ص 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلى من أخرج الناس من الظلمات إلى النور إلى من ختم
الأنبياء والمرسلين إلى حبيب إله العالمين إلى سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا
ومولانا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء
أهدي هذا المجهود المتواضع وأهديه ثانيا إلى سيدنا الأستاذ الأب الروحي آية الله
العظمى السيد تقي الطباطبائي القمي (دام ظله). * * * ونظر جبرئيل (عليه السلام)
إلى خديجة تجول في الوادي، فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! ألا ترى
خديجة قد أبكت لبكائها ملائكة السماء، أدعها إليك فأقرأها مني السلام وقل لها: إن
الله يقرئك السلام... (1). * * * فلا تظني يا خديجة إلا خيرا فإن الله عز وجل
ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا (2).
(هامش)
1) البحار 18 / 243. (2) البحار 16 / 78. (*)
ص 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله
الطاهرين المعصومين واللعن الدائم إلى أعدائهم إلى يوم الدين وبعد، فإن فضيلة
المؤمن بعلمه وورعه وحسن أخلاقه ومن المؤمنين الذين جمعوا بين هذه الأمور قرة عيني
حجة الإسلام والمسلمين الشيخ غالب السيلاوي دام عزه فإنه دام توفيقه كان مجاورا في
النجف الأشرف وكان هناك مشتغلا بكسب المعارف الإلهية وبواسطة بعض العوارض هاجر إلى
هذه البلدة المقدسة عش أهل البيت وصار ملازما وحاضرا في حلقات الأبحاث التي ألقيتها
على الطلاب وكان حضوره حضور تفهم وتدقيق حتى صار من الأفاضل والذي يجلب النظر إنه
دام توفيقه لم يقتصر على الاشتغال بالفقه والأصول بل لكثرة ولائه بالنسبة إلى أهل
بيت الوحي ألف ما يتعلق بهم أرواح العالمين لتراب مقدمهم الفداء وأخيرا قدم الكتاب
الذي ألفه بالنسبة إلى مفخرة الدهر السيدة خديجة أم سيدة نساء العالمين وشرح وبين
في كتابه جملة كثيرة من فضائل تلك المرأة التي يشار إليها في المحافل والدواوين
وتذكر فضائلها ومناقبها أرجو من المولى أن يجازي المؤلف أحسن الجزاء ويؤتى كتابه
بيده اليمنى يوم لا ينفع مال ولا بنون وأوصيه بملازمة التقوى وذكر الموت وأن لا
ينساني من دعواته في حياتي وبعد وفاتي والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. الأحقر تقي
الطباطبائي القمي 24 شعبان المعظم 1421
ص 5
كلام للمؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين. وبعد، يقول المفتقر
إلى رحمة ربه والراجي عفوه ببركة النبي وأهل بيته الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين غالب بن عبد الرضا السيلاوي: لما رأيت القليل جدا ما كتب في حق مولاتنا
وسيدتنا أم الإسلام خديجة الكبرى عزمت ببركتهم صلوات الله عليهم أن أكتب كتابا
مختصرا حول هذه الشخصية العظيمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى بنتها الصديقة فاطمة
الزهراء أرواحنا فداها، والحق أن يقال: لا بد أن تكتب هذه الكلمات والسطور بالذهب
في حق هذه الشخصية الخالدة التي لولاها لما قام للإسلام دين كما جاء في بعض
الروايات.
ص 6
فهذه المرأة العظيمة هي أول امرأة صدقت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
ودخلت في الإسلام وقامت بخدمات كثيرة إلى آخر لحظة من حياتها الشريفة التي كانت هذه
الحياة ملؤها الحب والاحترام للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وملؤها العمل
والتضحية لهذا الدين العظيم. ماذا أكتب وأقول في حق هذه المرأة العظيمة وهي أم
فاطمة صلوات الله عليها؟ ولكن سوف أكتب ما قاله في حقها أهل البيت صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين فإن ما يقولونه نور يسطع في كل مكان، ويهتدي به كل إنسان يعرف
قيمة هذا النور الإلهي الذي مصدره الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أرواحنا
فداه. ففي كل زمان ومكان تجد هذا النور الإلهي الذي اهتدى به الملايين والملايين من
الناس وإلى هذه اللحظة وإلى قيام يوم الدين يكون باقيا على نوره وقوته وسطاعته
*(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)*(1). ورتبت
كتابي على مقدمة وأبواب ومقاصد وخاتمة. والله تبارك وتعالى الموفق وبه استعين.
(هامش)
(1) الصف: 8. (*)
ص 7
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
من كتب العامة
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، وعبد العزى هذا هو أخو عبد مناف أحد أجداد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
إذ أبوهما قصي بن كلاب، فهي رضي الله عنها تلتقي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) في الجد الرابع وهو قصي بن كلاب. ولا ينسى التأريخ موقف خويلد حينما وقف في
وجه تبع عندما جاء من اليمن حاجا وسولت له نفسه أن ينتزع الحجر الأسود ويأخذه معه
فتصدى له خويلد وراح ينازعه فيما أقبل عليه ويبين له أن إقباله على هذا الأمر جدير
بأن يغضب الله وإن رب البيت لن يتركه بل ستحل عليه اللعنة التي تؤدي به إلى
التهلكة. وقف خويلد وجماعة معه في وجهه حتى امتلأت نفسه بالرهبة والخوف وبدأت
داخليته تتأثر بما سمع من خويلد وفكر طويلا فيما سيقبل عليه حتى إذا دخل تبع البيت
ونامت عينه كان حديث خويلد يملأ عليه تفكيره ويشغل باله إذ به يرى رؤيا تفزعه
وتحذره من الإقدام على ما نوى
ص 8
عليه، وتنذره بأن اللعنة ستحل به فما كان منه إلا أن صرف النظر عما كان سيقدم عليه.
يقول السهيلي: وخويلد بن أسد هو الذي نازع تبعا حين حج وأراد أن يحتمل الركن الأسود
معه إلى اليمن فقام في ذلك خويلد وقام معه جماعة. ثم إن تبعا روع في منامه ترويعا
شديدا حتى ترك ذلك وانصرف عنه. أما ابن إسحاق فقد تناول القصة بالبسط والتوضيح
فقال: فلما أراد تبع الشخوص إلى اليمن أراد أن يخرج حجر الركن فيخرج به معه،
فاجتمعت قريش إلى خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي فقالوا: ما دخل علينا يا خويلد
إن ذهب هذا بحجرنا؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: تبع يريد أن يأخذ حجرنا يحمله إلى أرضه.
فقال خويلد: الموت أحسن من ذلك، ثم أخذ السيف وخرج وخرجت معه قريش بسيوفهم حتى أتوا
تبعا. فقالوا: ماذا تريد يا تبع إلى الركن؟ فقال: أريد أن أخرج به إلى قومي! فقالت
قريش: الموت أقرب إلى ذلك. ثم خرجوا حتى أتوا الركن فقاموا عنده فحالوا بينه وبين
ما أراد. هذا هو خويلد الرجل الشجاع المطاع في قومه الذي دافع عن بيت الله تعالى
وهو في الجاهلية، وكان معروفا بفضائل الخلق والكرم والطهر
ص 9
والإباء. وأم السيدة خديجة رضي الله عنها هي فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن
حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، وأم فاطمة أي جدة خديجة هي حالة بنت عبد مناف
بن الحارث الذي يصل إلى لؤي بن غالب. فكان أبويها من أعرق البيوت في قريش نسبا
وأعلاهم حسبا، فقد نبتت في بيت واسع الثراء، ملتزم بالأخلاق الفاضلة، ومعروف
بالتدين والبعد عن الانغماس في الملاهي التي كان بعض بيوتات قريش غارقة فيها. وكانت
عناية الله تعالى ترعى خديجة وتحرسها منذ طفولتها الأولى لأنها خلقت لتكون أما
للمؤمنين، وليس كل امرأة تصلح لتكون أما للمؤمنين، وقد هيأ الله تعالى لزوجات رسول
الله تربية خاصة وعناية إلهية حرسهن منذ أن خلقن ونشأن، واختارهن الله سبحانه
وتعالى لحكمة ومهمة يقمن بها (1). وكان من عادة بيوت الأشراف من قريش أن تتزوج
البنات في سن مبكرة فإذا جاوزت العاشرة أو أتمتها طلبت للزواج. وكان لا يجرؤ أن
يطلب أحد واحدة من هذه البيوت إلا إذا كان
(هامش)
(1) هذا على إطلاقه ممنوع كما في بعض أزواجه (صلى الله عليه وآله) وفي بعض الروايات
أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد أن يسلب عنها هذا اللقب الكريم بتفويض من
الرسول (صلى الله عليه وآله) كما في كتاب الاحتجاج: ج 2 ص 527، دار الأسوة، قم. (*)
