326 - جادت عليه كل عين ثرة * فتركن كل حديقة كالدرهم فقال (تركن) ولم يقل تركت،
فدل على جواز (كل رجل قائم، وقائمون) والذى يظهر لى خلاف قولهما، وأن المضافة إلى
المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى كل واحد وجب الافراد نحو (كل رجل يشبعه رغيف) أو إلى
المجموع وجب الجمع كبيت عنترة، فإن المراد أن كل فرد من الاعين جاد، وأن مجموع
الاعين تركن، وعلى هذا فتقول (جاد على كل محسن فأغناني)) أو (فأغنوني) بحسب المعنى
الذى تريده. وربما جمع الضمير مع إرادة الحكم على كل واحد، كقوله: 327 - * من كل
كوماء كثيرات الوبر * وعليه أجاز ابن عصفور في قوله: 328 - وما كل ذى لب بمؤتيك
نصحه * وما كل مؤت نصحه بلبيب أن يكون (مؤتيك) جمعا حذفت نونه للاضافة، ويحتمل ذلك
قول فاطمة الخزاعية تبكى إخواتها: 329 - إخوتى لا تبعدوا أبدا * وبلى والله قد
بعدوا كل ما حى وإن أمروا * وارد الحوض الذى وردوا وذلك في قولها (أمروا) فأما
قولها (وردوا)) فالضمير لاخوتها، هذا إن حملت الحى على نقيض الميت وهو ظاهر، فإن
حملته على مرادف القبيلة فالجمع في (أمروا) واجب
ص 199
مثله في (كل حزب بما لديهم فرحون) وليس من ذلك (وهمت كل أمة برسولهم لياخذوه) لان
القرآن لا يخرج على الشاذ، وإنما الجمع باعتبار معنى الامة، ونظيره الجمع في قوله
تعالى (أمة قائمة يتلون) ومثل ذلك قوله تعالى ( وعلى كلا ضامر يأتين) فليس الضامر
مفردا في المعنى لانه قسيم الجمع وهو (رجالا) بل هو اسم جمع كالجامل والباقر، أو
صفة لجمع محذوف أي كل نوع ضامر ونظيره (ولا تكونوا أول كافر به) فإن (كافر) نعت
لمحذوف مفرد لفظا مجموع معنى أي أول فريق كافر، ولو لا ذلك لم يقل (كافر) بالافراد.
وأشكل من الآيتين قوله تعالى (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون) ولو ظفر بها أبو
حيان لم يعدل إلى الاعتراض ببيت عنترة. والجواب عنها أن جملة (لا يسمعون) مستأنفة
أخبر بها عن حال المسترقين، لا صفة لكل شيطان، ولا حال منه، إذ لا معنى للحفظ من
شيطان لا يسمع، وحينئذ فلا يلزم عود الضمير إلى كل، ولا إلى ما أضيفت إليه، وإنما
هو عائد إلى الجمع المستفاد من الكلام. وإن كانت (كل) مضافة إلى معرفة فقالوا: يجوز
مراعاة لفظها ومراعاة معناها، نحو (كلهم قائم، أو قائمون) وقد اجتمعتا في قوله
تعالى (إن كل من في السموات والارض إلا آتى الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا،
وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) والصواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردا
مذكرا على لفظها نحو (وكلهم آتيه يوم القيامة) الآية، وقوله تعالى فيما يحكيه عنه
نبيه عليه الصلاة والسلام (يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته) الحديث وقوله عليه
الصلاة والسلام (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) و (كلكم راع، وكلكم
مسئول عن رعيته) (وكلنا لك عبد) ومن ذلك
ص 200
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا) وفى الآية حذف مضاف، وإضمار لما
دل عليه المعنى لا اللفظ، أي أن كل أفعال هذه الجوارح كان المكلف مسؤلا عنه، وإنما
قدرنا المضاف لان السؤال عن أفعال الحواس، لا عن أنفسها، وإنما لم يقدر ضمير (كان)
راجعا لكل لئلا يخلو (مسؤلا) عن ضمير فيكون حينئذ مسندا إلى (عنه) كما توهم بعضهم،
ويرده أن الفاعل ونائبه لا يتقدمان على عاملهما، وأما (لقد أحصاهم) فجملة أجيب بها
القسم، وليست خبرا عن كل، وضميرها راجع لمن، لا لكل، ومن معناها الجمع. فإن قطعت عن
الاضافة لفظا، فقال أبو حيان: يجوز مراعاة اللفظ نحو (كل يعمل على شاكلته) (فكلا
أخذنا بذنبه) ومراعاة المعنى نحو (وكل كانوا ظالمين) والصواب أن المقدر يكون مفردا
نكرة، فيجب الافراد كما لو صرح بالمفرد، ويكون جمعا معرفا فيجب الجمع، وإن كانت
المعرفة لو ذكرت لوجب الافراد، ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما، فالاول
نحو (كل يعمل على شاكلته) (كل آمن بالله) (كل قد علم صلاته وتسبيحه) إذ التقدير كل
أحد، والثانى نحو (كل له قانتون) (كل في فلك يسبحون) (وكل أتوه داخرين) (وكل كانوا
ظالمين) أي كلهم. مسألتان - الاولى، قال البيانيون: إذا وقعت (كل) في حيز النفى كان
النفى موجها إلى الشمول خاصة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الافراد، كقولك (ما
جاء كل القوم، ولم آخذ كل الدراهم، وكل الداهم له آخذ) وقوله: 330 - * ما كل رأى
الفتى يدعو إلى رشد * وقوله: 331 - ما كل ما يتمنى المرء يدركه * (تأتى الرياح بما
لا تشتهى السفن)
ص 201
وإن وقع النفى في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد، كقوله عليه الصلاة والسلام - لما
قال له ذو اليدين: أنسيت أم قصرت الصلاة -: (كل ذلك لم يكن) وقول أبى النجم: 332 -
قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا كله لم أصنع (ص 498 و 611 و 633) وقد يشكل على
قولهم في القسم الاول قوله تعالى: (والله لا يحب كل مختال فخور). وقد صرح الشلوبين
وابن مالك في بيت أبى النجم بأنه لا فرق في المعنى بين رفع كل ونصبه، ورد الشلوبين
على ابن أبى العافية إذ زعم أن بينهما فرقا، والحق ما قاله البيانيون، والجواب عن
الآية أن دلالة المفهوم إنما يعول عليها عند عدم المعارض، وهو هنا موجود، إذ دل
الدليل على تحريم الاختيال والفجر مطلقا. الثانية - كل في نحو (كلما رزقوا منها من
ثمرة رزقا قالوا) منصوبة على الظرفية باتفاق، وناصبها الفعل الذى هو جواب في المعنى
مثل (قالوا) في الآية، وجاءتها الظرفية من جهة ما فإنها محتملة لوجهين: أحدهما: أن
تكون حرفا مصدريا والجملة بعده صلة له، فلا محل لها، والاصل كل رزق، ثم عبر عن معنى
المصدر بما والفعل، ثم أنيبا عن الزمان، أي كل وقت رزق، كما أنيب عنه المصدر الصريح
في (جئتك خفوق النجم): والثانى: أن تكون اسما نكرة بمعنى وقت، فلا تحتاج على هذا
إلى تقدير وقت، والجملة بعده في موضع خفض على الصفة، فتحتاج إلى تقدير عائد منها،
أي كل وقت رزقوا فيه.
ص 202
ولهذا الوجه مبعد، وهو ادعاء حذف الصفة وجوبا، حيث لم يرد مصرحا به في شى ء من
أمثلة هذا التركيب، ومن هنا ضعف قول أبى الحسن في نحو (أعجبني ما قمت): إن ما اسم،
والاصل ماقمته، أي القيام الذى قمته، وقوله في (يا أيها الرجل): إن أيا موصولة
والمعنى يا من هو الرجل، فإن هذين العائدين لم يلفظ بهما قط، وهو مبعد عندي أيضا
لقول سيبويه في نحو (سرت طويلا، وضربت زيدا كثيرا): إن طويلا وكثيرا حالان من ضمير
المصدر محذوفا، أي سرته وضربته، أي السير والضرب، لان هذا العائد لم يتلفظ به قط.
فإن قلت: فقد قالوا (ولا سيما زيد) بالرفع، ولم يقولوا قط (ولا سيما هو زيد). قلت:
هي كلمة واحدة شذوا فيها بالتزام الحذف، ويؤنسك بذلك أن فيها شذوذين آخرين: إطلاق
(ما) على الواحد ممن يعقل، وحذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة. وللوجه
الاول مقربان: كثرة مجيئ الماضي بعدها نحو (كلما نضجت جلودهم بدلناهم) (كلما أضاء
لهم مشوا فيه) (وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه) (وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم
جعلوا) وأن ما المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى، فمن هنا احتيج إلى جملتين
إحداهما مرتبة على الاخرى، ولا يجوز أن تكون شرطية مثلها في (ما تفعل أفعل) لامرين:
أن تلك عامة فلا تدخل عليها أداة العموم، وأنها لا ترد بمعنى الزمان على الاصح.
وإذا قلت: (كلما استدعيتك فإن زرتني فعبدي حر) فكل منصوبة أيضا على الظرفية، ولكن
ناصبها محذوف مدلول عليه بجر المذكور في الجواب وليس العامل المذكور لوقوعه بعد
الفاء وإن، ولما أشكل ذلك على ابن عصفور
ص 203
وقال قلده الابدي: إن كلا في ذلك مرفوعة بالابتداء، وإن جملتي الشرط والجواب خبرها،
وإن الفاء دخلت في الخبر كما دخلت في نحو (كل رجل يأتيني فله درهم) وقدرا في الكلام
حذف ضميرين، أي كلما استدعيتك فيه فإن زرتني فعبدي حر بعده، لترتبط الصفة بموصوفها
والخبر بمبتدئه. قال أبو حيان: وقولهما مدفوع بأنه لم يسمع (كل) في ذلك إلا منصوبة،
ثم تلا الآيات المذكورة، وأنشد قوله: 333 - وقولى كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدى أو
تستريحي وليس هذا مما البحث فيه، لانه ليس فيه ما يمنع من العمل.
(كلا، وكلتا) 
مفردان لفظا، مثنيان معنى، مضافان أبدا لفطا ومعنى إلى كلمة واحدة معرفة دالة على
اثنين، وإما بالحقيقة والتنصيص نحو (كلتا الجنتين) ونحو (احدهما أو كلاهما) وإما
بالحقيقة والاشتراك نحو (كلانا) فإن (نا) مشتركة بين الاثنين والجماعة، أو بالمجاز
كقوله: 334 - إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل فإن (ذلك) حقيقة في الواحد،
وأشيربها إلى المثنى على معنى: وكلا ما ذكر، على حدها في قوله تعالى: (لا فارض ولا
بكر عوان بين ذلك) وقولنا كلمة واحدة احتراز من قوله: 335 - كلا أخى وخليلي واجدى
عضدا * (وساعدا عند إلمام الملمات) فإنه ضرورة نادرة، وأجاز ابن الانباري إضافتها
إلى المفرد بشرط تكريرها نحو (كلاى وكلاك محسنان) وأجاز الكوفيون إضافتها إلى
النكرة المختصة نحو
ص 204
(كلا رجلين عندك محسنان) فإن رجلين قد تخصصا بوصفهما بالظرف، وحكوا (كلتا جاريتين
عندك مقطوعة يدها) أي تاركة للغزل. ويجوز مراعاة لفظ كلا وكلتا في الافراد نحو
(كلتا الجنتين آتت أكلها) ومراعاة معناهما، وهو قليل، وقد اجتمعا في قوله: 336 -
كلاهما حين جد السير بينهما * قد أقلعا، وكلا أنفيهما رابى ومثل أبو حيان لذلك بقول
الاسود بن يعفر: 337 - إن المنية والحتوف كلاهما * يوفى المنية يرقبان سوادى وليس
بمتعين، لجواز كون (يرقبان) خبرا عن المنية والحتوف، ويكون ما بينهما إما خبرا أول
أو اعتراضا، ثم للصواب في إنشاده (كلاهما يوفى المخارم)، إذ لا يقال إن المنية توفى
نفسها. وقد سئلت قديما عن قول القائل (زيد وعمرو كلاهما قائم، أو كلاهما قائمان)
أيهما الصواب ؟ فكتبت: إن قدر كلاهما توكيدا قيل: قائمان، لانه خبر عن زيد وعمرو،
وإن قدر مبتدأ فالوجهان، والمختار الافراد، وعلى هذا فإذا قيل (إن زيدا وعمرا) فإن
قيل (كليهما) قيل (قائمان) أو (كلاهما) فالوجهان، ويتعين مراعاة اللفظ في نحو
(كلاهما محب لصاحبه) لان معناه كل منهما، وقوله: 338 - كلانا غنى عن أخيه حياته *
ونحن إذا متنا أشد تغانيا (كيف): ويقال فيها (كى) كما يقال في سوف: سو، قال: كى
تجنحون إلى سلم وما ثئرت * قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (302)
ص 205
(كيف) 
وهو اسم، لدخول الجار عليه بلا تأويل في قولهم (على كيف تبيع الاخرين) (1) ولابدال
الاسم الصريح منه نحو (كيف أنت ؟ أصحيح أم سقيم ؟) وللاخبار به مع مباشرته الفعل في
نحو (كيف كنت ؟) فبالاخبار به انتفت الحرفية وبمباشرة الفعل انتفت الفعلية. وتستعمل
على وجهين: أحدهما: أن تكون شرطا، فتقتضى فعلين متفقي اللفظ والمعنى غير مجزومين
نحو (كيف تصنع أصنع) ولا يجوز (كيف تجلس أذهب) باتفاق، ولا (كيف تجلس أجلس) بالجزم
عند البصريين إلا قطربا، لمخالفتها لادوات الشرط بوجوب موافقة جوابها لشرطها كما
مر، وقيل: يجوز مطلقا، وإليه ذهب قطرب والكوفيون، وقيل: يجوز بشرط اقترانها بما،
قالوا: ومن ورودها شرطا (ينفق كيف يشاء) (يصوركم في الارحام كيف يشاء) (فيبسطه في
السماء كيف يشاء) وجوابها في ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها، وهذا يشكل على إطلاقهم
أن جوابها يجب مماثلته لشرطها. والثانى، وهو الغالب فيها: أن تكون استفهاما، إما
حقيقيا نحو (كيف زيد) أو غيره نحو (كيف تكفرون بالله) الآية، فإنه أخرج مخرج
التعجب. وتقع خبرا قبل ما لا يستغنى، نحو (كيف أنت) و (كيف كنت) ومنه (كيف ظننت
زيدا) و (كيف أعلمته فرسك) لان ثانى مفعولي ظن وثالث مفعولات أعلم خبران في الاصل،
وحالا قبل ما يستعنى، نحو (كيف جاء زيد ؟) أي على أي حالة جاء زيد، وعندي أنها تأتى
في هذا النوع مفعولا مطلقا أيضا، وأن منه (كيف فعل ربك) إذ المعنى أي فعل فعل ربك،
ولا يتجه فيه أن (هامش ص 205) (1) الاحمران: الخمر واللحم، والاحامرة: هما والخلوق.
ص 206
يكون حالا من الفاعل، ومثله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) أي فكيف إذا جئنا من
كل أمة بشهيد يصنعون، ثم حذف عاملها مؤخرا عنها وعن إذا، كذا قيل، والاظهر أن يقدر
بين كيف وإذا، وتقدر إذا خالية عن معنى الشرط، وأما (كيف وإن يظهروا عليكم) فالمعني
كيف يكون لهم عهد وحالهم كذا وكذا، فكيف: حال من عهد، إما على أن يكون تامة أو
ناقصة وقلنا بدلالتها على الحدث، وجملة الشرط حال من ضمير الجمع. وعن سيبويه أن كيف
ظرف، وعن السيرافى والاخفش أنها اسم غير ظرف، وبنوا (1) على هذا الخلاف أمورا:
أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائما، وعندهما رفع مع المبتدأ، نصب مع غيره.
الثاني: أن تقديرها عند سيبويه: في أي حال، أو على أي حال، وعندهما تقديرها في نحو
(كيف زيد) أصحيح زيد، ونحوه، ونحو (كيف جاء زيد) أراكبا جاء زيد، ونحوه. والثالث:
أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال (على خير) ونحوه، ولهذا قال رؤبة - وقد قيل
له: كيف أصبحت (خير عافاك الله) أي على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، فإن أجيب على
المعنى دون اللفظ قيل: صحيح، أو سقيم. وهما عند على العكس، وقال ابن مالك ما معناه:
لم يقل أحد إن كيف ظرف، إذ ليست زمانا ولا مكانا، ولكنها لما كانت تفسر بقولك على
أي حال لكونها سؤالا عن الاحوال العامة سميت ظرفا، لانها في تأويل الجار والمجرور،
واسم الظرف يطلق عليهما مجازا، اه. وهو حسن، ويؤيده الاجماع على أنه يقال في
البدل: كيف أنت ؟ أصحيح أم سقيم، بالرفع، ولا يبدل المرفوع من المنصوب.
(هامش)
(1) في نسخة (ورتبوا على هذا الخلاف).
ص 207
تنبيه - قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت) لا تكون كيف بدلا من الابل،
لان دخول الجار على كيف شاذ، على أنه لم يسمع في إلى، بل في على، ولان إلى متعلقة
بما قبلها، فيلزم أن يعمل في الاستفهام فعل متقدم عليه، ولان الجملة التى بعدها
تصير حينئذ غير مرتبطة، وإنما هي منصوبة بما بعدها على الحال، وفعل النظر معلق، وهى
وما بعدها بدل من الابل بدل اشتمال، والمعنى إلى الابل كيفية خلقها، ومثله (ألم تر
إلى ربك كيف مد الظل) ومثلهما في إبدال جملة فيها كيف من اسم مفرد قوله: 339 - إلى
الله أشكو بالمدينة حاجة * وبالشام أخرى كيف يلتقيان (ص 426) أي أشكو هاتين
الحاجتين تعذر التقائهما. مسألة - زعم قوم أن كيف تأتى عاطفة، وممن زعم ذلك عيسى بن
موهب، ذكره في كتاب العلل، وأنشد عليه: 340 - إذا قل مال المرء لانت قناته * وهان
على الادنى فكيف الاباعد وهذا خطأ، لاقترانها بالفاء، وإنما هي (هنا) اسم مرفوع
المحل على الخبرية، ثم يحتمل أن الاباعد مجرور بإضافة مبتدأ محذوف، أي فكيف حال
الاباعد، فحذف المبتدأ على حد قراءة ابن جماز (والله يريد الآخرة) (1) أو بتقدير:
فكيف الهوان على الاباعد، فحذف المبتدأ والجار، أو بالعطف بالفاء ثم أقحمت كيف بين
العاطف والمعطوف لافادة الاولوية بالحكم.
