الصفحة السابقة

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 313

وننصر مولانا ونعلم أنه * كما الناس مجروم عليه وجارم [95] أو اسما كقوله تعالى (أيما الاجلين) وقول الشاعر: 520 - نام الخلى، وما أحس رقادي * والهم محتضر لدى وسادى من غير ما سقم، ولكن شفنى * هم أراه قد أصاب فؤادى وقوله: * ولا سيما يوم بدارة جلجل * [219] أي ولا مثل يوم، وقوله بدارة صفة ليوم، وخبر لا محذوف. ومن رفع يوم فالتقدير ولا مثل الذى هو يوم، وحسن حذف العائد طول الصلة بصفة يوم، ثم إن المشهور أن ما مخفوضة، وخبر لا محذوف، وقال الاخفش: ما خبر للا، ويلزمه قطع سئ عن الاضافة من غير عوض، قيل: وكون خبر لا معرفة، وجوابه أنه قد يقدر ما نكرة موصوفة، أو يكون قد رجع إلى قول سيبويه في لا رجل قائم إن ارتفاع الخبر بما كان مرتفعا به، لا بلا النافية، وفى الهيتيات للفارسي إذا قيل: قاموا لا سيما زيد، فلا مهملة، وسى حال، أي قاموا غير مماثلين لزيد في القيام ويرد صحة دخول الواو، وهى لا تدخل على الحال المفردة، وعدم تكرار لا، وذلك واجب مع الحال المفردة، وأما من نصبه فهو تمييز، ثم قيل: ما نكرة تامة مخفوضة بالاضافة، فكأنه قيل. ولا مثل شيء، ثم جئ بالتمييز، وقال الفارسى: ما حرف كاف لسى عن الاضافة، فأشبهت الاضافة في على التمرة مثلها زيدا وإذا قلت: لا سيما زيد، جاز جر زيد ورفعه، وامتنع نصبه.

ص 314

وزيدت قبل الخافض كما في قول بعضهم ما خلا زيد، وما عدا عمرو بالخفض، وهو نادر. وتزاد بعد أداة الشرط، جازمة كانت نحو (أينما تكونوا يدرككم الموت) (وإما تخافن) أو غير جازمة نحو (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم) وبين المتبوع وتابعه في نحو (مثلا ما بعوضة) قال الزجاج: ما حرف زائد للتوكيد عند جميع البصريين، اه‍، ويؤيده سقوطها في قراءة ابن مسعود وبعوضة بدل، وقيل: ما اسم نكرة صفة لمثلا أو بدل منه، وبعوضة عطف بيان على ما، وقرأ رؤية برفع بعوضة، والاكثرون على أن ما موصولة، أي الذى هو بعوضة، وذلك عند البصريين والكوفيين على حذف العائد مع عدم طول الصلة وهو شاذ عند البصريين قياس عند الكوفيين، واختار الزمخشري كون ما استفهامية مبتدأ، وبعوضة خبرها، والمعنى أن شيء البعوضة فما فوقها في الحقارة وزادها الاعشى مرتين في قوله: 521 - إما ترينا حفاة لا نعال لنا * إنا كذلك ما نحفى وننتعل وأمية بن أبى الصلت ثلاث مرات في قوله: 522 - سلع ما، ومثله عشر ما * عائل ما، وعالت البيقورا وهذا البيت قال عيسى بن عمر: لا أدرى ما معناه، ولا رأيت أحدا يعرفه، وقال غيره: كانوا إذا أرادوا الاستسقاء في سنة الجدب عقدوا في أذناب البقر وبين عراقيبها السلع بفتحتين والعشر بضمة ففتحة، وهما ضربان من الشجر، ثم أوقدوا فيها النار وصعدوا بها الجبال، ورفعوا أصواتهم بالدعاء قال:

ص 315

523 - أجاعل أنت بيقورا مسلعة * ذريعة لك بين الله والمطر ومعنى عالت البيقورا أن السنة أثقلت البقر بما حملتها من السلع والعشر وهذا فصل عقدته للتدريب في ما قوله تعالى (ما أغنى عنه ماله وما كسب) تحتمل ما الاولى النافية أي لم يغن والاستفهامية فتكون مفعولا مطلقا، والتقدير أي إغناء أغنى عنه ماله، ويضعف كونه مبتدأ بحذف المفعول المضمر حينئذ، إذ تقديره أي إغناء أغناه عنه ماله، وهو نظير زيد ضربت إلا أن الهاء المحذوفة في الآية مفعول مطلق، وفى المثال مفعول به، وأما ما الثانية فموصول اسمى أو حرفي، أي والذى كسبه، أو وكسبه، وقد يضعف الاسمى بأنه إذا قدر والذى كسبه لزم التكرار لتقدم ذكر المال، ويجاب بأنه يجوز أن يراد به الولد، ففى الحديث أحق ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه والآية حينئذ نظير (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم) وأما (وما يغنى عنه ماله إذا تردى) (ما أغنى عنى ماليه) فما فيهما محتملة للاستفهامية وللنافية، ويرجحها تعينها في (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم) والارجح في (وما أنزل على الملكين) أنها موصولة عطف على السحر، وقيل: نافية فالوقف على السحر، والارجح في (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم) أنها النافية بدليل (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) وتحتمل الموصولة والاظهر في (فاصدع بما تؤمر) المصدرية، وقيل: موصولة، قال ابن الشجرى: ففيه خمسة حذوف، والاصل بما تؤمر بالصدع به، فحذفت الباء فصار بالصدعه فحذفت أل لامتناع جمعها مع الاضافة فصار بصدعه، ثم حذف المضاف كما في (واسأل القرية) فصار به، ثم حذف الجار كما قال عمرو بن معد يكرب: 524 - أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * [فقد تركتك ذا مال وذ انشب] [ص 566]

ص 316

فصار تؤمره، ثم حذف الهاء كما حذفت في (أهذا الذى بعث الله رسولا) وهذا تقرير ابن جنى. وأما (ما ننسخ من آية) فما شرطية، ولهذا جزمت، ومحلها النصب بننسخ وانتصابها إما على أنها مفعول به مثل (أيا ما تدعوا) فالتقدير أي شيء ننسخ، لا أي آية ننسخ، لان ذلك لا يجتمع مع (من آية) وإما على أنها مفعول مطلق، فالتقدير: أي نسخ ننسخ، فآية مفعول ننسخ، ومن زائدة، ورد هذا أبو البقاء بأن ما المصدرية لا تعمل، وهذا سهو منه، فإنه نفسه نقل عن صاحب هذا الوجه أن ما مصدر بمعنى أنها مفعول مطلق، ولم ينقل عنه أنها مصدرية. وأما قوله: تعالى (مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم) فما محتملة للموصوفة أي شيءا لم نمكنه لكم، فحذف العائد، وللمصدرية الظرفية، أي أن مدة تمكنهم أطول، وانتصابها في الاول على المصدر، وقيل: على المفعول به على تضمين مكنا معنى أعطينا، وفيه تكلف. وأما قوله تعالى (فقليلا ما يؤمنون) فما محتملة لثلاثة أوجه، أحدها: الزيادة، فتكون إما لمجرد تقوية الكلام مثلها في (فما رحمة من الله لنت لهم) فتكون حرفا باتفاق، وقليلا في معنى النفى مثلها في قوله: * * قليل بها الاصوات إلا بغامها * [104] وإما لافادة التقليل مثلها في أكلت أكلاما وعلى هذا فيكون تقليلا بعد تقليل، ويكون التقليل على معناه، ويزعم قوم أن ما هذه اسم كما قدمناه في (مثلا ما بعوضة) والوجه الثاني: النفى، وقليلا: نعت لمصدر محذوف، أو الظرف محذوف، أي إيمانا قليلا أو زمنا قليلا، أجاز ذلك بعضهم، ويرده أمران: أحدهما أن ما النافية لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ويسهل ذلك شيءا ما على تقدير

ص 317

قليلا نعتا للظرف، لانهم يتسعون في الظرف، وقد قال: * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [137] والثانى: أنهم لا يجمعون بين مجازين، ولهذا لم يجيزوا دخلت الامر لئلا يجمعوا بين حذف في وتعليق الدخول باسم المعنى، بخلاف دخلت في الامر و دخلت الدار واستقبحوا سير عليه طويل لئلا يجمعوا بين جعل الحدث أو الزمان مسيرا وبين حذف الموصوف، بخلاف سير عليه طويلا و سير عليه سير طويل، أو زمن طويل . والثالث: أن تكون مصدرية، وهى وصلتها فاعل بقليلا، وقليلا حال معمول لمحذوف دل عليه المعنى، أي لعنهم الله، فأخروا قليلا إيمانهم، أجازه ابن الحاجب، ورجح معناه على غيره. وقوله تعالى (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ما إما زائدة، فمن متعلقة بفرطتم، وإما مصدرية فقيل: موضعها هي وصلتها رفع بالابتداء، وخبره من قبل، ورد بأن الغايات لا تقع أخبارا ولا صلات ولا صفات ولا أحوالا، نص على ذلك سيبويه وجماعة من المحققين، ويشكل عليهم (كيف كان عاقبة الذين من قبل) وقيل: نصب عطفا على أن وصلتها، أي ألم تعلموا أخذ أبيكم الموثق وتفريطكم، ويلزم على هذا الاعراب الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف وهو ممتنع، فإن قيل: قد جاء (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة) قلنا: ليس هذا من ذلك كما توهم ابن مالك، بل المعطوف شيءان على شيئين. وقوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) ما ظرفية، وقيل: بدل من النساء، وهو بعيد، وتقول اصنع ما صنعت فما موصولة أو

ص 318

شرطية، وعلى هذا فتحتاج إلى تقدير جواب، فإن قلت اصنع ما تصنع أمتنعت الشرطية، لان شرط حذف الجواب مضى فعل الشرط. وتقول ما أحسن ما كان زيد فما الثانية مصدرية، وكان زيد صلتها، والجملة مفعول، ويجوز عند من جوز إطلاق ما على آحاد من يعلم أن تقدرها بمعنى الذى، وتقدر كان ناقصة رافعة لضميرها وتنصب زيدا على الخبرية، ويجوز على قوله أيضا أن تكون بمعنى الذى مع رفع زيد، على أن يكون الخبر ضمير ما، ثم حذف، والمعنى ما أحسن الذى كانه زيد، إلا أن حذف خبر كان ضعيف. ومما يسأل عنه قول الشاعر في صفة فرس صافن: أي ثان في وقوفه إحدى قوائمه: 525 - ألف الصفون فما يزال كأنه * مما يقوم على الثلاث كسيرا فيقال: كان الظاهر رفع كسيرا خبرا لكأن. والجواب أنه خبر ليزال، ومعناه كاسر: أي ثان، كرحيم وقدير، لا مكسور ضد الصحيح كجريح وقتيل، وما مصدرية، وهى وصلتها خبر كأن، أي ألف القيام على الثلاث فلا يزال ثانيا إحدى قوائمه حتى كأنه مخلوق من قيامه على الثلاث، وقيل : ما بمعنى الذى وضمير يقوم عائد إليها، وكسيرا حال من الضمير، وهو بمعنى مكسور، وكأن ومعمولاها خبر يزال، أي كأنه من الجنس الذى يقوم على الثلاث، والمعنى الاول أولى.

ِن) بكسر الميم  

تأتى على خمسة عشر وجها: أحدها: ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، وتقع لهذا المعنى في غير الزمان، نحو (من المسجد الحرام) (إنه من سليمان) قال الكوفيون والاخفش والمبرد وابن درستويه: وفى الزمان أيضا،

ص 319

بدليل (من أول يوم) وفى الحديث فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة وقال النابغة: 526 - تخيرن من أزمان يوم حليمة * إلى اليوم، قد جربن كل التجارب وقيل: التقدير من مضى أزمان يوم حليمة، ومن تأسيس أول يوم، ورده السهيلي بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان. الثاني: التبعيض، نحو (منهم من كلم الله) وعلامتها إمكان سد بعض مسدها، كقراءة ابن مسعود (حتى تنفقوا بعض ما تحبون) الثالث: بيان الجنس، وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما، وهما بها أولى: لافراط إبهامهما نحو (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) (ما ننسخ من الآية) (مهما تأتنا به من آية) وهى ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال، ومن وقوعها بعد غيرهما (يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق) الشاهد في غير الاولى فإن تلك للابتداء، وقيل: زائدة، ونحو (فاجتنبوا الرجس من الاوثان) وأنكر مجئ من لبيان الجنس قوم، وقالوا: هي في (من ذهب) و (من سندس) للتبعيض، وفى (من الاوثان) للابتداء، والمعنى فاجتنبوا من الاوثان الرجس وهو عبادتها، وهذا تكلف. وفى كتاب المصاحف لابن الانباري أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة) في الطعن على بعض الصحابة، والحق أن من فيها للتبيين لا للتبعيض، أي الذين آمنوا هم هؤلاء ومثله (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) وكلهم محسن ومتق (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار.

ص 320

الرابع: التعليل، نحو (مما خطيئاتهم أغرقوا) وقوله: 527 - وذلك من نبإ جاءني * [وخبرته عن أبى الاسود] وقول الفرزدق في على بن الحسين: 528 - يغضى حياء ويغضى من مهابته * [فما يكلم إلا حين يبتسم] الخامس: البدل، نحو (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) (لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون) لان الملائكة لا تكون من الانس (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيءا) أي بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله ولا ينفع ذا الجد منك الجد أي لا ينفع ذا الحظ من الدنيا حظه بذلك، أي بدل طاعتك أو بدل حظك، أي بدل حظه منك، وقيل: ضمن ينفع معنى يمنع، ومتى علقت من بالجد انعكس المعنى، وأما (فليس من الله في شيء) فليس من هذا خلافا لبعضهم، بل من للبيان أو للابتداء، والمعنى فليس في شيء من ولاية الله، وقال ابن مالك في قول أبى نخيلة: 529 - [جارية لم تأكل المرققا] * ولم تذق من البقول الفستقا المراد بدل البقول، وقال غيره: توهم الشاعر أن الفستق من البقول، وقال الجوهرى: الرواية النقول بالنون، ومن عليهما للتبعيض، والمعنى على قول الجوهرى أنها تأكل البقول إلا الفستق، وإنما المراد أنها لا تأكل إلا البقول، لانها بدوية، وقال الآخر يصف عامل الزكاة بالجور: 530 - أخذوا المخاض من الفصيل غلبة * ظلما، ويكتب للامير أفيلا أي بدل الفصيل، والافيل: الصغير، لانه يأفل بين الابل: أي يغيب، وانتصاب أفيلا على الحكابة، لانهم يكتبون أدى فلان أفيلا وأنكر قوم مجئ من للبدل

ص 321

فقالوا: التقدير في (أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة) أي بدلا منها، فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف، وأما هي فللابتداء، وكذا الباقي، السادس: مرادفة عن، نحو (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) (يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا) وقيل: هي في هذه الآية للابتداء، لتفيد أن ما بعد ذلك من العذاب أشد، وكأن هذا القائل يعلق معناها (1) بويل، مثل (فويل للذين كفروا من النار) ولا يصح كونه تعليقا صناعيا للفصل بالخبر (2)، وقيل: هي فيهما للابتداء، أو هي في الاول للتعليل، أي من أجل ذكر الله، لانه إذا ذكر قست قلوبهم. وزعم ابن مالك أن من في نحو زيد أفضل من عمرو للمجاوزة، وكأنه قيل: جاوز زيد عمرا في الفضل، قال: وهو أولى من قول سيبويه وغيره إنها لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه وابتداء الانحطاط في نحو شر منه إذ لا يقع بعدها إلى، اه‍. وقد يقال: ولو كانت للمجاوزة لصح في موضعها عن. السابع: مرادفة الباء، نحو (ينظرون من طرف خفى) قاله يونس، والظاهر أنها للابتداء. الثامن: مرادفة في، نحو (أرونى ماذا خلقوا من الارض) (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) والظاهر أنها في الاولى لبيان الجنس مثلها في (ما ننسخ من آية). التاسع: موافقة عند، نحو (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيءا) قاله أبو عبيدة، وقد مضى القول بأنها في ذلك للبدل العاشر: مرادفة ربما، وذلك إذا اتصلت بما كقوله

(هامش)

(1) الاولى حذف معنى فتكون العبارة وكأن هذا القائل يعلقها بويل لان من في المشبه بها متعلقة بويل.
(2) المراد بالخبر هنا الجملة الخبرية، وهو (قد كنا في غفلة من هذا). (*)