ص 10
شريف النسب، معروفا بالمروءة والفضل. ولقد تقدم إلى خديجة الفتاة البالغة بعد
بلوغها العاشرة بقليل عتيق بن عابد بن عبد الله المخزومي فولدت له عبد الله ثم مات
عتيق، ولم يتم الترمل بخديجة فقد خطبها هند بن زرارة النباش التميمي فولدت له ابنين
هما هند والحارث وابنة هي زينب. وإذا تكلمنا عن أهل خديجة رضي الله عنها وعشيرتها
والمقربين إليها وجدنا أن التأريخ لم يذكر أحدا منهم إلا كان علما في الشجاعة
والشمم، فحكيم بن حزام ابن أخي السيدة خديجة رضي الله عنها كان من ذوي الأموال
الطائلة وكذلك كان ورقة بن نوفل وهو من أبناء عمومتها، ونذكر هذين الشخصين لما لهما
من أثر كبير في حياة السيدة خديجة. أما حكيم هذا فقد ولدته (1) أمه في جوف الكعبة
حين دخلتها
(هامش)
(1) هذا فيه كلام فراجع كتاب علي وليد الكعبة ودلائل الصدق: ج 2 ص 507. وفي بعض
الروايات ولم يولد فيه مولود سواه، المناقب: ج 2 ص 23 ط النجف والبحار: ج 35 ص 19
وخلاصة الكلام أن مرجع هذا القول على ما ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب: ج 2 ص 405
إلى الزبير بن بكار وهذا معلوم حاله وعدائه لأهل البيت وكان يعرف بالوضع والكذب حتى
عند العامة فراجع قاموس الرجال: ج 4 ص 408 وعن ابن الأثير قدم الزبير بن بكار
العراق هاربا من العلويين لأنه كان ينال منهم فهددوه فهرب منه... الكامل: ج 6 ص
526، وغير ذلك فراجع القاموس كما ذكرنا وعن الذهبي ذكره أحمد بن علي السليماني في
عداد من وضع الحديث وقال مرة منكر الحديث، ميزان الاعتدال: ج 2 ص 66 وعن الحافظ
الرازي ورأيته ولم أكتب عنه الجرح والتعديل: ج 3 ص 585. = (*)
ص 11
وجاءها المخاض فكان هذا شرفا يعتز به وكان حكيم راجح العقل، له دراية ورأي، حكيم
النفس، مبسوط اليد في العطاء إلى درجة لم يصل إليها إلا القليل، فقد خل دار الندوة
وأصبح من رجالها وهو ابن خمسة عشر سنة، وكان لا يقبل عضوا فيها إلا من بلغ
الأربعين، فقبوله بهذه السن دليل على ما كان يمتاز به حكيم من رجاحة العقل وسداد
الرأي وسلامة التفكير، ولطالما غبط أبو سفيان الجاهلية حكيما على بلوغه تلك المكانة
وتمنى أن يصل إلى ما وصل إليه حكيم بن حزام. وصرف حكيم تفكيره ونشاطه إلى التجارة
فكانت قوافله تجوب أنحاء الجزيرة العربية وتصل إلى الشام وبلاد فارس وغيرهما. وقد
عادت عليه بالربح الوفير والمال الكثير ولم يكن يدخر كل ما يكسب مع الوفرة وإنما
ينفق على الفقراء من أهل مكة وعلى الضيفان يبتغي بذلك البركة في المال والمحبة
وتأليف القلوب. وكان محبا لعمته دائم التردد عليها في بيتها، شاركها الرأي والعمل.
أما ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة رضي الله عنها ذلك الشيخ
(هامش)
= وقال الشيخ المفيد في المسائل السروية ص 86 الزبير بن بكار ولم يكن موثوقا به في
النقل وكان متهما فيما يذكره وكان يبغض أمير المؤمنين وغير مأمون فيما يدعيه على
بني هاشم انتهى. ولهذا قال ابن الصباغ المالكي ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد
سواه ص 30 وذكره الشبلنجي في نور الأبصار فراجع ص 156 وفي كفاية الطالب للشافعي: ص
407. ثم إنه ذكر الفقيه المامقاني مقتضى ما سمعت حسن حال الرجل لولا ما نقله الطبري
في تاريخه من كونه عثمانيا متصلبا من بيعة علي (عليه السلام) وكان أبى عند قتل
عثمان أن لا يدفن إلا بالبقيع. أقول: هذا معارض لما في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد:
ثم مر بعبد الله بن حكيم بن حزام فقال هذا خالف أباه في الخروج وأبوه حين لم ينصرنا
قد أحسن في بيعته لنا... ص 136 ط مكتبة بصيرتي وقول المفيد مقدم والتفصيل في محله.
