ص 231
[وإطلاق الوصية يقتضي التسوية، فإذا أوصى لاولاده وهم ذكور وإناث فهم فيه سواء.
وكذا لاخواله وخالاته، أو أعمامه وعماته. وكذا لو أوصى لاخواله وأعمامه كانوا سواء
على الاصح. وفيه رواية مهجورة. أما لو نص على التفضيل اتبع.]
قوله: واطلاق الوصية
يقتضى التسوية... الخ . أما اقتضاء إطلاق الوصية التسوية فلاستواء نسبة الوصية
إليهم، وانتفاء ما يدل على التفضيل في كلام الموصي، فلا فرق فيه بين الذكر والانثى،
ولا بين الاخوال والاعمام وغيرهم. واختلافهم في استحقاق الارث جاء من دليل خارج،
ولا يقاس عليه ما يقتضي التسوية بمجرده. ولا خلاف في ذلك كله الا فيما لو أوصى
لاعمامه وأخواله، فان المشهور فيه ذلك، ولكن ذهب الشيخ (1) وجماعة (2) إلى ان
للاعمام الثلثين وللاخوال الثلث، استنادا إلى صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام في
وجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله، فقال: لاعمامه الثلثان ولاخواله الثلث .
(3) وحملت على ما لو أوصى على كتاب الله. وهذه هي الرواية المهجورة التى أشار إليها
المصنف.وفيه رواية (4) أخرى ضعيفة تقتضي قسمة الوصية بين الاولاد الذكور والاناث
على كتاب الله، وهي مع ضفعها لم يعمل بها أحد. ولا اشكال لو نص على التفضيل، أو
قال: يقسم بينهم على كتاب الله، أو على طريق الارث، وما شاكله.
(هامش)
(1) النهاية: 614. (2) نسب ذلك إلى ابن الجنيد وابن البراج راجع المقتصر لابن فهد:
216. (3) في هامش و: هذه الرواية رواها ابن بابويه في الصحيح والكليني في
الحسن والشيخ في الموثق. منه رحمه الله . الكافي 7: 45 ح 3، الفقيه 4: 154 ح 535،
التهذيب 9: 214 ح 854، والوسائل 13: 454 ب 62 من ابواب الوصايا. (4) الكافي 7:
45 ذيل ح 1، الفقيه 4: 155 ح 536، التهذيب 9: 214 ذيل ح 846، الوسائل 13: 455 ب
64 من كتاب الوصايا ح 2. (*)
ص 232
[ولو أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبه، مصيرا إلى العرف. وقيل: كان لمن يتقرب
إليه بآخر أب وأم له في الإسلام. وهو غير مستند إلى شاهد.]
قوله: ولو أوصى لذوى
قرابته... الخ . لا إشكال في صحة الوصية للقرابة، لما فيه من الجمع بين الصدقة
وصلة الرحم، ولكن اختلف الاصحاب في أن القرابة من هم؟ لعدم النص الوارد في تحقيقه.
والاكثر على ما اختاره المصنف من رده إلى العرف، لانه المحكم في مثل ذلك حيث لا
معين له من الشارع، وهو دال على ان المراد به المعروفون بنسبه عادة، سواء في ذلك
الوارث وغيره. وللشيخ (1) قول بانصرافه إلى من يتقرب إلى آخر أب وأم له في الإسلام،
ومعناه الارتقاء بالقرابة من الادنى إليه إلى ما قبله وهكذا إلى أبعد حد في الإسلام
وفروعه، ويحكم للجميع بالقرابة، ولا يرتقى إلى آباء الشرك وان عرفوا بقرابته عرفا.
وانما اعتبر الإسلام لقوله صلى الله عليه وآله: قطع الإسلام أرحام الجاهلية (2)
وقوله تعالى لنوح - عليه السلام - عن ابنه: (إنه ليس من أهلك) (3). قال المصنف -
رحمه الله -: وهو غير مستند إلى شاهد أي إلى دليل معتبر منخبر أو عرف. أما
الخبر فظاهر، إذ لم يرد فيه شيء بخصوصه الا ما ذكرناه من قوله صلى الله عليه وآله،
وهو - مع تسليم سنده - غير دال على المراد، لان قطع الرحم للجاهلية لا يدل على قطع
القرابة مطلقا مع اصناف الكفار، وكذا قطع الاهلية عن ابن نوح عليه السلام، مع ان
اللغة والعرف يدلان على خلاف ذلك، فان من عرف بقربه إلى جد بعيد جدا لا يعد قرابة
وان كان الجد مسلما، ومن تجدد إسلام أبيه [لا] (4) يتحقق له اقارب من الكفار،
فالمرجع إلى العرف وهو يتناول
(هامش)
(1) النهاية: 614. (2). (3) هود: 46. (4) الزيادة من الحجريتين فقط. وهو الصحيح
ظاهرا. (*)
ص 233
[ولو أوصى لقومه قيل: هو لاهل لغته.]
المسلم والكافر منهم، الا ان تدل القرينة على
ارادة المسلم كما ذكروه في الوصية للفقراء. وقال ابن الجنيد: من جعل وصيته
لقرابته وذوى رحمه غير مستمين كانت لمن تقرب إليه من جهة والده أو والديه، ولا
أختار ان يتجاوز بالتفرقة ولد الاب الرابع، لان رسول الله صلى الله عليه وآله لم
يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس . (1) وما ذكره من عدم تجاوز الرابع
غير لازم، وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخمس لا يدل على نفي القرابة مطلقا
عما عداه، فان ذلك معنى آخر للقربى، فلا يلزم ذلك في حق غيره حيث يطلق. ثم على أي
معنى حمل يدخل فيه الذكر والانثى، والفقير والغني، والقريب والبعيد، والوارث وغيره.
ولا فرق بين قوله: أوصيت لاقاربي، وقرابتي، [ولذي قرابتي] (2) ولذوى قرابتي، وذي
رحمي، لاشتراك الجميع في المعنى. إذا تقرر ذلك فإن الوصية تنصرف إلى الموجود منهم،
سواء اتحد أم تعدد، وسواء ذكرهم في الوصية بصيغة الجمع أو الافراد. قوله: ولو
أوصى لقومه قيل: هو لاهل لغته . القول للشيخين (3) وأكثر الاصحاب. ومع ذلك خصوه
بالذكر لا مطلقا، ويشهد له قوله تعالى: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا
منهم ولا نساءمن نساء عسى أن يكن خيرا منهن) (4) حيث جعل القوم قسيم النساء المقتضي
للمغايرة. ومنهم من اطلق القوم على اهل اللغة من غير تقييد بالذكور، ولعله مراد
المصنف ايضا، الا ان الاول أشهر، فلذلك حملنا كلامه عليه.
(هامش)
(1) حكاه العلامة في المختلف 2: 503. (2) الزيادة من ش، ب ووهامش و. (3)
المقنعة: 655، النهاية: 599. (4) الحجرات: 11. (*)
ص 234
[ولو قال لاهل بيته، دخل فيهم الاولاد والآباء والاجداد.]
ونسبته إلى القيل يدل على
توقفه فيه، ووجهه دلالة العرف على ما هو أخص من ذلك، وهو مقدم على اللغة لو سلم
انحصارها فيما نقلوه. ومن ثم قال ابن ادريس (1): انهم الرجال من قبيلته ممن يطلق
(2) العرف بأنهم أهله وعشيرته دون من سواهم، محتجا بأنه هو الذى تشهد به اللغة، ثم
استشهد بقول الشاعر: قومي هم قتلوا أميم أخي * فإذا رميت يصيبني سهمي وغيره من
الشواهد، وذكر انه قد روي ان قوم الرجل جماعة اهل لغته من الذكور دون الاناث. قوله:
ولو قال لاهل بيته... الخ . لا إشكال في دخول من ذكر، لاتفاق اهل التفاسير على
ذلك. إنما الكلام في دخول غيرهم، فان الاقتصار على ما ذكر يقتضي كون علي عليه
السلام ليس من أهل البيت، لخروجه عن الاصناف الثلاثة، مع انه داخل اجماعا. وقال
العلامة: يدخل فيهم الاباء والاجداد والاعمام والاخوال وأولادهم وأولاد الاولاد،
الذكر والانثى . ثم قال: وبالجملة كل من يعرف بقرابته . (3) وهذا يقتضي كون أهل
بيته بمنزلة قرابته. وحكي عن ثعلب انه قال: أهل البيت عند العرب آباء الرجل
وأولادهم كالاجداد والاعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكور والاناث (4).وما اختاره
العلامة من مساواة أهل البيت للقرابة هو الظاهر في الاستعمال، كما يقال: الفلانيون
أهل بيت في النسب معروفون، وعليه جرى قوله صلى الله عليه وآله
(هامش)
(1) السرائر: 3: 164. (2) كذا في الحجريتين وفي م : ينطق. وفي سائر النسخ. ينطلق
وهو كذلك في السرائر (الحجرية والحديثة). (3) التذكرة 2: 477. (4) المغني لابن
قدامة 6: 582 - 583. (*)
ص 235

[ولو قال لعشيرته، كان لاقرب الناس في نسبه. ولو قال لجيرانه، قيل: كان لمن يلي
داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب. وفيه قول آخر مستبعد.]
وسلم: إنا أهل بيت لا
تحل لنا الصدقة (1). والاقوى الرجوع إلى عرف بلد الموصي، ومع انتفائه يدخل كل
قريب. وأما أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله فإنهم أخص من ذلك بالرواية (2)
الواردة عنه صلى الله عليه وآله في حصرهم في أهل الكساء. قوله: ولو قال لعشيرته،
كان لاقرب الناس إليه في نسبه . هذا احد التفسيرين للعشيرة لغة، وقد ذهب إليه
جماعة (3) من الاصحاب. وفي القاموس: عشيرة الرجل بنو أبيه الادنون أو قبيلته
(4). وفي كتب (5) العلامة أن العشيرة هي القرابة مطلقا. والاجود الرجوع إلى العرف،
ومع انتفائه فالعموم حسن. قوله: ولو قال لجيرانه، كان لمن يلي داره... الخ .
القول الاخر المستبعد هو أنه لمن يلي داره بأربعين دارا، ولعل استبعاده من مخالفته
العرف، فان العرف لا يبلغ بالجار هذا المقدار، ولان المشهور استناده إلى رواية (6)
عامية، وقد حققنا في الوقف أن به من طرقنا روايات كثيرة، منها حسنة جميل بن دراج عن
أبي جعفر عليه السلام قال: حد الجوار أربعون دارا من كل
(هامش)
(1) عيون اخبار الرضا (ع) 2: 29 ح 32، الوسائل 6: 187 ب 29 من ابواب
المستحقينللزكاة ح 6. (2) تفسير الحبري: 297 - 311، تفسير فرات الكوفي: 332 ح 451 -
466، شواهد التنزيل 2: 20 - 92. (3) منهم المفيد في المقنعة: 655، والشيخ في
النهاية: 599، وابن ادريس في السرائر 3: 164. (4) القاموس المحيط 2: 90. (5) قواعد
الاحكام 1: 294، التذكرة 2: 478، التحرير 1: 301، وفي الارشاد 1: 459 والتبصرة: 127
أنه أقرب الناس إليه نسبا كما هنا. (6) المغني لابن قدامة 6: 586. (*)
ص 236
[وتصح الوصية للحمل الموجود، وتستقر بانفصاله حيا. ولو وضعته ميتا بطلت الوصية. ولو
وقع حيا ثم مات كانت الوصية لورثته. وإذا أوصى المسلم للفقراء كان لفقراء ملته. ولو
كان كافرا انصرف إلى فقراء نحلته.]
