ص 46
[والتسوية بين الاولاد في العطية. ويكره الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها، والزوج
لزوجته، وقيل: يجريان مجرى ذوي الرحم. والاول أشبه.]
الرحم واجبة عينا على رحمه.
وليس المراد منها مجرد الاجتماع البدني، بل ما تصدق معه الصلة عرفا، وقد يتوقف ذلك
على المعونة بالمال حيث يكون الرحم محتاجا والاخر غنيا لا يضره بذل ذلك القدر
الموصول به، بل قد يتحقق الصلة بذلك وان لم يسعإليه بنفسه، كما ان السعي إلى زيارته
بنفسه غير كاف فيها مع الحاجة على الوجه المذكور. قوله: والتسوية بين الاولاد في
العطية . المراد بالتسوية معناها الظاهر، وهو جعل أنصباء الاولاد متساوية، ذكورا
كانوا أم إناثا أم بالتفريق. فيعطى الانثى مقدار ما يعطى الذكر وان كان له ضعفها في
الارث، لقوله صلى الله عليه وآله: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا
أحدا لفضلت البنات (1). وقد تقدم (2) البحث في ذلك وما يستثنى منه. قوله: ويكره
الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها... الخ . أما جواز رجوع أحدهما في هبة الآخر
فلدخوله في عموم الاخبار السابقة (3) الدالة على جواز الرجوع فيها مطلقا عدا ذي
الرحم، وليسا من ذويه، واستصحابا للحكم السابق. وأما الكراهة فلقول النبي صلى الله
عليه وآله في صحيحة الحلبي (4) وغيرها (5) من الروايات: مثل الذى يرجع في هبته
كالذى يرجع في قيئه .
(هامش)
(1 و2) ص: 28. (3) في ص: 30، 34، 35. (4) التهذيب 9: 155 ح 635، الاستبصار 4: 109 ح
419، الوسائل 13: 316 ب 11 من ابواب الوقوف والصدقات ح 4 ولكنها في الصدقة. (5)
راجع ص: 36، هامش (3)، والوسائل الباب المتقدم ح 2. (*)
ص 47
[...]
وإذا لم يدل ذلك على التحريم فلا أقل من الكراهة. وذهب جماعة من الاصحاب (1)
إلى عدم جواز رجوع احدهما كالرحم، لصحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه السلام أنه
قال: لا يرجع الرجل فيما يهبهلزوجته، ولا المرأة فيما تهبه لزوجها، حيز أو لم
يحز، لان الله تعالى يقول: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا)، وقال: (فإن
طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)، وهذا يدخل فيه الصدقة والهبة (2).
وهذا هو الاقوى، لصحة الرواية، فتكون الزوجية من اسباب اللزوم المستثناة من تلك
الاخبار الصحيحة بخصوصية هذا الخبر الصحيح، كما استثني الرحم بالخبر الآخر. ولا
يقدح فيه قوله: حيز أو لم يحز من حيث ان ظاهره اللزوم وان لم يقبض، لما تقدم من
دلالة الادلة على عدم لزومها قبل القبض قطعا، فتحمل هذه الحيازة على قبض آخر جديد
غير القبض الاول جمعا بين الادلة، ولعل من ذهب إلى الكراهة أعل هذا الخبر بذلك من
حيث إنه متروك العمل بالظاهر، أو لان ما دل عليه لا يقولون به وما يقولون به لا يدل
عليه. واما حديث القئ فلا خصوصية في دلالته على الزوجين بل يدل على كراهة الرجوع في
الهبة مطلقا، وان تناولهما من حيث العموم، إلا انه ليس وجها لتخصيص الكراهة بهما
وان صلح للدلالة في الجملة. ولا فرق في الزوجين بين الدائم وغيره، ولا بين المدخول
بها وغيره. والمطلقة رجعيا زوجة بخلاف البائن.
(هامش)
(1) التذكرة 2: 418، ايضاح الفوائد 2: 416 - 417، المقتصر: 212، جامع المقاصد 9:
161. (2) الاستبصار 4: 110 ح 423، الوسائل 13: 339 ب 7 من كتاب الهبات ح 1.
ورواه في الكافي 7: 30 ح 3، والتهذيب 9: 152 ح 624 باختلاف يسير. والآيتان في سورة
البقرة: 229 والنساء: 4. (*)
ص 48
أحكام الهبات :

[الثاني في حكم الهبات وهي مسائل: الاولى: لو وهب فأقبض ثم باع من آخر، فإن كان
الموهوب له رحما، لم يصح البيع. وكذا ان كان أجنبيا وقد عوض. أما لو كان أجنبيا ولم
يعوض، قيل: يبطل، لانه باع ما لا يملك. وقيل: يصح، لان له الرجوع. والاول أشبه.]
قوله: ولو وهب فأقبض ثم باع من آخر - إلى قوله - والاول أشبه . المراد بعدم
الصحة على تقدير لزوم الهبة - بكون المتهب رحما أو معوضا - عدم لزومه، بل يتوقف على
اجازة المتهب على مختار المصنف والاكثر في بيع الفضولي، لا الصحة المقابلة للبطلان،
لانه لا يقصر حينئذ عن الفضولي. والمراد انه مع لزوم الهبة لا ينفذ البيع، لكونه
تصرفا في ملك الغير. وأما مع جواز الرجوع فيه فهل يصح ويقوم مقام الرجوع والبيع معا
أم لا؟ قولان: أحدهما: - وهو الذى اختاره المصنف -: عدم الصحة بذلك المعنى، لان
بالعقد والقبض قد انتقل عن ملكه إلى ملك المتهب، وان كان انتقالا قابلا للزوال
بالفسخ، فبيعه قبل الفسخ وقع في ملك الغير فلم ينفذ. ولا يقدح كونه دالا على الفسخ،
لان غايته ان يكون فسخا موجبا لنقل الملك إليه، لكن هذا الانتقال لم يحصل الا
بالبيع، فيكون البيع واقعا قبل الانتقال، ضرورة تقدم السبب على المسبب فوقع على ملك
الغير، فلم يكن صحيحا. والثانى: الصحة وقيام العقد مقام الفسخ والعقد معا، لان ثبوت
الفسخ فرع
ص 49
[ولو كانت الهبة فاسدة صح البيع على الاحوال.]
صحة العقد في نفسه، لانه أثره، فلو
كان البيع فاسدا لم يترتب عليه أثره وهو الفسخ، مع الاتفاق على ان الفسخ يحصل بذلك،
وإنما الخلاف في حصولهما معابه، ولعموم أوفوا بالعقود (1). وفيه نظر، لانا نمنع
من توقف الفسخ على صحة العقد، بل على حصول لفظ يدل عليه، وايقاع البيع على هذا
الوجه يدل على إرادة الفسخ فيقتضيه، وان تخلفت صحة البيع من حيث اشتراط تقدم الملك
عليه. والاولى في الاستدلال على صحته: ان العقد يدل على إرادة الفسخ، والغرض من
الالفاظ المعتبرة في العقود الدلالة على الرضا الباطني لانه هو المعتبر، ولكن لما
لم يمكن الاطلاع عليه نصب الشارع الالفاظ الصريحة دالة عليه واعتبرها في صحة العقد
كما نبهوا عليه كثيرا في ابوابه. وحينئذ فالعقد المذكور يدل على تحقق إرادة الفسخ
قبل العقد، فيكشف العقد عن حصول الفسخ بالقصد إليه قبل البيع. أو نقول: إذا تحقق
الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب وكان العقد بمنزلة الفضولي، وقد
ملكها من إليه الاجازة، فلزم من قبله، كما لو باع ملك غيره ثم ملكه، أو باع ما رهنه
ثم فكه، ونحو ذلك، وأولى بالجواز هنا، لان بائع ملك غيره قد لا يقصد بيعه على تقدير
كونه مالكا له، بخلاف هذا، فانه قاصدا إلى البيع مطلقا كما لا يخفى. وكيف كان
فالاقوى صحة البيع والفسخ معا. ومثله يأتي في بيع ذى الخيار وبيع المدبر والموصى به
مطلقا، والمكاتب حيث يجوز فسخها، ونحو ذلك. قوله: ولو كانت الهبة فاسدة صح البيع
على الاحوال . المراد بالاحوال ما تقدم تفصيله من كون الهبة لرحم أو غيره، عوض
عنها أو لم يعوض. ويحتمل ان يريد به ما هو أعم من ذلك بحيث يشمل مع ذلك ما لو علم
بالفساد أو لم يعلم. ووجه الصحة في الجميع وقوع العقد من مالك جائز التصرف
(هامش)
(1) المائدة. (*)
ص 50

[...]
فيكون صحيحا.ويحتمل العدم على تقدير عدم علمه بالفساد، لانه لم يقصد نقله عن
ملكه، لبنائه على انه ملك لغيره، والعقود تابعة للقصود، ويجوز على تقدير علمه
بالفساد ان لا يبيع، وإنما أقدم على بيع مال غيره بزعمه. وعلى تقدير احتمال إرادته
البيع مطلقا فمجرد ايقاعه البيع أعم من قصده إليه على تقدير علمه بملكه وعدمه،
والعام لا يدل على الخاص، فالقصد إلى البيع على تقدير كونه مالكا مشكوك فيه، فلا
يكون العقد معلوم الصحة. ويمكن الجواب عن ذلك بأن إيقاع العقد باللفظ الصريح كاف في
الدلالة على القصد إليه شرعا، كما في نظائره من العقود، إذ لا يشترط في صحته العلم
بكونه قاصدا إلى ذلك اللفظ حيث يكون شرعيا، بل يحمل اطلاق لفظه حيث يتجرد عن قرائن
عدم القصد على كونه قاصدا. واحترزنا بتجرده عن قرائن عدمه عن نحو المكره والهازل
إذا أوقع عقدا، فإنا لا نحمل لفظه الصريح على القصد إليه، لدلالة القرائن على
خلافه. ويظهر من العبارة أن موضوعها ما لو كان جاهلا لعطف المسألتين الآتيتين عليه
مشبها لحكمهما بهما مع تصريحه بفرض جهله بالحال فيهما. ولو قيل بالرجوع إلى قوله في
ذلك كان حسنا، بمعنى أنه إن أخبر عن قصده إرادة البيع وإن كان مالكا صح. وإن قصده
لكونه فضوليا لم يصح على تقدير ظهور كونه مالكا، لعدم توجه قصده إلى البيع اللازم،
ولان هذا أمر لا يمكن معرفته الا منه، فيرجع إليه فيه كنظائره. واعلم أن العلامة في
القواعد ادعى الاجماع على صحة البيع بتقدير ظهور فساد الهبة، وعطف عليه حكم ما لو
باع مال مورثه. والاجماع ممنوع، مع انه في كتاب البيع من الكتاب المذكور نقل الخلاف
فيمن باع مال مورثه فبان موته، وان
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 1: 275، 124. (*)
ص 51
[وكذا القول فيمن باع مورثه، وهو يعتقد بقاءه.]
استوجه الصحة. قوله: وكذا القول
فيمن باع مال مورثه وهو يعتقد بقاءه . بمعنى انه يحكم بصحة البيع على تقدير ظهور
موت المورث حال البيع، وان البائع باع ما هو ملكه لحصول الشرط المعتبر في اللزوم
وهو صدور البيع عن مالك لامره. ويشكل بما مر من عدم قصده إلى البيع اللازم، بل انما
قصد بيع مال غيره وأقدم على عقد الفضولي، فينبغي أن يعتبر رضاه به بعد ظهور الحال،
خصوصا مع ادعائه عدم القصد إلى البيع على تقدير كونه ملكه. ولعل هذا أقوى لدلالة
القرائن عليه، فلا أقل من جعله احتمالا مساويا للقصد إلى البيع مطلقا فلا يبقى وثوق
بالقصد المعتبر في لزوم البيع. الا ان يقال: إن المعتبر هو القصد إلى البيع مطلقا،
ويمنع اعتبار القصد إلى بيع لازم بدليل صحة عقد الفضولي مع عدم القصد إلى بيع لازم،
وتوقفه على اجازة المالك أمر آخر، لان رضا المالك شرط في لزوم العقد لا في صحته في
نفسه، والامر هنا وقع من المالك، فاجتمع القصد إلى البيع والشرط وهو بيع المالك فلا
يفتقر إلى إجازة أخرى. والى مثل هذا نظر المصنف وجزم بصحة البيع. ومثله ما لو باع
مال غيره فظهر شراء وكيله له قبل البيع. واعلم ان الشهيد في الدروس لما نقل عن
الشيخ تساوى مسألتي فساد الهبة وبيع مال مورثه في الحكم بصحة البيع وان جهل الحال
قال: وقد يفرق بينهما بالقصد إلى صيغة صحيحة في مال المورث، بخلاف الموهوب (1).
ولا يخفى عليك فساد هذا الفرق، فان القصد إلى الصيغة الصحيحة بالمعنى المقابل
للباطل حاصل في المسألتين وبمعنى اللزوم منتف فيهما، فلا فرق بينهما أصلا كما لا
يخفى.
(هامش)
(1) الدروس: 237. (*)
ص 52
[وكذا إذا اوصى برقبة معتقة، وظهر فساد عتقه. الثانية: إذا تراخى القبض عن العقد ثم
أقبض، حكم بانتقال الملك من حين القبض، لا من حين العقد. وليس كذلك الوصية، فإنه
يحكم بانتقالها بالموت مع القبول، وإن تأخر.]
قوله: وكذا إذا أوصى برقبة معتقة
فظهر فساد عتقه . أي وكذا الحكم - وهو صحة الوصية - فيما لو أوصى برقبة من رقيقه
لاحد وقد كان اعتقها قبل الوصية ثم ظهر فساد عتقه لها وان الوصية صادفت ملكا، فيقع
صحيحة وان كانت بحسب الظاهر حال الوصية لم تكن صحيحة، لمصادفة الشرط وهو الملك في
نفس الامر حال الوصية. ويشكل بما مر، ويزيد هنا أنه - على تقدير كونه معتقا ظاهرا
ولم يتبين له حال الوصية فساد العتق - لا يكون قاصدا إلى الوصية الشرعية أصلا، بل
بمنزلة الهازل والعابث بالنظر إلى ظاهر حاله، فلا ينفعه ظهور ملكه بعد ذلك في نفس
الامر، بخلاف من باع مال غيره، فانه قاصدا إلى بيع صحيح شرعى، غايته انه جائز من
قبل المالك لكنه لازم من قبل المشترى، فهو عقد شرعى مقصود إليه ولو لم يقصد إلى
لزومه مطلقا، بخلاف الوصية بالعتق ظاهرا، فانها بحسب الظاهر باطلة، فلم يتوجه قصده
إلى وصية شرعية اصلا لعدم علمه بها. فالقول هنا بتوقفها على تجديد لفظ يدل على
إمضائها متعين، وهو في الحقيقة في قوة وصية جديدة، إذ لا ينحصر في لفظ مخصوص، بل كل
لفظ يدل عليها - كما سيأتي (1) - كاف، وهذا منه. واعلم أن ما ذكره الشهيد - رحمه
الله - في الدروس من الفرق بين مسألتي الهبة الفاسدة وبيع مال مورثه يتوجه في هذه
المسألة، كما أشرنا إليه كلا في تينك المسألتين، لان القصد في الوصية هنا لم يتوجه
إلى صيغة صحيحة بخلافهما كما قررناه، لكنه لم يذكر مسألة الوصية معهما كما ذكرها
المصنف والعلامة (2) فلم يقع فرقه في محله.قوله: إذا تراخى القبض عن العقد... الخ
.
(هامش)
(1) في ص: 116. (2) قواعد الاحكام 1: 275. (*)
ص 53
[...]
قد عرفت فيما سلف اختيار [المصنف] (1) ان القبض شرط لصحة الهبة لا للزومها
(2)، سواء قارن العقد أم تراخى، لان فوريته ليست بشرط، للاصل. وحينئذ فلو تراخى
القبض عن العقد لم يحصل الملك بدونه، وإنما يحكم بانتقال الملك إلى المتهب من حين
القبض لا من حين العقد، فيكون القبض ناقلا للملك حينئذ لا كاشفا عن سبقه بالعقد.
وتظهر الفائدة في النماء المتخلل بين العقد والقبض، وفي أمور أخر سبق (3) التنبيه
على بعضها. وهذا بخلاف الوصية، فان القبض فيها ليس شرطا لصحتها ولا جزءا، بل
للزومها بالموت مع قبول الموصى له الوصية وإن تأخر القبض عن الموت، بل عنه وعن
القبول، لاصالة عدم الاشتراط، والهبة خرجت عن الحكم بدليل خاص، وقد تقدم (4). واعلم
ان المصنف جزم بجواز تراخي القبض عن العقد، والامر فيه كذلك لما ذكرناه من أصالة
عدم اشتراط الفورية، والدليل الدال على اعتبار القبض أعم منه. وفي القواعد (5)
استشكل في حالة تراخيه، والاشكال مبني على القول بأن القبض شرط لصحة الهبة لا
للزومها، فيكون جزءا من السبب المصحح لها كالقبول، فاعتبر فوريته كما اعتبر فورية
القبول. وفيه: ان الجزئية لا تقتضي الفورية أيضا، إذ لا امتناع في تراخى بعض
اجزاءالسبب عن بعض، واعتبار الفورية في القبول جاء من دليل خارج عند من اعتبره،
نظرا منه إلى انه جواب الايجاب فيعتبر فيه ما يعد معه جوابا، ومع ذلك ففيه ما فيه
كما لا يخفى.
(هامش)
(1) من و فقط. (2 و4) لاحظ ص: 17 - 19. (3) في ص: 19. (4) قواعد الاحكام 1: 275.
(*)
ص 54
[الثالثة: لو قال: وهبت ولم أقبضه، كان القول قوله، وللمقر له إحلافه إن ادعى
الاقباض. وكذا لو قال: وهبته وملكته ثم أنكر القبض، لانه يمكن ان يخبر عن وهمه.]
قوله: ولو قال: وهبت ولم اقبضه... الخ . انما كان القول قوله لانه منكر له، إذ
الاصل عدم وقوعه. ولا يقدح في ذلك كونه شرطا لصحة الهبة، فيكون انكاره كدعوى
الفساد، وقد علم ان مدعي الصحة مقدم، للفرق بين الامرين، فان منكر الاقباض لا يدعي
فساد الهبة، إنما ينكر أمرا من الامور المعتبرة فيها وأنها لم تتحقق بعد كما لو
أنكر الايجاب أو القبول، وان اشترك الجميع في عدم صحة العقد بدونه. وانما لم يكن
الاقرار بالهبة إقرارا بالقبض مع كونه من أركانها المعتبرة في صحتها لان المعروف
شرعا من الهبة هو الايجاب والقبول خاصة، والقبض وان كان معتبرا في الصحة الا انه
خارج عن ماهيتها، وقد تقدم (1) في تعريف الهبة انه العقد المقتضي لتمليك العين...
إلى آخره، ولا شبهة في ان القبض امر آخر غير العقد، فالاقرار بأحدهما لا يقتضي
الاقرار بالآخر.ويفهم من قوله: وللمقر له إحلافه ان ادعى الاقباض أن تقديم قوله
في عدم الاقباض لا يوجب اليمين بمجرده، بل مع دعوى المقر له الاقباض. والامر فيه
كذلك، فان اليمين تكون لانكار ما يدعيه المدعي، فإذا لم يدع عليه الاقباض لا يلزمه
اليمين وان صدق اسم المنكر عليه قبل الدعوى المذكورة، إذ ليس كل منكر يتوجه عليه
اليمين بمجرد الانكار، بل لا بد من انضمام دعوى ما أنكره المنكر. قوله: وكذا لو
قال: وهبته وملكته... الخ . قد عرفت مما سبق (2) ان الاصحاب قد اختلفوا في ان
القبض هل هو شرط لصحة الهبة فلا يحصل الملك بدونه، أم للزومها خاصة فيحصل بدون
الملك الجائز
(هامش)
(1) في ص: 7. (2) في ص: 17. (*)
ص 55

[...]
رفعه بالفسخ قبله؟ وأن الهبة عبارة عن الايجاب والقبول، وان القبض خارج عن
ماهيتها وإن اعتبر في صحتها. وحينئذ فقول المقر: وهبته لا يقتضي الاقرار
بالملك، لجواز عدم الاقباض، فإذا أضاف إلى ذلك: ملكته نظر في أمر المقر، فان
كان ممن يرى أن الهبة لا تفيد الملك الا بالقبض حكم عليه بالاقباض حيث يقول:
وملكته وان لم يقر به بخصوصه، لان الملك مسبب عن الاقباض، فالاقرار بالمسبب
يستلزم الاقرار بالسبب، لانه لا يوجد بدونه فيكون كما لو أقر بالسبب. وان كان ممن
يرى حصول الملك بمجرد العقد لم يكن اقراره بالهبة إقرارا بالاقباض، لجواز ان يخبر
عن رأيه في ذلك، فلو فرض كون المقر له أو الحاكم الذى يتخاصمان إليه يرى الاقباض
شرطا في الملك لم يمكن الحكم على المقر بالاقباضبمجرد قوله: ملكته ، وان كان
عندهما ان الملك يستلزم الاقباض، لاختلاف الرأيين. وكذا لو اشتبه حال المقر ومذهبه،
لان المسألة اجتهادية وقد اختلف فيها أصحابنا وغيرهم (1)، فيجوز أن يكون أقراره
مبنيا على مذهب من لا يرى التلازم، فلا يكون اقراره بمجرده كافيا في الاقرار
بالقبض. نعم، لو علم من مذهب المقر توقف الملك على الاقباض بالاجتهاد أو التقليد
المتعين لمن يقول به، وأنه لم يتوهم خلافه، وحكم عليه بالاقباض حينئذ. وقول المصنف:
لانه يمكن ان يخبر عن وهمه يدل على اشتراط الامكان في عدم الحكم عليه بالاقباض
كما ذكرناه، فلو لم يمكن - كما لو علم مذهبة في المسألة - حكم عليه بمقتضى مذهبه.
وما ذكره المصنف من التعبير بإمكان إخباره عن وهمه أجود من قول غيره: لامكان أن
يعتقد رأي مالك وقول القواعد: إن اعتقد رأي مالك (3) لما عرفت
(هامش)
(1) راجع حلية العلماء 6: 48، المغني لابن قدامة 6: 274، البحر الزخار 4: 132. (2
/) قواعد الاحكام: 1: 275. (*)
ص 56
[...]
ان الخلاف فيه واقع بين اصحابنا، فلا يحتاج في ذلك إلى الخروج إلى مذهب مالك
علما ولا إمكانا. هذا ما يتعلق بتحرير العبارة. وبقي في المسألة بحث آخر وهو: أنك
قد عرفت أن التمليك من جملة العبارات المؤدية لايجاب الهبة وقبولها، فإذا قال في
الايجاب: ملكتك وفي القبول تملكت تحقق عقد الهبة وافتقر بعده إلى الاقباض
صحة أو لزوما، كما لو عبر بلفظ الهبة. وحينئذ فقوله: وهبته وملكته كما يحتمل
الملك المترتب على الاقباض أو على العقد المذكور عند بعض يحتمل أن يريد به أيقاع
صيغة الهبة خاصة، وأن يكون عطف التمليك على الهبة مؤكدا لها، ويكون حاصل الاقرار
أيقاع الهبة بلفظ التمليك، فلا يكون ذلك بمجرده إقرارا بالقبض على القولين، ولا
يحتاج إلى البناء على الخلاف المذكور في القبض. ولا يقال: ان حمله على ذلك يكون
تأكيدا لقوله: وهبته ، وحمله على حصول الملك المسبب عن العقد أو القبض معه يكون
تأسيسا بمعنى آخر، وفائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد كما هو المشهور، مضافا إلى
الاكثر في الاستعمال من اقتضاء العطف المغايرة المقتضية لكون مؤدى ملكته غير
مؤدى وهبته . لانا نقول: إن ألفاظ الاقارير لا تنزل على مثل هذه القواعد مع
احتمال الامرين، بل تعتبر فيها المعاني الظاهرة، وهذه اللفظة مشتركة بين الصيغة
وأثرها، فحملها على الثاني دون الاول ترجيح من غير مرجح، كما في الاقرار بلفظ
مشترك، فانه لا يدل على احد معنييه بدون القرينة. وحمل العطف على المغايرة مطلقا
ممنوع فإنه كما يجوز عطف الشيء على مباينه يجوز عطفه على مرادفه، كما هو محقق في
بابه. وعلى تقدير تسليم ظهور المعنى الثاني أو أغلبيته على الاول ينبغي ان يرجع
إليه في القصد، لا أن يتعين حمله على الغالب، كما نبهوا عليه في نظائره من
الاقراربلفظ يحتمل معنيين، فإنه يقبل من المقر أرادة أحدهما وأن حمل أطلاقه على
الغالب منهما، كما لو قال: له علي درهم ودرهم ودرهم فإنه يقبل منه دعوى إرادة
تأكيد
ص 57
[الرابعة: إذا رجع في الهبة وقد عابت لم يرجع بالارش. وإن زاد زيادة متصلة فللواهب.
وإن كانت منفصلة كالثمرة والولد، فإن كانت متجددة كانت للموهوب له، وإن كانت حاصلة
وقت العقد كانت للواهب.]
الثاني بالثالث (1)، وان كان العطف يقتضي المغايرة وكان
الغالب عدم التأكيد. ويمكن على هذا أن نقول: مع العلم بمذهب المقر في هذه المسألة
وأن التمليك عنده - بمعنى أثر العقد - لا يحصل الا بالقبض لو قال: وهبته وملكته
ثم قال: أردت بالثاني تأكيد الاول، أو وهبته بصيغة التمليك ولم أقبضه، قبل ولا يكون
ذلك وهما في المذهب ولو رأيا في حكم المقبض كالاول. وأولى منه ما لو قال ابتداء:
ملكته كذا من غير أن يقول قبله وهبته فإنه كما يحتمل الهبة المقبوضة يحتمل
إيقاع صيغة الهبة خاصة كما ذكرناه، فلا يكون إقرارا بالقبض لان احتمال المغايرة
والتأسيس منتف هنا، والاشتراك متحقق، والاغلبية لاحد المعنيين منتفية لغة وعرفا،
بخلاف الاول. وبهذا يظهر ما ذكره بعض الاصحاب (2) - من ان قوله ملكته مجردا
عنتقديم وهبته مثل قوله وهبته وملكته سواء فيأتي فيه البحث السابق خاصة،
لان التمليك يقتضي الاقباض على المشهور ويحتمل خلافه على الرأي الآخر - ليس بجيد،
بل الفرق بينهما متحقق، والحكم بعدم الاقرار بالقبض في التمليك المجرد متعين،
فتأمل. قوله: إذا رجع في الهبة وقد عابت لم يرجع... الخ . إذا رجع الواهب في
الهبة حيث يجوز له الرجوع - وذلك على مذهب المصنف وان تصرف، وعلى مذهب غيره ما لم
يتصرف تصرفا يمنع الرجوع - فلا يخلو: إما أن يجد العين بحالها لم تنقص ولم يزد ولم
تتغير، أو يجدها ناقصة بما يوجب الارش أو وبما
(هامش)
(1) في س : الثاني والثالث. (2) راجع جامع المقاصد 9: 174. (*)
ص 58
[...]
لا يوجبه، أو زائدة بما يوجب الارش كذلك أو بما لا يوجبه، أو يوجب زيادة في
القيمة، أو جامعة بين الامرين، متصلة تلك الزيادة أو منفصلة، مطلقا أو من وجه، أو
متغيرة بالامتزاج بالاجود أو الادنى أو المساوى، أو غيره من الاعمال كالنجارة
والقصارة والطحن، أو غير ذلك من التغيرات. والمصنف ذكر حكم بعض هذه الاقسام، وهو
حالة الزيادة والنقصان، فحكم بأنه أذا رجع وقد عابت - سواء كان العيب بزيادة أو
نقصان - لا يرجع بالارش، لانه حدث في غير مملوكة للمتهب، وقد سلطه مالكها على
إتلافها مجانا، فلم تكن مضمونة عليه، سواء كان العيب بفعله أم لا. ولا فرق عنده بين
الهبة المشروط فيها الثواب وغيرها في ذلك من حيث الاطلاق، وسيأتي (1) التصريح به
على تردد منه [في] (2) حالة الاشتراط. والحق ان هذه الصورة مستثناة من صور المعيب،
وسيأتي. وان كان التغير بزيادة في العين، فان كانت متصلة كالسمن وتعلم الصنعة فهي
للواهب، لانها تابعة للعين، بل داخلة في مسماها، أو جزء لها لغة وعرفا، فالرجوع في
العين يستتبعها. وان كانت منفصلة حسا وشرعا - كالولد الناتج، واللبن المحلوب،
والثمرة المقطوعة، والكسب - فهي للمتهب، لانها نماء حدث في ملكه من ملكه فيختص به.
وان كانت منفصلة شرعا مع اتصالها حسا، كالحمل المتجدد بعد القبض، واللبن كذلك قبل
ان يحلب، والثمرة قبل قطافها - فكذلك على الاقوى، لما ذكر. وقال ابن (3) حمزة: له
الرجوع في الام والحمل المتجدد، بناء على انه كالجزء من الام، والاظهر خلافه. ومثله
الصوف والشعر المستجز، ولو لم يبلغ أو ان جزه فالاجود تبعيته للعين. هذا كله إذا
كانت الزيادة قد حدثت بعد ملك المتهب للعين، وذلك بعد
(هامش)
(1) في ص: 62. (2) من الحجرية. (3) الوسيلة: 379. (*)
ص 59
[الخامسة: إذا وهب وأطلق، لم تكن الهبة مشروطة بالثواب.]
العقد والقبض، أما لو حدثت
قبله فهي كالموجودة قبل الهبة، فيرجع فيها كما يرجع في العين. قوله: إذا وهب
وأطلق... الخ .إذا وهب شيئا فلا يخلو: إما أن يشترط الواهب على المتهب الثواب - أي
التعويض عن الهبة - أو يشترط عدمه، أو يطلق. وعلى تقدير اشتراط الثواب لا يخلو: إما
ان يعينه بقدر مخصوص، أو يطلق. وعلى التقادير الاربعة: إما ان يكون المتهب أعلى من
الواهب، أو مساويا أو أدنى. فهذه اثنتا عشرة صورة. وتفصيل حكمها: انه مع اشتراط عدم
الثواب لا يلزم قطعا مطلقا، ومع اشتراطه يلزم ما شرطه مطلقا. ثم إن عينه لزم ما
عين، بمعنى أن المتهب إن دفع المشروط وإلا تسلط الواهب على الفسخ، وإن أطلق اشتراط
الثواب لزم أيضا الوفاء به، لكن إن اتفقا على قدر فذاك والا وجب إثابة مقدار
الموهوب مثلا (1) أو قيمة، ولا يلزمه الازيد وان طلبه الواهب، كما لا يجبر الواهب
على قبول الاقل. والمعتبر قيمة الموهوب عند القبض إذا وقع بعد العقد، ويحتمل عند
دفع الثواب. وإن أطلق الهبة ولم يشترط احد الامرين فالهبة جائزة من قبل الواهب الا
ان يثيبه المتهب بما يتفقان عليه، ومع الاختلاف يرجع إلى مثل الموهوب أو قيمته، كما
مر. ولا فرق في ذلك بين هبة الاعلى والمساوي أو الادنى على اصح الاقوال. وقال الشيخ
- رحمه الله -: ان مطلق الهبة في الاقسام الثلاثة يقتضي الثواب (2). ومقتضاه لزوم
بذله وان لم يطلبه الواهب، وهو بعيد. ويمكن أن يريد به جواز الرجوع في الهبة ما لم
يثب، كما لو شرطه، فيكون المراد أن لزومها إنما يتحقق به، فيكون كقول الاصحاب. وقال
أبو الصلاح: إن هبة الادنى للاعلى يقتضي الثواب فيعوض عنها بمثلها،
(هامش)
(1) في ب و م ونسخة بدل و: عينا. (2) المبسوط 3: 310، الخلاف 3: 568
مسألة (13). (*)
ص 60

[فإن أثاب، لم يكن للواهب الرجوع. وإن شرط الثواب صح، اطلق أو عين. وله الرجوع ما
لم يدفع إليه ما شرط،]
ولا يجوز التصرف فيها ما لم يعوض عنها، لاقتضاء العرف ذلك
(1). والاظهر خلافه، للاصل والعمومات. إذا عرفت ذلك فقول المصنف: إذا وهب وأطلق
لم تكن الهبة مشروطة بالثواب تنبيه على خلاف الشيخ وأبي الصلاح. وقوله: فإن
أثاب لم يكن للواهب الرجوع مفهوم شرطه ان له الرجوع مع عدم الاثابة، والحكم فيه
كذلك، حتى انه لو أراد الرجوع فبذل المتهب الثواب لم يجب عليه قبوله، بل يجوز له
الامتناع ليتمكن من الرجوع في هبته، لاصالة البراءة وإطلاق النصوص (2) الصحيحة
بجوازها ما لم يثب، ولا يتحقق الثواب الا مع قبوله لا مع بذله خاصة، لانه بمنزلة
هبة جديدة، ولا يجب عليه قبولها. وقوله: وإن شرط الثواب صح نبه به على خلاف بعض
العامة (3) حيث منع من اشتراطه بناء على أن الهبة لا تقتضي ثوابا، فإذا شرط فيها
أخرجها عن مقتضاها. وهو فاسد، لان المطلق لا ينافي المقيد، وإنما يتم لو قلنا إن
الهبة تقتضي عدم الثواب،فإذا شرطه كان منافيا لمقتضاها، وفرق بين عدم اقتضاء الثواب
واقتضاء عدمه. وقوله: أطلق أو عين نبه به على خلاف بعضهم (4) ايضا حيث منع من
اشتراط المعين، وآخرين (5) حيث منعوا من اشتراط المبهم. وعندنا ان الكل جائز،
للاصل، ولان الهبة من العقود المبنية على المغابنة فلا يضر فيها الجهالة في عوضها،
فكذا في شرطه، ولانضباطه بالقيمة مع الاختلاف. وقوله: وله الرجوع ما لم يدفع إليه
ما شرط شامل للامرين معا. ودفع
(هامش)
(1) الكافي في الفقه: 328. (2) الوسائل 13: 341 ب 9 من كتاب الهبات، وكذا 12:
217 ب 91 من ابواب ما يكتسب به ح 3. (3 و4 و5) راجع حلية العلماء 6: 58،
والمغني لابن قدامة 6: 332. (*)
ص 61
[ومع الاشتراط من غير تقدير يدفع ما شاء ولو كان يسيرا، ولم يكن للواهب مع قبضه
الرجوع.]
المشروط المعين واضح، والمطلق يرجع إلى قاعدته المقررة مما يقع به التراضي
أو مقدار المثل أو القيمة، لان ذلك يحصل به تأدي ما شرط. وقوله: ومع الاشتراط من
غير تقدير يدفع ما شاء ولو كان يسيرا مقيدا برضا الواهب به، إذ لو امتنع من قبوله
تخير بين رد العين وبذل قيمتها أو مثلها كما مر (1). وعلى كل حال لا يتعين عليه ذلك
ولا على الواهب قبوله، لكن لو أراده الواهب وأراد المتهب دفع الثواب ولم يرد العين
فحكمه كما ذكرناه. والحاصل انه لا يجب على المتهب دفع عوض بخصوصه، بل ولا دفعه
مطلقا إذا رد العين، فإذا دفع عوضا ورضي به الواهب صح وامتنع الرجوع مع قبضه، قليلا
كان أم كثيرا، والا تخير المتهب بين دفع الموهوب وعوض مثله، لانصراف الاطلاق إليه
عادة. وقوله: ولم يكن للواهب مع قبضه الرجوع يفهم منه جواز رجوعه متى لم يقبضه
وان بذله المتهب. والامر فيه كذلك، وقد تقدم (2). ولا ينافيه عموم الامر (3)
بالوفاء بالعقود، ولا قول أبي عبد الله - عليه السلام - في صحيحة عبد الله بن سنان:
تجوز الهبة لذوى القربى والذي يثاب من هبته، ويرجع في غير ذلك (4) كما زعم
بعضهم (5)، لان عموم الوفاء بالعقود مقيد بغير الجائزة منها، وقد عرفت (6) دلالة
النصوص الصحيحة على جواز هذا العقد على هذا الوجه إذا سلم دلالة الوفاء على المضي
فيها مطلقا، والاثابة في الخبر لا يتحقق إلا بالاتفاق عليها لا بمجرد بذلها،
ولميحصل هنا.
(هامش)
(1) في ص: 59. (2) في الصفحة السابقة. (3) المائدة: 1. (4) التهذيب 9: 158 ح 650،
الاستبصار 4: 108 ح 414، الوسائل 13: 338 ب 6 من ابواب احكام الهبات ح 1. (5)
راجع جامع المقاصد 9: 177. (6) في الصفحة السابقة. (*)
ص 62
[ولا يجبر الموهوب له على دفع المشترط، بل يكون بالخيار. ولو تلفت والحال هذه أو
عابت، لم يضمن الموهوب له، لان ذلك حدث في ملكه. وفيه تردد.]
وقوله: ولا يجبر
الموهوب على دفع المشترط، بل يكون بالخيار أي بين دفع المشترط ورد العين كما مر
(1). ومقتضاه أنه لا يجب عليه الوفاء بالشرط، وهو إما بناء على عدم وجوب الوفاء
بالشرط في العقد اللازم مطلقا، بل يفيد اشتراطه جعل العقد عرضة للفسخ على تقدير
امتناع المشروط عليه منه، وقد تقدم (2) الكلام فيه، أو بناء على أن هذا العقد من
العقود الجائزة خصوصا من جهة الواهب، فلم يجب الوفاء بالشرط فيه كما لا يجب الوفاء
بأصله. ويشكل بأنه من طرف المتهب لازم، فلا يجوز له الفسخ بنفسه وإن لم يبذل
المشروط، وتخيره بين بذل العين والثواب المشروط لا ينافيه، وانما يظهر جوازه من قبل
الواهب خاصة. قوله: ولو تلفت والحال هذه... الخ . ضمير تلفت وعابت يرجع إلى
الهبة بمعنى الموهوب، لانها هي المذكورة سابقا. ويمكن عوده إلى العين الموهوبة
المدلول عليها بالمقام. وحاصل الامر: ان العين الموهوبة المشروط فيها الثواب لو
تلفت في يد المتهب أو عابت قبل دفع العوض المشترط وقبل الرجوع - سواء كان ذلك بفعله
كلبس الثوب أم لا - فهل يضمن المتهب الارش أو الاصل، أم لا، قولان: أحدهما: عدم
الضمان، وهو الذى اختاره المصنف ثم تردد فيه، وجزم به العلامة في التذكرة (3) وولده
في الشرح (4)، لما ذكره المصنف من العلة، وهو ان ذلك النقص حدث في ملك المتهب فلم
يلزمه ضمانه، ولان المتهب لا يجب عليه دفع
(هامش)
(1) في ص: 95. (2) في ج 3: 274. (3) التذكرة 2: 422. (4) ايضاح الفوائد 2: 420. (*)
ص 63
[...]
العوض كما مر، بل للواهب الرجوع في العين، فالتفريط منه حيث تركها في يد
منسلطه على التصرف فيها مجانا. والثانى: الضمان، جزم به ابن الجنيد (1) من
المتقدمين وبعض المتأخرين (2)، لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي (3) ولانه لم
يقبضها مجانا بل ليؤدي عوضها فلم يفعل، ولان الواجب احد الامرين ردها أو دفع العوض،
فإذا تعذر الاول وجب الثاني. واجيب عن دليل الاولين بأنه لم يدخل في ملكه مجانا بل
بشرط العوض، وذلك معنى الضمان. وعدم وجوب دفع العوض ان اريد به عدم وجوبه عينا لم
يلزم منه نفي الوجوب على البدل الذى هو المدعى، وحينئذ فإذا تعذر احد الامرين
المخير فيهما وجب الاخر عينا. وان اريد عدم الوجوب أصلا فهو ممنوع. وهذا هو الوجه.
إذا تقرر ذلك وقلنا بالضمان مع التلف فهل الواجب مثل الموهوب أو قيمته، أو أقل
الامرين من ذلك ومن العوض؟ وجهان أجودهما الثاني، لما عرفت من أن المتهب مخير بين
الامرين، والمحقق لزومه هو الاقل، لانه إن كان العوض الاقل فقد رضي به الواهب في
مقابلة العين، وان كان الموهوب هو الاقل فالمتهب لا يتعين عليه العوض بل يتخير بينه
وبين بذل العين، فلا يجب مع تلفها اكثر من قيمتها. وهذا هو الاقوى. ووجه اعتبار
القيمة مطلقا: ان العين مضمونة حينئذ على القابض، فوجب ضمانها بالقيمة. وفيه: انه
مسلط على اتلافها بالعوض، فلا يلزمه أزيد منه لو كان
(هامش)
(1) حكاه العلامة في مختلف الشيعة: 487. (2) كالشهيد في الدروس: 237، والمحقق في
جامع المقاصد 9: 177. (3) عوالي اللئالى 1: 224 وغيره، ومستدرك الوسائل 14: 7 ب 1
من كتاب الوديعة ح 12 و 1 من كتاب الغصب ح 4، ومسند احمد 5: 12، سنن أبي داود
3: 296 ح 3561 وغيرها. (*)
ص 64
[السادسة: إذا صبغ الموهوب له الثوب، فإن قلنا: التصرف يمنعمن الرجوع فلا رجوع
للواهب، وإن قلنا: لا يمنع إذا كان الموهوب له أجنبيا، كان شريكا بقيمة الصبغ.]
أنقص. ولا فرق على الوجهين بين القول بأن رجوع الواهب في الهبة المشروط فيها العوض
منوط بعدم دفع العوض مطلقا وقبوله له كما هو الاصح، وقد عرفته فيما سلف (1)، أو مع
امتناع المتهب من دفع العوض، لان تمليك الواهب له وتسليطه على الاتلاف بالعوض - مع
كونه اقل من القيمة - يقتضي عدم الزيادة على على كل تقدير. هذا كله حكم الضمان على
تقدير التلف. وأما أرش العيب فهو التفاوت بين قيمتها يوم ردها وقيمتها يوم قبضها
بعد العقد، لان ذلك هو القدر المضمون عليه حيث تكون العين مضمونة. واعلم ان موضع
الاشكال في كيفية الضمان إنما هو مع شرط عوض معين، كما يظهر ذلك من تعليل أقل
الامرين، أما مع الاطلاق فالواجب هو المثل أو القيمة لا غير إذا لم يرض الواهب بما
دونها، لان ذلك هو مقتضى اشتراط العوض مطلقا. قوله: إذا صبغ الموهوب له... الخ .
إذا رجع الواهب في هبته فوجد المتهب قد عمل فيها عملا، وجوزناه مع التصرف مطلقا كما
ذهب إليه المصنف، فلا يخلو: اما ان يكون صفة محضة كقصارة الثوب وطحن الحنطة، أو
عينا محضة كغرس الارض، أو مترددا بينهما كصبغ الثوب. ثم اما ان تزيد قيمة العين
بمقدار قيمة الصنعة (2)، أو يزيد عنها، أو ينقص مع زيادتها عن قيمة العين خاصة، أو
تنقص. فإن زادت بمقدار القيمتين أو زادت
(هامش)
(1) لاحظ ص: 60. (2) كذا في ش . وفي و: الصفة. وفي ب، س : الصيغة، ولعلها
الصبغة، والاولى ما أثبتناه. (*)
ص 65

[السابعة: إذا وهب في مرضه المخوف وبرئ، صحت الهبة، وإن مات في مرضه ولم تجز الورثة
اعتبرت من الثلث، على الاظهر]
عنهما كان المتهب شريكا بنسبة قيمة عمله إلى قيمة
العين. فلو كان الثوب يساوىمائة فصبغه بعشرين، وصار يساوي مائة وعشرين أو أزيد، صار
شريكا بالسدس. ولو نقص عن القيمتين وكان النقص بسبب الصبغ خاصة فالذاهب على المتهب،
ولو لم يزد فلا شيء له، ولو نقص بسببه فهو كالعيب الحادث. وقد سبق في باب المفلس
(1) تفصيل جملة هذه الاقسام واحكامها، وكلها آتية هنا، فلتلحظ من هناك. والمصنف
اقتصر على بيان حكم الصبغ، ولا فرق بينه وبين القصارة والطحن عندنا، وان كان الامر
في الصبغ اقوى من حيث انه عين من وجه. واما العين المحضة كالغرس فلكل منهما ماله،
وليس لصاحب الارض اجبار الغارس على ازالته مجانا، بل يتخير بين الابقاء بالاجرة
والقلع مع دفع أرش النقصان، كما في العارية ونظائرها، لوضعه في الارض بحق. وقول
المصنف: كان شريكا بقيمة الصبغ المراد بنسبة قيمته إلى قيمة الثوب كما قررناه،
ليكون الزيادة عن القيمتين بينهما على النسبة، لا مقدار القيمة خاصة كما يظهر من
العبارة، لانه يقتضي كون مجموع الزيادة للواهب، وليس كذلك. ومثله يأتي في صورة
النقصان حيث لا يكون السبب من جهة الصبغ. قوله: إذا وهب في مرضه المخوف... الخ .
لا خلاف في ان المريض إذا برئ من مرضه ينفذ تصرفه مطلقا. وأما إذا اتفق موته في
مرضه، فإن كان المرض مخوفا بمعنى غلبة الهلاك معه فالاظهر أن منجزاته من الثلث حيث
لا يجيز الوارث. وقيل: يكون من الاصل. وسيأتي (2) تحقيق المسألة - ان شاء الله
تعالى - في الوصايا، وان الحق اعتبار اتصال المرض بالموت، سواء كان مخوفا أم لا.
(هامش)
(1) في ج 4: 113 - 115. (2) في ص: 304. (*)
ص 67
كتاب السبق والرماية :

ص 69
[كتاب السبق والرماية وفائدتهما: بعث العزم على الاستعداد للقتال، والهداية لممارسة
النضال. وهي معاملة صحيحة، مستندها قوله - عليه السلام - لا سبق الا في نصل أو خف
أو حافر وقوله عليه السلام: إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه، ما خلا
الحافر والخف والريش والنصل .]
قوله: وفائدتهما بعث النفس على الاستعداد
للقتال... الخ . لا خلاف بين المسلمين في شرعية هذا العقد، بل أمر النبي (1) - صلى
الله عليه وآله وسلم - به في عدة مواطن لما فيه من الفائدة المذكورة، وهي من أهم
الفوائد الدينية، لما يحصل بها من غلبة العدو في الجهاد لاعداء الله تعالى الذى هو
أعظم أركان الإسلام. وبهذه الفائدة يخرج عن اللهو واللعب المنهي عن المعاملة
عليهما، ومن ثم كان مقصورا على ما ورد النص بتسويغه. قوله: مستندها قوله صلى الله
عليه وآله: لا سبق الا في نصل أو خف أو حافر .هذه الرواية رواها العامة (2) في
الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله، ورواها اصحابنا (3) في الحسن عن الصادق عليه
السلام. والمشهور في الرواية فتح
(هامش)
(1) راجع الوسائل 13: 346 ب 1 و350 ب 4 من كتاب السبق والرماية. (2) مسند
أحمد بن حنبل 2: 474، سنن ابن ماجه 2: 960 ح 2878، سنن أبي داود 3: 29 ح 2574، سنن
النسائي 6: 226. (3) الكافي 5: 50 ح 14، الوسائل 13: 348 ب 3 من كتاب السبق
والرماية ح 1. (*)
ص 70
[...]
الباء من سبق وهو العوض المبذول للعمل كما سيأتي، وماهيته المنفية غير
مرادة، بل المراد نفي حكم من احكامها أو مجموعها بطريق المجاز كنظائره، وأقرب
المجازات إليه نفي الصحة، والمراد انه لا يصح بذل العوض في هذه المعاملة الا في هذه
الثلاثة، وعلى هذا لا ينفي جواز غيرها بغير تعويض. وربما رواه بعضهم بسكون الباء،
وهو المصدر، أي لا يقع هذا الفعل الا في الثلاثة، فيكون ما عداها غير جائز ومن ثم
اختلف في المسابقة بنحو الاقدام، ورمي الحجر، ورفعه، والمصارعة، وبالآلات التى
تشتمل على نصل، بغير عوض هل يجوز أم لا؟ فعلى رواة الفتح يجوز، وعلى السكون لا. وفى
الجواز مع شهرة روايته بين المحدثين موافقة للاصل، خصوصا مع ترتب غرض صحيح على تلك
الاعمال.
ص 71
الألفاظ المستعملة في السبق والرماية :

[وتحقيق هذا الباب يستدعي فصولا:الاول في الالفاظ المستعملة فيه فالسابق: هو الذي
يتقدم بالعنق والكتد. وقيل: بأذنه. والاول أكثر.]
قوله: فالسابق هو الذى يتقدم
بالعنق... الخ . المشهور بين الاصحاب وغيرهم ان السابق هو المتقدم بعنق دابته
وكتدها - بفتح التاء وكسرها - وهو العالي بين اصل العنق والظهر، ويعبر عنه بالكاهل.
وذهب ابن الجنيد إلى الاكتفاء بالاذن (1)، لقول النبي صلى الله عليه وآله: بعثت
والساعة كفرسي رهان، كاد أحدهما أن يسبق الاخر بأذنه (2). وأجيب بالحمل على
المبالغة، وان ذلك خرج مخرج ضرب المثل على حد قوله صلى الله عليه وآله: من بنى
مسجدا ولو كمحفص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة (3) مع امتناع بناء مسجد كذلك.
وبأن أحد الفرسين قد يكون هو السابق فيرفع رأسه فيتقدم أذن الاخر عليه. واعلم: ان
في كلا القولين اشكالا، لان السبق معنى من المعاني يختلف بحسب اللغة والعرف، وله
اعتبارات متعددة عند الفقهاء وغيرهم، فتارة يعتبرونه
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 484. (2) تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 7: 121.
(3) راجع الوسائل 3: 486 ب 8 من ابواب احكام المساجد، ح 2 و6، ومسند أحمد 1:
241. (*)
ص 72
[والمصلي: الذي يحاذي رأسه صلوي السابق. والصلوان ما عن يمين الذنب وشماله.]
بالقوائم، واخرى بالعنق، وثالثة به مع الكتد، ورابعة بالاذن، فإذا اطلق المتسابقان
العقد وجعلا العوض للسابق ففى حمله على بعض هذه المعاني دون بعض نظر، بل في صحة
إطلاق العقد كذلك، إلا ان يدل العرف على إرادة شيء منها فيحمل عليه، ولا كلام
فيه.قوله: والمصلي هو الذى يحاذي... الخ . فائدة الاحتياج إلى السابق ظاهرة، لان
العوض في الاغلب يبذل له وحده، وقد يشترك مع غيره، بأن يجعل السابق شيئا وللمصلي
شيئا آخر دونه، وهكذا، فيحتاج إلى معرفة اسماء المتسابقين إذا ترتبوا في الحلبة،
وقد جرت العادة بتسمية عشرة من خيل الحلبة، وهي المجتمعة للسباق، وليس لما بعد
العاشر منها اسم الا الذى يجئ آخر الخيل كلها، فيقال له الفسكل (1) بكسر الفاء
والكاف أو بضمهما.. فأول العشرة: المجلي، وهو السابق، سمي بذلك لانه جلى عن نفسه،
أي أظهرها، أو جلى عن صاحبه وأظهر فروسيته، أو جلى همه حيث سبق. والثانى: هو
المصلي، لما ذكره المصنف من انه يحاذي رأسه صلوي السابق، وهما العظمان الناتئان (2)
عن يمين الذنب وشماله. والتالى للمصلي هو الثالث. ويليه البارع، لانه برع المتأخر
عنه، أي: فاقه. والمرتاح هو الخامس، سمي به لان الارتياح النشاط، فكأنه نشط فلحق
بالسوابق. والسادس: الحظي، لانه حظي عند صاحبه حين لحق بالسوابق، أي: صار ذا حظوة
عنده أي: نصيب، أو في مال الرهان (3).
(هامش)
(1) راجع لسان العرب 11: 519. (2) في م : النابتان. (3) في الحجريتين: إلى نصيب.
ولعل الصحيح: نصيب أوفى في مال الرهان. (*)
ص 73
[والسبق - بسكون الباء -: المصدر، وبالتحريك: العوض، وهو الخطر.]
والسابع: العاطف
لانه عطف إلى السوابق، أي مال إليها، أو كر عليهافلحقها. والثامن: المؤمل، لانه
يؤمل اللحوق بالسوابق. والتاسع: اللطيم وزان فعيل بمعنى مفعول، لانه يلطم إذا اراد
الدخول إلى الحجرة الجامعة للسوابق. والعاشرة: السكيت مصغرا مخففا، ويجوز تشديده،
سمي به لسكوت ربه إذا قيل لمن هذا، أو لانقطاع العدو عنده. وقيل: ان السكيت هو
الفسكل، وهو آخر فرس يجئ في الرهان (1). قوله: والسبق - بسكون الباء -: المصدر،
وبالتحريك: العوض... الخ . السبق - بالسكون مصدر سبق - بالتحريك - غيره سبقا
ومسابقة. وفي التذكرة (2) جعله مصدر سبق ، وفي الصحاح (3) جعله مصدر سابق ،
وكلاهما صحيح الا ان الثاني أوفق بالمطلوب هنا، لان الواقع في معاملته كون العمل
بين اثنين فصاعدا، فباب المفاعلة به أولى. وأما السبق بالتحريك فهو العوض
المبذول للسابق وما في معناه، ويقال له الخطر بالخاء المعجمة والطاء المهملة
المفتوحتين، و الندب بالتحريك ايضا، و الرهن ومنه أخذ الرهان لهذه المعاملة.
(هامش)
(1) جمهرة اللغة 3: 1272. (2) تذكرة الفقهاء 2: 354. (3) الصحاح 4: 1494. (*)
ص 74
[والمحلل: الذي يدخل بين المتراهنين، إن سبق أخذ، وإن سبق لم يغرم. والغاية: مدى
السباق. والمناضلة: المسابقة والمراماة.]
قوله: والمحلل الذى يدخل بين المتراهنين
ان سبق أخذ، وان سبق لم يغرم . والمحلل هو الذى يدخل بين المتراهنين ولا يبذل
معهما عوضا، بل يجرى فرسه بينهما أو على أحد الجانبين على وجه يتناوله العقد.
وحكمه: انه ان سبق اخذ العوض المبذول للسابق، وان سبق لم يغرم شيئا. وسمي محللا لان
العقد لا يحل بدونه عند ابن الجنيد (1) منا والشافعي (2)، أو يحل به اجماعا بخلاف
ما إذا خلا عنه، فإن فيه خلافا، وسيأتي (3) تحريره. قوله: والغاية مدى السباق .
غاية الشيء منتهاه. والمراد بمدى السباق هنا منتهاه لا مجموع مسافته، كما يظهر من
المدى. قال في القاموس: المدى - ك فتى -: الغاية (4). وفي نهاية ابن الاثير:
غاية الشيء مداه ومنتهاه (5). ويظهر منه ان المدى هو المنتهى وأن العطف تفسيري، وهو
المطابق لعبارة المصنف رحمه الله. قوله: والمناضلة: المسابقة والمراماة .
المناضلة مفاعلة من النضل، وهو الرمي. قال الجوهرى: ناضله: أي راماه، يقال: ناضلت
فلانا فنضلته إذا غلبته، وانتضل القوم وتناضلوا: أي رموا
(هامش)
(1) راجع المختلف: 484. (2) الام 4: 230، مختصر المزني: 287. (3) لاحظ ص: 92. (4)
القاموس المحيط 4: 389. (5) النهاية 3: 4. (*)
ص 75

[ويقال: سبق - بتشديد الباء - إذا أخرج السبق، وإذا أحرزه أيضا. والرشق - بكسر
الراء -: عدد الرمي، وبالفتح: الرمي.]
للسبق . (1) وفي القاموس: ناضله مناضلة
ونضالا ونيضالا باراه في الرمي . (2) وفي التذكرة: السباق اسم يشتمل على
المسابقة بالخيل حقيقة، وعلى المسابقة بالرمي مجازا، ولكل واحد منهما اسم خاص،
فيختص الخيل بالرهان، ويختص الرمى بالنضال . (3) وهذا موافق لقول الجوهري. وأما
اطلاق المناضلة على ما يشمل المسابقة فليس بمعروف لغة ولا عرفا. ولعل المصنف ومن
تبعه في ذلك تجوزوا في الاطلاق، وبعض الفقهاء عنون الكتاب بالمسابقة والمناضلة (4)،
وهو الموافق لما نقلناه عن اللغة. قوله: ويقال: سبق - بتشديد الباء - إذا اخرج
السبق، وإذا أحرزه أيضا . أي أخرج السبق - بالتحريك - وهو العوض، بمعنى ميزه وأوقع
العقد عليه، أو أخرجه عليه للسابق على تقدير جعله في ذمته ثم ثبوته عليه. والمراد
بإحرازه استحقاقه، سواء قبضه أم لا. قوله: والرشق - بكسر الراء - عدد الرمي،
وبالفتح: الرمي . الرشق - بكسر الراء - عدد ما يرمى به من السهام، يقال: رمى رشقا:
أي رمى بسهامه التى يريد رميها كلها. وإذا حصل الاتفاق على رمي خمسة خمسة فكل خمسة
يقال لها رشق، وخصه على بعض أهل اللغة بما بين العشرين والثلاثين. وأما بالفتح فهو
المصدر، يقال: رشقه يرشقه رشقا إذا رماه بالسهام، وهو المراد بقوله: والرشق الرمي
أي المصدر لا اسمه.
(هامش)
(1) الصحاح 5: 1831. (2) القاموس 4: 58. (3) تذكرة الفقهاء 2: 360. (4) المنهاج
راجع سراج الوهاج: 568 وفي الام 4: 229 عنونه ب (السبق والنضال). (*)
ص 76
[ويقال: رشق وجه ويد، ويراد به الرمي على ولاء حتى يفرغ الرشق. ويوصف السهم:
بالحابي، والخاصر، والخازق، والخاسق، والمارق، والخارم. فالحابي: ما لزج على الارض
ثم أصاب الغرض.]
قوله: ويقال: رشق وجه ويد ويراد به الرمي على ولاء حتى يفرغ .
الرشق هنا بالكسر ايضا، بمعنى انه مشترك بين العدد الذى يتفقان عليه وبين الوجه من
الرمى لذلك العدد، فكما يقال: رموا رشقا أي عددا اتفقوا عليه، كذلك يقال: رموا رشقا
إذا رموا بأجمعهم في جهة واحدة. قال الجوهرى: الرشق بالكسر الاسم، وهو الوجه من
الرمى، فإذا رمى القوم باجمعهم في جهة واحدة قالوا: رمينا رشقا (1). والمراد
برشق اليد هذا المعنى ايضا. واضافة الرشق إلى اليد كاضافته إلى الوجه، فيقال: رشق
وجه ورشق يد إذا كانت جهة الرمي واحدة. ويمكن مع ذلك إضافته اليهما معا كما يظهر من
العبارة. قوله: ويوصف السهم بالحابي... الخ . ذكر المص من اوصاف السهم عند
الاصابة ستة أوصاف وأردفها بسابع. وفي التذكرة (2) ذكر له احد عشر اسما، وفي
التحرير (3) ستة عشر، وفي كتاب فقه اللغة (4) تسعة عشر اسما. والغرض من ذلك اعتبار
صفة الاصابة في عقد الرماية، فلا يستحق العوض بتخطي المشروط الا ان يصيب بما هو
ابلغ منه. قوله: فالحابى ما لزج على الارض ثم أصاب الغرض . الحابى - باثبات
الياء - من صفات السهم المصيب، وهو ان يقع دون الهدف
(هامش)
(1) الصحاح 4: 1481. (2) التذكرة 2: 360. (3) التحرير 1: 261. (4) فقه اللغة: 199.
(*)
ص 77
[والخاصر: ما أصاب أحد جانبيه. والخازق: ما خدشه. والحاسق: ما فتحه وثبت فيه.]
ثم
يحبو إلى الغرض فيصيبه، مأخوذ من حبو الصبى على الارض، وجمعه حوابي. ومعنى قول
المصنف: زلج على الارض أي زلق. قال في القاموس: الزلج محركة: الزلق، ويسكن
(1). وفي الصحاح: مكان زلج - بسكون اللام وتحريكها - أي زلق، والتزلج: التزلق،
وسهم زالج: يتزلج عن القوس (2). وزعم بعض الفقهاء (3) ان الجواب باسقاط الياء نوع
من الرمي قسيم للمبادرة والمحاطة. والمراد به ان يحتسب بالاصابة في الشن وهو الغرض
(4) وفي الهدف ويسقط الاقرب من الشن ما هو الابعد منه. والمشهور من معناه ما ذكره
المصنف رحمه الله. قوله: والخاصر ما أصاب احد جانبيه . هو - بالخاء المعجمة ثم
الصاد المهملة - مأخوذ من الخاصرة، لانها في احد جانبى الانسان، سمي به لاصابته احد
جانبى الغرض، وهو في معنى خاصرته. ويسمى ايضا جائرا. وقيل: الجايز ما يسقط من وراء
الهدف (5). وقيل: ما وقع في الهدف على أحد جانبى الغرض (6). فعلى هذا ان كانت
الاصابة مشروطة في الغرض فالجائر مخطئ، وان كانت مشروطة في الهدف فهو مصيب. قوله:
والخازق ما خدشه... الخ . الخازق بالخاء والزاي المعجمتين. وضمير خدشه يعود
إلى الغرض، وظاهره أنه لم يثقبه ولم يثبت فيه، وبهذا صرح في القواعد فقال: الخازق
ما خدشه ثم وقع بين يديه . (7) وفى التحرير: أنه ما خدشه ولم يثقبه . (8).
(هامش)
(1) القاموس 1: 192.(2) الصحاح 1: 319. (3) في س : بعض الاصحاب من الفقهاء. لاحظ
التذكرة 2: 360 حيث نقله عن قوم. (4) المصباح المنير 1: 392. (5 و6) يراجع حلية
العلماء 5: 482. (7) قواعد الاحكام 1: 264. (8) تحرير الاحكام: 1: 261. (*)
ص 78
[والمارق: الذي يخرج من الغرض نافذا.]
وكلام اهل اللغة بخلاف ذلك، ففي نهاية ابن
الاثير قال: خزق السهم وخسق إذا اصاب الرمية ونفذ فيها، وسهم خازق وخاسق (1).
وقال في الصحاح: الخارق من السهام المقرطس، والخاسق لغة في الخازق (2). وقال في
باب السين: يسمى الغرض قرطاسا، يقال: رمى فقرطس إذا اصابه . (3) ومثله في
القاموس (4). وظاهره ان الخازق والخاسق ما اصاب الغرض مطلقا، وهو يدل باطلاقه على
خلاف ما ذكره المصنف وصاحب النهاية، ومع الاختلاف قد اتفقا على ان الخازق والخاسق
بمعنى واحد خلاف ما ذكره المصنف. وقال الثعالبي في سر العربية: إذا اصاب الهدف
فهو مقرطس وخازق وخاسق وصائب (5). وهذا ايضا يشمل ما يخدشه وغيره، وما يثبت فيه
ويقع، ويدل علىترادف الخاسق والخازق. ويمكن حمل كلام المصنف عليه من حيث ان اصابة
السهم له مطلقا يوجب خدشه غالبا، وهو أعم من ان يثقبه ولا يثبت فيه وعدمه، كما
اطلقه اهل اللغة، فيقرب من قولهم، لكن يبقى فيه مخالفة الخاسق للخازق في عبارته دون
اهل اللغة. قوله: والخارق الذى يخرج من الغرض نافذا . هو بالخاء المعجمة والراء
المهملة، ومعناه موافق للمفهوم منه لغة، لان الخرق الشق، فإذا شقه ونفذ فيه - سواء
سقط منه ام لا - فقد خرقه، لكنه ليس من اسمائه المعدودة لغة، ولم يذكره احد من
أصحاب الكبت الاربعة اللغوية السابقة ولا غيرهم ممن وقف على كلامه. وفي بعض نسخ
الكتاب المارق بالميم بدل الخارق، وهو
(هامش)
(1) النهاية 2: 29. (2) الصحاح 4: 1469. (3) الصحاح 3: 962. (4) القاموس 3: 227 و2:
240. (5) فقه اللغة: 199. (*)
ص 79
[والخارم: الذي يخرم حاشيته.]
الصواب الموافق لكلام اهل اللغة (1) لقبا (2)
وتعريفا. وفي التحرير جعل الخارق بمعنى الخاسق، وقد تقدم (3)، وجعل الخازق بالزاي
المعجمة مغايرا له كما مر خلاف ما ذكره اهل اللغة، ولو حمل في كلامه الخارق -
بالراء المهملة - على الخازق - بالمعجمة - ليكون مرادفا للخاسق كان موافقا لكلام
اهل اللغة، لكن ذكره بعد ذلك الخارق وتعريفه بأنه ما خدشه ولم يثقبه يوجب تعين كونه
بالزاي المعجمة لا الراء، إذ لم يحصل فيما ذكره خرق.والذى يظهر أنه وقع في التحرير
ضرب من التصحيف والسهو عن تحرير كلام اهل اللغة، لان جعله الخارق مرادفا للخاسق
موافقا لكلام اهل اللغة لكن بشرط كونه بالزاي المعجمة، ثم لما ذكر الخارق بعد ذلك
كان حقه ان يكون بالمهملة فعرفه بما ينافى ذلك ويوافق تعريفه المصنف في الخازق
بالمعجمة، فوقع الاضطراب. وفي التذكرة (4) جعل الخارق ما اثر فيه ولم يثبت، والخاسق
ما ثقبه وثبت فيه، كما ذكره المصنف هنا في الخازق بالمعجمة، فجعلهما متغايرين، ولم
يتحقق منه ضبط الراء ولا ذكر الامرين، فالالتباس فيه أشد، لانه ان جعل بالراء وافق
كلام التحرير وخالف مفهومه لغة، وان جعل بالزاي وافق كلامه في القواعد (5) وكلام
المصنف هنا وخالف كلام اهل اللغة. قوله: والخارم الذى يخرم حاشيته . أي حاشية
الغرض، بان يصيب طرفه فلا يثقبه ولكن يخرمه. وهذا الاسم لم يذكره ايضا اهل اللغة
وان كان مناسبا. وقد ذكروا للسهم اسماء اخر غير ما ذكره
(هامش)
(1) لاحظ فقه اللغة وسر العربية: 200، مجمل اللغة 3: 828. (2) كذا في و وفي ش
: لقبا وفي س : معنى. (3 و5) لاحظ ص: 77. (4) التذكرة 2: 360 - 361. (*)
ص 80

[ويقال: المزدلف الذى يضرب الارض ثم يثب إلى الغرض.]
تركنا ذكرها تبعا لاختصاره
(1). قوله: ويقال: المزدلف الذى يضرب الارض ثم يثب إلى الغرض .اصل الازدلاف (2)
التقدم، وخصه هنا بما يقع على الارض ثم يتقدم إلى الغرض، وعلى هذا فيرادف الحابى.
وبه صرح في القواعد فقال بعد تعريف الحابى: وهو المزدلف (3). وفي تأخير المصنف
ذكر المزدلف عن الحابى اشعار بالمغايرة بينهما، ولعل المزدلف عنده اقوى فعلا من
الحابى حيث اعتبر في مفهومه ضرب الارض المقتضي لقوة اعتماده، بخلاف الحابى فإنه
اقتصر فيه على مجرد زلقه على الارض، فيكونان متباينين حيث ان الحابى ضعيف الحركة
والمزدلف قويها. وهذا المعنى هو الظاهر من التذكرة، لانه قال فيها: ان المزدلف
احد والحابى أضعف (4). ولكن في عبارتها إشكال من وجه آخر، لانه قال: وهو - أي
الحابى - نوع من الرمى المزدلف، يفترقان في الاسم ويستويان في الحكم (5). وجعل
الافتراق في الاسم ما حكينا عنه من القوة والضعف، وهذا الافتراق لا يوافق كونه نوعا
منه، لانه يقتضى كون المزدلف اعم من الحابى. ولو عكس الامر - فجعل الحابى أعم، لانه
عرفه بكونه السهم الواقع دون الهدف ثم يحبو إليه، وهو أعم من كون وقوعه بقوة فيكون
مزدلفا وضعف فيكون حابيا بالمعنى العام - لكان أوفق بتعريفهما.
(هامش)
(1) في هامش و: العجب من المرحوم الشيخ علي حيث ذكر في الشرح أسماء كثيرة
ذكرها في التذكرة والتحرير لا حاجة للشرح بها، وترك تحقيق ما ذكره المصنف في
القواعد. منه رحمه الله لاحظ جامع المقاصد 8: 346. (2) راجع النهاية لابن الاثير
2: 309. (3) قواعد الاحكام 1: 264. (4 و5) تذكرة الفقهاء 2: 360. (*)
ص 81
[والغرض: ما يقصد إصابته، وهو الرقعة. والهدف: ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره.
والمبادرة: هي أن يبادر أحدهما إلى الاصابة مع التساوي في الرشق. والمحاطة: هي
إسقاط ما تساويا فيه من الاصابة.]
قوله: والغرض ما يقصد اصابته، وهو الرقعة،
والهدف ما يجعل فيه الغرض من تراب وغيره . الغرض من بيان الغرض والهدف ان كلا
منهما محل الاصابة، وقد يكون شرط المتراميين اصابة كل منهما بل ما هو أخص منهما،
فانهم يرتبون ترابا أو حائطا ينصب فيه الغرض فيسمون التراب والحائط هدفا، وما
ينصبون فيه من جلد أو قرطاس يسمونه الغرض. وبعضهم يسمي المنصوب في الهدف قرطاسا،
سواء كان كاغدا أم غيره، وقد تقدم (1) نقله عن الجوهرى. وقد يخص الغرض بالمعلق في
الهواء والقرطاس بغيره. وقد يجعل في الغرض نقش كالهلال يقال له: الدائرة وفي
وسطها شيء آخر يقال له: الخاتم . وشرط الاصابة وغرضها يتعلق بكل واحدة من هذه
العلامات، فإن الاصابة في الهدف أوسع، وفي الغرض أوسط، وفي الدائرة أضيق،وفي الخاتم
أدق. وهذا المذكور اصطلاح الرماة وتعبير الفقهاء. وفي الصحاح الغرض: الهدف الذى
يرمى فيه (2). قوله: والمبادرة: هي ان يبادر احدهما إلى الاصابة مع التساوي في
الرشق، والمحاطة: هي اسقاط ما تساويا فيه من الاصابة . المراماة قسمان: مبادرة
ومحاطة. والمراد من الاول ان يتفقا على رمي عدد معين
(هامش)
(1) في ص: 78. (2) الصحاح 3: 1093. (*)
ص 82
[...]
كعشرين سهما مثلا، فمن بدر إلى إصابة عدد معين منها - كخمسة - فهو ناضل لمن
لم يصبه أو أصاب ما دونها. والمراد من المحاطة - بتشديد الطاء - ان يقابل اصاباتهما
من العدد المشترط ويطرح المشترك من الاصابات، فمن زاد فيها بعدد معين كخمسة مثلا
فناضل الاخر، فيستحق المال المشروط في العقد. وما ذكره المصنف من تعريفهما غير
سديد، لدخول كل منهما في تعريف الاخر، فان بادر احدها إلى الاصابة مع التساوى في
الرشق متحقق ظاهرا مع شرط المحاطة، واسقاط ما تساويا فيه مع الاصابة يتحقق مع شرط
المبادرة، ومع ذلك فالمقصود من معناهما غير حاصل من اللفظ. والاسد في تعريفهما ما
أشرنا إليه سابقا من ان المبادرة هي اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى اصابة عدد
معين من مقدار رشق معين مع تساويهما فيه. والمحاطة هي اشتراط استحقاقه لمن خلص له
من الاصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما باصابات الاخر وطرح ما اشتركا فيه.
فإذا كان شرط الرشق عشرين فرمياها وأصاب أحدهما خمسة والاخر أربعةفالاول ناضل على
الاول. ولو أصاب كل منهما خمسة فلا نضل لاحدهما. ولو أصاب الرامي أولا خمسة وبقي
للثاني عدد يمكن فيه لحوقه في الاصابة لم يتحقق نضل الاول إلى ان يرمي الثاني تمام
عدده، فيمكن ان يصيب فيمنع (1) الاول من الاستحقاق، وان يخطئ فيستقر الاستحقاق
للاول، وسيأتي (2) تفصيله ان شاء الله. عولى تقدير اشتراط المحاطة لو شرطا عشرين
وخلوص خمس اصابات فرميا عشرين فأصاب أحدهما عشرة والآخر خمسة فالاول هو السابق،
لانهما يتحاطان خمسة بخمسة فيفضل للاول الخمسة المشترطة. ولو تساويا في الاصابة أو
زاد احدهما دون العدد المشترط فلا سبق.
(هامش)
(1) كذا في س . وفي غيرها: فيمتنع. (2) في ص: 105 - 107. (*)
ص 83
[...]
واعلم ان تقسيم المناضلة إلى القسمين هو المشهور بين الفقهاء منا ومن غيرنا،
وقد تقدم (1) نقل العلامة في التذكرة أن بعض الفقهاء جعل قسما ثالثا لهما وهو
الجواب، وجعل معناه اسقاط الاقرب من الغرض ما هو الابعد. وفي القواعد (2) جعل
اقسامها ثلاثة ايضا، القسمان المذكوران هنا، والمناضلة وفسرها بأنها مثل من فضل
صاحبه بإصابة واحد أو اثنين أو ثلاث من عشرين فهو السابق. وهذا بعينه هو المحاطة،
لانها لا تختص (3) بشرط فضل شيء معين كما تقدم. ويعتبر فيها فضلالسابق على المسبوق
بالعدد المشترط ليتحقق معنى الحط المأخوذ في المحاطة. مع انه صرح في التحرير بان
المفاضلة مرادفة للمحاطة، فقال فيه: لو قالا: أينا فضل صاحبه بثلاث من عشرين فهو
سابق فهو محاطة، ويسمى ايضا مفاضلة (4). وهذا هو الظاهر من معناها لغة واصطلاحا.
(هامش)
(1) لاحظ ص: 77. (2) قواعد الاحكام 1: 265. (3) في س : الا أنها تختص. (4) تحرير
الاحكام 1: 264. (*)
ص 84
فيما يسابق به :

[الثاني فيما يسابق به ويقتصر في الجواز على النصل والخف والحافر، وقوفا على مورد
الشرع.]
قوله: ويقتصر في الجواز على النصل والخف والحافر وقوفا على مورد الشرع .
يظهر من التعليل ان هذا العقد مخالف للاصل فيقتصر في جوازه على مورد الشرع الاذن
(1) فيه، وهو الثلاثة المذكورة. وانما كان مخالفا للاصل لاشتماله على اللهو واللعب
والقمار على بعض الوجوه، فالاصل ان لا يصح منه الا ما ورد الشرع بالاذن فيه، وهو
الثلاثة المذكورة.ويمكن ان يقال: ان عموم الامر بالوفاء بالعقود (2) واجماع الامة
على جوازه في الجملة - كما نقله جماعة من الفقهاء (3) - ووجود الغاية الصحيحة بل ما
هو افضل الغايات وهو الاستعداد للجهاد والاستظهار في الجلاد لاعداء الدين وقطاع
الطريق وغيرهم من المفسدين يقتضى جوازه مطلقا، لكن قوله صلى الله عليه وآله: لا
سبق الا في نصل أو خف... إلى آخره . يقتضى النهي عما عدا الثلاثة،
(هامش)
(1) في س و و: بالاذن. (2) المائدة: 1. (3) منهم ابن ادريس في السرائر 3:
147، وابن فهد الحلي في المهذب البارع 3: 81 وكذا في المغني لابن قدامة 11: 128.
(4) تقدم مصادره في ص: 69، هامش (2 و3). (*)
ص 85

[ويدخل تحت النصل السهم، والنشاب، والحراب، والسيف. ويتناول الخف الابل والفيلة
اعتبارا باللفظ.]
فتبقى هي على اصل الجواز، نظرا إلى الادلة العامة، وهذا اجود.
وايضا فان الغرض الاقصى منه لما كان هو الاستعداد للجهاد، وهو منحصر غالبا في هذه
الثلاثة، اقتصر عليها والغي النادر. والتعليل الوسط أوسط. قوله: ويدخل تحت النصل
السهم والنشاب والحراب والسيف .المعروف أن السهم هو النشاب، وفي الصحاح: النشاب:
السهام (1) فظاهره انهما مترادفان، وعلى هذا فعطف النشاب على السهم من عطف
المترادف وان اختلفا بالجمع والافراد من قبيل اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة
(2). ويمكن ان يختص احدهما أو كل منهما (3) بنوع خاص أو بلغة، كما قيل: ان السهم
للعرب والنشاب للعجم. واعلم ان حصر النصل فيما ذكر هو المعروف لغة وعرفا، فلا يدخل
فيه مطلق المحدد كالدبوس وعصا المداقق إذا جعل في رأسها حديدة ونحو ذلك، عملا
بالاصل السابق. قال في الصحاح: النصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح (4).
ويحتمل الجواز بالمحدد المذكور إما بادعاء دخولها في النصل، أو لافادتها فائدة
النصل في الحرب. وقد كان بعض مشايخنا (5) المعتمدين يجعل وضع الحديدة في عصا
المداقق حيلة على جواز الفعل، نظرا إلى دخوله بذلك في النصل. قوله: ويتناول الخف
الابل والفيلة اعتبارا باللفظ . لا خلاف في جواز المسابقة على الابل، لمشاركتها
الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب من الانعطاف وسرعة الاقدام، ولان العرب
تقاتل عليها اشد القتال،
(هامش)
(1) الصحاح 1: 224. (2) البقرة: 157. (3) في س : أو كلاهما. (4) الصحاح 5:
1830.(5) في هامش و: هو السيد حسن بن السيد جعفر الحسيني قدس سره. منه رحمه
الله . (*)
ص 86
[وكذا يدل الحافر على الفرس والحمار والبغل. ولا يجوز المسابقة بالطيور، ولا على
القدم، ولا بالسفن، ولا بالمصارعة.]
وهي داخلة في الخف. وأما الفيلة فهى كذلك عندنا
وعند أكثر العامة (1)، لدخولها تحت اسم الخف أيضا، ويقاتل عليها كالابل. وذهب بعضهم
(2) إلى المنع منها، لانه لا يحصل بها الكر والفر، فلا معنى للمسابقة عليها، والخبر
حجتنا عليهم. وقول المصنف: اعتبارا باللفظ تعليل لدخول الفيلة في اسم الخف، ردا
على المخالف، واستنادا إلى دخوله في لفظ الخف كما ذكرناه. قوله: وكذا يدل الحافر
على الفرس والحمار والبغل . لا خلاف عندنا في جواز المسابقة على الثلاثة، لدخولها
تحت الحافر وصلاحيتها للمسابقة عليها في الجملة. وخالف بعض (3) العامة في جوازها
على الاخيرين، لانهما لا يقاتل عليهما غالبا ولا يصلحان للكر والفر. والنص حجة
عليه. قوله: ولا يجوز المسابقة بالطيور ولا على القدم ولا بالسفن ولا بالمصارعة
.وجه المنع من هذه الامور الحصر المستفاد من الخبر السابق المقتضي لنفي مشروعية ما
عدا الثلاثة، والنهي عنه الشامل لهذه الامور وغيرها، ولانها ليست من آلات الحرب،
ولا مفيدة للحذق فيه. والمنع منها مع العوض موضع وفاق عندنا. وذهب بعض العامة (4)
إلى جواز المسابقة بالجميع، لان الطيور مما يمكن الاحتياج إليها في الحروب لحمل
الكتب واستعلام احوال العدو وأخباره، فيحتاج إلى معرفة السابق منها. ومثله السبق
(هامش)
(1 و2) راجع المهذب ضمن المجموع 15: 137، والمغني لابن قدامة 11: 130، والوجيز 2:
218. (3) المغني لابن قدامة 11: 130، حلية العلماء 5: 464. (4) راجع المهذب (ضمن
المجموع) 15: 137. (*)
ص 87
[...]
بالاقدام، والسفن إذا وقع الحرب في البحر، وقد يقع القرمان في المصارعة
فيستفيد العالم بها السلامة من العدو بها. ورووا عن النبي - صلى الله عليه وآله -
انه سابق (1) عائشة بالقدم مرتين سبق في احدهما وسبق في الاخرى، ورواه ابن الجنيد
في كتاب الاحمدي (2)، واستدل به على جوازها بغير عوض حيث لم يذكر العوض، وانه صارع
ركانة (3) ثلاث مرات، كل مرة على شاة، فصرع خصمه في الثلاث وأخذمنه ثلاث (4) شياة.
ولم يثبت ذلك عندنا، والخبر السابق المتفق عليه يدفعه. ولو خلت هذه الامور ونحوها
من العوض ففي جوازها قولان، مأخذهما: عموم النفي السابق الشامل للعوض وغيره، واصالة
الجواز وانها قد يراد بها غرض صحيح. وقد عرفت ان المشهور في الرواية فتح الباء من
سبق فيفيد نفي مشروعية بذل العوض، ولا تعرض فيها لما عداه فيبقى على اصالة
الجواز، وعلى رواية السكون المفيد لنفي المصدر مطلقا يدل على المنع مما عدا
المستثنى مطلقا، ويرجح الاول - مع الشهرة - ان احتمال الامرين يرفع دلالتها على
المنع مطلقا، فيبقى على اصالة الجواز خالية عن المعارض، مضافا إلى ما ذكر من
الفوائد المترتبة عليها وغيرها، وبذلك يخرج عن اللهو واللعب.
(هامش)
(1) مسند احمد 6: 264، سنن أبي داود 3: 29 ح 2578. (2) لم نعثر عليه. (3) في هامش
و: في التذكرة يزيد بن ركانة، وفي شرح المنهاج للمحلي ركانة، وكذلك في سيرة ابن
هشام، وهو اجود. منه رحمه الله . لاحظ التذكرة 2: 354، وسيرة ابن هشام 2: 31. (4)
راجع المصنف لعبد الرزاق 11: 427 ح 20909، المراسيل لابي داود: 325 ح 308. (*)
ص 88
عقد السبق والرماية :

[الثالث في عقد المسابقة والرماية وهو يفتقر إلى ايجاب وقبول. وقيل: هي جعالة فلا
تفتقر إلى قبول ويكفي البذل. وعلى الاول فهو لازم كالاجارة. وعلى الثاني هو جائز،
شرع فيه أو لم يشرع.]
قوله: وهو يفتقر إلى ايجاب وقبول... الخ . اختلف الاصحاب
وغيرهم (1) في لزوم عقد المسابقة وجوازه، فذهب المصنف وقبله ابن ادريس (2) وجماعة
(3) إلى لزومه، لعموم أوفوا بالعقود (4)، والمؤمنون عند شروطهم (5). وذهب الشيخ (6)
والعلامة في المختلف (7) إلى جوازه، لاصالة عدم اللزوم، مع القول بموجب الآية فان
الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من جواز ولزوم، وقد تقدم (8) تحقيقه. ومنشأ الخلاف
انها عقد يتضمن عوضا على عمل، وهو مشترك بين الاجارة
(هامش)
(1) راجع المغني لابن قدامة 11: 132. (2) السرائر 3: 149.(3) منهم المحقق الآبي في
كشف الرموز 2: 62، والعلامة الحلي في قواعد الاحكام 1: 263. (4) المائدة: 1. (5)
التهذيب 7: 371 ح 1503، الاستبصار 3: 232 ح 835. (6) المبسوط 6: 300، الخلاف 2: 548
مسألة 9. (7) مختلف الشيعة: 484. (8) في ص: 37. (*)
ص 89
[...]
والجعالة. ثم انها مشتملة على اشتراط العمل في العوض وكونه معلوما وهو من
خواص الاجارة، وعلى جواز ابهام العامل في السبق، وعلى ما لا يعلم حصوله من العامل،
وعلى جواز بذل الأجنبي وهو من خواص الجعالة. فوقع الاختلاف بسبب ذلك، فعلى القول
بانها جعالة يلحقها احكامها من الاكتفاء بالايجاب والجواز، وعلى القول بالاجارة
يفتقر معه إلى القبول وتكون لازمة. ويمكن ان يجعل عقدا برأسه، نظرا إلى تخلف بعض
خواصها عن كل من الامرين على حدته كما عرفت، ويقال حينئذ بلزومها لعموم الآية، وهذا
اجود اللهم الا ان يناقش بأن الجعالة ليست عقدا فلا تتناول الاية لها ولنظائرها،
ويرجع إلى اصالة عدم اللزوم حيث يقع الشك في كون المسابقة عقدا أم لا.واعلم ان
المصنف جعل مورد الخلاف كونها عقدا مفتقرا إلى ايجاب وقبول، أو ايقاعا فلا يفتقر
إلى القبول، ورتب على الاول اللزوم، وعلى الثاني الجواز. وبعض الفقهاء عكس فجعل
مورد الخلاف أنه عقد لازم أو جائز، ورتب على اللزوم كونها اجارة، وعلى الجواز كونها
جعالة. وفي الحقيقة كل واحد من التعريفين اعم من المدعى، إذ لا يلزم من كونها عقدا
لزومه، لان العقد ينقسم إلى اللازم والجائز والمتردد، ولا يلزم من كونها عقدا جائزا
كونها جعالة، لجواز ان يكون عقدا مفتقرا إلى الايجاب والقبول مع كونه جائزا
كالمضاربة. ولعل ما فرضه المصنف أولى، لان من جعلها عقدا يمكن استدلاله على لزومه
بعموم أوفوا بالعقود وان كانت العقود اعم من اللازمة، ومن جعلها إيقاعا لا
يناسبها الا الجعالة من افراد الايقاعات بالنظر إلى خواصها فناسبها الجواز. وهذا
حسن. ولا يرد عليه ما أورده العلامة في المختلف (1) من ان الآية لا يراد منها مطلق
(هامش)
(1) مختلف الشيعة: 484. (*)
ص 90

[ويصح ان يكون العوض عينا، أو دينا. وإذا بذل السبق غير المتسابقين، صح اجماعا. ولو
بذله أحدهما.أو هما، صح عندنا، ولو لم يدخل بينهما محلل. ولو بذله الامام من بيت
المال جاز، لان فيه مصلحة.]
العقود والا وجب الوفاء بالوديعة والعارية وغيرهما من
العقود الجائزة، وهو باطل اجماعا، فلم يبق الا العقود اللازمة، فلا ينفع هنا لانه
المتنازع. وانما لم يرد ذلك لان الامر بالوفاء بالعقود عام في جانب المأمور
والمامور به، فيشتمل بعمومه سائر العقود، ثم [بعد] (1) تخصيصه ببعضها واخراج العقود
الجائزة يبقى العموم حجة في الباقي كما هو محقق في الاصول، وانما تنتفى دلالته
حينئذ لو جعلناه بعد التخصيص مجملا غير حجة في الباقي، وهو قول مردود، لا يرتضيه
العلامة ولا غيره من المحققين. واما قوله: ان الوفاء بالعقد العمل بمتقضاه من لزوم
وجواز فهو خلاف الظاهر منه، فان مقتضى الوفاء بالشئ التزامه والعمل بمقتضاه مطلقا.
قوله: ويجوز ان يكون العوض عينا أو دينا . قد عرفت ان عقد المسابقة لا يفتقر إلى
العوض، بل دائرة جوازه بدونه اوسع، لكن على تقدير ذكر العوض يجوز كونه عينا ودينا،
كما في غيره من الاعواض الواقعة في المعاملات. ويعتبر على التقديرين كونه مضبوطا
بالمقدار والجنس والنوع. ويتفرع على كل من العين والدين احكامه اللاحقة له شرعا من
الضمان والرهن عليه وغير ذلك، فانه على تقدير كونه دينا لا يصح الرهن عليه، لتعذر
اخذها من الرهن، ولا ضمانها الا إذا جوزنا ضمان الاعيان المضمونة مطلقا. وعلى تقدير
كونه دينا يصح الرهن عليه حيث يكون لازما، وضمانه بشرطه. وكذلك يجوز كونه حالا
ومؤجلا، منهما ومن احدهما وبالتفريق. قوله: وإذا بذل السبق غير المتسابقين صح...
الخ .
(هامش)
(1) من احدى الحجريتين. (*)
ص 91
[...]
إذا تضمن عقد المسابقة مالا فاما ان يخرجه المتسابقان معا، أو احدهما، أو
ثالث هو الامام، أو غيره، فالاقسام اربعة: الاول: ان يخرج المال الامام، وهو جائز
اجماعا منا ومن غيرنا، سواء كان من ماله أو من بيت المال، لان النبي (1) - صلى الله
عليه وآله - سابق بين الخيل وجعل بينهما سبقا، ولان ذلك يتضمن حثا على تعلم الجهاد
والفروسية، واعداد اسبابالقتال، وفيه مصلحة للمسلمين وطاعة وقربة، فكان سايغا.
الثاني: ان يكون المخرج غير الامام، وهو جائز ايضا عندنا وعند اكثر العامة (2)،
لانه بذل مال في طاعة وقربة، وطريق مصلحة للمسلمين، فكان جائزا بل يثاب عليه مع
نيته، كما لو اشترى لهم خيلا وسلاحا وغيرها مما فيه اعانتهم على الجهاد. وقال بعض
العامة (3): لا يجوز ان يخرج المال غير المتسابقين الا الامام، لاختصاص النظر في
الجهاد به. وضعفه ظاهر، لان تهيئة اسباب الجهاد غير مختصة به، وعموم الاخبار
المسوغة له في الاصل متناولة لموضع النزاع. الثالث: ان يخرج المال احد المتسابقين،
بان يقول احدهما لصاحبه: ان سبقت فلك علي عشرة، وان سبقت انا فلا شيء لى عليك. وهو
جائز عندنا ايضا، للاصل وانتفاء المانع. وقال المانع من العامة في السابق لا يصح
هنا ايضا، لانه قمار. ويندفع - على تقدير تسليمه - بخروجه عنه بالنص السابق المتفق
عليه الشامل لموضع النزاع. الرابع: ان يخرجه المتسابقان معا، بان يخرج كل منهما
عشرة مثلا على ان يحوزهما السابق. وهو جائز ايضا مطلقا على الاشهر.
(هامش)
(1) سنن أبي داود 3: 29 ح 2575. (2) المغني لابن قدامة 11: 131. (3) في هامش و:
هو مالك بن أنس. منه رحمه الله . لاحظ حلية العلماء 5: 469 والمغنيلابن قدامة
11: 131. (*)
|