الأسرار الفاطمية

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الأسرار الفاطمية

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 161

بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم، هؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نحن سفينة النجاة، من تعلق بها نجا، ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت (1). في بدء خلقتها * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم عليه السلام، حين لا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمر، ولا جنة ولا نار، فقال العباس: فكيف بدء خلقكم يا رسول الله؟ فقال: يا عم: لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا، ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح، ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد الله تعالى أن نشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش، ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علي، ونور علي من نور الله، وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض. ثم فتق نور ولدي الحسن، ونور الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين (2).

(هامش)

(1) فرائد السمطين: 1 / 36. (2) بحار الأنوار: 15 / 10. (*)

ص 162

في عرض ولايتها على الأشياء * في حديث الإسراء: يا محمد! إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الظالين الظالمين خ ل. يا محمد! لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع، أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم. يا محمد: أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم، يا رب! قال: التفت، فالتفت عن يمين العرش، فإذا أنا باسمي وباسم علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي والحسن، والمهدي في وسطهم كأنه كوكب دري، فقال: يا محمد! هؤلاء حي على خلقي، وهذا القائم من ولدك بالسيف من أعدائك (1). في سبق دخولها الجنة * عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أول من يدخل الجنة أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين. قال علي: فمحبونا؟ قال: من ورائكم (2). في كونها في خطيرة القدس * وعنه صلى الله عليه وآله: إن فاطمة وعليا والحسن والحسين في خطيرة القدس في قبة بيضاء، سقفها عرش الرحمن (3).

(هامش)

(1) تأويل الآيات: 1 / 98. (2) مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيوطي: 45، 46. (3) مسند فاطمة الزهراء عليها السلام: للسيوطي: 45، 46. (*)

ص 163

في جواز دخولها عليها السلام مسجد النبي وعنه صلى الله عليه وآله: ألا لا يحل المسجد لجنب ولا حائض إلا لرسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (1). في سكونتها معهم في الجنة * عن النبي صلى الله عليهم وآله قال: في الجنة درجة تدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة. قالوا: يا رسول الله! من يسكن معك فيها؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (2). في كونها ركنا لعلي عليهم السلام * على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: سلام عليك يا أبا الريحانتين، فعن قليل يذهب ركناك، والله خليفتي عليك. فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال علي عليه السلام: هذا أحد الركنين، فلما ماتت فاطمة عليها السلام قال: هذا الركن الآخر (3). أقول: ينبغي إمعان النظر في معنى الركنية، فأي معنى تصور لركنيه صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام فهو ثابت لفاطمة الزهراء عليها السلام، ولعمري هذا مقام شامخ لم ينله أحد إلا هي، وهو من مختصاتها عليها السلام.

(هامش)

(1) تأويل الآيات: 1 / 98. (2) المصدر السابق: 69. (3) ذخائر العقبى: 56. (*)

ص 164

في إصابة نور الله لها * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما خلق الله الجنة خلقها من نور وجهه، ثم أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور، وأصاب عليا وأهل بيته ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم (1)، ومن لم يصبه من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أقول: التدبر في هذا الحديث يعطي جلالة شأنها وعلو درجاتها عليها السلام، إذ جعلها الله - تعالى شأنه - في النور قسيم أبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام، بل هي أكبر حظا منهم. وهذا لعمري شأن لا تنالها أيدي المتناولين، وبحر لا يدرك قعرها غوص المتعمقين. في كونها خير خلق الله تعالى * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: على ساق العرش مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله (2). في اختيار الله تعالى إياها على النساء * قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: إن الله عز وجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين (3). * قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا: لا

(هامش)

(1) البحار: 43 / 44. (2) بحر المعارف: للمولى عبد الصمد الهمداني: 428. (3) زين الفتى: للحافظ العاصمي، كما في فاطمة الزهراء للعلامة الأميني ص 43. (*)

ص 165

إله إلا الله، محمد رسول الله، علي حبيب الله، والحسن والحسين صفوة الله، فاطمة خيرة الله، على باغضهم لعنة الله (1). في وجوب إطاعتها على الكائنات * عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل: ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة - الحديث (2). * عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون، ويحرمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى. ثم قال: يا محمد، هذه الديانة التي من تقدمها مرق (3)، ومن تخلف عنها محق، زن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد (4). قال العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث: فأشهدهم خلقها، أي خلقها بحضرتهم وهم يطلعون على أطوار الخلق وأسراره. وأجرى طاعتهم عليها أي أوجب على جميع الأشياء طاعتهم حتى الجمادات والسماويات والأرضيات. وفوض أمورها إليهم من التحليل والتحريم والعطاء والمنع، وإن كان ظاهره تفويض تدبيرها إليهم من الحركات والسكنات والأرزاق والأعمار وأشباهها (5). * عن أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قبل إليه رجل فقال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل لإبليس: أستكبرت أم كنت من

(هامش)

(1) تاريخ بغداد: 1 / 259. (2) دلائل الإمامة: للطبري، ص 28. (3) مرق من الدين: خرج منه بضلالة أو بدعة. (4) بحار الأنوار: 15 / 19. (5) مرآة العقول: 5 / 190 - 192. (*)

ص 166

العالمين (1)، من هم يا رسول الله الذين هم أعلى من الملائكة المقربين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، كنا في سرادق العرش نسبح الله فسبحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بألفي عام، فلما خلق الله عز وجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، ولم يؤمروا بالسجود إلا لأجلنا، فسجدت الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبي أن يسجد، فقال الله تبارك وتعالى: يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالمين أي من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش. فنحن باب الله الذي يؤتى منه، وبنا يهتدي المهتدون، فمن أحبنا أحبه الله وأسكنه جنته، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره، ولا يحبنا إلا من طاب مولده (2). في ركوبها يوم القيامة * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يبعث الله الأنبياء يوم القيامة على الدواب، ويبعث صالحا على ناقته كيما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر، وتبعث فاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام على ناقتين من نوق الجنة، وعلي بن أبي طالب على ناقتي، وأنا على البراق، ويبعث بلالا على ناقته فينادي بالأذان - الحديث (3. في تكلمها في بطن أمها * عن بعض الرواة الكرام: إن خديجة الكبرى رضي الله عنها - تمنت يوما من الأيام على سيد الأنام أن تنظر إلى بعض فاكهة دار السلام، فأتى جبرئيل إلى المفضل على الكونين من الجنة بتفاحتين وقال: يا محمد، يقول لك من جعل لكل شيء قدرا:

(هامش)

(1) 75. (2) تأويل الآيات: 2 / 509. (3) كنز العمال: 6 / 193، كما في فضائل الخمسة: 3 / 163. (*)

ص 167

كل واحدة وأطعم الأخرى لخديجة الكبرى، فأغشها، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء. ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر. فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر - وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر - قالت خديجة: واخيبة من كذب محمدا وهو خير رسول ونبي! فنادت فاطمة من بطنها: يا أماه لا تحزني ولا ترهبي فإن الله مع أبي - الخبر (1). في كونها تحت قبة العرش * قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة تحت العرش. قلت الحافظ الكنجي ما كتبناه إلا من هذا الوجه السند المذكور فيه وهو حديث حسن عال (2). في ثواب السلام عليها * عن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبيه، عن جده قال: دخلت على الفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فبدأتني بالسلام، قال: وقالت: قال أبي - وهو ذا حي - من سلم علي وعليك ثلاثة أيام فله الجنة. قلت لها: ذا في حياته وحياتك أو بعد موته وموتك؟ قالت: في حياتنا وبعد وفاتنا (3). * عن ابن عباس قال: لما ولدت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماها المنصورة، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: الله يقرئك السلام ويقرئ مولودك السلام (4).