جانب (1). وأما ما اختاره المصنف فلم نقف على
مستنده مع اشتهاره، وقد مضى تحقيق ذلك في الوقف (2). قوله: وتصح الوصية للحمل
الموجود... الخ . قد سبق (3) في تحقيق الوصية بالحمل ما يظهر به حكم الوصية للحمل،
وما يحكم معه بوجوده وعدمه. ثم وجوده حال الوصية شرط لصحتها وان لم تحله الحياة،
لكن استقرارها مشروط بوضعه حيا، ومعنى استقرارها حينئذ تحقق صحتها من حين موت
الموصي وان لم يكن ذلك الوقت حيا، فالنماء المتخلل بين الولادة والموت يتبع العين.
ولو وضعته ميتا تبين بطلان الوصية وان كان حال الوصية في بطن أمه حيا. وإذا استقرت
الوصية بولادته حيا لا يقدح فيها موته بعد ذلك، بل ينتقل إلى ورثته، وهو واضح، لكن
يعتبر هنا قبول قبول الوارث، لامكانه في حقه، وإنما أسقطنا اعتباره عن الحمل
لتعذره، كما سقط اعتباره في الوصية للجهات العامة. ووجه سقوطه عن الوارث تلقيه
الملك عن المولود المالك لها بدون القبول. والمتجة اعتبار القبول في الوصية للحمل
مطلقا فيقبله وليه ابتداء ووارثه هنا. وتظهر الفائدة فيما لو ردها الوارث قبل
قبوله، فان اعتبرناه بطلت والا فلا أثر للرد. قوله: وإذا أوصى المسلم للفقراء -
إلى قوله - فقراء نحلته . المخصص لذلك مع عموم اللفظ القرائن الحالية، وقد تقدم
(4) البحث فيه في الوقف.
(هامش)
(1) الكافي 2: 669 ح 2، الوسائل 8: 491 ب 90 من ابواب احكام العشرة ح 1.(2) في
ص: في ج 5: 343. (3) في ص: 193. (4) في ج 5: 336. (*)
ص 237
[ولو أوصى لانسان فمات قبل الموصي قيل: بطلت الوصية. وقيل: إن رجع الموصي بطلت
الوصية، سواء رجع قبل الموصى له أو بعده. وإن لم يرجع كانت الوصية لورثة الموصى له.
وهو أشهر الروايتين. ولو لم يخلف الموصى له أحدا رجعت إلى ورثة الموصي.]
قوله:
ولو أوصى لانسان فمات قبل الموصي... الخ . قد تقدم (1) البحث في هذه المسألة وفي
الروايتين مستوفى، والمختار عدم البطلان الا مع القرينة الدالة على ارادة الموصي
تخصيص الموصى له بالوصية دون وارثه، لمزيد علم أو صلاح ونحوه. والفرق بين هذه وبين
السابقة: ان السابقة تضمنت كون وارث الموصى له يرث القبول لو مات الموصى له قبله،
وليس فيها تعرض لملك الموصى به وعدمه، والغرض من هذه بيان أن الموصى به ينتقل بموت
الموصى له إلى وارثه إن لم يرجع الموصي عن الوصية على خلاف فيه، سواء كان مورثه قد
قبل الوصية قبل موت الموصي أم لا. فلو فرض انه قبل الوصية في حياة الموصي ثم مات في
حياته، واكتفينا بالقبول الواقع في حياة الموصي، لم يفتقر وارثه إلى القبول، ولكن
يبقى الخلاف في بطلان الوصية وعدمه، وهو المقصود بالبحث هنا. وان لم يكن قد قبل
انتقل إلى الوارث حق القبول، وهو المستفاد من السابقة، ومعه يملك الموصى به على
الخلاف، وهو المذكور هنا. قوله: ولو لم يخلف الموصى له أحدا رجعت إلى ورثة الموصي
. هذا تتمة الحكم السابق، وحاصله: أن الموصى له إذا مات في حياة الموصي ولم يخلف
وارثا خاصا رجعت الوصية إلى ورثة الموصي، بمعنى بطلانها حينئذ. وهذا الحكم شامل
باطلاقه لما لو كان موت الموصى له قبل قبوله وبعده. والحكم في الاول واضح، لانه
بموته قبل القبول وعدم قيام أحد مقامه في
(هامش)
(1) في ص: 128. (*)
ص 238
[ولو قال: أعطوا فلانا كذا ولم يبين الوجه، وجب صرفه إليه يصنع به ما شاء.]
القبول
تبطل الوصية، ويرجع إلى ورثة الموصي. ويحتمل على هذا أن ينتقل حق القبول إلى وارثه
العام وهو الامام، لانه وارث في الجملة فيرث حق القبول كما يرثه وارثه الخاص،
لقيامه مقامه في إرث جميع ما يورث عنه، ويتولاه نائبه العام وهو الحاكم الشرعي مع
غيبته، الا ان هذا الاحتمال لم يذكروه مع توجهه. وأما الحكم الثاني - وهو ما إذا
كان موته بعد القبول حيث اعتبرنا القبول المتقدم على الوفاة - فيشكل القول ببطلان
الوصية حينئذ، لتمام سبب الملك بالايجاب والقبول، وتوقفه على الشرط وهو الموت لا
يوجب بطلانه، ومن ثم انتقل إلى الوارث لو كان، فكما أنه بحصول الشرط يتم الملك
للوارث فينبغي ان يتم هنا ايضا. ويمكن الجواب عنه بأن الملك لما كان مشروطا بالموت
لا يحصل بدونه كما هو ظاهر، وحينئذ فلا بد من مستحق صالح للتملك لينتقل إليه الملك،
فان مجرد السبب وان كان تاما لم يوجب نقل الملك قبل حصول الشرط، وحينئذ فان كان
للموصى له وارث انتقل حق الوصية إليه وحكم بملكه، لان له أهلية الملك وان لم يقبل
بناء على القبول السابق، وان لم يكن وارث لم يجد الملك محلا قابلا له لينتقل إليه،
إذ ليس له هناك الا الموصى له وقد فاتت أهليته للملك بموته، أو وارثه والفرض عدمه.
نعم، يتمشى على الاحتمال السابق هنا بطريق أولى ان ينتقل الملك إلى الامام، لتمام
سبب الملك وحصول الشرط، والامام وارث للموصى له كالخاص فينتقل الملك إليه وإن لم
نقل بانتقال حق القبول إليه، لان الحق هنا أقوى. قوله: ولو قال: أعطوا فلانا كذا
ولم يبين الوجه، وجب صرفه إليه يصنع به ما شاء . لان الوصية تمليك فيقتضي تسلط
الموصى له على المال تسلط غيره من الملاك، وهو ظاهر. ولو عين المصرف كما لو قال:
أعطوه ليصرفه في الجهة الفلانية، تعين عليه صرفه فيها، للنهي عن تبديل الوصية، فلو
صرفه في غيرها ضمن ولزمه إقامة بدله وصرفه في الوجه المعين.
ص 239
[ولو أوصى في سبيل الله صرف إلى ما فيه أجر. وقيل: يختص بالغزاة. والاول أشبه.
وتستحب الوصية لذوي القرابة وارثا كان أو غيره،]
قوله: ولو أوصى في سبيل الله صرف
إلى ما فيه أجر. وقيل: يختص بالغزاة. والاول أشبه. الاصل في السبيل الطريق،
والمراد بسبيل الله الطريق إليه، أي: إلى رضوانه أو ثوابه، لاستحالة التحيز عليه
تعالى، وهذا المعنى شامل لكل ما يتقرب به إلى الله فيجب حمل اللفظ عليه حيث لا مخصص
من شرع أو عرف، وهما منتفيان. والقول باختصاصه بالغزاة للشيخ (1) ومن تبعه (2)،
وجعل مصرفه عند تعذر الجهاد ابواب البر من معونة الفقراء والمساكين وابن السبيل
وصلة آل الرسول، محتجين بان حكم الشرع يقتضى صرف السبيل إلى الغزاة، وحكم كلام
الآدميين مع اطلاقه حكم ما اقتضاه الشرع، وهما ممنوعان، والمختار الاول. قوله:
ويستحب الوصية لذوي القرابة وارثا كان أو غيره . لا خلاف في استحباب الوصية
للقرابة في الجملة، وعندنا لا فرق بين الوارث وغيره، لعموم الآية (3) والاخبار (4)،
وقد تقدم (5) الكلام فيه. وفي بعض الاخبار عنهم عليهم السلام من لم يوص عند موته
لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية (6). وسأل محمد بن مسلم عن أبا عبد
الله عليه السلام عن الوصية للوارث
(هامش)
(1) النهاية: 613، المبسوط 4: 35. (2) كما في الوسيلة: 371. (3) البقرة: 180. (4)
الوسائل 13: 373 ب 15 من كتاب الوصايا. (5) في ص: 216. (6) الفقيه 4: 134 ح
466، تفسير العياشي 1: 76، التهذيب 9: 174 ح 708، الوسوائل 13: 471 ب 83 من
كتاب الوصايا ح 3. (*)
ص 240

[وإذا أوصى للاقرب نزل على مراتب الارث، ولا يعطى الابعد مع وجود الاقرب.]
فقال:
تجوز ثم تلا الآية: ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين (1). قوله: وإذا
أوصى للاقرب... الخ . المراد تنزيله على مراتب الارث من حيث المرتبة لا في كيفية
الاستحقاق، فان الوصية يتساوى فيها الذكر والانثى، والمتقرب بالاب والمتقرب
بالابوين والمتقرب بالام وان كانوا إخوة.ومعنى تنزيله على المراتب تقديم المرتبة
الاولى على اهل الثانية، لانها أقرب إلى الميت منها، وكذا الثانية على الثالثة.
ومنه يظهر انه لا يعطى الابعد مع وجود الاقرب، وفائدة ذكره بعد تعيين المراتب إدراج
حكم ابن العم من الابوين مع العم من الاب، فانه في الارث مقدم على العم وان كان ابن
العم أبعد، الا ان ذلك بدليل خارج، ومن ثم كان مستثنى من القاعدة، فلولا قوله:
ولا يعطى الابعد مع وجود الاقرب لاستفيد من تنزيله على مراتب الارث من تقديم ابن
العم هنا أيضا، وهو محتمل الا أن الاصح الاولى. ومقتضى مراعاة المرتبة أنه لو اجتمع
الاخ من الابوين مع الاخ من الاب قدم الاول عليه كما في الارث. وهو كذلك على
الاقوى، مع احتمال تساويهما هنا.
(هامش)
(1) الكافي 7: 10 ح 4، الفقيه 4: 144 ح 493، التهذيب 9: 199 ح 791، 792، الوسائل
13: 374 ب 15 من كتاب الوصايا ح 5، والآية في سورة البقرة: 180. (*)
ص 241
[الخامس في الاوصياء ويعتبر في الوصي العقل والاسلام. وهل يعتبر العدالة؟ قيل: نعم،
لان الفاسق لا أمانة له. وقيل: لا، لان المسلم محل للامانة كما في الوكالة
والاستيداع، ولانها ولاية تابعة لاختيار الموصي فيتحقق بتعيينه.]
قوله: وهل تعتبر
العدالة... الخ . اختلف الاصحاب في اشتراط عدالة الوصي، فذهب الاكثر منهم إلى
اشتراطها محتجين بان الوصاية استيمان على مال الاطفال ومن يجري مجراهم من الفقراء
والجهات التى لا يراعيها المالك، والفاسق ليس أهلا للاستيمان على هذا الوجه وإن كان
أهلا للوكالة، لوجوب الثبت عند خبره. وبأن الوصية تتضمن الركون باعتبار فعل ما أوصى
إليه به من تفرقة المال وانفاقه وصرفه في الوجوه الشرعية، والفاسق ظالم لا يجوز
الركون إليه، لقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) (1). وبأن الوصية استنابة
على مال الغير لا على مال الموصي لا، نتقاله عنه بعدموته، وولاية الوصي انما تحصل
بعد الموت، فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل، بل أولى، لان تقصير وكيل الوكيل
مجبور بنطر الوكيل والموكل وذلك من أكبر البواعث على تحرز وكيل الوكيل من تجاوز
الحدود، بخلاف الوصي فإن ولايته بعد موت الموصي على الجهات التى أشرنا إليها، وهي
مما لا يشارفه (2) فيها أحد غالبا، ولا
(هامش)
(1) هود: 113. (2) كذا في و وفي هامشها و س : يشاركه وفي سائر النسخ غير
واضحة. (*)
ص 242
[...]
يتبع أفعاله، خصوصا إذا كانت في اخراج حقوق لغير منحصر. وذهب ابن ادريس (1)
بعد اضطراب في الفتوى إلى عدم اشتراطها، ورجحه المصنف في النافع (2)، والعلامة في
المختلف (3) بعد ان اختار في غيره من كتبه (4) اشتراطها استنادا إلى أنها ولاية
تابعة لاختيار الموصي كالوكالة. وقدحوا في صغرى القياس في الاول بجواز إيداع الفاسق
وتوكيله. ويضعف بظهور الفرق بين الوكالة والوصية بما أشرنا إليه من مراعاة الموكل
حال الوكيل في كل وقت يختار، وبأنه في الوكالة مسلط على مال نفسه وهنا على مال
غيره، ولهذا اشترطت في وكيل الوكيل. هذا محصل كلام الفريقين. ويمكن ان يقال على
الاول: لا يلزم من عدم أهلية الفاسق للاستيمان ولقبول الخبر اشتراط العدالة، لان
هناك واسطة بينهما، وهو المستور والمجهول الحال فإنه لا يصح وصفه بالفسق بل يعزر
واصفه به فلا يدخل في المدلول. واشتراط عدالة وكيل الوكيل ان أرادوا بها اشتراط
ظهور عدالته - كما هو المشهور - فهو عين المتنازع، وان أرادوا به عدم ظهور الفسق
سلمناه لكن لا يفيد الاشتراط. وبالجملة: لا ريب في اشتراط عدم ظهور فسقه أما اشتراط
ظهور عدالته ففيه بحث.وأما ما احتج به المصنف وغيره على اشتراط ظهورها - بأن الفسق
لما كان مانعا فلا بد من العلم بانتفائه، وذلك هو اشتراط العدالة - فواضح المنع،
لان المانع لا يشترط العلم بعدمه في التأثير بل عدم العلم بوجوده، كما هو المعتبر
في حكم كل مانع.
(هامش)
(1) السرائر: 3: 189. (2) المختصر النافع: 164. (3) مختلف الشيعة 2: 510. (4)
التذكرة 2: 511، القواعد 1: 353. (*)
ص 243
[أما لو أوصى إلى العدل ففسق بعد موت الموصي أمكن القول ببطلان وصيته، لان الوثوق
ربما كان باعتبار صلاحه فلم يتحقق عند زواله، فحينئذ يعزله الحاكم ويستنيب مكانه.]
قوله: أما لو أوصى إلى العدل ففسق بعد موت الموصي... الخ . هذا استدراك من الحكم
السابق، وحاصله: ان العدالة وان لم تشترط ابتداء فانه لو أوصى إلى عدل ففسق بعد موت
الموصي اتجه القول ببطلان وصيته، لانا إذا لم نشترطها وأوصى إلى الفاسق ابتداء يكون
الموصي قد أقدم على الوصية ورضي به، فلا يؤثر فسقه، أما لو أوصى إلى العدل ابتداء
ففسق ينعزل، لما أشار إليه المصنف من أن الباعث على الايصاء إليه بخصوصه ربما كان
باعتبار عدالته، فإذا زالت العدالة فات الباعث فتبطل. ولم يجزم المصنف بالحكم، بل
قال: أمكن القول بالبطلان لذلك، لانه ايضا يمكن القول بعدم البطلان، لان الوصية
إليه لا يتعين ان يكون الباعث عليها عدالته، بل جاز ان يكون أمرا آخر من صحبة
وقرابة وغير ذلك والوصف اتفاقي، وجاز أن تكون العدالة مزيدة في الباعث لا سببا تاما
فلا يقدح فواتها، ولانها إذا لم تشترط ابتداء كانت استدامة الفسق غير مانعة من صحة
الوصية ابتداء فأولى أن لا يمنع صحتها استدامة ابتداؤه، لان استدامة كل شيء أقوى من
ابتدائه.وما استدركه المصنف بطريق الامكان جزم به العلامة (1) وحكم ببطلان الوصية
حينئذ. وهو قوي ان ظهر كون الباعث على نصبه عدالته، والا فلا، وفاقا في الثاني لابن
ادريس (2). وبما حكيناه يظهر فساد ما قيل: انه لا خلاف في بطلانها عندنا الفسق على
هذا الوجه. وحيث حكم ببطلان الوصية بفسقه لا تعود بعوده عدلا، للاصل.
(هامش)
(1) القواعد 1: 353، التحرير 1: 303، المختلف: 510، الارشاد 1: 463، التبصرة: 129.
(2) السرائر 3: 190. (*)
ص 244
[...]
وبقي في العبارة أمران: أحدهما: تقييده بكون فسقه بعد موت الموصي يستفاد منه
بحسب المفهوم انه لو فسق في حياته لم ينعزل، مع أن العلة المذكورة لعزله متناولة
للحالتين. ويمكن الفرق: بأن فسقه في حياته مع استمراره عليه يؤذن برضاه بوصايته
فاسقا بخلاف ما لو فسق بعد موته. لكن يجب تقييد هذا بعلم الموصي بفسقه، والا فلا
دلالة له على رضاه به على تلك الحالة. ويمكن ان يكون ذلك مبنيا على ان المعتبر في
صفات الوصي بحالة الوفاة لا حالة الوصاية، كما هو أحد الوجوه في المسألة. فإذا فسق
في حال حياة الموصي واستمر كذلك إلى بعد وفاته لم تنعقد الوصاية له الا وهو فاسق
فيكون كما لو نصبه فاسقا، بخلاف ما إذا تجدد الفسق بعد موته فانه امر طار على الحكم
بوصايته، فتنزيلها لما ذكر. والمتجه الفرق بين علم الموصي بفسقه وعدمه على تقدير
حصول الفسق حال حياته على كل حال. والثانى: ان قوله: أمكن بطلان وصيته يقتضى
انعزاله وان لم يعزله الحاكم، وقوله: فحينئذ يعزله الحاكم ينافيه. والحق على
هذا التقدير انعزاله وان لم يعزله الحاكم، لفوات الباعث المنزل منزلة الشرط فيفوت
المشروط بفواته. وربما اعتذر لهبأن المراد بعزل الحاكم له تسلط الحاكم على منعه من
التصرف وإقامة غيره مجازا في عزله. وقد اتفقت هذه المسألة في عبارة الشافعية (1)،
واختلفوا في بطلان الوصية بذلك من رأس أو تسلط الحاكم على فسخها من غير أن تبطل،
وتظهر الفائدة في تصرفه قبل ان يعزله الحاكم. وهذه العبارة جيدة، فأخذ المصنف
والعلامة ناظر إلى (2) الوجهين.
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 8: 334، روضة الطالبين 5: 274، رحمة الامة: 197. (2) كذا في
الحجريتين. وفي و ينظر في. وفي غيرها: نظر في. (*)
ص 245

[ولا تجوز الوصية إلى المملوك الا باذن مولاه. ولا تصح الوصية إلى الصبي منفردا،
وتصح منضما إلى البالغ، لكن لا يتصرف الا بعد بلوغه.]
ويقوى الاشكال لو لم يكن هناك
حاكم يعزله، فان الفائدة المطلوبة للموصي من عدالته منتفية رأسا. والاقوى - تفريعا
على كون ذلك مانعا من الصحة - البطلان وان لم يعزله الحاكم، ليحصل الغرض. قوله:
ولا تجوز الوصية إلى المملوك الا بإذن مولاه . لان منافعه مملوكة لمولاه، والوصية
إليه تستدعي نظرا منه في الموصي فيه وسعيا على تحصيل المطلوب منها، وهو يستلزم
التصرف في ملك الغير، فيتوقف على إذنه، فإذا أذن زال المانع لان المنع لحقه، خلافا
لبعض العامة (1) حيث منع من الوصية إليه مطلقا. إذا تقرر ذلك: فلو اذن المولى له في
الوصاية لم يكن له الرجوع في الاذن حيث يلزم الوصي المضي فيها بأن مات الموصي، وحيث
لا يلزمه المضي يجوز للمولى الرجوع لكن بشرط إعلام الموصي كالحر. وبالجملة: فيقوم
المولى في ذلك مقام الوصي وإن كان فعل متعلق الوصية منوطا بالمملوك. قوله: ولا
تصح الوصية إلى الصبي منفردا... الخ .فائدة صحة الوصية إلى الصغير منضما مع عدم
صحة تصرفه صغيرا تأثير نصبه في تلك الحال في جواز تصرفه بعد البلوغ. ومستند جواز
الوصية إليه منضما رواية علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن - عليه السلام - عن
رجل أوصى إلى امرأة وشرك في الوصية معها صبيا، فقال: يجوز ذلك، وتمضي المرأة الوصية
ولا تنتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ الصبي فليس له ألا يرضى الا ما كان من تبديل أو
تغيير، فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت . (2) وفي صحيحة الصفار قال: كتبت
إلى ابي محمد
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 8: 329، المغني لابن قدامة 6: 602. (2) الكافي 7: 46 ح 1، الفقيه
4: 155 ح 538، التهذيب 9: 184 ح 743، الاستبصار 4: 140 ح 522، الوسائل 13: 439 ب
50 من كتاب الوصايا ح 2. (*)
ص 246
[...]
عليه السلام: رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار، أيجوز
للكبار أن ينفذوا وصيته ويقضوا دينه لمن يصح على الميت شهود عدول قبل ان يدرك
والاوصياء الصغار؟ فوقع عليه السلام: نعم، على الاكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم
ولا يحبسوه بذلك (1). ويدل على جواز تصرف الكبير قبل بلوغ الصغير - مضافا إلى
الخبرين - أنه في تلك الحال وصي منفردا وانما التشريك معه بعد البلوغ، كما لو قال:
أنت وصيي وإذا حضر فلان فهو شريكك. ومن ثم لم يكن للحاكم ان يداخله ولا أن يضم إليه
آخر ليكون نائبا عن الصغير. واما إذا بلغ الصغير فلا يجوز للبالغ التفرد وان كان
ذلك غير مستفاد من الخبرين، لانه الآن غير مستقل فيرجع إلى تلك القاعدة.واعلم: ان
صحة الوصية إلى الصبي منضما على خلاف الاصل، لانه ليس من اهل الولاية، ولكن جاز ذلك
للنص، فلا يلزم مثله في الوصية إليه مستقلا وان شرط في تصرفه البلوغ وكان ذلك في
معنى المنضم، وقوفا فيما خالف الاصل على مورده، ولانه يغتفر في حال التبعية ما لا
يغتفر استقلالا. واعلم ايضا: ان مورد المسألتين في الكتاب واحد، وهو جواز انضمام
الصغير إلى البالغ في الوصاية، غير ان الاولى تضمنت حكم تصرف الصبي في أنه مشروط
ببلوغه، والثانية تضمنت جواز تصرف الكبير قبل بلوغ الصغير وعدم جواز انفراده بعد
بلوغه. ولو جمع الاحكام الثلاثة في مسألة واحدة كما فعل غيره كان أخصر، فيقول بعد
قوله: لكن لا يتصرف الا بعد بلوغه : ويتصرف الكبير منفردا... إلى آخره فيستغني
عن فرض مسألتين.