(*)
ص 12
الكبير الذي كان له أكبر الأثر في تربية الروحية التي كانت عليها السيدة خديجة رضي
الله عنها في الجاهلية قبل زواجها من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). فقد زهد في
الدنيا وزهد في مباهجها وكانت حياته كلها للتأمل في الكون ولعبادة الله. وعكف على
التوراة والإنجيل يقرأ فيهما وينقل منها ويجري وراء المعرفة ليتعرف على شيء من
أوصاف النبي الذي بشرت به التوراة والإنجيل وبعض الكتب الأخرى. ولقد جالس الكثير من
الرهبان والمشتغلين بالكتب المقدسة وسمع منهم أوصاف النبي المنتظر وكان يتشوق أن
يدركه قبل أن يموت وبخاصة عندما علم أن هذا النبي من ذرية إسماعيل بن إبراهيم
(عليهما السلام) وكان ورقة بن نوفل بجانب بعده عن الرجس والأوثان وعبادة الأصنام
والتوجه إلى الله خالق الكون والإيمان العميق بالحساب والجزاء والجنة والنار شاعرا
رقيق الإحساس كبير النفس والقلب يحب الناس ويألفهم وكانوا يحبونه ويألفونه، فإذا مر
بمجلس من مجالس القوم رحبوا به وتمنوا لو يقضي معهم وقتا طويلا إلا أنه كثيرا ما
كان يؤثر الوحدة والتعبد. ولقد تأثرت السيدة خديجة بهذين الرجلين، فكان حكيم بن
حزام ابن أخيها مثلها الأعلى في التجارة والغنى ورجاحة الرأي، وكان ورقة مثلها في
التحنث والتأمل وقد أمنت إيمانا عميقا بما يقول وكثيرا ما مرت خواطر بنفسها الكريمة
وعقلها الراجح وتفكيرها الهادف وكثيرا ما تساءلت عن الله
ص 13
وآياته وثوابه وعقابه وجنته وناره وقيمة العمل الصالح والإنفاق على الفقراء
والمساكين ومساعدة المحتاجين. وكان ورقة بصفاء نفسه ورقتها يشعر بما تنطوي عليه نفس
ابنة عمه، فقد كانت نفسا خالية من الشوائب الدنيوية، يجيبها عما تسأل مما عرف من
قراءته وتجاربه حتى تأثرت به في حياتها الدينية فلم تسجد لصنم من الأصنام ولم تقدم
إليها قربانا ولا نذرت لها نذرا. وقد تمتعت السيدة الفاضلة خديجة بسيرة ذاتية نقية
في أوساط مكة وبين أهلها وخاصة في قريش، وقد لقبت بعدة ألقاب دلت على تميزها على
قريناتها بخصال حميدة لم تجتمع في واحدة منهن، وقد عبرت هذه الأسماء بصورة أو بأخرى
عن مكانتها والحب الذي كانت تتمتع به في قلوب الناس. وأول تلك الألقاب الطاهرة
ووصفها بهذه الصفة أو فوزها بهذا اللقب لم يكن جزافا إنما كان عن جدارة واستحقاق،
فلقد تزوجت في الجاهلية مرتين قبل اقترانها بسيد البشر محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) ومات زوجها الثاني وهي في مقتبل العمر والشباب، وكانت ترفل في ثوب العز
والرفاهية، ت على التجارة تصرف فيها أوقاتها، وكثر طلابها والراغبون فيها، وقد أبت
أن تتخذ من التجارة ذريعة للاتصال بالرجال. فقد اتخذت لنفسها طريقا جادة بعيدا من
الأهواء والنوازع والرغبات، فلقد كانت تجارتها كثيرة ومتنوعة ولم تكن تتصل بتجار
ولم
ص 14
تشترك معهم في اجتماع خاص أو عام بل كان ينوب عنها في ذلك عبيدها ومواليها وعلى
رأسهم مولاها المخلص ميسرة، وكانت تلقى إليهم الأوامر لينفذوها، وكان هناك قاعة
واسعة منبسطة يبلغ طولها نحو ستة عشر مترا وعرضها نحو سبعة أمتار ويعتقد أنه المكان
الذي كانت تخزن فيه تجارتها وقد بقيت آثار ذلك البيت مدفونة حتى عام 1412 عندما تمت
بعض الحفريات حول الحرم من ناحية المسعى. ومن وسائل الفوز اللقب بالطاهرة أنها لم
تله أبدا مع النساء اللاهيات، فالمعروف أن بيوت مكة في الجاهلية كثيرا ما يقام فيها
ليالي مرح ولهو وغناء، وكانت السيدة خديجة تمر على هذه البيوت وبعضها بيوت أبناء
العمومة أو الخؤولة وفيها من اللهو والسهر ما يرفه عن النفوس المثقلة بهموم العمل
ومتاعب الحياة ولكن كل المغريات في هذه البيوتات لم تغر الطاهرة باللهو مهما كان
بريئا مع قريناتها من بنات قريش. وقد حفظ نساء مكة وحفظ لها التأريخ ما كان لها في
نفوسهن من منزلة عظيمة وكن يذهبن إليها زائرات فينلن من كرمها وفضلها، وإذا ما خرجت
إلى البيت العتيق لتطوف به خرجن معها وقد أحطن بها فلا تلغو واحدة منهن في قولها
ولا تتكلم إلا بالجد من القول، وكن حريصات أن لا تسمع آذان الطاهرة منهن كلمة تنبو
عنها. ومن ألقابها التي فازت بها دون نساء قريش سيدة نساء قريش ولا يلقب بهذا
اللقب الكبير وهذه الصفة الغالية إلا من حازت صفات
ص 15
تقترب من الكمال، وقد أجمع الناس على ما امتازت به خلقا وخلقا، فلم تخضع للمال الذي
يفيض عليها من تجارتها، ولم تستعبدها التجارة فتتحكم في خصالها وتجعلها لتحقيق رغبة
أو لتجني ثمرة إنما هي التي تخضع كل هذا لعاطفة سامية. قال العلماء والكتاب في
تحليلها:
كانت نفسها مشغولة عن الناس وعن التحدث في أمورهم بالبحث والسؤال عما وراء
هذه الحياة، كانت تسأل عن الرسل الذين أرسلوا وعن الرسول الذي سيرسله الله لهداية
الناس وعن الإله العظيم الخليق بالعبادة والذي ينبغي السجود له والخضوع لسلطانه،
يساعدها في هذا التفكير نفسها الصافية وزكاؤها المتوقد. فقد روت كتب التأريخ أنها
كانت دائمة الحديث مع ابن عمها الشيخ الكبير ورقة بن نوفل في الرسول الذي سيرسله
الله لهداية البشر وكانت دائما تردد أسئلة بينها وبين نفسها: هل قرب زمن هذا النبي؟
وهل ستراه؟ وما من مكانها منه؟ لقد أبعدها هذا التفكير السامي في الرسالة المنتظرة
والرسول عن لغو الحياة الذي كان متبعا ذاك الزمان، فارتفعت إلى مقام محمود بين
الناس جعلها تفوز بلقب سيدة نساء قريش . ولم تكن قريش خالية من نساء كريمات، فقد
كان في مكة وفي قريش خاصة كثير من النساء ذوات العقل والتفكر وصاحبات الحزم
والثبات،
ص 16
لكن السيدة خديجة تفوقت عليهن بفكرها وعقلها وحزمها وثباتها وشرفها وطهارتها
وترفعها عن لغو الحياة كما اشتهرت بين قومها بالفضل والكرم ومعاونة المحتاج وكان
يغشى بيتها الفقيرات والمحتاجات والضيفان، فكانت تنفق على الجميع من خيرها وبرها
حتى غبطها أهل مكة لمقامها وأخلاقها وذكائها وإنفاقها، فلقبوها بهذا اللقب سيدة
نساء قريش ، وفوزها بلقب أم المؤمنين يرتفع بها إلى منزلة عظيمة ومكانة مرموقة
على مر الأيام والدهور. فلقد بذلت أقصى ما في وسعها لتخفف عن رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) وعمن معها من الأهل والمسلمين وطأة المقاطعة والحصار، كانت ترسل
سرا إلى أهلها وذويها والمخلصين الذين لم يقعوا تحت نير الحصار والمقاطعة ليرسلوا
لها ما يستطيعون إرساله من الطعام لتستعين به ومن معها من المسلمين، وقد ظاهروا
أعداء الدعوة فكانوا أوفياء لها وأسرعوا إلى الاستجابة لطلبها ولقد كرمها الله بأن
جعلها أولى أمهات المؤمنين، ولعل من أسمى الألقاب وأرفعها وأعظمها منزلة وأشرفها أن
تلقب الطاهرة وسيدة نساء قريش وأم المؤمنين بلقب سيدة نساء العالمين وهذا اللقب
لم تنله سيدة من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء زوجاته الميمونات رضي
الله عنهن أو من غيرهن إلا إذا استثنينا السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله وبنت
السيدة الطاهرة خديجة رضي الله عنهما ولم تنله قبلها إلا امرأتان عظيمتان ممن اختار
الله تعالى هما مريم بنت عمران والسيدة آسية بنت مزاحم.
ص 17
فقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خط رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) في الأرض أربعة خطوط وقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة
بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. وفي البخاري عن علي كرم
الله وجهه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خير نسائها مريم وخير نساءها خديجة.
وهذه منزلة استحقتها ونالتها أم الزهراء عن جدارة، فقد قدمت لله كل ما تملك وضحت في
سبيله لكل غال وعزيز وشدت من أزر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تتخل عن
مساعدته ومعاونته وسوف يتضح ذلك من خلال معالجة حياة الزهراء وأثرها في حياة
ابنتها.
ص 18
الزواج المبارك وثمرته عم السرور أنحاء مكة حين ذاع خبر خطبة الأمين محمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) لخديجة بنت خويلد، وأصبحت أخبار هذا الزواج المرتقب تستأثر
بمجتمعات مكة وأنديتها، وغبطت النساء الثيبات والأبكار خديجة بهذا الزوج الكريم
الذي كانت تطلع إليه العيون وتحفوا إليه القلوب من بنات قريش. فما كان في شباب مكة
أنضر شبابا ولا أطهر قلبا ولا أحزم رأيا ولا أصوب قولا ولا أعلى مكانة ولا أكبر
شرفا من الأمين الذي استحوذ على القلوب بجميل صفاته وعظيم أخلاقه ورفعة نسبه وكمال
صدقه وأمانته. وحدد يوم الزفاف فأقيمت الأفراح ونحرت الإبل ونصبت الجفان وحضرت
السادة والكبراء والشباب، وعمت المباهج والمسرات بيوت مكة التي كانت تعد محمدا (صلى
الله عليه وآله وسلم) أكرم أبنائها وأفضل شبابها وأبنائها، وتسابق القوم في نحر
الإبل وذبح الذبائح وتهيئة الطعام ومدت الأسمطة ونثرت
ص 19
القصاع وأكل الناس جميعا حتى شبعوا وطربوا وغمرهم السرور وأشرقت السعادة في القلوب،
فما في مكة رجل ولا امرأة ولا شاب ولا فتاة إلا شارك بهذه المناسبة العزيزة، وبلغ
الفرح مداه فأي حديث أعظم في نظرهم من هذا الحديث، إذا لم تسعد مكة بهذا الزواج
فبأي زواج غيره تسعد، وبأية مناسبة غيرها تطرب وتفرح وتلعب؟ ومضت الحياة بالزوجين
الكريمين هانئة سعيدة طيبة، ووجد محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في
خديجة عطف الزوجة وحنانها وبرها ووفاءها، فكانت له نعم الزوج مودة ورحمة، وكان لها
خير الأزواج عطفا وحنانا، ولقد ملأ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها الدنيا
وأحست بالسعادة تملأ البيت وتفيض على قلبها ونفسها. وقد كانت تعلم أنها تزوجت رجلا
ليس كسائر رجال مكة، بل لا مثيل له ولا مشابه في الجزيرة العربية كلها، إنه رجل لا
يأنس إلى خمر ولا لجأ إلى جوار صنم ولا ينتظم به مجلس ميسر ولا تستخف بعقله مباهج
الحياة وإغراءاتها التي جذبت أكثر أبناء مكة من رجال ونساء. وجدت خديجة نفسها أمام
شخصية فذة محت ما علق بذهنها من خيال، إن ذكرت الأخلاق وما يتحلى به الرجال من صفات
فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلغ أعلى درجات الكمال الإنساني، وإن ذكرت
الرجولة والحكمة فليس في الوجود من هو أملك لها من زوجها، لقد وجدت فيه من آيات
الرجال وصفاتهم ما لم تر فيمن عرفت، بل ما لم تسمع بمثله أبدا عند أحد من
ص 20
الرجال أنه رجل راجح العقل طيب القلب نقي السريرة له همة تعجز أن تقف في طريقها
جبال مكة وبطحاؤها بل همة تسع العالم كله. إنه شخص حين يعرفه من يتصل به يحس على
الفور أنه رجل يعد لرسالة عظمى ولهذا كان في إحساس خديجة وشعورها إيمان قاطع بأن
محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) هو نبي هذه الأمة، ولكن متى سيكون ذلك وكيف يكمل
الاتصال بينه وبين ربه وما هو الأمر غير العادي الذي سيكون على يديه؟! كان الزوج
يحب الخلوة فما اعترضت الزوجة وهي زوجة على مثل هذه الخلوات بل إنها هي التي كانت
تعد له زاده ليستعين به على الخلوة. الخلوة إلى النفس، زاد كل إنسان عابد متعلق
بربه إنه يخلو إلى نفسه ويخلصها من كل ما يشغله من مشاغل الحياة ويجلس وحده يتفكر
في آلاء الله ونعمه ويكثر من ذكره ويعمر قلبه بزاد من الخوف والرجاء، الخوف من الله
تعالى القادر المقتدر، والرجاء في رحمته ورضوانه. وكأن محمدا (صلى الله عليه وآله
وسلم) كان يعد نفسه لتلك الرسالة العظمى التي سوف تخرج الناس من الظلمات إلى النور،
ولكن الله عز وجل هو الذي كان يعده لهذا الدور العظيم، وكانت عين الله ترعاه في كل
خطوة ليحمل شرف هذه الرسالة العظيمة التي كانت بانتظاره على أحسن ما يكون الحمل
وأكمل ما يكون عليه البلاغ. وكانت الزوجة الطاهرة الوفية المطيعة تعرف حجم ما يدور
في فؤاد زوجها وتقدر تلك المسؤولية المنتظرة وتعرف مطالبها وتوطد نفسها لتعينه
ص 21
على أدائها وتنقضي الأيام وتتعاقب وخديجة تحرص على ألا تشغله بصغائر الأمور وتهيئ
له الجو المناسب لتعبده وخلوته. ولاحت بوادر الحمل ففرحت خديجة فرحا شديدا، فما
كانت امرأة في قريش أشد لهفة على الحمل منها وكيف لا تكون فرحتها عظيمة وهي زوجة
للصادق الأمين زين شباب مكة وقد ناهزت الأربعين وزفت إلى زوجها الكريم، بشرى حملها
الذي استمرت متاعبه واستخفت ثقله فظلت طوال شهوره التسعة تعد دنياها لاستقبال
الوليد وتختار له المرضع قبل أن يولد كما جاء في الإصابة لابن حجر. وجاءت اللحظة
الحاسمة، ومضت فترة من الوقت والأب الكريم في انتظار أن تزف إليه البشرى وكله شوق
إلى رؤية الفلذة الحية من صلبه، يرى حبة القلب التي سوف تمشي على الأرض ولم يمض وقت
طويل حتى جاءته القابلة وبشرته بمولودته الأنثى، فخفق لها قلبه وفرح بالهبة
الربانية الكريمة، وحمد الله على ما حباه من الولد وأجزل له الشكر على سلامة زوجته
الغالية. ثم ما لبث أن سماها زينب. ولم يحزن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن
الله رزقه بأنثى كما كان يفعل الجاهليون فقد استقبلها بفرح وسعادة ونحرت الذبائح
احتفالا بمولودها، وقد أضفت على البيت مزيدا من الإشراق والبهجة على إشراقه وبهجته
بالزوجين السعيدين.
ص 22
ولم يطل المقام بزينب في البيت وحدها فقد حملت أمها مرة أخرى وما هي إلا شهور وقد
استقبل البيت مولودة جديدة هي رقية، واستقبلها الأبوان بنفس راضية مطمئنة، فهما على
صلة وثيقة بالوهاب المنان خالق الخلق، وقد عدوا ذلك هبة طيبة من الله تعالى وخيرا
وبركة. ثم جاءت الثالثة من بعدهما أم كلثوم، وكان الظن أن يضيق الأبوان بمولد أنثى
ثالثة في بيئة مفتونة بالبنين ولكنهما يدركان أن الأمر في هذا لله وحده وما كانا
ليجحدا نعمته عليهما، ومن ثم أقبلا على طفلتهما الثالثة شاكرين لله ما أعطى، طامعين
مع هذا في مزيد من كرمه. ومرت الأيام والزوجان الكريمان والبنات الثلاث يرفلن في
حلل السعادة والنعيم، وكانت الفتيات الصغيرات ينحلن من ناحل الحب ويشربن من ينبوع
السعادة المنير الفياض (1).
(هامش)
(1) إنها فاطمة الزهراء ص 52، المنار - دمشق، تأليف محمد عبدة يماني. (*)
ص 23
الباب الأول
في ولادتها واسمها وكنيتها
ذكر المحدث الجليل علامة دهره المجلسي (قدس
سره) أنها صلوات الله عليها ولدت قبل الفيل بخمسة عشر سنة. واسمها الشريف: خديجة
بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها
فاطمة بنت زائدة بن الأصم، وينتهي نسبها إلى لؤي بن فهر بن غالب.
وأما كنيتها:
فإنها كانت تكنى أم هند (1). وذكر هذه الكنية أبو الفرج الأصفهاني (2). وذكر
الهيثمي وكانت في الجاهلية الطاهرة (3). وذكر الزرقاني في شرحه: وكانت تدعى في
الجاهلية بالطاهرة لشدة
(هامش)
(1) البحار 16 / 12. (2) الأغاني 16 / 145، دار الفكر - بيروت. (3) مجمع الزوائد 9
/ 218. (*)
ص 24
عفافها، وكانت تسمى سيدة نساء قريش (1). وذكر مثله في السيرة الحلبية (2). وعن ابن
حجر العسقلاني: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدية زوج النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم). وقال الزبير بن بكار: كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة، وأمها
فاطمة بنت زائدة قرشية من بني عامر بن لؤي (3). وعن الذهبي: خديجة أم المؤمنين
وسيدة نساء العالمين في زمانها أم القاسم ابنة خويلد بن أسد (4). وعن المحقق المحدث
الأربلي (رحمه الله): إنها ولدت قبل الفيل بخمسة عشر سنة (5). ومثله في أعيان
الشيعة (6). وعن ابن الجوزي في المنتظم: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن
قصي وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم (7)
(هامش)
(1) شرح المواهب اللدنية 1 / 199. (2) السيرة الحلبية 1 / 137. (3) الإصابة في تميز
الصحابة 4 / 281، دار إحياء التراث - بيروت. (4) سير أعلام النبلاء 2 / 109، مؤسسة
الرسالة، بيروت. (5) كشف الغمة في معرفة الأئمة 1 / 13. (6) أعيان الشيعة 6 / 308،
دار التعارف - بيروت. (7) المنتظم 2 / 316. (*)
ص 25
وعن الفقيه الكبير والرجالي المعروف المامقاني (رحمه الله):
وهي خديجة بنت خويلد بن
أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية وأمها فاطمة بنت زائدة بنت الأصم كانت
تدعى في الجاهلية الطاهرة (1) ومثله في أسد الغابة. وعن أبي الفرج الأصفهاني: تكنى
أم هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن
هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي (2). وعن الفقيه والرجالي ملا
علي العلياري (رحمه الله): خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية
الأسدية وأمها فاطمة بنت زائدة بنت الأصم (3). وعن الدولابي: هي خديجة بنت خويلد بن
أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر.
أمها:
فاطمة بنت زيد بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن
لؤي. وأمها: هالة بنت عبد مناف بن الحرث بن عبد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن
لؤي.
(هامش)
(1) تنقيح المقال 3 / 77. (2) مقاتل الطالبيين ص 57 الشريف الرضي. (3) بهجة الآمال
في شرح زبدة المقال 7 / 576. (*)
ص 26
وأمها: قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. وأمها: عاتكة
بنت عبد العزى بن قصي. وأمها: روية بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
وأمها: قيلة بنت رواقة بنت جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. وأمها: أميمة بنت
عامر بن الحرث بن فهر (1). وذكر العلامة الكبير السيد ناصر حسين الهندي: خديجة بنت
خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي (2). وعن النسابة الشهير جمال الدين أحمد بن علي
الداودي الحسيني: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن عبد مناف (3).
أقول:
هذا
خلاف ما هو المعروف والمشهور من أن عبد العزى بن قصي وعبد مناف وعبد العزى أخوة
وأبوهم قصي، ولهذا قالوا بأن خديجة بنت عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسوف
يأتي في بعض الأخبار تخاطبه: يا بن العم، ولعل هذا اشتباه من الناسخ، والله العالم
بحقائق الأمور.
(هامش)
(1) الذرية الطاهرة ص 44، جماعة المدرسين - قم. (2) إفحام الأعداء والخصوم ص 131،
المطبعة العلمية - قم. (3) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 36، الشريف الرضي -
قم. (*)
ص 27
الباب الثاني
في تزويجها صلوات الله عليها
ذكر الشيخ الصدوق قدس سره الشريف: وخطب
أبو طالب (رحمه الله) لما تزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خديجة بنت خويلد
رحمها الله بعد أن خطبها إلى أبيها، ومن الناس من يقول: إلى عمها، فأخذ بعضادتي
الباب ومن شاهده من قريش حضور، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية
إسماعيل وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء وجعلنا الحكام على
الناس في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بن عبد
الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح، ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه
وإن كان في المال قل فإن المال رزق عائل وظل زائل وله خطر عظيم وشأن رفيع ولسان
شافع جسيم.
ص 28
فزوجه ودخل بها من الغد، فأول ما حملت ولدت عبد الله بن محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) (1). وذكرها الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف (2)، وأيضا الطبرسي (3)،
ذكرها السيد الجليل صدر الدين علي خان المدني قال: وله والله بعد نبأ شايع وخطب
جليل . وذكر السيد (قدس سره):
قالت الإمامية:
ومما يدل على إيمانه خطبة النكاح. أفتراه يعلم نبأه الشايع وخطبه الجليل ثم يعانده ويكذبه وهو من أولي الألباب؟ هذا
غير سائغ في العقول (4). وعن شيخ الطائفة الطوسي (قدس سره) في أعمال شهر ربيع الأول
ويوم العاشر منه تزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخديجة بنت خويلد وله يومئذ
خمسة وعشرين سنة (5). وعن الشيخ الطبرسي (قدس سره): أول امرأة تزوجها رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، تزوجها وهو
ابن خمس وعشرين سنة، وكانت قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي فولدت له جارية،
(هامش)
(1) من لا يحضره الفقيه 3 / 251، دار الأضواء - بيروت. (2) رسالة في المهر 9 / 29
ضمن مصنفات الشيخ المفيد، قم. (3) مكارم الأخلاق ص 205، الشريف الرضي - قم. وذكرها
ابن المغازلي في المناقب: ص 332 والعاصمي في العسل المصفى: ج 1 ص 154. (4) الدرجات
الرفيعة في طبقات الشيعة ص 51، بصيرتي - قم. (5) مصباح المتهجد ص 550 الأعلمي -
بيروت. (*)
ص 29
ثم تزوجها أبو هالة الأسدي فولدت له هند بن أبي هالة، ثم تزوجها رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) وربى ابنها هندا... وذكر قريب ما تقدم (1).
وأما النزاع: هل
هي متزوجة أو لا؟
ذهب المشهور للأول والأمر سهل ولا نتيجة تترتب على هذا النزاع كما
ذكر الفقيه الكبير المامقاني في رجاله. وذكر المجلسي (قدس سره): كانت خديجة بنت
خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله
لهم منه، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في
مالها تاجرا إلى الشام وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال
له ميسرة، حتى أقدم الشام فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ظل شجرة
قريبا من صومعة راهب، فأطلع الراهب إلى ميسرة. فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه
الشجرة؟ فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه
الشجرة إلا نبي. ثم باع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلعته التي خرج فيها
واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة، وكان ميسرة فيما يزعمون
قال:
(هامش)
(1) إعلام الورى ج 1 ص 274 مؤسسة آل البيت. (*)
ص 30
إذا كانت الهاجرة واشتد الحر نزل ملكان يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، فلما
قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا. وحدثها ميسرة عن قول
الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين، فبعثت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فقالت له - فيما يزعمون -: يا بن عم قد رغبت فيك لقرابتك مني وشرفك في قومك
وسطتك فيهم وأمانتك عندهم وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، كانت خديجة
امرأة حازمة لبيبة وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا، وكل قومها
قد كان حريصا على ذلك لو يقدر عليه، فلما قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ما قالت ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد
بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1). وذكرت قصة
الغمامة لتي تظله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
فراجع (2)، وأيضا الحر العاملي قدس سره الشريف (3). وفي الكافي عن عبد الرحمن بن
كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) أن يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى
دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة فابتدأ أبو
(هامش)
(1) البحار 16 / 8. (2) التفسير للإمام العسكري (عليه السلام) ص 155، مدرسة الإمام
المهدي - قم. (3) إثبات الهداة 2 / 151. (*)
|