(هامش)

(1) روض الفائق: للعلامة الشيخ شعيب الحريفش، مطبعة المصطفى البابي الحلبي، ص 255 وهذا الاشتراك مع ابنها الحسين عليه السلام حيث يكلمها في بطنها. (2) كفاية الطالب: الباب 85 / 311. (3) المناقب: لابن المغازلي: 363. (4) ملحقات إحقاق الحق: 10 / 134. (*)

ص 168

في نزول حنوطها من الجنة * عن ابن سنان رفعه قال: السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث. قال محمد بن أحمد: ورووا أن جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحنوط، وكان وزنه أربعين درهما، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء: جزءا له، وجزءا لعلي، وجزءا لفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين (1). اشتراكها معهم في الحرب والسلم * عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نزر النبي صلى الله عليه وآله سلم إلى الحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم (2). أقول: ولما جر البحث بنا إلى هنا ينبغي لنا أن نورد شيئا من الأخبار ثم من الكلام حول المسألة إتماما للفائدة وإيفاء لبعض حقها عليها السلام فنقول: عن مجاهد: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي، وهي روحي التي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله (3). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما فاطمة حذية (4) مني، يقبضني ما يقبضها. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله مل السماوات والأرض (5). وعن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي إن فاطمة بضعة مني، هي نور عيني وثمرة فؤادي، يسوءني ما ساءها ويسرني ما سرها، وإنها أول من يلحقني من

(هامش)

(1) البحار: 22 / 504. (2) مسند أحمد: 2 / 442. (3) نور الأبصار للشبلنجي: 52. (4) الحذية من اللحم ما قطع طولا. (5) البحار: 43 / 54. (*)

ص 169

أهل بيتي، فأحسن إليها من بعدي، والحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي، وهما سيدا شباب أهل الجنة، فليكونا عليك كسمعك وبصرك. ثم رفع صلى الله عليه وآله وسلم يديه إلي فقال: اللهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم، مبغض لمن أبغضهم، سلم لمن سالمهم، حزب لم حاربهم، عدو لمن عاداهم، ولي لمن والاهم (1). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما فاطمة بضعة مني، يسوءني ما ساءها (2). وعن علي عليه السلام إن الله عز وجل ليغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها (3). وعنه عليه السلام: يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك (4). وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فاطمة بضعة مني ن فمن أغضبها أغضبني (5). وقال عليه السلام: إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها (6). وعنه عليه السلام: فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها (7) وعنه عليه السلام: إن فاطمة بنت محمد مضغة مني (8). وعنه عليه السلام: إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم - يخرجاه (9). وعنه عليه السلام: إنما فاطمة مضغة مني، فمن آذاها فقد آذاني (10). وعنه عليه السلام: فاطمة بضعة مني، يسعفني ما أسعفها (11). وعنه عليه السلام: فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها (12).

(هامش)

(1) أهل البيت توفيق أبو علم: 124. (2) الطبقات لابن سعد: 8 / 262. (3) كنز العمال 12 / 111، مجمع الزوائد 9 / 203. (4) كنز العمال: 12 / 111، مجمع الزوائد: 9 / 203. (5) صحيح البخاري: 5 / 26. (6) صحيح مسلم: 7 / 141، 142، باب الفضائل، ورابني الأمر وأرابني إذا رأيت منه ما تكره. (7) صحيح البخاري 5 / 141 و142، باب الفضائل، ورابني الأمر وأرابني إذا رأيت منه ما تكره. (8) صحيح مسلم: 7 / 141 و142. باب الفضائل. ورابني الأمر وأرابني إذا رأيت منه ما تكره. (9) مستدرك الصحيحين: 3 / 159. (10) مستدرك الصحيحين: 3 / 159. (11) كنز العمال: 12 / 111. والاسعاف: القرب والإعانة وقضاء الحاجة. (12) كنز العمال: 12 / 111. (*)

ص 170

اشتراكها معهم في تكون الميزان قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا ميزان العلم، وعلي كفتاه والحسن والحسين خيوطه، وفاطمة علاقته، والأئمة من أمتي عموده، يوزن فيها أعمال المحبين لنا والمبغضين لنا (1). اشتراكها معهم في قصة سفينة نوح عليه السلام * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لما أراد الله عز وجل أن يهلك قوم نوح عليه السلام أوحى الله إليه أن شق ألواح الساج. فلما شقها لم يدر ما صنع، فحبط جبرئيل عليه السلام فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت فيه مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار. فسمر المسامير كلها في السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلى مسمار منها، فأشرق في يده وأضاء كما يضئ الكوكب الدري في أفق السماء فتحير من ذلك نوح، فأنطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال: أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. فهبط جبرئيل عليه السلام فقال له: يا جبرئيل، ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله؟ قال: هذا باسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد الله عليه السلام، أسمره في أولها على جانب السفينة الأيمن. ثم ضرب بيده على مسمار ثان، فأشرق وأنار، فقال نوح عليه السلام: وما هذا المسمار؟ قال: مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب، فأسمره على جانب السفينة اليسار في أولها. ثم ضرب بيده على مسمار ثالث، فزهر وأشرق وأنار، فقال له جبرئيل عليه السلام: هذا مسمار فاطمة عليها السلام، فأسمره إلى جانب مسمار أبيها صلى الله عليه وآله وسلم. ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار، فقال له: هذا مسمار الحسن عليه السلام فأسمره إلى جانب مسمار إليه صلى الله عليه وآله وسلم. ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس، فأشرق وأنار وبكى وأظهر النداوة (2)، فقال: يا جبرئيل ما هذه النداوة؟ فقال: هذا مسمار الحسين بن علي سيد

(هامش)

(1) مقتل الحسين الخوارزمي: 107. (2) النداوة: البلل. (*)

ص 171

الشهداء، فأسمره إلى جانب مسمار أخيه. ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى: (وحملناه على ذات ألواح ودسر) (1)، قال النبي عليه السلام: الألواح خشب السفينة، ونحن الدسر، ولولانا ما سارت السفينة بأهلها (2). توسل زكريا بها عليهما السلام * عن مولانا المهدي عليه السلام في جواب سعد بن عبد الله في حديث طويل: إن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها. فكان زكريا إذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة (3). فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته وقال: كهيعص (4) فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين، والعين عطشه، والصاد صبره. فلما سمع ذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته: إلهي، أتفجع خير خلقك بولده؟ أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟ ثم كأن يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر، أجعله وارثا وصيا، واجعل محله الحسين، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى عليه السلام، وفجعه به. وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك (5).

(هامش)

(1) القمر: آية 13. (2) عبقات الأنوار: حديث السفينة / 1081. (3) البهرة: تتابع النفس وانقطاعه. (4) مريم: 1. (5) البحار: 52 / 84. (*)

ص 172

تحية الله تعالى إياها معهم بتفاحة * عن ابن عباس قال: كنت جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وبين يديه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إذ هبط جبرائيل ومعه تفاحة فحيى بها النبي صلى الله عليه وآل وسلم فتحيى بها، وحيى بها علي بن أبي طالب عليه السلام فتحيى بها وقبلها وردها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتحيى بها، وحيى بها الحسين فتحيى بها وقبلها وردها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتحيى بها، وحيى بها فاطمة عليها السلام فتحيت بها وقبلتها وردتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتحيي بها الرابعة وحيى بها علي بن أبي طالب عليه السلام فتحيى بها، ولما هم أن يردها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سقطت التفاحة من بين أنامله فانفلقت نصفين فسطع منها نور حتى بلغ السماء الدنيا، فإذا عليها سطران مكتوبان: بسم الله الرحمن الرحيم، تحية من الله تعالى إلى محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين سبطي رسول الله، وأمان لمحبيهم يوم القيامة من النار (1). عرض حبها على البرية * قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله له الحمد عرض حب علي وفاطمة وذريتها على البرية، فمن بادر منهم بالإجابة جعل منهم الرسول، ومن أجاب بعد ذلك جعل منهم الشيعة، وإن الله جمعهم في الجنة (2). اشتراكها معهم في الصلوات * عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الآية (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (3) قلنا: يا رسول الله قد علمنا

(هامش)

(1) مقتل الحسين للخوارزمي: 95. (2) المناقب المرتضوية للعلامة الكشفي: 97. (3) الأحزاب: آية 56.