حرف اللام
(اللام المفردة) 
ثلاثة أقسام:
عاملة للجر، وعاملة للجزم، وغير عاملة.
(هامش)
(1) تقدير الآية على هذه القراءة: والله يريد ثواب الآخرة، فحذف المضاف وبقى المضاف
إليه على جره.
ص 208
وليس في القسمة أن تكون عاملة للنصب، خلافا للكوفيين، وسيأتى. فالعاملة للجر مكسورة
مع كل ظاهر، نحو لزيد، ولعمرو، إلا مع المستغاث المباشر ليا فمفتوحة نحو (يا لله)
وأما قراءة بعضهم (الحمد لله) بضمها فهو عارض للاتباع، ومفتوحة مع كل مضمر نحو لنا،
ولكم، ولهم، إلا مع ياء المتكلم فمكسورة. وإذا قيل (يا لك، ويا لى) احتمل كل منهما
أن يكون مستغاثا به وأن يكون مستغاثا من أجله، وقد أجازهما ابن جنى في قوله: 341 -
فيا شوق ما أبقى، ويا لى من النوى * (ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى) (ص 219)
وأوجب ابن عصفور في (يا لى) أن يكون مستغاثا من أجله، لانه لو كان مستغاثا به لكان
التقدير يا أدعو لي، وذلك غير جائز في غير باب ظننت وفقدت وعدمت، وهذا لازم له، لا
لابن جنى، لما سأذكره بعد. ومن العرب من يفتح اللام الداخلة على الفعل ويقرأ (وما
كان الله ليعذبهم). وللام الجارة اثنان وعشرون معنى: أحدها: الاستحقاق، وهى الواقعة
بين معنى وذات، نحو (الحمد لله) والعزة لله، والملك لله والامر لله، ونحو (ويل
للمطففين) و (لهم في الدنيا خزى) ومنه (للكافرين النار) أي عذابها. والثانى:
الاختصاص (1) نحو (الجنة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد، والمنبر للخطيب، والسرج
للدابة، والقميص للعبد) ونحو (إن له أبا) (فإن كان له إخوة) وقولك: هذا الشعر
لحبيب، وقولك: أدوم لك ما تدوم لى. والثالث: الملك، نحو (له ما في السموات وما في
الارض) وبعضهم يستغنى بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين، ويمثل له بالامثلة
المذكورة ونحوها،
(هامش)
(1) لام الاختصاص: هي الداخلة بين اسمين يدل كل منهما على الذات، والداخلة عليه لا
يملك الآخر، وسواء أكان يملك غيره أم كان ممن لا يملك أصلا.
ص 209
ويرجحه أن فيه تقليلا للاشتراك، وأنه إذا قيل (هذا المال لزيد والمسجد) لزم القول
بأنها للاختصاص مع كون زيد قابلا للملك، لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه دفعة،
وأكثرهم يمنعه. الرابع: التمليك، نحو (وهبت لزيد دينارا). الخامس: شبه التمليك، نحو
(جعل لكم من أنفسكم أزواجا). السادس: التعليل، كقوله: 342 - ويوم عقرت للعذارى
مطيتي * (فيا عجبا من كورها المتحمل) وقوله تعالى (لايلاف قريش) وتعلقها بفليعبدوا،
وقيل: بما قبله، أي فجعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش، ورجح بأنهما في مصحف أبى سورة
واحدة، وضعف بأن (جعلهم كعصف) إنما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت، وقيل: متعلقة
بمحذوف تقديره اعجبوا، وكقوله تعالى (وإنه لحب الخير لشديد) أي وإنه من أجل حب
المال لبخيل، وقراءة حمزة (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة)
الآية، أي لاجل إيتائى إياكم (1) بعض الكتاب والحكمة ثم لمجئ محمد صلى الله عليه
وسلم مصدقا لما معكم لتؤمنن به، فما: مصدرية فيهما، واللام تعليلية، وتعلقت بالجواب
المؤخر على الاتساع في الظرف، كما قال الاعشى: (رضيعى لبان ثدى أم تحالفا * بأسحم
داج) عوض لا نتفرق (244) ويجوز كون (ما) موصولا اسميا. فإن قلت: فأين العائد في (ثم
جاءكم رسول) ؟
(هامش)
(1) في نسخة (لاجل إيتائى إليكم). (10 - مغنى اللبيب 1)
ص 210
قلت: إن (ما معكم) هو نفس (ما آتيتكم) فكأنه قيل: مصدق له، وقد يضعف هذا لقلته نحو
قوله: 343 - (فيارب أنت الله في كل موطن) * وأنت الذى في رحمة الله أطمع (ص 504 و
546) وقد يرجح بأن الثواني يتسامح فيها كثيرا، وأما قراءة الباقين (بالفتح) فاللام
لام التوطئة، وما شرطية، أو اللام للابتداء، وما: موصولة، أي لذى آتيتكموه، وهى
مفعولة على الاول، ومبتدأ على الثاني. ومن ذلك قراءة حمزة والكسائي (وجعلنا منهم
أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) بكسر اللام، ومنها اللام الثانية في نحو (يا لزيد
ولعمرو) وتعلقها بمحذوف، وهو فعل من جملة مستقلة، أي أدعوك لعمرو، أو اسم هو حال من
المنادى، أي مدعوا لعمرو، قولان، ولم يطلع ابن عصفور على الثاني فنقل الاجماع على
الاول. ومنها اللام الداخلة لفظا على المضارع في نحو (وأنزلنا إليك الذكر لتبين
للناس) وانتصاب الفعل بعدها بأن مضمرة بعينها وفاقا للجمهور، لا بأن مضمرة أو بكى
المصدرية مضمرة خلافا للسيرافى وابن كيسان، ولا باللام بطريق الاصالة خلافا لاكثر
الكوفيين، ولا بها لنيابتها عن أن خلافا لثعلب، ولك إظهار أن، فتقول (جئتك لان
تكرمني) بل قد يجب، وذلك إذا اقترن الفعل بلا نحو (لئلا يكون للناس عليكم حجة)،
لئلا يحصل الثقل بالتقاء المثلين. فرع - أجاز أبو الحسن أن يتلقى القسم بلام كى،
وجعل منه (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) فقال: المعنى ليرضنكم، قال أبو على: وهذا عندي
أولى من أن يكون متعلقا بيحلفون والمقسم عليه محذوف، وأنشد أبو الحسن: 344 - إذا
قلت قدنى قال بالله حلفة * لتغنى عنى ذا إنائك أجمعا (ص 409)
ص 211
والجماعة يأبون هذا، لان القسم إنما يجاب بالجملة، ويروون البيت لتغنن بفتح اللام
ونون التوكيد، وذلك على لغة فزارة في حذف آخر الفعل لاجل النون إن كان ياء تلى كسرة
كقوله: 345 - وابكن عيشا تقضى بعد جدته * (طابت أصائله في ذلك البلد) وقدروا الجواب
محذوفا واللام متعلقة به، أي ليكونن كذا ليرضوكم، ولتشربن لتغنى عنى. السابع: توكيد
النفى، وهى الداخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة بما كان أو بلم يكن ناقصين مسندتين
لما أسند إليه الفعل المقرون باللام، نحو (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) (لم يكن
الله ليغفر لهم) ويسميها أكثرهم لام الجحود لملازمتها للجحد أي النفى، قال النحاس:
والصواب تسميتها لام النفى، لان الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه، لا مطلق الانكار،
اه. ووجه التوكيد فيها عند الكوفيين أن أصل (ما كان ليفعل) ما كان يفعل ثم أدخلت
اللام زيادة لتقوية النفى، كما أدخلت الباء في (ما زيد بقائم) لذلك، فعندهم أنها
حرف زائد مؤكد، غير جار، ولكنه ناصب، ولو كان جارا لم يتعلق عندهم بشيء لزيادته،
فكيف به وهو غير جار ؟ ووجهه عند البصريين أن الاصل ما كان قاصدا للفعل، ونفى القصد
أبلغ من نفيه، ولهذا كان قوله: 346 - يا عاذلاتي لا تردن ملامتي * إن العواذل لسن
لى بأمير أبلغ من (لا تلمنني) لانه نهى عن السبب، وعلى هذا فهى عندهم حرف جر معد
متعلق بخبر كان المحذوف، والنصب بأن مضمرة وجوبا. وزعم كثير من الناس في قوله تعالى
(وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)
ص 212
في قراءة غير الكسائي بكسر اللام الاولى وفتح الثانية أنها لام الجحود (1). وفيه
نظر، لان النافي على هذا غير ما ولم، ولاختلاف فاعلي كان وتزول، والذى يظهر لى أنها
لام كى، وأن إن شرطية، أي وعند الله جزاء مكرهم وهو مكر أعظم منه وإن كان مكرهم
لشدته معدا لاجل زوال الامور العظام المشبهة في عظمها بالجبال، كما تقول: أنا أشجع
من فلان وإن كان معدا للنوازل. وقد تحذف كان قبل لام الجحود كقوله: 347 - فما جمع
ليغلب جمع قومي * مقاومة، ولا فرد لفرد أي فما كان جمع، وقول أبى الدرداء رضى الله
عنه في الركعتين بعد العصر (ما أنا لادعهما). والثامن: موافقة إلى، نحو قوله تعالى
(بأن ربك أوحى لها) (كل يجرى لاجل مسمى) (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه). والتاسع:
موافقة (على) في الاستعلاء الحقيقي نحو (ويخرون للاذقان) (دعانا لجنبه) (وتله
للجبين) وقوله: 348 - (ضممت إليه بالسنان قميصه) * فخر صريعا لليدين وللفم والمجازي
نحو (وإن أسأتم فلها) ونحو قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضى الله تعالى عنها
(اشتر طى لهم الولاء) وقال النحاس: المعنى من أجلهم، قال: ولا نعرف في العربية لهم
بمعنى عليهم. والعاشر: موافقة (في) نحو (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) (لا
يجليها
(هامش)
(1) (أنها لام الجحود) في تأويل مصدر مفعول زعم.
ص 213
لوقتها إلا هو) وقولهم (مضى لسبيله) قيل: ومنه (يا ليتنى قدمت لحياتي) أي في حياتي،
وقيل: للتعليل، أي لاجل حياتي في الآخرة. والحادي عشر: أن تكون بمعنى (عند) كقولهم
(كتبته لخمس خلون) وجعل منه ابن جنى قراءة الجحدرى (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) بكسر
اللام وتخفيف الميم. والثانى عشر: موافقة (بعد) نحو (أقم الصلاة لدلوك الشمس) وفى
الحديث (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) وقال: 349 - فلما تفرقنا كانى ومالكا * لطول
اجتماع لم نبت ليلة معا والثالث عشر: موافقة (مع)، قاله بعضهم، وأنشد عليه هذا
البيت (1). والرابع عشر: موافقة (من) نحو (سمعت له صراخا) وقول جرير: 350 - لنا
الفضل في الدنيا وأنفك راغم * ونحن لكم يوم القيامة أفضل والخامس عشر: التبليغ، وهى
الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه، نحو (قلت له، وأذنت له، وفسرت له).
والسادس عشر: موافقة عن، نحو قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان
خيرا ما سبقونا إليه) قاله ابن الحاجب، وقال ابن مالك وغيره: هي لام التعليل، وقيل:
لام التبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة، أو يكون اسم المقول لهم محذوفا، أي قالوا
لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام طائفة أخرى، وحيث دخلت اللام على غير المقول
له فالتأويل على بعض ما ذكرناه، نحو (قالت أخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء أضلونا) (ولا
أقول للذين تزدرى أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا) وقوله:
(هامش)
(1) يريد بيت متمم بن نويرة الذى هو الشاهد رقم 349. (*)
ص 214 
351 - كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغضا: إنه لذميم (1) السابع عشر:
الصيرورة، وتسمى لام العاقبة ولام المآل، نحو (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا
وحزنا) وقوله: 352 - فللموت تغذو الوالدات سخالها * كما لخراب الدور تبنى المساكن
وقوله: 353 - فإن يكن الموت أفناهم * فللموت ما تلد الوالده ويحتمله (ربنا إنك آتيت
فرعون وملاه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) ويحتمل أنها لام
الدعاء، فيكون الفعل مجزوما لا منصوبا، ومثله في الدعاء (ولا تزد الظالمين إلا
ضلالا) ويؤيده أن في آخر الآية (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا
يؤمنوا). وأنكر البصريون ومن تابعهم لام العاقبة، قال الزمخشري: والتحقيق أنها لام
العلة، وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة، وبيانه أنه لم يكن
داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا، بل المحبة والتبنى، غير أن ذلك لما
كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعى الذى يفعل الفعل لاجله، فاللام مستعارة
لما يشبه التعليل كما استعير الاسد لمن يشبه الاسد. الثامن عشر: القسم والتعجب معا،
وتختص باسم الله تعالى كقوله: 354 - لله يبقى على الايام ذو حيد * [بمشمخر به
الظيان والآس] التاسع عشر: التعجب المجرد عن القسم، وتستعمل في النداء كقولهم (يا
للماء). و (يا للشعب) إذا تعجبوا من كثرتهما، وقوله:
(هامش)
(1) الافضل في الرواية (لدميم) أن تكون بالدال المهملة، أي مطلى بالدمام. (*)
ص 215
355 - فيا لك من ليل كأن نجومه * بكل مغار الفتل شدت بيذبل وقولهم (يا لك رجلا
عالما) وفى غيره كقولهم (لله دره فارسا، ولله أنت) وقوله: 356 - شباب وشيب وافتقار
وثروة * فلله هذا الدهر كيف ترددا المتمم عشرين: التعدية، ذكره ابن مالك في
الكافية، ومثل له في شرحها بقوله تعالى: (فهب لى من لدنك وليا) وفى الخلاصة، ومثل
له ابنه بالآية وبقولك (قلت له افعل كذا) ولم يذكره في التسهيل ولا في شرحه، بل في
شرحه أن اللام في الآية لشبه التمليك، وأنها في المثال للتبليغ، والاولى عندي أن
يمثل للتعدية بنحو (ما أضرب زيدا لعمرو، وما أحبه لبكر). الحادى والعشرون: التوكيد،
وهى اللام الزائدة، وهى أنواع: منها اللام المعترضة بين الفعل المتعدى ومفعوله
كقوله: 357 - ومن يك ذا عظم صليب رجابه * ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره وقوله: 358
- وملكت ما بين العراق ويثرب * ملكا أجار لمسلم ومعاهد وليس منه (ردف لكم) خلافا
للمبرد ومن وافقه، بل ضمن ردف معنى اقترب فهو مثل (اقترب للناس حسابهم).
ص 216
واختلف في اللام من نحو (يريد الله ليبين لكم) (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) وقول
الشاعر: 359 - أريد لانسى ذكرها، فكأنما * تمثل لى ليلى بكل سبيل فقيل: زائدة،
وقيل: للتعليل، ثم اختلف هؤلاء، فقيل: المفعول محذوف، أي يريد الله التبيين ليبين
لكم ويهديكم: أي ليجمع لكم بين الامرين، وأمرنا بما أمرنا به لنسلم، وأريد السلو
لانسى، وقال الخليل وسيبويه ومن تابعهما: الفعل في ذلك كله مقدر بمصدر مرفوع
بالابتداء، واللام وما بعدها خبر، أي إرادة الله للتبيين، وأمرنا للاسلام، وعلى هذا
فلا مفعول للفعل. ومنها اللام المسماة بالمقحمة، وهى المعترضة بين المتضايفين، وذلك
في قولهم (يا بؤس للحرب) والاصل يا بؤس الحرب، فأقحمت تقوية للاختصاص، قال: 360 -
يا بؤس للحرب التى * وضعت أراهط فاستراحوا وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف ؟
قولان، أرجحهما الاول، لان اللام أقرب، ولان الجار لا يعلق. ومن ذلك قولهم (لا أبا
لزيد، و أخا له، ولا غلامي له) على قول سيبويه إن اسم لا مضاف لما بعد اللام، وأما
على قول من جعل اللام وما بعدها صفة وجعل الاسم شبيها بالمضاف لان الصفة من تمام
الموصوف، وعلى قول من جعلهما خبرا وجعل أبا وأخا على لغة من قال: إن أباها وأبا
أباها * [قد بلغا في المجد غايتاها] [50] وقولهم (مكره أخاك لا بطل) وجعل حذف النون
على وجه الشذوذ كقوله:
ص 217
361 - * بيضك ثنتا وبيضى مائتا (1) * فاللام للاختصاص، وهى متعلقة باستقرار محذوف.
ومنها اللام المسماة لام التقوية، وهى المزيدة لتقوية عامل ضعف: إما بتأخره نحو
(هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) ونحو (إن كنتم للرؤيا تعبرون) أو بكونه فرعا في
العمل نحو (مصدقا لما معهم) (فعال لما يريد) (نزاعة للشوى) ونحو: ضربي لزيد حسن،
وأنا ضارب لعمرو، قيل: ومنه (إن هذا عدو لك ولزوجك) وقوله: 362 - إذا ما صنعت الزاد
فالتمسي له * أكيلا، فإنى لست آكله وحدي وفيه نظر، لان عدوا وأكيلا - وإن كانا
بمعنى معاد ومؤاكل - لا ينصبان المفعول، لانهما موضوعان للثبوت، وليسا مجاريين
للفعل في التحرك والسكون، ولا محولان عما هو مجار له، لان التحويل إنما هو ثابت في
الصيغ التى يراد بها المبالغة، وإنما اللام في البيت للتعليل، وهى متعلقة بالتمسى،
وفى الآية متعلقة بمستقر محذوف صفة لعدو، وهى للاختصاص. وقد اجتمع التأخر والفرعية
في (وكنا لحكمهم شاهدين) وأما قوله تعالى (نذيرا للبشر) فإن كان النذير بمعنى
المنذر فهو مثل (فعال لما يريد) وإن كان بمعنى الانذار فاللام مثلها في (سقيا لزيد)
وسيأتى. قال ابن مالك: ولا تزاد لام التقوية مع عامل يتعدى لاثنين، لانها إن زيدت
في مفعوليه فلا يتعدى فعل إلى اثنين بحرف واحد، وإن زيدت في أحدهما لزم ترجيح من
غير مرجح، وهذا الاخير ممنوع، لانه إذا تقدم أحدهما دون الآخر وزيدت اللام في
المقدم لم يلزم ذلك، وقد قال الفارسى في قراءة من قرأ (ولكل
(هامش)
(1) كذا في جميع الاصول، ولا يتم وزن الرجز إلا أن يكون * بيضك ثنتان وبيضى مائتا *
بثبوت النون في (ثنتان) وحذفها في (مائتا) (*)
ص 218
وجهة هو موليها) بإضافة كل: إنه من هذا، وإن المعنى الله مول كل ذى وجهة وجهته،
والضمير على هذا للتولية، وإنما لم يجعل كلا والضمير مفعولين ويستغنى عن حذف ذى
ووجهته لئلا يتعدى العامل إلى الضمير وظاهره معا، ولهذا قالوا في الهاء من قوله:
363 - هذا سراقة للقرآن يدرسه * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا إن الهاء مفعول مطلق لا
ضمير القرآن، وقد دخلت اللام على أحد المفعولين مع تأخرهما في قول ليلى: 364 -
أحجاج لا تعطى العصاة مناهم * ولا الله يعطى للعصاة مناها وهو شاذ، لقوة العامل.
ومنها لام المستغاث عند المبرد، واختاره ابن خروف، بدليل صحة إسقاطها، وقال جماعة:
غير زائدة، ثم اختلفوا، فقال ابن جنى: متعلقة بحرف النداء لما فيه من معنى الفعل،
ورد بأن معنى الحرف لا يعمل في المجرور، وفيه نظر، لانه قد عمل في الحال نحو قوله:
365 - كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالى [ص 392 و 439]
وقال الاكثرون: متعلقة بفعل النداء المحذوف، واختاره ابن الضائع وابن عصفور، ونسباه
لسيبويه، واعترض بأنه متعد بنفسه، فأجاب ابن أبى الربيع بأنه ضمن معنى الالتجاء في
نحو (يا لزيد) والتعجب في نحو (يا للدواهي) وأجاب ابن عصفور وجماعة بأنه ضعف
بالتزام الحذف فقوى تعديه باللام، واقتصر على إيراد هذا الجواب أبو حيان، وفيه نظر،
لان اللام المقوية زائدة كما تقدم، وهؤلاء لا يقولون بالزيادة.
ص 219
فإن قلت: وأيضا فإن اللام لا تدخل في نحو (زيدا ضربته) مع أن الناصب ملتزم الحذف.
قلت: لما ذكر في اللفظ ما هو عوض منه كان بمنزلة ما لم يحذف. فإن قلت: وكذلك حرف
النداء عوض من فعل النداء. قلت: إنما هو كالعوض، ولو كان عوضا البتة لم يجز حذفه
(1)، ثم إنه ليس بلفظ المحذوف، فلم ينزل منزلته من كل وجه. وزعم الكوفيون أن اللام
في المستغاث بقية اسم وهو آل، والاصل يا آل زيد، ثم حذفت همزة آل للتخفيف، وإحدى
الالفين لالتقاء الساكنين، واستدلوا بقوله: 366 - فخير نحن عند الناس منكم * إذا
الداعي المثوب قال يا لا [ص 445] فإن الجار لا يقتصر عليه، وأجيب بأن الاصل: يا قوم
لا فرار، أو لا نفر، فحذف ما بعد لا النافية، أو الاصل يا لفلان ثم حذف ما بعد
الحرف كما يقال (ألاتا) فيقال (ألافا) يريدون: ألا تفعلون، وألا فافعلوا. تنبيه -
إذا قيل (يا لزيد) بفتح اللام فهو مستغاث، فإن كسرت فهو مستغاث لاجله، والمستغاث
محذوف، فإن قيل (يا لك) احتمل الوجهين، فإن قيل (يا لى) فكذلك عند ابن جنى، أجازهما
في قوله: فيا شوق ما أبقى، ويا لى من النوى * ويا دمع ما أجرى، ويا قلب ما أصبى
[341] وقال بن عصفور: الصواب أنه مستغاث لاجله، لان لام المستغاث متعلقة بدعو،
(هامش)
(1) يريد لو كان حرف النداء عوضا من الفعل قطعا لم يكن ليجوز حذف حرف النداء، لان
الفعل محذوف، فيكون حذفه أيضا من باب حذف العوض والمعوض منه. (*)
ص 220
فيلزم تعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وهذا لا يلزم ابن جنى، لانه يرى
تعلق اللام بيا كما تقدم، ويا لا تتحمل ضميرا كما لا تتحمله ها إذا عملت في الحال
في نحو (وهذا بعلى شيخا) نعم هو لازم لابن عصفور، لقوله في (يا لزيد لعمرو) إن لام
لعمرو متعلقة بفعل محذوف تقديره أدعوك لعمرو، وينبغى له هنا أن يرجع إلى قول ابن
الباذش إن تعلقها باسم محذوف تقدير مدعو لعمرو، وإنما ادعيا وجوب التقدير لان
العامل الواحد لا يصل بحرف واحد مرتين، وأجاب ابن الضائع بأنهما مختلفان معنى نحو
(وهبت لك دينارا لترضى). تنبيه - زادوا اللام في بعض المفاعيل المستغنية عنها كما
تقدم، وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها كقوله تعالى (تبغونها
عوجا) (والقمر قدرناه منازل) (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) وقالوا (وهبتك دينارا،
وصدتك ظبيا، وجنيتك ثمرة) قال: ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * [ولقد نهيتك عن بنات
الاوبر] [71] وقال: 367 - فتولى غلامهم ثم نادى: * أظليما أصيدكم أم حمارا وقال:
368 - إذا قالت حذام فأنصتوها * [فإن القول ما قالت حذام] في رواية جماعة، والمشهور
(فصدقوها). الثاني والعشرون: التبيين، ولم يوفوها حقها من الشرح، وأقول: هي ثلاثة
أقسام: أحدها: ما تبين المفعول من الفاعل، وهذه تتعلق بمذكور، وضابطها: أن تقع
ص 221
بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل مفهمين حبا أو بغضا، تقول (ما أحبنى، وما أبغضني) فإن
قلت (لفلان) فأنت فاعل الحب والبغض وهو مفعولهما، وإن قلت (إلى فلان) فالامر
بالعكس، هذا شرح ما قاله ابن مالك، ويلزمه أن يذكر هذا المعنى في معاني (إلى) أيضا
لما بينا، وقد مضى في موضعه. الثاني والثالث: ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية،
وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية، ومصحوب كل منهما إما غير معلوم مما قبلها، أو
معلوم لكن استؤنف بيانه تقوية للبيان وتوكيدا له، واللام في ذلك كله متعلقة بمحذوف.
مثال المبينة للمفعولية (سقيا لزيد، وجدعا له) فهذه اللام ليست متعلقة بالمصدرين،
ولا بفعليهما المقدرين، لانهما متعديان، ولا هي مقوية للعامل لضعفه بالفرعية إن قدر
أنه المصدر أو بالتزام الحذف إن قدر أنه الفعل، لان لام التقوية صالحة للسقوط، وهذه
لا تسقط، لا يقال (سقيا زيدا) ولا (جدعا إياه) خلافا لابن الحاجب ذكره في شرح
المفصل، ولا هي ومخفوضها صفة للمصدر فتتعلق بالاستقرار، لان الفعل لا يوصف فكذا ما
أقيم مقامه، وإنما هي لام مبينة للمدعو له أو عليه إن لم يكن معلوما من سياق أو
غيره، أو مؤكدة للبيان إن كان معلوما، وليس تقدير المحذوف (أعنى) كما زعم ابن
عصفور، لانه يتعدى بنفسه، بل التقدير: إرادتى لزيد. وينبنى على أن هذه اللام ليست
متعلقة بالمصدر أنه لا يجوز في (زيد سقيا له) أن ينصب زيد بعامل محذوف على شريطة
التفسير، ولو قلنا إن المصدر الحال محل فعل دون حرف مصدري يجوز تقديم معموله عليه،
فتقول (زيدا ضربا) لان الضمير في المثال ليس معمولا له، ولا هو من جملته، وأنما
تجويز بعضهم في قوله تعالى (والذين كفروا فتعسا لهم) كون الذين في موضع نصب على
الاشتغال فوهم. وقال ابن مالك في شرح باب النعت من كتاب التسهيل: اللام في (سقيا
لك)
ص 222 
متعلقة بالمصدر، وهى للتبيين، وفى هذا تهافت، لانهم إذا أطلقوا القول بأن اللام
للتبيين فإنما يريدون بها أنها متعلقة بمحذوف استؤنف للتبيين. ومثال المبينة
للفاعلية (تبا لزيد، وويحا له) فإنهما في معنى خسر وهلك، فإن رفعتهما بالابتداء،
فاللام ومجرورها خبر، ومحلهما الرفع، ولا تبيين، لعدم تمام الكلام. فإن قلت (تبا له
وويح) فنصبت الاول ورفعت الثاني لم يجز، لتخالف الدليل والمدلول عليه، إذ اللام في
الاول للتبيين، واللام المحذوفة لغيره. واختلف في قوله تعالى: (أيعدكم أنكم إذا متم
وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ؟ هيهات هيهات لما توعدون) فقيل: اللام زائدة، و
(ما) فاعل، وقيل: الفاعل ضمير مستتر راجع إلى البعث أو الاخراج فاللام للتبيين،
وقيل: هيهات مبتدأ بمعنى البعد والجار والمجرور خبر. وأما قوله تعالى: (وقالت هيت
لك) فيمن قرأ بهاء مفتوحة وياء ساكنة وتاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، فهيت: اسم
فعل، ثم قيل: مسماه فعل ماض أي تهيأت، فاللام متعلقة به كما تتعلق بمسماه لو صرح
به، وقيل: مسماه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال، فاللام للتبيين، أي إرادتى لك، أو
أقول لك، وأما من قرأ (هئت) مثل جئت فهو فعل بمعنى تهيأت، واللام متعلقة به، وأما
من قرأ كذلك ولكن جعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها مع اسم الفعل، ومعنى
تهيئه تيسر انفرادها به، لا أنه قصدها، بدليل (وراودته) فلا وجه لانكار الفارسى هذه
القراءة مع ثبوتها واتجاهها، ويحتمل أنها أصل قراءة هشام (هيت) بكسر الهاء وبالياء
وبفتح التاء، وتكون على إبدال الهمزة. تنبيه - الظاهر أن (لها) من قول المتنبي: 369
- لو لا مفارقة الاحباب ما وجدت * لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
ص 223
جار ومجرور متعلق بوجدت، لكن فيه تعدى فعل الظاهر إلى ضميره المتصل كقولك (ضربه
زيد) وذلك ممتنع، فينبغي أن يقدر صفة في الاصل لسبلا فلما قدم عليه صار حالا منه،
كما أن قوله (إلى أرواحنا) كذلك، إذ المعنى سبلا مسلوكة إلى أرواحنا، ولك في (لها)
وجه غريب، وهو أن تقدره جمعا للهاة كحصاة وحصى، ويكون (لها) فاعلا بوجدت، والمنايا
مضافا إليه، ويكون إثبات اللهوات للمنايا استعارة، شبهت بشيء يبتلع الناس، ويكون
أقام اللها مقام الافواه لمجاورة اللهوات للفم. وأما اللام العاملة للجزم فهى اللام
الموضوعة للطلب، وحركتها الكسر، وسليم تفتحها، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من
تحريكها، نحو (فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى) وقد تسكن بعد ثم نحو (ثم ليقضوا) في
قراءة الكوفيين وقالون والبزى، وفى ذلك رد على من قال: إنه خاص بالشعر. ولا فرق في
اقتضاء اللام الطلبية للجزم بين كون الطلب أمرا، نحو (لينفق ذو سعة) أو دعاء نحو
(ليقض علينا ربك) أو التماسا كقولك لمن يساويك (ليفعل فلان كذا) إذا لم ترد
الاستعلاء عليه، وكذا لو أخرجت عن الطلب إلى غيره، كالتى يراد بها وبمصحوبها الخبر
نحو (من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) أي
فيمد ونحمل، أو التهديد نحو (ومن شاء فليكفر) وهذا هو معنى الامر في (اعملوا ما
شيءتم) وأما (ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا) فيحتمل اللامان منه التعليل، فيكون ما
بعدهما منصوبا، والتهديد فيكون مجزوما، ويتعين الثاني في اللام الثانية في قراءة من
سكنها، فيترجح بذلك أن تكون اللام الاولى كذلك، ويؤيده أن بعدهما (فسوف يعلمون)
وأما (وليحكم أهل الانجيل) فيمن قرأ بسكون اللام فهى لام الطلب، لانه يقرأ بسكون
الميم، ومن كسر اللام - وهو حمزة - فهى لام
ص 224
التعليل، لانه يفتح الميم، وهذا التعليل إما معطوف على تعليل آخر متصيد من المعنى
لان قوله تعالى: (وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور) معناه وآتيناه الانجيل للهدى
والنور، ومثله (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا) لان المعنى إنا خلقنا
الكواكب في السماء زينة وحفظا، وإما متعلق بفعل مقدر مؤخر، أي ليحكم أهل الانجيل
بما أنزل الله أنزله، ومثله (وخلق الله السموات والارض بالحق ولتجزى كل نفس) أي
وللجزاء خلقهما، وقوله سبحانه: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من
الموقنين) أي وأريناه ذلك، وقوله تعالى: (هو على هين ولنجعله آية للناس) أي وخلقناه
من غير أب. وإذا كان مرفوع فعل الطلب فاعلا مخاطبا استغنى عن اللام بصيغة افعل
غالبا، نحو قم واقعد، وتجب اللام إن انتفت الفاعلية، نحو (لتعن بحاجتي) أو الخطاب
نحو (ليقم زيد) أو كلاهما نحو (ليعن زيد بحاجتي) ودخول اللام على فعل المتكلم قليل،
سواء أكان المتكلم مفردا، نحو قوله عليه الصلاة والسلام: (قوموا فلاصل لكم) أو معه
غيره كقوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم)
وأقل منه دخولها في فعل الفاعل المخاطب كقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث
(لتأخذوا مصافكم). وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله: 370 - فلا تستطل منى
بقائي ومدتي * ولكن يكن للخير منك نصيب وقوله: 371 - محمد تفد نفسك كل نفس * إذا ما
خفت من شيء تبالا [ص 461]
ص 225
أي ليكن ولتفد، والتبال: الوبال، أبدلت الواو المفتوحة تاء مثل تقوى. ومنع المبرد
حذف اللام وإبقاء عملها حتى في الشعر، وقال في البيت الثاني: إنه لا يعرف قائله، مع
احتماله لان يكون دعاء بلفظ الخبر نحو (يغفر الله لك) و (يرحمك الله) وحذف الياء
تخفيفا، واجتزئ عنها بالكسرة كقوله: 372 - [فطرت بمنصلى في يعملات] * دوامى الايد
يخبطن السريحا قال: وأما قوله: 373 - على مثل أصحاب البعوضة فاخمشى * لك الويل حر
الوجه أو يبك من بكى فهو على قبحه جائز، لانه عطف على المعنى إذ اخمشي ولتخمشنى
بمعنى واحد. وهذا الذى منعه المبرد في الشعر أجازه الكسائي في الكلام، لكن بشرط
تقدم قل، وجعل منه (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) أي ليقيموها، ووافقه ابن
مالك في شرح الكافية، وزاد عليه أن ذلك يقع في النثر قليلا بعد القول الخبرى كقوله:
374 - قلت لبواب لديه دارها * تأذن فإنى حمؤها وجارها (1) أي لتأذن، فحذف اللام
وكسر حرف المضارعة، قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: إيذن، اه. قيل:
وهذا تخلص من ضرورة وهى إثبات همزة الوصل في الوصل، وليس كذلك، لانهما بيتان لا بيت
مصرع، فالهمزة في أول البيت لا في حشوه، بخلافها في نحو قوله:
(هامش)
(1) كسر ما قبل الهمزة الساكنة يجيز قلبها ياء، ولذلك يقع في بعض الاصول (تيذن)
وليس ذلك بواجب ما لم يكن المكسور همزة أخرى نحو إيمان وإيذن. (*) (15 - مغنى
اللبيب 1)
ص 226 
375 - لا نسب اليوم ولا خلة * اتسع الخرق على الراقع [ص 600] والجمهور على أن الجزم
في الآية مثله في قولك (ائتنى أكرمك). وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها
للخليل وسيبويه، أنه بنفس الطلب، لما تضمنه من معنى إن الشرطية كما أن أسماء الشرط
إنما جزمت لذلك والثانى للسيرافى والفارسي، أنه بالطلب لنيابته مناب الجازم الذى هو
الشرط المقدر، كما أن النصب بضربا في قولك (ضربا زيدا) لنيابته عن اضرب، لا لتضمنه
معناه. والثالث للجمهور، أنه بشرط مقدر بعد الطلب. وهذا أرجح من الاول، لان الحذف
والتضمين وإن اشتركا في أنهما خلاف الاصل، لكن في التضمين تغيير معنى الاصل، ولا
كذلك الحذف، وأيضا فإن تضمين الفعل معنى الحرف إما غير واقع أو غير كثير. ومن
الثاني، لان نائب الشيء يؤدى معناه، والطلب لا يؤدى معنى الشرط وأبطل ابن مالك
بالآية أن يكون الجزم في جواب شرط مقدر، لان تقديره يستلزم أن لا يتخلف أحد من
المقول له ذلك عن الامتثال، ولكن التخلف واقع (1). وأجاب ابنه بأن الحكم مسند إليهم
على سبيل الاجمال، لا إلى كل فرد، فيحتمل أن الاصل يقم أكثرهم، ثم حذف المضاف وأنيب
عنه المضاف إليه فارتفع واتصل بالفعل، وباحتمال أنه ليس المراد بالعباد الموصوفين
بالايمان مطلقا، بل المخلصين منهم، وكل مؤمن مخلص قال له الرسول أقم الصلاة أقامها.
(هامش)
(1) الآية هي قوله تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا) والجزم على الوجه الذى رده
ابن مالك يقتضى أن تقدير الكلام: إن تقل لهم ذلك يقيموا الصلاة. (*)
ص 227
وقال المبرد: التقدير قل لهم أقيموا يقيموا، والجزم في جواب أقيموا المقدر، لا في
جواب قل. ويرده أن الجواب لابد أن يخالف المجاب: إما في الفعل والفاعل نحو (ائتنى
أكرمك) أو في الفعل نحو (أسلم تدخل الجنة) أو في الفاعل نحو (قم أقم) ولا يجوز أن
يتوافقا فيهما، وأيضا فإن الامر المقدر للمواجهة، ويقيموا للغيبة (1). وقيل: يقيموا
مبنى، لحلوله محل أقيموا وهو مبنى، وليس بشيء. وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن لام
الطلب حذفت حذفا مستمرا في نحو قم واقعد، وأن الاصل لتقم ولتقعد، فحذفت اللام
للتخفيف، وتبعها حرف المضارعة. وبقولهم أقول، لان الامر معنى حقه أن يؤدى بالحرف،
ولانه أخو النهى ولم يدل عليه إلا بالجرف، ولان الفعل إنما وضع لتقييد الحدث
بالزمان المحصل، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولانهم قد نطقوا بذلك الاصل
كقوله: 376 - لتقم أنت يا ابن خير قريش * [كى لتقضى حوائج المسلميا] [ص 552]
وكقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث (لتأخذوا مصافكم) ولانك تقول: اغز واخش
وارم، واضربا واضربوا واضربي، كما تقول في الجزم، ولان البناء لم يعهد كونه بالحذف،
ولان المحققين على أن أفعال الانشاء مجردة عن الزمان كبعت وأقسمت وقبلت، وأجابوا عن
كونها مع ذلك أفعالا بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر، ولا يمكنهم إدعاء ذلك
في نحو قم، لانه ليس له حالة غير هذه، وحينئذ فتشكل فعليته، فإذا ادعى أن أصله
(لتقم) كان الدال على الانشاء اللام لا الفعل.
(هامش)
(1) الامر المقدر هو أقيموا، وهو للمواجهة كما هو ظاهر، والجواب المذكور هو يقيموا،
وهو للغيبة، ولا يصلح أن يكون جوابا لذلك المقدر، إذ لو أريد جوابه قيل م تقيموا،
إذ لا تجاب المواجهة بالغيبة والفاعل واحد. (*)
ص 228
وأما اللام غير العاملة فسبع: إحداها: لام الابتداء، وفائدتها أمران: توكيد مضمون
الجملة، ولهذا زحلقوها في باب إن عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين،
وتخليص المضارع للحال، كذا قال الاكثرون، واعترض ابن مالك الثاني بقوله تعالى: (وإن
ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) (إنى ليحزنني أن تذهبوا به) فإن الذهاب كان مستقبلا،
فلو كان الحزن حالا لزم تقدم الفعل في الوجود على فاعله مع أنه أثره، والجواب أن
الحكم واقع في ذلك اليوم لا محالة، فنزل منزلة الحاضر المشاهد، وأن التقدير قصد أن
تذهبوا، والقصد حال، وتقدير أبى حيان قصدكم أن تذهبوا مردود بأنه يقتضى حذف الفاعل،
لان (أن تذهبوا) على تقديره منصوب. وتدخل باتفاق في موضعين، أحدهما: المبتدأ نحو
(لانتم أشد رهبة) والثانى بعد إن، وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتفاق: الاسم، نحو
(إن ربى لسميع الدعاء) والمضارع لشبهه به نحو (وإن ربك ليحكم بينهم) والظرف نحو
(وإنك لعلى خلق عظيم) وعلى ثلاثة باختلاف، أحدها: الماضي الجامد نحو (إن زيدا لعسى
أن يقوم) أو (لنعم الرجل) قاله أبو الحسن، ووجهه أن الجامد يشبه الاسم، وخالفه
الجمهور، والثانى: الماضي المقرون بقد، قاله الجمهور، ووجهه أن قد تقرب الماضي من
الحال فيشبه المضارع المشبه للاسم، وخالف في ذلك خطاب ومحمد بن مسعود الغزنى،
وقالا: إذا قيل (إذا زيدا لقد قام) فهو جواب لقسم مقدر، والثالث: الماضي المتصرف
المجرد من قد، أجازه الكسائي وهشام على إضمار قد، ومنعه الجمهور، وقالوا: إنما هذه
لام القسم، فمتى تقدم فعل القلب فتحت همزة أن ك (علمت أن زيدا لقام) والصواب
عندهما الكسر. واختلف في دخولها في غير باب إن على شيءين: أحدهما خبر المبتدأ
المتقدم نحو (لقائم زيد) فمقتضى كلام جماعة [من النحويين] الجواز، و [إن كان] في
أمالى ابن الحاجب: لام الابتداء يجب معها المبتدأ، الثاني: الفعل نحو (ليقوم زيد)
فأجاز
ص 229
ذلك ابن مالك والمالقي وغيرهما، زاد المالقى (الماضي الجامد) نحو (لبئس ما كانوا
يعملون) وبعضهم المتصرف المقرون بقد نحو (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) (لقد كان
في يوسف وإخوته آيات) والمشهور أن هذه لام القسم، وقال أبو حيان في (ولقد علمتم):
هي لام الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدر وأن لا يكون،
اه. ونص جماعة على منع ذلك كله، قال ابن الخباز في شرح الايضاح: لا تدخل لام
الابتداء على الجمل الفعلية إلا في باب إن، اه. وهو مقتضى ما قدمناه عن ابن
الحاجب، وهو أيضا قول الزمخشري، قال في تفسير (ولسوف يعطيك ربك): لام الابتداء لا
تدخل إلا على المبتداء والخبر، وقال في (لا قسم): هي لام الابتداء دخلت على مبتدأ
محذوف، ولم يقدرها لام القسم، لانها عنده ملازمة للنون، وكذا زعم في (ولسوف يعطيك
ربك) أن المبتدأ مقدر، أي ولانت سوف يعطيك ربك. وقال ابن الحاجب: اللام في ذلك لام
التوكيد، وأما قول بعضهم إنها لام الابتداء وإن المبتدأ مقدر بعدها ففاسد من جهات،
إحداها: أن اللام مع الابتداء كقد مع الفعل وإن مع الاسم، فكما لا يحذف الفعل
والاسم ويبقيان بعد حذفهما كذلك اللام بعد حذف الاسم، والثانية: أنه إذا قدر
المبتدأ في نحو (لسوف يقوم زيد) يصير التقدير لزيد سوف يقوم زيد، ولا يخفى ما فيه
من الضعف، والثالثة: أنه يلزم إضمار لا يحتاج إليه الكلام، اه. وفى الوجهين
الاخيرين نظر، لان تكرار الظاهر إنما يقبح إذا صرح بهما، ولان النحويين قدروا مبتدأ
بعد الواو في نحو (قمت وأصك عينه) وبعد الفاء في نحو (ومن عاد فينتقم الله منه)
وبعد اللام في نحو (لاقسم بيوم القيامة) وكل ذلك تقدير لال الصناعة دون المعنى،
فكذلك هنا.
ص 230
وأما الاول فقد قال جماعة في (إن هذان لساحران): إن التقدير لهما ساحران فحذف
المبتدأ وبقيت اللام، ولانه يجوز على الصحيح نحو (لقائم زيد). وإنما يضعف قول
الزمخشري أن فيه تكلفين لغير ضرورة، وهما تقدير محذوف وخلع اللام عن معنى الحال،
لئلا يجتمع دليلا الحال والاستقبال، وقد صرح بذلك في تفسير (لسوف أخرج حيا) ونظره
بخلع اللام عن التعريف وإخلاصها للتعويض في (يا لله) وقوله إن لام القسم مع المضارع
لا تفارق النون ممنوع، بل تارة تجب اللام وتمتنع النون، وذلك مع التنفيس كالآية،
ومع تقديم المعمول بين اللام والفعل نحو (ولئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون) ومع
كون الفعل للحال نحو (لاقسم) وإنما قدر البصريون هنا مبتدأ لانهم لا يجيزون لمن قصد
الحال أن يقسم إلا على الجملة الاسمية، وتارة يمتنعان، وذلك مع الفعل المنفى نحو
(تالله تفتؤ) وتارة يجبان، وذلك فيما بقى نحو (وتالله لاكيدن أصنامكم). مسألة -
للام الابتداء الصدرية، ولهذا علقت العامل في (علمت لزيد منطق) ومنعت من النصب على
الاشتغال في نحو (زيد لانا أكرمه) ومن أن يتقدم عليها الخبر في نحو (لزيد قائم)
والمبتدأ في نحو (لقائم زيد) فأما قوله: 377 - أم الحليس لعجوز شهر به * [ترضى من
اللحم بعظم الرقبه] [ص 233] فقيل: اللام زائدة، وقيل: للابتداء والتقدير لهى عجوز،
وليس لها الصدرية في باب إن لانها [فيه] مؤخرة من تقديم، ولهذا تسمى اللام
المزحلقة، والمزحلقة أيضا، وذلك لان أصل (إن زيدا لقائم) (لان زيدا قائم) فكرهوا
افتتاح الكلام بتوكيدين فأخروا اللام دون إن لئلا يتقدم معمول الحرف عليه، وإنما لم
ندع أن
ص 231 
الاصل (إن لزيدا قائم) لئلا يحول ماله الصدر بين العامل والمعمول، ولانهم قد نطقوا
باللام مقدمة على إن في نحو قوله: 378 - [ألا يا سنا برق على قلل الحمى] * لهنك من
برق على كريم ولاعتبارهم حكم صدريتها فيما قبل إن دون ما بعدها، دليل الاول أنها
تمنع من تسلط فعل القلب على أن ومعموليها، ولذلك كسرت في نحو (والله يعلم إنك
لرسوله) بل قد أثرت هذا المنع مع حذفها في قول الهذلى: 379 - فغيرت بعدهم بعيش ناصب
* وإخال إنى لاحق مستتبع الاصل إنى للاحق، فحذفت اللام بعد ما علقت إخال، وبقى
الكسر بعد حذفها كما كان مع وجودها، فهو مما نسخ لفظه وبقى حكمه. ودليل الثاني أن
عمل إن يتخطاها، تقول (إن في الدار لزيدا) و (إن زيدا لقائم) وكذلك يتخطاها عمل
العامل بعدها نحو (إن زيدا طعامك لاكل) ووهم بدر الدين ابن ابن مالك، فمنع من ذلك،
والوارد منه في التنزيل كثير نحو (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) تنبيه - (إن زيدا لقام،
أو ليقومن) اللام جواب قسم مقدر، لا لام الابتداء، فإذا دخلت عليها (علمت) مثلا
فتحت همزتها، فإن قلت (لقدم قام زيد) فقالوا: هي لام الابتداء، وحينئذ يجب كسر
الهمزة، وعندي أن الامرين محتملان فصل وإذا خففت إن نحو (وإن كانت لكبيرة) (إن كل
نفس لما عليها حافظ) فاللام عند سيبويه والاكثرين لام الابتداء أفادت - مع إفادتها
توكيد النسبة وتخليص المضارع للحال - الفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية،
ولهذا صارت
ص 232
لازمة بعد أن كانت جائزة، اللهم إلا أن يدل دليل على قصد الاثبات كقراءة أبى رجاء
(وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) بكسر اللام أي للذى، وكقوله: 380 - إن كنت
قاضى نحبى يوم بينكم * لو لم تمنوا بوعد غير توديع (1) ويجب تركها مع نفى الخبر
كقوله: 381 - إن الحق لا يخفى على ذى بصيرة * وإن هو لم يعدم خلاف معاند وزعم أبو
على وأبو الفتح وجماعة أنها لام غير لام الابتداء، اجتلبت للفرق، قال أبو الفتح:
قال لى أبو على: ظننت أن فلانا نحوى محسن، حتى سمعته يقول: إن اللام التى تصحب إن
الخفيفة هي لام الابتداء، فقلت له: أكثر نحويى بغداد على هذا، اه. وحجة أبى على
دخولها على الماضي المتصرف نحو (إن زيد لقام) وعلى منصوب الفعل المؤخر عن ناصبه في
نحو (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) وكلاهما لا يجوز مع المشددة. وزعم الكوفيون أن
اللام في ذلك كله بمعنى إلا، وأن إن قبلها نافية، واستدلوا على مجئ اللام للاستثناء
بقوله: 382 - أمسى أبان ذليلا بعد عزته * وما أبان لمن أعلاج سودان [ص 233] وعلى
قولهم يقال (قد علمنا إن كنت لمؤمنا) بكسر الهمزة، لان النافية مكسورة دائما، وكذا
على قول سيبويه لان لام الابتداء تعلق العامل عن العمل، وأما على قول أبى على وأبى
الفتح فتفتح. القسم الثاني: اللام الزائدة، وهى الداخلة في خبر المبتدأ في نحو
قوله:
(هامش)
(1) المحفوظ في شواهد النجاة * لو لم تمنوا بوعد غير مكذوب * (*)
ص 233
* أم الحليس لعجوز شهر به * [377] وقيل: الاصل لهى عجوز، وفى خبر أن المفتوحة
كقراءة سعيد بن جبير (ألا أنهم ليأكلون الطعام) بفتح الهمزة، وفى خبر لكن في قوله:
383 - * ولكننى من حبها لعميد * [ص 292] وليس دخول اللام مقيسا بعد أن المفتوحة
خلافا للمبرد، ولا بعد لكن خلافا للكوفيين، ولا اللام بعدهما لام الابتداء خلافا له
ولهم، وقيل: اللامان للابتداء على أن الاصل (ولكن إننى) فحذفت همزة إن للتخفيف،
ونون ولكن لذلك لثقل اجتماع الامثال، وعلى أن ما في (1) قوله: * وما أبان لمن أعلاج
سودان * [382] استفهام، وتم الكلام عند (أبان) ثم ابتدئ لمن أعلاج، إى بتقدير لهو
من أعلاج، وقيل: هي لام زيدت في خبر ما النافية، وهذا المعنى عكس المعنى على
القولين السابقين: ومما زيدت فيه أيضا خبر زال في قوله. 384 - وما زلت من ليلى لدن
أن عرفتها * لكالهائم المقصى بكل مراد وفى المفعول الثاني لارى في قوله بعضهم (أراك
لشاتمي) ونحو ذلك. قيل: وفى مفعول يدعو من قوله تعالى (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه)
وهذا مردود، لان زيادة هذه اللام في غاية الشذوذ فلا يليق تخريج التنزيل عليه،
ومجموع ما قيل في اللام في هذه الآية قولان: أحدهما هذا، وهو أنها زائدة، وقد بينا
فساده، والثانى أنها لام الابتداء، وهو الصحيح، ثم اختلف هؤلاء، فقيل: إنها مقدمة
من تأخير، والاصل يدعو من لضره أقرب من نفعه، فمن: مفعول، وضره أقرب: مبتدأ وخبر،
والجملة
(هامش)
(1) هذا الكلام عطف على قوله (على أن الاصل) و (ما) بمعنى الذى، أي وعلى أن الذى في
قوله، أو مقصود لفظها، أي وعلى أن لفظ ما في قوله، وخبر (أن) هو قوله (استفهام)
الواقع بعد إنشاد الشاهد. (*)
ص 234
صلة لمن، وهذا بعيد، لان لام الابتداء لم يعهد فيها التقدم عن موضعها، وقيل: إنها
في موضعها، وإن من مبتدأ، ولبئس المولى خبرها (1)، لان التقدير لبئس المولى هو، وهو
الصحيح، ثم اختلف هؤلاء في مطلوب يدعو على أربعة أقوال، آحدها: أنها لا مطلوب لها،
وأن الوقف عليها، وأنها [إنما] جاءت توكيدا ليدعو في قوله (يدعو من دون الله ما لا
يضره وما لا ينفعه) وفى هذا القول دعوى خلاف الاصل مرتين، إذ الاصل عدم التوكيد،
والاصل أن لا يفصل المؤكد من توكيده ولا سيما في التوكيد اللفظى، والثانى أن مطلوبه
مقدم عليه، وهو (ذلك هو الضلال) على أن ذلك موصول، وما بعده صلة وعائد، والتقدير
يدعو الذى هو الضلال البعيد، وهذا الاعراب لا يستقيم عند البصريين، لان (ذا) لا
تكون عندهم موصولة إلا إذا وقعت بعد ما أو من الاستفهاميتين والثالث: أن مطلوبه
محذوف، والاصل يدعوه، والجملة حال، والمعنى ذلك هو الضلال البعيد مدعوا، والرابع:
أن مطلوبه الجملة بعده، ثم اختلف هؤلاء على قولين، أحدهما: أن يدعو بمعنى يقول،
والقول يقع على الجمل، والثانى: أن يدعو ملموح فيه معنى فعل من أفعال القلوب، ثم
اختلف هؤلاء على قولين، أحدهما: أن معناه يظن، لان أصل [يدعو] معناه يسمى، فكأنه
قال: يسمى من ضره أقرب من نفعه إلها، ولا يصدر ذلك يقين اعتقاد، فكأنه قيل: يظن،
وعلى هذا القول فالمفعول الثاني محذوف كما قدرنا، والثانى: أن معناه يزعم، لان
الزعم قول مع اعتقاد. ومن أمثلة اللام الزائدة قولك (لئن قام زيد أقم، أو فأنا
أقوم) أو (أنت ظالم لئن فعلت) فكل ذلك خاص بالشعر، وسيأتى توجيهه والاستشهاد عليه.
الثالث: لام الجواب، وهى ثلاثة أقسام: لام جواب لو نحو (لو تزيلوا لعذبنا الذين
كفروا) (ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) ولام جواب لو لا نحو (ولو لا دفع الله
الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض) ولام جواب القسم نحو
(هامش)
(1) في نسخة (ولبئس المولى خبره). (*)