(هامش)
(1) الكافي 7: 46 ح 2، الفقيه 4: 155 ح 539، التهذيب 9: 185 ح 744، الوسائل 13: 438
ب 50 من كتاب الوصايا ح 1. (*)
ص 247
[ولو أوصى إلى اثنين احدهما صغير، تصرف الكبير منفردا حتى يبلغ الصغير، وعند بلوغه
لا يجوز للبالغ التفرد. ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل، كان للعاقل الانفراد
بالوصية ولم يداخله الحاكم، لان للميت وصيا. ولو تصرف البالغ ثم بلغ، لم يكن له نقض
شيء مما أبرمه، الا أن يكون مخالفا لمقتضى الوصية.]
قوله: ولو مات الصغير أو بلغ
فاسد العقل... الخ . انما كان له ذلك لان شركة الصبي له مشروطة ببلوغه كاملا ولم
يحصل، فيبقىالاستقلال الثابت أولا له بالنص على حاله، عملا بالاستصحاب. ومداخلة
الحاكم مشروطة بعدم وجود الوصي المستقل، وهو هنا موجود. وهو معنى قول المصنف: لان
له وصيا أي مستقلا، وإلا فالحاكم يداخل الوصي غير المستقل. ويمكن ان يريد به مطلق
الوصي، لما سيأتي من تعليله بذلك في مسألة الوصي غير المستقل. وربما احتمل بطلان
استقلاله بذلك، لان الموصي انما فوض إليه الاستقلال إلى حين بلوغ الصبي، فكأنه جعله
مستقلا إلى مدة مخصوصة لا مطلقا. وقد تردد في الحكم العلامة في التذكرة (2) والشهيد
في الدروس (3). وفيما اختاره المصنف قوة. نعم، لو بلغ الصبي رشيدا ثم مات بعده ولو
بلحظة زال الاستقلال، لفقد شرطه. قوله: ولو تصرف البالغ ثم بلغ الصبي... الخ .
قد سلف (4) في الخبرين المتقدمين ما يدل على هذا الحكم، ولان البالغ وصي مستقل
حينئذ، فتصرفه نافذ مطلقا. واعلم: ان التصرف متى كان مخالفا لمقتضى الوصية فهو باطل
لا يتوقف
(هامش)
(1) في ص: 254. (2) التذكرة 2: 510. (3) الدروس: 248. (4) في ص: 245. (*)
ص 248
[ولا تجوز الوصية إلى الكافر ولو كان رحما. نعم، يجوز أن يوصي إليه مثله. وتجوز
الوصية إلى المرأة إذا جمعت الشرائط.]
إبطاله على نقض الصبي بعد بلوغه، فالاستثناء
في العبارة منقطع، وقد تبع فيه الرواية فانه قال فيها: الا ما كان من تبديل أو
تغيير، فان له ان يرده إلى ما أوصى به الميت . وكان حق العبارة الاقتصار على منعه
من نقض ما كان موافقا للشرع، فان ما خالفه منقوض. قوله: ولا تجوز الوصية إلى
الكافر... الخ .لان الكافر ليس من اهل الامانة ولا الولاية، والركون إليه منهي عنه
(1) لانه ظالم، والرحمية هنا لا دخل له في الجواز. واما جواز وصية مثله إليه
فلاجرائه على حكمه لو ترافعوا الينا، لا الحكم بصحتها عندنا ان اشترطنا العدالة،
لان الكافر أسوء حالا من الفاسق المسلم. ويحتمل قويا الحكم بصحتها مطلقا مع عدالته
في دينه، لان الغرض منها صيانة مال الطفل وحفظ ماله واداء الامانة، وإذا كان الكافر
في دينه مجانبا للمحرمات قائما بالامانات حصل الغرض المطلوب منه، بخلاف فاسق
المسلمين. قوله: وتجوز الوصية إلى المرأة إذا جمعت الشرائط . هذا عندنا موضع
وفاق، وقد تقدم (2) في حديث علي بن يقطين ما يدل على الصحة، بل إذا حصلت الشرائط في
أم الاطفال فهي أولى من غيرها، لمزيد الحنو. لكن روى الشيخ في التهذيب عن السكوني
مرسلا، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين - عليه السلام -:
المرأة لا يوصى إليها، لان الله تعالى يقول: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم (3). ثم
حملها على ضرب من الكراهة جمعا.
(هامش)
(1) هود: 113. (2) في ص: 245، هامش (2). (3) التهذيب 9: 245 ح 953. ورواه في الفقيه
4: 168 ح 585 مسندا. والحديث في الوسائل 13: 442 ب (53) من كتاب الوصايا ح 1،
والآية في سورة النساء: 5. (*)
ص 249
[ولو أوصى إلى اثنين، فإن أطلق أو شرط اجتماعهما، لم يجز لاحدهما ان ينفرد عن صاحبه
بشيء من التصرف.]
قوله: ولو أوصى إلى اثنين... الخ . أما مع شرطه الاجتماع
فظاهر، لانه لم يرض برأي احدهما منفردا، فولايتهما لمتثبت الا على هذا الوجه. واما
إذا أطلق فلان المفهوم من إطلاقه إرادة الاجتماع. ولو حصل الاشتباه فثبوت الولاية
لهما مجتمعين معلوم، وثبوتها لكل واحد منفردا مشكوك فيه، فيؤخذ باليقين ويرجع إلى
اصالة انتفائها عن كل واحد منفردا. وذهب الشيخ (1) في أحد قوليه ومن تبعه (2) إلى
جواز انفراد كل منهما مع الاطلاق، ولعله استند إلى رواية بريد بن معاوية، قال: ان
رجلا مات وأوصى الي والى آخر أو إلى رجلين، فقال احدهما: خذ نصف ما ترك وأعطني
النصف مما ترك، فأبى عليه الاخر، فسألوا أبا عبد الله - عليه السلام - عن ذلك فقال:
ذلك له (3). مع ان الشيخ في التهذيب حمل قوله: ذلك على إباء صاحبه، أي: له ان
يأبى عليه ولا يجيبه إلى ملتمسه. وانما حمله على ذلك لئلا ينافى ما رواه محمد بن
الحسن الصفار في الصحيح قال: كتبت إلى ابي محمد عليه السلام: رجل كان أوصى إلى
رجلين، أيجوز لاحدهما ان ينفرد بنصف التركة والاخر بالنصف؟ فوقع عليه السلام: لا
ينبغي لهما ان يخالفا الميت، وان يعملا على حسب ما امرهما ان شاء الله تعالى (4).
ويمكن ان يقال: لا وجه لحمل تلك الرواية على ذلك الوجه البعيد لتوافق هذه، لانه ليس
في هذه ما يدل على وجوب الاجتماع، لان لفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة لا الحظر
ففيها دلالة على جواز الانفراد على كراهة، وتبقى تلك مؤيدة لها كما
(هامش)
(1) النهاية: 606. (2) كما في المهذب 2: 116 - 117 والجامع للشرايع: 492. (3)
الكافي 7: 47 ح 2، الفقيه 4: 151 ح 524، التهذيب 9: 185 ح 746، الاستبصار 4:118 ح
449، الوسائل 13: 440 ب (51) من كتاب الوصايا ح 1. وروي في الكافي 7: 46 ح 1،
والفقيه 4: 151 بوجه آخر. (*)
ص 250

[ولو تشاحا، لم يمض ما ينفرد به كل واحد منهما عن صاحبه الا ما لا بد منه، مثل كسوة
اليتيم ومأكوله. وللحاكم جبرها على الاجتماع، فان تعاسرا جاز له الاستبدال بهما.]
فهمه الشيخ في فتوى النهاية، فانه اجود مما فهمه في التهذيب، مع ان المتأخرين
كالعلامة في المختلف (1) ومن بعده (2) فهموا من الرواية المنع من الانفراد،
واستحسنوا حمل الرواية الاخرى على ما ذكره الشيخ. وربما رجح الحمل بأن الاباء أقرب
من القسمة فعود اسم الاشارة إليه أولى. وفيه: ان الاشارة ب ذلك إلى البعيد،
فحمله على القسمة انسب باللفظ (3). ويمكن ان يستدل لهم من الرواية الصحيحة لا من
جهة قوله: لا ينبغي بل من قوله: أن يخالفا الميت، وأن يعملا على حسب ما
أمرهما فإن ذلك يقتضى حمل الاطلاق على امره بالاجتماع، ومع امره به لا يبقى في
عدم جواز المخالفة إشكال، ويتعين حمل لا ينبغي على التحريم، لانه لا ينافيه بل
غايته كونه أعم أو متجوزا به فيه بقرينة الالفاظ الباقية. وهذا أجود. إذا علمت ذلك:
فمعنى وجوب اجتماعهما في الحالتين اتفاقهما على الرأي الواحد على وجه واحد يحكمان
بكونه مصلحة، وإذا توقف على عقد فليصدر عن رأيهما، أما بمباشرة أحدهما بإذن الآخر،
أو غيرهما بإذنهما. قوله: ولو تشاحا لم يمض... الخ .إذا تشاح الوصيان في صورة
اشتراط الموصي اجتماعهما، أو إطلاقه على القول بحمله على الاجتماع، أي تمانعا وأبى
كل منهما على صاحبه أن يوافقه، لم يمض ما
(هامش)
(1) المختلف 2: 512. (2) راجع ايضاح الفوائد 2: 631 ولكنه لم يتعرض لحمل الرواية،
والتنقيح 2: 389 - 390 ولكنه تنظر في حمل الرواية، وجامع المقاصد 11: 291. (3) في
س و ش : بالغرض. (*)
ص 251
[...]
تفرد به احدهما من التصرف، لان الموصي لم يرض برأيه منفردا، فيكون تصرفه بغير
إذن كتصرف الأجنبي. واستثنى المصنف وجماعة (1) منه ما تدعو الحاجة إليه، ولا يمكن
تأخيره إلى وقت الاتفاق، من نفقة اليتيم والرقيق والدواب، ومثله شراء كفن الميت.
وزاد بعضهم (2) قضاء ديونه، وانفاذ وصية معينة، وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات
النفع، والخصومة عن الميت وله، وعن الطفل وله مع الحاجة، ورد الوديعة المعينة،
والعين المغصوبة. وقال أبو الصلاح: مع التشاح يرد الناظر في المصالح الامر إلى من
كان أعلم بالامر وأقوى عليه، ويجعل الثاني تبعا له (3). وفيه: استلزامه تخصيص
احدهما وقد منعه الموصي من ذلك. وأطلق الشيخ في المبسوط (4) عدم جواز تصرف أحدهما
مع التشاح في القسمين من غير استثناء. ومال العلامة في القواعد (5) إلى الفرق بين
حالة الاطلاق والنهي عن الانفراد، فاحتمل ضمان المتفرد في الثاني مطلقا، وجواز ما
لابد منه في حالة الاطلاق، وحمل كلام الاصحاب على ذلك. ويشكل بأن من الاصحاب من (6)
صرح بعدم الفرقبين الحالتين فلا يمكن حمل كلامه على التفصيل، وبأن حالة الاطلاق ان
حملت على ارادة الاجتماع كما فهموه لا وجه للفرق، وان كانت حالة النهي عن الانفراد
آكد. وقيل: يضمن المنفرد مطلقا. ولعله أجود.
(هامش)
(1) كالشهيد في الدروس: 248، والسيوري في التنقيح الرائع 2: 388، والكركي في جامع
المقاصد 11: 292. (2) جامع المقاصد 11: 292. (3) الكافي (في الفقه): 366. (4)
المبسوط 4: 54. (5) القواعد 1: 354. (6) راجع المبسوط 4: 54، والسرائر 3: 190. (*)
ص 252
[...]
إذا تقرر ذلك: فقد اطلق المصنف وغيره (1) انهما في هاتين الحالتين مع التعاسر
يجبرهما الحاكم على الاجتماع، فان لم يتفق جاز له الاستبدال بهما. ولا يخلو على
إطلاقه من إشكال على القول باشتراط العدالة، لانهما بتشاحهما حيث يمكن الاجتماع
واصرارهما عليه يخرجان عن العدالة، خصوصا مع اجبار الحاكم لهما وتعاسرهما بعده.
والذى ينبغى تفريعا على اشتراط العدالة الحكم بفسقهما مع تشاحهما حيث يمكنهما
الاجتماع ويكون ذلك محض العناد، ويستبدل بهما الحاكم. ولقد احسن ابن ادريس هنا حيث
قال: فإن تشاحا في الوصية والاجتماع لم ينفذ شيء مما يتصرفان فيه - إلى قوله -
وللناظر في أمور المسلمين الاستبدال بهما، لانهما حينئذ قد فسقا، لانهما اخلا بما
وجب عليهما القيام به، وقد بينا ان الفسق يخرج الوصية من يده (2) ومع ذلك ففي
كلامه خبط من جهة أنه قبله بلا فصل صرح بعدم اشتراط العدالة، وانكر على الشيخ القول
بها وبأن الوصي إذا فسق يخرج من يده ثم عقبها بمسألة الوصيين - وهي هذه - بلا
فصل.والحاصل: أنه مع اشتراط العدالة يلزم القول بانعزالهما مع التشاح الموجب
للاخلال بالواجب مع الاصرار عليه حيث لم يثبت كون مثل ذلك من الكبائر. نعم، يمكن
فرض التشاح من غير فسق بان يختلف نظرهما في الامر، فلا يمكنهما الاجتماع على رأي
واحد منهما، لان كل واحد منهما فرضه العمل بما يقتضيه نظره، ومثل هذا يجب استثناؤه،
ولا يمكن الحاكم اجبارهما على الاجتماع فيه. ويبقى الكلام فيما يمكن فيه الاجتماع
ويكون الاختلاف مستندا إلى التشهي أو الميل الطبيعي، بأن أراد أحدهما الصدقة بالمال
الموصى به بتفرقته على اشخاص معينين، وأراد الآخر غيرهم مع استحقاق الجميع، أو أراد
أحدهما شراء نوع من
(هامش)
(1) راجع النهاية: 606، المهذب 2: 116، والوسيلة: 373، وتلخيص الخلاف 2: 290 ذيل
مسألة (39). (2) السرائر 3: 191. (*)
ص 253
[ولو ارادا قسمة المال بينهما لم يجز. ولو مرض احدهما أو عجز ضم البه الحاكم من
يقويه.]
المأكول والملبوس للطفل، وأراد الاخر غيره مع اشتراكهما في المصلحة، ونحو
ذلك، فإن مثل هذا يجب فيه الاتفاق، ويخل تركه بالواجب حيث لا يكون أمره موسعا،
ويحكم بانعزالهما مع التشاح فيه، خصوصا مع وقوع التصرف بالفعل منفردا. وقد اقتصروا
على التعبير بأن التصرف حينئذ لا ينفذ، وبالغ في التذكرة (1) فصرح بأنهما لا
ينعزلان بالاختلاف، وأن اللذين أقامهما الحاكم نائبان عنهما. قوله: ولو أرادا
قسمة المال بينهما لم يجز . لان القسمة تقتضي انفراد كل منهما بالتصرف فيما خصه من
القسمة، وهو خلاف مراد الموصي من الاجتماع فيه. والحكم مع النص على الاجتماع واضح،
ومع الاطلاق فيه ما مر. قوله: ولو مرض أحدهما أو عجز ضم إليه الحاكم من يقويه .
الضمير البارز في قوله: إليه و يقويه يرجع إلى المريض والعاجز، بمعنىان
الحاكم يضم إلى المريض أو العاجز شخصا يقويه ويعينه على التصرف، لان مرضه وعجزه لا
يخرجه عن الوصاية لجواز الوصية إلى المريض والعاجز ابتداء، فكما لا يقدح ذلك في في
الابتداء فكذا لا يقدح في الاستدامة. وحينئذ فيعتبر اجتماع الثلاثة على التصرف، حتى
لو كان وصيا منفردا فمرض أو عجز عن الاستقلال ضم الحاكم إليه ايضا من يعينه كما
سيأتي (2) ولم يرتفع امره بالكلية فكذا هنا. وفي الدروس (3) جعل الضم مع عجز احدهما
إلى الاخر كما لو جن أو فسق. ويمكن الجمع بحمل العجز هنا على القيام بجميع ما كلف
به مع ثبوت أصل القدرة، فالضميمة إليه تحصل الغرض، وحمل العجز في كلام الدروس على
العجز
(هامش)
(1) التذكرة 2: 509. (2) في ص: 258. (3) الدروس: 248. (*)
ص 254
[أما لو مات أو فسق لم يضم الحاكم إلى الاخر، وجاز له الانفراد، لانه لا ولاية
للحاكم مع وجود الوصي، وفيه تردد.]
الكلى بقرينة مشاركة الفاسق والمجنون له في
الحكم، وبقرينة الحكم بالضم إلى الاخر ايضا. ويجوز ان يعود الضمير في عبارة المصنف
إلى الوصي الاخر المدلول عليه بأحدهما ضمنا، ويريد بالعجز والمرض البالغين حد المنع
من اصل الفعل، كما فرضه في الدروس، وتكون التقوية حينئذ للوصي الاخر. ولكن الاول
انسب بالمقام. قوله: أما لو مات أو فسق لم يضم الحاكم... الخ . إذا تعذرت مشاركة
احد الوصيين على الاجتماع لصاحبه بموت، أو فسق، أو عجز كلي، أو جنون، أو غيبة
بعيدة، فقد ذهب المصنف وأكثر الاصحاب إلى ان الوصي الاخر يستقل بالوصية من غير ان
يضم إليه الحاكم بدلا، لانه لا ولايةللحاكم مع وجود الوصي، وهو هنا موجود فان نصب
الاخر معه لم يخرجه عن كونه وصيا، ولهذا يقال: نصب وصيين. وقد تردد المصنف في
الحكم، ووجهه مما ذكر، ومن أن الموصي لم يرض برأي احدهما منفردا، فتصرفه وحده مناف
لمقصود الموصي. ويمنع من انتفاء ولاية الحاكم مع مطلق الوصي بل مع المنفرد، لان
ولاية الحاكم تتعلق بما لا يشرع انفاذه لغيره من احكام الميت هنا، وهو هنا موجود.
ويمكن ان يدعى إليه ان احد الوصيين على الاجتماع ليس وصيا حقيقيا بل جزء وصي،
وإطلاق الوصي عليه لا يستلزم الحقيقة. والاقوى وجوب الضم، وليس للحاكم ان يفوض إليه
وحده وإن كان عنده صالحا للاستقلال، لان الموصي لم يرض برأيه وحده، وعند وجود إرادة
الموصي لا يعتبر إرادة الحاكم، لان ذلك كمنعه من كونه وصيا بالانفراد فلا يتخطاه
الحاكم. وكذا لا يجوز للحاكم عزله وإقامة بدله متحدا ومتعددا لما ذكرناه من تقديم
منصوب الموصي، وهو هنا موجود.
ص 255

[ولو شرط لها الاجتماع والانفراد، كان تصرف كل واحد منهما ماضيا ولو انفرد. ويجوز
ان يقتسما المال، ويتصرف كل واحد منهما فيما يصيبه، كما يجوز انفراده قبل القسمة.
وللموصى إليه ان يرد الوصية ما دام الموصي حيا، بشرط ان يبلغه الرد.]
قوله: ولو
شرط لهما الاجتماع والانفراد... الخ . المراد بشرط الاجتماع لهما والانفراد تسويغ
الانفراد، ولو عبر به كان أظهر وأخصر، فإن شرط الاجتماع هنا لا دخل له في الحكم،
الا ان يجعل تنبيها على قسم رابع، وهو ما إذا شرط لهما الانفراد ومنعهما من
الاجتماع، فان ذلك جائز ويجب فيهاتباع شرطه فيكون التعبير بشرط الاجتماع لهما
والانفراد إشارة إلى تسويغ الامرين معا. وكيف كان فمع الاذن في الانفراد يكون تصرف
كل منهما بمقتضى الوصية ماضيا، لان كلا منهما وصي مستقل. ويجوز لهما حينئذ اقتسام
المال وتصرف كل منهما فيما يصيبه، وليست قسمة حقيقية بل لكل منهما بعد القسمة
التصرف في قسمة الآخر، كما يجوز قبل القسمة، لان كل منهما وصي في المجموع. ولا فرق
في جواز القسمة بين جعلها متساوية ومتفاوتة حيث لا يحصل بها ضرر. قوله: وللموصي
إليه أن يرد الوصية... الخ . قد تقدم (1) ان الوصية من العقود الجائزة في حياة
الموصى، لكل من الموصي والموصى له واليه فسخها في حياة الموصي. فان كانت الوصية
بالولاية وقبلها الوصي، فان كان بعد وفاة الموصي لم يكن له ردها، كما ليس له رد
المال الموصى به بعد القبول والوفاة. وان كان الرد في حياة الموصي جاز كما له رد
المال، لان الوصاية إذن له في التصرف المخصوص، فله ان لا يقبل الاذن كالوكالة، لكن
يختص حكم الوصاية بكون بطلانها مشروطا بأن يبلغ الموصي الرد، فلو لم يبلغه لزمت كما
لو رد بعد الوفاة.
(هامش)
(1) في ص: 135. (*)
ص 256
[...]
وظاهرهم الاتفاق على هذا الحكم، وفي الاخبار ايماء إليه، ففي رواية منصور بن
حازم عن ابي عبد الله عليه السلام قال: إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له
ان يرد عليه وصيته، لانه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره (1).ومقتضى هذا
التعليل ان صحة الرد مشروطة ببلوغه الخبر، لانه إذا كان مشروطا بدون القبول فبه
أولى، وفي معناها كثير، ولانه على تقدير قبوله يكون قد غره ومنعه من طلب غيره فلم
يكن له أن يضيع حقه. أما لو رد في حياته وبلغه الرد فان الوصية تبطل اقتصارا
باللزوم على موضع الوفاق فيما خالف الاصل، ولانتفاء المحذور هنا. واعلم: ان كل موضع
يلزمه الوفاء بالوصية لو امتنع من القيام بها فإن أصر عليه خرج عن أهلية الوصاية
بفسقه على القول باعتبار العدالة فيخرج عن الوصاية. ولو كان جاهلا بالوجوب أو لم
نشترطها اجبره الحاكم على القيام بها وأخبره بالوجوب. وأطلق جماعة (2) من الاصحاب
إجبار الحاكم له مع امتناعه، وهو مقيد بعدم الخروج بالترك عن الاهلية. وبقي في
المسألة أمر آخر، وهو انه هل يشترط مع بلوغ الموصي الرد إمكان إقامته وصيا غيره، أم
يكفي مطلق بلوغه حيا، ظاهر الفتاوى الثاني، ومقتضى التعليل الاول، لانه إذا لم
يمكنه نصب وصى آخر يكون بمنزلة ما لو يعلم بالرد. والاجود اعتبار الامكان كما يرشد
إليه قوله عليه السلام: لانه لو كان شاهدا وأبى أن يقبلها طلب غيره فإن العلة
المنصوصة تتعدى على الاقوى، ولانتفاء الفائدة بدونه، فعلى هذا لو كان حيا ولكن لم
يمكنه نصب احد ولو بالاشارة لم يصح الرد. ولو أمكن ولكن كان المنصوب غائبا بحيث
يتوقف ثبوت وصايته على البينة ولم يحضر
(هامش)
(1) الكافي ذ: 6 ح 3، الفقيه 4: 145 ح 500، التهذيب 9: 206 ح 816، الوسائل 13: 398
ب 23 من كتاب الوصايا ح 3. (2) كما في القواعد 1: 354، وتلخيص الخلاف 2: 283
ضمن مسألة (21). (*)
ص 257
[ولو مات قبل الرد، أو بعده ولم يبلغه، لم يكن للرد أثر، وكانت الوصية لازمة
للموصي.]
الموصي من تثبت به الوصاية ففي تنزيله منزلة عدم التمكن من الوصاية وجهان،
منحصول أصل القدرة وتحقق الشرط، ومن انتفاء فائدته من اعتبار عدم ثبوته. قوله:
ولو مات قبل الرد أو بعده... الخ . إطلاق كلامه يشمل ما لو كان قد قبل الوصية ثم
ردها وما إذا لم يقبلها أصلا. والحكم في الاول موضع وفاق، وقد تقدم (1). واما
الثاني فالمشهور بين الاصحاب ان الحكم فيه كذلك، واستندوا فيه إلى اخبار كثير:
منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن ابي عبد الله - عليه السلام - قال: ان أوصى رجل إلى
رجل وهو غائب فليس له ان يرد وصيته، فإذا أوصى إليه وهو بالبلد فهو بالخيار إن شاء
قبل وان شاء لم يقبل (2). ومنها: صحيحة الفضيل بن يسار عنه عليه السلام في رجل
يوصى إليه، قال: إذا بعث إليه بها من بلد فليس له ردها، وان كان في مصر يوجد فيه
غيره فذاك إليه (3). ومنها: رواية منصور بن حازم عنه عليه السلام قال: إذا أوصى
الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له ان يرد عليه وصيته، لانه لو كان شاهدا فأبى أن
يقبلها طلب غيره . (4)
(هامش)
(1) في ص: 255. (2) في هامش و: رواية محمد بن مسلم رواها الشيخ في الحسن عن
علي بن ابراهيم عن أبيه عن حماد عن ربعي عن محمد، ورواها ابن بابويه في الفقيه في
الصحيح. منه رحمه الله راجع الكافي 7: 6 ح 1، الفقيه 4: 144 ح 496، التهذيب 9:
205 ح 814، الوسائل 13: 398 ب 23 من كتاب الوصايا ح 1.(3) الكافي 7: 6 ح 2،
الفقيه 4: 144 ح 497، التهذيب 9: 205 ح 815، الوسائل 13: 398 ب 23 من كتاب
الوصايا ح 2. (4) مر في الصفحة المقابلة هامش (1). (*)
ص 258
[ولو ظهر من الوصي عجز، ضم إليه مساعد.]
ومنها: حسنة هشام بن سالم عنه عليه السلام
في الرجل يوصي إلى رجل بوصية فأبى ان يقبلها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا
يخذله على هذه الحال (1). وذهب العلامة في التحرير (2) والمختلف (3) إلى جواز
الرجوع ما لم يقبل، عملا بالاصل، وبدفع الضرر المنفي بقوله تعالى: (ما جعل عليكم في
الدين من حرج) (4) وقوله صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار (5) وحمل الاخبار
على حصول القبول أولا، لانه عقد فلا بد فيه من القبول. والحق: ان هذه الاخبار ليست
صريحة في المدعى، لتضمنها أن الحاضر لا يلزمه القبول مطلقا والغائب يلزمه مطلقا،
وهو غير محل النزاع. نعم، في تعليل الرواية المتقدمة ايماء إلى الحكم، الا ان اثبات
مثل هذا الحكم المخالف للاصول الشرعية - باثبات حق الوصاية إلى الموصى إليه على وجه
القهر، وتسليط الموصي على إثبات وصيته على من شاء، بحيث يوصي ويطلب من الشهود كتمان
الوصية إلى حين موته، ويدخل على الوصي الحرج والضرر غالبا - بمجرد هذه العلة
المستندة إلى سند غير واضح بعيد. ولو حملت هذه الاخبار على سبق القبول، أو على
شدةالاستحباب، كان أولى. ولو حصل للوصي ضرر ديني أو دنيوي أو مشقة لا يتحمل مثلها
عادة، أو لزم من تحملها عليه ما لا يليق بحاله من شتم ونحوه، قوي جواز الرجوع.
قوله: ولو ظهر من الوصي عجز ضم إليه مساعد . لا فرق بين وجود العجز من الوصي عن
الاستقلال بالوصية حال الوصية إليه،
(هامش)
(1) الكافي 7: 6 ح 5، الفقيه 4: 145 ح 499، التهذيب 9: 206 ح 818، الوسائل 13: 399
ب 23 من كتاب الوصايا ح 4. (2) التحرير 1: 303. (3) مختلف الشيعة 2: 499. (4)
سورة الحج: 78. (5) راجع الوسائل 17: 340 ب 12 من كتاب احياء الموات. (*)
ص 259
[...]
وتجدده بعدها قبل موت الموصي وبعده. فكما لا تبطل وصيته بالعجز الطارئ زمن
وصايته لا تبطل لو كان متصفا به ابتداء، ويضم الحاكم إليه مساعدا في الحالين حيث
يقتصر الموصي عليه. وعموم الادلة متناول لما ذكرناه في القسمين، وبه صرح في
التذكرة، فقال: الظاهر من مذهب علمائنا جواز الوصية إلى من يعجز عن التصرف ولا
يهتدي إليه، لسفه أو هرم أو غيرهما، وينجبر نقصه بنظر الحاكم (1). ولكن الشهيد في
الدروس (2) توقف في صحة الوصية إلى العاجز ابتداء، منحيث وجوب العمل بقول الموصي ما
أمكن، ومن عدم الفائدة المقصودة في الوصية. ويمكن منع عدم الفائدة على هذا التقدير،
لجواز ان يكون العاجز ذا رأي وتدبير ولكنه عاجز عن الاستقلال فيفوض إليه الموصي
أمره لذلك ويعتمد في تمام الفعل على نصب الحاكم له معينا فتحصل الفائدة المطلوبة من
الوصية ويسلم من تبديلها المنهي عنه. وقد يفهم من قول المصنف: ولو ظهر من الوصي
عجز كونه مستورا في حال الوصية، وانما ظهر بعد الوصاية. وكيف كان فالاعتماد على
عدم الفرق بين الامرين. واعلم انه بنى الضم للمجهول ولم يجعل الضام الحاكم كما صنع
غيره (3)، ويمكن كون النكتة فيه ليشمل ما لو وجد الحاكم المتمكن من الضم فيكون هو
الفاعل، لما هو المعلوم من ان هذه الوظائف لا يتولاها غيره، وما لو تعذر فيجب على
عدول المؤمنين الانضمام إليه ومساعدته على انفاذ الوصية، كما يجب عليهم انفاذها لو
لم يكن هناك وصي أصلا كما سيأتي. (4).
(هامش)
(1) التذكرة 2: 511. (2) الدروس: 248. (3) كما في القواعد 1: 353 والدروس: 248. (4)
في ص: 264. (*)
ص 260

[وإن ظهر منه خيانة وجب على الحاكم عزله، ويقيم مكانه أمينا. والوصي أمين لا يضمن
ما يتلف، إلا عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط. ولو كان للوصي دين على الميت جاز أن
يستوفي مما في يده من غير إذن الحاكم إذا لم تكن له حجة. وقيل: يجوز مطلقا.]
قوله:وان ظهر منه خيانة وجب على الحاكم عزله، ويقيم مكانه أمينا . انما يتوقف عزله على
عزل الحاكم لو لم يشترط عدالته، فللحاكم حينئذ ان يعزل الخائن مراعاة لحق الاطفال
وأموال الصدقات ونحوهما. واما إذا اشترطنا عدالته فإنه ينعزل بنفس الفسق وان لم
يعزله الحاكم، وقد تقدم (1) مثله. ولعل المصنف يريد بعزل الحاكم له منعه عن التصرف
أو ما هو أعم منه ومن مباشرة عزله ليجزي على المذهبين، إذ لم يتقدم منه ترجيح لاحد
القولين. قوله: والوصي أمين لا يضمن ما يتلف الا عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط
. لا خلاف في كون الوصي امينا لا يضمن ما بيده من الاموال التى يلي عليها بالوصاية
الا بتعدد أو تفريط. وعبر عن التعدي بمخالفة شرط الوصية، فانه إذا لبس الثوب مثلا
فقد خالف شرط الوصية، لان مقتضاها حفظه للطفل، أو بيعه وصرفه في الجهة المأمور بها،
ونحو ذلك، فاستعماله لا يدخل في شرط الوصية. ومثله ركوب الدابة، والكون في الدار
وغير ذلك. هذا إذا لم يتعلق به غرض يعود على ما له فيه الولاية بحيث لا يتم بدونه،
كما لو ركب الدابة لقضاء حوائج الطفل واستيفاء دينه بحيث يتوقف على الركوب، أو دخل
داره لاصلاح أمره، أو لبس الثوب ليدفع عنه الدود حيث يتوقف عليه، ونحو ذلك. قوله:
ولو كان للوصي دين على الميت جاز له... الخ .
(هامش)
(1) في ص: 252. (*)
ص 261
[...]
القول الاول للشيخ في النهاية (1)، فإنه قيد جواز الاخذ بإقامة البينة ولم
يذكرجواز الاخذ عند عدمها. ولكنه يستفاد من مسألة المقاصة حيث لا بينة للمدين، ولم
يذكروا له حجة على ذلك. ويمكن الاستدلال له بموثقة بريد بن معاوية، عن ابي عبد الله
- عليه السلام - قال: قلت له: ان رجلا أوصى الي فسألته ان يشرك معي قرابة له
ففعل، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدعي أن له قبله أكرار حنطة، قال: إن أقام البينة
والا فلا شيء له، قال: قلت له: أيحل له ان يأخذ مما في يده شيئا؟ قال: لا يحل له،
قلت: أرأيت لو أن رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ أكان له
ذلك؟ قال: ان هذا ليس مثل هذا (2). والقول بالجواز مطلقا لابن ادريس (3)، وهو
الاقوى، لان الفرض كونه وصيا في إثبات الديون فيقوم مقام الموصي في ذلك. والغرض من
البينة والاثبات عند الحاكم جواز كذب المدعي في دعواه، فنيطت بالبينة شرعا، وعلمه
بدينه أقوى من البينة التى يجوز عليها الخطأ، ولانه بقضاء الدين محسن و(ما على
المحسنين من سبيل) (4). وبهذا يظهر الفرق بين دين الوصي وبين غيره حيث لا يعلم به
الوصي، وعلى تقدير علمه يمكن تجدد البراءة منه فلا بد من إثباته حتى باليمين مع
البينة لذلك. وايضا فان الغير لا يجوز للوصي تمكينه من التركة بمجرد دعواه، ولا له
ان يعين لدينه بعض الاموال دون بعض، لان ذلك منوط بالمديون أو نائبه، لانه مخير في
جهات
(هامش)
(1) النهاية: 608. (2) الكافي 7: 57 ح 1، الفقيه 4: 174 ح 613، التهذيب 9: 232 ح
910، الوسائل 13: 479 ب 93 من احكام الوصايا ح 1. (3) السرائر 3: 192.(4) سورة
التوبة: 91. (*)
ص 262
[وفي شرائه لنفسه من نفسه تردد، أشبهه الجواز إذا أخذ بالقيمة العدل.]
القضاء،
والغير ليس له ولاية التعيين، بخلاف الوصي. والجواب عن الرواية - مع قطع النظر عن
سندها - أنها مفروضة في استيفاء احد الوصيين على الاجتماع بدون اذن الاخر، ونحن
نقول بموجبه، فان أحد الوصيين كك بمنزلة الأجنبي ليس له الاستيفاء الا باذن الآخر
كباقي التصرفات، وليس للاخر تمكينه بدون اثباته، والكلام هنا في الوصي المستقل، وقد
نبه عليه بقوله في آخر الرواية حيث سأله عن أخذ ماله ممن أخذ منه قهرا: إن هذا
ليس مثل هذا والمراد ان هذا انما يأخذ باطلاع الوصي الاخر، فليس له تمكينه من
الاخذ بمجرد دعواه، بخلاف من يأخذ من مال من أخذ ماله على جهة المقاصة، فإن له ذلك
حيث لا يطلع عليه أحد، وهو هنا منتف. قوله: وفي شرائه لنفسه من نفسه تردد،
والاشبه الجواز إذا أخذه بالقيمة العدل . القول بالمنع من ذلك للشيخ (1) (رحمه
الله) استنادا إلى ان الواحد لا يكون موجبا وقابلا في عقد واحد، لان الاصل في العقد
ان يكون بين اثنين الا ما أخرجه الدليل، وهو الاب أو الجد له. والاصح الجواز، لانه
بيع صدر من اهله في محله إذ الفرض انه جائز التصرف [و] (2) يجوز ان يتولى كلا من
الطرفين بالانفراد فله ان يتولاهما على الاجتماع، إذ لا مانع الا اجتماعهما لواحد،
وهو غير صالح للمانعية شرعا، للاصل ولجواز مثله فيما اعترفوا به من الاب والجد.
وعلى الجواز رواية (3) مجهولة الراوي والمروي عنه، لكنها شاهد.
(هامش)
(1) الخلاف 3: 346، 347 مسألة 9 ، المبسوط 2: 381. (2) من و فقط. (3) الكافي
7: 59 ح 10، الفقيه 4: 162 ح 566، التهذيب 9: 233 ح 913، الوسائل 13: 475 ب 89
من كتاب الوصايا ح 1. (*)
ص 263
[وإذا أذن الموصي للوصي أن يوصي، جاز اجماعا. وإن لم يأذن له لكن لم يمنعه فهل له
أن يوصي؟ فيه خلاف، أظهره المنع، ويكون النظر بعده إلى الحاكم.]
قوله: وإذا أذن
الموصي للوصي أن يوصي جاز إجماعا. وإن لم يأذن له لكن لم يمنعه... الخ . إذا أوصى
إلى غيره بشيء ولم ينفذ جميع ما أوصى به إليه، إما لكونه وصيا على أطفال لم يكملوا،
أو في تفرقة شيء ولم يتمكن من إنفاذه، أو على غلة تجدد كل سنة، فلا يخلو إما ان
يكون الموصي قد أذن له في الايصاء على ما أوصاه فيه على العموم أو على وجه مخصوص،
أو نهاه عن الايصاء به مطلقا، أو اطلق. ولا خلاف في جواز وصايته في الاول على الوجه
الذى اذن له فيه عملا بمقتضى الاذن، ولا في عدم صحتها في الثاني اقتصارا على ما أذن
له فيه وهو مباشرته بنفسه. واما مع الاطلاق فهل يجوز له الايصاء بما كان وصيا فيه؟
قولان احدهما - وهو قول اكثر الاصحاب - المنع، للاصل ولان المتبادر من الاستنابة له
في التصرف مباشرته بنفسه، أما تفويض التصرف إلى غيره فلا دليل عليه. لا يقال: ينتقض
بتوكيله في ما هو وصي فيه، فإنه جائز فيما جرت العادة فيالتوكيل فيه قطعا وغيره على
الاقوى، فلو اقتضى إطلاق الايصاء المباشرة لما جاز له التوكيل. لانا نقول: فرق بين
الوكالة على جزئيات مخصوصة ملحوظة بنظره حيا يمضي منها ما وافق غرضه ويرد ما خالف،
وبين الايصاء الحاصل أثره بعد موته وفوات نظره. وأيضا فانه في حال الحياة مالك
للتصرف على الوجه المأذون فيه، ووكيله فيه بمنزلته، بخلاف تصرف الوصي بعد وفاته،
لزوال ولايته المقصورة على فعله بنفسه وما في حكمه بموته. والقول الثاني: الجواز،
لان الاستنابة من جملة التصرفات التى يملكها حيا بالعموم كما يملكها بالخصوص، ولان
الموصي اقامه مقام نفسه فيثبت له من الولاية
ص 264
[وكذا لو مات انسان ولا وصي له كان للحاكم النظر في تركته. ولو لم يكن هناك حاكم
جاز ان يتولاه من المؤمنين من يوثق به. وفي هذا تردد.]
ما يثبت له، ومن ذلك
الاستنابة بعد الموت. وروى ابن بابويه في الصحيح عن محمد ابن الحسن الصفار انه كتب
إلى ابى محمد الحسن بن علي عليه السلام: رجل كان وصي رجل فمات وأوصى إلى رجل، هل
يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيه؟ فكتب عليه السلام: يلزمه بحقه ان كان له
قبله حق ان شاء الله تعالى . (1) قالوا: والمراد بالحق هنا حق الايمان، فكأنه قال:
يلزمه لو كان مؤمنا، وفاء لحقه عليه بسبب الايمان فإنه يقتضي معونة المؤمن وقضاء
حوائجه ومن أهمها انفاذ وصيته.وأجيب عنها بمنع كون الاستنابة بعد الوفاة مما يملكها
الوصي، وهل هو الا عين المتنازع؟ واقامة الموصي له مقام نفسه ليباشر الامر بنفسه
ونظره، وهو لا يدل على اقامته بعد الوفاة مقام نفسه مطلقا، فانه المتنازع. والرواية
كما تحتمل ما ذكروه تحتمل أيضا ان يريد بحقه: الوصية إليه بأن يوصي، فضمير حقه راجع
إلى الموصي الاول. والمعنى حينئذ: أن الوصية تلزم الوصي الثاني بحق الاول ان كان له
- أي -: للاول - قبله - أي: الوصي الاول - حق، بأن يكون قد أوصى إليه وأذن له أن
يوصي، فقد صار له قبله حق الوصية، فإذا أوصى بها لزمت الوصي الثاني. ومع تطرق
الاحتمال يسقط الاستدلال ان لم يكن الثاني أرجح على ان حق الايمان لا يختص بهذا
الوصي الثاني، بل يجب على كل مؤمن كفاية كما سيأتي، والكلام في اختصاص هذا الوصي
بالوصية على جهة الوصاية لا على جهة المعونة العامة. وعلى هذا: إذا لم يأذن الموصي
في الاستنابة يكون النظر في أمور الموصي الاول إلى الحاكم كغيره من لا وصي له.
قوله: وكذا لو مات إنسان ولا وصي له - إلى قوله - تردد . اعلم: أن الامور
المفتقرة إلى الولاية إما أن تكون اطفالا، أو وصايا وحقوقا وديونا. فان كان الاول
فالولاية فيهم لابيه، ثم لجده لابيه، ثم لمن يليه من الاجداد
(هامش)
(1) الفقيه 4: 168 ح 587، ورواه ايضا في التهذيب 9: 215 ح 850، الوسائل 13: 460 ب
70 من كتاب الوصايا ح 1. (*)
ص 265

[...]
على ترتيب الولاية، الاقرب منهم إلى الميت فالاقرب، فان عدم الجميع فوصي
الاب، ثم وصي الجد وهكذا، فان عدم الجميع فالحاكم. والولاية في الباقي غير الاطفال
للوصي ثم الحاكم. والمراد به السلطان العادل، أو نائبه الخاص، أو العام مع تعذر
الاولين، وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى العدل. وانما كان حاكما عاما لانه منصوب
من قبل الامام لا بخصوص ذلك الشخص بل لعموم قولهم عليهم السلام: انظروا إلى من
كان منكم قد روى حديثنا (1) إلى آخره. فإن فقد الجميع فهل يجوز ان يتولى النظر في
تركة الميت من المؤمنين من يوثق به؟ قولان احدهما المنع ذهب إليه ابن ادريس (2)،
لان ذلك أمر موقوف على الاذن الشرعي، وهو منتف. والثانى وهو مختار الاكثر تبعا
للشيخ (3) (رحمه الله): الجواز، لما فيه من المعاونة على البر والتقوى المأمور بها
(4)، ولقوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (5) خرج منه ما اجمع
على عدم ولايتهم فيه فيبقى الباقي داخلا في العموم، ولان ذلك من المعروف والمصالح
الحسبية فيستفاد الاذن فيها من عموم دلائل الامر بالمعروف، ومثل هذا كاف في الاذن
الشرعي الذى ادعى المانع عدم وجوده. وتطرق محذور التصرف في مال الطفل يندفع بوصف
العدالة في المتولي المانع له من الاقدام على ما يخالف مصلحته. ويؤيده ايضا رواية
سماعة قال: سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية، وله خدم
ومماليك وعقد، كيف تصنع الورثة بقسمة ذلك
(هامش)
(1) الكافي 7: 412 ح 5، التهذيب 6: 218 ح 514 والوسائل 18: 98 ب 11 من ابواب
صفات القاضي ح 1. (2) السرائر 3: 194. (3) النهاية: 608. (4) المائدة: 2. (5)
التوبة: 71. (*)
ص 266
[ولو أوصى بالنظر في مال ولده إلى أجنبي وله أب لم يصح، وكانت الولاية إلى جد
اليتيم دون الوصي. وقيل: يصح ذلك في قدر الثلث مما ترك، وفي أداء الحقوق.]
الميراث؟
قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس (1) وعن اسماعيل بن سعد قال: سألت
الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصية وترك أولادا ذكرانا [وإناثا] (2) وغلمانا
صغارا وترك جواري ومماليك، هل يستقيم ان تباع الجواري؟ قال: نعم (3). وعلى كل حال
فهذا القول لا بأس به. ويستثنى من موضع الخلاف ما يضطر إليه الاطفال والدواب من
المؤنة وصيانة المال المشرف على التلف، فإن ذلك ونحوه واجب على الكفاية على جميع
المسلمين فضلا عن العدول منهم، حتى لو فرض عدم ترك مورثهم مالا فمؤنة الاطفال
ونحوهم من العاجزين عن التكسب واجب على المسلمين من اموالهم كفاية، كإعانة كل محتاج
وإطعام كل جائع يضطر إليه، فمن مال المحتاج أولى. وحيث يجوز لاحد فعل ذلك فالمراد
به معناه الاعم، والمراد منه الوجوب، لما ذكرناه من أنه من فروض الكفايات.والمراد
بقوله: لم يكمن هناك حاكم عدم وجوده في ذلك القطر وان وجد في غيره، إذا توقفت
مراجعته على مشقة لا تتحمل عادة. ويجب مع وجوده بعيدا الاقتصار على ما لا بد منه،
وتأخير ما يسع تأخيره إلى ان يمكن مراجعته. قوله: ولو أوصى بالنظر في مال ولده
إلى أجنبي وله أب لم يصح... الخ .
(هامش)
(1) في هامش و: وفي التهذيب قال: سألته عن رجل، فجعلها مقطوعة، وفي المختلف:
سألت أبا عبد الله عليه السلام، فجعلها موصولة. منه رحمه الله . راجع التهذيب 9:
240 ح 929 والمختلف 2: 512 ورويت مضمرة ايضا في الفقيه 4: 161 ح 563، وعن أبي عبد
الله عليه السلام في الكافي 7: 67 ح 3. راجع الوسائل 13: 474 ب 88 من كتاب
الوصايا ح 2. (2) من و. وورد بين معقوفتين في الكافي. (3) الكافي 7: 66 ح 1،
التهذيب 9: 239 ح 927، الوسائل 13: 475 ب 88 من كتاب الوصايا ح 3. (*)
ص 267
[...]
قد عرفت من المسألة السابقة ان ولاية الجد وان علا على الولد مقدمة على ولاية
وصي الاب، فإذا نصب الاب وصيا على ولده المولى عليه مع وجود جده للاب وان علا لم
يصح، لان ولاية الجد ثابتة له حينئذ بأصل الشرع، فليس للاب نقلها عنه ولا اثبات
شريك معه. ومعنى عدم صحتها انها لا تقع ماضية مطلقا، لكن هلتقع باطلة من رأس، أم
تصح على بعض الوجوه دون بعض؟ أقوال: أحدها: البطلان مطلقا، لان الاب لا ولاية له
بعد موته مع وجود الجد وصلاحيته للولاية، فإذا انقطع ولاية الاب بموته لم تقع ولاية
وصيه، فإذا مات الجد افتقر عود ولاية الاب - لتؤثر في نصب الوصي - إلى دليل، إذ
الاصل عدم عودها فلا تصح في حياة الجد ولا بعد موته. الثاني: بطلانها في زمان ولاية
الجد خاصة، لان ولاية الاب شاملة للازمنة كلها الا زمان ولاية الجد فيختص البطلان
بزمان وجوده. وقد عرفت جوابه، فان انقطاع ولاية الاب بموته مع وجود الجد صالحا
للولاية أمر معلوم، وعودها بعد موت الجد يحتاج إلى دليل. ودعوى ان ولاية الاب ثابتة
في جميع الازمان المستقبلة التى من جملتها ما بعد زمان الجد غير معلوم، بل هو عين
المتنازع، وإنما المعلوم مع وجود الجد بعد انقطاع ولايته لا ثبوتها بعد موت الجد.
الثالث: صحتها في الثلث خاصة، لان له اخراجه عن الوارث أصلا فيكون له إثبات ولاية
غيره بطريق أولى. وفيه: منع الاولوية بل الملازمة، فان إزالة الملك تقتضي إبطال حق
الوارث منه أصلا وهو الامر الثابت له شرعا، وأما بقاؤه في ملك الوارث فإنه يقتضي
شرعا كون الولاية عليه لمالكه أو وليه الثابتة ولايته عليه بالاصالة، فلا يكون للاب
ولاية عليه بالنسبة إليه أصلا. وقد ظهر أن أجود الاقوال الاول، والقول الاول
والاخير كلاهما للشيخ في المبسوط (1).
(هامش)
(1) المبسوط 4: 52 و54. (*)
ص 268
[...]
واعلم ان قوله في القول الاخير: انها تصح في اداء الحقوق، أجنبي من المسألة
التى هي موضع النزاع، لان موضوعها الوصية بالنظر إلى مال ولده وله أب، لا وصية في
ماله ليخرج منه الحقوق فان ذلك ثابت بالاجماع. وايضا فظاهر اللفظ ان الوصية
المذكورة مقصورة على نظر الوصي في مال ولده، ومعه لا يتناول كون هذا الوصي وصيا على
اخراج الحقوق، وان كان للموصى ان ينصب وصيا في ذلك، لان الوصية يتبع فيها نص الموصي
من عموم وخصوص. وبالجملة فان ذكر الموصي لهذا الوصي لفظا (1) يدل على كونه وصيا على
اخراج الحقوق مضافا إلى وصايته على ولده يكون قد اشتملت على امرين: احدهما المختلف
فيه، والاخر خارج عن محل النزاع، ولا وجه لادخال المتفق فيه هنا، لان اشتمال الوصية
على معنى صحيح وآخر باطل لا يقدح في صحة الصحيح ولا ابطال الباطل. وإن كان قد اقتصر
على جعله وصيا على النظر في مال ولده - كما هو الظاهر - لم يتناول ذلك الوصية إليه
في اخراج الحقوق. ويمكن ان يفرض لجواز الوصية في اخراج الحقوق فائدة، وهي: ان وصية
الانسان مع وجود أبيه في إخراج الوصايا وان كانت جائزة لكن لا تخلو من إشكال،لان
وصية الولد انما تصح بما لا ولاية للاب فيه، ولهذا لم تصح الوصية على الاطفال مع
وجود الاب. وإذا كان كذلك فلو لم يوص الولد بقضاء الدين وانفاذ الوصايا مع وجود
ابيه كان الاب اولى بذلك من غيره حتى الحاكم، كما هو أولى بالاطفال، كما نبه عليه
في التذكرة (2)، ونسب القول بكون الحاكم أولى بوصاياه والاب أولى بديونه إلى
الشافعية. وإذا كان عدم الايصاء موجبا لولاية الاب على ذلك دل على ان للاب حق
الولاية على وصية ابيه كما له الولاية على اولاده، فإذا اوصى الابن إلى غيره يجب ان
لا يكون صحيحا، كما لو أوصى باولاده إلى غيره، فنبه المصنف بما ذكر من
(هامش)
(1) كذا في النسخ والظاهر: بلفظ. (2) التذكرة 2: 510. (*)
ص 269
[وإذا أوصى بالنظر في شيء معين اختصت ولايته به، ولا يجوز له التصرف في غيره، وجرى
مجرى الوكيل في الاقتصار على ما يوكل فيه.]
صحتها في اداء الحقوق على ذلك. ووجهه:
ان ثبوت ولاية الجد على الاطفال ليست على حدها على الوصايا، فان تلك ثابتة بالاصل
بحق البنوة، والوصية ليست كذلك. ولا يلزم من ثبوتها له بدون الوصية - على تقدير
تسليمه - ثبوتها معها، كما ان الحاكم له الولاية على الوصايا مع عدم الوصي، وليس له
ذلك مع وجوده، فالملازمة ممنوعة. قوله: وإذا أوصى بالنظر... الخ .لما كانت
الوصية بالولاية استنابة من الموصي بعد موته في التصرف فيما كان له التصرف فيه - من
قضاء ديونه واستيفائها، ورد الامانات واسترجاعها، والولاية على أولاده وان نزلوا
الذين له عليهم الولاية من الصبيان والمجانين والسفهاء، والنظر في اموالهم والتصرف
فيه بما لهم فيه الحظ، وتفريق الحقوق الواجبة والمندوبة، ونحو ذلك - كانت الاستنابة
تابعة لاختيار الموصي في التخصيص ببعض هذه والتعميم، لان ذلك حق له فيتبع فيه رأيه،
وربما اختلف الاوصياء في الصلاحية لجميع هذه الاشياء ولبعضها والاطلاع على مزايا
المعيشة وضبط الاموال والقيام باصلاحها وحفظها. فإذا نصب من له الوصية في ذلك احدا
فلا يخلو اما ان يعمم له الولاية، أو يخصها بشيء دون شيء، أو يطلق. فان عممها - بأن
قال: أنت وصيي في كل قليل وكثير، أو في كل مالي فيه ولاية، أو في كذا وكذا مما
فصلناه سابقا حتى استوفى الجميع، ونحو ذلك - كان له الولاية في جميع ما تناوله
اللفظ مما له فيه ولاية فتدخل فيه الاموال والاولاد. وان خصها بشيء دون شيء، أو
بوقت دون وقت، أو بحال دون حال اختصت ولايته بما عين له ولا يتجاوزه. فالتخصيص
بالاشياء كأن يقول: أنت وصيي فيما أوصيت به يوم الدفن، أو فيما ذكرته في وصيتي وكان
قد ذكر اشياء مخصوصة، أو يكتب وصيته كذلك ثم يقول: وجعلت وصيي في ذلك أو فيما أوصيت
به فلانا، ونحو ذلك. والتخصيص في الاوقات بأن يقول: أوصيت اليك إلى سنة،
ص 270

مسائل ثلاث :
[مسائل ثلاث: (الاولى): الصفات المراعاة في الوصي تعتبر حالة الوصية. وقيل:حين
الوفاة، فلو أوصى إلى صبي فبلغ ثم مات الموصي، صحت الوصية. وكذا الكلام في الحرية
والعقل. والاول أشبه.]
أو إلى أن يبلغ ابني فلان، أو إلى أن يحضر فلان الغائب.
وبالاحوال ان يوصي إلى زوجته إلى ان تتزوج، أو إلى فلان إلى أن يقع منه كذا ونحو
ذلك، أو ما دام على صفة كذا ونحو ذلك. وان اطلق بأن قال: جعلت فلانا وصيي، فان
اقتصر على ذلك كان لغوا، كما لو قال: وكلتك ولم يعين ما وكله فيه. وان أضاف إليه
قوله: على أولادي، ولم يذكر التصرف انصرف إلى حفظ ما لهم خاصة، لانه المتيقن.
ويحتمل قويا جواز التصرف بما فيه الغبطة، لان المفهوم عرفا من هذا اللفظ هو إقامته
مقامه، خصوصا عند من يرى أن المفرد المضاف يفيد العموم. وفي المسألة وجه ثالث، وهو
عدم الصحة ما لم يبين ما فوضه إليه. وحيث يخصص الوصي (1) بشيء دون شيء يجوز تعدد
الاوصياء، لا على سبيل الاشتراك في ذلك الامر ولا على سبيل الانفراد فيه، بل يجعل
له وصيا على حفظ مال أولاده، ووصيا آخر على الانفاق عليهم، وثالثا على انفاذ وصاياه
وحقوقه، ورابعا على استيفاء ديونه، فيختص كل واحد بما عين له. ويجوز له مع ذلك
تعميم بعضهم وتخصيص آخرين، على الاجتماع والانفراد والتفريق. قوله: الصفات
المراعاة في الوصي... الخ . اختلف الاصحاب وغيرهم (2) في وقت اعتبار الشروط
المعتبرة في صحة الوصايا، من التكليف والاسلام والحرية والعدالة، هل هو عند الوصية،
أو عند الموت، أو من حين الوصية مستمرا إلى ان يموت، أو من حين الوصية إلى أن
ينفذها