ص 322

وإنا لمما نضرب الكبش ضربة * على رأسه تلقى اللسان من الفم [513] قاله السيرافى وابن خروف وابن طاهر والاعلم، وخرجوا عليه قول سيبويه: واعلم أنهم مما يحذفون كذا، والظاهر أن من فيهما ابتدائية وما مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب والحذف مثل (خلق الانسان من عجل). الحادى عشر: مرادفة على، نحو (ونصرناه من القوم) وقيل: على التضمين، أي منعناه منهم بالنصر (1). الثاني عشر: الفصل، وهى الداخلة على ثانى المتضادين نحو (والله يعلم المفسد من المصلح) (حتى يميز الخبيث من الطيب) قاله ابن مالك، وفيه نظر، لان الفصل مستفاد من العامل، فإن مازوميز بمعنى فصل، والعلم صفة توجب التمييز، والظاهر من أن في الآيتين للابتداء، أو بمعنى عن. الثالث عشر: الغاية، قال سيبويه وتقول رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك، أي محلا للابتداء والانتهاء، قال وكذا أخذته من زيد وزعم ابن مالك أنها في هذه للمجاوزة، والظاهر عندي أنها للابتداء، لان الاخذ ابتدئ من عنده وانتهى إليك. الرابع عشر: التنصيص على العموم، وهى الزائدة في نحو ما جاءني من رجل فإنه قبل دخولها يحتمل في الجنس ونفى الوحدة، ولهذا يصح أن يقال بل رجلان ويمتنع ذلك بعد دخول من. الخامس عشر: توكيد العموم، وهى الزائدة في نحو ما جاءني من أحد، أو من ديار فإن أحدا وديارا صيغتا عموم. وشرط زيادتها في النوعين ثلاثة أمور:

(هامش)

(1) حاصل هذا الكلام أن من في الآية متعلقة بنصر البتة، فإن كان نصر باقيا على معناه كانت من بمعنى على، لان نصر بعلى لا بمن، وإن ضمن نصر معنى منع كانت من باقية على معناها، لان منع يتعدى بمن. (*)

ص 323

أحدها: تقدم نفى أو نهى أو استفهام بهل، نحو (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (فارجع البصر هل ترى من فطور) وتقول لا يقم من أحد وزاد الفارسى الشرط كقوله: 531 - ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم [ص 330] وسيأتى فصل مهما. والثانى: تنكير مجرورها. والثالث: كونه فاعلا، أو مفعولا به، أو مبتدأ. تنبيهات - أحدها: قد اجتمعت زيادتها في المنصوب والمرفوع في قوله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) ولك أن تقدر كان تامة، لان مرفوعها فاعل، وناقصة (1)، لان مرفوعها شبيه بالفاعل وأصله المبتدأ. الثاني: تقييد المفعول بقولنا به هي عبارة ابن مالك، فتخرج بقية المفاعيل، وكأن وجه منع زيادتها في المفعول معه والمفعول لاجله والمفعول فيه أنهن في المعنى بمنزلة المجرور بمع وباللام وبفى، ولا تجامعهن، ولكن لا يظهر للمنع في المفعول المطلق وجه، وقد خرج عليه أبو البقاء (ما فرطنا في الكتاب من شيء) فقال: من زائدة، وشيء في موضع المصدر، أي تفريطا، مثل (لا يضركم كيدهم شيءا) والمعنى تفريطا وضرا، قال: ولا يكون مفعولا به، لان فرط إنما يتعدى إليه بفى، وقد عدى بها إلى الكتاب، قال: وعلى هذا فلا حجة في الآية لمن ظن أن الكتاب يحتوى على ذكر كل شيء صريحا، قلت: وكذا لا حجة فيها لو كان شيء مفعولا به، لان المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، كما في قوله تعالى: (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وهو رأى الزمخشري، والسياق يقتضيه.

(هامش)

(1) يريد أنك إن قدرت كان تامة فمرفوعها فاعل، وإن قدرتها ناقصة فمرفوعها أصله مبتدأ، فقد وجد الشرط الثالث على الوجهين. (*)

ص 324

الثالث: القياس أنها لا تزاد في ثانى مفعولي ظن، ولا ثالث مفعولات أعلم، لانهما في الاصل خبر، وشذت قراءة بعضهم (ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) ببناء نتخذ للمفعول، وحملها ابن مالك على شذوذ زيادة من في الحال (1)، ويظهر لى فساده في المعنى، لانك إذا قلت ما كان لك أن تتخذ زيدا في حالة كونه خاذلا لك فأنت مثبت لخذلانه ناه عن اتخاذه، وعلى هذا فيلزم أن الملائكة أثبتوا لانفسهم الولاية. الرابع: أكثرهم أهمل هذا الشرط الثالث، فيلزمهم زيادتها في الخبر، في نحو ما زيد قائما والتمييز في نحو ما طاب زيد نفسا والحال في نحو ما جاء أحد راكبا وهم لا يجيزون ذلك. وأما قول أبى البقاء في (ما ننسخ من آية): إنه يجوز كون (آية) حالا ومن زائدة كما جاءت آية حالا في (هذه ناقة الله لكم آية) والمعنى أي شيء ننسخ قليلا أو كثيرا، ففيه تخريج التنزيل على شيء إن ثبت فهو شاذ، أعنى زيادة من في الحال، وتقدير ما ليس بمشتق ومنتقل ولا يظهر فيه معنى الحال حالا، والتنظير بما لا يناسب، فإن (آية) في (هذه ناقة الله لكم آية) بمعنى علامة لا واحدة الآى، وتفسير اللفظ بما لا يحتمله، وهو قوله قليلا أو كثيرا، وإنما ذلك مستفاد من اسم الشرط لعمومه لا من آية. ولم يشترط الاخفش واحدا من الشرطين الاولين، واستدل بنحو (ولقد جاءك من نبإ المرسلين) (يغفر لكم من ذنوبكم) (يحلون فيها من أساور من ذهب) (نكفر عنكم من سيئاتكم).

(هامش)

(1) أصل العبارة قبل بناء الفعل للمجهول: يتخذنا الناس أولياء، فحذف الفاعل وهو الناس، وبنى الفعل للمجهول وأسند للضمير، وابن مالك يعتبر اتخذ متعدية لواحد فيجعل انتصاب أولياء على الحالية، وغيره يعتبر اتخذ متعدية لاثنين فيجعل نصب أولياء على أنه مفعول ثان. (*)

ص 325

ولم يشترط الكوفيون الاول، واستدلوا بقولهم قد كان من مطر وبقول عمر بن أبى ربيعة: 532 - وينمى لها حبها عندنا * فما قال من شاكح لم يضر وخرج الكسائي على زيادتها إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون وابن جنى قراءة بعضهم (لما أتيتكم من كتاب وحكمة) بتشديد لما، وقال: أصله لمن ما، ثم أدغم، ثم حذفت ميم من (1). وجوز الزمخشري في (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين) الآية كون المعنى ومن الذى كنا منزلين، فجوز زيادتها مع المعرفة (1). وقال الفارسى في (وننزل من السماء من جبال فيها من برد): يجوز كون من ومن الاخيرتين زائدتين، فجوز الزيادة في الايجاب. وقال المخالفون: التقدير قد كان هو أي كائن من جنس المطر، وفما قال هو أي قائل من جنس الكاشح، وإنه من أشد الناس أي إن الشأن، ولقد جاءك هو أي جاء من الخبر كائنا من نبأ المرسلين، أو ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين ثم حذف الموصوف، وهذا ضعيف في العربية، لان الصفة غير مفردة، فلا يحسن تخريج التنزيل عليه. واختلف في من الداخلة على قبل وبعد، فقال الجمهور: لابتداء الغاية، ورد بأنها لا تدخل عندهم على الزمان كما مر، وأجيب بأنهما غير متأصلين في الظرفية

(هامش)

(1) من التى قال ابن جنى بزيادتها في الآية الكريمة هي الداخلة على كتاب والتقدير عنده: لمن جملة ما آتيتكم كتاب وحكمة.
(2) من الداخلة على جند زائدة، وهى مستكملة لشروط زيادتها، والكلام في من مقدرة الدخول على (ما) التى جعلها بمعنى الذى وجعلها معطوفة على جند وهى في (وما كنا منزلين) فصار التقدير: ومن الذى كنا منزلين، فزيدت من وهى داخلة على معرفة. (*)

ص 326

وإنما هما في الاصل صفتان للزمان، إذ معنى جئت قبلك جئت زمنا قبل زمن مجيئك، فلهذا سهل ذلك فيهما، وزعم ابن مالك أنها زائدة، وذلك مبنى على قول الاخفش في عدم الاشتراط لزيادتها. مسألة - (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم) من الاولى للابتداء والثانية للتعليل، وتعلقها بأرادوا أو بيخرجوا، أو للابتداء فالغم بدل اشتمال، وأعيد الخافض، وحذف الضمير، أي من غم فيها. مسألة - (مما تنبت الارض من بقلها) من الاولى للابتداء، والثانية إما كذلك فالمجرور بدل بعض وأعيد الجار، وإما لبيان الجنس فالظرف حال والمنبت محذوف، أي مما تنبته كائنا من هذا الجنس. مسألة - (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) من الاولى مثلها في زيد أفضل من عمرو ومن الثانية للابتداء على أنها متعلقة باستقرار مقدر، أو بالاستقرار الذى تعلقت به عند، أي شهادة حاصلة عنده مما أخبر الله به، قيل: أو بمعنى عن، على أنها متعلقة بكتم على جعل كتمانه عن الاداء الذى أوجبه الله كتمانه عن الله، وسيأتى أن (كتم) لا يتعدى بمن. مسألة - (أتأتون الرجال شهوة من دون النساء) من للابتداء، والظرف صفة لشهوة، أي شهوة مبتدأة من دونهن، قيل: أو للمقابلة ك‍ خذ هذا من دون هذا أي اجعله عوضا منه، وهذا يرجع إلى معنى البدل الذى تقدم، ويرده أنه لا يصح التصريح به ولا بالعوض مكانها هنا (1). مسألة - (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن

(هامش)

(1) وجه عدم صحة التصريح بالمقابلة وبالعوض مكان من في هذه الآية الكريمة أن لفظ (دون) يمنع من التصريح بأحدهما، وقد علم أن من لا تكون للعوض إلا إذا صح التصريح به مكانها. (*)

ص 327

ينزل عليكم من خير من ربكم) الآية. فيها من ثلاث مرات، الاولى للتبيين لان الكافرين نوعان كتابيون ومشركون، والثانية زائدة، والثالثة لابتداء الغاية مسألة - (ن من شجر من زقوم) (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب) الاولى منهما للابتداء، والثانية للتبيين. مسألة - (نودى من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة) من فيهما للابتداء، ومجرور الثانية بدل من مجروز الاولى بدل اشتمال لان الشجرة كانت نابتة بالشاطئ.

(من) بفتح الميم  

على خمسة أوجه: شرطية نحو (من يعمل سوأ يجز به). واستفهامية نحو (من بعثنا من مرقدنا ؟) (فمن ربكما يا موسى ؟). وإذا قيل من يفعل هذا إلا زيد ؟ فهى من الاستفهامية أشربت معنى النفى، ومنه (ومن يغفر الذنوب إلا الله) ولا يتقيد جواز ذلك بأن يتقدمها الواو، خلافا لابن مالك، بدليل (من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه). وإذا قيل من ذا لقيت ؟ فمن: مبتدأ وذا: خبر موصول، والعائد محذوف، ويجوز على قول الكوفيين في زيادة الاسماء كون ذا زائدة، ومن مفعولا، وظاهر كلام جماعة أنه يجوز في من ذا لقيت أن تكون من وذا مركبتين كما في قولك ماذا صنعت ومنع ذلك أبو البقاء في مواضع من إعرابه وثعلب في أمالية وغيرهما، وخصوا جواز ذلك بماذا، لان ما أكثر إبهاما، فحسن أن تجعل مع غيرها كشيء واحد، ليكون ذلك أظهر لمعناها، ولان التركيب خلاف الاصل، وإنما دل عليه الدليل مع ما وهو قولهم لما جئت بإثبات الالف وموصولة [في] نحو (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الارض).

ص 328

ونكرة موصوفة، ولهذا دخلت عليها رب في قوله: 533 - رب من أنضجت غيظا قلبه * قد تمنى لى موتا لم يطع ووصفت بالفكرة في نحو قولهم مررت بمن معجب لك وقال حسان رضى الله عنه: فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا (158) ويروى برفع غير، فيحتمل أن من على حالها، ويحتمل الموصولية، وعليهما فالتقدير: على من هو غيرنا، والجملة صفة أو صلة، وقال الفرزدق: 534 - إنى وإياك إذ حلت بأرحلنا * كمن بواديه بعد المحل ممطور أي كشخص ممطور بواديه. وزعم الكسائي أنها لا تكون نكرة إلا في موضع يخص النكرات، ورد بهذين البيتين، فخرجهما على الزيادة، وذلك شيء لم يثبت كما سيأتي. وقال تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله) فجزم جماعة بأنها موصوفة وهو بعيد، لقلة استعمالها، وآخرون بأنها موصولة، وقال الزمخشري: إن قدرت أل في الناس للعهد فموصولة مثل (ومنهم الذين يؤذون النبي) أو للجنس فموصوفة مثل (من المؤمنين رجال) ويحتاج لتأمل. تنبيهان: الاول - تقول من يكرمني أكرمه فتحتمل [من] الاوجه الاربعة، فإن قدرتها شرطية جزمت الفعلين، أو موصوفة رفعتهما، أو استفهامية رفعت الاولى وجزمت الثاني، لانه جواب بغير الفاء، ومن فيهن مبتدأ، وخبر الاستفهامية الجملة الاولى، والموصولة أو الموصوفة الجملة الثانية، والشرطية الاولى أو الثانية على خلاف في ذلك، وتقول من زارني زرته فلا تحسن الاستفهامية (1)، ويحسن ما عداها.

(هامش)

(1) لا تحسن الاستفهامية لكون ما بعدها ماضيا، ولكنها - مع ذلك - تصح (*)

ص 329

الثاني - زيد في أقسام من قسمان آخران، أحدهما أن تأتى نكرة تامة، وذلك عند أبى على، قاله في قوله: 535 - [ونعم من كأمن ضافت مذاهبه]. * ونعم من هو في سر وإعلان [ص 435 و 437] فزعم أن الفاعل مستتر، ومن تمييز، وقوله هو مخصوص بالمدح، فهو مبتدأ خبره ما قبله أو خبر لمتبدأ محذوف، وقال غيره: من موصول فاعل، وقوله هو مبتدأ خبره هو آخر محذوف على حد قوله: 536 - [أنا أبو النجم] وشعرى شعرى [لله درى ما أجن صدري] [ص 437 و 657) والظرف متعلق بالمحذوف، لان فيه معنى الفعل، أي ونعم من هو الثابت في حالى السر والعلانية. قلت: ويحتاج إلى تقدير هو ثالث يكون مخصوصا بالمدح. الثاني: التوكيد، وذلك فيما زعم الكسائي [من] أنها ترد زائدة كما، وذلك سهل على قاعدة الكوفيين في أن الاسماء تزاد، وأنشد عليه: * فكفى بنا فضلا على من غيرنا * [158] فيمن خفض غيرنا، وقوله: 537 - يا شاة من قص لمن حلت له * حرمت على، وليتها لم تحرم فيمن رواه بمن دون ما، وهو خلاف المشهور، وقوله: 538 - آل الزبير سنام المجد، قد علمت * ذاك القبائل والاثرون من عددا (1)

(هامش)

(1) علمت في هذا الموضع بمعنى عرفت فتحتاج إلى مفعول واحد وهو قوله ذاك وليس لك أن تعتبرها من أفعال اليقين فتكون محتاجة إلى مفعولين، ووجه عدم صحة ذلك أن الشاعر لم يذكر إلا مفعولا واحدا، وأنت خبير أن حذف المفعول الثاني من مفعولي ظن وأخواتها لغير دليل لا يجوز، وهو الذى يسمونه الحذف اقتصارا. (*)

ص 330

ولنا أنها في الاولين نكرة موصوفة، أي على قوم غيرنا، ويا شاه: إنسان قنص، وهذا من الوصف بالمصدر للمبالغة، وعددا: إما صفة لمن على أنه اسم وضع موضع المصدر، وهو العد: أي والاثرون قوما ذوى عد، أي قوما معدودين، وإما معمول ليعد محذوفا صلة أو صفة لمن، ومن بدل من الاثرون.

(مهما)   

اسم، لعود الضمير إليها في (مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها) وقال الزمخشري وغيره: عاد عليها ضمير (به) وضمير (بها) حملا على اللفظ وعلى المعنى، اه‍. والاولى أن يعود ضمير (بها) لآية، وزعم السهيلي أنها تأتى حرفا، بدليل قول زهير: ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم [531] قال: فهى هنا حرف بمنزلة إن، بدليل أنها لا محل لها، وتبعه ابن يسعون، واستدل بقوله 539 - قد أوبيت كل ماء فهى ضاوية * مهما تصب أفقا من بارق تشم (1) قال: إذ لا تكون مبتدأ لعدم الرابط من الخبر وهو فعل الشرط، ولا مفعولا لاستيفاء فعل الشرط مفعوله، ولا سبيل إلى غيرهما، فتعين أنها لا موضع لها. والجواب أنها في الاول إما خبرتكن، وخليقة اسمها، ومن زائدة، لان الشرط غير موجب عند أبى على، وإما مبتدأ، واسم تكن ضمير راجع إليها، والظرف خبر، وأنث ضميرها لانها الخليقة في المعنى، ومثله ما جاءت حاجتك فيمن نصب حاجتك، ومن خليقة تفسير للضمير، كقوله:

(هامش)

(1) أوبيت: فعل ماض مبنى للمجهول وزانه أكرمت ومعناه منعت، وضاوية: هزيلة من العطش، والبارق: السحاب ذو البرق، وتشم: تنظر، من شام البرق يشيمه - بوزن باعه يبيعه - أي نظر إليه ليعرف أين بمطر. (*)

ص 331

540 - [فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها] لما نسجتها من جنوب وشمال وفى الثاني مفعول تصب، وأفقا: ظرف، ومن بارق: تفسير لمهما أو متعلق بتصب، فمعناها التبعيض، والمعنى: أي شيء تصب في أفق من البوارق تشم وقال بعضهم: مهما ظرف زمان، والمعنى أي وقت تصب بارقا من أفق، فقلب الكلام، أو في أفق بارقا، فزاد من، واستعمل أفقا ظرفا، انتهى، وسيأتى أن مهما لا تستعمل ظرفا. وهى بسيطة، لا مركبة من مه وما الشرطية، ولا من ما الشرطية وما الزائدة. ثم أبدلت الهاء من الالف الاولى دفعا للتكرار، خلافا لزاعمي ذلك. ولها ثلاثة معان: أحدها: ما لا يعقل غير الزمان مع تضمن معنى الشرط، ومنه الآية، ولهذا فسرت بقوله تعالى (من آية) وهى فيها إما مبتدأ أو منصوبة على الاشتغال، فيقدر لها عامل متعد كما في زيدا مررت به متأخرا عنها، لان لها الصدر، أي مهما تحضرنا تأتنا به. الثاني: الزمان والشرط، فتكون ظرفا لفعل الشرط، ذكره ابن مالك، وزعم أن النحويين أهملوه، وأنشد لحاتم: 541 - وإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا وأبياتا أخر، ولا دليل في ذلك، لجواز كونها للمصدر بمعنى أي إعطاء كثيرا أو قليلا وهذه المقالة سبق إليها ابن مالك غيره، وشدد الزمخشري الانكار على من قال بها (1)

(هامش)

(1) أراد المؤلف بهذا أن ينكر على ابن مالك شيءين، الاول ادعاؤه أن النحويين أهملوا هذا المعنى من معاني مهما، فذكر أن غير ابن مالك سبقه إلى ذكر هذه المقالة، والثانى: أن هذا المعنى الذى ادعاه لمهما غير صحيح، وإن يقول به من لا يدله في العربية (*)

ص 332

فقال: هذه الكلمة في عداد الكلمات التى يحرفها من لا يد له في علم العربية، فيضعها في غير موضعها، ويظنها بمعنى متى، ويقول مهما جئتني أعطيتك وهذا من وضعه، وليس من كلام واضع العربية، ثم يذهب فيفسر بها الآية فيلحد في آيات الله، انتهى. والقول بذلك في الآية ممتنع، ولو صح ثبوته في غيرها، لتفسيرها بمن آية. الثالث: الاستفهام، ذكره جماعة منهم ابن مالك، واستدلوا عليه بقوله: مهما لى الليلة مهما ليه * أودى ينعلى وسر باليه [155] فزعموا أن مهما مبتدأ، ولى الخبر، وأعيدت الجملة توكيدا، وأودى. بمعنى هلك، ونعلي: فاعل، والباء زائدة مثلها في (كفى بالله شهيدا) ولا دليل في البيت، لاحتمال أن التقدير مه اسم فعل بمعنى اكفف ثم استأنف استفهاما بما وحدها. تنبيه - من المشكل قول الشاطبي رحمه الله: 543 - * ومهما تصلها أو بدأت براءة * ونقول فيه: لا يجوز في مهما أن تكون مفعولا به لتصل لاستيفائه مفعوله، ولا مبتدأ لعدم الرابط، فإن قيل: قدر مهما واقعة على براءة، فيكون ضمير تصلها راجعا إلى براءة، وحينئذ فمهما مبتدأ أو مفعول لمحذوف يفسره تصل، قلنا: اسم الشرط عام، وبراءة اسم خاص فضميرها كذلك، فلا يرجع إلى العام، وبالوجه الذى بطل به ابتدائية مهما يبطل كونها مشتغلا عنها العامل بالضمير. وهذه بخلافها في قوله: 543 - * ومهما تصلها مع أواخر سورة * فإنها هناك واقعة على البسملة التى في أول كل سورة، فهى عامة، فيصح فيها الابتداء أو النصب بفعل يفسره تصل، أي وأى بسملة تصل تصلها، والظرفية بمعنى وأى وقت تصل البسملة، على القول بجواز ظرفيتها.

ص 333

وأما هنا فيتعين كونها ظرفا لتصل بتقدير وأى وقت تصل براءة، أو مفعولا به حذف عامله أي ومهما تفعل، ويكون تصل وبدأت بدل تفصيل من ذلك الفعل، وأما ضمير تصلها فلك أن تعيده على اسم مظهر قبله محذوفا، أي ومهما تفعل في براءة تصلها أو بدأت بها، وحذف بها، ولما خفى المعنى بحذف مرجع الضمير ذكر براءة بيانا له. إما على أنه بدل منه، أو على إضمار أعنى، ولك أن تعيده على ما بعده وهو براءة: إما على أنه بدل منه مثل رأيته زيدا فمفعول بدأت محذوف، أو على أن الفعلين تنازعاها فأعمل الثاني متسعا فيه بإسقاط الباء، وأضمر الفضلة في الاول، على حد قوله: 544 - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب * جهارا فكن في الغيب أحفظ للود

(مع)    

اسم، بدليل التنوين في قولك معا ودخول الجار في حكاية سيبويه ذهبت من معه (1) وقراءة بعضهم (هذا ذكر من معى) وتسكين عينه لغة غنم وربيعة، لا ضرورة خلافا لسيبويه، واسميتها حينئذ باقية، وقول النحاس إنها حينئذ حرف بالاجماع مردود. وتستعمل مضافة، فتكون ظرفا، ولها حينئذ ثلاثة معان: أحدها: موضع الاجتماع، ولهذا يخبر بها عن الذوات نحو (والله معكم) والثانى: زمانه، نحو جئتك مع العصر . والثالث: مرادفة عند، وعليه القراءة وحكاية سيبويه السابقتين. ومفردة، فتنون، وتكون حالا. وقد جاءت ظرفا مخبرا به في نحو قوله: 545 - أفيقوا بنى حرب وأهواؤنا معا (وأرماحنا موصولة لم تقضب)

(هامش) *

(1) التنوين يدل على اسمية مع في موضعين، الاول أن تكون اسما لموضع الاجتماع، والثانى أن تكون اسما لزمان الاجتماع، وقبول دخول من عليها يدل على اسميها في موضع واحد، وهو أن يكون اسما مرادفا لعند، وهى لا تخرج عن هذه المواضع الثلاثة. (*)

ص 334

وقيل: هي حال، والخبر محذوف، وهى في الافراد بمعنى جميعا عند ابن مالك، وهو خلاف قول ثعلب: إذا قلت جا آ جميعا احتمل أن فعلهما في وقت واحدا أو في وقتين، وإذا قلت جا آ معا فالوقت واحد اه‍. وفيه نظر، وقد عادل بينهما من قال: 546 - كنت ويحيى كيدى واحد * نرمى جميعا ونرامى معا وتستعمل معا للجماعة كما تستعمل للاثنين، قال: 547 - * إذا حنت الاولى سجعن لها معا * وقالت الخنساء: 548 - وأفنى رجالى فبادوا معا * فأصبح قلبى بهم مستفزا

(متى)  

على خمسة أوجه: اسم استفهام، نحو (متى نصر الله) واسم شرط، كقوله: [أنا ابن جلا وطلاع الثنايا] * متى أضع العمامة تعرفوني [263] واسم مرادف للوسط، وحرف بمعنى من أو في، وذلك في لغة هذيل يقولون أخرجها متى كمه أي منه، وقال ساعدة: 549 - أخيل برقا متى حاب له زجل * إذا يفتر من توماضه حلجا أي من سحاب حاب، أي ثقيل المشى له تصويت، واختلف في قوله بعضهم: وضعته متى كمى فقال ابن سيده: بمعنى في، وقال غيره: بمعنى وسط، وكذلك اختلف في قول أبى ذؤيب يصف السحاب:

(هامش)

(1) أخيل - بضم الهمزة وكسر الخاء - مضارع أخال البرق، وأخيله - على الاصل ومعناه شام سحابه، ومتى: بمعنى من، والحابى معناه الدائى، وفسره المؤلف بالثقيل، وليس بذاك، والزجل - بوزن جمل - الصوت، ويفتر: يضعف، والتوماض: اللمع الخفيف من البرق، وحلج: أمطر. (*)

ص 335

شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نثيج [148] فقيل: بمعنى من، وقال ابن سيده: بمعنى وسط.

(منذ، ومذ)  

لهما ثلاث حالات: إحداهما: أن يليهما اسم مجرور، فقيل: هما اسمان مضافان، والصحيح أنهما حرفا جر: بمعنى من إن كان الزمان ماضيا، وبمعنى في إن كان حاضرا، وبمعنى من وإلى جميعا إن كان معدودا نحو ما رأيته منذ يوم الخميس، أو مذ يومنا، أو عامنا، أو مذ ثلاثة أيام وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر، وعلى ترجيح جر منذ للماضي على رفعه، وترجيح رفع مذ للماضي على جره، ومن الكثير في منذ قوله: 550 - [قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان]. * وربع عفت آثاره منذ أزمان ومن القليل في مذ قوله: 551 - [لمن الديار بقنة الحجر) * أقوين مذ حجج ومذ دهر والحالة الثانية: أن يليهما اسم مرفوع، نحو مذ يوم الخميس، ومنذ يومان فقال المبرد وابن السراج والفارسي: مبتدآن، وما بعدهما خبر، ومعناهما الامذ إن كان الزمان حاضرا أو معدودا، وأول المدة إن كان ماضيا، وقال الاخفش والزجاج والزجاجى: ظرفان مخبر بهما عما بعدهما، ومعناهما بين وبين مضافين، فمعنى ما لقيته مذ يومان بينى وبين لقائه يومان، ولاخفاء بما فيه من التعسف، وقال أكثر الكوفيين: ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها، وبقى فاعله، والاصل: مذ كان يومان، واختاره السهيلي وابن مالك، وقال بعض الكوفيين: خبر لمحذوف، أي ما رأيته من الزمان الذى هو يومان، بناء على أن مذ مركبة من كلمتين من وذو الطائية.

ص 336

الحالة الثالثة: أن يليهما الجمل الفعلية أو الاسمية، كقوله: 552 - ما زال مذ عقدت يداه إزاره [فسما فأدرك خمسة الاشبار] وقوله: 553 - وما زلت أبغى المال مذ أنا يافع [وليدا وكهلا حين شبت وأمردا] والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجملة، وقيل: مبتدآن، فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر. وأصل مذ منذ، بدليل رجوعهم إلى ضم ذال مذ عند ملاقاة الساكن، نحو مذ اليوم ولولا أن الاصل الضم لكسروا، ولان بعضهم يقول مذ زمن طويل فيضم مع عدم الساكن، وقال ابن ملكون: هما أصلان، لانه لا يتصرف في الحرف ولا شبهه، ويرده تخفيفهم إن وكأن ولكن ورب وقط، وقال المالقى: إذا كانت مذ اسما فأصلها منذ، أو حرفا فهى أصل.... *

(هامش) * قد تم بحمد الله تعالى وتوفيقه وتيسيره - الجزء الاول من كتاب مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب لانحى النحاة العلامة ابن هشام، الانصاري، المصرى. ويليه - إن شاء الله تعالى - الجزء الثاني، مفتتحا بحرف النون من باب الحروف نسأل الله جلت قدرته أن يعين على إكماله بمنه وفضله

الصفحة السابقة

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب