الصفحة السابقة الصفحة التالية

 الاستغاثة في بدع الثلاثة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

 

ص 2

 

ترجمة المؤلف

 

(نسبه) هو السيد أبو القاسم علي بن أحمد بن موسى بن الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام هكذا سرد نسبه الشيخ حسين بن عبد الوهاب المعاصر للسيدين الرضي والمرتضى في أواخر كتابه عيون المعجزات (المخطوط) (إطراؤه في المعاجم) اطراء الأعلام في المعاجم المؤلفة في تراجم العلماء والمؤلفين وأثنوا عليه ثناء جميلا قال الشيخ الطوسي في فهرسه: علي بن أحمد الكوفي يكنى أبا القاسم كان إماميا مستقيم الطريقة وصنف كتبا كثيرة سديدة، ثم أورد كتبه وقال ابن النديم في الفهرست (ص 273) أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي من الإمامية من أفاضلهم وله من الكتب كتاب الأوصياء (الخ) وقال الميرزا عبد الله أفندي المتوفى حدود سنة 1130 في رياض العلماء (مخطوط) وهذا السيد قد ألف في زمان استقامة أمره كتبا عديدة على طريقة الشيعة الإمامية منها كتاب الاغاثة في بدع الثلاثة، ويقال له كتاب الاستغاثة وكتاب البدع وكتاب البدع المحدثة أيضا (ثم قال) اعتمد الشيخ حسين بن عبد الوهاب وهو أبصر بحاله عليه وعلى كتابه وألف كتابه عيون المعجزات تتميما لكتابه تثبيت المعجزات وكتبه جلها بل كلها معتبرة عند أصحابنا حيث كان في أول أمره مستقيما محمود الطريقة وقد صنف كتبه في تلك الأوقات ولذا اعتمد علماؤنا المتقدمون على كثير منها إذا كان معدودا من جملة قدماء علماء الشيعة برهة من الزمان (انتهى)

ص 3

(أقول) كأنه يشير بقوله (كان في أول أمره مستقيما محمود الطريقة) إلي ما ذكره بعض أصحاب المعاجم من أنه غلا في آخر عمره وأظهر بعض المقالات المضادة لمذهب الشيعة الإمامية، ولكن الذي اعتقده أنه برئ من مثل هذه المذاهب الفاسدة ولذا لم يطعنه بذلك كثير من العلماء المتقدمين، واحسب أن ذلك الطعن جاءه من بعض سماسرة بني أمية الذين هم في عصره لا سيما بعد ما اطلعوا على تأليفه (الاستغاثة في بدع الثلاثة) هذا الكتاب الذي أبان فيه فضائح القوم ومخازيهم وما ارتكبوه من الجرائم في غصبهم حقوق آل البيت النبوي عليهم السلام، ولعمري لقد قلبوا الشريعة ظهرا لبطن ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فماذا تنتظر من دعاة الضلال وأولياء بني أمية أن يقولوا في شأن من أصحوا بالحقيقة وكافح وجاهد في سبيل الدين وإظهار كلمة الحق غير أن ينبزوه بكل شائنة ويصموه بكل عار وشنار مهما ساعدتهم الظروف ولكن أبى لله إلا أن يتم نوره ولو كره الفاسقون. وقال العلامة المحدث النوري (ج 3 ص 322) في الفائدة الثانية من خاتمة مستدرك الوسائل: كان إماميا مستقيما من أهل العلم والفضل والمؤلفات السديدة، ثم أطرى كتابه (الاستغاثة في بدع الثلاثة) وقال هو في أسلوبه ووضعه ومطالبه من الكتب البديعة الكاشفة عن علو مقام فضل مؤلفه ولذا اعتمر عليه العلماء الأعلام مثل ابن شهر آشوب في مناقبه وفي معالمه إشارة إلى ذلك، والشيخ يونس البياضي في كتاب الصراط المستقيم بل وكلام العلامة الحلي رحمه الله يشير إلى أنه من الكتب المعروفة بين الإمامية والقاضي في الصوارم المهرقة وغيرهم. (مؤلفاته) أورد النجاشي في الفهرس مؤلفات عديدة وإليك أسماؤها كتاب

ص 4

الأنبياء (1) كتاب الأوصياء (2) كتاب البدع المحدثة (3) كتاب التبديل والتحريف، كتاب تحقيق اللسان في وجوه البيان، كتبا الاستشهاد، كتاب تحقيق ما الفه البلخي من المقالات، كتاب منازل النظر والاختبار، كتاب أدب النظر والتحقيق، كتاب تناقض أحكام المذاهب الفاسدة، كتاب الأصول في تحقيق المقالات، كتاب الابتداء كتاب التوحيد، كتاب مختصر في فضل التوبة، كتاب في تثبيت نبوة الأنبياء كتاب مختصر في الإمامة كتاب مختصر في الأركان الأربعة، كتاب الفقه على ترتيب كتاب المزني، كتاب الآداب ومكارم الأخلاق (4) كتاب فساد أقاويل

(هامش)

(1) ذكره هو وحول عليه في بعض المباحث في (ص 80) من كتاب الاستغاثة. (2) وقد ذكره أيضا وحول عليه في (ص 8 وص 22 وص 116 من كتاب الاستغاثة. (3) وهو كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة، إذا قد يسمى بهذا الاسم أيضا كما ستعرف (4) قال العلامة المحدث النوري النجفي رحمه الله في خاتمة مستدرك الوسائل (ج 3 ص 324) كتاب الآداب ومكارم الأخلاق له أيضا وهو كتاب لطيف بديع في فنه ذكر فيه الأخلاق الحسنة والصفات الذميمة يبتدئ في كل خصلة بالأخبار المأثورة عن النبي والأئمة عليهم السلام ثم يذكر كلمات الحكماء ويختصم بأبيات رائقة أنشدت فيها وقد عثرنا على نسخة عتيقة منه إلا أنها ناقصة في موضع منها، وقال العلامة الخبير الميرزا عبد الله أفندي في رياض العلماء بعد أن أورد ترجمة المؤلف وأثنى عليه وعدد مؤلفاته (ما هذه عبارته) ومن مؤلفاته أيضا كتاب في الآداب وما كرم الأخلاق وهو كتاب جيد حسن رأيت نسخة عتيقة منه بقطيف = (*)

ص 5

الإسماعيلية، كتاب الرد على ارسطاطاليس. كتاب المسائل والجوابات. كتاب فساد قول البراهمة، كتاب تناقض أقاويل المعتزلة، كتاب الرد على محمد بن بحر الرمني، كتاب الفحص على مناهج الاعتبار، كتاب الاستدلال في طلب الحق، كتاب تثبيت المعجزات (1) كتاب الرد على من يقول أن

(هامش)

= بحرين وقد قال في أوله أنه ألف كتبا كثيرة في العلوم والآداب والرسوم وعندنا أيضا منه نسخة (وقال) في موضع آخر وعندنا من كتبه كتاب الأخلاق حسن الفوائد الكاتب (1) قال العلامة المتبع الميرزا عبد الله أفندي في رياض العلماء: من مؤلفات هذا السيد كتاب تثبيت المعجزات في ذكر معجزات الأنبياء جميعا ولا سيما نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ألف الشيخ حسين بن عبد الوهاب المعاصر للسيد المرتضى والرضي رحمهما الله تتميما لكتابه هذا كتابه المعروف بكتاب عيون المعجزات في ذكر معجزات فاطمة والأئمة الاثنى عشر قال في آخره كنت حاولت أن أثبت في صدر هذا الكتاب البعض من معجزات سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله الطاهرين الطيبين فوجدت كتابا الفه السيد أبو القاسم علي بن أحمد بن موسى بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام سماه تثبيت المعجزات وقد أوجب في صدر طريق النظر والاختبار والدليل والاعتبار كون معجزات الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين بكلام بين وحجج واضحة ودلائل نيرة لا يرتاب فيها إلا ضال غافل غوي ثم اتبعها المشهور من المعجزات لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - وذكر في آخرها - أن معجزات الأئمة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين زيادة تنساق في أثرها فلم أر شيئا في آخر كتابه هذا الذي سماه كتاب تثبيت المعجزات وتفصحت عن كتبه وتأليفاته التي عندي وعند إخواني المؤمنين أحسن الله توفيقهم فلم أر كتابا اشتمل على معجزات الأئمة = (*)

ص 6

المعرفة من قبل الموجود كتاب إبطال مذهب داود بن علي الاصبهاني، كتاب الرد على الزيدية كتاب تحقيق وجوه المعرفة. كتاب ما تفرد به أمير المؤمنين عليه السلام من الفضائل، كتاب الصلاة والتسليم على النبي أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. كتاب الرسالة في تحقيق الدلالة، كتاب الرد على أصحاب الاجتهاد في الأحكام. كتاب في الإمامة. كتاب فساد الاختبار، رسالة إلى بعض الرؤساء. الرد على المثبتة. كتاب الراعي والمرعي. كتاب الدلائل والمعجزات. كتاب ماهية النفس. كتاب ميزان العقل. كتاب أبان حكم الغيبة. كتاب الرد على الإسماعيلية في المعد كتاب تفسير القرآن يقال إنه لم يتمه. كتاب في النفس (قال النجاشي في الفهرس) هذه جملة الكتب التي أخرجها ابنه أبو محمد (ثم قال) وآخر ما صنف مناهج الاستدلال إن مما أورده النجاشي من مؤلفاته تعرف أن المترجم له اليد الطولى في مختلف الفنون وبرع فيها منتهى البراعة وأتقنها غاية الاتقان (نسبة الكتاب إليه) قد عرفت تصريح جماعة من الأعلام بنسبة الكتاب إليه كالنجاشي والعلامة وابن شهر آشوب والبياضي والأفندي والنوري وغيرهم، ويلائم سند بعض أخباره طبقته، ففي أول بدع الثاني (ص 29) ما نصه (وفي مصحف أمير المؤمنين عليه السلام برواية الأئمة من ولده صلوات الله عليهم من المرفق ومن الكعبين حدثنا بذلك علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الحسين بن محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر بن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم، إلى تمام الخبر. وقال (ص 83) في تحقيق أن المقتول في يوم الطف علي بن الحسين الأكبر أو الأصغر (ما لفظه) فمن كان من ولد الحسين

(هامش)

= الطاهرين صلوات علله عليهم وتفرد الكتاب بها فلما أعياني ذلك استخرت الله تعالى واستعنت به في تأليف شطر وافر من براهين الأئمة الطاهرة عليهم السلام (الكاتب) (*)

ص 7

عليه السلام قائلا في الإمامة بالنصوص يقول إنه من ولد علي بن الحسين الأكبر وإنه هو الباقي بعد أبيه وإن المقتول هو الأصغر منهما وهو قولنا وبه نأخذ وعليه نعول (ثم نقل القول الآخر ونسبه إلى الزيدية وطعن عليهم إلى أن قال) وإنما أكثر ما بينهم وبينه عليه السلام من الآباء على عصرنا هذا ما بين ستة آباء إلى سبعة فذهب عنهم أو عن أكثرهم معرفة من هم من ولده من الأخوين) إلى آخر ما ذكره وهذا لا يلائم إلا الطبقة المذكورة وذكر الميرزا عبد الله أفندي في رياض العلماء أنه قال الحسين بن عبد الوهاب في موضع من كتابه عيون المعجزات الذي عرفت أنه تتميما لكتاب المترجم تثبيت المعجزات (ما هذه عبارته) ومن كتاب الاستشهاد (الذي هو من مؤلفات المترجم كما عرفت) قال أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي رضي الله عنه أخبرنا جماعة من مشايخنا الذين خدموا بعض الأئمة عليهم السلام عن قوم جلسوا لعلي بن محمد عليهما السلام الخ) فمن الغريب بعد ما ذكرناه لك نسبه كتاب (الاستغاثة) إلى المحقق ميثم بن علي البحراني صاحب شرح نهج البلاغة (المطبوع) المتوفى سنة 679 كما صدر ذلك الاشتباه من العلامة المجلسي رحمه الله فإنه قال في الفصل الأول من أول البحار (ما هذه عبارته) كتاب شرح نهج البلاغة وكتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة للحكيم المحقق العلامة كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني وقال في الفصل الثاني: والمحقق الثاني من أجلة العلماء ومشاهيرهم وكتاباه في غاية الاشتهار (انتهى) ولولا كلامه الأخير لاحتملنا كما في رياض العلماء أن يكون لابن ميثم أيضا كتاب سماه بالاستغاثة فإن الاشتراك في أسامي الكتب أمر غير عزيز ولكن الكتاب المتداول المعروف ليس من مؤلفاته قطعا لما عرفت (قال) المحقق المحدث يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين بعد نقل ترجمة ابن ميثم عن رسالة السلافة البهية في الترجمة الميثمية لشيخه العلامة سليمان البحراني وعد الكتاب المذكور من مؤلفاته وتوصيفه بأنه لم يعمل مثله

ص 8

(ما لفظه) ثم إن ما ذكره شيخنا المذكور من نسبة (كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة) للشيخ المشار إليه غلط قد تبع فيه بعض من تقدمه ولكن رجع عنه أخيرا فيما وقفت عليه من كلامه وبذلك صرح تلميذه الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني رحمه الله وإنما الكتاب المذكور كما صرحا به لبعض قدماء الشيعة من أهل الكوفة وهو علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي والكتاب يسمى كتاب البدع المحدثة ذكره النجاشي في الفهرس من جملة كتبه ولكن اشتهر في السنة الناس تسميته بالاسم الأول ونسبته للشيخ ميثم ومن عرف سليقة الشيخ ميثم في التصنيف ولهجته وأسلوبه في التأليف لا يخفى عليه أن الكتاب المذكور ليس جاريا على تلك اللهجة ولا خارجا من تلك اللهجة (انتهى) وأغرب من جميع ذلك أن الفاضل المتبحر الشيخ عبد النبي الكاظمي رحمه الله في تكملة الرجال في ترجمة علي بن الحسين الأصغر عليه السلام قال (وفي كتاب الاستغاثة لبدع الثلاثة للشيخ ميثم البحراني قال وكان للحسين عليه السلام ابنان) ونقل بعض ما في الكتاب إلى ما قبل العبارة التي نقلناها وهي قوله (وإنما أكثر ما بينهم يعني السادات وبينه يعني الحسين عليه السلام من الآباء في عصرنا هذا ما بين ستة آباء أو سبعة (الخ) ولم يلتفت إلى أنه لا يمكن أن يكون بين من في عصر ابن ميثم من السادة وبينه عليه السلام ستة أو سبعة بحسب العادة فإن بينهما قريبا من ستمائة سنة (ذكر ذلك كله العلامة المحدث محمد الحسين النوري النجفي المتوفى سنة 1300 في خاتمة مستدرك الوسائل (ج 3 ص 325 وص 324) ونقلناه عنه ملخصا ومهذبا وقال شيخنا العلامة الخيبر الحجة الشيخ آغا بزرك الطهراني النجفي أدام الله وجوده ونفع في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة) ج 2 ص 28) الاستغاثة في بدع الثلاثة الشريف أبي القاسم علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفى سنة 352. ذكره بهذا العنوان شيخنا العلامة النوري في أول خاتمة

ص 9

المستدرك عند ذكر مأخذه وبسط القول في اعتباره وتصريح المشايخ في كتبهم بنسبته إليه كما في عيون المعجزات والصراط المستقيم للبياضي ومعالم العلماء لابن شهر آشوب وغيرهم، وقد يقال له الاغاثة في بدع الثلاثة أيضا كما إنه عبر عنه النجاشي بالبدع المحدثة ولعله نظر إلى بيان موضوع الكتاب ويروي مؤلفه عن علي بن إبراهيم القمي الذي هو من مشايخ الكليني فيظهر أنه في طبقته، وذكر في أواخر الكتاب أن السادة الحسينية في عصر ينتهون بستة آباء أو سبعة إلى علي بن الحسين الأكبر الباقي بعد شهادة أبيه الحسين عليه السلام. فيظهر أنه ليس تأليف الشيخ كمال الدين ميثم البحراني الذي توفى سنة 679 كما أرخه الشيخ يوسف البحراني في كشكوله لتقدم علي بن إبراهيم على هذا التاريخ بكثير، ولأن الوسائط في عصر ابن ميثم تزيد على العدد المذكور جزما ولذا اعترض صاحب رياض العلماء على العلامة المجلسي في نسبة الكتاب إلى ابن ميثم في أول البحار واعترض صاحب اللؤلؤة على الشيخ سليمان البحراني في نسبته إلى ابن ميثم في السلافة البهية في الترجمة الميثمية ثم اعتذر عنه برجوعه عن قوله أخيرا، ومع ذلك فالشيخ عبد النبي بن علي الكاظمي المتوفى سنة 1256 وقع في هذا الوهم في ترجمة علي بن الحسين الأصغر من تكملة نقد الرجال ولعل منشأ تلك الأوهام قول صاحب مجمع البحرين في مادة (مثم) قم قال شيخنا في الذريعة، توجد نسخة من الكتاب كتابتها سنة 969 في الخزانة الرضوية، ورأيت نسخا عديدة في مكتبات العراق، أوله (الحمد لله ذي الطول والامتنان والعزة والسلطان) (موضوع الكتاب) وإذ قد أثبتنا صحة هذا التأليف إلى مؤلفه منتدح لنا من الاسترسال حول موضوع الكتاب الذي ضم إلى جنبيه تعريفا صحيحا غما ارتكبه القوم من الجنايات على بقايا النبوة وما ناؤا به من البخس لحقوق العترة الطاهر ة

ص 10

(صلوات الله عليهم) الذين هم عدل الكتاب بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) والذين أمر الله تعالى بمودتهم بقوله (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وليس من البدع أن يتذمر هذا العلوي (صاحب الكتاب) الغيور عما جرى على سلفه الطاهر وهو يرى (والحق كما يرى) أن الذي ابتز منهم هو حقهم الثابت لهم غير أن عوامل الشره وتهمة الحاكمية وحب الرياسة الباطلة حدت بالحثالة من سماسرة المطامع والشهوات إلى بخس هاتيك الحقوق واظطهاد أربابها، وحبذا لو أقنعتهم الأثرة عن الاضطهاد لكن راقهم أن لا يدعوا من أولئك نافخ ضرمة فلم يسمع ولم يشهد إلا أنة بين الحائط والباب وساقط على العتبة ولهبة على رتاج البيت وحنة من بين سياجه وملبب يقاد إلى رعاياه ومستضعفون لا يعدون ولا يفتقدون إن غابوا وإن شهدوا حتى كأن أولئك الصدور هم الأذناب وإنما خلقوا لأن يكونوا أتباعا وهم الأمراء والساسة والملوك والقادة ولم ينتهز نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) فرصة إلا وأشار بذكرهم ونوره بمكانتهم ونص على خلافتهم في كل جمع ومحتشد ومحفل ومنتدى نعم هكذا تكون الحالة إذا استولت الذنابى وملك العبيد، وإذ تسللت الحقب ومضت الأعوام ولم يتسن للعلوي الناهض الانتصار لقومه برد الحقوق إلى مواطنها جاء رافعا عقيرته بالدلالة على مواقعها الأصلية فلم يدع في قوس الجهاد منزعا إلا وأعطى للحق حقه وقديما ما قيل: اعط القوس باربها

 

(مشايخه في الرواية والراوون عنه)

 

قد عرفت أنه يروي عن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي صاحب التفسير (انظر ص 29) ويروي أيضا عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي (الذي هو من مشايخ الصدوق ابن بابويه) عن أحمد بن الفضل عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام، انظر (ص 90)

ص 11

ويروي أيضا عن أبيه أحمد بن موسى كما ذكره صاحب رياض العلماء فإنه قال فيه (ما نصه) وكان لهذا السيد مشايخ عديدة كما يظهر من مطاوي مؤلفاته وغيرها ومنهم والده فإنه قد يروي الحسين بن عبد الوهاب في كتابهعيون المعجزات عن أبي الغنائم أحمد بن منصور المصري عن الرئيس أبي القاسم علي بن عبيد الله بن أبي نوح البصري عن يحيي الطويل عن الأديب أبي محمد عن أبي القاسم علي بن أحمد الكوفي عن أبيه عن أبي هاشم داود ابن القاسم الجعفري وممن يروي عنه وتلمذ عليه ابنه أبو محمد وأبو عمران الكرماني (وفاته) توفي المترجم بموضع يقال له كرمي من ناحية فسا وبين هذه الناحية وبين فسا خمسة فراسخ وبينها وبين شيراز نيف وعشرون فرسخا وكانت وفاته في جمادي الأولى (سنة 352) وقبره بكرمى بقرب الخان والحمام أول ما يدخل كرمى من ناحية شيراز ، ذكر ذلك النجاشي في الفهرس (ص 189) (الكاتب)

ص 1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ذي الطول والامتنان ، والعز والسلطان ، والعظمة والبرهان والكبرياء والجبروت والآلاء ، الذي من على أوليائه بهدايته ، ونجاهم من مضلات الأهواء برأفته ، وألهمهم الاقرار بتوحيده ، والاخلاص بتمجيده واجده جد من علم أن ما به من نعمة فمن الله مبدأها ، وما مسه من الأسواء فيسوء جنايته على نفسه جناها ، وأستعينه على حوادث الأزمان ولوازب الأوان واستغفره من الذنوب ، وأسأله ستر العيوب ، وأرغب إليه في الصلاة على سيد المرسلين ، محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين.

(أما بعد)

فإني لما تأملت ما عليه الأمة من أهوائها ونظرت في سبب مذاهبها واختلاف آرائها وأقاويلها وجدت منها الجم الغفير ، والعدد الكثير وأهل الغلبة والسلطان والغفلة والنسيان ، قد اصطلحوا على تعطيل أحكام كتاب الله تعالى ، ودرس معالم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإضاعة حدود دين الله ، وإباحة حرامه وحظر حلاله ، فوجدت المتمسك بذلك عندهم حقه مهتضما مهجورا ، وحبله ولايته بينهم مجذوذا مبتورا ، ومودتهم لديهم متروكة وعصمة حريمه فيهم مهتوكة ، وقد اطفؤا بطغيانهم مصابيح دين الله وأنواره ، وهدموا معالمه ومناره . وهم معص 1ذلك يدعون أنهم أولياؤه وأنصاره وأصفياؤه ، والدالون عليه والداعوان إليه ، تخرصا وافتراءا ، وظلما واعتداءا ، فأصبحت أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا القليل منها لحدود الله تاركة ، ولغير سبل الله سالكة ، ولحقوقه مضيعة ، ولحرمة دينه هاجرة ، ولغير أولياء الله متبعة كأنهم صم لا يسمعون وبهم لا يعقلون قد شملهم البلاء وغلبت عليهم الأهواء وملكتهم الضلالة وأهلكتهم الفتن وعدمت فيهم الأحكام والسنن وأحاطت بهم الغيرة والظلم والحيرة ، واستولت عليهم الجهالة والبهم ، حتى ملئت الأرض جورا وظلما واعتداء ومعاصي وطغيانا ، فهم في غمرة الجهل يخوضون وفي كل شك وشبهة يتيهون وقد طالت عن الله غفلتهم وفي مضاجع المبتدعين رقدتهم ، وفي مسالك المفترين ضلالتهم ، فهم على الدنيا متكالبون وعلى تكاثرها ومفاخرها منكبون ومن حلها وحراما طالبون قد استباحوا في ذلك الحرام وأعرضوا فيه عن التقوى متشتة آرائهم مختلفة أهواؤهم وأصبحت معالم الحق فيهم خاملة مهجورة ومنازله مهدومة مغمورة وآثارهم مطموسة مندرسة وسبل الظلالة عندهم مغمورة مشهورة وأعلامه منصورة منشورة وأصبح المؤمن بينهم غريبا مستضعفا لصدقه والفاسق لديهم معظما لفسقه يختارون غير الخيرة فيسيرون فيهم أسوء سيرة بأحكام الجبابرة وسيرة الأكاسرة ركنوا إلى الدنيا طلبا للملك الذي يفنى وطرقوا الجور والظلم طرقا فسلكتها أمم فعل القرون الماضية وسنة أصحاب الخاطئة فيهدمون في كل عام علما ويبنون فيه ظلما حتى خفيت مناهج الحق ودرست طرق الصدق ووضعوا دون الكتاب العزيز الآراء وشهروا بعد نبذ الكتاب الخطاء يقبع كل فرقة منهم أخبارها مولية للحق أدبارها قد نبذوا أحكام القرآن وخالفوا جميعا ما فيه الشفاء والبرهان ساهون لاهون عن الورع متمسكون بآثارها أهل البدع وأموال المستضعفين بينهم تقسم على التداول والظلم مستخرجة منهم بالقهر والغشم لا مانع منهم يدفع ولا دافع يردع فانظروا يا إخواني المؤمنين وأهل خلاصة الله العارفين

ص2

من أين هذه الأموال مجموعة وأين هي بعد ذلك موضوعة قد شيدت منها القصور وشربت منها الخمور وجند بها الجنود وجى بها سواس القرود وأهل اللعب بالبزاة والفهود ، وكل من شايعهم على تعطيل الحدود وينكحون النساء ويشترون الإماء بأموال الأرامل واليتامى والمساكين فيا سبحان الله هل هذا إلا تعطيل الدين وأحكام الكتاب المبين والكفر بديان يوم الدين فلا كتاب بينهم يتبع ولا سنة بينهم تسمع فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها فبشره بعذاب أليم فلما رأيت هذا الضلال فيهم قد عم والفساد منهم قد شمل نظرت في ابتداء ذلك ممن تشعب وإلى من ينتسب من المتسولين على أحكام الدين إذ كل هذا وشبهه لا يجري إلا من أهل الغلبة والسلطان والعتو والطغيان فميزت عند ذلك واختبرت وتفكرت وتدبرت وبحثت واعتبرت طالبا بذلك سبيل الهداية وهاربا عن سبيل الضلالة والرد ليتولى من يحب ولايته بحقيقة معرفته ويرفض من يحب البراءة منه ببصيرة في عمله إذا كان حق النظر والاعتبار يوجب على كل ذي فهم أن لا يتولى إلا بمعرفة ولا يرفض إلا ببصيرة فلما أعملت الاستقصاء في ذلك بالنظر والاختبار والفحص والاعتبار وجدت فساد ذلك كله يتبع بدع الثلاثة المستولين على أحكام دين الله بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقر بذلك منهم الخاص والعام من نقلة الآثار وحملة الأخبار مما نحن ذاكروه في مواضعه منسوبا إلى كل واحد منهم ما جرى منه في ذلك على جهته إذ كان كل واحد من الثلاثة قد ابتدع في أيامه وعصره بدعا في شريعة الإسلام على قدر طول عمره وتراخى أيامه وعلى قدر تمكنه في سلطانه مما يوجب على مبتدعه الهلاك والدمار وسوء العاقبة والبوار إذ لا أحد مجتمع على خطر ذلك من الله تعالى ورسوله في الدين على جميع المسلمين فمن الثلاثة من كانت بدعه داخلة للضرر والفساد على جميع من دخل تحت أحكام الشريعة من مسلم ومعاهد ومنهم

ص 3

من كانت بدعه داخلة على قوم دون قوم من الأمة فاتبعهم على ذلك السواد الأعظم والجمهور الأعم مع إقرارهم بحظره وإيجاب الكفر على من قصد مثله بتعمده ومن جميع العباد ثم هم مع ذلك ينقلون عن الثلاثة جميعه فلا يمنعهم ذلك من موالاتهم وموالاة من يواليهم ومعاداة من يعاديهم على ما علموا من يعقبهم مناهج الحق جهلا منهم بما فعل الثلاثة المبتدعون من عظيم ما نقلعنهم إما جهلا بما على المبتدعين من عظيم ما نقل عن الثلاثة وذلك أخس لأحوالهم وأظهر لجهلهم وإما عصبية منهم لهم ورضى بفعلهم على معرفة منهم بفساده والاحاطة بباطله وذلك أثبت لكفرهم وإلحادهم وأدعى إلى كشف ضلالهم وعنادهم ووجدت فرقة فرت منهم قليلة العدد مشردة منهم في كل بلد فامتنعت من موالاتهم وزالت عن الرضا بأفعالهم وسعت عند ذلك في طلب الحق من معادنه وإثارته عن مكامنه وهم شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستحلوا عند ذلك سفك دمائهم وإباحة أموالهم وهتك محارمهم وصاروا بينهم مقهورين مستضعفين وجلين خائفين وهم مع هذه الحالة مستمسكون بدينهم صابرون على محنهم حامدون لربهم منتظرون الفرج منه في غدوهم ورواحهم ، فلما رأيت الجهل منهم قد شمل والضلال فيهم قد كمل والغفلة في تأمل افعلا الأوائل من المبتدعين قد عمت والشبهة منهم قد جرت استخرت الله تعالى قصدت عند ذلك إلى شرح ما تقربه أولياؤه ويذعن له متبعوهم إذا عرفوا من بدعهم في الدين ما قد ظهر به الفساد في المسلمين ليكون ذلك بصيرة للطالب ودليلا للراغب مستجلبا بذلك الثواب من الله تعالى متقربا إليه وكففت عن ذكر ما لا يقويه أولياؤهم مما تفرد بنقله مخالفوهم لتكون الحجة على من تولاهم مع ذلك منهم أبلغ والبصيرة بما يخالفهم أنفع والمعرفة ببدعهم أجمع وأقدم في ذلك كله وغيره التوكل على الله عز وجل والاستعانة بتوفيقه وهدايته وهو حسبنا ونعم الوكيل .

 

ص 4

 

(ذكر بدع الأول منهم) أو ما ابتدعه التآمر على الناس من غير أن أباح الله له ذلك ولا رسوله

 

(ذكر بدع الأول منهم) فأول ما ابتدعه الأول منهم التأمر على الناس من غير أن أباح الله له ذلك ولا رسوله ومطالبته جميع الأمة بالبيعة له والانقياد إلى طاعته طوعا وكرها فكان ذلك منه أول ظلم ظهر في الإسلام بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان هو وأولياؤه جميعا مقرين بأن الله ورسوله لم يولياه ذلك ولا أوجبا طاعته ولا أمر ببيعته فدخل الناس كلهم تحت أمره ونهيه على ثلاث منازل (فرقة) منهم راضية به وبفعله متبعة لرأيه طوعا فحلو محله في الإثم لقبولهم لأمره ورضاهم بفعله طائعين غير مكرهين (وفرقة) تحيرت في أمره جهلا منهم لا تدري أذلك له أم لغيره فحلت محل المستضعفين المرجين لأمر الله إلى أن قرع الحق مسامعهم وقطعت الحجة عذرهم (والفرقة الثالثة) كانت مستبصرة بضلاله عارفة بظلمه غير راضية بفعله فقهروا على الدخول تحت أمره وسلطانه فدخلوا كارهين غير طائعين فحلوا محل المتقين المكرهين بفعله الخائفين فكل فعل فعلوه مما اتقوا فيه على أنفسهم وأموالهم من الأفعال التي لم يأمر الله بها ولا رسوله فلهم ثوابه إذا كانوا مكرهين عليه وعلى من استكرههم وزره وعقابه ، فلما انقاد له الناس على هذه المنازل الثلاث طوعا وكرها طالبهم بالخروج إليه مما كان يأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصدقات والأخماس وما يشاكلها ثم تسمي بخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونفذت بذلك كتبه إلى الأمصار من خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت هذه الحالة منه جامعة للظلم والمعصية والكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لما طالبهم بالخروج إليه مما كان يأخذه منهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصدقات وغيره كان ذلك منه ظلما ظاهرا إذا كان يعلم أن الله ورسوله لم يجعلا له ولا إليه شيئا منه ولما لم يجعل الله ولا رسوله ولا ولاته إليه شيئا من ذلك كان ظالما في مطالبته لهم به فظهرت منه المعصية لله ولرسوله إذ طالب بما ليس له بحق . ولما قال إني خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد علم وعلم معه الخاص والعام أن

ص 5

الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستخلفه كان ظالما كاذبا بذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمدا بالكذب منه إذ كان لا يجوز لأحد في النظر والتميز أن يدعي خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا لمن استخلفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده ومن لم يستخلفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان محالا أن يكون خليفة له وجاز ذلك لقائل من المسلمين على وجه من وجوه التأويل لجاز هذا لكل مسلم وهذا مما لا يقوله ذو فهم ولما كان الكذب منه بذلك قد وقع على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمدا من غير غفلة ولا جهل به وجب عليه حقيقة قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما نقله الخاص والعام (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (1) وكان هو أول من ظهر منه الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك بعد وفاته فإن ادعى مدع أن ذلك كان منه في جميع ما وصفناه في أموال الصدقات وغيرها لأن قوما من الأمة نصبوه لذلك قيل لهم وهل من الذين نصبوه لذلك أمر من الله تعالى ورسوله بنصب من شاؤا وكيف شاؤا أم هم جعلوا ذلك برأيهم ، فإن قالوا أنه كان معهم أمر بذلك من الله ورسوله طولبوا بإيراد آية من كتاب الله أو خبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجمع عليه في النقل والتأويل بصحة ذلك ولن يجدوا إليه برأيهم فقد خصموا أنفسهم وكفوا الناس مؤنتهم إذ كان ذلك غير جائز في الشريعة وأحكامها حكم واحد فيما لا يملكه ولم يجعله الله إليه ورسوله ولا له شيء منه وقد شرحنا في هذا المعنى في كتاب الأوصياء ما فيه كفاية ومقنع ونهاية ولما انقاد له الناس فيما وصفناه طوعا وكرها امتنعت عليه قبيلة من العرب في دفع الزكاة إليه وقالوا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأمر بالدفع إليك ولا أمرك بمطالبتنا به فعلام تطالبنا

(هامش)

(1) إذ لا ريب أن الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذب على الله سبحانه لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقد دل العقلوالنقل على أن الكذب على الله سبحانه كفر به وإنكار لربوبيته تعالى الله عما يقولون الظالمون علوا كبيرا . (الكاتب) (*)

 

ص 6

بما لا يأمرك الله به ولا رسوله فسماهم أهل الردة وبعث إليهم خالد بن الوليد في جيش فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم وجعل ذلك كله فيئا فسمه بين المسلمين فقبلوا ذلك منه مستحلين له إلا نفر كرهوا ذلك منهم عمر بن الخطاب فإنه عزل سهمه منهم وكان عنده إلى أن ملك الأمر ثم رده عليهم فكانت خولة بنت جعفر والدة محمد بن الحنفية منهم فبعث بها إلى أمير المؤمنين عليه السلام فتزوجها ولم يتملكها واستحل الباقون فروج نسائهم وقتل خالد ابن الوليد رئيس القوم (1) مالك ابن نويرة وأخذ امرأته وطأها من ليلتك من غير استبراء لها ولا وقعت عليها قسمة فأنكر عمر ذلك من فعله عليه وقال لأبي بكر في أمره فاحتج بأن قال إنما خالد رجل من المسلمين ليس بأل من أخطأ ولم يظهر منه إنكار عليه في ذلك بل نصره ممن رام الانكار عليه فيما فعله مع ما رواه أهل الحديث جميعا بغير خلاف عن القوم الذين كانوا مع خالد أنهم قالوا أذن وصلينا وصلوا وشهدنا الشهادتين وشهدوا فأي

(هامش)

(1) لما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ونكح زوجته أم تميم بنت المنهال وكانت من أجمل النساء رجع إلى المدينة وقد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر فنزعها وحطمها وقال له (كما في تاريخ ابن الأثير) قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك ثم قال لأبي بكر (كما ذكر ابن خلكانفي الوفيات في ترجمة وثيمة بن موسى بن الفرات) إن خالدا قد زنى فارجمه قال ما كنت لأرجمه فإنه تأول فأخطأ قال إنه قتل مسلما فاقتله به قال ما كنت لأقتله به إنه تأول فأخطأ فلما أكثر عليه قال ما كنت لأشم سيفا سله الله تعالى وودي مالكا من بيت المال وفك الأسرى والسبايا وآله وهذه الواقعة ذكرها جميع المؤرخين ولا ريب في صدورها من خالد انظر تاريخ ابن جرير الطبري وابن الأثير الجوزي والواقدي وابن حجر العسقلاني في الإصابة وطبقات ابن سعد وتاريخ أبي الفداء وغيرها . (الكاتب) (*)

ص 7

ردة لهؤلاء ها هنا مع ما رواه جميعا أن عمر قال لأبي بكر تقاتل قوما يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها حقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى فقال أبو بكر لو منعوني عقالا - أو قال عتاقا - مما كانوا يدفعونه إلى رسول الله لقاتلهم - أو قال لجاهدتهم - فكان هذا الفعل منه فعلا فظيعا وظلما عظيما وتعديا بينا من أين له أن يجاهد قوما على أن منعوه مما كانوا يدفعونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبأمر من الله ورسوله أم رآه واستحسنه فإن قال أولياؤه بل من الله ورسوله فعليهم إقامة الدليل على صحة ذلك بآية من كتاب الله أو خبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة باسمه ونسبه مجمع على نقله وتأويله (وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) وإن قالوا أن ذلك كان منه برأي واستحسان قيل لهم فمن رأى أن يقتل المسلمين ويستبيح أموالهم ويجعلها فيئا هل عندكم ظالم أو محق فإن قالوا إنه محق أباحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم وانتهاب حريمهم واستباحة أموالهم وقائل هذا خارج عن الله ودين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذي فهم وإن قالوا إنه ظالم فيكفي خزيا وكفرا وجهلا مع ما رواه جميعا أن عمر لم يزل عاتبا عليه وعلى خالد بن الوليد أيام حياته في ذلك فلما ملك عمر كان خالد يتحاماه وعمر عاتب عليه بسبب قتل مالك بن نويرة لأنه كان خليفة في الجاهلية وروى مشايخنا من طريق أهل البيت عليهم السلام أن عمر استقبل خالدا يوما في بعض الطريق وفي بعض حيطان المدينة فقال له عمر يا خالد أنت قتلت مالكا فقال يا أمير المؤمنين إن كنت قتلت مالكا بن نويرة لهنات كانت بيني وبينه لقد قتلت لكم سعدا بن عبادة لهنات كانت بينكم وبينه فأعجب عمر قوله فضمه إلى صدره وقال له أنت سيف الله وسيف رسوله فسمت العامة عند ذلك خالدا سيف الله وسيف رسوله وذلك أن سعدا بن عبادة الأنصاري كان رئيس الخزرج وسيدها وكان من النقباء وكانت الأنصار

ص 8

قد أرادت البيعة فلما جرى الأمر في بيعة أبي بكر على ما جرى امتنع سعد ابن عبادة من البيعة فمات أبو بكر ولم يبايعه سعد بن عبادة ثم لم يبايع عمرا أيضا من بعده ولم يجرؤا على مطالبته بها خوفا من قومه وذلك أنهم لما أرادوا مطالبته بالبيعة قال لهم ابنه قيس بن سعد إني ناصح لكم فاقبلوا نصحي قالوا وما ذلك قال إن سعدا قد حلف لا يبايعكم وهو هذا حلف فعل فإذا حلف زل الشك منه ولن يبايعكم حتى يقتل وأن يقتل حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وأن يقتل هو وأهل بيته حتى تقتل الأوس كلها ولن تقتل الأوس كلها حتى تقتل الخزرج كلها ولن تقتل الخزرج كلها والأوس كلها حتى تقتل بطون اليمن كلها فلا تفسدوا عليكم أمرا قد كمل واستتم لكم فقبلوا منه نصحه ولم يتعرضوا لسعد في ذلك ثم إن سعدا خرج من المدينة إلى الشام في أيام عمر وكان في قرى غسان من بلاد دمشق فأنزل فيهم لأن غسان من عشيرته وكان خالد بن الوليد بالشام يومئذ وكان من الموصوفين بجودة الرمي وكان معه رجل من قريش يعد أيضا بجودة الرمي فاتفقا على قتل سعد بن عبادة لامتناعه من البيعة لقريش فجلسا ليلة في مسيره بين شجر كرم فلما مر بها على فرسه رمياه بسهمين فقتلاه وقالا ببيتين من الشعر ونسباهما إلى الجن فطرحاهما بين العامة فنسب العامة قتل سعد إلى الجن وهما . قد قتلنا سيد الخزرج * سعد بن عبادة ورميناه بسهمين * فلم نخط فؤاده واستتر على الناس أمره في ذلك إلى أن جرى من قول عمر لخالد ما جرى في أمر مالك بن نويرة فكشف الحال خالد بن الوليد في ذلك وكان قتل مالك ابن نويرة وعشيرته وتسميتهم بأهل الردة من عجائب الظلم والبدع العظيمة المبكرة الفظيعة ، ثم رووا جميعا أن عمر لما ملك الأمر جمع من بقي من عشيرة مالك بن نويرة واسترجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم وأولادهم ونسائهم فرد ذلك عليهم مع نصيبه مما كان منهم ، وزعم أهل الرواية أنه استرجع

ص 9

بعض نسائهم من نواحي كثيرة وبعضهن حوامل فردهن إلى أزواجهن فإن كان فعل أبي بكر بهم خطأ فقد أطعم المسلمين الحرام من أموالهم وملكهم العبيد الحرام من أولادهم وأوطأهم الفروج الحرام من نسائهم وفي هذا الخزي العظيم والنكال الأليم ، وإن كان فعله حقا وصوابا فقد أخذ عمر نساء من قوم قد ملكوهن بحق فابتزهن من أيديهم غصبا وظلما وردهن إلى قوم لا يستحقونهن يطأونهن حراما من غير مبايعة وقعت ولا أثمان دفعت وفي كلا الحلالين قد أوطئا جميعا واحدهما المسلمين فروجا حراما وأطعماهم مالا حراما من أموال المقتولين على منع الزكاة منه ومن نسائهم فليثبت الآن أولياؤهم أي الجالين شاؤا ولينفوا منهما أيهما شاؤا فما يجدون عن ذلك في حقيقة النظر محيصا وليس فيهما ولا في أحد منهما خظ لمختار وما منهما إلا من قد فعل ما لا يرضي الله ولا رسوله فيه إذا كان في ذلك هتك حرمة المسلمين وإبطال أحكام شريعة الدين ، ممن أنه عمد إلى الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في ظلم فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبض دونها تركات أبيها مما خلفه عليها من الضياع والبساتين وغيرها وجعل ذلك كله بزعمه صدقة للمسلمين وأخرج أرض فدك من يدها فزعم هذه الأرض كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هي في يدك طعمة منه لك ، وزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه فهو صدقة فذكرت فاطمة عليها السلام برواية جميع أوليائه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جعل لي أرض فدك هبة وهدية فقال لها هات بينة تشهد لك بذلك فجاءت أم أيمن فشهدت لها فقال امرأة لا تحكم بشهادة امرأة ، وهم رووا جميعا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أم أيمن من أهل الجنة فجعله أمير المؤمنين عليه السلام شهد لها فقال هذا بعلك وإنما يجر إلى نفسه ، وهم قد رووا جميعا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال علي مع الحق والحق مع علي يدور (1)

(هامش)

(1) أخرج هذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع من الحفاظ والأعلام = (*)

ص 10

معه حيث دار ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، هذا مع ما أخبر الله به من تطهيره لعلي وفاطمة عليهما السلام من الرجس (2) وجميع الباطل بجميعوجوهه رجس ، فمن توهم أن عليا وفاطمة عليهما السلام يدخلان من بعد هذا الأخبار من الله في شيء من الكذب والباطل على غفلة أو تعمد فقد كذب الله ومن كذب الله فقد كفر بغير خلاف ، فغضبت فاطمة (ع) عند ذلك فانصرفت من عنده وحلفت أنها لا تكلمه وصاحبه حتى تلقى أباها فتشكو إليه ما صنعا بها فلما حضرتها الوفاة أوصت عليا عليه السلام أن يدفنها

(هامش)

= منهم الخطيب البغدادي في التاريخ (ج 4 ص 321) بطرقه عن أم سلمة والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (ج 7 ص 236) وقال رواه البزار والحافظ بن مردويه في المناقب والسمعاني في فضائل الصحابة أخرجاه عن عائشة وابن مردويه أيضا في المناقب والديلمي في الفردوس عن عائشة أيضا بلفظ (الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا) وابن قتيبة في الإمامية والسياسة (ج 1 ص 68) عن محمد بن أبي بكر عن عائشة بلفظ (علي مع الحق والحق مع علي) والزمخشري في ربيع الأبرار بلفظ (علي مع الحق والقرآن والحق والقران مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وبهذا اللفظ أخرجه أخطب الخطباء الخوارزمي . وفي المناقب من طريق الحافظ بن مردويه وكذا شيخ الإسلام الحموئي في فرائد السمطين من طريق الحافظ بن أبي بكر البيهقي والحاكم أبي عبد الله النيسابوري . ومن الغريب إذا ما ذكره داعية الضلال ابن تيمية في منهاج السنة (ج 167 168) من أن هذا الحديث من أعظم الكلام كذبا وجهلا وأنه لم يروه أحد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بإسناد صحيح ولا ضعيف وأنه كلام نبزه عنه رسول الله الكاتب (2) وذلك لما أطبق المفسرون على نزول قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في أهل بيت النبي = (*)

ص 11

ليلا لئلا يصلي عليها أحد منهم ففعل ذلك فجاؤا من الغد يسألون عنها فعرفهم أنه قد دفنها فقالوا له ما حملك على ما صنعت قال وصتني بذلك فكرهت أن أخالف وصيتها ، وهم قد رووا جميعا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل (1) ولم يجز أن أخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مخالفة وصيتها فقال عمر اطلبوا قبرها حتى ننبشها ونصلي عليها فطلبوه فلم يجدوه ولم يعرفوا لها قبرا إلى هذه الغاية ، ورووا كذلك جميعا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة عليها السلام يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (2) فإذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخبر أن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها وأن من آذاها فقد آذى رسول الله ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، وقد دل دفنها بالليل من غير أن يصلي عليها أحد منهم أو من أوليائهم أن ذلك كان منها غضبا عليهم بما اجترؤا عليها وظلموها ، وإذا كان ذلك كذلك فقد غضب الله عليهم الأمر بعد أن آذوها فإذا قد آذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأذاهم إياها وقد آذوا الله عز وجل بأذاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

(هامش)

= عليهم السلام وعلي وفاطمة عليهما السلام لا ريب أنهما من أهل البيت ، الكاتب (1) إن حديث فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل من الأحاديث المتواترة وإن اختلف في بعض ألفاظ المتن فممن ذكره أصحاب الصواعق والكنجي في كفاية الطالب كلهم في باب مناقب فاطمة عليها السلام . (2) رواه بن حجر العسقلاني في ترجمة فاطمة ع من الإصابة وقال النبهاني في الشرف المؤيد ص 59 إنه رواه الطبراني وغيره بإسناد حسن ، الكاتب (*)

ص 12

وإن الله عز وجل يقول (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا الآخرة واعد لهم عذابا مهينا) ورووا مشايخنا أن أمير المؤمنين (ع) قال لأبي بكر حين لم يقبل شهادته يا أبا بكر اصدقني عما أسألك قل قال قال وأخبرني لو أن رجلين احتكما إليك إليك في شيء في يد أحدهما دون الآخر أكنت تخرجه من يده دون أن يثبت عندك ظلمه قال لا ، فممن كنت تطلب البينة منهما أو على من كنت توجب اليمين منهما ، قال أطلب البينة من المدعي وأوجب اليمين على المنكر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البينة على المدعي واليمين على المنكر قال أمير المؤمنين عليه السلام أفتحكم فينا بغير ما تحكم به في غيرنا قال فكيف ذلك قال إن الذين يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما تركناه فهو قةصد ، وأنت ممن له في هذه الصدقة إذا صحت نصيب وأنت فلا تجيز شهادة شريك لشريكه فيما يشاركه فيه وتركة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحكم الإسلام في أيدينا إلى أن تقوم البينة العادلة بأنها لغيرنا فعلى من ادعى ذلك علينا أقام البينة ممن لا نصيب له فيما يشهد به علينا وعلينا اليمين فيما ينكره ، فقد خالفت حكم الله تعالى وحكم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قبلت شهادة الشريك في الصدقة وطالبتنا بإقامة البينة على ما ننكره مما ادعوه علينا فهل هذا إلا ظلم وتحامل ثم قال يا أبا بكر أرأيت لو شهد عندك شهود من المسلمين المعتدلين عندك على فاطمة بفاحشة ما كنت صانع ، قال كنت والله أقيم عليها حد الله في ذلك ، قال له إذا كنت تخرج من دين الله ودين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لم قال لأنك تكذب الله وتصدق المخلوقين إذ قد شهد الله لفاطمة بالطهارة من الرجس في قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فقلت أنت إنك تقبل شهادة من شهد عليها بالرجس إذ الفواحش كلها رجس وتترك شهادة الله لها بنفي الرجس عنها ، فلما لم يجد جوابا قام من مجلسه ذلك وترك عليا عليه السلام . فانظروا يا أهل الفهم هل جرى في الإسلام بدعة أظلم وأظهر وأفظع وأعظم

ص 13

وأشنع من طلب ورثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإقامة البينة على تركة الرسول أنها لهم مع شهادة الله لورثة الرسول بإزالة جميع الباطل عنهم وذلك كله بحكم الإسلام في أيديهم وقد رووا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نحن أهل بيت لا تحل علينا الصدقة ، فيجوز لمسلم أن يتوهم على أهل بيت الرسول عليهمالسلام أنهم طلبوا شيئا من الحرام ، هذا مع ما أخبرهم الله بتطهيرهم من الرجس كلا ، وقد دل القوم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما تركناه فهو صدقة على أن المنازعة جرت بينهم وبين أهل البيت في التركة فلا يخلو أهل بيت الرسول (ع) من أن يكونوا طلبوا الحرام بالباطل فيلزم عند ذلك تكذيب الله تعالى فيما أخبر به من تطهيرهم من ذلك وإما أن يكونوا طلبوا الحق فقد ثبت ظلم من منعهم من حقهم ولا يبعد الله إلا من ظلم وتعدى وغشم هذا مع تكذيب الله لهم فيما ادعوه من صدقة تركة الرسول وأن الأنبياء لا يورثون إذ يقول الله في كتابه (وورث سليمان داود) وقال فيما أخبر به عن زكريا أنه قال (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) فأخبر الله بميراث أنبيائه وزعم واضع الخبر المتخرص أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة) ولعمري لقد كان واضع الخبر ومتخرصه جاهلا كتاب الله إذ لم يعلم ما فيه من تكذيب خبره وذلك من امتنان الله على المؤمنين في كشف باطل المبطل ولو كان واضع الخبر جعل ما تخرصه في تركة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منسوبا إلى رسولنا خاصة دون غيره من الأنبياء لدخلت شبهة على كثير من الناس العارفين فضلا عن الاعجام وجمهور الأعوام ولكن الله أعمى قلبه وسمعه حتى قال فيما اخترصه من ذلك كله ما يكذبه كتاب الله وقد اضطر جهال من العوام وأهل الجدل في نصرة الظلمة إلى أن قالوا إن سليمان إنما ورث من داود النبوة وكذلك يحيى من زكريا ، وهذا منهم غاية الجهل والاختباط والغفلة والإفراط فإن النبوة لو كانت مما يورث لم يكن على

ص 14

وجه الأرض غير الأنبياء إذا الميراث لا يجوز أن يكون لواحد دون الآخر فأول خلف الله كان نبيا فهو آدم عليه السلام فلو ورث ولده نبوته لوجب أن يكون جميع ولد آدم أنبياء من بعده وكذلك أولاد أولاده إلى يوم القيامة ويلزم أيضا قائل هذا أن يحكم بأن ورثة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ورثوا نبوته فهم أنبياء من بعده ونسلهم أيضا إلى يوم القيامة ، وكفى بهذا لمن بلغ مذهبهإليه خزيا وفضيحة وجهلا ، ولا خلاف أن من الأنبياء المتقدمين من كان له أولاد كثير عددهم وكان منهم النبي وغير النبي ، وهذه مقالة واضحة الفساد وخارجه من كل وجه من وجوه السداد ، ولا يعبد الله إلا من ظلم وقال بما لا يعلم ، هذا وقد أجمع أهل الأثر ورواة الخبر أن ما تركه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البغلة والسيف والعمامة وأن درعه كانت مرهونة فافتكها أمير المؤمنين (ع) وأخذها إليه مع البغلة والسيف والعمامة فكيف جاز لهم ترك ذلك عنده وهو من تركة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن كانت التركة كما زعموا صدقة فذلك كله داخل في التركة فكله صدقة والصدقة على أمير المؤمنين عليه السلام حرام بإجماع فهل علي عليه السلام قهرهم وغلبهم عليه ومنعهم وعجزوا عن انتزاعه منه فقد كفر علي عليه السلام وخرج عن دين الإسلام ووجب على جميع الصحابة والمسلمين مجاهدته إذ كان قد استحل ما حرم الله عليه تعمدا وخالف الله جهارا وتركهم لمجاهدته وقصده بالمحاربة بعد هذا الحال منه يوجب عليهم الخروج معه من غير دين الله ودين رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد رووا جميعا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من دينه فاقتلوه ولا يكون في تغير الدين شيء هو أظهر من استحلال الحرام وتحريم الحلال على معرفة ويقين وقد لزمهم في إمساكهم عن محاربته ما لزمه هو أيضا من الذم في ذلك ، فهذا بات يوجب على المسلمين كلهم البرائة من جميع المهاجرين والأنصار ومن جاورهم من سائر المسلمين ، وكفى بهذا لمن يبلغ به مذهبه إليه خزيا وفضيحة ومقتا وكفرا وإلحادا ، فإن كانت الصحابة حابوا عليا عليه السلام

ص 15

في ذلك فقد أشركونا في الخلاف على الله وعلى رسوله إذ ليس لهم أن يقدموا ولا يؤخروا في الصدقات بعضا على بعض ، ولا محيص لذي نظر وتحصيل من هذا الحال فإن زعم جاهل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل ذلك في حياته لعلي عليه السلام في تركاته دون غيره طولب زاعم هذا بخبر معروف مجمع عليه وعلى نقله ومعرفته ولن نجد إلى ذلك سبيلا ، هذا ما رووا جميعا أن العباس رافع عليا عليه السلام إلى أبي بكر في مطالبة الميراث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدرع والبغلة والسيف والعمامة وزعم أن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بتركة رسول الله من ابن العم فلو كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهب ذلك لعلي عليه السلام لكان قد ظهر القول بذلك ممن يخبره وقد وقف عليه ولكان علي (ع) يدعي الهبة أيضا والهدية ولنقله الأخبار بذلك ، هذا مع ما يلزمهم من الحكم على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيانته لأهل بيته إذ قال ما تركت فهو صدقة ولم يعرف (1) ذلك أهل بيته عليه السلام حتى لا يطالبوا منه شيئا ولا ينازعوا فيه مع تحريمه الصدقة عليه وعليهم ، ومن ظن هذا بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كفر بما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . (ومما ابتدعه) كلامه بالصلاة بعد التشهد وقبل التسليم حسين قال (لا يفعلن خالد ما أمرته به) حتى احتج بذلك قوم من فقهاء العامة يشهرته منه فقالوا لا يجوز الكلام بعد التشهد وقبل التسليم فإن أبا بكر فعل ذلك للضرورة وقال آخرون لا يجوز ذلك فإن أبا بكر قال ذلك بعد أن سلم في نفسه وتنازعوا في اختلافهم في هذا المعنى . فقلنا لهم أما تجويزكم في الصلاة فإنا غير محتاجين إلى منازعتكم فيه لأنا غير آخذين بفعل أبي بكر ولا متبعين له فيه ولكن عرفونا ما الذي دعا أبا بكر إلى أن قال (لا يفعلن خالد ما أمرته به) قبل تسليمه وما هو ولم هو فكانوا في ذلك صما بكما عميا فقالت شيعة آل محمد

(هامش)

(1) يعرف بتشديد الراء أي لم يعرف النبي ذلك (الكاتب) (*)

ص 16

عليهم السلام قد علمنا وعلم كل ذي فهم أنه نهاه عن أمر منكر بعد أن أمره به وجهلكم بذلك منه دليل على صحة ما رواه مشايخنا عن أئمتنا عليهم السلام فإنهم قالوا أن أبا بكر كان قد أمر خالدا بقتل أمير المؤمنين عليه السلام إذا هو سلم من صلاة الفجر فلما قام إلى الصلاة ندم على ذلك وخشي أن تهيج عليه فتنة لا يقوم بها فقال قبل أن يسلم لا يفعلن خالد ما أمرته به فكان الأمر منه في ابتدائه لخالد كفرا إذ أمره بقتل مؤمن من غير جرم ، وكان كلامه في الصلاة قبل التسليم لنهي خالد عن ذلك مفسدا لصلاته تلك وكان قد لزمه إعادتها ولزم جميع من صلى خلفه كذلك إذ قدروا جميعا أن تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم وليس معهم توقيف من صاحب الشريعة بجواز ذلك وليس عندهم مع هذا لحال رواية بوجه ولا سبب ولا آية ولا القوم أعادوا تلك الصلاة فتركه لإعادة صلاة قد أفسدها يوجب الكفر أيضا (1) وقد رووا جميعا عن الرسول صلوات عليه وآله وسلم أنه قال من ترك صلاة واحدة عامدا متعمدا فقد كفر ، وقول من زعم أنه سلم في نفسه قبل أن يتكلم فاسد لأن صلاته عقدها مصليا بالجماعة ولم يكن مصليا بنفسه فغير جائز له أن يستعمل حدا واحدا مما يخالف صلاة المصلي بالجماعة ومن حدود المصلي بالجماعة إظهار التكبيرة والتسليم لا يسعه غير ذلك ، ومن ادعى جواز خلاف ذلك من غير توقيف من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو جاهل ولا حجة في شيء من أقاويل أهل الجهل ، ومن عدل عن هذا الذي ذكرنا من حدود الجماعة فصلاته فاسدة يجب عليه إعادتها ويجب على كل من صلى خلفه إعادة صلاته تلك التي أفسدها إمامهم ، هذا مع روايتهم جميعا أنه قال بعد قوله لا يفعلن خالد ما أمرته به (السلام عليكم) فما الذي عني بذلك التسليم بعد ذلك الكلام المفسد للصلاة ، ثم رووا جميعا بخلاف تلك الرواية أنه قال في وقت

(هامش)

(1) إذ لم ينقل عنه ولا عن أوليائه أنهم أعادوا صلاتهم (الكاتب) (*)

ص 17

وفاته ثلاث فعلتها ووددت أني لم أفعلها ، وثلاث لم أفعلها وودت أني فعلتها وثلاث اهملت السؤال عنها ووددت أن أسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها ، ثم اختلف أولياؤه في تأويل ما فعل وما لم يفعل ولم يختلفوا في السؤال فأهملنا ذكر ما اختلفوا فيه وقصدنا ذكر ما أجمعوا عليه طلبا للنصفة وتحريا للحق فزعموا أنه قال وددت أني سألت رسول الله عن الكلالة ما هي وعن الجد ما له من الميراث وعن هذا الأمر لمن هو فكان لا ينازع فيه فيا ويل أهل الجهل والويل حل بهم هل الرسول بلغ الشريعة بالتمام والكمال أم لم يبلغ ذلك فبلغ البعض وأهمل البعض والله تعالى يقول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) والتبليغ لا يكون إلا بالتفسير فإن كان أبو بكر أهمل السؤال والصحابة جميعا عن ذلك الشيء أليس كان يلزم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تعريفهم ذلك فلم يكن في الصحابة كلها أحد سمع تفسير ذلك من رسول الله بالتبليغ إلى من كان ، أليس هذا القول منه يوجب تعطيل الشريعة وخروج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من حدود الرسالة إذ لم يبلغ ما أمره الله تعالى بتبليغه أوليس قد دل بقوله أنه لم يعرف الأمر لمن هو على أنه قد دخل فيما لم يكن له فإنه لو كان له لكان قد علمه ولما لم يعلم ذلك كان جهله به دليلا على أنه لا حق له فيه ووجب عليه أن لا يدخل في أمر هو لغيره وإن كان لا يعرف صاحبه .

 

ومن بدعه أنه قطع لنفسه أجرة من بيت مال الصدقات

 

(ومن بدعه) أنه لما استتب الأمر له قطع لنفسه أجرة على ذلك من بيت مال الصدقات في كل يوم ثلاثة دراهم وهذا من أظهر الحرام فأكل الحرام تعمدا وخلافا على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) مصرا عليه غير نادم فيه ولا تائب عنه إلى أن مات بغير خلاف فيه وذلك أن أبواب أموال الشريعة معلومة كل باب منها مفروض من الله ومن رسوله لقوم بأعيانهم لا يحل لأحد أن يأكل منه حبة واحدة حتى يصير نصيب كل واحد منهم في يده إذ لم يجعل الله ولا الرسول إليهم ولا لأحد منهم الحكم فيه ولا في شي ، منه

ص 18

وإنما الحاكم فيه عليهم غيرهم وهو كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم من مقامه من أوصيائه من بعده ، وقد أوضحنا من البيان في المستحقين لمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب الأوصياء ما فيه كفاية ومقنع للأديب ، ولسنا نجد من أبواب الأموال في الشريعة بابا يصلح أن يؤخذ فيه أجرة وذلك أن أبواب الأموال في الشريعة من خمسة وجوه لا سادس لها (فمنها) أبواب الصدقات على صنوفها من كيلها ووزنها وعدها وقد جعل الله ذلك فريضة لثمانية أصناف من المسلمين في قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) فكل صنف من هؤلاء الثمانية فله شيء معلوم منها على قدر الكفاية يدفع الإمام إليه ذلك ليس له الحكم في سواء (ومنها) مصالحة أهل الذمة على ما في أيديهم من الأموال والأرضين وذلك لاحق بوجوه الصدقات وذلك لأن هذا الصلح وضع عليهم عوضا من الصدقات إذ لا يجوز أن يؤخذ الزكاة من أهل الكفر فمن أسلم منهم زال عنه وجه الصلح ووجب عليه فريضة الصدقات التي هي الزكاة ولذلك صار الصلح لاحقا بوجوه الصدقات ولأهلها دون غيرهم فسبيل الحكم فيها سبيل ما شرحناه من حال الحكم في الصدقات (ومنها) الجزية والأمة فيها في ذلك على قولين فالعامة تقول إنها تجري مجرى الصدقات والشيعة تقول إنها لأهل مكة خاصة أغناهم الله به عوضا عن منع المشركين من الدخول إليهم والتجارات معهم قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن يشاء إن الله عليم حكيم . قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فأغنى الله أهل مكة بالجزية فجعلها لهم خاصة وكلا الوجهين يحرم على كل واحد أن يأخذ منهما أو من أحدهما أجرة

ص 19

ولا غيرها غير من جعل الله ذلك لهم ولم يملك الله تعالى من جعلها لهم ولا رسوله الحكم في شيء منها إلى أن يصير في أيديهم نصيبهم منها (ومنها) الغنائم التي يجاهدون عليها المسلمون فيأخذونها من أيدي الكفار وهي في قول العامة (1) لمن يجاهد عليها من جميع المسلمين دون غيرهم ، وفي قول أهل البيت عليهم السلام للمهاجرين والأنصار وأبناؤهم وأبناء أبنائهم إلى يوم القيامة دون غيرهم ، وليس لأحد من أهل القولين الحكم في شيء منها إلى يصير نصيبه منها في يده (ومنها) المعادن والركازات وهي الكنوز الموجودة المذخورة واستخراج جواهر البحر ونحوها ، والأمة في ذلك على قولين فالعامة تقول إن ذلك للعامل عليه وفيه وليس لأحد أن يأخذ منه شيئا إلى أن يبلغ ما يلزمه فيه الزكاة فيخرج منه عند ذلك الزكاة المفروضة ، والشيعة يقولون إنه للعامل عليه وفيه إذا هو عمل في ذلك كله بأمر الإمام وإن عمل بغير أمره فالأمر فيه إلى الإمام إن شاء أخذه كله وإن شاء دفع إلى العامل فيه منه ما أحب وإذا عمل فيه بإذن الإمام كان فيما يرزق فيه من قليل أو كثير الخمس يخرجه الإمام فإذا بلغ نصيبه عنده بعد الخمس مبلغ الزكاة أخرج زكاته على نحو ما يجب من حكم ذلك وهذا ما لا يجوز لأحد أخذ أجرة منه لأنه للعاملين فيه دون غيرهم فجميع ما وصفناه من أبواب الأموال في الشريعة إنما هو لقوم من المسلمين دون قوم منهم والإمام المنتصب بأجرة يجب أن تكون أجرته على جميع المسلمين لو قد كان أخذها جائزا في دين الشريعة فإن أخذها مال قوم دون قوم فقد ظلم أولئك واعتدى عليهم فجميع ما أخذه من بعده من الأجرة فذلك حرام من الله ورسوله وعقوبة ذلك كله في عنق

(هامش)

(1) وهي بإجماع من بعد إخراج الخمس منها للمقاتلين عليها دون غيرهم فبطل أن يجوز أخذ الأجرة من الغنائم كما بطل من غيرها (ومنها) المعادن الخ في بعض نسخ الكتاب بدلا عن العبارة المذكورة . (الكاتب) (*)

ص 20

الأول منهم إذا كان هو سنه لمن اقتدى به من بعده فيه وذلك محقق بقول رسول الله صلى عليه وآله وسلم (من استن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص العامل بها شيئا من أجره ، ومن استن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص العامل شيئا من وزره)

 

ومن بدعه أنه لما أراد أن يجمع ما تهيأ من القرآن صرخ مناديه في المدينة ....

 

(ومن بدعه) أنه لما أراد أن يجمع ما تهيأ من القرآن صرخ مناديه في المدينة من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ثم قال لا تقبل من أحد منه شيئا إلا بشاهدي عدل ، وإنما أراد هذا الحال لئلا يقبلوا ما الفه أمير المؤمنين عليه السلام إذ كان ألف في ذلك الوقت جميع القرآن بتمامه وكماله من ابتدائه إلى خاتمته على نسق تنزيله فلم يقبل ذلك منه خوفا أن يظهر فيه ما يفسد عليهم أمرهم فلذلك قالوا لا نقبل القرآن من أحد إلا بشاهدي عدل هذا مع ما يلزم الحكم عليهم أنهم لم يكونوا عالمين بالتنزيل لأنهم لو كانوا عالمين به لما احتاجوا في قبوله إلى شاهدي عدل ، وإذا لم يعلموا التنزيل كانوا من علم التأويل أبعد به وأجهل ، ومن لا يعلم التنزيل ولا التأويل كان جاهلا بأحكام الدين)

 

ومن بدعه تخلفه وصاحبه عن جيش أسامة بن زيد بعد قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه جهزوا جيش أسامة 

 

(ومن بدعه) العظيمة الشنيعة الموجبة للكفر من غير تأويل أن الأمة مجمعة في روايتها على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد ضمه قبل وفاته إلى أسامة بن زيد مع صاحبه وجماعة من رؤساء المهاجرين والأنصار وأمرهم بالمسير معه إلى الشام وخرج أسامة في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فعسكر خارج المدينة واعتل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) علته التي توفي فيها فروي جميع أهل الرواية أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل يقول في علته خمسة عشر يوما نفذوا - أي جهزوا - جيس أسامة (1) نفذوا جيش أسامة

(هامش)

(1) ذكر هذا الكلام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع كثير من الأعلام الإثبات وأرسلوه إرسال المسلمات ولم يخالف أحد من المؤرخين = (*)

ص 21

لعن الله المتخلف عن جيش أسامة حتى توفي وهو يقول ذلك فلم ينفذوا وتأخروا إلى أن توفي ثم أقبلا يخاصمان الأنصار في طلب البيعة فبايع الناس أبا بكر وأسامة على حال معسكرة خارج المدينة يراسلهم فلا يلتفتون إليه حتى إذا استوي لهم الأمر فبعث إلى أسامة أن الناس نظروا في أمورهم فلم يجدوا لهم غنى عني وقد نظرت في أمري فلم أجد عن عمر غنى فخلفه عندي وامض في الوجه الذي أمرك به الرسول بالمضي فيه ، فكتب إليه أسامة من الذي أذن لك في نفسك بالتخلف عني حتى تطلب مني الإذن لغيرك إن كنت طائعا لله ولرسوله فارجع إلى معسكرك ومركزك الذي أقامك فيه رسول الله

(هامش)

= فيه فممن ذكره الشهرستاني في الملل والنحل وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة (ص 20 ج 2) من طبع مصر ، قال سيدنا العلامة الحجة الخبير السيد عبد الحسين آل شرف الدين الموسوي العاملي أدام الله وجوده في (الفصول المهمة ص 89) ما هذا لفظه (وأنت تعلم أنهم إنما تثاقلوا عن السير أولا وتخلفوا عن الجيش أخيرا ليحكموا قواعد سياستهم ويقيموا عمدها ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنص حيث رأوه أولى بالمحافظة وأحق بالرعاية إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم عن السير ولا يتخلف من تخلف منهم عن الجيش ، أما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان (بأبي وأمي) أراد أن تخلوا منهم العاصمة فيصفو الأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على سكون وطمأنينة فإذا رجعوا وقد أبرم عهد الخلافة وأحكم لعلي عليه السلام عقدها كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد لكنهم فطنوا إلى كل ما دبر (صلى الله عليه وآله وسلم) فطعنوا في تأمير أسامة وتثاقلوا عن السير معه فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بربه فهموا حينئذ بالغاء البعث وحل اللواء تارة ويعزل أسامة أخرى ثم تخلف كثير منهم عن الجيش إيثارا لرأيهم وترجيحا لاجتهادهم على التعبد بنصوصه (صلى الله عليه وآله وسلم)) (الكاتب) (*)

ص 22

فلم يزالوا يدارونه ويعدونه ويمنونه إلى أن أجاب وقبل منهم وتركهم ونفذ في ذلك الوجه ، فلم يقنع أبو بكر بمعصيته لله ولرسوله بتخلفه عن جيش أسامة حتى بعث عمر على معصية الله ورسوله بما أمره به من التخلف عن أسامة لأن الأمة مجتمعة على أن من عصى الرسول وخالفه فقد عصى الله وأن معصية الرسول بعد وفاته كمعصيته في حياته .

 

ومن بدعه تعيينه عمر للخلافة لما حضرته الوفاة أمره بأن يدفع مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته

 

(ومن عجائب بدعه) أنه لما حضرته الوفاة جعل ما كان اغتصبه وظلمه في الاستيلاء عليه لعمر من بعده وطالب الناس بالبيعة والرضا به كره بذلك من كره ورضي به من رضي ، وقد أجمعوا في روايتهم أن الغالب من الناس يومئذ الكراهة فلما اكثروا عليه في ذلك وخوفوه من الله قال أبا الله تخوفوني ، إذا لقيته قلت له استخلفت فيهم خيرا ، فقد تقلد من الإثم ما جعله لعمر بعده مثل الذي تقلده منه في حياته ولزمه وزر ما جرى في أيام عمر من تصيره ذلك إليه من غير أن ينقص عمر من ذلك شيئا إذ ملكه ما لم يكن هو له ، وقوله أبالله تخوفوني ، فليس يخلو حاله في ذلك من أحد وجهين إما أن يكون قال هذا لأنه لا يخاف الله في حياته لأنه تقي نفي زكي مخلص زاهد عن كل زلة وهفوة وظلم وزلل ، وقائل هذا ومعتقده عاص عصى الله متعمداأو خالفه ذاكرا فكفى له به خزيا إذ يقول الله عز وجل في كتابه (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) فمن زكى نفسه بعد هذا فقد خالف الله تعالى في نهيه ، أو أن يكون أراد بقوله (أبالله تخوفوني) أي إنه لا يخاف الله تعالى تعظيما واستكبارا ومعتقد هذا كافر بغير خلاف ، وقوله أنه يقول الله أنه استخلف على عباده خيرهم ، فإن أجابه الله بأن يقول له ومن جعل إليك ذلك ومن أمرك به ما تكون حجته على الله سبحانه عند ذلك إن هذا إلا جهل واختباط وغفلة وإفراط ، ثم ختم بدعته بالطامة الكبرى والمعصية العظمى بأن أمر في وقت وفاته أن يدفنوه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته حتى اقتدى به عمر في ذلك فامتثل فيه مثل ما فعله ، ومن عقل وميز

ص 23

علم أنهما قد دخلا بذلك في أمر عظيم ومنكر جسيم وذلك أن البيت الذي قبر فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخلوا من أن يكون من جملة التركة الموروثة أو للصدقة كما زعم المتخرصون أو أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلص ذلك لنفسه فقد قال الله تعالى في كتابه (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذون لكم) فالحال في ذلك بعده وفاته كالحال في حياته وليس معهم خبر يعرف عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإذن لهما في ذلك فهو قد عصى الله بدخوله إليه بغير إذن ، ومن ختم عمله بالمعصية لله تعمدا مصرا فقد بارز الله بالعدوان وإن كان البيت داخلا في التركة فلا يخلو حال التركة من أن تكون كما زعموا صدقة أو أن يكون موروثا فإن كان صدقة فهو لجميع المسلمين شرق الأرض وغربها وليس لهما أن يغصبا شيئا هو للمسلمين عامة من غير رضا جميع المسلمين به ولو ادعى مدع رضا المسلمين به كان اجتماعهم على الرضا بذلك غير جائز لأن حكم الصدقة أنها لا تباع ولا توهب عندهم وفي قولهم لا يخلو حالهما في قبريهما من أن يكون اشتريا ذلك أو استوهباه وهذان الوجهان لا يجوزان في الصدقة عندهم ، وإن كان البيت موروثا فليسا هما ممن يرث الرسول ص في حال من الأحوال . فإن ادعى جاهل بميراث ابنتيهما من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنما كان نصيبها تسع الثمن لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك تسع نسوة وولدا فلكل واحد من الأزواج تسع الثمن ومع ذلك فلم تقع قسمة من الورثة ولا الرضا منهم جميعا بذلك ، مع ما فيه من تكفيرهما جميعا إذا منعا ورثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من التركة والميراث وزعموا أنه صدقة وكفى بهذا الحال خزيا وفضيحة ومقتا . وقد أجمعوا في روايتهم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

 

(في ذكر بدع الثاني منهم) أمره الناس بغسل الرجلين في الوضوء بدلاً عن المسح

 

(فصل في ذكر بدع الثاني منهم) من بدع الثاني ما جرى منه في حدود الصلاة وما يتصل بها من أحكام الوضوء والأذان والإقامة وما يشاكل هذا الوجه .

ص 24

فمن ذلك الوضوء الذي لا صلاة بالاجماع بدونه لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا صلاة إلا بوضوء والله تعالى يقول في كتابه (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين (1) ففرض الله تعالى للوضوء أربعة حدود ، حدان منها غسل ، وحدان منها مسح ، فدعا الثاني الناس إلى غسل الرجلين ومنع من مسحهما فأفسد على الناس وضوءهم وبفساد الوضوء قد فسدت الصلاة ، ثم تخرص أولياءه وأنصاره فرووا روايات كاذبة لبسوا بها على أهل الغفلة من العوام وزعموا في ذلك تخرصا وافتراء أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال خللوا الأصابع من اليدين والرجلين قبل تخللهما النار ، وأنه قال ويل للأعقاب من النار ، فانقاد لهذه الرواية جمهور العوام والجهلة والأغنام ومحال عند ذوي الفهم أن يوجب الله فرضا في كتابه فيخالفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويضاده ويبطله وذلك أن الله تعالى قال في فريضة الوضوء (وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) على ما يقرأ الناس (ومن الكعبين) عند قوم آخرين ولا خلافعند ذوي المعرفة أن الكعب هو المفصل الذي بين مقدم الساق والقدم وأن العقب هو الذي في مؤخر الساق وبينه وبين الكعب نحو أربع أصابع فكيف يجوز أن يكون الله يحد له حدا أو فريضة من أجل الفرائض

(هامش)

(1) وفي مصحف أمير المؤمنين عليه السلام برواية الأئمة من ولده صلوات الله عليهم (المرافق - ومن الكعبين) حدثنا بذلك علي بن إبراهيم ابن هاشم القمي عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر ابن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم أن التنزيل في مصحف أمير المؤمنين صلوات الله عليه (يا أيها الذين آمنوا إذ قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم من الكعبين) كذا في الأصل المختصر منه للحافظ بن شهر آشوب السروي (الكاتب) (*)

ص 25

فيعدناالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنار على ترك التجاوز بحد الله تعالى إلى حد غيره كلا لا يجوز ولو صح أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) استن في فريضة الرجلين زيادة على ما افترضه الله فيهما لما جاز أن يأتي على سنته من ذلك بوعيد يوجب النار على ترك ذلك تقصيرا أو غفلة وما وجدنا في شيء من سننه وعيدا بوجه ولا سبب فلما فسد هذا في النظر والحكمة ثبت الفرض في المسح على ما جاءت به روايات الأئمة عليهم السلام واستشهدوا على ذلك في الاحتجاج بأن الله تعالى لما نقل المسلمين من فريضة الوضوء بالماء عند الضرورة إلى فريضة التيمم وأوجب بالتيمم ماء كان غسلا بالماء مسحا بالتراب وأسقط ما كان مسحا بالماء من فريضة التيمم دل بذلك على أن فريضتهما بالماء فرض واحد ، وأعجب من ذلك أنه لما نقلهم عن فريضة الله من المسح على الرجلين إلى غسلهما دعاهم إلى المسح على الخفين وزعم أن ذلك سنة من الرسول فمنعهم من فريضة واحدة وأثبت لهم بدعتين من المغسل والمسح على الخفين فقبلوا ذلك منه واتبعوه عليه فكانت سبيله إلى أولياؤه في هذا وشبهه مع ما تقدمه وتأخر عنه كما قال الله عز وجل (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) وأجمع أهل التفسير أن ذلك لم يكن من جهة عبادة لهم ولكنهم أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم عليه واقتدوا بهم فصيرهم الله في هذا الحال متخذين أربابا من دون الله .

 

ومن بدعه أمره بإسقاط حي على خير العمل من الآذان والإقامة وزيادة الصلاة خير من النوم مرتين

 

(ومن ذلك) ما أفسده من حدود الصلاة فاسقط من الأذان والإقامة وزاد ما أفسدهما على متبعيه . فأما الأذان فإنه كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما جاء به الرواية على طريق الشيعة الإمامية يقال فيه حي على خير العمل فقال أسقطوا هذا من الأذان لئلا يتكل الناس على الصلاة ويتركوا الجهاد فاسقط ذلك من الأذان والإقامة جميعا لهذه العلة (1) فقبلوا ذلك منه واتبعوه

(هامش)

(1) قال إمام المتكلمين (بزعمهم) القوشجي الأشعري في شرح تجريد الكلام للمحقق نصير الدين الطوسي ص 408 من طبع ايران في مبحث = (*)

ص 26

عليه فلزمهم في حكم النظر بأن عمر أبصر من الرشد في ذلك ما لم يعلمه الله ولا رسوله إذا ثبتا ذلك في الأذان والإقامة ولم يخافا على الناس ما خشيه عمر عليهم ، فهذا حال يوجب الكفر بلا خلاف على من رضيها ، ثم إنه لما أسقط ذلك من الأذان والإقامة أثبت في الأذان (الصلاة خير من النوم) مرتين ولم يكن هذا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) وقال ينبغي

(هامش)

= الإمامة ما نصه (إنه - أي عمر - صعد المنبر وقال أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله أنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن وهي متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل . ومن الغريب ما اعتذر به القوشجي عن عمر (بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع) وليت شعري ما قيمة اجتهاد عمر في قبال نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى والذي مخالفته مخالفة لله سبحانه ، فما اعتذر به القوشجي من السخافة التي لا يقام لها وزن ومما يضحك الثكلى (الكاتب) (2) أخرج الإمام مالك في الموطأ في باب ما جاء في النداء للصلاة من أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال (الصلاة خير من النوم) فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح (انتهى بلفظه) وقال العلامة الزرقاني عند بلوغه إلى هذا الحديث من شرح الموطأ ما هذ لفظه هذا البلاغ أخرجه الدارقني في السنن من طريق وكيع في مصنفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال وأخرج عن سفيان عن محمد بن غجلان عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه قال لمؤذنه إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير النوم (انتهى) قلت وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة ، ورواه جماعة آخرون يطول المقام بذكرهم . انظر ما ذكرناه كتاب الفصول المهمة لسيدنا الحجة الثبت السيد عبد الحسين آل شرف الدين الموسوي العاملي أدام الله وجوده ص 66 - 67 من طبع صيدا . (الكاتب) (*)

ص 27

أيكون بين الأذان والإقامة فرق فجعلها فرادى بعد أن كانت مثنى مثنى مثل الأذان سوى حرف واحد من آخرها وهو قول لا إله إلا الله فإنه في الأذان مرتين وفي الإقامة مرة واحدة فجعل الإقامة فرادى كلها إلا ما زاده فيها فإنه مرتين حتى تكون البدعة عندهم أعظم قدرا من فريضة الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)

 

ومن بدعه زيادة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

 

(ومن ذلك) ما أفسده عليهم من حدود الصلاة والتشهد فإنهم قد رووا جميعا أن تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم فصاروا في تشهدهم الأول يقولون السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهذا سلام تام يقطع الصلاة ويفسدها فإنهم إذا قالوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد دخل في هذا التسليم جميع عباد الله من الملائكة والجن والإنس ولم يبق بعد ذلك من يجوز أن يسلم عليه فليس منهم من يصلي أربع ركعات سالمة بوجه ولا سبب .

 

ومن بدعه زيادة قول آمين بعد الفراغ من سورة الحمد في الصلاة ومن بدعه أمره بصلاة المغرب قبل ....

 

(ومما أفسده عليهم) من حدود الصلاة إنه استن عليهم في قراءة الحمد بعد فراقه قول (آمين) فصارت عند أوليائه كأنها من كتاب الله حتى أن من يلقن من الأعاجم وغيرهم وعوام الناس وجهالهم سورة الحمد يلقنوهم هذا الحرف (هذه في آخرها خ ل) فكانت هذه كلمة زائدة منهم في سورة من القرآن حتى أن من يقرأ ولم يأت بها في الصلاة وغيرها كان عندهم كأنه ترك آية من كتاب الله ، وأنكر ذلك أئمتنا أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا إنها تقطع الصلاة ، ودليل ذلك اختلاف أهل الحجاز في روايتهم ، فمنهم من روى أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إذا قال الإمام ولا الضالين قولوا آمين (1) ومنهم من روى إذا أمن الإمام فأمنوا

(هامش)

(1) روى هذه الروايات وأمثالها البخاري ومسلم في صحيحهما في كتاب الصلاة عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل من رواها فإنما تنتهي = (*)

ص 28

ومنهم من روى ذلك برفع الصوت ، وكان هذا الاختلاف منهم من أوضح الدلالة على تخرصهم في أخبارهم ، ثم اتبع هذه البدعة ببدعة مشاكلة لتفكير أهل الكفر لطواغيتهم من عكف اليدين في الصدور (2) وقد نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك . (ومما أفسده عليهم) من حدود الصلاة أمره إياهم بصلاة المغرب قبل ظهور شيء من النجوم وزعم أنه لو علم أن في الناس إمكانا للعتق من كلهم لا وجب على من ترك صلاة المغرب حتى يظهر نجم واحد عتق رقبة ، فشدد عليهم في تقديمها غاية التشديد ، وهم قد رووا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ في المغرب سورة الأنعام ، ومنهم من روى أنه كان يقرأ فيها

(هامش)

= روايته إلى أبي هريرة داعية بني أمية ، وكيف يعتمد على نقله الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد سرق من بيت مال المسلمين عشرة آلاف حين ولاه عمر على البحرين فضربه بالدرة حتى أدماه وحدث هو عن نفسه كما في عقد الفريد وطبقات بن سعد والإصابة لابن حجر العسقلاني - قال إنه لما عزلني عمر عن البحرين قال لي يا عدو الله وكتابه سرقت مال الله ، وكان أبو هريرة مقربا عند عثمان وبني أمية لأنه كان يضع الأحاديث والمخرفات المكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفق إرادتهم وسياستهم ، انظر كتاب أبي هريرة لسيدنا العلامة الكبير الحجة السيد عبد الحسين آل شرف الدين الموسوي العاملي أدام الله وجوده فإنه لعمري كتاب جمع فأوعى لم يؤلف مثله طبع في صيدا . (2) ورووا في مؤلفاتهم روايات أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا صلى وضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي أنه وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ على الساعد وقال النوري في شرح صحيح مسلم يجعلها تحت صدره فوق سرته . (الكاتب) (*)

ص 29

دائما والنجوم والطور ونحوهما ، لكن عمر أفسد عليهم بتقديم هذه الفريضة فريضتين عظيمتين فريضة الصلاة وفريضة الصيام في شهر رمضان لإفطارهم في ذلك الوقت والله يقول في كتابه (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فكل من أفطر قبل الليل فقد أفسد صومه بلا خلاف ، ولا خلاف مع ذلك أن الليل يكون إذا غابت الشمس ، ولا خلاف بين ذوي المعرفة أن الحائل بيننا وبين رؤية النجوم بالنهار هي الشمس فحكمها إذا غربت أن تظهر النجوم لزوال الحائل بيننا وبينها والحائل بعد قائم لم يغرب كلا فعلامة الليل ظهور النجوم وعند ذلك يجب الافطار وفريضة صلاة المغرب .

 

ومن بدعه أمره بصلاة الوتر في أول الليل بعد العشاء وسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إتيانها في آخر الليل

 

(ومما أفسد عليهم) من صلاة النوافل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استن صلاة الوتر بعد صلاة الليل بإجماع أهل الرواية على ذلك منه عليه السلام فقال عمر أن صلاة الليل إنما كانت واجبة على الرسول دون غيره لقوله عز وجل (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) قال وليس كل إنسان يطيق القيام في الليل فلا يجب أن يؤخر الوتر والوجه أن تصلي في أول الليل بعد العشاء ، فأزال سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن وقتها من آخر الليل إلى أوله فبطل فضل الوتر في أول الليل إذ لم يأت بها في وقتها الذي استنها ، فهذه الصلاة بجميع حدودها قد فسدت عليهم ببدعته في فرائضها وسنتها .

 

ومن بدعه في أخذ الزكاة التفضيل بين المهاجرين والأنصار وقريش والعرب والعجم ....

 

(ومن بدعه في الزكاة) التي قرن الله فرضها بفرض الصلاة في غير موضع من كتابه ، واجتمعت الأمة في الرواية أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب العشر من كل صنف مما يسقى بالأنهار والأمطار ونصف العشر فيما لا يسقى بها وأنه لا صدقة في شيء من ذلك حتى يبلغ الصنف خمسة أوسق كل وسق ستون صاعا بصاع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلف الأمة في الصاع فقال أصحاب الحديث هو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي وقال أصحاب الرأي هو ثمانية أرطال بالبغدادي ، وقال أهل البيت

ص 30

عليهم السلام هو تسعة أرطال بالعراقي وستة بالمدني ، فأخذ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الصدقات التي هي الزكاة على ما ذكرناه في العشر ونصف العشر من الأصناف الأربعة ثم ساوى بالاعطاء بين الأصناف الثمانية التي أوجبها الله تعالى لهم فلم يفضل في ذلك قرشيا على عربي ولا عربيا على عجمي ولا أبيض على أسود ولا ذكرا على أنثى والثمانية أصناف في قول الله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية) وكان الحال يجري كذلك في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أيام عمر بغير خلاف في ذلك فأوجب عمر التفضيل بينهم في الاعطاء ففضل المهاجرين على الأنصار وقريشا على العرب والعرب على العجم ثم فضل بين أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ففضل منهن عائشة وحفصة على جميعهن وكان يعطيهما ضعفي غيرهما من الأزواج (1) فقبلوا ذلك طوعا وكرها وهذا هو الحرام المحض الذي لا شبهة فيه إذ لم يأمر الله به ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما قبلوا ذلك الحرام منه واستعذبوه ومالوا إليه واستطابوه قال ينبغي أن يجعل مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم يأخذها من أرباب الأملاك معلومة فإنه أحفظ وأوفر للمال وأسهل على أرباب الأملاك فأجابوه إلى ذلك فبعث إلى البلدان من يمسحها إلى أهلها وألزمهم الخراج فأخذ من العراق وما يليها ما كان يأخذ منهم ملوك الفرس على كل جريب درهما واحدا وقفيزا من أصناف الحبوب ، وأخذ من مصر ونواحيها دينارا واردبا عن مساحة جريب كانت لهم يأخذها منهم ملوك الاسكندرية ، وهم قد رووا جميعا أن

(هامش)

(1) اعترف بذلك كله القوشجي الأشعري إمام المتكلمين بزعمهم في شرحه لتجريد العلامة نصير الدين الطوسي المطبوع بايران ص 408 وأقر بأنها كانت من محدثات عمر ، ومن السخافة ما اعتذر به عنه بقوله (إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع) فانظر كيف يقيس عمر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الاجتهاد ، غفرانك اللهم ورحماك (الكاتب) (*)

ص 31

الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت مصر دينارها وأردبها (1) يريد إنه قد محا ذلك شريعة الإسلام ، فكان أول بلد مسحه عمر بلد الكوفة فاتبعوه على ذلك وقبلوا منه وأكلوه مستحلين له فأفسد على أرباب الأملاك أملاكهم باحتباسهم الزكاة لأجل ما كان يأخذه منهم من الخراج فكان الخراج المأخوذ منهم مالا اغتصبوا عليه والزكاة المفروضة باقية عليهم في أموالهم لا تحل لهم أموالهم حتى يخرجوا منها ما أوجبه الله عليهم فيها وألزمهم الكفر والارتداد بتركهم فريضة الله تعالى عليهم وتعطيلهم إياها عامدين متعمدين من غير علة تضطرهم إلى ذلك ، ومن كان من المسلمين لا زكاة عليه فقد لزمه أيضا من هذا التكفير والارتداد ما لزم أصحاب الأملاك بما أكلوه من هذا المال المأخوذ ظلما وجورا وغصبا من الخراج إذ كان الله نهى عن أكل الحرام غير اضطرار فلما أكلوا هذا الخراج عامدين كانوا

(هامش)

(1) قال الزبيدي في التاج بمادة (ردب) الأردب كقرشب مكيال ضخم لأهل مصر . وفي الحديث منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت مصر أرد بها وقال الجزري في النهاية بمادة أردب (في حديث أبي هريرة منعت مصر أرد بها هو مكيال لهم يسع أربعة وعشرين صاعا) وهو بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الدال المهملة ثم الباء المشددة كما ضبط في معاجم اللغة وقال المقريزي في شذور القعود في ذر النقود 14 من طبع النجف الأشرف روينا من طريق مسلم وأبو داود من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منعت العراق درهما وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر أرد بها ودينارها ، الحديث والمدي بضم الميم وإسكان الدال المهملة ثم الياء المثناة من تحت مكيال لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا والمكوك بفتح الميم وتشديد الكاف المضمومة ثم الواو الساكنة بعدها الكاف صاع ونصف وقيل أكثر من ذلك ، قال ابن الأثير في النهاية ( الكاتب) (*)

ص 32

آكلين للحرام المحض بغير تأويل ولا شبهة وم أكل الحرام ونكح به النساء واشترى منه الإماء من غير إقلاع عنه ولا تبرم منه فقد بارز الله تعالى بالعداوة ومن بارز الله بالعداوة فقد كفر عند كل ذي دين وفهم . فلما استحلوا ذلك واستطابوه قال لهم ينبغي لنا أن نجعل من هذا المال الذي هو الخراج قسطا لأقوام يجاهدون الناس ويشتغل سائر الناس في معايشهم وأسواقهم وتجاراتهم وصنائعهم فليس كل مسلم يمكنه الجهاد فرغب كبراؤهم ورؤسائهم في ذلك ميلا منهم للدعة والخفض والراحة ورغب في ذلك أهل الحروب وحملة السلاح لما يتعجلونه من أخذ المال فأجابوا إلى ذلك وصوبوا رأيه فيه فضرب عند ذلك تلك الأموال المأخوذة حراما وغصبا وظلما من أصناف أهل الزكاة إلى قوم جندهم ودونهم جندا للجهاد يزعمه نصير المجاهدين يجاهدون بأجرة فأبطل ثواب الجهاد على جميع المسلمين ممن تخلف عنه وممن يجاهد منهم بأجرة والأجرة مع ذلك من مال حرام وكل من عمل بأجرة فلا ثواب له على عمله وكل شيء يأخذه المجاهدون بالأجر من الغنائم فهو عليهم حرام لأنهم جاهدوا بالأجرة فلاحظ لهم في الغنائم التي كانوا يأكلونها لأنها عليهم حرام والأجرة عليهم حرام والمال المأخوذ من الخراج على جميع من أكل منه شيئا حرام ، فهل للناس بأعظم من هذه المصيبة في المسلمين بما ذكرنا من البدع مع ما صرفه عن الثمانية أصناف الذين جعل الله الزكاة لهم من حظوظهم من الزكاة ، هذه وكل من قتل منهم في الجهاد فإنه كان مقتولا بأجرة دون طاعة الله وفي غير سبيله ثم جعل من هذا المال المأخوذ خراجا من الخراج قسطا للقوم من الفقهاء فقبلوا ذلك وأكلوه للفقهاء ومن أقامهم بزعمه يعلمون المسلمين معالم دينهم وكذلك الأئمة المصلين بهم في البلدان والمؤذنين فقبلوا ذلك وأكلوه مستحلين له فدخل في هذا الحرام جميع علمائهم ، وجهالهم وأسقط بذلك عن المسلمين ثواب تعليمهم وعن المؤذنين ثواب تأذينهم وعن المصلين بالناس ثواب صلاتهم بالأجرة التي أخذوها على ذلك من الحرام فصاروا

ص 33

في تلكالحالة مستأجرين للأذان والصلاة فأذانهم وصلاتهم بالأجرة التي أخذوها على ذلك كله فصاروا في تلك الحالة مستأجرين وبقيت عليهم فرائض الأذان والصلاة لأنه غير جائز للمصلي أن يعتد بصلاة يصليها بالأجرة وكان يترك فرضة الذي أوجبه الله عليه بغير أجرة وليس منهم من جعل فرضه غير صلاته التي صلاها بأجرة فأخذوا بتلك الصلاة الأجرة لأداء فرائضهم من الصلوات فلم يكونوا مصلين لله تعالى بوجه ولا سبب ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير خلاف (من ترك صلاة واحدة عامدا متعمدا فقد كفر) وكفى بهذه الحالة خزيا وفضيحة ومقتا وكفرا وإلحادا وجهلا وعنادا .

 

ومن بدعه في أخذ الجزية من أهل الذمة أن جعلهم ثلاث طبقات خلافاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،  صرفه الخمس عن أهله ومنعهم منه

 

(ومن بدعه أيضا) في هذا المعنى ما حكم به في أهل الذمة من أخذ الحرام فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عاهد أهل الذمة على شيء معلوم محدود يؤخذ منهم في كل سنة بعد شروط شرطها عليهم إن نقضوها أو شيء منها لم يقبل منهم بعد ذلك غير الإسلام أو القتل واستباحة الأموال والذراري ولم يجعل لهم في ذلك منازل لغني ولا فقير بل جعل غنيهم وفقيرهم في ذلك كله بالسوية ، فجعلهم عمر طبقات ثلاث فأخذ من الأغنياء بحساب طبقتهم ومن أوسطهم بحسابهم ومن عامتهم بقسطهم فقبلوا ذلك منه وأكلوه مستحلين له مع علمهم بمخالفته للرسول في ذلك كله ثم عمد إلى مال الخمس فصرفه عن أهله ومنعهم منه (1) وجعله في أثمان الكراع

(هامش)

(1) روى النسائي في كتاب الفئ من سننه عن عمر بن يحيى بن الحارث عن محبوب بن موسى عن أبي إسحق الفزاري عن سفيان عن قيس بن مسلم قال سألت الحسن بن محمد (يعني محمد بن الحنفية) عن قوله عز وجل (واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) قال هذا مفتاح كلام الله الدنيا والآخرة لله قال اختلفوا في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سهم الرسول وسهم ذي القربى فقال قائل سهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للخليفة من بعده وقال قائل سهم ذي القربى لقرابة الرسول وقال قائل سهم ذي القربى = (*)

ص 34

من الخيل والسلاح للمجاهدين فقال لأمير المؤمنين عليه السلام الأموال كثرت ولا يجوز أن نجعل لكم خمس هذه الأموال ولكن نجعل لكم بعضها ونصرف البعض في الكراع والسلاح فقال أمير المؤمنين عليه السلام إن كان المال لك فلا حاجة لنا إليه ولا إلى شيء منه وإن كان لنا فلا تأخذه إلا بالتمام والكمال فمنعهم عن ذلك جميعه فقبلوا منه وأكلوه دون أهله ومستحقه كفرا وإلحادا وظلما وعنادا .

 

ومن بدعه أمره الناس بإتيان صلاة التروايح في شهر رمضان جماعة خلافاً لأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

 

(ومن بدعه أيضا) في فريضة الصيام الذي افترضه الله في شهر رمضان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استن للصائمين النوافل في ليالي شهر رمضان فرادى وهي التي تسميها العامة التراويح ، وإجماع الأمة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرخص في صلاتها جماعة فجعلها عمر جماعة (1) خلافا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنته وهم

(هامش)

= لقرابة الخليفة فاجتمع رأيهم على أن جعلوه هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله عز وجل فكانا في ذلك في خلافة أبي وعمر) وقد أورد السيوطي هذه الرواية أيضا بطريقه في تفسير الدر المنثور (ج 3 ص 185) وقال أخرجها عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير وابن الندر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي المذكور وأوردها أيضا ابن جرير الطبري في تفسيره الكبير بطريقه عن قيس بن مسلم أيضا ، واعترف القوشجي الأشعري في شرحه للتجريد ص 108 بأن ذلك من مستحدثات عمر غير أنه اعتذر عنه بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدعة) وأوردها أيضا الجصاص في كتابه أحكام القرآن وغير هؤلاء كثيرون (الكاتب) (1) صلاة التراويح هي نافلة شهر رمضان جماعة قال الجزري في النهاية بمادة (روح) ومنه حديث صلاة التراويح لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسلمتين ، والتراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة) = (*)

ص 35

جميعا يقرون أنها بدعة ثم يزعمون أن بدعتها بدعة حسنة فقيل لهم أتقولون أنها أحسن من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ذلك الكفر أم تقولون أن

(هامش)

= ولا يرتاب أحد في أنها ما كانت أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا في خلافة أبي بكر وإنما سنها الخليفة الثاني عمر سنة 14 من الهجرة ، نص على ذلك البخاري في صحيحه في كتاب صلاة التراويح قال أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر) وأخرج مثل ذلك مسلم في صحيحه في باب الترغيب في قيام رمضان وأخرج البخاري أيضا في صحيحه عن عبد الرحمن ابن عبد القاري قال خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون . فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب (قال) ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعمت البدعة هذه) قال القسطلاني في شرحه للبخاري سماها بدعة لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يسن لهم الاجتماع لها ولا كانت في زمن الصديق ولا أول الليل ولا كل ليلة ولا هذا العدد) ومثله شراح البخاري ، وأخرج هذا الحديث أيضا مالك في الموطأ باب ما جاء في قيام رمضان وقال أبو الوليد بن الشحنة في تاريخه (روضة المناظر) في حوادث سنة 23 عند ذكر وفاة عمر . هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز وأول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح) وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى في ترجمة عمر هو أول من سن قيام شهر رمضان بالتراويح وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان وذلك في شهر رمضان سنة 14 وجعل للناس بالمدينة قارئين قارئا يصلي التراويح بالرجال وقارئا يصلي بالنساء) ومثله ابن عبد البر في الاستيعاب وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في ذكر خلافة عمر نقلا عن العسكري في = (*)

ص 36

سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أحسن منها ، فإن قالوا أن هذه البدعة أحسن من سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كفروا ، وإن قالوا أن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أحسن منها فالأحسن أولى وأوجب ، على إن إجماعهم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار فأي حسن في الضلالة فأفسد عليهم صلاته كما أفسد عليهم فرضه إذ أمرهم بالافطار قبل ظهور النجم

 

ومن بدعه رده مقام إبراهيم (ع) في الكعبة إلى ما كان عليه في زمان الجاهلية، ومن بدعه تحريمه المتعتين متعة الحج ومتعة النساء

 

(ومن بدعه في الحج) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن العمرة قد دخلت في الحج هكذا إلى يوم القيامة - وشبك أصابعه - وكان مقام إبراهيم عليه السلام قد أزالته قريش في الجاهلية عن موضع إبراهيم (ع) إلى الذي هو فيه اليوم فلما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة رده إلى موضعه فلما كان أيام عمر قال من يعرف موضع هذا المقام في الجاهلية قال رجل أنا اعرفه وقد أخذت قياسه بسير هو عندي فعلمت أنه يحتاج إليه يوما فقال عمر جئني به فأتاه الرجل بذلك السير فرد به المقام إلى الموضع الذي كان في الجاهلية وهو إلى اليوم هناك ، ثم إنه نهاهم عن المتعتين متعة النساء ومتعة الحج فقال متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالين وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما (2)

(هامش)

= أولياته : هو أول من سن قيام شهر رمضان بالتراويح وأول من حرم المتعة وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات) ومثله في محاضرات الأوائل للشيخ علاء الدين . (الكاتب) (1) إن نهي عمر عن المتعتين أصبح من المتواتر بين الفريقين والنزاع قائم بين السنة والشيعة في تفسير قوله تعالى من سورة النساء (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم يقرؤنها فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) كما روي ذلك عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره الكبير ، وروى ذلك عنهم وعن ابن مسعود جماعة كثيرة من حفاظ الأمة وثقاتها ، وقد أخرج للبخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث كثيرة في مشروعيتها وألف العلماء في هذه المسألة كتبا ورسائل كثيرة مطبوعة ومخطوطة راجعها إن شئت (الكاتب) (*)

ص 37

وقد أجمعوا جميعا في رواياتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما حج حجة الوداع قال للناس بعد أن طافوا وسعوا أيها الناس من كان ساق الهدي من موضع إحرامه فليقم على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ومن لم يكن ساق الهدي فليحل وليتمتع بالعمرة إلى الحج ، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت الذي أمرتكم به ولكني قد سقت الهدي والله تعالى يقول في كتابه (وأتموا الحج والعمرة لله) فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحج على وجهين لا يجوز غيرهما الحج مفردا وذلك إن ساق الهدي معه من موضع إحرامه لا يجوز له غير ذلك والوجه الآخر مقرونا بالعمرة وذلك لمن لم يسق الهدي لا يجوز له غير ذلك فمن تجاوز ممن يسوق مفردا فلا حج له ومن تجاوز ممن لم يسق الهدي للحج مقرونا بالعمرة فلا حج له إذ كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حكم بهذا بلا خلاف في الرواية به عنه عليه السلام ولا تكون العمرة إلا بالإحلال من الإحرام الأول كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فليحل وليتمتع بالعمرة إلى الحج والعمرة لا تكون إلا بالمتعة وهي الاحلال والتمتع بما يتمتع به المحلون من الثياب والطيب والنساء وغير ذلك إلى يوم التروية ثم يجدد عند ذلك الاحرام للحج في وسط المسجد الحرام فأمر عمر الناس أن يحجوا حجا مفردا من ساق الهدي ومن لم يسق ، ونهاهم عن التمتع بالعمرة خلافا على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونهاهم مع ذلك عن متعة النساء التي حصن الله بها فروج المسلمين فكل من زنى بعد ذلك فمثل وزره في عنق عمر ، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام لولا كلمة سبق بها ابن الخطاب ما زنى إلا شقي فأفسد عليهم حجهم بما ذكرناه من بدعه فيه وتغييره ، والحجاج الآن يطوفون بالبيت ثم يصلون في موضع المقام فبطل الطواف عليهم إذ لم يصلوا في مقام إبراهيم ع الذي وضعه فيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال الله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وإذا بطل الطواف بطل الحج وكذلك ما ذكرناه من الحج المفرد والحج المقرون (1)

(هامش)

(1) (ومن ذلك) أن علماء أهل البيت عليهم السلام ذكروه عن ابن = (*)

ص 38

 

ومن بدعه جعله حد الخمر ثمانين جلدة خلافاً لما فرضه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه أربعون بالنعال العربية

 

ومنها ما ابتدعه) في الحدود ، ومن ذلك حد الخمر فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإجماع أهل الرواية جعل حد الخمر أربعين بالنعال

(هامش)

= عباس رضوان الله عليه أنه لما دخل مكة وعبد الله بن الزبير على المنبر يخطب فوقع نظره على ابن عباس وكان قد أضر ، فقال معاشر الناس قد أتاكم أعمى أعمى الله قلبه يسب عائشة أم المؤمنين ويلعن حواري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحل المتعة وهي الزنى المحصن ، فوقع الكلام في أذن عبد الله بن العباس وكان متوكئا على يد غلام له يقال له عكرمة فقال له أدنني منه فأدناه حتى وقف بأزائه وقال إنا إذا ما فئة نلقاها * نرد أولاها على أخراها قد أنصفت الفارة من راماها أما قولك إنا نسب عائشة أم المؤمنين فبنا صارت لأبيك ولآبائك ، وأما قولك حواري رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الزبير لم ينصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته إذ أخرج زوجته للحتوف والمقارعة بالسيوف وترك عرسه في بيته تصبان بأذيالهن . وأما قولك يحل المتعة وهي الزنى المحصن فوالله لقد عمل بها عن عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يأت بعده رسولا لا يحل ولا يحرم والدليل على ذلك قول ابن صهاك متعتان كانتا على عهد رسول الله فأنا أمنع منهما وأعاقب عليهما ، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه . وإنك من متعه فإذا نزلت عن عودك هذا فاسأل أمك عن بردي عوسجة ، ومضى عبد الله بن العباس ونزل عبد الله بن الزبير مهرولا إلى أمه فقال أخبريني عن بردي عوسجة وألح عليها مغضبا ، فقالت له إن أباك كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أهدى له رجل يقال عوسجة بردين فشكا أبوك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العزوبة فأعطاه بردا منهما فجاءني فمتعني به ومضى فمكث عني برهة وإذا به قد أتاني ببردتان فمتعني به فعلقت بك وأنك من متعة ، فمن أين وصلك هذا ، قال ابن عباس فقالت ألم أنهك عن بني هاشم وأقل لك إن لهم ألسنة لا تطاق (كذا في المختصر من الأصل للحافظ بن شهر آشوب السروي رحمه الله) (الكاتب) (*)

ص 39

العربية وجرائد النخل وذلك النصف وأقل الحد حد القاذف وهو ثمانون جلدة ، فقال عمر إن الشارب إذا شرب سكر وإذا سكر افترى وإذا افترى وجب عليه حد القارف ، فأسقط سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فرض الله في حد الخمر وصير له حدا من عنده برأيه (1) ولو وجب ما قاله في حال السكر من الافتراء لوجب على الشارب حدان حد الشرب وحد الافتراء والقذف كما لو زنى رجل في حرز حال السرقة منه لوجب عليه حد الزنى وحد السرقة

 

ومن بدعه قطع يد السارق من الزند والرجل من مفصل أسفل الساق مع الكعب خلافاً لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)

 

(ومن ذلك حد السارق) فإن أهل الأثر أجمعوا أن أمير المؤمنين (ع) قطع الرجل من مفصل الكعب وترك الحق (2) ليقوم عليه للصلاة ، وأنه قطع

(هامش)

(1) روى مسلم في كتاب الحدود باب حد الخمر من صحيحه بسنده عن أنس بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين (قال) وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر ، وروى مثل ذلك روايات أخر بطرق مختلفة ووافقه النووي في الشرح وقال ابن حجر الهيثمي المكي في شرح الأربعين حديثا النووية ما نصه وجلد عمر في الخمر ثمانين ليس فيه زيادة محظورة وإن اقتصر (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه وأبو بكر على أربعين لأن الناس لما اكثروا الشرب زمنه ما لم يكثر واقبله استحقوا أن يزيد في جلدهم تنكيلا لهم وزجرا فكانت الزيادة اجتهادا منه بمعنى صحيح مسوغ لها (انتهى) وقد ذكر ذلك أيضا السيوطي في تاريخ الخلفاء فقال إنه أول من ضرب على الخمر ثمانين ، ومثل ذلك ما ذكره العلامة الشيخ علاء الدين في كتابه محاضرة الأوائل في الفصل الثامن والعشرين منه نقلا عن أوائل السيوطي فقال : أول من جلد في الخمر ثمانين جلدة عمر) ولم يشك أحد في أن ذلك من بدع عمر ومن مستحدثاته (الكاتب) (2) الحق بضم الحاء المهملة وتشديد القاف رأس العضد ورأس الورك (*)

ص 40

اليد من مفصل مجمع الأصابع وترك الكف من الابهام لوضوء الصلاة وقال بهذا أمر الله ورسوله ، فخالف عمر ذلك فقطع اليد من الزند والرجل من مفصل أسفل الساق مع الكعب خلافا على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

ومن بدعه أنه قال من طلق ثلاثاً في مجلس واحد أو يمين فقد لزمه حكم الطلاق خلافاً لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)

 

(ومنه ما دخل به الفساد) العظيم على جميع الأمة من تولاه ومن لم يتوله وذلك في الطلاق والنكاح فإن الله ورسوله جعل الطلاق على العدة وعلى السنة فقال عمر : من طلق ثلاثا في مجلس أو يمين فقد لزم حكم الطلاق سواء كان ذلك في جد أو غير جد واحتج في ذلك بأنه زعم أن الناس قد استعذبوا الإيمان بالطلاق فالوجه أن ينفذ عليهم الحنث في ذلك ليرتدعوا عنه (1) فألزم الحانث في يمينه بالطلاق وسماه طلاق البدعة واتبعوه على

(هامش)

(1) روى مسلم في كتاب الطلاق من صحيحه عن ابن عباس بطرق مختلفة قال كان الطلاق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة قال فقال عمر بن الخطاب أن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم قال فأمضاه عليهم ونقله قاسم بك أمين في ص 173 من كتابه (تحرير المرأة) عن صحيح البخاري ونقله الفاضل الرشيد في 210 من المجلد الرابع من مناره عن أبي داود النسائي والحاكم والبيهقي ثم قال ما هذا لفظه ومن قضاء النبي بخلافه ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس قال طلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف طلقتها قال ثلاثا قال في مجلس واحد قال نعم قال فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت وذكره أيضا ابن إسحق في ص 191 من الجزء الثاني من سيرته وروى قاسم بك أمين ص 173 من كتابه تحرير المرأة أيضا عن النسائي والقرطبي والزيلعي بالإسناد إلى ابن عباس قال أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن رجل طلق امرأته ثلاثا جمعا فقام غضبان ثم قال أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم) قلت وفي تفسير سورة الطلاق من الكشاف نحوه ، وربما قيل إن = (*)

ص 41

ذلك ورضوا فيه مع إجماعهم أنه بدعة وهم قد سموا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، فدخل الضرر العظيم على جميع الناس بهذه البدعة لأن الطلق هذا الطلاق الذي قد أجمعوا أنه بدعة فهو غير مطلق فالمرأة تخرج من بيت زوجها وهي غير مطلقة فيتزوجها رجل آخر وهي غير مطلقة الأول وهي حرام عند الثاني وفسد أيضا النكاح لفساد الطلاق وأبيحت الفروج حراما وفسد النسل بفساد النكاح وروى مشايخنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال تجنبوا المطلقات ثلاثا في مجلس واحد فإنهن ذوات أزواج فإنه عليه السلام قال لا يكون الطلاق طلاقا حتى يجمع الحدود الأربعة فإن نقص منها حد واحد لا يقع الطلاق وهي أن تكون طاهرا من غير جماع ويقع بعد خروجها من حيضها والثاني أن يكون الرجل مريدا للطلاق اختيارا والثالث أن يحضره شاهدا عدل والرابع أن ينطق بالطلاق ما إجماعهم أن هذا هو الحق (1)

(هامش)

- هذا الحديث دال على فساد الطلاق الثلاث بالمرة لكونه لعبا وبذلك قال سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين ، لكن الحق أن اللعب إنما هو في قوله ثلاثا فيلغى وأما قوله أنت طالق فيؤثر أثره إذ لا لعب فيه كما هو واضح أورد ذلك كله العلامة الحجة شرف الدين في الفصول المهمة ص 52 الكاتب (1) ثم زعموا أن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ، فعلموا على هذا الحدث وجعلوه من أصولهم ، ولو ميزواوفهموا لعلموا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجوز له أن يكتم فريضة مثل هذه عظيمة في الدين من جميع أصحابه حتى يبديها لامرأة من نسائه دون غيرها ، سبحان الله ما أبين هذا الجهل وأبعدهم من كل فهم وعقل ، وإنما فعل الرجل هذا وألزمه الناس ليثبت له ما نهى عن متعة النساء التي أباحها الله تعالى فحرمها عمر على الناس هذه الزيادة في بعض نسخ الكتاب الكاتب (*)

ص 42

ولهذا الحال قال المحبون لأمير المؤمنين (ع) إذا كان نكاحهم فاسدا لفساد طلاقهم ونسلهم فاسدا لفساد نكاحهم ، وقد حكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لا يحب أمير المؤمنين إلا طاهر الولادة دون خبيثها

 

ومن بدعه منعه من بيع أمهات الأولاد في حياة السيد وبعد وفاته وإيجابه حريتهن بعد وفاة مالكهن

 

(ونظير هذه البدعة) منه ما قد شمل فساده وعم ضرره ودخلت مصيبته على جميع المسلمين والمعاهدين وهو منعه من بيع أمهات الأولاد في حياة السيد وبعد وفاته وإيجابه حريتهن بعد وفاة مالكهن فكل من كانت له أمة فولدت منه ولدا مات الولد أو بقي فسيدها يمنع من بيعها وإذا مات سيدها منعوا ورثته من إدخالها في الميراث ويزعمون أنها صارت حرة بعد موت سيدها عنها فما أعظم بلية هذه البدعة على جميع من هو تحت حكم الإسلام وذلك أن الأمة إن كانت إذا ولدت من سيدها تصير حرة فقد حرمت على سيدها في وطيها واستخدامها إلا بعقد النكاح تزويجا بعد عقد الملك وإن كانت أمة حللها بعقد الابتياع فمحال أن يحرم بعض مقتضى العقد ويحل بعضه وقد أجمعوا أن سيدها يطأها بعد ولادتها منه بعقد الابتياع الذي يملك به بيعها أو هبتها ووطيها قبل الولادة منه وغير جائز أن يفسخ من ملكها بذلك العقد حدوا حد إلا فسدت حدود ذلك العقد ولا يثبت جميع حدوده حتى يخص ذلك كتاب من الله وسنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ما لا يجد أحد إليه سبيلا فإذا مات سيد الأمة ولها منه ولد وكان ولدها هو الوارث دون غيره لزمه حرية والدته لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ملك ذا رحم فهو حر ، وإن كان مع ولدها وارث غيره كان لمن معه من الورثة نصيبهم من الأمة إذ لم يعتقها سيدها ووجب على الولد أن يستخلص والدته من الورثة بدفع حقهم بحكم ثمنها على والده من نصيبه من الميراث فإذا استخلصها صارت حرة فإن كان ولدها قد مات قبل موت السيد وورثها غير ولدها فهي أمة للورثة يحل لهم جميعا (1) وطيها وبيعها وهبتها

(هامش)

(1) أي يحل لكل واحد منهم مع إذن الباقين من الورثة الكاتب (*)

ص43

واستخدامها غير ولد سيدها من غيرها ، فإن كان لسيدها ولد من غيرها فلولده من غيرها ملكها وبيعها وهبتها واستخدامها ولا يحل له وطيها ، فهذا حكمها الذي أمر الله به ورسوله ، فهم الآن يمنعون ورثة الأمة من ملكها من كل وجه وهي أمة لهم إذ لم يكن سيدها اعتقها فيحولون بين مالكها من الورثة وبينها ويمنعون الوارث من تزويجها ممن يخطبها على سبيل حكم الحرية دون حكم المال ، فإن فعلوا أولاد زوجها ففرجها حرام بتزويج مالكها وبتزويجهم إياها دون وارثها على من تزوجها ، والوارث إنما تزوجها على أنها حرة وليس عنده أنها ملك له ولا أولاد من تزوجها منها مماليك للورثة . فإن الإجماع من المسلمين أن من تزوج أمة لغيره بغير إذن مالكها فنكاحها حرام وفرجها عليه حرام وأولادها منه عبيد لسيدها سواء كان المتزوج بها حرا أو عبدا فلينظر الآن ذو الفهم في هذه البدعة في حكم الأمة ما أعظم مصيبتها وأظهر ضررها وخزيها ونكالها في حال الدين والدنيا فإنه قد لحق وارث الأمة ضرر منعهم إياه من أمته ولحق الأمة ضرر منعهم إياه من أمته ، ولحق الأمة ضرر منعهم إياه من أمته ، ولحق الأمة ضرر امتناعها على وارثها في ملكها . ولحق المتزوج ضرر ما هو مقيم عليه من وطي فرجها حراما ولحقها هي أيضا من ضرر هذا التحريم مثل الذي لحق المتزوج بها . ولحق ولدها في تلك الحالة ضرر ولادتهم من وطي حرام وحكم وجوب رقهم لوارث الأمة فكم من وجه قد لحق الخلق من ضرر هذه البدعة وجميع وزر هذه الوجوه التي لحق ضررها منها لازم لمن ابتدعها إلى يوم القيامة من غير أن ينص القوم من وزرهم في ذلك شيئا ، وأجمع أهل الأثر أن عليا أمير المؤمنين عليه السلام كان يحكم بملك أمهات الأولاد وببيعهن على أحكام ملكهن للورثة مما قدمنا ذكره وأنه عليه السلام (1) أمر في (1) واجمعوا أن عليا عليه السلام لما حضرته الوفاة كان له ثماني عشرة سرية فقال في وصيته أن جميع أمهات أولاده من الإماء محسوبات على 

ص 44

وصيته وقت وفاته أن يجعل أمهات أولاده بيعا على أولادهن منه من انصبائهم من لميراث بالأثمان التي اشتراهن بها وجعل كل أمة لا ولد لها حرة من ثلث ماله ليعلم ذو الفهم أن أمهات الأولاد على حال ملكهن ، ولما جعل أمير المؤمنين عليه السلام أمهات أولاده كذلك على أولادهن صرن عند ذلك أحرارا على أولادهن لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (من ملك ذا رحم فهو حر) وصرن أمهات أولاده بذلك طاهرات طيبات في تزويجهن لعبده وغير تزويجهن

 

ومن بدعه إطلاق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم ومنع العرب ....

 

(ومن بدعه في النكاح) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل المسلمين أكفاء بعضهم لبعض في النكاح من غير أن يميز في ذلك قرشيا ولا عربيا ولا عجميا ولا مولى ، وقال فيما نقل عنه بإجماع (من جاءكم خاطبا ترضون دينه وأمانته فزوجوه أن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (1) وقال في حجة الوداع المؤمنون إخوة تكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد واحدة على من سواهم ، وقوله هذا عليه السلام موافق لقول الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) ولم يميز الله ورسوله

(هامش)

= أولادهن بما ابتاعهن من أثمانهن فجعلهن في حال قسمة الميراث من قسط أولادهن من الميراث (قال) ومن كان من إمائه غير ذوات أولاد فهن حرائر من ثلثه أو لا نرى أن أمير المؤمنين عليه السلام قد باع أمهات أولاده من إمائه خاصة دون غيرهم من الإماء على أولادهم ليعلم ذو الفهم أن الأمة ملك للوارث كان لها ولد أو لم يكن (كذا في النسخ بدل عن العبارة المذكورة) (الكاتب) . (1) روى هذا الحديث ابن الديبغ في تيسير الوصول اختصار جامع الأصول لابن الأثير الجزري (ج 4 ص 264) عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بلفظ (ترضون دينه وخلفائه) وقال أخرجه الترمذي (الكاتب) (*)

ص 45

(صلى الله عليه وآله وسلم) بين المؤمنين في حال من الأحوال بوجه من الوجوه وسبب من الأسباب ، فميزهم عمر فأطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم ، ومنع العرب من التزويج في قريش ومنع العجم من التزويج في العرب فأنزل العرب في قريش منزلة اليهود والنصارى ، وأنزل العجم في سائر العرب كذلك إذ أطلق الله الله تعالى للمسلمين التزويج في أهل الكتاب ولم يطلق تزويج أهل الكتاب في المسلمين وقد زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الأسود الكندي وكان مولى لبني كندة ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أتعلمون لم زوجت ضباعة بنت عمي من المقداد قالوا لا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتضح النكاح فيناله كل مسلم ولتعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم فمن يرغب بعد هذا عن فعل الرسول فقد رغب عن سنة الرسول (1) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) من رغب عن سنتي فليس مني ، وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام أيجوز تزويج الموالي بالعربيات فقال تتكافأ ذماؤكم ولا تتكافأ فروجكم (2)

 

ومن بدعه منعه لليهود والنصارى إذا أسلموا ميراث ذوي أرحامهم الذين لم يسلموا

 

(ومنها منع اليهود والنصارى إذا أسلموا من ميراث ذوي أرحامهم الذين لم يسلموا فحرمهم الميراث بإسلامهم وصير الإسلام وبالا عليهم في منعهم به من حقوقهم ، واحتج في ذلك بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل الملتين لا يتوارثان ، ولم يعلم تأويل هذا القول من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأجمع

(هامش)

(1) فمن يرغب بعد هذا عن سنة رسول الله فقد سفهه ومن سفه رسول الله فقد كفر ، وقال (ص) الخ (نسخة بدل) (2) في صدر قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استفهام مقدر ، وهو استفهام إنكاري فكأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال اتتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم ، إذ الدماء أهم مراعاة عند الشارع المقدس من الفروج فإذا جاز ذلك فهذا أولى بالجواز (الكاتب) (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

 الاستغاثة في بدع الثلاثة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب