ص 179
البحث السادس: فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف
ص 181
فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف للسيد محمد مهدي القزويني الحلي روت لنا
فاطمة خير النسا * حديث أهل الفضل أصحاب الكسا تقول: أن سيد الأنام * قد جاءني يوما
من الأيام فقال لي: إني أرى في بدني * ضعفا أراه اليوم قد أنحلني قومي علي بالكسا
اليماني * وفيه غطيني بلا تواني قالت فجئته وقد لبيته * مشروعة وبالكساء غطيته وكنت
أرنو وجهه كالبدر * في أربع بعد ليال عشر فما مضى إلا يسير من زمن * حتى أتى أبو
محمد الحسن فقال: يا أماه أني أجد * رائحة طيبة أعتقد بأنها رائحة النبي * أخي
الوصي المرتضى علي قلت: نعم هاهو ذا تحت الكسا * مدثر به، مغطى واكتسى فجاء نحوه
ابنه مسلما * مستأذنا قال له: ادخل مكرما فما مضى إلا القليل إلا * جاء الحسين
السبط مستقلا فقال يا أم أشم عندك * رائحة كأنها المسك الذكي وحق من أولاك منه شرفا
* أظنها ريح النبي المصطفى قلت: نعم تحت الكسا هذا * بجنبه أخوك فيه لاذا فأقبل
السبط له مستأذنا * مسلما قال له: ادخل معنا وما مضى من ساعة إلا وقد * جاء أبوهما
الغضنفر الأسد أبو الأئمة الهداة النجبا * المرتضى رابع أصحاب الكسا فقال يا سيدة
النساء * ومن بها زوجت في السماء أني أشم في حماك رائحة * كأنها الورد الندي فايحة
يحكي شذاها عرف سيد البشر * وخير من لبى وطاف واعتمر
ص 182
قلت نعم: تحت الكساء والتحفا * وضم شبليك وفيه اكتنفا فجاء يستأذن منه سائلا * منه
الدخول قال: فادخل عاجلا قالت: فجئت نحوهم مسلمة * قال: ادخلي محبوة مكرمة فعندما
بهم أضاء الموضع * وكلهم تحت الكساء اجتمعوا قال الأمين: قلت: يا رب ومن * تحت
الكسا؟ بحقهم لنا أبن فقال لي: هم فاطمة وبعلها * والمصطفى والحسنان نسلها فقال
علي: قلت يا حبيبي * ما لجلوسنا من النصيب؟ قال النبي والذي اصطفاني * وخصني بالوحي
واجتباني ما أن جرى ذكر لهذا الخبر * في محفل الأشياع خير معشر إلا وأنزل الإله
الرحمة * وفيهم حفت جنود جمة من الملائك الذين صدقوا * تحرسهم في الدهر ما تفرقوا
كلا وليس فيهم مغموم * إلا وعنه كشفت هموم كلا ولا طالب حاجة يرى * قضاؤها عليه قد
تعسرا إلا قضى الله الكريم حاجته * وأنزل الرضوان فضلا ساحته قال علي نحن والأحباب
أشياعنا * الذين قدما طابوا فزنا بما نلنا ورب الكعبة * فليشكرن كل فرد ربه يا عجبا
يستأذن الأمين * عليهم ويهجم الخؤون قال سليم قلت: يا سلمان * هل دخلوا ولم يك
استئذان فقال: أي وعزة الجبار * ليس على الزهراء من خمار لكنها لاذت وراء الباب *
رعاية للستر والحجاب فمذ رأوها عصروها عصرة * كادت بروحي أن تموت حسرة تصيح: يا فضة
أسنديني * فقد وربي قتلوا جنيني فأسقطت بنت الهدى واحزنا * جنينها ذاك المسمى محسنا
ص 183
حديث الكساء الشريف عن جابر بن عبد الله الأنصار قال سمعت فاطمة عليها السلام أنها
قالت: (دخل علي أبي رسول الله في بعض الإيام فقال السلام عليك يا فاطمة فقلت عليك
السلام قال إني أجد في بدني ضعفا فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف فقال يا
فاطمة آتيني بالكساء اليماني فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر
إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله فما كانت إلا ساعة وإذا
بولدي الحسن قد أقبل وقال السلام عليك يا أماه فقلت وعليك السلام ويا قرة عيني
وثمرة فؤادي فقال يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فقلت نعم إن جدك تحت الكساء فأقبل الحسن نحو الكساء وقال
السلام عليك يا جداه يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء فما كانت إلا
ساعة وإذا بولدي الحسين عليه السلام قد أقبل وقال السلام عليك يا أماه فقلت وعليك
السلام يا ولدي ويا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي يا أماه أني أشم عندك رائحة طيبة
كأنها رائحة جدي رسول الله فقلت نعم أن جدك وأخاك تحت الكساء فدنى الحسين نحو
الكساء وقال السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من إختاره الله أتأذن لي أن أكون
معكما تحت الكساء فقال وعليك السلام يا ولدي ويا شافع أمتي قد أذنت لك فدخل معهما
تحت الكساء فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام وقال السلام عليك
يا بنت رسول الله فقلت وعليك السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين فقال يا فاطمة
إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي وابن عمي رسول الله فقلت نعم هاهو مع
ولديك تحت الكساء فأقبل علي نحو الكساء وقال السلام عليك يا رسول الله أتاذن لي أن
أكون معكم تحت الكساء قال وعليك السلام يا أخي ويا وصيي وخليفتي وصاحب لوائي قد
أذنت لك فدخل علي تحت الكساء ثم أتيت نحو الكساء وقلت السلام عليك يا أبتاه يا رسول
الله أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء قال وعليك السلام يا بنتي ويا بضعتي قد أذنت
لك فدخلت تحت الكساء فلما اكتملنا جميعا تحت الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء
وأومئ بيده اليمنى إلى السماء وقال
ص 184
اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم
ويحزنني ما يحزنهم أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ومحب لمن
أحبهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك علي وعليهم
وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقال الله عز وجل يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني
ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة لا فلكا يدور ولا
بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين
جبرائيل يا رب ومن تحت الكساء فقال عز وجل هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هم
فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها فقال جبرائيل يا رب أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون
معهم سادسا فقال الله نعم قد أذنت لك فهبط الأمين جبرائيل وقال السلام عليك يا رسول
الله العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك وعزتي وجلالي إني
ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور
ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا لأجلكم ومحبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن
لي يا رسول الله فقال رسول الله وعليك السلام يا أمين وحي الله إنه نعم قد أذنت لك
فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي إن الله قد أوحى إليكم يقول إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فقال علي لأبي يا رسول الله أخبرني ما
لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل
أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة
واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا فقال علي عليه السلام إذا والله فزنا وفاز شيعتنا ورب
الكعبة فقال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي والذي بعثني بالحق نبيا
واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من
شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم إلا وفرج الله همه ولا مغموم إلا وكشف الله غمه ولا
طالب حاجة إلا وقضى الله حاجته فقال علي عليه السلام إذا والله فزنا وسعدنا وكذلك
شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة ورب الكعبة.
ص 185
البحث السادس: فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف يعتبر حديث الكساء من
الأحاديث النورانية الولائية والذي عبر عن مدى ارتباط أهل البيت عليهم السلام
بالسماء وذلك من خلال المضامين العالية التي وردت في طياته، فما أدراك ما حديث
الكساء وهل أتاك نبأه! أنه الحديث المتصل بين الأرض والسماء، فقد وعته كواكب الكون
ونجوم السماوات السبع وما زال الإنسان في ريب من أمره ذلك إن الإنسان كان جهولا.
لقد وعته قلوب المؤمنين وأفئدتهم قبل أن تعيه أسماعهم لذا سوف نعيش في رحابه ونقف
مع حلقاته ونستضئ من نوره ونستجلي حقائقه ونحيا مع بركاته كي نصل إلى شاطي نور
العلم والمعرفة تلكم هي معرفة نورانية أهل البيت عليهم السلام، فحديث الكساء الشريف
يعتبر مرسوم رباني قد قلده الله تبارك وتعالى لنبيه الشريف محمد صلى الله عليه وآله
وسلم ولآله الطيبين الطاهرين حيث جاء موضحا لإرادة رب العالمين التي وسمت قوله
تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) كل ذلك حرصا
ومحبتا من الله تعالى للرسول ولأهل بيته عليهم السلام ولكي لا يشرق الناس أو يغربوا
ولا تأخذهم الأهواء والميول والرغبات يمينا وشمالا وحتى لا يحرف المغرضون هذه الآية
المباركة العظيمة عن أهلها وأصحابها الحقيقين الذي أرادهم رب العالمين أطهارا
مطهرين يتولون قيادة الأمة ويوضحون معالم طريقها بعد رسوله الكريم محمد صلى الله
عليه وآله وسلم. إن هذا الحديث يستحق منا أن نقف عنده وقفة متأملة لكي ننفذ إلى
الأبعاد الإنسانية والحقائق العلمية والمسائل العقائدية التي يرمي إليها والنتائج
الرائعة التي تترتب عليه فهو ليس مجرد حديث يروى لأجل أن نأخذ معلومة جامدة تتوقف
عند حدود الحديث وظاهر الألفاظ بل يجب أن نستشف المرامي الحضارية الكامنة خلف
ألفاظه وكلماته، لا سيما أن الله سبحانه وتعالى
ص 186
قد ميزنا عن سائر المخلوقات الأخرى بأن وهب لنا عقلا وألهمنا كيف نستخدمه ونوظفه
لخدمة المجتمع والإنسانية جمعاء لا أن نكون مجرد مخلوقات تأكل وتنام وتضاجع دون أن
نعي ما كان ويكون حولها. وسيكون حديثنا حول هذا الحديث المبارك في ثلاث وقفات:
الوقفة الأولى: ارتباط هذا الحديث بآية التطهير. الوقفة الثانية: سند هذا الحديث
الشريف. الوقفة الثالثة: مضامين هذا الحديث المختلفة. الوقفة الأولى حديث الكساء
وآية التطهير ارتبط حديث الكساء الشريف بنزول آية التطهير ارتباطا وثيقا حيث جاءت
هذه الآية المباركة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
لتؤكد على مسألة عصمة أهل البيت عليهم السلام جميعا بما فيهم فاطمة الزهراء عليها
السلام، والذي يهمنا في المقام هو عصمة فاطمة الزهراء عليها السلام، أما مسألة
البحث حول هذه الآية المباركة ودلالتها على عصمة أهل البيت عليهم السلام فهذا موكول
إلى الكتب الكلامية الخاصة بهذا الموضوع، أما دلالة هذه الآية على عصمة فاطمة
الزهراء عليها السلام فهذا ما تجده من خلال الروايات التي بينت من هم أهل البيت
الذين عنتهم الآية المباركة وكيفية اشتراك الزهراء مع أهل البيت في طهارتهم
وعصمتهم، أما الروايات فسنذكر بعضها بعدما أن نقف مع مفهوم أهل البيت، ومن المراد
بهم فلربما يقول قائل إننا لا نؤمن بالروايات أو لا نقبل هذه الروايات فنقول له
تعال معنا لنقف سوية على مفهوم أهل البيت ومن المراد بهم؟. إن التعرف على مفهوم أهل
البيت لغة والمقصود منه في هذه الآية المباركة يعد من الأبحاث الضرورية في فهم مفاد
هذه الآية فلقد ضل
ص 187
الكثير في تفسير هذه الآية والمراد فيها من أهل البيت ولأجل ذلك نبحث أولا وقبل كل
شيء هذا المفهوم لغة على وجه يرفع الستار عن وجه الحقيقة. مفهوم أهل البيت عند أهل
اللغة قد ورد لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرتين أحداهما في هذه الآية المرتبطة
بحديث الكساء الشريف والأخرى في قوله تعالى (قولوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله
وبركاته عليكم أهل البيت) (1). ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد استعماله فيقال: 1
- أهل الأمر والنهي. 2 - أهل الإنجيل. 3 - أهل الكتاب. 4 - أهل الإسلام. 5 - أهل
الرجل. 6 - أهل الماء. وهذه الموارد توقفنا على أن كلمة أهل تستعمل مضافا فيمن كان
له علاقة قوية بمن أضيف إليه، فأهل الأمر والنهى هم الذين يمارسون الحكم والبعث
والزجر، وأهل الإنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الإسلام. وقد اتفقت
كلمة أهل اللغة على أن الأهل والآل كلمتان بمعنى واحد قال ابن منظور: آل الرجل:
أهله وآل الله وآل رسوله: أولياؤه، أصلها أهل ثم بدلت الهاء همزة فصارت في التقدير
أأل فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا. كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل آمن
وآزر. وقد أنشأ عبد المطلب عند هجوم أبرهة على مكة المكرمة وقد أخذ حلقة باب الكعبة
وقال: وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف
إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة