نعم قد
يستدل له بمرسل جعفر بن بشير (4) " قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية ولد
الزنا قال ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي " ومرسل
(هامش)
(1) الواطى (ن ل). (2) الانتصار، كتاب الحدود والديات وما يتصل بذلك. (3) السرائر
كتاب الحدود ص 8 قال فيه: " ودية ولد الزنا مثل دية اليهودي على ما ذهب إليه السيد
المرتضى رضى الله عنه ولم أجد لباقي.. " فما في بعض النسخ " ولم أجد لنا في... "
تصحيف. (4) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ديات النفس الحديث 2. (*)
ص 36
عبد الرحمن بن عبد الحميد (1) " قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: دية ولد الزنا
دية اليهودي ثمانمائة درهم " وخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن جعفر عليه السلام (2) "
قال: قال: دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم ". مؤيدة بما ورد من النصوص (3)
في المنع من غسالة الحمام، معللة " بأنه يغتسل فيه اليهودي والنصراني وولد الزنا "
حيث ساقه مساق أهل النار. إلا أنها جميعها ضعيفة، كما أشار إليه المصنف بقوله: (وفي
مستند ذلك ضعف) ولا جابر لها بعد تبين حال الاجماع المحكي بما عرفت، كي تصلح للخروج
بها عما دل على دية المسلم، بناء على إسلامه بما يظهره. والتأييد بما في النصوص
المزبورة مبني على كفره وإن أظهر الإسلام، وهو ممنوع. وأطرف شيء ما في الرياض، من
أن " قول السيد ليس بذلك البعيد للاصل مع عدم معلومية دخول ولد الزنا في إطلاق
أخبار الديات، حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن والمسلم، لا طلاقهما الغير المعلوم
الانصراف إلى نحوه من حيث عدم تبادره منه مع انسياق سياقه إلى بيان مقدار الديات
وغيره مما لا يتعلق بما نحن فيه فيصير بالنسبة إليه كالمجمل لذي لا يمكن التمسك به،
وكذا شمول ما دل على جريان أحكام الإسلام على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع به،
فلا يخرج عن مقضى الاصل بمثله، وإنما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمي لفحوى ما دل
على ثبوتها به مع شرفه بإسلامه الظاهري وليس وجوده كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي،
ويمكن أن يجعل ما ذكرناه جابرا للنصوص والاجماع المحكي مع تأيد الاخير بعدم ظهور
مخالف فيه من القدماء عدا الحلي المتأخر عن حاكيه، وأما الشهرة، فإنما هي من زمن
المحقق ومن بعده ". (4)
(هامش)
(1 و2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 و3. (3) راجع الوسائل
الباب - 11 - أبواب الماء المضاف. (4) رياض المسائل ج 2 ص 594. (*)
ص 37
إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، إن أراد ذلك بعد تسليم كونه مسلما وجريان أحكام
الإسلام والايمان في غير الدية عليه، ضرورة أن المرتضى لا يرضى بذلك إذ ما ذكره
مبني على كفره، وإن أراد بما ذكره موافقة المرتضى على كونه كافرا فهو مع منافاته
لجملة ما سمعت من كلماته واضح الفساد أيضا. وكذا ما ذكره فيه " من اعتبار سند الخبر
الاول (1) بأنه صحيح إلى جعفر وهو ثقة والارسال بعده لعله غير ضائر لقول النجاشي
(2): " يروى عن الثقات ورووا عنه " قاله في مدحه ولا يكون ذلك إلا بتقدير عدم
روايته عن الضعفاء وإلا فالرواية عن الثقة وغيره ليس بمدح كما لا يخفى 2 (3) إذ هو
كما ترى. وأغرب من ذلك كله استدلاله بصحيح ابن سنان (4) عن أبي عبد الله عليه
السلام " قال سألته فقلت له: جعلت فداك كم دية ولد الزنا؟ قال: يعطى الذي أنفق عليه
ما أنفق عليه ". قال في الرياض: " وهو ظاهر في ثبوت الدية لا كما ذكره الحلي، وأنها
ما انفق عليه، وهو يشتمل ما قصر عن دية الحر المسلم بل والذمي أيضا بل لعله ظاهر
فيه، إلا أن الامر الخارج بالاجماع كخروج ما زاد عنه أيضا فتعين الثمانمائة جدا مع
أن الدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحر المسلم كالصريح، بل لعله صريح في عدم
لزومها، فيضعف ما عليه المشهور جدا ويتعين قول السيد
(هامش)
(1) يعنى مرسل جعفر بن بشير المتقدم آنفا. (2) رجال النجاشي ص 92. (3) رياض المسائل
ج 2 ص 595. (4) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ديات النفس الحديث 4 وأيضا الباب - 8
- من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه الحديث 3. (*)
ص 38
ظاهرا " (1). إذ حمله على ولد الزنا قبل البلوغ خير من ذلك كله، والله العالم.
دية الذمي ثمانمأة درهم ، ودية نسائهم على النصف وما قيل فيها

(ودية الذمي) الحر (ثمانمأة درهم) بلا خلاف معتد به أجده بيننا، بل في الخلاف
والانتصار والغنية وكنز العرفان الاجماع عليه على ما حكي عن بعضها، مضافا إلى
النصوص (2) المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، وفيها الصحيح وغيره، منها صحيح ليث
المرادي (3)، مضافا إلى ما تقدم " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية اليهودي
والنصراني والمجوسي، قال: ديتهم سواء، ثمانمأة درهم " ومنها موثق سماعة (4) عنه
أيضا " قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله خالد بن وليد إلى البحرين، فأصاب به دماء
قوم من اليهود والنصارى والمجوس فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إني أصبت
دماء قوم من اليهود والنصاري، فوديتهم ثمانماة درهم ثمانمأة، وأصبت دماء قوم من
المجوس ولم تكن عهدت إلي فيهم عهدا، قال: فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله،
إن ديتهم مثل دية اليهود والنصارى، وقال: إنهم أهل كتاب " إلى غيرذلك من النصوص.
(يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا) خلافا للعامة أجمع في الاولين، وإن اختلفوا على
أربعة أقوال، فمن قائل بأن ديته ثلث دية المسلم، وقائل نصفها، وقائل تمامها، وقائل
كذلك إن كان عمدا وإن كان خطأ نصفها. نعم عن الشافعي ومالك موافقتنا في المجوس، بل
عن الشيخ في الخلاف أن الصحابة مجمعون على أن دية المجوسي ثمانمأة درهم، وعن
المبسوط وكنز العرفان نفي الخلاف في ذلك.
(هامش)
(1) رياض المسائل ج 2 ص 595. (2) راجع الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس الحديث 5 وفيه: ديتهم جميعا سواء
ثمانمأة درهم، ثمانمأة درهم (4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس الحديث
7. (*)
ص 39
(ودية نسائهم على النصف) منهم كما صرح به الشيخ والفاضلان والكركي وثاني الشهيدين
وغيرهم، بل ظاهرهم المفروغية منه، بل قيل قد يظهر من المبسوط والغنية الاجماع عليه،
ولعله لعموم ما دل من نص (1) أو معقد إجماع على أن دية المرأة نصف الرجل، بل ظاهر
أن دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته حتى على
مساواة المرأة منهم للرجل حتى تبلغ الثلث أو تجاوزه فنصف كالمسلم كما صرح بذلك كله
بعضهم، بل لا يبعد جريان حكم التغليظ بما يغلظ به على المسلم لعموم الاخبار، وقاعدة
الاشتراك في التكليف، وإن توقف فيه الفاضل في المحكي من تحريره، ولعله من ذلك ومن
كونه على خلاف الاصل، فيقتصر فيه على موضع الوفاق منه. (و) كيف كان ف (- في بعض
الروايات) من طرقنا أن (دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم) قال الصادق
عليه السلام في صحيح أبان بن تغلب (2) " دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم
" وقال أيضا في خبر زرارة (3): (من أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله ذمة فديته
كاملة). (وفي بعضها) أيضا (دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم) وهي رواية أبي
بصير عنه (4) أيضا " دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمأة
درهم " وقد عرفت موافقة الاول لبعض أقوال العامة، بل والثاني بناء على أنها اثنا
عشر ألف من جهة اختلاف الوزن، فتكون حينئذ الاربعة ثلث الدية، كما عرفته عن آخر
منهم، فلا بأس بحملهما على التقية (و) لكن (الشيخ رحمه الله نزلهما) في كتابي
الاخبار (5) (على من يعتاد قتلهم فيغلظ الامام) عليه (الدية بما يراه) مصلحة (من
(6) ذلك حسم
(هامش)
(1) راجع الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات النفس. (2 و3 و4) الوسائل الباب - 14 -
من أبواب ديات النفس الحديث 2 و3 و4. (5) التهذيب ج 10 ص 187 - الاستبصار ج 4 ص
269. (6) في (ن ل). (*)
ص 40
للجرأة) قال: " فإنه إذا كان كذلك فللامام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة، وأربعة
آلاف درهم اخرى، بحسب ما يراه أصلح وأردع، فأما من كان ذلك منه نادرا لم يكن عليه
أكثر من ثمانمأة درهم ". واستدل عليه بموثق سماعة (1) " سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن مسلم قتل ذميا فقال: هذا شيء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم
حتى ينكل عن قتل أهل السواد، وعن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد
أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم، إذن يكثر القتل في الذميين، ومن
قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية وأداها ولم
يجحدها ". ثم قال: " وأما رواية أبي بصير (2) خاصة فقد روى أن ديتهم ثمانمأة درهم
مثل سائر الاخبار، وما تضمنه خبره (3) من الفرق بين اليهودي والنصراني والمجوسي،
فقد روى (4) هو أيضا أنه لا فرق، وأنهم سواء في الدية " (5). ويمكن أن يكون مخالفا
باعتبار كون ذلك ليس دية، وإنما هو تعزير من الحاكم أو كالتعزير، ولعله لذا نفى عنه
البأس في محكي المختلف، وإلا فمن المعلوم عدم المكافئة من وجوه، وقد تقدم الكلام
سابقا في ذلك في كتاب القصاص. نعم ما في الفقيه (6) خلاف في المسألة، قال: " إن كان
اليهودي والنصراني والمجوسي على ما عوهدوا عليه، من ترك إظهار شرب الخمور وإتيان
الزنا وأكل
(هامش)
(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات النفس الحديث الاول. (2 و4) الوسائل الباب
- 13 - من أبواب ديات النفس الحديث 5 و10. (3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات
النفس الحديث 4. (5) إلى هنا كلام الشيخ في الاستبصار والتهذيب. (6) الفقيه ج 4 ص
122 - 124، وصححنا عبارة الاصل طبقا للمصدر. (*)
ص 41
الربا والميتة ولحم الخنزير ونكاح الاخوات، وإظهار الاكل والشرب بالنهار في شهر
رمضان، واجتناب صعود مسجد المسلمين، واستعملوا الخروج بالليل عن ظهراني المسلمين
والدخول بالنهار للتسوق وقضاء الحوائج، فعلى من قتل واحدا منهم أربعة آلاف درهم ومر
المخالفون على ظاهر الحديث، فأخذوا به ولم يعتبروا (1) الحال، ومتى آمنهم الامام
وجعلهم في عهده وعقده وجعل لم ذمة ولم ينقضوا ما عاهدهم عليه من الشرائط التي
ذكرناها، وأقروا بالجزية فأدوها فعلى من قتل واحدا منهم خطأ دية المسلم - إلى أن
قال -: ومتى لم يكن اليهود والنصارى والمجوس على ما عوهدوا عليه من الشرائط التي
ذكرناها، فعلى من قتل واحدا منهم ثمانمأة درهم ". وهو - مع أنه مخالف لما عرفت -
تفصيل لا يستفاد من النصوص. كالتفصيل المحكي عن أبي علي، قال: " أما أهل الكتاب
الذين كانت لهم ذمة من رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يغيروا ما شرط عليهم رسول
الله صلى الله عليه وآله، فدية الرجل منهم أربعمأة دينار أو أربعة آلاف درهم، وأما
الذين ملكهم المسلمون عنوة ومنوا عليهم باستحيائهم كمجوس السواد وغيرهم من أهل
الكتاب والجبال وأرض الشام فدية الرجل منهم ثمانمأة درهم " والله العالم.
لا دية لغير أهل الذمة من الكفار
(ولا دية لغير أهل الذمة من الكفار) بلا خلاف أجده للاصل (ذوي عهد كانوا أو أهل
حرب، بلغتهم الدعوة أولم تبلغ) - هم بل في محكي الخلاف (2) " من قتل من لم تبلغه
الدعوة لم يجب عليه القود بلا خلاف وعندنا أيضا لا يجب عليه الدية " بل في الموثق
(3) " عن دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى من قتلهم شيء إن غشوا
المسلمين وأظهروا العداوة لهم والغش؟ قال: لا إلا أن يكون متعودا لقتلهم "، بل ربما
كان في بعض نصوص دية أهل الذمة إشعار باختصاص
(هامش)
(1) " ولم يغيروا الحلال " كذا في الاصل. (2) الخلاف ج 2 ص 395. (3) الوسائل الباب
- 16 - من أبواب ديات النفس الحديث الاول. (*)
ص 42
شرعية الدية بهم. وكذا لادية لمن لا يقر على ديته لارتداده وانتقاله من دين إلى آخر
وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا.
في دية العبد 
(ودية العبد قيمته) نصا (و) فتوى نعم (لو تجاوزت دية الحر ردت إليها) فان كان
مسلما ردت إلى ديته وإن كان ذميا فإلى ديته (1) والامة كالحرة في ذلك كله كما تقدم
الكلام فيه مفصلا. (وتؤخذ من مال الجاني الحر إن كانت الجناية عمدا أو شبه عمد ومن
عاقلته إن كانت خطأ) بلا خلاف معتد به بل ولا إشكال لاطلاق الادلة، بل عن المبسوط
والخلاف الاجماع عليه، خلافا للمحكي عن أبي علي فجعلها في ماله في الخطأ أيضا لانه
مال، واستحسنه في محكي المختلف، بل ربما حكي عن ظاهر الايضاح أو صريحه، ولكنه غير
محقق. (ودية أعضائه وجراحاته مقيسة على دية الحر فما فيه ديته ففي العبد قيمته
كاللسان والذكر) وما فيه نصف ديته كاليد ففي العبد نصف قيمته، (لكن لو جنى عليه جان
بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه) ولا بعضها مع العفو عن الزائد
على إشكال، وخصوصا مع تعدد الجناية كقطع اليدين، دون قطع الانف، كما تقدم الكلام في
ذلك كله وفي دليله من النص وغيره، بل (و) في أن (كل ما فيه مقدر في الحر من ديته
(2) فهو في العبد كذلك من قيمته) من غير فرق بين قطع الاعضاء وبين الشجاج. (ولو جنى
عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد)
الذي هو باق على ملكه، (وليس له دفع العبد والمطالبة بقيمته) للاصل وغيره كما ليس
للمجني عليه إيقاف الدفع
(هامش)
(1) في الاصل " إلى ديته ديته " والظاهر زيادة الثانية. (2) من دية (ن ل). (*)
ص 43
على ذلك. (وما لا تقدير فيه من الحر ففيه الارش و) حينئذ (يصير العبد أصلا للحر
فيه) كما صار أصلا له بماله مقدر. (ولو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه المولى،
ودفعه إن شاء، أو فداه بأرش الجناية،) أو بأقل الامرين، (والخيار في ذلك إليه، ولا
يتخير المجني عليه) بخلاف العمد، (وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته) أو قيمته،
(تخير مولاه في دفع الارش (1)، أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية، ويستوي
في ذلك كله القن والمدبر ذكرا كان أو انثى، وفي ام الولد تردد) على ما مضى (والاقرب
أنها كالقن وإذا دفعها المالك في جنايتها استرقها المجني عليه أو ورثته، وفي رواية
(2) " جنايتها على مولاها ") كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا بل قد تكرر جملة من ذلك
في كتاب الغصب، وفى كتاب الاستيلاد، وفى كتاب القصاص، بل وفي بحث بيع ام الولد
فلاحظ وتأمل.
(النظر الثاني)
في موجبات الضمان على نحو المباشرة 
(في موجبات الضمان) للدية (والبحث إما في المباشرة) المقتضية لذلك (أو التسبيب)
كذلك (أو تزاحم الموجبات). (اما المباشرة) (فضابطها) صدق نسبة (الا تلاف) إليه ولو
بايجاد علته (لا مع القصد إليه) وإلا لاقتضت القصاص كما عرفت الكلام فيه سابقا
وإنما هي هنا (نحو أن يرمى غرض
(هامش)
(1) في الاصل: " ارش الجناية ". (2) الوسائل الباب - 43 - من أبواب القصاص في النفس
الحديث 1. (*)
ص 44
فأصاب إنسانا أو كالضرب للتأديب فيتفق الموت منه) الذي عن المشهور نفى الخلاف عن
الضمان في ماله فيه للزوجة، لانه مشروط بإسلامه، وإن توقف فيه بعض، باعتبار كونه من
التعزير السائغ فلا يستعقب ضمانا كما تقدم في الحدود. نعم لو كان من الاب أو الجد
أو وصيهما للطفل، فظاهرهم الاتفاق على الضمان به، بل عن بعض الاجماع صريحا، كما عن
ظاهر إجارة المبسوط الاجماع أيضا على ضمان المعلم للصبيان، بل عن غير واحد التصريح
به، قيل لانه أجير والاجير يضمن بجنايته وإن لم يقصر، ولعل الا وفق بالعمومات
الضمان في الجميع، من غير فرق بين الزوجة والصبي وغيرهما مع حصول التلف بالفعل الذي
لم يقصد به القتل ولا هو مما يقتل غالبا، وكأن ذكر المصنف للمثالين لبيان عدم
اختصاص المباشرة الموجبة للدية بشبه العمد، بل هي تكون فيه وفي الخطأ المحض الذي هو
منه. (و) كيف كان ف (- تتبين هذه الجملة بمسائل).
الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه 
(الاولى:) (الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا أو عالج طفلا أو مجنونا لا
بإذن الولي أو بالغا لم يأذن) بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، بل في التنقيح " الطبيب
القاصر المعرفة ضامن لما يتلفه بعلاجه إجماعا، وكذا العارف إذا عالج صبيا أو مجنونا
أو مملوكا من غير إذن من الولي والمالك، أو عالج عاقلا حرا من غير إذن فيه " (1)
وفي مجمع البرهان " الطبيب ضامن لما يتلف بعلاجه إن قصر سواء كان حاذقا أم لا، بإذن
المريض ووليه أم لا والظاهر عدم الخلاف في ذلك وكذا يضمن لو عالج طفلا أو مجنونا مع
عدم إذن الولي، " (2) وفي الرياض " هذا الحكم
(هامش)
(1) التنقيح ص 818 من مخطوط عندنا، وفيه " من غير اذن منه ". (2) مجمع البرهان كتاب
الديات، ص 1. (*)
ص 45
مما لم أجد خلافا فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصرا في المعرفة، أو عالج من غير
إذن من يعتبر إذنه، وبنفي الخلاف هنا صرح المولى المقدس الاردبيلي، بل في التنقيح
عليه الاجماع " (1). قلت: قد سمعت ما وجدنا فيهما، وعلى كل حال فلا إشكال في شيء من
ذلك في صورة الاذن للقاصر المعلوم قصوره عند الاذن، فإنه قد يقال بسقوط الضمان فيه
بسبب الاذن، بناء على سقوطه بالاذن في الجناية أو في العلاج وإن ترتب التلف عليه،
وإن كان الاقوى الضمان في الفرض، لقاعدة الضمان على كل متلف، وخصوصا في الدماء التي
ورد فيها " أنه لا يبطل دم امرء مسلم " (2) والاذن كعدمها بعد النهي عنه شرعا كما
تقدم الكلام في نظيره سابقا، بل لو جوزنا المباشرة للحاذق بلا إذن لقاعدة الاحسان
أو أوجبناها عليه مقدمة لحفظ النفس المحترمة كما في خبر أبان بن تغلب (3) عن الصادق
عليه السلام، لا ينافي ذلك الضمان الذي هو من باب الاسباب كما في تأديب الزوجة
والصبي ونحوهما، فتأمل. (و) كيف كان ف (- لو كان الطبيب) في العلم والعمل (عارفا
وأذن له المريض في العلاج) ولم يقصر هو فيه (ف) - عالج و(آل) علاجه (إلى التلف) في
النفس أو الطرف (قيل) والقائل ابن إدريس: (لا يضمن) للاصل و (لان الضمان يسقط
بالاذن ولانه فعل سائغ شرعا) فلا يستعقب ضمانا. قال في السرائر: " من تطبب أو تبيطر
فليأخذ البرائة من ولي من يطببه أو صاحب الدابة وإلا فهو ضامن إذا هلك بفعله شيء من
ذلك. هذا إذا كان الذي يجنى عليه الطبيب غير بالغ أو مجنونا، وأما إذا كان عاقلا
مكلفا وأمر الطبيب
(هامش)
(1) رياض المسائل ج 2 ص 596. (2) الوسائل الباب - 46 - من أبواب القصاص الحديث 2
والباب - 10 - من أبواب دعوى القتل وما يثبت به، الحديث 5. (3) الكافي ج 8 ص 345.
(*)
ص 46
بفعل شيء ففعله على ما أمر به فلا يضمن الطبيب، سواء أخذ البرائة من الولي أم لم
يأخذها، والدليل على ذلك أن الاصل براءة الذمة والولي لا يكون إلا لغير المكلف،
فأما إذا جنى على شيء لم يؤمر بقطعه ولا بفعله فهو ضامن سواء أخذ البرائة من الولي
أم لم يأخذها " (1). (وقيل) والقائل الفاضل والشهيدان وغيرهم، بل والشيخان وابن
البراج وسلار وأبو الصلاح وابن زهرة والطبرسي والكيدري ونجيب الدين على ما في غاية
المراد: (يضمن لمباشرته الاتلاف) وإن لم يصرحوا أو أكثرهم بالاذن (و) كيف كان ف (-
هو أشبه) باصول المذهب وقواعده وفاقا لمن عرفت، بل قال المصنف في النكت: " الاصحاب
متفقون على أن الطبيب يضمن ما يتلفه بعلاجه " وفي الغنية الاجماع على ذلك أيضا، وهو
الحجة بعد قاعدة الضمان على المتلف، والاذن في العلاج ليس إذنا في الاتلاف، والجواز
الشرعي لا ينافي الضمان كما في الضرب للتأديب، نعم لما لم يكن ذلك عمدا له لم يقتص
منه مضافا إلى خبر السكوني (2) الذي تسمعه إن شاء الله، بل قيل: وإلى ما حكي من
تضمينه عليه السلام الختان القاطع لحشفة الغلام، بل عن ابن إدريس نفى الخلاف عن صحة
مضمونه، وإن كان فيه أنه قضية في واقعة محتملة لتفريط الختان بقطع الحشفة الذي لم
يؤمر به، وعدمه، ولكن ما ذكرناه كاف في إثبات المطلوب. وعلى كل حال (فإن قلنا لا
يضمن فلا بحث وإن قلنا) إنه (يضمن فهو يضمن في ماله) بلا خلاف أجده فيه، بل ولا
إشكال للاصل، وظاهر الخبر (3) الآتي، ولانه من شبه العمد بقصده الفعل دون القتل،
وقد عرفت أن الدية فيه على الجاني كما هو واضح.
في أن الطبيب هل يبرء بالابراء قبل العلاج 
(وهل يبرء) الطبيب (بالابراء قبل العلاج؟ قيل: نعم) يبرء، والقائل الشيخان
وأتباعهما وأبو الصلاح وابن البراج في ظاهر المهذب أو صريحه في كتاب
(هامش)
(1) السرائر كتاب الحدود باب النفوس وغيرها. (2 و3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب
موجبات الضمان الحديث 1. (*)
ص 47
الاجارة، والابي وفخر المحققين والشهيد وأبو العباس والمقداد والمقدس الاردبيلي
وفاضل الرياض على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك أنه المشهور، وفي ظاهر الغنية أو
صريحها الاجماع عليه (لرواية السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: " من تطبب أو تبيطر فليأخذ البرائة من وليه وإلا فهو
ضامن " ولان العلاج مما تمس الحاجة إليه، فلو لم يشرع الابراء تعذر العلاج). (وقيل)
ولكن لم نتحقق القائل قبل المصنف وإن حكي عن ابن إدريس: (لا يبرء لانه إسقاط الحق
قبل ثبوته) نعم يظهر من الفاضل التردد فيه كالمصنف هنا حيث اقتصر على نقل القولين،
ولعله مما عرفت، مضافا إلى احتمال الخبر المزبور البرائة بعد الجناية مجانا أو على
مال، احتمالا ظاهرا، وربما يرشد إليه لفظ " وليه " على أنه ضعيف، والحاجة بمجردها
لا تصلح دليلا لشرع الحكم المخالف للادلة، ومن هنا قال في المسالك: " وهو الوجه "
بعد أن حكى ترجيحه عن قواعد الفاضل والميل إليه عن تحريره. ولكنه كما ترى بعد
الاغضاء عما في نقله عن الفاضل ضرورة عدم منافاة الاحتمال المزبور في الخبر الظاهر
الذي هو الحجة في الاحكام الشرعية، كعدم منافاة ضعفه، بعد انجباره بما عرفت،
وتأييده بمسيس الحاجة. وذلك كله كاف للخروج به عن قاعدة عدم إسقاط الحق قبل ثبوته،
على أنه ينبغي الجزم به إذا أخذ بعنوان الشرطية في عقد إجارة الطبيب مثلا إذ هو
حينئذ يكون كاشتراط سقوط خيار الحيوان والمجلس ونحوهما مما يندرج تحت قولهم عليهم
السلام: (2) المؤمنون
(هامش)
الوسائل الباب - 24 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الاول. (2) الوسائل الباب - 4
- من أبواب المكاتبة الحديث 3 و5 و7، والباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4
والباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 9 والباب - 6 - من أبواب الخيار الحديث 1 و2،
ولفظ الرواية في غير الرابع هكذا: " المسلمون عند شروطهم " راجع رسالة " الشرط
وآثاره " للمرحوم الحاج الميرزا أبى الفضل القمى الزاهدي طبع قم. (*)
ص 48
عند شروطهم " بل ربما ظهر من الاردبيلي الاكتفاء بالشرط مطلقا، وإن كان فيه أنه إن
لم يكن في ضمن عقد وعدا أو كالوعد لا يجب الوفاء به. كل ذلك مضافا إلى إمكان القطع
به في مثل الاموال التي منها ما هو محل البيطرة ضرورة أنه إذن في الاتلاف على وجه
يجري مجرى أفعال العقلاء نحو غيره من الاتلافات. ومنه يعلم الوجه في غير المال مما
له الاذن فيه إذا كان جاريا مجرى أفعال العقلاء كما في العلاج. وليس هذا من الابراء
قبل ثبوت الحق، بل من الاذن في الشيء المقتضية (1) لعدم ثبوته، نحو الاذن في أكل
المال مثلا، والظاهر اعتبار إذن المريض في ذلك مع فرض كونه كامل العقل، ولا يكفى
إذن الولي، إذ لاولى له في هذا الحال، وإنما هو أولى بنفسه، وكون الولي هو المطالب
بعد ذلك لا يرفع سلطنته الان على نفسه، وما في الخبر المزبور (2) محمول على إرادة
الولي في ذلك الشامل للمريض ورب المال. وقول الشهيد في غاية المراد وغيره باعتبار
إذن الولي أو المريض، محمول على التفصيل الذي ذكرناه، لا أن المراد، الاكتفاء بإذن
الولي مع كمال عقل المريض. وقال المصنف في النكت في الخبر: " وإنما عدل إلى الولى
لانه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع الابراء قبل الاستقراء لمكان الضرورة
صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرء منه، ولا أستبعد الابراء من المريض
فإنه يكون فعلا مأذونا فيه والمجني عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها، فكيف بإذنه
في المباح المأذون في فعله " (3) وهو إن لم يرد ما ذكرناه فمحل للنظر
(هامش)
(1) كذا في الاصل. (2) أي خبر السكوني الذى مر آنفا. (3) نكت النهاية كتاب الديات.
(*)
ص 49
فتأمل جيدا. هذا كله إذا تولى الطبيب العلاج بنفسه، أما إذا قال: " أظن أن هذا
الدواء نافع لهذا الداء، أو لو كنت أنا لفعلت كذا " ونحو ذلك مما لم تكن فيه مباشرة
منه وإن فعل المريض العاقل المختار أو وليه ذلك اعتمادا على القول المزبور، فإن
المتجه فيه عدم الضمان للاصل وغيره، كما أن المتجه عدم شيء عليه حيث لم يعلم الحال
لاحتمال الموت بغير العلاج. ولعله على ذلك يحمل خبر أحمد بن إسحاق المروي في الكافي
(1) في باب النوادر في آخر كتاب العقيقة، " قال: كان لي ابن، وكان تصيبه الحصاة
فقيل لي: ليس له علاج إلا أن تبطه، فبططته فمات، فقالت الشيعة: شركت في دم ابنك،
قال: فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر فوقع: يا أحمد ليس عليك فيما فعلت شيء إنما
التمست الدواء وكان أجله فيما فعلت ". ومنه يستفاد جواز العلاج بظن السلامة أو
احتمالها. كخبر إسماعيل بن الحسن المتطبب المروي في روضة الكافي (2) عن الصادق عليه
السلام " إني رجل من العرب، ولي بالطب بصر، وطبي طب عربي، ولست آخذ عليه صفدا،
فقال: لا بأس، قلت: إنا نبط الجرح ونكوي بالنار، قال: لا بأس، قلت: ونسقي هذه
السموم الا سمحيقون والغاريقون، قال: لا بأس قلت: إنه ربما مات، قال: وإن مات "
الحديث. وخبر يونس بن يعقوب (3) فيها أيضا عن الصادق عليه السلام " الرجل يشرب
الدواء، ويقطع العرق، وربما انتفع به وربما قتله، قال يشرب ويقطع ". وخبر أبان بن
تغلب (4) فيها أيضا عن الصادق عليه السلام " كان المسيح عليه السلام
(هامش)
(1) الكافي ج 6 ص 53، وفيه حمدان بن اسحاق. (2) الكافي ج 8 ص 193. (3) الكافي ج 8 ص
194. (4) الكافي ج 8 ص 345. (*)
ص 50
يقول: إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة، وذلك أن الجارح أراد
فساد المجروح والتارك لاشفائه لم يشأ صلاحه، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده
اضطرارا، فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا، ولا تمنعوها أهلها فتأثموا،
وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوى إن رأى موضعا لدوائه وإلا أمسك ". ولا يخفى عليك
ما في هذه النصوص من الفوائد، منها: ما أشرنا إليه سابقا من وجوب العلاج لمن كان له
بصيرة فيه، ومنها: عدم اعتبار الاجتهاد في علم الطب، بل يكفي للمداوي المداوى
بالتجربيات العادية ونحوها مما جرت السيرة والطريقة به، وخصوصا في العجائز للاطفال
وغير ذلك. وفي التنقيح " يجوز العلاج للامراض، أما أولا فلوجوب دفع الضرر عن النفس
عقلا وشرعا، وأما ثانيا فلقوله (1): " تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء "
وقوله (2): " شفاء أمتي في ثلاث، آية من كتاب الله، ولعقة من عسل، وشرطة من حجام،
وأما ثالثا فللاجماع على ذلك " انتهى (3). وفي المرسل (4) ما حاصله: " إن موسى عليه
السلام مرض فعاده بنو اسرائيل ووصفوا له دواء فامتنع منه، فأوحى الله إليه إن الله
يأمره بذلك وإلا لم يشفه ". وقد ورد عنهم عليهم السلام في الطب نصوص كثيرة، ومنه
المعروف بطب الائمة عليهم السلام،
(هامش)
(1) المستدرك ج 3 ص 123 وراجع الوسائل الباب - 134 - من أبواب الاطعمة المباحة. (2)
لم أجده بهذا اللفظ. (3) التنقيح ص 818 من مخطوط عندنا، وفيه " شراط حجام " مكان "
شرطة من حجام ". (4) روى قريبا منها في الوسائل الباب - 4 - من أبواب الاحتضار
الحديث 7. (*)