ص 173

كيف نسلم عليك، كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد - إلى آخره. وفي رواية الحاكم: فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد - إلى آخره. ويروى: لا تصلوا علي الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد، وتسكتون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد (1)... فقيل له من أهلك يا رسول الله؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين (2). وقال العلامة المحقق المولى أحمد الأردبيلي: واعلم أنه قد ادعى المصنف العلامة الحلي - ره في المنتهى: إجماع علمائنا أيضا على وجوب الصلاة على آله عليهم السلام، وأن المجزي من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: اللهم صل على محمد وآل محمد. ويدل عليه أيضا ما روي عن طرقهم عن كعب الأحبار في كيفية الصلاة عليه حيث قال: قد عرفنا السلام عليك، فكيف الصلاة؟ قال: اللهم صل على محمد وآل محمد. والعجب أنهم يحذفون الآل ويتركون هذا المنقول حتى في هذا الخبر. ويقولون: قال: صلى الله عليه. أفاده بعض السادة رحمهم الله وهو سيد حسن السفطي. ويدل على ذلك غيره أيضا، والظاهر أن المراد بآله - صلوات الله عليه وآله - الأئمة مطلقا وفاطمة عليها السلام حقيقة لا تغليبا، يدل عليه وضع الآل لغة ثم عرفا أيضا، وبعض الأخبار أيضا، ولا يدل على الاختصاص بأمير المؤمنين وفاطمة وولديهما - صلوات الله عليهم أجمعين - الروايات الواقعة في سبب نزول آية التطهير، لأنهم كانوا موجودين في ذلك الزمان، والحصر كان إضافيا حيث يقول لبعض نسائه: إلى خير. ولهذا أثبت الأصحاب عصمتهم بالآية، فلا ينبغي قول المحقق الثاني والشهيد الثاني (3). وقال العلامة الأميني: أخرج الديلمي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: الدعاء محجوب حتى يصلي على محمد وأهل بيته: اللهم صل على محمد وآله. ورواه عنه ابن حجر في الصواعق

(هامش)

(1) ينابيع المودة: 295. (2) إحقاق الحق: 9 / 237، عن عبد الوهاب الشعراني في كشف الغمة: 1 / 110. (3) شرح إرشاد الأذهان: 2 / 276، 277. (*)

ص 174

ص 88. وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي أمير المؤمنين عليه السلام: كل دعاء محجوب حتى يصلي على محمد وآل محمد. وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1، ص 160. وقال: رجاله ثقات. وأخرج البيهقي وابن عساكر وغيرهما عن علي عليه السلام مرفوعا ما معناه: الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض لا يصعد إلى الله منه شيء حتى يصلي عليه - صلى الله عليه - وعلى آل محمد. - شرح الشفا للخفاجي، ج 3، ص 506 (1). وقال الرازي في تفسيره الكبير: وأنا أقول: آل محمد صلى الله عليه وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل. ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هو الآل (2). وقال أيضا: أن أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم يساوونه في خمسة أشياء: في السلام، قال: السلام عليك أيها النبي، وقال: سلام على آل ياسين الصافات، 120، وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي الطهارة، قال تعالى: أي يا طاهر. وقال: ويطهركم تطهيرا الأحزاب، 33 وفي تحريم الصدقة وفي المحبة، قال تعالى: فاتبعوني يحببكم الله آل عمران، 31. وقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى الشورى، 22. وقال ابن حجر: صح عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد - إلى آخره. فسؤالهم بعد نزول الآية وإجابتهم باللهم صل على محمد وعلى آل محمد - إلى آخره دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل على أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه، ومنه تعظيمهم. ومن ثم لما

(هامش)

(1) الغدير: 2 / 304. (2) التفسير الكبير: 27 / 166. (*)

ص 175

أدخل من مر في الكساء قال: اللهم إنهم مني وأنا منهم، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك علي وعليهم. وقضية استجابة هذا الدعاء أن الله صلى عليهم معه، فحينئذ طلب من المؤمنين صلواتهم عليهم معه. ويروى: لا تصلوا علي الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال تقولون: اللهم صل على محمد، وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد (1). خامسا: صدر من الإمام المهدي عجل الله تعالى فجره الشريف في التوقيع المعروف الذي يقول فيه. ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنا من منازعة الظالم الضال الضال المتابع في غيه، المضاد في لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي أبنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي أسوة حسنة وسيروي الجاهل رداءة علمه، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار (2). أنظر من خلال فهم مدلول كلمة أسوة حسنة كيف جعل الإمام المهدي عج جدته الزهراء عليها السلام أسوة حسنة في كل أموره وبحيث يجيب أحد شيعته من خلال بعض المسائل ويذكر له في التوقيع الشريف الصادر منه أنه يقتدي بجدته الزهراء عليها السلام وجعلها قدوة له في حياته وله فيها أسوة حسنة كما لنا أسوة حسنة برسول الله وأهل بيته الطيبين الطاهرين. فاطمة عليها السلام والمعاد من الأمور الهمة والقضايا الحساسة في حياة الفرد المؤمن هو مسألة يوم القيامة - المعاد - حيث نرى الكثير من الناس عندما يسمعون المعاد ويوم القيامة واليوم الآخر يأنون من ذكره حيث هناك تلاقي البشر مع خالقهم والوقوف بين يديه للحساب.

(هامش)

(1) الصواعق: 146. (2) البحار: 53 / 179 - 180. (*)

ص 176

ولا شك ولا ريب أن الكثير من الناس يخافون عدل الله تعالى ويطلبون منه أن يحاسبهم برحمته لا بعدله لأنه لو يحاسبهم الله تعالى. بعدله لما ترك عليها من دابة، لذا نجد من خلال القرآن الكريم والروايات الشريفة إنه من ظاهر رحمته الله تعالى يوم القيامة هو إعطاءه الشفاعة لبعض أولياؤه حيث تعتبر الشفاعة مظهر من ظاهر رحمة الله لكي يبين الله تعالى قدرة ومنزلة ومقام العبد المؤمن ذلك اليوم - أي يوم الحساب - ومن هنا نجد إن من الذين تشملهم العناية الربانية في الشفاعة يوم القيامة هم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما أثبتته الكثير من الآيات والروايات ولا نريد الوقوف الطويل مع هذه الآيات والروايات بل نقف مع أحد دعائم أهل بيت النبوة والمتمثلة في الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تلك هي بضعة الرسول وريحانته وزوجة الوصي المرتضى وأم الحسنين، وهذه الشفاعة التي نتكلم عنها هي نموذج من يوم المعاد الذي سوف تجتمع به الخلائف، وبذلك تكون الشفاعة جزءا مهما بل هو الأمل الوحيد للخلائق يوم القيامة. إذن الشفاعة مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى ومظهر من مظاهر المعاد، ونحن نجد من خلال استقراء الروايات الشريفة الواردة في مقام الشفاعة يوم القيامة هو الشفاعة التي تعطي للزهراء عليها السلام، وعليه تكون الزهراء مرتبطة إرتباط وثيق بيوم القيامة والمعاد الذي نؤوب إليه، أما كيف نثبت أن لها هذا الارتباط من خلال الروايات الشريفة فهذا ما تبينه بعض النصوص الشريفة التي تثبت إرتباط الصديقة الشهيدة بيوم المعاد: * عن أبو القاسم العلوي الحسني - معنعنا ت عن ابن عباس: إذا كان يوم القيامة نادي مناد: يا معشر الخلائق، غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم... فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس فيتباشر فيها أهل الجنان... فتجلس على كرسي من نور ويجلس حولها، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلى أحد قبلها ولا يبعث إلى أحد بعدها فيقول: إن ربك يقرئك السلام ويقول: سليني أعطيك، فتقول قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته وأباحني جنته، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي، وحفظهم من بعدي، فيوحي الله إلى الملك من غير أن نزول من

ص 177

مكانه: أن سرها وبشرها أني قد شفعتها في ولدها ومن ودهم بعدها وحفظهم فيها. فتقول: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأقر عيني. قال جعفر: كان أبي يقول: كان ابن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بأيمانهم ألحقنا بهم ذريتهم) (1). * عن الحسن بن سعيد - معنعنا - عن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة نادي مناد من بطنان العرش: يا معشر الخلائق. غضوا أبصاركم حتى تمر بنت حبيب الله إلى قصرها ابنتي فاطمة وعليها ريطتان خضراوان حواليها سبعون ألف حوراء، فإذا بلغت على باب قصرها وجدت الحسن قائما ن والحسين نائما مقطوع الرأس، فتقول للحسن: من هذا؟ فيقول: هذا أخي إن أمة نبيك قتلوه وقطعوا رأسه. فيأتيها النداء من عند الله: يا بنت حبيب الله إني إنما ما فعلت به أمة أبيك لأني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه، إني جعلت تعزيتك اليوم أني لا أنظر في محاسبة العباد حتى تدخل الجنة أنت وذريتك وشيعتك قبل أم أنظر بمحاسبة العباد، فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن أولاها معروفا ممن ليس من شيعتها، فهو قول الله عز وجل: لا يحزنهم الفزع الأكبر قال: قول يوم القيامة وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون هي والله - فاطمة وذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفا ممن ليس هو من شيعتها (2). * روي عن سلمان قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة عليها السلام - في حديث إلى أن قال - قال صلى الله عليه وآله وسلم: والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوة قد حرم الله تعالى النار على لحم فاطمة، ودمها، وشعرها، وعصبها وعظمها وذريتها وشيعتها. أن من نسل فاطمة من تطيعه النار، والشمس والقمر والنجوم والجبال وقد ضرب الجن بين يديه بالسيف ويوافي إليه الأنبياء بعهودهم وتسلم إليه الأرض كنوزها وينزل عليه من السماء بركات ما فيها، الويل لمن شك في فضل فاطمة لعن الله من يبغضها،

(هامش)

(1) تفسير فرات: 169، دلائل الإمامة: 57 تأويل الآيات: 2 / 618 / ح 7. (2) مستدرك الحاكم: 3 / 161، الخصائص: 2 / 265، الفصول المهمة 127 فضائل الصحابة: 2 / 763 ح 1344، ميزان الاعتدال: 2 / 538، كفاية الطالب: 364، تفسير فوات الكوفي: 97. (*)

ص 178

ويبغض بعلها ولم يرضى بأمامة ولدها، إن لفاطمة يوم القيامة موقفا وإن فاطمة تدعى وتكسى وتشفع، فتشفع على رغم كل راغم (1). * عن علي عليه السلام: دخلت يوما منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره، وفاطمة بين يديه، وهو يقول: يا حسن ويا حسين، أنتما كفتا الميزان وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين... أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة (2). * وقد ورد في الخبر أنها لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهرا لها، قالت يا رسول الله، إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن، أسألك أن تردها وتدعوا الله أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبريل عليه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة الزهراء عليها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها، فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي، وشفعت في عصاة أمة أبي (3). وكثيرة هي الروايات التي ثبتت شفعة فاطمة عليها السلام للشيعة والمحبين والمذنبين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هذه تدل دلالة واضحة على ارتباط الزهراء عليها بيوم المعاد وأن لها منزلة وكرامة على الله تعالى في ذلك اليوم. لا بد أن ترد القيامة فاطم * وقميصها بدم الحسين ملطخ ويل لمن شفعاؤه وخصمائه * والصور في يوم القيامة ينفخ.

(هامش)

(1) الثاقب في المناقب: 293 / ح 250. (2) كشف الغمة: 1 / 506. (3) أخبار الدول: 88، الإحقاق: 10 / 367، وسيلة النجاة: 217. (*)

ص 179

البحث السادس: فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف

ص 181

فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف للسيد محمد مهدي القزويني الحلي روت لنا فاطمة خير النسا * حديث أهل الفضل أصحاب الكسا تقول: أن سيد الأنام * قد جاءني يوما من الأيام فقال لي: إني أرى في بدني * ضعفا أراه اليوم قد أنحلني قومي علي بالكسا اليماني * وفيه غطيني بلا تواني قالت فجئته وقد لبيته * مشروعة وبالكساء غطيته وكنت أرنو وجهه كالبدر * في أربع بعد ليال عشر فما مضى إلا يسير من زمن * حتى أتى أبو محمد الحسن فقال: يا أماه أني أجد * رائحة طيبة أعتقد بأنها رائحة النبي * أخي الوصي المرتضى علي قلت: نعم هاهو ذا تحت الكسا * مدثر به، مغطى واكتسى فجاء نحوه ابنه مسلما * مستأذنا قال له: ادخل مكرما فما مضى إلا القليل إلا * جاء الحسين السبط مستقلا فقال يا أم أشم عندك * رائحة كأنها المسك الذكي وحق من أولاك منه شرفا * أظنها ريح النبي المصطفى قلت: نعم تحت الكسا هذا * بجنبه أخوك فيه لاذا فأقبل السبط له مستأذنا * مسلما قال له: ادخل معنا وما مضى من ساعة إلا وقد * جاء أبوهما الغضنفر الأسد أبو الأئمة الهداة النجبا * المرتضى رابع أصحاب الكسا فقال يا سيدة النساء * ومن بها زوجت في السماء أني أشم في حماك رائحة * كأنها الورد الندي فايحة يحكي شذاها عرف سيد البشر * وخير من لبى وطاف واعتمر

ص 182

قلت نعم: تحت الكساء والتحفا * وضم شبليك وفيه اكتنفا فجاء يستأذن منه سائلا * منه الدخول قال: فادخل عاجلا قالت: فجئت نحوهم مسلمة * قال: ادخلي محبوة مكرمة فعندما بهم أضاء الموضع * وكلهم تحت الكساء اجتمعوا قال الأمين: قلت: يا رب ومن * تحت الكسا؟ بحقهم لنا أبن فقال لي: هم فاطمة وبعلها * والمصطفى والحسنان نسلها فقال علي: قلت يا حبيبي * ما لجلوسنا من النصيب؟ قال النبي والذي اصطفاني * وخصني بالوحي واجتباني ما أن جرى ذكر لهذا الخبر * في محفل الأشياع خير معشر إلا وأنزل الإله الرحمة * وفيهم حفت جنود جمة من الملائك الذين صدقوا * تحرسهم في الدهر ما تفرقوا كلا وليس فيهم مغموم * إلا وعنه كشفت هموم كلا ولا طالب حاجة يرى * قضاؤها عليه قد تعسرا إلا قضى الله الكريم حاجته * وأنزل الرضوان فضلا ساحته قال علي نحن والأحباب أشياعنا * الذين قدما طابوا فزنا بما نلنا ورب الكعبة * فليشكرن كل فرد ربه يا عجبا يستأذن الأمين * عليهم ويهجم الخؤون قال سليم قلت: يا سلمان * هل دخلوا ولم يك استئذان فقال: أي وعزة الجبار * ليس على الزهراء من خمار لكنها لاذت وراء الباب * رعاية للستر والحجاب فمذ رأوها عصروها عصرة * كادت بروحي أن تموت حسرة تصيح: يا فضة أسنديني * فقد وربي قتلوا جنيني فأسقطت بنت الهدى واحزنا * جنينها ذاك المسمى محسنا

ص 183

حديث الكساء الشريف عن جابر بن عبد الله الأنصار قال سمعت فاطمة عليها السلام أنها قالت: (دخل علي أبي رسول الله في بعض الإيام فقال السلام عليك يا فاطمة فقلت عليك السلام قال إني أجد في بدني ضعفا فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف فقال يا فاطمة آتيني بالكساء اليماني فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسن قد أقبل وقال السلام عليك يا أماه فقلت وعليك السلام ويا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت نعم إن جدك تحت الكساء فأقبل الحسن نحو الكساء وقال السلام عليك يا جداه يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسين عليه السلام قد أقبل وقال السلام عليك يا أماه فقلت وعليك السلام يا ولدي ويا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي يا أماه أني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله فقلت نعم أن جدك وأخاك تحت الكساء فدنى الحسين نحو الكساء وقال السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من إختاره الله أتأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء فقال وعليك السلام يا ولدي ويا شافع أمتي قد أذنت لك فدخل معهما تحت الكساء فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام وقال السلام عليك يا بنت رسول الله فقلت وعليك السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين فقال يا فاطمة إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي وابن عمي رسول الله فقلت نعم هاهو مع ولديك تحت الكساء فأقبل علي نحو الكساء وقال السلام عليك يا رسول الله أتاذن لي أن أكون معكم تحت الكساء قال وعليك السلام يا أخي ويا وصيي وخليفتي وصاحب لوائي قد أذنت لك فدخل علي تحت الكساء ثم أتيت نحو الكساء وقلت السلام عليك يا أبتاه يا رسول الله أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء قال وعليك السلام يا بنتي ويا بضعتي قد أذنت لك فدخلت تحت الكساء فلما اكتملنا جميعا تحت الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء وأومئ بيده اليمنى إلى السماء وقال

ص 184

اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ومحب لمن أحبهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك علي وعليهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقال الله عز وجل يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة لا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرائيل يا رب ومن تحت الكساء فقال عز وجل هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها فقال جبرائيل يا رب أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا فقال الله نعم قد أذنت لك فهبط الأمين جبرائيل وقال السلام عليك يا رسول الله العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا لأجلكم ومحبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول الله فقال رسول الله وعليك السلام يا أمين وحي الله إنه نعم قد أذنت لك فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي إن الله قد أوحى إليكم يقول إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فقال علي لأبي يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا فقال علي عليه السلام إذا والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة فقال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم إلا وفرج الله همه ولا مغموم إلا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلا وقضى الله حاجته فقال علي عليه السلام إذا والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة ورب الكعبة.

ص 185 البحث السادس: فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف يعتبر حديث الكساء من الأحاديث النورانية الولائية والذي عبر عن مدى ارتباط أهل البيت عليهم السلام بالسماء وذلك من خلال المضامين العالية التي وردت في طياته، فما أدراك ما حديث الكساء وهل أتاك نبأه! أنه الحديث المتصل بين الأرض والسماء، فقد وعته كواكب الكون ونجوم السماوات السبع وما زال الإنسان في ريب من أمره ذلك إن الإنسان كان جهولا. لقد وعته قلوب المؤمنين وأفئدتهم قبل أن تعيه أسماعهم لذا سوف نعيش في رحابه ونقف مع حلقاته ونستضئ من نوره ونستجلي حقائقه ونحيا مع بركاته كي نصل إلى شاطي نور العلم والمعرفة تلكم هي معرفة نورانية أهل البيت عليهم السلام، فحديث الكساء الشريف يعتبر مرسوم رباني قد قلده الله تبارك وتعالى لنبيه الشريف محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولآله الطيبين الطاهرين حيث جاء موضحا لإرادة رب العالمين التي وسمت قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) كل ذلك حرصا ومحبتا من الله تعالى للرسول ولأهل بيته عليهم السلام ولكي لا يشرق الناس أو يغربوا ولا تأخذهم الأهواء والميول والرغبات يمينا وشمالا وحتى لا يحرف المغرضون هذه الآية المباركة العظيمة عن أهلها وأصحابها الحقيقين الذي أرادهم رب العالمين أطهارا مطهرين يتولون قيادة الأمة ويوضحون معالم طريقها بعد رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. إن هذا الحديث يستحق منا أن نقف عنده وقفة متأملة لكي ننفذ إلى الأبعاد الإنسانية والحقائق العلمية والمسائل العقائدية التي يرمي إليها والنتائج الرائعة التي تترتب عليه فهو ليس مجرد حديث يروى لأجل أن نأخذ معلومة جامدة تتوقف عند حدود الحديث وظاهر الألفاظ بل يجب أن نستشف المرامي الحضارية الكامنة خلف ألفاظه وكلماته، لا سيما أن الله سبحانه وتعالى

ص 186

قد ميزنا عن سائر المخلوقات الأخرى بأن وهب لنا عقلا وألهمنا كيف نستخدمه ونوظفه لخدمة المجتمع والإنسانية جمعاء لا أن نكون مجرد مخلوقات تأكل وتنام وتضاجع دون أن نعي ما كان ويكون حولها. وسيكون حديثنا حول هذا الحديث المبارك في ثلاث وقفات: الوقفة الأولى: ارتباط هذا الحديث بآية التطهير. الوقفة الثانية: سند هذا الحديث الشريف. الوقفة الثالثة: مضامين هذا الحديث المختلفة. الوقفة الأولى حديث الكساء وآية التطهير ارتبط حديث الكساء الشريف بنزول آية التطهير ارتباطا وثيقا حيث جاءت هذه الآية المباركة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا لتؤكد على مسألة عصمة أهل البيت عليهم السلام جميعا بما فيهم فاطمة الزهراء عليها السلام، والذي يهمنا في المقام هو عصمة فاطمة الزهراء عليها السلام، أما مسألة البحث حول هذه الآية المباركة ودلالتها على عصمة أهل البيت عليهم السلام فهذا موكول إلى الكتب الكلامية الخاصة بهذا الموضوع، أما دلالة هذه الآية على عصمة فاطمة الزهراء عليها السلام فهذا ما تجده من خلال الروايات التي بينت من هم أهل البيت الذين عنتهم الآية المباركة وكيفية اشتراك الزهراء مع أهل البيت في طهارتهم وعصمتهم، أما الروايات فسنذكر بعضها بعدما أن نقف مع مفهوم أهل البيت، ومن المراد بهم فلربما يقول قائل إننا لا نؤمن بالروايات أو لا نقبل هذه الروايات فنقول له تعال معنا لنقف سوية على مفهوم أهل البيت ومن المراد بهم؟. إن التعرف على مفهوم أهل البيت لغة والمقصود منه في هذه الآية المباركة يعد من الأبحاث الضرورية في فهم مفاد هذه الآية فلقد ضل

ص 187

الكثير في تفسير هذه الآية والمراد فيها من أهل البيت ولأجل ذلك نبحث أولا وقبل كل شيء هذا المفهوم لغة على وجه يرفع الستار عن وجه الحقيقة. مفهوم أهل البيت عند أهل اللغة قد ورد لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرتين أحداهما في هذه الآية المرتبطة بحديث الكساء الشريف والأخرى في قوله تعالى (قولوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) (1). ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد استعماله فيقال: 1 - أهل الأمر والنهي. 2 - أهل الإنجيل. 3 - أهل الكتاب. 4 - أهل الإسلام. 5 - أهل الرجل. 6 - أهل الماء. وهذه الموارد توقفنا على أن كلمة أهل تستعمل مضافا فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيف إليه، فأهل الأمر والنهى هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر، وأهل الإنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الإسلام. وقد اتفقت كلمة أهل اللغة على أن الأهل والآل كلمتان بمعنى واحد قال ابن منظور: آل الرجل: أهله وآل الله وآل رسوله: أولياؤه، أصلها أهل ثم بدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا. كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر. وقد أنشأ عبد المطلب عند هجوم أبرهة على مكة المكرمة وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال: وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة

(هامش)

(1) هود: آية 73. (*)

ص 188

خاصة بالمضاف إليه، فأهل الرجل مثلا أخص الناس به، وأهل المسجد المترددون كثيرا إليه، وأهل الغابة القاطنون فيها... فإذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد وبل غيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج ولأجل ذلك ترى أنه سبحانه يطلقه على زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية هذه هو حق الكلام في تحديد مفهوم هذه الكلمة ولنأتي ببعض نصوص أئمة اللغة. قال ابن منظور: أهل البيت سكانه وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت أزواجه وبناته وصهره أعني عليا عليه السلام، وقيل نساء النبي والرجال الذين هم أهله (1). فلقد أحسن الرجل في تحديد المفهوم، أولا، وتوضيح معناه في القرآن الكريم كما أشار بقوله: قيل: إلى ضعف القول الآخر لأنه نسبه إلى القيل. وقال ابن فارس ناقلا عن الخليل ابن أحمد: أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به (2). وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه فأهل الرجل مثلا أخص الناس به فإذا لا حظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد بل وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة البيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج. إذن هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت وأهل الرجل من له صلة به ينسب أو سبب أو غيرهما، وهناك إشكال من بعض المفسرين الذين قالوا إن لفظ أهل البيت يطلق فقط على الزوجة ويستعمل في الأولاد والأقارب تجوزا أي يكون استعماله حقيقة في الزوجة ومجازا في الأولاد والأقارب وقد استدل هذا الذي أثار هذا الإشكال على ذلك عن طريق إثباته ذلك من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة - أهل البيت - في قصة إبراهيم بالبشرى حيث قال الله تعالى (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها

(هامش)

(1) لسان العرب: 11 / 29 أهل. (2) معجم مقاييس اللغة: 1 / 150. (*)

ص 189

بإسحاق من وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) (1). وفي قصة موسى عليه السلام أيضا: (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا أني آنست نارا) (2). فالمستشكل قال: إن الله استعمل هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيم عليه السلام لا غير كما في الآية الأولى الخاصة بالبشرى واستعمل الأهل في زوجة موسى عليه السلام وهي بنت شعيب ما في الآية، إذن فالمستشكل قال إن الأهل تطلق على الزوجة حقيقة، وهذا مردود من عدة جهات: أولا: تقدم على لسان أهل اللغة أن لفظة أهل تطلق على أخص الناس بالزوج وهم الأولاد. ثانيا: إن كلامه غير صحيح من كون الأهل تطلق حقيقة على الزوجة ومجازا على الأولاد فنحن نقول له من أين استظهرت هذا، فإذا قلت من آية البشرى وآية موسى فإنه مردود لأنه الإطلاق هنا على كلمة الأهل ليس دليلا على الانحصار - أي انحصار اللفظة على الزوجة فقط.. ثالثا: إن الآية في قصة إبراهيم قالت عليكم أهل البيت ولم تقول الآية المباركة عليك تكون ظاهرة في زوجته فقط كلمة أهل. أما السؤال المهم في هذا المقام هو هل أن مفهوم ولفظ أهل البيت يطلق على الزوجة أو على الزوجة والأولاد؟ وفيما نحن فيه هل هناك قرائن في آية التطهير أو قبلها أو بعدها تصرف هذا اللفظ خاصة إلى أهل البيت الذين يقصد بهم على وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، أم لا توجد قرائن؟ والجواب على ذلك: إن بعض من وقف مع هذه الآية المباركة ومدلولاتها قال إن المراد من أهل البيت هم أزواجه ونسائه صلى الله عليه وآله وسلم والبعض الآخر قال إن لفظ أهل البيت خاصة يطلق علي بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصهره وولداهما الحسن والحسين عليهم السلام.

(هامش)

(1) هود: آية 73. (2) القصص: آية 30. (*)

ص 190

والحق مع من ذهب إلى القول الثاني - على وفاطمة والحسن والحسين - بدلالة عدة شواهد وقرائن حفت بالآية المباركة سواء كانت قرائن حالية أو مقامية وإليك هذه القرائن. 1 - القرينة الأولى اللام في أهل البيت للعهد وبيان ذلك: إن اللام قد يراد منها الجنس المدخول عليه مثل قوله تعالى إن الإنسان لفي خسر، وقد يراد من اللام الاستغراق مثل قوله تعالى يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم وقد يراد منها باعتبار معهودية مدخولها بين المتكلم والمخاطب، أما الأول والثاني من الأقوال لا يمكن أن نحمل اللام عليهما أما القول الثالث فهو الحق لأن الله تعالى إنما يريد إذهاب الرجس عن أهل بيت معهودين بين المتكلم والمخاطب، فمن هم هؤلاء أهل البيت؟!! 2 - القرينة الثانية على أن المراد من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين هو تذكير الضمائر في الآية خلاف الضمائر الأخرى التي وردة في الآية المباركة حيث جاءت مؤنثة مثل وقلن، اتقيتن. فلا تخضعن... الخ. 3 - القرينة الثالثة: - هي أن الإرادة وكما أثبتتها الكتب الكلامية هي الإرادة التكوينية.. إنما يريد الله - لا التشريعية فلا يصح حمل مفهوم أهل البيت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم يدع أحد من المسلمين كونهن معصومات من الذنب مطهرات من الزلل فلا مناص من تطبيقه على جماعة خاصه من المنتمين إلى البيت النبوي الذين تحقق فيهم تعلقهم بالأسباب والمقتضيات التي تنتهي بصاحبها إلى العصمة ولا ينطبق هذا إلا على الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. وأضف إلى ذلك إلى أن المراد من أهل البيت عليهم السلام هم أصحاب الكساء الخمسة هو وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر على باب فاطمة ويناديهم بقوله تعالى - إنما يريد الله... ليوقضهم للصلاة وليؤكد على حرمة أهل هذا البيت عليهم السلام، وكذلك نزول آية التطهير في بيت فاطمة عليها السلام حيث قالت دخل علي أبي وفيه دلالة على أن حديث الكساء كان في بيت فاطمة عليها السلام خلاف ما يدعيه البعض أن حديث الكساء كان في بيت أم سلمة وكما سيأتينا هذا البحث.

ص 191

إذن كان للنبي العناية الوافرة بتعريف أهل البيت لم ير مثلها إلا في أقل الموارد حيث قام بتعريفهم بطرق مختلفة كما كان المحدثين والمفسرين وأهل السير والتأريخ لهم العناية الكاملة بتعريف أهل البيت عليهم السلام في مواضع مختلفة وحسب المناسبات التي تقتضي طرح هذه المسألة وكذلك الشعراء المخلصين الإسلاميين الذين كان لهم العناية البارزة ببيان فضائل أهل البيت وتعريفهم للناس والتصريح بأسمائهم على وجه يظهر من الجميع اتفاقهم على نزول الآية في حق العترة الطاهرة. أما الروايات الواردة في بيان من هم أهل البيت عليهم السلام فنروي لك شاهدين الشاهد الأول: ما روي عن أم سلمة أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيتي فاستدعى عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وجللهم بعباءة خيبرية ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة: قلت يا رسول الله أنا من أهل بيتك؟ قال لا: ولكنك إلى خير (1). أما الشاهد الثاني: ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في احتجاجه على أبي بكر حيث قال له أخبرني عن وقول الله عز وجل إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا أفينا نزلت أو في غيرنا نزلت؟ قال: فيكم: فأخبرني لو أن شاهدين من المسلمين شهدا على فاطمة عليها السلام بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين!! قال الإمام عليه السلام كنت إذن عند الله من الكافرين قال: ولم؟ قال: لأنك رددت شهادتها وقبلت شهادة غيرها كنت عند الله من الكافرين قال: فبكى الناس وتفرقوا ودمدموا (2). وعلى هذا يكون الشاهدين فيهما دلالة على أن فاطمة كانت من أهل بيت العصمة فهي معصومة من الزلل والخطأ والعصمة هنا لها هي العصمة الذاتية وليس الفعلية، ومما يؤكد العصمة فيها كذلك الأقوال والأحاديث الواردة من خلال استقراء كتب الحديث حيث روت لنا هذه الكتب إن الرسول كان دائما يقول: فاطمة بضعة مني

(هامش)

(1) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي: 8 / 339. (2) علل الشرائع: 191 باب 151. (*)

ص 192

يغضبني من أغضبها ويسرني من أسرها وإن الله ليغضب لغضبها ويرضى لرضاها. فإن هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جل شأنه وغضبه بغضبها حتى إنها لو غضبت أو رضيت على أمر مباح لا بد أن تكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات لم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية وهذا مثل العصمة الثابتة لها عليها السلام (1) وقد قال الشيخ المفيد طاب ثراه (2) في إثبات الحكم بكون فاطمة معصومة من الزلل والخطأ ما نصه: قد ثبت عصمة فاطمة عليها السلام بإجماع الأمة على ذلك فتيا مطلقة، وإجماعهم على إنه لو شهد شهود بما يوجب إقامة الحد من الفعل المنافي للعصمة، لكان الشهود مبطلين في شهادتهم، ووجب على الأمة تكذيبهم وعلى السلطان عقوبتهم، فإن الله تعالى قد دل على ذلك بقوله: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. ولا خلاف بين نقلة الآثار إن فاطمة عليها السلام كانت من أهل هذه الآية، وقد بينا فيما سلف إن ذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولإجماع الأمة أيضا على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل. فلولا أن فاطمة عليها السلام كانت معصومة من الخطأ، مبرأة من الزلل، لجاز منها وقوع ما يجب آذاها بالأدب والعقوبة ولو وجب ذلك لوجب آذاها ولو جاز وجوب آذاها لجاز آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأذى لله عز وجل فلما بطل ذلك دل على أنها عليها السلام كانت معصومة حسب ما ذكرناه، وإذا ثبت عصمة فاطمة عليها السلام وجب القطع بقولها، واستغنت عن الشهود في دعواها - في قضية فدك - لأن المدعي إنما افتقر للشهود لارتفاع العصمة عنه وجواز ادعائه الباطل فيستظهر بالشهود وعلى قوله لئلا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم، وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع على قول فاطمة عليها السلام وعلى ظلم مانعها فدكا ومطالبتها بالبينة عليها. ويكشف عن صحة ما ذكرناه أن الشاهدين إنما يقبل قولهما على الظاهر مع جواز

(هامش)

(1) وفاة الصديقة الزهراء: 55 للمقرم. (2) الفصول المختارة من العيون المحاسن: 88. (*)

ص 193

أن يكونا مبطلين كاذبين فيما شهدا به، وليس يصح الاستظهار على قول من قد أمن من الكذب بقول من لا يؤمن عليه، ذلك كيما لا يصح الاستظهار على قول المؤمن بقول الكافر، وعلى قول العدل البر بقول الفاسق الفاجر. ويدل أيضا على ذلك: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشهد على قوله فشهد خزيمة بن ثابت في ناقة نازعه فيها منازع، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أين علمت يا خزيمة، أن هذه الناقة لي؟ أشهدت شرائي لها؟ فقال: لا ولكني علمت أنها لك من حيث إنك رسول الله، فأجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهادته كشهادة رجلين وحكم بقوله فلو لا أن العصمة دليل الصدق وتعني عن الاستشهاد، لما حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول خزيمة من ثابت وحده وصوبه في الشهادة له على ما لم يره ولم يحضره، باستدلاله عليه بدليل نبوته وصدقه على الله سبحانه فيما أراده إلى بريته، وإذا وجب قبول قول فاطمة عليها السلام بدلائل صدقها، واستغنت عن الشهود لها ثبت أن من قطع حقها وأوجب الشهود على صحة قولها، قد جار في حكمه وظلم في فعله، وآذى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإيذائه لفاطمة عليها السلام وقد قال الله عز وجل: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) (1). إذن لا شك في عصمة فاطمة عليها السلام، أما عندنا فللإجماع القطعي المتواتر والأخبار المتواترة في فضائلها ومناقبها. وأما الحجة على المخالفين: 1 - فبآية التطهير الدالة على عصمتها، وكما بينا في إثبات نزول هذه الآية في جماعة كانت داخلة فيهم بل هي قطب الرحى الذي يدور فيه أهل البيت عليهم السلام. 2 - وبالأخبار المتواترة الدالة على أن إيذائها إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإن الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها: ووجه الاستدلال بالروايات على عصمتها صلوات الله عليها: أنه كانت فاطمة عليها السلام ممن تقارف الذنوب وترتكبها، لجاز إيذاؤها، بل إقامة الحد عليها، لو فعلت معصية، وارتكبت ما يوجب حدا، لم يكن رضاها رضى الله

(هامش)

(1) الأحزاب: آية 57. (*)

ص 194

سبحانه إذا رضيت بالمعصية، ولا من سرها في معصية سارا لله سبحانه، ومن أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضبا له جل شأنه، فإن قيل: لعل المراد، من آذاها ظلما فقد آذاني، ومن سرها في طاعة الله فقد سرني، وأمثال ذلك، لشيوع التخصيص في العمومات قلنا: أولا: التخصيص خلاف الأصل، ولا يصار إليه إلا بدليل فمن أراد التخصيص فعليه إقامة الدليل. ثانيا: إن فاطمة صلوات الله عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين، لم تثبت لها خصوصية ومزية في تلك الأخبار، ولا كان لها فيها تشريف وخدمة، وذلك باطل بوجوه: 1 - إنه لا معنى حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على كونها بضعة منه كما يصرح بذلك صحيح البخاري ومسلم في رواياته. 2 - إن كثيرا من الأخبار السالفة المتضمنة لإنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على بني هاشم، في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب عليه السلام، أو النكاح بنت أبي جهل، ليس من المشتركات بين المسلمين فإن ذلك النكاح كان مما أباحه الله سبحانه، بل مما رغب فيه وحث عليه لولا كان كونه إيذاء لسيدة النساء، وقد علل رسول صلى الله عليه وآله وسلم عدم الإذن بكونها بضعة منه يؤذيها ما آذاها ويربيه ما يريبها تظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين، على إنه لو ثبت هذا القول بأن علي صلى الله عليه وآله وسلم ربما أو أراد أن يتزوج من المتقدمي الذكر. 3 - إن القول بذلك يوجب إلقاء كلامه صلى الله عليه وآله وسلم وخلوه من الفائدة، إذ مدلوله حينئذ أن بضعته كسائر المسلمين ولا يقول ذلك من أوتي حظا من الفهم والفطانة، أو أتصف بشيء من الإنصاف والأمانة، وقد أطبق محدثوهم على إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات الله عليها. فإن قيل: أقصى ما يدل عليه الأخبار، هو أن إيذاؤها إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن جوز صدور الذنب عنه صلى الله عليه وآله وسلم، لا يأبى عن إيذائه إذا فعل ما يستحق به الإيذاء. قلنا: بعد ما مر من الدلائل على عصمة الأنبياء عليهم السلام، قال الله تعالى (والذين

ص 195

يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (1). وقال سبحانه: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) (2). وقال تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا معينا) (3). فالقول بجواز إيذائه صلى الله عليه وآله وسلم رد لصريح القرآن، ولا يرضى به أحد من أهل الإيمان، فإن قيل: إنما دلت الأخبار على عدم عدم جواز إيذائها، وهو إنما ينافي صدور الذنب منها يمكن للناس الاطلاع عليه، حتى يؤذيها نهيا عن المنكر، ولا ينافي صدور معصية عنها خفية فلا يدل على عصمتها مطلقا. قلنا: نتمسك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركب أن ما جرى في قصة فدك وصدر عنها من الإنكار على أبي بكر ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحا وتلويحا، وتظلمها وغضبها على أبي بكر، وهجرتها وترك كلامها حتى ماتت، لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أعلنت بها على رؤوس الأشهاد، وأي ذنب أظهر وأفحش من مثل هذا الرد والإنكار على الخليفة المفترض الطاعة على العالمين؟ بزعمهم فلا محيص لهم عن القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمى تحرزا عن إسناد هذه المعصية الكبرى إلى سيدة النساء. 3 - ونحتج أيضا في عصمتها عليها السلام بالأخبار الدالة على وجوب التمسك بأهل البيت عليهم السلام وعدم جواز التخلف عنهم، وما يقرب هذا المعنى، ولا ريب في ذلك لا يكون ثابتا لأحد، إلا إذا كان معصوما إذ لو كان ممن يصدر عنه الذنوب لما جاز إتباعه عند ارتكابها، بل يجب ردعه ومنعه وإيذاؤه وإقامة الحد عليه وإنكاره بالقلب واللسان وكل ذلك ينافي ما حث عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأوصى به الأمة في شأنهم، ويكفي في ذلك ما رواه المخالفون لنا عن الترمذي عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فلا يهولنك ما يقرع سمعك من الطنين آخذا (1) التوبة: آية 61. (2) الأحزاب: آية 53. (3) الأحزاب: آية 57. (*)

ص 196

من الميول والأهواء المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو إمامة، وقد تخلت الزهراء عليها السلام عنها - النبوة والإمامة - فلا تجب عصمتها، الجواب إنا لم نقل بتحقق العصمة فيهم عليهم السلام لأجل تبليغ الأحكام حتى يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها، وإنما تمسكنا بعصمتهم بعد نص الكتاب العزيز باقتضاء الطبيعة المتكونة من النور الإلهي المستحيل فيمن اشتقت منه مقارفة إثم أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في ترك الأولى (1). وإلى ذلك يشير المرحوم الشيخ الأصفهاني في إرجوزته: تبتلت عن دنس الطبيعة * فيا لها من رتبة رفيعة مرفوعة الهمة والعزيمة * عن نشأة الزخارف الذميمة في أفق المجد هي الزهراء * للشمس من زهرتها الضياء بل هي نور عالم الأنوار * ومطلع الشموس والأقمار رضيعة الوحي من الجليل * حليفة لمحكم التنزيل مفطومة من زلل الأهواء * معصومة من وصمة الخطاء إذن في النتيجة النهائية نصل إلى أن حديث الكساء إرتباط إرتباط وثيق بنزول آية التطهير والتي تمثل الأساس المتين لإثبات عصمة أهل البيت عليهم السلام وبما فيهم فاطمة الزهراء عليها السلام ولذلك جاءت الآية المباركة للتطهير لتكون نور من أنوار حديث الكساء حيث كلما ذكرت ذكر حديث الكساء ليكون من الأهمية البارزة في حياتنا العقائدية والروحانية والدعائية، ونختم الكلام في عصمة فاطمة عليها السلام فيما قاله الأستاذ العلامة حسن زاده آملي حيث يقول: - كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة، وقد نص كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات والحق معهم والمكابر محجوج مفلوج، وكانت عليها السلام جوهرة قدسية في تعين إنسي، فهي إنسية حوراء وعصمة الله الكبرى وحقيقة العصمة أنها قوة نورية ملكوتية تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب

(هامش)

(1) وفاة الصديقة الزهراء: 54. (*)

ص 197

والأدناس والسهو والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية... فاعلم أن العترة وفاطمة منهم معصومة كما نص به الوصي الإمام علي عليه السلام في النهج: وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين والسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطشان. ونطق ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه بالصواب حيث قال: فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سر عظيم وذلك أنه أمر المكلفين بأن يجروا العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى القرآن. ثم قال: فإن قلت: فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم - يعني القائلين بمذهب الاعتزال - في ذلك؟ قلت: نص أبو محمد بن متويه في كتاب الكفاية على أن عليا عليه السلام معصوم وأدلة النصوص قد دلت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه وأن ذلك أمر اختص هو به دون غيره من الصحابة فتدبر. وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة ولي الله وكلمة الله والتامة فاطمة عليها السلام ذات عصمة فلا بأس بأن تشهد في فصول الآذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا: أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى أو نحوها (1). الوقفة الثانية سند هذا الحديث أما سند حديث الكساء الشريف فهو في غاية المتانة والصحة بل يعتبر من الأحاديث المتواترة وليس المشهورة بل هو المتواتر القطعي، ويكفي في ذلك إن روايات جمة تزيد على سبعين رواية من طرق أهل السنة تروي هذا الحديث المبارك،

(هامش)

(1) قص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية 14. (*)

ص 198

هذا فضلا عن الطرق الخاصة لأهل المذهب الحق الشيعة الإمامية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فيكفي في رواية هذا الحديث من ناحية السند جابر بن عبد الله الأنصاري الذي روى الحديث بسند معتبر عن لسان فاطمة الزهراء عليها السلام، حيث يعتبر هذا الصحابي الجليل - جابر الأنصاري - من الذين حملوا سلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حفيده الإمام محمد الباقر عليه السلام، حيث تروي لنا كتب الرجال أن هذا الصحابي يكفي في وثاقته أنه عاصر الرسول والإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام حتى أدرك الإمام الباقر عليه السلام. فلقد روى لنا التأريخ كيف دخل جابر الأنصاري على الإمام الباقر عليه السلام قائلا له: إن جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرك السلام والتحية والإكرام وقال لي يا جابر ستدرك واحد من أبنائي: اسمه اسمي يبقر العلم بقرا فأبلغه عني السلام. فتعتبر هذه من الكرامات والمعجزات التي تثبت مدى صدق دعوة النبي وإنه ما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحى وأن له شأن مع الله تعالى. إذن حديث الكساء من الأحاديث المؤكدة وسنده صحيح معتبر وأنه من الأحاديث المستفيضة عند العامة والخاصة. الوقفة الثالثة مضامين هذا الحديث المختلفة قبل كل شيء لا بد من التأكيد على مسألة مهمة ألا وهي مسألة عرض أي موضوع يطرح في عالم الإمكان على القرآن والسنة النبوية الشريفة الصحيحة فما كان موافقا للقرآن الكريم فإنا نأخذ به وما كان مخالف للقرآن الكريم نضرب به عرض الحائط وهذا ما أكدته الكثير من الروايات في هذا المقام، وعلى ضوء هذا الأساس سيكون استقرائنا لهذا الحديث المبارك واستجلاء حقائقه على ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة وهذا لا يعني أننا لا بد من ذكر كل الأمور القرآنية التي توافق هذا

ص 199

الحديث فإن هذا سوف يكون بحاجة إلى كتاب مستقل في هذا الموضوع وأنما يكون الأمر على ضوء التمعن والتأمل على ضوء المرتكزات القرآنية لدى الإنسان المؤمن. * فالحديث على كل حال قد رواه المسلمون كافة وبصورة مختلفة وهيئات متعددة ولكن جوهر الحديث واحد: هو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جمع أهل بيته وألقى عليهم رداء وقال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم.... * إن حديث الكساء ذو مصداقية كبيرة من خلال توافقه الكبير مع القرآن الكريم وهذا ما نجده أثناء تطبيق حقائقه التي يدعو إليها سواء العقائدية أو العلمية أو الروحانية أو المادية مع القرآن الكريم ومضمونه وحقائقه وعليه بعد إثبات ذلك - وكما هو مثبوت في محله - فإننا لا بد من الأخذ به والوقوف معه الوقفة الجلية لنستظهر حقائقه المعصومية. * هناك مسألة قد أثيرت حول هذا الحديث الشريف وهي هل آنئذ هذا الحديث وقضيته والتي كان من مضمونها أن الرسول تغطى بكساء - كانت في بيت أم سلمة كما روى ذلك مجموعة من العامة أم في بيت فاطمة عليها السلام؟ والجواب على ذلك: إن قضية حديث الكساء وماله من الأهمية الكبرى كان في بيت فاطمة عليها السلام وبدلالة الحديث نفسه حيث إننا سلمنا بصحة سند الحديث واستفاضته أيضا فعليه نقول: إن هناك قرينة واضحة ومتصلة لا منفصلة في نفس الحديث تؤكد على كون الحديث كان في بيت فاطمة والقرينة هي إن الحديث يبدأ بقوله على لسان فاطمة عليها السلام عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت دخل علي أبي رسول الله في بعض الأيام.... فقولها عليها السلام دخل علي أبي رسول الله فيه دلالة واضحة على كون دخوله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتها لا في بيت أم سلمة أضف إلى ذلك دخول الحسن والحسين وأبيهما الإمام علي عليه السلام في بيت أم سلمة لا معنى له، ثم ما هي الثمرة العملية على هذه المسألة فلربما يقول قائل سواء كان الحديث في بيت أم سلمة أم في بيت فاطمة عليها السلام ما الفائدة في ذلك؟ فنقول إن الفائدة تظهر إنه لو كان في بيت أم سلمة لكان البعض ممن يقول بهذا

ص 200

القول إن العصمة والطهارة والإرادة التكوينية تخص نساء النبي بدلالة بيت أم سلمة، وإن كان عندنا إنه لا ملازمة فيه فتأمل. * وفي معرض الكلام حول أم سلمة هناك إشارة لطيفة لمن تمعن فيها وتأمل حيث تظهر من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعدم قبوله أم سلمة بالدخول تحت الكساء وعدم إعطائها الإذن في ذلك حيث الإشارة تدل على الرسول قال لها إنك على خير ولم يطردها ولم يأذن لها بالدخول تحت الكساء، وهذا فيه دلالة واضحة من خلال استظهار كلمة - إنك على خير - إنها سوف تكون عاقبة أمرها إلى خير وإنك الآن فعلا على خير وإنه سوف يكون مآل حياتك إلى العاقبة الحسنة وهذا بخلاف ما نجده في بعض نساء النبي اللواتي خرجن على إمام زمانهن. * دخل علي أبي في بعض الأيام فقال... في الحديث أن فاطمة هي الملجأ لأبيها فإذا شعر بضعف أو ألم أسرع إلى فاطمة حيث يجد عندها الراحة والطمأنينة والهدوء لأن النظر إلى فاطمة يمسح الهموم والأحزان من قلب النبي كما كان الإمام علي عليه السلام يقول: إذا نظرت إلى فاطمة انجلت عني الهموم والأحزان... وإلا لماذا لم يذهب النبي إلى إحدى زوجاته علما بأن الرجل يشعر بالسكن لدى زوجته حيث يقول القرآن الكريم (خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، ويقول الله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، فلماذا لم يذهب النبي إلى واحدة من زوجاته وإنما ذهب إلى الزهراء؟ والجواب أن فاطمة كانت أم أبيها... وكان يشعر بالدف ء والراحة عندما يزور الزهراء، بل يتزود بالطاقة والحنين حيث يرى فاطمة عليها السلام ولذلك نجد أن التأريخ الإسلامي يروي لنا أن آخر من يودع النبي في غزواته وسفره هي فاطمة وأول من يمر عليه بعد رجوعه من سفره خارج المدينة هو بيت فاطمة عليها السلام. * إني أجد في بدني ضعفا فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول ولم يقل أني أجد في روحي ضعفا أو فكري وهذا خلاف ما اتهمه بعض المشركين بأنه شاعر مجنون... إنما هو ضعف بدني أصابه نتيجة الإجهاد والمثابرة على العمل فهو يقول لها: أني لأجد في بدني ضعفا وهي تقول له: أعيذك بال 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الأسرار الفاطمية

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب