النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 68

والسيد والمنعم تابع ومتفرع على طاعة الله (1). وقوله على ما فيه مشقة، احتراز عما لا مشقة فيه، كالبعث على النكاح المستلذ وأكل المستلذات من الأطعمة والأشربة. وقوله بشرط الإعلام أي بشرط إعلام المكلف. بما كلف به وهو من شرائط حسن التكليف وشرائط حسنه ثلاثة: (الأول): عائد إلى التكليف نفسه وهو أربعة: الأول: انتفاء المفسدة فيه لأنه قبيح. الثاني: تقدمه على وقت الفعل. الثالث: إمكان وقوعه لأنه يقبح التكليف بالمستحيل. الرابع: ثبوت صفة زائدة على حسنه إذ لا تكليف بالمباح. (الثاني): عائد إلى المكلف وهو فاعل التكليف وهو أربعة: الأول: علمه بصفات الفعل من كونه حسنا أو قبيحا. الثاني: علمه بقدر ما يستحقه كل واحد من المكلفين من ثواب وعقاب. الثالث: قدرته على إيصال المستحق حقه. الرابع: كونه غير فاعل للقبيح. (الثالث): عائد إلى المكلف وهو محل التكليف وهو ثلاثة:

(هامش)

(1) كبعث الوالد ولده على الصلاة وغره فإنه يقال أمره بها ولا يقال كلفه بها وكذلك النبي والإمام والسيد فإن طاعتهم متفرعة على طاعة الله وحملهم عليها لا يسمى تكليفا حقيقة. (*)

ص 69

الأول: قدرته على الفعل لاستحالة تكليف ما لا يطاق كتكليف الأعمى بنقط المصحف والزمن (1) بالطيران. الثاني: علمه بما كلف به أو إمكان علمه به، فالجاهل المتمكن من العلم غير معذور. الثالث: إمكان آلة الفعل ثم متعلق التكليف إما علم، أو ظن، أو عمل، أما العلم فإما عقلي، كالعلم بالله وصفاته وعدله والنبوة والإمامة، أو سمعي كالشرعيات، وأما الظن فكما في جهة القبلة، وأما العمل فكالعبادات. قال: (وإلا لكان مغريا بالقبيح حيث خلق الشهوات والميل إلى القبيح والنفور عن الحسن فلا بد من زاجر وهو التكليف). أقول: هذا إشارة إلى وجوب التكليف في الحكمة (1) وهو مذهب المعتزلة وهو الحق خلافا للأشعرية فإنهم لم يوجبوا على الله تعالى شيئا لا تكليفا ولا غيره. والدليل على ما قلناه أنه لولا ذلك لكان الله فاعلا للقبيح. وبيان ذلك: أنه خلق في العبد الشهوة والميل إلى القبائح والنفرة والتأبي عن الحسن فلو لم يقرر (2) عبده عقله ولم يكلفه بوجوب الواجب وقبح القبيح ويعده ويتوعده لكان الله تعالى مغريا له بالقبيح، والإغراء بالقبيح قبيح (هامش)

(1) الزمانة العاهة ورجل زمن أي مبتلى، زمن الشخص فهو زمن مرض يدوم زمانا طويلا (م. ع).

(2) ووجوب التكليف عقلا عندنا معشر الإمامية وكذلك عند المعتزلة أما الأشاعرة فقد نفوا ذلك وزعموا أنه يجوز [الخلق] منه فرد عليهم المصنف بقوله (وإلا الخ...).

(3) من التمكن والإقرار والاستقرار يقال قر واستقر. (*)

ص 70

قبيح. قال: (والعلم غير كاف لاستسهال الذم في قضاء الوطر). أقول: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقدير السؤال أنه لم لا يكون العلم باستحقاق الذم على القبيح زاجرا عنه، والعلم باستحقاق المدح على الحسن داعيا إليه وحينئذ لا حاجة إلى التكليف لحصول الغرض بدونه. أجاب المصنف بأن العلم غير كاف لأنه كثيرا ما يستسهل الذم على القبيح مع قضاء الوطر منه، خاصة مع حصول الدواعي الحسية التي هي في الأكثر تكون قاهرة للدواعي العقلية (1). قال: (وجهة حسنه التعريض للثواب أعني النفع المستحق المقارن للتعظيم والاجلال الذي يستحيل الابتداء به). أقول: هذا أيضا جواب عن سؤال مقدر، تقدير السؤال أن جهة حسن التكليف، إما حصول العقاب وهو باطل قطعا، أو حصول الثواب، وهو أيضا باطل لوجهين: الأول: أن الكافر الذي يموت على كفره مكلف مع عدم حصول الثواب له. الثاني: أن الثواب مقدور لله تعالى ابتدأ فلا فائدة في توسط التكليف.

(هامش)

فإن كثيرا من الخلق لا يعبأ بالمدح والذم، ويترجح شهوته وميله الطبيعي على احتفال العقلاء بمدحه وذمه، وعلى أن المدح والذم لا يكونان من العقلاء إلا فيما تستقل عقولهم بحسنة أو قبحه، أما ما لا يستقل كما هو أكثر التكاليف فلا يتحقق الاغراء و [هو رد] أن جهة حسن التكليف إن كانت حصول العقاب فذلك إضرار وهو قبيح، وإن كانت حصول الثواب فهو باطل لما ترى من أن الكافر يموت على الكفر فلا يحصل له ثواب مع أنه مكلف، وأيضا يمكن إيصال الثواب بلا توسط التكليف [فكان] لا لفرض (س ط). (*)

ص 71

أجاب عنه، بأن جهة حسنه هو التعريض للثواب لا حصول الثواب، والتعريض عام بالنسبة إلى المؤمن والكافر، وكون الثواب مقدورا لله ابتداء مسلم، لكن يستحيل الابتداء به من غير توسط التكليف، لأنه مشتمل على التعظيم، وتعظيم من لا يستحق التعظيم قبيح عقلا. وقول المصنف في تعريف الثواب، أنه النفع المستحق المقارن للتعظيم، فالنفع يشتمل الثواب والتفضل والعوض، فبقيد المستحق خرج التفضل، وبقيد المقارن للتعظيم خرج العوض (1). قال: (الخامس: في أنه تعالى يجب عليه اللطف وهو ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية، ولا حظ له في التمكين ولا يبلغ الالجاء، لتوقف غرض المكلف عليه فإن المريد لفعل من غير إذا علم أنه لا يفعله إلا بفعل يفعله المريد من غير مشقة، لو لم يفعله لكان ناقضا لغرضه وهو قبيح عقلا) (2). أقول: ما يتوقف عليه إبقاء الطاعة وارتفاع المعصية تارة يكون التوقف عليه لازما وبدونه لا يقع الفعل، وذلك القدرة والآلة، وتارة لا يكون كذلك بل يكون المكلف باعتبار الطاعة المتوقف عليه أدنى وأقرب إلى فعل الطاعة وارتفاع المعصية وذلك هو اللطف.

(هامش)

(1) الثواب والجزاء ويكون في الخير والشر والأول أكثر وفي اصطلاح أهل الكلام هو النفع المستحق المقارن للتعظيم والاجلال (س ط).

(2) ألا ترى إلى من أراد من غيره حضور طعام ثم [هيأ له] علم لا يحضر إلا مع نوع من اللطف كإرسال رسول مثلا فمتى لم يفعل عده العقلاء مناقضا لغرضه مخالفا لمقتضى الحكمة (س ح ط). (*)

ص 72

فقوله: ولاحظ له في التمكين (1) إشارة إلى القسم الأول كالقدرة فإنها ليست لطفا في الفعل بل شرطا في إمكانه. وقوله: ولا يبلغ الالجاء، لأنه لو بلغ الالجاء لكان منافيا للتكليف، إذا تقرر هذا فاعلم أن اللطف تارة يكون من فعل الله، فيجب عليه، وتارة يكون من فعل المكلف فيجب عليه تعالى إشعاره به، وإيجابه عليه، وتارة يكون من فعل غيرهما فيشترط في التكليف العلم به، وإيجاب الله ذلك الفعل على ذلك الغير وإثباته عليه. وإنما قلنا بوجوب ذلك كله على الله، لأنه لولا ذلك لكان ناقضا لغرضه ونقض الغرض قبيح عقلا. وبيان ذلك: أن المريد من غيره فعلا من الأفعال، ويعلم المريد أن المراد منه لا يفعل المطلوب إلا مع فعل يفعله المريد مع المراد منه، من نوع ملاطفة أو مكاتبة، أو إرسال إليه، أو السعي إليه، وأمثال ذلك من غير مشقة عليه في ذلك، لو لم يفعل ذلك مع تصميم إرادته لعده العقلاء ناقضا لغرضه، وذموه على ذلك. وكذا القول في حق الباري تعالى مع إرادة إيقاع الطاعة، وارتفاع المعصية، لو لم يفعل ما يتوقفان عليه لكان ناقضا لغرضه، ونقض الغرض قبيح تعالى الله عن ذلك. قال: (السادس: في أنه تعالى يجب عليه فعل عوض الآلام الصادرة

(هامش)

(1) قوله ولاحظ له في التمكين لتخرج القدرة فإنها ليست لطفا في العقل وإن كانت تقرب إلى الطاعة تبعد عن المعصية، بل أي شرط في إيجاده وإن قيده بكونه حدا لا يبلغ حد [الالجاء] فإنه لو كان كذلك كجذب العبد قهرا من الزنى إلى مجلس العلم لكان منافيا للتكليف مع ثبوته. (*)

ص 73

عنه ومعنى العوض هو النفع (1) المستحق الخالي من التعظيم والاجلال، وإلا لكان ظالما تعالى الله عن ذلك ويجب زيادته على الألم وإلا لكان عبثا). أقول: الألم الحاصل للحيوان إما أن يعلم فيه وجه من وجوه القبح، فذلك يصدر عنا خاصة، أو لا يعلم فيه ذلك فيكون حسنا، وقد ذكر لحسن الألم وجوه. الأول: كونه مستحقا. الثاني: كونه مشتملا على النفع الزائد العائد إلى المتألم. الثالث: كونه مشتملا على دفع الضرر الزائد عنه. الرابع: كونه بما جرت به العادة. الخامس: كونه مشتملا على وجه الدفع وذلك الحسن. قد يكون صادرا عنه تعالى، وقد يكون صادرا عنا، فأما ما كان صادرا عنه تعالى على وجه النفع فيجب فيه أمران: أحدهما: العوض عنه، وإلا لكان ظالما تعالى الله عنه، ويجب أن يكون زائدا على الألم إلى حد الرضا عند كل عاقل، لأنه يقبح في الشاهد إيلام شخص لتعويضه عوض ألمه من غير زيادة لاشتماله على العبثية. وثانيهما: اشتماله على اللطف، إما للمتألم أو لغيره ليخرج من

(هامش)

(1) فالنفع جنس يندرج تحته [المقصود] وغيره وقيد المستحق بفتح الحاء فخرج للتفضل لأنه ليس بالاستحقاق، وقيد الخالي عن التعظيم والاجلال فخرج للثواب لأنه مقارن بهما ومنع صدور الآلام منه تعالى إنزالها بالخلق كالأمراض وغيرها أو إباحتها للمكلف كذبح الأنعام و ندبه إليها كما في الأضاحي أو إيجابها كما في الكفارات والنذر أو بتمكينه [إيانا] غير العاقل من الحيوان كالسباع من الوحوش والطيور والهوام (س ط). (*)

ص 74

العبث، وأما ما كان صادرا عنا مما فيه وجه من وجوه القبح، فيجب على الله الانتصاف للمتألم من المؤلم لعدله، ولدلالة السمع عليه، ويكون العوض هنا مساويا للألم وإلا لكان ظالما. وهنا فوائد: الأولى: العوض هو النفع المستحق الخالي من تعظيم وإجلال فبقيد المستحق خرج التفضل، وبقيد الخلو عن التعظيم خرج الثواب. الثانية: لا يجب دوام العوض لأنه لا يحسن في الشاهد ركوب الأهوال الخطيرة ومكابدة المشاق العظيمة لنفع منقطع قليل. الثالثة: العوض لا يجب حصوله في الدنيا، لجواز أن يعلم الله المصلحة في تأخيره بل قد يكون حاصلا في الدنيا وقد لا يكون. الرابعة: الذي يصل إليه عوض ألمه في الآخرة، إما أن يكون من أهل الثواب، أو من أهل العقاب، فإن كان من أهل الثواب فيكفيه إيصاله أعواضه إليه بأن يفرقها الله تعالى على الأوقات، أو يتفضل عليه بمثلها، وإن كان من أهل العقاب أسقط لها جز من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرق القدر على الأوقات. الخامسة: الألم الصادر عنا، إما بأمره تعالى أو إباحته، والصادر عن غير العاقل كالعجماوات وكذا ما يصدر عنه من تفويت المنفعة لمصلحة الغير

(هامش)

(1) ذهب بعض العدلية إلى أن العوض في هذا الأخير ليس على الله بل على الحيوان المؤذي، وقال بعضهم لا عوض في جنابتها أصلا، والأول أقرب إلى الصواب لأنه تعالى هو الذي مكنه وجعل فيه الشهوة للإيلام ولم يجعل له عقلا زاجرا عنه مع أنه كان يمكن أن لا يخلقه أو لا يخلق فيه تلك الشهوة أو يخلق معها العقل الزاجل حتى لا يفعل، فلما لم يكن شئ من ذلك كان بمنزلة الاغراء فيجب فيه العوض عليه تعالى. (*)

ص 75

وإنزال العموم الحاصلة من غير فعل العبد يجب عوض كله على الله تعالى لعدله وكرمه (1). قال:

(هامش)

(1) احتج من أوجب العوض على الحيوان نفسه بقوله يوم نقيض للجماء من القرناء والقصاص يومئذ ليس إلا بأخذ العوض فيكون العوض عن الحيوان ثابتا واحتج من أسقط العوض بالكلية بقوله (جرح العجماء جبار) أي [] والجواب عن الحجتين إجمالا وتفصيلا: أما الأول فلأنهما خبرا آحاد فلا ينهضان حجة فيما طريقه العلم، وأما الثاني [نعني] الأول باحتمال أن يراد من الجماء المظلوم ومن القرناء الظالم على طريق الاستعارة، ووجه المشابهة مشاركة المظلوم للجماء في عدم القوة على دفع العدو به، ومشاركة الظالم للقرناء في القوة على ذلك، وعن الثانية بأن المراد انتفاء القصاص وهو لا يوجب إسقاط العوض فإن العوض غير القصاص (س ط). (*)

ص 76

الفصل الخامس في النبوة النبي  

هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر). أقول: لما فرغ من مباحث العدل أردف ذلك مباحث النبوة، لتفرعها عليه. وعرف النبي (1): بأنه الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر، فبقيد الإنسان (2) يخرج الملك، وبقيد المخبر عن الله يخرج

(هامش)

(1) النبي في اللغة مأخوذ من [النبوة والنباوة] وهي الارتفاع سمي به لارتفاع شأنه وسطوع أمره، أو من [النبي] وهو الطريق سمي به لكونه طريقا موصلا إلى الحق ووسيلة وداعية إليه، أو من الأنبياء وهي الأخبار سمي به لإخباره عن الله تعالى فعلى الأولين النبوة كالأبوة... (مجمع البحرين ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس) قال النبي الطريق وبنو أصل صحيح يدل على ارتفاع.... (والشرط العقلاء أن يكون بني كل نوع منه).
(2) قال قلت كيف صح الاحتراز بالانسان مع أنه جنس، والجنس ما به الاشتراك، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز. قلت للجنس جهتان، جهة عموم وبها يقع الاشتراك، وجهة خصوص وبها يقع الامتياز، والرسول بمعنى النبي وقد يخص بمن له كتاب أو شريعة، وبعثة الأنبياء مع حسنها خلافا للبراهمة واجبة خلافا للأشاعرة. (*)

ص 77

المخبر عن غيره، وبقيد عدم واسطة بشر يخرج الإمام والعالم، فإنهما مخبران عن الله تعالى بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله). إذا تقرر هذا، فاعلم أن النبوة مع حسنها (1) خلافا للبراهمة (2) واجبة في الحكمة خلافا للأشاعرة (3). والدليل على ذلك، هو أنه لما كان المقصود من إيجاد الخلق هو المصلحة العائدة إليهم، كان إسعافهم بما فيه مصالحهم وردعهم عما فيه مفاسدهم واجبا في الحكمة، وذلك إما في أحوال معاشهم أو أحوال معادهم. أما في أحوال معاشهم: فهو أنه لما كانت الضرورة داعية في حفظ النوع الانساني إلى الاجتماع الذي يحصل معه مقاومة كل واحد لصاحبه فيما يحتاج إليه، استلزم ذلك الاجتماع تجاذبا وتنازعا يحصلان من محبة كل واحد لنفسه وإرادة المنفعة لها دون غيرها، بحيث يفضي ذلك إلى فساد النوع واضمحلاله. فاقتضت الحكمة وجود عدل يفرض شرعا يجري بين النوع، بحيث

(هامش)

(1) أما حسنها فلاشتمالها على الفوائد الجليلة والمنافع الجزيلة كمعاضدة العقول فيما دلت عليه تأكيد الحجة للإفادة ما لم تدل عليه كما هو أكثر التكاليف وحفظ نوع الإنسان من التلف لأن الإنسان مدني بالطبع لا يمكنه التعيش الذي به البقاء بدون اجتماعه مع نبي نوعه ومشاركته معهم فيما لا يتم النظام إلا به كأن يحطب [أحدهم وأخر يصنع] آلة يقطع بها الحطب، [ولما يتحصل] حينئذ من النفوس المختلفة الأمارة بالسوء التجاوب والتنازع والتغالب المفضي إلى الفساد والمفضي إلى الاضمحلال (س. ط).

(2) النافين لحسنها رأسا فضلا عن وجوبها، ومهما يكن فحسنها ثابت لأنه لا يستهدف منها إلا هداية البشر إلى مصالحهم وتجنيبهم المفاسد وإغناء علومهم وتعديل نظام نشأتهم وتكثير خيراتهم الخ...

(3) النافين لوجوبها على الله وإن أثبتوا حسنها وهم أخطأوا لأن إثبات الحسن في العقل هو إثبات لوجوب إجرائه. (*)

ص 78

ينقاد كل واحد إلى أمره وينتهي عند زجره. ثم لو فرض ذلك الشرع إليهم لحصل ما كان أولا، إذ لكل واحد رأي يقتضيه عقله، وميل يوجبه طبعه، فلا بد حينئذ من شارع متميز بآيات ودلالات تدل على صدقه كي يشرع ذلك الشرع مبلغا له عن ربه، يعد فيه المطيع ويتوعد العاصي ليكون ذلك أدعى إلى انقيادهم لأمره ونهيه. وأما في معادهم: فهو أنه لما كانت السعادة الأخروية لا تحصل إلا بكمال النفس بالمعارف الحقة والأعمال الصالحة، وكان التعلق بالأمور الدنيوية وانغمار العقل في الملابس البدنية مانعا من إدراك ذلك على الوجه الأتم والنهج الأصوب، أو يحصل إدراكه لكن مع مخالجة الشك ومعارضة الوهم. فلا بد حينئذ من وجود شخص لم يحصل له ذلك التعلق المانع، بحيث يقرر لهم الدلائل ويوضحها لهم ويزيل الشبهات ويدفعها، ويعضد ما اهتدت إليه عقولهم ويبين لهم ما لم يهتدوا إليه، ويذكرهم خالقهم ومعبودهم، ويقرر لهم العبادات والأعمال الصالحة ما هي وكيف هي، على وجه يوجب لهم الزلفى عند ربهم ويكررها عليهم ليستحفظوا التذكير بالتكرير، كي لا يستولي عليهم السهو والنسيان اللذان هما كالطبيعة الثانية للانسان. وذلك الشخص المفتقر إليه في أحوال المعاش والمعاد وهو النبي (صلى الله عليه وآله) والنبي واجب في الحكمة وهو المطلوب. قال: (وفيه مباحث: الأول: في نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله (بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه أظهر المعجزة على يده

ص 79

إذا تقرر هذا فاعلم: أن الناس اختلفوا في عصمة الأنبياء (عليهم السلام) فجوزت الخوارج عليهم الذنوب، وعندهم كل ذنب كفر، والحشوية جوزوا الإقدام على الكبائر ومنهم من منعها عمدا لا سهوا وجوزوا تعمد الصغائر والأشاعرة منعوا الكبائر مطلقا وجوزوا الصغائر سهوا، والإمامية أوجبوا العصمة مطلقا عن كل معصية عمدا وسهوا (1) وهو الحق لوجهين: الأول: ما أشار إليه المصنف وتقريره أنه لو لم يكن الأنبياء معصومين لانتفت فائدة البعثة واللازم باطل فالملزوم مثله (2) بيان الملازمة أنه إذا جازت المعصية عليهم لم يحصل الوثوق بصحة قولهم لجواز الكذب حينئذ عليهم وإذا لم يحصل الوثوق لم يحصل الانقياد لأمرهم ونهيهم فتنتفي فائدة بعثهم وهو محال. الثاني: لو صدر عنهم الذنب لوجب اتباعهم لدلالة النقل على وجوب اتباعهم لكن الأمر حينئذ باتباعهم محال، لأنه قبيح، فيكون صدور الذنب عنهم محالا وهو المطلوب. قال: (الثالث: في أنه معصوم من أول عمره إلى آخره، لعدم انقياد القلوب إلى طاعة من عهد منه في سالف عمره أنواع المعاصي الكبائر والصغائر وما تنفر النفس منه).

(هامش)

(1) واعلم أن ما يتعلق به إما اعتقاد ديني ذهني أو فعلي والأول لا يقع فيه الخطأ باتفاق الناس، إلا ما نقل عن [الفصيلية] قبحهم الله من تجويز الكفر على الأنبياء لأن المعصية عندهم كفر وقد جوزوها عليهم، والثاني إما أن يتعلق بتبليغ الشوائع ونقل أحكامها وهو لا يقع فيه الخطأ ما يتعلق إلا بالاتفاق أو يتعلق بفعلها فكذلك غير أن الشيخ أبا جعفر بن الوليد [...] وسهو النبي (صلى الله عليه آله) [من الله] ليس كسهو غيره من الشيطان وأقبح بوقوعه منه بحديث ذي الشمالين ورده المصنف بالضعف وبمخالفة الاجماع ودلائل العقل ولعله أليق بمنصب النبوة والله أعلم.

(2) من أصحاب الحديث والمثوبة وأمثالهم من الشذاذ. (*)

ص 80

أقول: ذهب القائلون بعصمتهم فيما نقلناه عنهم إلى اختصاص ذلك بما يعد الوحي، وأما قبله فمنعوا عنهم الكفر والاصرار على الذنب وقال أصحابنا بوجوب العصمة مطلقا قبل الوحي وبعده إلى آخر العمر والدليل عليه ما ذكره المصنف وهو ظاهر. وأما ما ورد في الكتاب العزيز والأخبار مما يوهم صدور الذنب عنهم فمحمول على ترك الأولى، جمعا بين ما دل العقل عليه وبين صحة النقل مع أن جميع ذلك قد ذكر له وجوه ومحامل في مواضعه. وعليك في ذلك بمطالعة كتاب تنزيه الأنبياء الذي رتبه السيد المرتضى (ره) (1) علم الهدى الموسوي وغيره من الكتب ولولا خوف الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك. قال: (الرابع: يجب أن يكون أفضل أهل زمانه لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا وسمعا قال الله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (1)). أقول: يجب اتصاف النبي (صلى الله عليه وآله) بجميع الكمالات والفضائل ويجب أن يكون في ذلك أفضل وأكمل من كل واحد من أهل زمانه لأنه يقبح من الحكيم الخبير أن يقدم المفضول المحتاج إلى التكميل على الفاضل المكمل عقلا وسمعا. أما عقلا: فظاهر إذ يقبح في الشاهد أن يجعل مبتدئا في الفقه مقدما على ابن عباس وغيره من الفقهاء، ويجعل مبتدئا في المنطق مقدما على أرسطو أو مبتدئا في النحو مقدما على سيبويه والخليل، وكذا في كل فن من الفنون.

(هامش)

(1) يونس 35. (*)

ص 81

كالقرآن (1) وانشقاق القمر (2)، ونبوع الماء (3) من بين أصابعه وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وتسبيح الحصى في كفه وهي أكثر من أن تحصى، وادعى النبوة، فيكون صادقا، وإلا لزم إغراء المكلفين بالقبيح، فيكون محالا. أقول: لما كانت المصالح تختلف بحسب اختلاف الأزمان والأشخاص، كالمريض الذي تختلف أحواله في كيفية المعالجة واستعمال الأدوية بحسب اختلاف مزاجه في تنزلاته في المرض، بحيث يعالج في وقت بما يستحيل معالجته به في وقت آخر، كانت النبوة والشريعة مختلفتين

(هامش)

(1) إعلم أنه لا نزاع في كونه كتابا مفصلا مشتملا على العلوم الكثيرة من المباحث الإلهية وعلوم الاختلاق وعلم السلوك إلى الله وعلم أحوال القرون الماضية والأمم الخالية وغير ذلك من الأمثال العجيبة والقصص الغريبة، ومن المعلوم من حال نبينا (صلى الله عليه وآله) أنه نشأ في مكة يتيما وهي يومئذ خالية من العلماء والكتب والمباحث الحقيقية ولم يسافر عنها إلا مرتين إلى الشام بطلب التجارة في مدة يسيرة وقد علم من سفره أنه لم يواظب على القراءة والاستفادة من أحد وانقضى على هذه الصفة من عمره أربعون سنة ثم بعدها ظهر منه مثل هذا الكتاب الشريف على لسانه فإن هذا معجز ظاهر، فإن ظهور مثله على مثل هذا الإنسان الخالي عن البحث والطلب والمطالعة والتعلم لا يمكن إلا بالوحي من عند الله والعلم به ضروري (س ط).

(2) قوله وانشقاق القمر وذلك ليلة أربع عشر من ذي الحجة، اجتمع الناس عنده وقالوا ما من نبي إلا وله آية فما آيتك في هذه الليلة ؟ فقال الذي تريدون، فقالوا أن يكون لك عند ربك قدر فمر القمر أن ينقطع قطعتين فهبط الأمين جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله) أن الله يقرئك السلام ويقول لك إني أمرت كل شئ بطاعتك فرفع رأسه وأمر القمر أن ينقطع قطعتين فصار قطعتين فسجد النبي شكرا لله تعالى، وقال عد كما كنت فعاد والناس ينظرون إلى ذلك ثم أعرض أكثرهم وقالوا سحر القمر سحر القمر مع أن الاتفاق حتى من السحرة على أن السحر لا يؤثر شيئا ولا يخيل في السماويات فأنزل الله عز وجل (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) (س ط). (3) قوله ونبوع الماء الغزير من بين أصابعه الشريفة حتى اكتفى منه ألف وخمسمئة رجلا قال جابر ولو كنا مائة ألف لكفانا وهذا أعظم من معجزة موسى بن عمران من انفجار الحجر له بضربه بالعصا لأن الحجر معدن له في الجملة بخلاف الأصابع (س ط). (*)

ص 82

بحسب اختلاف مصالح الخلق في أزمانهم وأشخاصهم، وذلك هو السر في نسخ الشرائع بعضها لبعض إلى أن انتهت النبوة والشريعة إلى نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) الذي اقتضت الحكمة كون نبوته وشريعته ناسختين لما تقدمهما باقيتين ببقاء التكليف، والدليل على صحة نبوته هو أنه ادعى النبوة وأظهر المعجزة على يده، وكل من كان كذلك كان نبيا حقا، فيحتاج إلى بيان أمور ثلاثة: الأول: أنه ادعى النبوة. الثاني: أنه ظهر المعجزة على يده. الثالث: أنه كل من كان كذلك فهو نبي حق. أما الأول: فهو ثابت إجماعا من الناس بحيث لم ينكره أحد. وأما الثاني: فلأن المعجز هو الأمر الخارق للعادة المطابق للدعوى المقرون بالتحدي المتعذر على الخلق الاتيان بمثله، أما اعتبار خرق العادة إذ لولاه لما كان معجزا كطلوع الشمس من مشرقها، وأما مطابقة الدعوى فلدلالته على صدق ما ادعاه، إذ لو خالف ذلك كما في قضية مسيلمة الكذاب لما دل على الصدق، وأما التعذر على الخلق فلأنه لو كان كثير الوقوع لما دل أيضا على النبوة. ولا شك أيضا في ظهور المعجزات على يد نبينا وذلك معلوم بالتواتر الذي يفيد العلم ضرورة، فمن ذلك القرآن الكريم الذي تحدى به الخلق وطلب منهم الاتيان بمثله فلم يقدروا على ذلك، وعجزت عنه مصاقع الخطباء من العرب العرباء حتى دعاهم إلى محاربته ومسايفته الذي حصل به ذهاب نفوسهم وأموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم، مع أنهم كانوا أقدر على دفع ذلك لتمكنهم من مفردات الألفاظ وتركيبها، مع أنهم كانوا من أهل الفصاحة والبلاغة والكلام والخطب والمحاورات والأجوبة فعدولهم عن

ص 83

ذلك إلى المحاربة دليل على عجزهم إذ العاقل لا يختار الأصعب مع إنجاع الأسهل إلا لعجزه عنه. ومن ذلك انشقاق القمر ونبوع الماء من بين أصابعه وإشباع الخلق الكثير (1) من الطعام القليل، وتسبيح الحصى في كفه، وكلام الذراع المسموم، وحنين الجذع، وكلام الحيوانات الصامتة، والإخبار بالغائبات، واستجابة دعائه وغير ذلك مما لا يحصى كثرة (2).

(هامش)

(1) قوله وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل وذلك كرات منها لما نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين أمر عليا (عليه السلام) أن أئتني بفخذ شاة وعسى من لبن واجمع لي بنو هاشم ففعل ودعاهم وكانوا أربعين رجلا فأكلوا حتى شبعوا ولم يبن النقص في الطعام إلا أثر أصابعهم ولما دعاهم إلى الإسلام قام أبو لهب لعنه الله وهو يقول كاد أن يسحركم محمد (صلى الله عليه وآله) فقاموا بأثره فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا علي افعل [...] مثل ما فعلت ففعل وكان الأمر كذلك، ثم أمره الفعل ثالثا في اليوم الآخر ففعل علي (عليه السلام) [فدعاهم] النبي (صلى الله عليه آله) إلى الإسلام وقال كل من آمن بي فالخلافة له من بعدي فما أجابه إلا علي (عليه السلام) فبايعه على الخلافة. - ومنها يوم ذبح له جابر بن عبد الله الأنصاري عناقا يوم الخندق وخبز له صاعا ثم دعاه فقال (صلى الله عليه وآله) أنا وأصحابي فقال نعم، ثم جاء إلى امرأته وأخبرها بذلك فقالت وأنت قلت له امض وأصحابك قال لا بل هو قال أنا وأصحابي قلت نعم فقالت هو أعرف بما قال، فلما جاء قال ما عندكم قال جابر ما عندنا إلا عناق في التنور وصاع من شعر، فقال أقصد أصحابي عشرة عشرة ففعل فأكلوا حتى شبعوا. - ومنها يوم دعته أم سليم فصنعت له مدين من شعير طبخته وعصرت عليه من عكة كان فيها سمن، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) ومن معه وهم أربعون رجلا فدخل عليه النبي (صلى الله عليه وآله) وقال أدخلوا علي عشرة عشرة وفعلوا كذلك فأكل الجميع حتى شبعوا (ش ط).

(2) وكتسبيح الحصى في كفه وحنين الجذع وإقبال الشجرة إليه وتكليمه الذئب والثعبان والجان والضب والظبية والطير والناقة والحمار وإدرار شاة أم معبد حين مسحها بيده ولم تكن قبله بسنة درت، وتعليم غنم قوم من عبد القيس بإصبعه لما سألوه ذلك فابيض ذلك الموضع وبقي إلى اليوم معروفا في نسلها، والصاق يد معاد بن [غفرة] [.... أبو جهل] وعبوره مع جيشه على الماء، وغوص قوائم ابن مالك في [الصحراء] حين تبعه قاصدا به السؤ والتصاق الصخرة بيد أبي جهل حين هم أن يرميه بها وشهادة الحجر والمدر برسالته [في حكاية = (*)

ص 84

وذلك معلوم في كتب المعجزات والتواريخ، حتى حفظ عنه ما ينيف على الألف أعظمها وأشرفها الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا تمله الطباع ولا تمجه الأسماع، ولا يخلق بكثرة رد إليه ولا تنجلي الظلمات إلا به. وأما الثالث: فلأنه لو لم يكن صادقا في دعوى النبوة لكان كاذبا وهو باطل، إذ يلزم منه إغراء المكلفين باتباع الكاذب وذلك قبيح لا يفعله الحكيم. قال: (الثاني: في وجوب عصمته. العصمة (1) لطف خفي يفعل الله تعالى بالمكلف، بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك، لأنه لولا ذلك لم يحصل الوثوق بقوله: فانتفت فائدة البعثة، وهو محال). أقول: إعلم أن المعصوم (عليه السلام) يشارك غيره في الألطاف المقربة ويحصل له زائدا على ذلك لأجل ملكة نفسانية لطيفة بفعله الله بحيث لا يختار معه ترك طاعة ولا فعل معصية مع قدرته على ذلك، وذهب بعضهم إلى أن المعصوم لا يمكنه الاتيان بالمعاصي وهو باطل وإلا لما استحق مدحا.

(هامش)

= سبحت] وتسليم الركن المغربي عليه (صلى الله عليه وآله) إلى غير ذلك.

(1) العصمة بالكسر لغة اسم من عصمه الله من المكروه ويعصمه من باب [ضرب] أي حفظه ووقاه ومنعه عنه (مجمع البحرين بتصرف). وفي الاصطلاح هي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، وقيل هي ملكة تمنع الفجور ويحصل بها العلم بمصايب المعاصي ومناقب الطاعات. وقال الراغب هي فيض إلهي يقوي به الإنسان على تحري الخير وتجنب الشر حتى تصير كمانع له وإن لم يكن منعا محسوسا (نقل من شرح دعاء عرفة في قوله وهب لي عصمة تدنيني من خشيتك وهو للسيد علي خان بن الميرزا...). (*)

ص 85

وأما سمعا: فما أشار إليه في الآية المذكورة وغيرها. قال: (الخامس: يجب أن يكون منزها عن دناءة الآباء وعهر الأمهات (1) وعن الرذائل الخلقية، والعيوب الخلقية، لما في ذلك من النقص فيسقط محله من القلوب والمطلوب خلافه). أقول: لما كان المطلوب من الخلق هو الانقياد التام للنبي (صلى الله عليه وآله) وإقبال القلوب عليه، وجب أن يكون متصفا بأوصاف المحامد من كمال العقل والذكاء والفطنة، وعدم السهو، وقوة الرأي، والشهامة والنجدة والعفو والشجاعة، والكرم والسخاوة والجود والإيثار، والغيرة والرأفة والرحمة والتواضع واللين وغير ذلك، وأن يكون منزها عن كل ما يوجب التنفير عنه وذلك: أما بالنسبة إلى الخارج عنه فكما في دناءة الآباء وعهر الأمهات. وإما بالنسبة إليه، فإما في أحواله فكما في الأكل على الطريق ومجالسة الأراذل وأن يكون حائكا أو حجاما أو زبالا أو غير ذلك من الصنائع. وأما في أخلاقه فكالحقد والجهل والحسد والفضاضة والغلظة والبخل

(هامش)

(1) فائدة: قيل [إن] آباء النبي (صلى الله عليه وآله) من آدم إلى عبد الله (صلى الله عليه وآله) كانوا واحدا وخمسين رجلا على عدد ركعات الصلاة اليومية، سبعة عشر كانوا أنبياء وسبعة عشر كانوا أوصياء وسبعة عشر كانوا ملوكا والظاهر أن هؤلاء لم يكونوا أهل الفترة كما ذكره البعض بل كانوا على المذهب الحق عالمين بشريعة الموحدين ويؤيد هذا ما رواه أبو جعفر محمد بن بابويه عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حق عبد المطلب (عليه السلام) (س ط). قال أبو جعفر: في آباء النبي (صلى الله عليه وآله) اعتقادنا فيهم أنهم مسلمون قال الله تعالى (الذين يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين يريد به تنقله) وقال نبيه (صلى الله عليه وآله) ما زلت أتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني الله تعالى إلى عالمكم هذا، فدل على أن آباءه كلهم كانوا مؤمنين إذ لو كان فيهم كافر لما استحق الوصف بالطهارة لقول الله تعالى إنما المشركون نجس فحكم على الكفار بالنجاسة (تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد) (المفيد). (*)

ص 86

والجبن والمجون، والحرض على الدنيا والاقبال عليها، ومراعاة أهلها ومعاضاتهم (1) في أوامر الله، وغير ذلك من الرذائل. وأما في طباعه كالبرص والجذام والجنون والبكم والبله والابنة (2) لما في ذلك كله من النقص الموجب لسقوط محله من القلوب. قال:

(هامش)

(1) عفو: أصلان يدل أحدهما على نكر الشئ والآخر على طلبه والظاهر إرادته إعفاءهم وهو من عافاه يعافيه معافة - معجم مقاييس اللغة.

(2) الأبنة: العيب ولا يوبن لا يعاب - مجمع البحرين. (*)

ص 87

الفصل السادس في الإمامة

وفيه مباحث: الأول: الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي واجبة عقلا، لأن الإمامة لطف (1) فإنا نعلم قطعا أن الناس إذا كان لهم رئيس مرشد مطاع ينتصف للمظلوم من الظالم، ويردع الظالم عن ظلمه، وكانوا إلى الصلاح أقرب، ومن الفساد أبعد، وقد تقدم أن اللطف واجب (2)).

(هامش)

(1) قال المصنف في بعض كتبه ونعم ما قال الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص، لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام، وإنكار اللطف العام أشر من إنكار اللطف الخاص، وإلى هذا أشار الصادق (عليه السلام) بقوله عن منكر الإمام هو شر الثلاثة. - ذكر أبو جمهور الأحسائي في كتابه غوالي اللآلئ عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: الناصبي شر من اليهود، قيل كيف ذلك يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال إن اليهودي منع لطف النبوة وهو خاص والناصبي منع لطف الإمامة وهو عام.

(2) إن قلت لا نسلم أن كل لطف واجب على الله تعالى، بل الواجب عليه منه ما لم يقم غيره مقامه، أما إن أمكن قيام الغير لم يتعين، وهو الوجوب بل الواجب [أو] إذ، ذلك أحدهما لا بعينه سلمنا لكن لا نسلم أن [الثانية] لطف [للطف] بل إنما يكون لطفا، ما إذا كان الإمام ظاهرا مبسوط اليد قائما زاجرا عن القبائح قادرا على تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء الإسلام، أما مع غيبته وكف يده فلا لانتفاء الفائدة قلت: التجاء العقلاء أجمع، في جميع الأعصار والأمصار إلى نصب رؤساء في حفظ نظامهم وضبط أحوالهم، يدل على انتفاء الطريق، سوى الإمامية، وعدم قيام غيره مقامه وإلا لكانوا يلتجئون إليه ويتمسكون به، فانحصر = (*)

ص 88

أقول: هذا البحث، وهو بحث الإمامة من توابع النبوة وفروعها، والإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني، فالرئاسة جنس قريب، والجنس البعيد هو النسبة، وكونها عامة فصل يفصلها عن ولاية القضاة، والنواب، وفي أمور الدنيا بيان لمتعلقها، فإنها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا وكونها لشخص إنساني فيه إشارة إلى أمرين: أحدهما: أن مستحقها يكون شخصا معينا معهودا من الله تعالى ورسوله لا أي شخص اتفق. وثانيهما: أنه لا يجوز أن يكون مستحقها أكثر من واحد في عصر واحد وزاد بعض الفضلاء في التعريف بحق الأصالة وقال في تعريفها، الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص انساني بحق الأصالة، واحترز بهذا عن نائب يفوض إليه الإمام عموم الولاية فإن رئاسته عامة لكن ليست بالأصالة. والحق أن ذلك يخرج بقيد العموم، فإن النائب المذكور لا رئاسة له على إمامه فلا تكون رئاسته عامة، ومع ذلك كله فالتعريف ينطبق على النبوة فيحنئذ يزاد فيه بحق النيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو بواسطة بشر. إذا عرفت هذا فاعلم: أن الناس اختلفوا في الإمامة هل هي واجبة أم لا، فقالت الخوارج ليست بواجبة مطلقا، وقالت الأشاعرة والمعتزلة بوجوبها على الخلق ثم اختلفوا، فقالت الأشاعرة ذلك معلوم سمعا، وقالت المعتزلة عقلا، وقال أصحابنا الإمامية هي واجبة عقلا على الله تعالى وهو الحق،

(هامش)

(1) اللطف فيه فتعين وجوبه، والفائدة التي تحصل من الإمام موجودة وإن كان غائبا فإن نفس وجوده لطف، وإن كان تصرفه لطفا آخر فإن تجويز ظهوره في كل وقت يبعث على الطاعات ويزجر عن المعاصي (س ط). (*)

ص 89

والدليل على حقيته هو أن الإمامة لطف، وكل لطف واجب على الله فالإمامة واجب على الله تعالى. أما الكبرى: فقد تقدم بيانها. وأما الصغرى: فهو أن اللطف كما عرفت هو ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية وهذا المعنى حاصل في الإمامة (1). وبيان ذلك: أن من عرف عوائد الدهماء، وجرب قواعد السياسة، علم ضرورة أن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع مرشد فيما بينهم يردع الظالم عن ظلمه والباغي عن بغيه، وينتصف للمظلوم عن ظالمه، ومع ذلك يحملهم على القواعد العقلية والوظائف الدينية، ويردعهم على المفاسد الموجبة لاختلال النظام في أمور معاشهم، وعن القبائح الموجبة للوبال في معادهم، بحيث يخاف كل مؤاخذته على ذلك، كانوا مع ذلك إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد ولا نعني باللطف إلا ذلك فتكون الإمامة لطفا، وهو المطلوب. واعلم: أن كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة، إذ الإمامة خلافة عن النبوة قائمة مقامها، إلا في تلقي الوحي الإلهي بلا واسطة، وكما أن تلك واجبة على الله تعالى في الحكمة هكذا هذه، وأما

(هامش)

(1) قال الشيخ الطوسي في الغيبة (ص 4) والذي يدل على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفا في الواجبات العقلية مضارات واجبة، كالمعرفة التي لا تعرى مكلف من وجوبها عليه، ألا ترى أن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند ويؤدب الجاني ويأخذ على يد المتغلب ويمنع القوي من الضعيف... وقع الفساد وانتشر الحبل... ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك من شمول الصلاح وكثرته وقلة الفساد و... والعلم بذلك ضروري لا يخفى على العقلاء فمن دفعه لا يحسن مكالمته. (*)

ص 90

الذين قالوا بوجوبها على الخلق فقالوا يجب عليهم نصب الرئيس لدفع الضرر من أنفسهم ودفع الضرر واجب. قلنا: لا نزاع في كونها دافعة للضرر وكونها واجبة، وإنما النزاع في تفويض ذلك إلى الخلق لما في ذلك من الاختلاف الواقع في تعيين الأئمة، فيؤدي إلى الضرر المطلوب زواله، وأيضا اشتراط العصمة ووجوب النص يدفع ذلك كله. قال: (الثاني: يجب أن يكون الإمام معصوما وإلا تسلسل، لأن الحاجة الداعية إلى الإمام هي ردع الظالم عن ظلمه والانتصاف للمظلوم منه، فلو جاز أن يكون غير معصوم لافتقر إلى إمام آخر ويتسلسل وهو محال، ولأنه لو فعل المعصية فإن وجب الانكار عليه سقط محله من القلوب، وانتفت فائدة نصبه، وإن لم يجب سقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو محال، ولأنه حافظ للشرع فلا بد من عصمته ليؤمن من الزيادة والنقصان، وقوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) (1). أقول: لما أثبت وجوب الإمامة شرع في تبيين الصفات التي هي شرط في صحة الإمامة، فمنها العصمة وقد عرفت معناها، واختلف في اشتراطها في الإمام فاشترطها أصحابنا الاثني عشرية والإسماعيلية خلافا لباقي الفرق واستدل المصنف على مذهب أصحابنا بوجوه: الأول: أنه لو لم يكن الإمام معصوما لزم عدم تناهي الأئمة واللازم باطل فالملزوم مثله. بيان الملازمة: إنا قد بينا أن العلة المحوجة إلى الإمام هي ردع الظالم عن ظلمه، والانتصاف للمظلوم عنه، وحمل الرعية على ما فيه مصالحهم، وردعهم عما فيه مفاسدهم، فلو كان هو غير معصوم افتقر إلى آخر يردعه

(هامش)

(1) البقرة 124. (*)

ص 91

عن خطئه وننقل الكلام إلى الآخر، ويلزم عدم تناهي الأئمة وهو باطل. الثاني: لو لم يكن معصوما لجازت المعصية عليه، ولنفرض وقوعها حينئذ و يلزم إما انتفاء فائدة نصبه أو سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واللازم بقسميه باطل فكذا الملزوم. بيان اللزوم: أنه إذا وقعت المعصية عنه، فإما أن يجب الانكار عليه أو لا، فمن الأول يلزم سقوط محله من القلوب، وأن يكون مأمورا بعد أن كان آمرا ومنهيا عنه بعد أن كان ناهيا، وحينئذ تنتفي الفائدة المطلوبة من نصبه وهي تعظيم محله في القلوب والانقياد لأمره ونهيه، ومن الثاني يلزم عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو باطل إجماعا. الثالث: أنه حافظ للشرع وكل من كان كذلك وجب أن يكون معصوما. أما الأول: فلأن الحافظ للشرع، إما الكتاب أو السنة المتواترة أو الاجماع أو البراءة الأصلية أو القياس أو خبر الواحد أو الاستصحاب فكل واحد من هذه غير صالح للمحافظة. أما الكتاب والسنة: فلكونهما غير وافيين (1) بكل الأحكام مع أن لله تعالى في كل واقعة حكما يجب تحصيله. وأما الاجماع فلوجهين:

(هامش)

(1) قوله أما الكتاب والسنة لكونهما غير وافيين الخ... غير مسلم به، قال تعالى وفيه تبيان كل شئ ونقل عن أهل العصمة أنه ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال، وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ومقصوده إثبات الحاجة إلى الإمام الحافظ للدين فإنه لا يقدر على استخراج جميع الأحكام من الكتاب والسنة غيره، وهو من العلل الموجبة لنصب الإمام المعصوم الذي بقوله الفصل يرتفع الاختلاف وتسلم الشريعة وهو الذي يعلم تأويل المتشابه الخ... (*)

ص 92

الأول: تعذره في أكثر الوقائع مع أن لله فيها حكما. الثاني: أنه على تقدير عدم المعصوم لا يكون في الاجماع حجيته، فيكون الاجماع غير مفيد لجواز الخطأ على كل واحد منهم وكذا على الكل ولجواز الخطأ على الكل أشار تعالى بقوله: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (1)، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) (ألا لا ترجعوا بعدي كفارا)، فإن هذا الخطاب لا يوجه إلا إلى من لا يجوز عليه الخطأ قطعا، إذ لا يقال للإنسان لا تطر لعدم جواز ذلك عليه قطعا (2). وأما البراءة الأصلية: فلأنه يلزم منها ارتفاع أكثر الأحكام الشرعية إذ (هامش)

(1) آل عمران 144.

(2) [فائدة في جملة أحاديث وأخبار]. - عن بكير بن أعين قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر، يوم أخذ الميثاق على الذر بالاقرار له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، وعرض الله عز وجل على محمد (صلى الله عليه وآله) أمته في الطين وهم أظلة، وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم (عليه السلام)، وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه عرفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرفهم عليا (عليه السلام) ونحن نعرفهم في لحن القول - أصول الكافي (1 / 438). وبهذا الإسناد قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: آمنوا بليلة القدر إنها تكون لعلي بن أبي طالب ولولده الأحد عشر من بعده - أصول الكافي (1 / 533) قال (من بعدي). - وبهذا الإسناد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر يوما (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وأشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات شهيدا والله ليأتينك فأيقن إذا جاءك، فإن الشيطان غير متخيل به، فأخذ علي (عليه السلام) بيد أبي بكر فآراه النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال (صلى الله عليه وآله) له يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولده وأنهم مثلي إلا النبوة وتب إلى الله مما في يدك فإنه لا حق لك فيه، قال ثم ذهب فلم يره أصول الكافي (1 / 533) أقول الحديث ضعيف السند بالحسن بن العباس بن الحريش (الحريش). - عن أبي سعيد رفعه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ولدي اثني عشر نقيبا نجيبا محدثون مفهمون آخرهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا (أصول الكافي 1 / 534) ولا يخفى ما فيه في قوله (اثني عشر) ولعله سهو من النساخ والأصح (أحد عشر). - أقول وجدت هذه الأخبار في الهامش ونقلتها كما جاءت. (*)

ص 93

يقال الأصل براءة الذمة من وجوب أو حرمة. وأما الثلاثة الباقية: فيشترك في إفادتها الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، خصوصا والدليل قائم في منع القياس، وذلك لأن مبنى شرعنا على اختلاف المتفقات كوجوب الصوم آخر شهر رمضان وتحريمه أول شوال، واتفاق المختلفات كوجوب الوضوء من البول والغائط، واتفاق القتل خطأ والظهار في الكفارة هذا مع أن الشارع قطع يد سارق القليل دون غاصب الكثير، وجلد بقذف الزاني وأوجب فيه أربع شهادات دون الكفر، وذلك كله ينافي القياس وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب وبرهة بالسنة وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا وأضلوا). فلم يبق أن يكون الحافظ للشرع إلا الإمام (عليه السلام) وذلك هو المطلوب، وقد أشار الباري تعالى بقوله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (1). وأما الثاني: فلأنه إذا كان حافظا للشرع ولم يكن معصوما لما أمن في الشرع من الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل. الرابع: أن غير المعصوم ظالم ولا شئ من الظالم بصالح للإمامة فلا شئ من غير المعصوم بصالح للإمامة. أما الصغرى: فلأن الظالم واضع للشئ في غير موضعه وغير المعصوم كذلك. وأما الكبرى: فلقوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) (2)، والمراد

(هامش)

(1) النساء 83.

(2) البقرة 124. (*)

ص 94

بالعهد عهد الإمامة لدلالة الآية على ذلك (1) (*). قال: (الثالث: الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه (2) لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى فلا بد من نص من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه). أقول: هذه إشارة إلى طريق تعيين الإمام، وقد حصل الاجماع على أن التنصيص من الله ورسوله وإمام سابق سبب مستقل في تعيين الإمام (عليه السلام)، وإنما الخلاف في أنه هل يحصل تعيينه بسبب غير النص أم لا،

(هامش)

(1) قد اعترف الزمخشري في كشافه والقاضي في تفسيره أن هذه الآية تدل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) معصوم قبل النبوة مع أنهم ذكروا سبب نزول قوله تعالى (وأحل لكم ليلة الصيام الرفث الخ..) وهو أنه لما أوجب الله الصوم على الناس كان وجوبه حيث لو صلوا العشاء الآخرة أو رقدوا لا يحل لهم الأكل والشرب والجماع إلى الليلة القابلة ثم إن عمر باشر بعد العشاء فندم وأتى النبي (ص) واعتذر إليه فقام إليه رجال واعترفوا بما صنعوا بعد العشاء فنزلت الآية فهما قد اعترفا بأن عمر غير صالح للإمامة من حيث لا يشعران (س ط).

(2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل لا (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) قال إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم، الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة ثم وصفهم الله تعالى فقال الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي (صلى الله عليه وآله) كساه إياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدق على مسكين فطرح إليه الحلة وأومأ بيده إليه أن احملها فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية، وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الذي يسأل أمير المؤمنين من الملائكة والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة. عن أبي جعفر (عليه السلام) أن في السماء سبعين صفا من الملائكة لو اجتمع أهل الأرض كلهم يحصون عدد كل صف منهم ما أحصوهم وأنهم ليدينون بولايتنا (أصول الكافي 1 / 437). (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب