ص 153
كتاب الشهادات والنظر في أطراف خمسة:
الطرف الاول في صفات الشهود

ويشترط [فيه] ستة أوصاف:
الاول: البلوغ فلا تقبل شهادة الصبي، ما لم يصر مكلفا. وقيل: تقبل مطلقا إذا بلغ
عشرا. وهو متروك.
الشهادة لغة: الاخبار عن اليقين. وشرعا: إخبار جازم عن حق لازم
لغيره، واقع من غير حاكم. وبالقيد الاخير يخرج إخبار الله ورسوله والائمة عليهم
السلام، وإخبار الحاكم حاكما آخر، فإن ذلك لا يسمى شهادة. وتعرض الكتاب والسنة (1)
للشهادة وأحكامها مستفيض، كقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) (2). وقال
تعالى: (ولا تكتموا الشهادة) (3). وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه سئل عن الشهادة،
فقال للسائل: (هل ترى الشمس؟ قال: نعم، فقال: على مثلها فاشهد أو دع) (4). قوله:
(فلا تقبل شهادة الصبي... إلخ).
(هامش)
(1) الوسائل 18: 225، ب (1) وغيره من كتاب الشهادات. (2) البقرة: 282 - 283. (3)
البقرة: 282 - 283. (4) عوالي اللئالي 2: 345 ح 12، وأخرجه بلفظ آخر الحاكم في
المستدرك 4: 98، والبيهقي فيالسنن 10: 156. (*)
ص 154
واختلفت عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجراح والقتل، فروى جميل، عن أبي عبد
الله عليه السلام: (تقبل شهادتهم في القتل، ويؤخذ بأول كلامهم). ومثله روى محمد بن
حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام. وقال الشيخ في النهاية: تقبل شهادتهم في
الجراح والقصاص. وقال في الخلاف: تقبل شهادتهم في الجراح ما لم يتفرقوا، إذا
اجتمعوا على مباح. والتهجم على الدماء بخبر الواحد خطر. فالاولى الاقتصار على
القبول في الجراح بالشروط الثلاثة: بلوغ العشر، وبقاء الاجتماع، إذا كان على مباح،
تمسكا بموضع الوفاق.
قد اختلف الاصحاب في شهادة الصبي، بعد الاتفاق على عدم قبول
شهادة غير المميز. ونقل جماعة (1) منهم الشيخ (2) فخر الدين الاتفاق على عدم قبول
شهادة من دون العشر، والخلاف فيمن زاد عن ذلك. فالمشهور بينهم عدم قبول شهادته
مطلقا إلا في الجراح والقتل. أما عدم القبول في غيرهما فلعموم قوله تعالى:
(واستشهدوا شهيدين من رجالكم)، ولفظ الرجال لا يقع على الصبيان. ولان الصبي لا يقبل
قوله على نفسه، فأولى أن لا يقبل [قوله] (3) على غيره بالشهادة.
(هامش)
(1) كشف الرموز 2: 514، المهذب البارع 4: 507. (2) إيضاح الفوائد 4: 417، ولكنه نقل
الاجماع على عدم القبول في غير القصاص والقتل والجراح. (3) من الحجريتين. (*)
ص 155
وأما استثناء الجراح والقتل فلحسنة جميل قال: (قلت لابي عبد الله عليه السلام: تجوز
شهادة الصبيان، قال: نعم، في القتل يؤخذ بأول كلامه، ولا يؤخذ بالثاني منه) (1).
ورواية محمد بن حمران عنه عليه السلام وقد سأله عن شهادة الصبي، قال: (فقال: لا،
إلا في القتل يؤخذ بأول كلامه، ولا يؤخذ بالثاني) (2). ولفظ الروايتين تضمن القتل،
فيمكن أن يدخل فيه الجراح بطريق أولى، ومن ثم ذكر الاكثر الجراح. ومنهم من اقتصر
على الجراح، كالشيخ في الخلاف (3)، والمصنف في المختصر (4) النافع. ولعله أراد بها
ما يشمل البالغة القتل، لان القتل هو المنصوص (5) فيما هو مستند الاستثناء. وفي
الدروس (6) صرح باشتراط أن لا يبلغ الجراح النفس. واشتراط ذلك لا يخلو من إشكال،
إلا أن يجعل مجرد الاحتياط في النفوس، وإلا فمراعاة النصوص تقتضي إدخالها، واطراحها
نظرا إلى عدم صحتها ومخالفتها للاصل يقتضي إخراج الجراح أيضا. ثم اختلف القائلون
بقبول شهادتهم في هذا النوع في الجملة في شرائطه، فالمستفاد من النصوص اشتراط أمر
واحد، وهو أن يؤخذ بأول كلامهم مع الاختلاف دون باقيه.
(هامش)
(1) الكافي 7: 389 ح 2، التهذيب 6: 251 ح 645، الوسائل 18: 252 ب (22) من أبواب
الشهادات ح 1. (2) الكافي 7: 389 ح 3، التهذيب 6: 251 ح 646، الوسائل 18: 252 الباب
المتقدم ح 2. (3) الخلاف 6: 270 مسألة (20). (4) المختصر النافع: 286. (5) الوسائل
18: 252 ب (22) من كتاب الشهادات. (6) الدروس الشرعية 2: 123. (*)
ص 156
وزاد المصنف وجماعة (1) اشتراط بلوغ سنهم العشر، وأن لا يتفرقوا قبل أداء الشهادة.
وزاد المصنف - رحمه الله - في المختصر النافع (2) تبعا للشيخ كونه في الجراح. فيمكن
أن لا يدخل فيها القتل. وعلى تقدير دخوله فسببه (3) أعم من كونه بالجراح، مع أنه
مورد النص. وفي المختصر النافع (4) نسب اشتراط عدم التفرق إلى الشيخ في الخلاف (5)،
مؤذنا بعدم ترجيحه. وعذره واضح، لعدم الدليل المقتضي لاشتراطه. ولكن يرد مثله في
اشتراط اجتماعهم على المباح، فإنه لا دليل عليه، ولا تكليف في حقهم. ولو أريد
المباح بالنسبة إلى غيرهم من المكلفين لم يكن لتخصيصه وجه، بل ينبغي اشتراط باقي
شرائط قبول الشهادة، من ترك المحرمات على المكلف، والقيام بالواجبات عليه، وملازمة
المروة. وبالجملة، شرائط الشاهد عدا التكليف. وهذا بعيد في حق الصبي، لعدم وجوب شي
في حقه وتحريمه، فلا يعد تركه وفعله قادحا. وأما اشتراط بلوغ العشر فليس عليه دليل
صالح إلا رواية موقوفة تأتي (6). ولو أبدل هذا الشرط بالتمييز لكان أولى، حيث إن
غير المميز لا يصلح للشهادة،
(هامش)
(1) الجامع للشرائع: 540، إرشاد الاذهان 2: 156، الدروس الشرعية 2: 123. (2)
المختصر النافع: 286. (3) في (أ، ث) والحجريتين: بسببه.(4) المختصر النافع: 286.
(5) الخلاف 6: 270 مسألة (20). (6) في ص: 158. (*)
ص 157
ولا يميز ما يشهد به، سواء بلغ العشر أم لا، كما أن التمييز قد يحصل قبل العشر، لا
أن يثبت الاجماع على اشتراط بلوغ العشر على وجه يكون حجة، فيكون هو الحجة، لكن
إثبات ذلك بعيد. وبقي في المسألة قولان آخران متقابلان على الطرفين: أحدهما: عدم
قبول شهادة الصبي مطلقا، لما تقدم (1) من الدليل، وقصور هذه الروايات عن إثبات
الحكم المخالف للاصل، خصوصا مع عدم وقوف القائلين بقبول شهادته فيما ذكروه على مورد
النص، فما دل عليه لا يقولون به، وما يقولون به لا دليل عليه. مع أنه يمكن أن يريد
بقبول شهادة الصبيان فيما ذكر ثبوت الفعل بطريق الاستفاضة، بناء على الغالب من وقوع
الجراح بينهم في الملعب حال اجتماعهم بكثرة يمكن أن يثبت بها الاستفاضة، إذ لا
يشترط فيها بلوغ المخبر، بل ولا إسلامه. وهذا القول اختاره الشيخ فخر الدين في شرحه
(2). وله وجه وجيه، إلا أن رواية (3) جميل [بن دراج] (4) حسنة مع اعتضادها بغيرها،
فردها على أصل القائل لا يخلو من نظر. والقول الاخر قبول شهادة الصبي إذا بلغ عشرا
مطلقا. نقل ذلك المصنف وجماعة (5)، ولم يظهر قائله. وقال صاحب كشف (6) الرموز: إنه
الشيخ في النهاية.
(هامش)
(1) في ص: 154. (2) إيضاح الفوائد 4: 417. (3) تقدم ذكر مصادرها في ص: 155 هامش
(1). (4) من (خ، ط، م). (5) قواعد الاحكام 2: 235، الدروس الشرعية 2: 123. (6) كشف
الرموز 2: 514. (*)
ص 158
الثاني: كمال العقل فلا تقبل شهادة المجنون إجماعا. أما من يناله الجنون أدوارا،
فلا بأس بشهادته في حال إفاقته، لكن بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنه
واستكمال فطنته. وكذا من يعرض له السهو غالبا، فربما سمع الشي وأنسي بعضه، فيكون
ذلك مغيرا لفائدة اللفظ وناقلا لمعناه، فحينئذ يجب الاستظهار عليه، حتى يستثبت ما
يشهد به. وكذا المغفل الذي في جبلته البله، فربما استغلط، لعدم تفطنه
وهو وهم،
وإنما ذكر الشيخ في النهاية (1) قبول شهادته في الجراح والقصاص خاصة. نعم، له بعد
ذلك عبارة موهمة لذلك، إلا أن مرادها غيره. ومستند هذا القول رواية أبي أيوب الخزاز
قال: (سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين، قال:
قلت: ويجوز أمره؟ قال: فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل بعائشة وهي بنت
عشر سنين، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره،
وجازت شهادته) (2). وفي طريق هذه الرواية - مع وقوفها على إسماعيل - محمد بن عيسى
عن يونس، فالاستدلال بها على هذا الحكم المخالف للاجماع في غاية البعد. قوله: (كمال
العقل... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية: 331 - 332. (2) الكافي 7: 388 ح 1، التهذيب 6: 251 ح 644، الوسائل 18:
252 ب (22) من أبواب الشهادات ح 3. (*)
ص 159
لمزايا الامور. فالاولى الاعراض عن شهادته، ما لم يكن الامر الجلي، الذي يتحقق
الحاكم استثبات الشاهد له، وأنه لا يسهو في مثله. الثالث: الايمان فلا تقبل شهادة
غير المؤمن وإن اتصف بالاسلام، لا على مؤمن ولا [على] غيره، لاتصافه بالفسق والظلم
المانع من قبول الشهادة.
لما كان الشاهد من شرطه أن يميز المشهود به وعليه وله،
ويكون متصفا بالعدالة مرضيا، لم تجز شهادة المجنون، سواء كان جنونه مطبقا أم يقع
أدوارا، وقد قال تعالى: (وأشهدو ا ذوي عدل منكم) (1). وقال: (ممن ترضون من الشهداء)
(2). والمجنون بنوعيه غير مرضي. وهذا محل وفاق بين المسلمين.لكن غير المطبق إذا كمل
عقله في غير دوره واستحكمت فطنته قبلت شهادته، لزوال المانع. وفي معناه المغفل الذي
لا يحفظ ولا يضبط، ويدخل عليه التزوير والغلط من حيث لا يشعر، كما هو مشاهد (3)،
لانه لا يوثق بقوله. وكذا من يكثر غلطه ونسيانه، ومن لا يتنبه لمزايا الامور
وتفاصيلها، إلا أن يعلم الحاكم عدم غفلته فيما يشهد به، لكون المشهود به مما لا
يسهو فيه غالبا. ومن هذه حاله فعلى الحاكم أن يستظهر في أمره، ويفتش عن حاله إلى أن
يغلب على ظنه علمه وتيقظه. وأما الغلط القليل فلا يقدح في الشهادة، لبعد السلامة
منه أو عدمها. قوله: (الايمان فلا تقبل... إلخ).
(هامش)
(1) الطلاق: 2. (2) البقرة: 282. (3) في (أ) والحجريتين:... مشاهد فلا يوثق... (*)
ص 160
ظاهر الاصحاب الاتفاق على اشتراط الايمان في الشاهد، وينبغي أن يكون هو الحجة.
واستدل المصنف - رحمه الله - عليه بأن غيره فاسق وظالم، من حيث اعتقاده الفاسد الذي
هو من أكبر الكبائر، وقد قال تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (1). وقال: (ولا
تركنوا إلى الذين ظلموا) (2). وفيه نظر، لان الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية
المخصوصة مع العلم بكونها معصية، أما مع عدمه بل مع اعتقاد أنها طاعة بل من أمهات
الطاعات فلا، والامر في المخالف للحق في الاعتقاد كذلك، لانه لا يعتقد المعصية، بل
يزعم أن اعتقاده من أهم الطاعات، سواء كان اعتقاده صادرا عن نظر أم تقليد. ومع ذلك
لا يتحقق الظلم أيضا، وإنما يتفق ذلك ممن يعاند الحق مع علمه به، وهذا لا يكاد يتفق
وإن توهمه من لا علم له بالحال. والعامة مع اشتراطهم العدالة في الشاهد يقبلون
شهادة المخالف لهم في الاصول ما لم يبلغ خلافه حد الكفر، أو يخالف اعتقاده دليلا
قطعيا، بحيث يكون اعتقاده ناشئا عن محض التقصير. والحق أن العدالة تتحقق في جميع
أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم، ويحتاج في إخراج بعض الافراد إلى
الدليل. وسيأتي (3) في شهادة أهل الذمة في الوصية ما يدل عليه.
(هامش)
(1) الحجرات: 6. (2) هود: 113. (3) في الصفحة التالية. (*)
ص 161
نعم، تقبل شهادة الذمي خاصة في الوصية، إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها.
ولا يشترط كون الموصي في غربة. وباشتراطه رواية مطرحة.
وعلى ما ذكره المصنف من فسق
المخالف فاشتراط الايمان بخصوصه مع ما سيأتي (1) من اشتراط العدالة لا حاجة إليه،
لدخوله فيه. قوله: (نعم، تقبل شهادة... إلخ). من شرط قبول الشهادة إسلام الشاهد،
وهو بالنسبة إلى غير الذمي موضع وفاق، وكذلك فيه في غير الوصية. أما الاول فلما مر
من الدليل على اشتراط الايمان، ولقوله صلى الله عليه وآله: (لا يقبل شهادة أهل دين
على غير أهل دينهم إلا المسلمون، فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم) (2). وقول
الصادق عليه السلام: (تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، ولا تجوز شهادة أهل
الذمة على المسلمين) (3). وأما قبول شهادة الذمي في الوصية مع عدم [حضور] (4) عدول
المسلمين فلقوله تعالى: (أو آخران من غيركم...) (5) الاية. ويشترط فيه العدالة في
دينه، لظاهر العطف على قوله: (منكم) الداخل في حيز العدالة، وكأن التقدير: ذوي عدل
منكم أو ذوي عدل من غيركم... إلخ، ولعموم أدلة العدالة.
(هامش)
(1) في ص: 165.(2) رواه الشيخ في الخلاف 6: 273 - 274 ذيل المسألة (22)، والماوردي
في الحاوي الكبير 17: 62، وانظر عوالي اللئالي 1: 454 ح 192، تلخيص الحبير 4: 198 ح
2108. (3) الكافي 7: 398 ح 1، التهذيب 6: 252 ح 651، الوسائل 18: 284 ب (38) من
كتاب الشهادات ح 1. (4) من (ط). (5) المائدة: 106. (*)
ص 162
وظاهر الاية كون الموصي مسافرا، وبظاهرها أخذ الشيخ في المبسوط (1) وابن الجنيد (2)
وأبو الصلاح (3). ولخصوص حسنة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول
الله عز وجل: (أو آخران من غيركم)، قال: (إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها
مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية) (4). ورواية حمزة بن حمران عنه عليه
السلام قال: (سألته عن قول الله عز وجل: (ذوي عدل منكم أو آخران من غيركم) فقال:
اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، قال: فإنما ذلك إذا مات الرجل
المسلم في أرض غربة، فطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين، فيشهد
على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما) (5). والاشهر عدم
الاشتراط. وجعل المصنف - رحمه الله - الرواية به مطرحة. ويدل على عدم الاشتراط عموم
حسنة ضريس الكناسي أو صحيحته قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة أهل الملل
هل تجوز على رجل من غير أهل ملتهم؟ فقال: لا إلا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم،
فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية، لانه لا يصلح إذهاب حق امر مسلم، ولا
تبطل
(هامش)
(1) المبسوط 8: 187. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 722. (3) الكافي في الفقه:
436. (4) الكافي 7: 398 ح 6، التهذيب 6: 252 ح 653، الوسائل 18: 287 ب (40) من كتاب
الشهادات ح 3. (5) الكافي 7: 399 ح 8، التهذيب 9: 179 ح 718، الوسائل 13: 392 ب
(20) من أبواب الوصايا ح 7. (*)
ص 163
وصيته) (1). مع أنه يمكن تخصيص هذا العام بالاية (2) والرواية (3) جمعا. والحكم
مختص بوصية المال، فلا تثبت الوصية بالولاية المعبر عنها بالوصاية، وقوفا فيما خالف
الاصل على مورده. ولو تعارض شهادة عدول أهل الذمة وفساق المسلمين فهم أولى، عملا
بظاهر النص. وقدم في التذكرة (4) عليهم فساق المسلمين إذا كان فسقهم بغير الكذب
والخيانة. وهو بعيد. أما المستور من المسلمين، فإن اكتفينا في العدالة بظاهر
الإسلام مع عدم ظهور المعارض، فلا ريب في ترجيحه على الذمي وإن كان ظاهر العدالة.
وإن منعنا من ذلك، احتمل تقديم عدول [أهل] (5) الذمة للاية (6)، وتقديم المستور،
وبه قطع في التذكرة (7). وهو أولى. وظاهر الاية إحلاف الذمي بعد العصر بالصورة
المذكورة في الاية، وهو: أنهما ما خانا ولا كتما شهادة الله تعالى، ولا اشتريا به
ثمنا ولو كان ذا قربى. واعتبره العلامة أيضا في التحرير (8). ولا ريب في أولويته،
إذ لا معارض له، وعمومات النصوص غير منافية له.
(هامش)
(1) الكافي 7: 399 ح 7، التهذيب 6: 253 ح 654، الوسائل 13: 390 الباب المتقدم ح 1.
(2) المائدة: 106. (3) المذكورة في الصفحة السابقة. (4) التذكرة 2: 521 - 522. (5)
من (خ). (6) المائدة: 106. (7) التذكرة 2: 521 - 522. (8) تحرير الاحكام 2: 208.
(*)
ص 164
ويثبت الايمان بمعرفة الحاكم، أو قيام البينة أو الاقرار. وهل تقبل شهادة الذمي على
الذمي؟ قيل: لا. وكذا لا تقبل على غير الذمي. وقيل: تقبل شهادة كل ملة على ملتهم.
وهو استناد إلى رواية سماعة. والمنع أشبه.
قوله: (ويثبت الايمان... إلخ). ومرجع
الثلاثة إلى الاقرار، لان الايمان أمر قلبي لا يمكن معرفته إلا من معتقده بالاقرار،
ولكن المصنف - رحمه الله - اعتبر الوسائط بينه وبين المقر. قوله: (وهل تقبل شهادة
الذمي... إلخ). ما تقدم حكم شهادة الكافر على المسلم، أما على مثله فالمشهور بين
الاصحاب أن الحكم كذلك، عملا بعموم الادلة. وذهب الشيخ في النهاية (1) إلى قبول
شهادة كل ملة على ملتهم وعليهم (2)، لا على غيرهم ولا لهم. وذهب ابن الجنيد (3) إلى
قبول شهادة أهل العدالة منهم في دينه على ملته وعلى غير ملته. ومستند الشيخ رواية
سماعة عن الصادق عليه السلام قال: (سألته عن شهادة أهل الملة، قال: فقال: لا تجوز
إلا على أهل ملتهم) (4).
(هامش)
(1) النهاية: 334، وفي الحجريتين بدل النهاية: المبسوط، ولكن صرح فيه بعدم القبول،
راجع المبسوط 8: 187. (2) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، والصحيح: ولهم. (3) حكاه
عنه العلامة في المختلف: 722. (4) الكافي 7: 398 ح 2، التهذيب 6: 252 ح 652،
الوسائل 18: 284 ب (38) من كتاب الشهادات ح 2. (*)
ص 165
الرابع: العدالة إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق، ولاريب في زوالها بمواقعة
الكبائر، كالقتل والزنا واللواط وغصب الاموال المعصومة. وكذا بمواقعة الصغائر مع
الاصرار أو في الاغلب. أما لو كان في الندرة، فقد قيل: لا يقدح، لعدم الانفكاك
منها، إلا فيما يقل، فاشتراطه التزام للاشق. وقيل: يقدح، لامكان التدارك
بالاستغفار. والاول أشبه.
ولا يخفى ضعف [هذا] (1) المستند. وأولى بالمنع مذهب من
عمم. قوله: (العدا لة... إلخ). العدالة شرط في قبول الشهادة، فلا تقبل شهادة الفاسق
إجماعا، قال تعالى: (إن جأكم فاسق بنبأ فتبينوا) (2)، والشهادة نبأ، فيجب التبين
عندها. وقال تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (3). وقال: (ممن ترضون من الشهداء) (4)
والفاسق ليس بمرضي الحال. وروي أنه صلى الله عليه وآله قال: (لا تقبل شهادة خائن
ولا خائنة، ولا زان ولا زانية) (5). والكلام في العدالة يتوقف على أمرين: أحدهما:
ما به يثبت. والثاني: ما به يزول.
(هامش)
(1) من (ث). (2) الحجرات: 6. (3) الطلاق: 2. (4) البقرة: 282. (5) عوالي اللئالي 1:
242 ح 163، سنن أبي داود 3: 306 ح 3601، سنن البيهقي 10: 201. (*)
ص 166
فالاول: قد تقدم (1) البحث فيه في القضاء، وأنه هل يحكم بها للمسلم من دون أن يعلم
منه الاتصاف بملكتها، أم لابد من اختباره وتزكيته؟ وأما الثاني فلا خلاف في زوالها
بمواقعة الكبائر من الذنوب، كالقتل والزنا وعقوق الوالدين، وأشباه ذلك. وإنما
الكلام في أن الذنوب هل هي كلها كبائر، أم تنقسم إلى كبائر وصغائر؟ وقد اختلف
الاصحاب وغيرهم في ذلك، فذهب جماعة منهم المفيد (2) وابن البراج (3) وأبو الصلاح
(4) وابن إدريس (5) والطبرسي (6) - بل نسبه في التفسير إلى أصحابنا مطلقا - إلى
الاول، نظرا إلى اشتراكها في مخالفة أمره تعالى ونهيه. وجعلوا الوصف بالكبر والصغر
إضافيا، فالقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر، وكذلك
غصب الدرهم كبيرة بالنسبة إلى غصب اللقمة وصغيرة بالاضافة إلى غصب الدينار، وهكذا.
وذهب المصنف - رحمه الله - وأكثر المتأخرين (7) إلى الثاني، عملا بظاهر قوله تعالى:
(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (8)، دل بمفهومه على أن اجتناب
بعض الذنوب - وهي الكبائر - يكفر السيئات، وهو يقتضي كونها
(هامش)
(1) في ج 13: 397. (2) مصنفات الشيخ المفيد 4: 83 - 84. (3) المهذب 2: 556. (4)
الكافي في الفقه: 435. (5) السرائر 2: 117 - 118. (6) مجمع البيان 3: 70. (7) تحرير
الاحكام 2: 208، إيضاح الفوائد 4: 421، الدروس الشرعية 2: 125. (8) النساء: 31. (*)
ص 167
غير كبائر. وقال تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش) (1)، مدحهم على
اجتناب الكبائر من غير أن يضايقهم في الصغائر. وفي الحديث: (أن الاعمال الصالحة
تكفر الصغائر) (2). ثم على القول بالفرق بين الكبائر والصغائر فللعلماء في تفسير
الكبيرة وجوه: أحدها: أنها المعصية الموجبة للحد. والثاني: أنها التي يلحق صاحبها
الوعيد الشديد في الكتاب أو السنة. والثالث: أنها الذنب الذي توعد الله عليه
بالنار. وعلى هذا القول دل خبر ابن أبي يعفور السابق عن الصادق عليه السلام، حيث
سأله بما تعرف عدالة الرجل بين المسلمين؟ إلى قوله (3): (وتعرف باجتناب الكبائر
التي أوعد الله عليها النار) (4). وروي أنها سبع (5). وروي أنها إلى السبعين (6)
أقرب. إذا تقرر ذلك، فعلى القول الاول يقدح في العدالة مواقعة أي معصية كانت. ولا
يخفى ما في هذا من الحرج والضيق، لان غير المعصوم لا ينفك عن ذلك، وقد قال تعالى:
(وما جعل عليكم في الدين من حرج) (7).
(هامش)
(1) النجم: 32. (2) لم نعثر عليهما. (3) في (خ، م): إلى أن قال. (4) الفقيه 3: 24 ح
65، التهذيب 6: 241 ح 596، الاستبصار 3: 12 ح 33، الوسائل 18: 288 ب (41) من أبواب
الشهادات ح 1. (5) راجع الوسائل 11: 252 ب (46) من أبواب جهاد النفس. (6) لم نعثر
عليهما. (7) الحج: 78. (*)
ص 168
وأجاب ابن إدريس (1) بأن الحرج ينتفي بالتوبة. وأجيب (2) بأن التوبة تسقط الكبائر
والصغائر، ولا يكفي في الحكم بالتوبة مطلق الاستغفار وإظهار الندم حتى يعلم من حاله
ذلك، وهذا قد يؤدي إلى زمان طويل يفوت معه الغرض من الشهادة ونحوها، فيبقى الحرج.
وعلى الثاني يعتبر اجتناب الكبائر كلها وعدم الاصرار على الصغائر، فإن الاصرار
عليها يلحقها بالكبيرة، ومن ثم ورد: (لا صغيرة مع الاصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار)
(3). والمراد بالاصرار الاكثار منها، سواء كان من نوع واحد أم من أنواع مختلفة.
وقيل: المداومة على نوع واحد منها. ولعل الاصرار يتحقق بكل منهما. وفي حكمه العزم
على فعلها ثانيا وإن لم يفعل. [و] (4) أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها
العزم على فعلها ولا التوبة منها، فهذا هو الذي لا يقدح في العدالة، وإلا لادى إلى
أن لا تقبل شهادة أحد. ولعل هذا مما تكفره الاعمال الصالحة من الصلاة والصيام
وغيرهما، كما جاء في الخبر. واعلم أن المصنف - رحمه الله - لم يتعرض للمروة في قادح
العدالة، وكأنه لم يجعل تركها قادحا أو يتوقف في ذلك. وهو قول لبعض العلماء (5)، من
حيث إنه يخالف العادة لا الشرع.
(هامش)
(1) السرائر 2: 118. (2) المختلف: 718. (3) الكافي 2: 288 ح 1، الوسائل 11: 268 ب
(48) من أبواب جهاد النفس ح 3. (4) من (أ). (5) انظر الحاوي الكبير 17: 151. (*)
ص 169
والاشهر اعتبارها في الشهادة، سواء جعلناها شطرا من العدالة، كما هو المشهور من أن
العدل هو الذي تعتدل أحواله دينا ومروة وحكما، أم جعلناها خارجة عنها وصفة برأسها،
كما جرى عليه جماعة (1). وقد أغرب في القواعد (2) حيث جعلها جزا من العدالة، وعرفها
بأنها كيفية نفسانية راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروة، ثم جعلها قسيما للعدالة
وشرطا آخر لقبول الشهادة، فجمع بين القولين. وكيف كان، فالوجه أنه لا تقبل شهادة من
لا مروة له، لان اطراح المروة إما أن يكون بخبل ونقصان، أو قلة مبالاة وحياء، وعلى
التقديرين يبطل الثقة والاعتماد على قوله. أما المخبل فظاهر. وأما قليل الحياء فلان
من لا حياء له يصنع ما شاء، كما ورد في الخبر (3). وفي ضبط المروة عبارات متقاربة،
منها: أن صاحب المروة هو الذي يصون نفسه عن الادناس ولا يشينها عند الناس، أو الذي
يتحرز عما يسخر منه ويضحك به، أو الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه. فمن ترك
المروة لبس ما لا يليق بأمثاله، كما إذا لبس الفقيه لباس الجندي، وتردد به في
البلاد التي لم تجر عادة الفقهاء فيها بلبس هذا النوع من الثياب. وكما إذا لبس
التاجر ثوب الحمالين ونحوهم بحيث يصير ضحكة. ومنه: المشي في الاسواق والمجامع مكشوف
الرأس والبدن، إذا لم يكن
(هامش)
(1) الدروس الشرعية 2: 125. (2) قواعد الاحكام 2: 236 - 237. (3) مسند أحمد 4: 121،
صحيح البخاري 8: 35، سنن أبي داود 4: 252 ح 4797، سنن ابن ماجة 2: 1400 ح 4183. (*)
ص 170
وربما توهم واهم: أن الصغائر لا تطلق على الذنب إلا مع الاحباط. وهذا بالاعراض عنه
حقيق، فإن إطلاقها بالنسبة، ولكل فريق اصطلاح.
الشخص ممن يليق به مثله. وكذا مد
الرجلين في مجالس الناس.ومنه: الاكل في السوق، إلا أن يكون الشخص سوقيا أو غريبا لا
يكترث بفعله. ومنه: أن يقبل الرجل زوجته أو أمته بين يدي الناس، أو يحكي لهم ما
يجري [لهم] (1) في الخلوة، أو يكثر من الحكايات المضحكة. ومنه: أن يخرج من حسن
العشرة مع الاهل والجيران والمعاملين، ويضايق في اليسير الذي لا يستقصى (2) فيه.
ومنه: أن يبتذل الرجل المعتبر بنقل الماء والاطعمة إلى بيته، إذا كان ذلك عن شح
وضنة. ولو كان عن استكانة أو اقتداء بالسلف التاركين للتكلف لم يقدح ذلك في المروة.
وكذا لو كان يلبس ما يجد ويأكل حيث يجد، لتقلله (3) وبرأته من التكلفات العادية،
ويعرف ذلك بتناسب حال الشخص في الاعمال والاخلاق، وظهور مخايل (4) الصدق عليه.
قوله: (وربما توهم واهم... إلخ). هذا الوهم ذهب إليه بعض الاصحاب، حيث قال: إن
الصغائر لا تطلق على الذنب إلا على مذهب القائلين بالاحباط، على تقدير الموازنة بين
الاعمال
(هامش)
(1) من (ث). (2) في (ت، د، ل): يستقضى. (3) في (ط): لتبتله. (4) في (أ، د، ط):
محامل. (*)
ص 171
ولا يقدح في العدالة ترك المندوبات. ولو أصر مضربا عن الجميع، ما لم يبلغ حدا يؤذن
بالتهاون بالسنن.
الصالحة والمعاصي، كما نبه عليه تعالى بقوله: (إن الحسنات يذهبن
السيئات) (1)، وقال تعالى: (وحبط ما صنعوا) (2)، فجعل الذنب الذي يحبط بالطاعة
صغيرة، والذنب الذي يحبط الطاعة كبيرة. وتحقيق القول في الكلام. وهذا بناء ضعيف،
لان الكبائر قد اعتبرها من قال بالاحباط ومن أبطله، وهم المحققون والجمهور،
والصغائر تطلق بالنسبة إلى الكبائر، ولا ضرورة إلى بنائها على القول الضعيف، لامكان
جعلها إضافية بالنسبة إلى ذنب آخر أو مخصوصة بذنوب معينة، وهو ما عدا الكبائر
المحصورة في الكتاب والسنة، كما هو مذهب الاكثر. على أن القائل بالاحباط يعتبر
الاكثر من الطاعة والمعصية، فيثبته أجمع، أو يثبت منه ما زاد عن مقابله من أي نوع
كان من أنواع المعاصي، فربما كانت المعصية المخصوصة على هذا مما يحبط عن شخص، ويبقى
على آخر بالنظر إلى ما يقابلها من الطاعة، فلا يتحقق الصغيرة في نوع من أنواع
المعاصي، ومن ثم أطلق على هذا الفهم الوهم، وجعله حقيقا بالاعراض عنه. ثم على تقدير
تسمية القائلين بالاحباط ما يكفر من السيئات صغيرة فهو اصطلاح لهم لا يلزم الفقيه
مثله، فلكل فريق اصطلاح يرجعون إليه، وأسماء يطلقونها لا يلزم مثلها لغيرهم. قوله:
(ولا يقدح في العدالة... إلخ). ترك المندوبات لا يقدح في التقوى، ولا يؤثر في
العدالة، إلا أن يتركها
(هامش)
(1) هود: 114. (2) هود: 16. (*)
ص 172
وهنا مسائل: الاولى: كل مخالف في شي من أصول العقائد ترد شهادته، سواء استند في ذلك
إلى التقليد أو إلى الاجتهاد. ولا ترد شهادة المخالف في الفروع من معتقدي الحق، إذا
لم يخالف الاجماع. ولا يفسق وإن كان مخطئا في اجتهاده.
أجمع فيقدح فيها، لدلالته
على قلة المبالاة بالدين والاهتمام بكمالات الشرع. ولو اعتاد ترك صنف منها،
كالجماعة والنوافل ونحو ذلك، فكترك الجميع، لاشتراكهما في العلة المقتضية لذلك.
نعم، لو تركها أحيانا لم يضر. قوله: (كل مخالف... إلخ). المراد بالاصول التي ترد
شهادة المخالف فيها أصول مسائل التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد. أما
فروعها من المعاني والاحوال وغيرهما من فروع علم الكلام فلا يقدح الاختلاف فيها،
لانها مباحث ظنية، والاختلاف فيها بين علماء الفرقة الواحدة كثير شهير. وقد عد بعض
العلماء (1) جملة مما وقع الخلاف فيه منها بين المرتضى وشيخه المفيد، فبلغ نحوا من
مائة مسألة، فضلا عن غيرهما. والمراد بالفروع التي لا تقدح فيها المخالفة المسائل
الشرعية الفرعية، لانها مسائل اجتهادية، والاصول التي تبنى عليها من الكتاب والسنة
كلها ظنية. وينبغي أن يراد بالاجماع الذي تقدح مخالفته فيها إجماع المسلمين قاطبة،
أو إجماع الامامية مع العلم بدخول قول المعصوم في جملة قولهم، لان
(هامش)
(1) وهو قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (قدس سره)، انظر كشف المحجة للسيد ابن
طاووس (ققدس سره): 20. (*)
ص 173
الثانية: لا تقبل شهادة القاذف. ولو تاب قبلت. وحد التوبة أن يكذب نفسه، وإن كان
صادقا، ويوري باطنا. وقيل: يكذبها إن كان كاذبا، ويخطئها في الملا إن كان صادقا.
والاول مروي.
حجية الاجماع في قوله (1) على أصولهم، لا مطلق إجماعهم، إذ لا عبرة
بقول غير المعصوم منهم مطلقا، وما لم يعلم دخول قوله في قولهم فلا عبرة بقولهم وإن
كثر القائل. وقد تمادى بعضهم فسمى مثل ذلك إجماعا، بل سمى المشهور. ومخالفةمثل ذلك
غير قادح بوجه من الوجوه، كما تقتضيه قواعدهم الدالة على حجية الاجماع. فتنبه لذلك
لئلا تقع في الغلط، اغترارا بظاهر الاصطلاح، واعتمادا على الدعوى. قوله: (لا تقبل
شهادة القاذف... إلخ). لا خلاف في عدم قبول شهادة القاذف قبل توبته، ولقوله تعالى:
(ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) (2). فإذا تاب قبلت شهادته. واختلفوا في حد توبته،
فقيل: أن يكذب نفسه فيما كان قذف به، سواء كان صادقا في قذفه أم كاذبا. ثم إن كان
كاذبا فتكذيبه نفسه مطابق للواقع. وإن كان صادقا ورى باطنا بما يخرجه عن الكذب في
تكذيبه نفسه، مع كونه غير كاذب في نفس الامر. وإنما لزمه التكذيب مطلقا لان الله
تعالى سمى القاذف كاذبا متى لم يأت بالشهداء على ما قذف به، بقوله: (والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) (3) إلى قوله: (فأولئك عند الله هم الكاذبون)
(4).
(هامش)
(1) كذا في الحجريتين: ولعله الصحيح، وفيما لدينا من النسخ الخطية: قولهم. (2)
النور: 4 - 13. (3) النور: 4 - 13. (4) النور: 4 - 13. (*)
ص 174
ولما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (توبة القاذف إكذابه نفسه) (1). ولرواية
أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام قال: (سألته عن القاذف بعد ما يقام عليه
الحد ما توبته؟ قال: يكذب نفسه، قلت: أرأيت إن أكذب نفسه وتاب تقبل شهادته؟ قال:
نعم) (2). ومرسلة يونس عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن الذي يقذف المحصنات
تقبل شهادته بعد الحد إذا تاب؟ قال: نعم، قلت: وما توبته؟ قال: يجي فيكذب نفسه عند
الامام، ويقول: قد افتريت على فلانة، ويتوب مما قال) (3). ومثله رواية ابن سنان عن
الصادق عليه السلام (4). وإلى هذا ذهب الشيخ في النهاية (5)، وجماعة (6). وقال في
المبسوط (7) وابن إدريس (8) والعلامة (9): حدها أن يكذب نفسه إن
(هامش)
(1) تلخيص الحبير 4: 204 ذيل ح 2131، الدر المنثور 6: 131. (2) الكافي 7: 397 ح 1،
التهذيب 6: 245 ح 615، الاستبصار 3: 36 ح 120، الوسائل 18: 282 ب (366) من أبواب
الشهادات ح 1. (3) الكافي 7: 397 ح 5، التهذيب 6: 245 ح 617، الاستبصار 3: 36 ح
122، الوسائل 18: 283 الباب المتقدم ح 4. (4) الكافي 7: 397 ح 6، التهذيب 6: 245 ح
616، الاستبصار 3: 36 ح 121، الوسائل 18: 283 ب (377) من أبواب الشهادات ح 1. (5)
النهاية: 326. (6) غنية النزوع: 440، إصباح الشيعة: 529، الدروس الشرعية 2: 126،
وحكاه العلامة عن الصدوقين وابن أبي عقيل في المختلف: 717 - 718. (7) المبسوط 8:
179. (8) السرائر 2: 116. (9) قواعد الاحكام 2: 236، تحرير الاحكام 2: 208، إرشاد
الاذهان 2: 157. (*)
ص 175
وفي اشتراط إصلاح العمل، زيادة عن التوبة تردد. والاقرب الاكتفاء بالاستمرار، لان
بقأه على التوبة إصلاح ولو ساعة.
كان كاذبا، ويعترف بالخطاء إن كان صادقا، لان
تكذيبه نفسه مع (1) عدم كونه كاذبا في نفس الامر قبيح، فيكفيه الاعتراف بالخطاء.
وفيه: [مع] (2) أن إثبات الفرق بين الحالين يفهم من قوله بأنه مخطئ دون كاذب أن ما
قذف به واقع، فهو قذف آخر تعريضي، وهو غير جائز. فما اختاره فالمصن - رحمه الله -
أنسب بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر، وجبر الفرية بالحد مؤيد بظاهر الاية وصريح
الرواية. قوله: (وفي اشتراط... إلخ). ذهب بعض الاصحاب (3) إلى اشتراط إصلاح العمل
زيادة على التوبة في قبول شهادة القاذف، لقوله تعالى في حق القاذف: (فلا تقبلوا لهم
شهادة أبدا وأولئك عند الله هم الكاذبون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن
الله غفور رحيم) (4) فاستثنى ممن لا تقبل لهم شهادة منهم الذين تابوا وأصلحوا، فلا
يكفي التوبة وحدها، لان المستثنى فاعل الامرين معا. والاظهر - وهو الذي اختاره
المصنف رحمه الله - الاكتفاء بالاستمرار على التوبة، لتحقق الاصلاح بذلك. والامر
المطلق (5) يكفي في امتثاله المسمى. والاصل عدم اشتراط أمر آخر. وفي الروايات
السابقة ما يدل عليه.
(هامش)
(1) في (د): مع كونه صادقا في نفس... (2) من إحدى الحجريتين. (3) الوسيلة: 231. (4)
النور: 4 و5، ونص الاية في المصحف الشريف:... شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا
الذين.... (5) في الحجريتين: بالمطلق. (*)
ص 176
ولو أقام بينة بالقذف، أو صدقه المقذوف، فلا حد عليه ولا رد. الثالثة: اللعب بالات
القمار كلها حرام، كالشطرنج والنرد والاربعة عشر، وغير ذلك، سواء قصد الحذق أو
اللهو أو القمار.
قوله: (ولو أقام بينة... إلخ). لان الله تعالى شرط في رد شهادته
(1) عدم الاتيان بالشهداء بقوله: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) (2). وإقرار المقذوف أقوى من
البينة، فيسقطان به بطريق أولى. قوله: (اللعب بالات القمار... إلخ). مذهب الاصحاب
تحريم اللعب بالات القمار كلها، من الشطرنج والنرد والاربعة عشر وغيرها. ووافقهم
على ذلك جماعة من العامة، منهم أبو حنيفة (3) ومالك (4) وبعض الشافعية (5). ورووا
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله) (6).
وفي رواية أخرى أنه (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير) (7).
(هامش)
(1) في (أ): شهادتهم. (2) النور: 4. (3) اللباب في شرح الكتاب 4: 62، بدائع الصنائع
6: 269، روضة القضاة 1: 236 رقم (1090)، رؤوس المسائل: 531 مسألة (391)، حلية
العلماء 8: 251. (4) المدونة الكبرى 5: 153، الكافي للقرطبي 2: 895، وراجع أيضا
الحاوي الكبير 17: 179. (5) روضة الطالبين 8: 203. (6) عوالي اللئالي 1: 243 ح 167،
مسند أحمد 4: 394، سنن أبي داود 4: 285 ح 4938، سنن ابن ماجة 2: 1237 ح 3762،
مستدرك الحاكم 1: 50، سنن البيهقي 10: 214. (7) عوالي اللئالي 1: 243 ح 168، مسند
أحمد 5: 352، سنن أبي داود 4: 285 ح 4939
ص 177
الرابعة: شارب المسكر ترد شهادته ويفسق، خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو منصفا أو
فضيخا، ولو شرب منه قطرة. وكذا الفقاع. وكذا العصير إذا غلى من نفسه أو بالنار، ولو
لم يسكر، إلا أن يغلي حتى يذهب ثلثاه. أما غير العصير من التمر أو البسر، فالاصل
أنه حلال ما لم يسكر.
وروى الاصحاب عن الصادق عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين
عليه السلام: الشطرنج والنرد هما الميسر) (1). وعن الصادق عليه السلام قال: (إن لله
عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، إلا من أفطر على مسكر، أو مشاحن،
أو صاحب شاهين، قلت: وأي شي صاحب شاهين؟ قال: الشطرنج) (2). وروى معمر بن خلا د في
الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام قال: (النرد والشطرنج والاربعة عشر بمنزلة واحدة،
وكل ما قومر عليه فهو ميسر) (3). وفي معناها أخبار كثيرة (4). وظاهر النهي أنها من
الصغائر، فلا يقدح في العدالة إلا مع الاصرار عليها. ثم النرد والشطرنج مشهوران.
وأما الاربعة عشر ففسروها (5) بأنها قطعة من خشب فيها حفر في ثلاثة أسطر، ويجعل في
الحفر حصى صغار يلعب بها. قوله: (شارب المسكر... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 6: 435 ح 3، الوسائل 12: 242 ب (104) من أبواب ما يكتسب به ح 2. (2)
الكافي 6: 435 ح 5، الوسائل 12: 237 ب (102) من أبواب ما يكتسب به ح 4. (3) الكافي
6: 435 ح 1، الوسائل 12: 242 ب (104) من أبواب ما يكتسب به ح 1. (4) راجع الوسائل
12: 237 ب (102 - 104) من أبواب ما يكتسب به. (5) راجع المبسوط 8: 222. (*)
ص 178
لا فرق في تحريم المسكر بين اتخاذه من العنب وغيره عند الاصحاب وأكثر العامة (1)،
لقوله صلى الله عليه وآله: (كل مسكر حرام) (2). وقول الصادق عليه السلام: (إنما حرم
الخمر لفعلها وفسادها) (3). وروى علي بن يقطين في الصحيح عن الكاظم عليه السلام
قال: (إن الله تبارك وتعالى لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن حرمها لعاقبتها، فما كان
عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر) (4). وفي حديث له عنه عليه السلام: (فما فعل فعل الخمر
فهو خمر) (5). ولا فرق في المسكر بين ما يسكر منه وغيره، لتعليق التحريم على الاسم.
وفي معناه الفقاع عندنا. وكذا العصير العنبي إذا غلى وإن لم يشتد. وقد تقدم البحث
فيهما في باب الاطعمة (6). و[أما] (7) مالا يسكر من الاشربة غير ما ورد النص
بتحريمه فالاصل فيه الحل، ومنه عصير الزبيب والتمر وغيرهما. وفي الدروس (8) قيد
العصير العنبي مع غليانه بالاشتداد. وليس كذلك، فإن تحريمه معلق على مجرد الغليان،
وإنما نجاسته عند من قال بها من الاصحاب (9) معلقة على الاشتداد، والبحث هنا في
التحريم لا في النجاسة. نعم، ذهب في
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 17: 184، بدائع الصنائع 5: 115. (2) الكافي 6: 410 ح 12، الوسائل
17: 270 ب (17) من أبواب الاشربة المحرمة ح 8. (3) الكافي 6: 412 ح 4، الوسائل 17:
273 ب (19) من أبواب الاشربة المحرمة ح 3. (4) الكافي 6: 412 ح 2، التهذيب 9: 112 ح
486، الوسائل 17: 273 الباب المتقدم ح 1. (5) الكافي 6: 412 ح 1، الوسائل 17: 273
الباب المتقدم ح 2. (6) في ج 12: 72 - 73. (7) من (ث، خ). (8) الدروس الشرعية 2:
126. (9) قواعد الاحكام 1: 7. (*)
ص 179
ولا بأس باتخاذ الخمر للتخليل. الخامسة: مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، يفسق
فاعله، وترد شهادته، وكذا مستمعه، سواء استعمل في شعر أو قرآن. ولا بأس بالحداء
[به].
الذكرى (1) إلى تلازم الوصفين. وهو ممنوع. وقد حققناه فيما سبق (2). قوله:
(ولا بأس باتخاذ... إلخ). روى زرارة في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلا، قال: لا بأس) (3). وروى عبيد بن زرارة في الموثق
أو الصحيح عنه عليه السلام: (في الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا، قال: لا بأس) (4).
ولا فرق بين اتخاذها بشي يجعل فيها وعدمه عند الاصحاب، وإن كان ترك العلاج بشي
أفضل. وقد تقدم (5) البحث فيه. قوله: (مد الصوت المشتمل... إلخ). الغناء عند
الاصحاب محرم، سواء وقع بمجرد الصوت أم انضم إليه آلة من آلاته. فقد ورد في تفسير
قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) (6) أنه الغناء
(7). وروي أنه صلى الله عليه وآله قال: (الغناء
(هامش)
(1) الذكرى: 12. (2) راجع ج 12: 72 - 73. (3) الكافي 6: 428 ح 2، التهذيب 9: 117 ح
504، الاستبصار 4: 93 ح 355، الوسائل 17: 296 ب (31) من أبواب الاشربة المحرمة ح 1.
(4) الكافي 6: 428 ح 3، التهذيب 9: 117 ح 505، الاستبصار 4: 93 ح 356، الوسائل 17:
296 الباب المتقدم ح 3. (5) في ج 12: 101 - 102. (6) لقمان: 6. (7) التبيان 8: 244،
مجمع البيان 8: 76، النكت والعيون 4: 328، تفسير القرطبي 14: 51، الدر
ص 180
يثبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) (1). ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، قال سمعته يقول: (الغناء مما وعد الله عليه النار،
وتلا هذه الاية: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم
ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) (2). وروى أبو بصير قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عز وجل: (فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور)
قال: الغناء) (3). وفي معناها أخبار كثيرة (4). والمراد بالغناء الصوت المشتمل على
الترجيع المطرب. كذا فسره به المصنف - رحمه الله - وجماعة (5). والاولى الرجوع فيه
إلى العرف، فما يسمى فيه غناء يحرم، لعدم ورود الشرع بما يضبطه، فيكون مرجعه إلى
العرف. ولا فرق فيه بين وقوعه بشعر وقرآن وغيرهما. وكما يحرم فعل الغناء يحرم
استماعه، كما يحرم استماع غيره من الملاهي. أما الحداء بالمد - وهو الشعر الذي يحث
به الابل على الاسراع في السير -
(هامش)
(1) سنن البيهقي 10: 223، تلخيص الحبير 4: 199 ح 2113، الدر المنثور 6: 505، الدرر
المنتثرة: 100 ح 308. (2) الكافي 6: 431 ح 4، الوسائل 12: 226 ب (99) من أبواب ما
يكتسب به ح 6. (3) الكافي 6: 431 ح 1، الوسائل 12: 227 الباب المتقدم ح 9. (4) راجع
الوسائل: 12، 225 ب (99) من أبواب ما يكتسب به. (5) إرشاد الاذهان 2: 156، الدروس
الشرعية 2: 126. (*)
ص 181
ويحرم من الشعر ما تضمن كذبا، أو هجاء مؤمن، أو تشبيبا بامرأة معروفة غير محللة له.
وما عداه مباح. والاكثار منه مكروه.
وسماعه فمباحان، لما فيه من إيقاظ النوام
وتنشيط الابل للسير. وقد روي أنه صلى الله عليه وآله قال لعبدالله بن رواحة: (حرك
بالقوم، فاندفع يرتجز) (1). وكان عبد الله جيد الحداء، وكان مع الرجال، وكان أنجشة
مع النساء، فلما سمعه أنجشة تبعه، فقال النبي صلى الله عليه وآله لانجشة: (رويدك
رفقا بالقوارير) (2) يعني: النساء. قوله: (ويحرم من الشعر... إلخ). إنشاء الشعر
وإنشاده والاستماع إليه جائز، وكيف لا وكان للنبي صلى الله عليه وآله شعراء يصغي
إليهم، منهم حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما (3). واستنشد الشريد
شعر أمية بن أبي الصلت واستمع إليه (4). وفي حفظ دواوين العرب أبلغ معونة على درك
أحكام الكتاب والسنة ومعانيهما. وقد قال بعض العلماء: (الشعر كلام، فحسنه كحسنه،
وقبيحه كقبيحه، وفضله على الكلام أنه سائر) (5). ويحرم منه الهجاء لمؤمن، صدقا كان
أم كذبا. ولا فرق فيه بين التعريض والتصريح.
(هامش)
(1) تلخيص الحبير 4: 200 ح 2117. (2) النهاية لابن الاثير 4: 39. (3) أنظر السيرة
الحلبية 3: 425. (4) مسند أحمد 4: 390، الادب المفرد: 269 ح 801، صحيح مسلم 4: 1767
ح 1، المعجم الكبير للطبراني 7: 377 ح 7238، سنن البيهقي 10: 226 - 227. (5) الام
للشافعي 9: 311، الحاوي الكبير 17: 202. (*)
ص 182
وكذا يحرم منه ما اشتمل على الفحش أو التشبيب بامرأة بعينها، لما فيه من الايذاء
والاشهار وإن كان صادقا. واحترز بغير المحللة له عن زوجته وأمته غير المزوجة،
ومقتضاه جواز التشبيب بهما. وربما قيل بأن ذلك يرد الشهادة وإن لم يكن محرما، لما
فيه من سقوط المروة. وهو حسن. وكذا التشبيب بالغلام محرم مطلقا، لتحريم متعلقه.
وأما الشعر المشتمل على المدح والاطراء، فما أمكن حمله على ضرب من المبالغة فهو
جائز، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة بنت قيس: (أما معاوية
فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) (1). ومعلوم أنه كان يضعها
كثيرا. وإن لم يمكن حمله على المبالغة وكان كذبا محضا، فهو كسائر أنواع الكذب.
وربما قيل بعدم التحاقه بالكذب مطلقا، لان الكاذب يرى الكذب صدقا ويروجه، وليس غرض
الشاعر أن يصدق في شعره، وإنما هو صناعة، كما أن التشبيب بغير المعين فن للشاعر،
وغرضه به إظهار الصنعة في هذا الفن لا تحقيق (2) المذكور، فلا يخل بالعدالة. وعلى
تقدير حله فالاكثار منه مكروه، على ما وردت به الروايات (3).
(هامش)
(1) عوالي اللئالي 1: 438 ح 155، مسند الشافعي: 187، سنن الدارمي 2: 135، مسند أحمد
6: 412. (2) في (ص): تحقق.(3) راجع الوسائل 5: 83 ب (51) من أبواب صلاة الجمعة. (*)
ص 183
السادسة: الزمر والعود والصنج، وغير ذلك من آلات اللهو حرام، يفسق فاعله ومستمعه.
ويكره الدف في الاملاك، والختان خاصة.
قوله: (الزمر والعود... إلخ). آلات اللهو من الاوتار - كالعود - وغيره، كاليراع
والزمر والطنابير والرباب والصنج، وهو الدف المشتمل على الجلاجل، حرام بغير خلاف.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر
والميسر والمزر والكوبة) (1). والكوبة هي الطبل. ويقال: طبل مخصوص. وقصر بعض العامة
(2) التحريم عليه لذلك. وروى محمد بن الحنفية عن أبيه عليه السلام أن النبي صلى
الله عليه وآله قال: (إذا كان في أمتي خمسة عشر خصلة حصل بها البلا: إذا اتخذوا
الغنيمة دولة، والامانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وجفا أبيه، وعق
أمه، ولبسوا الحرير، وشربوا الخمور، واشتروا المغنيات والمعازف، وكان زعيم القوم
أرذلهم، واكرم الرجل السؤ خوفا منه، وارتفعت الاصوات في المساجد، وسب آخر هذه الامة
أولها، فعند ذلك يرقبون ثلاثا: حجرا وخسفا ومسخا) (3). واستثني من ذلك الدف غير
المشتمل على الصنج عند النكاح والختان، لقوله صلى الله عليه وآله: (أعلنوا النكاح
[والختان] (4)، واضربوا عليها بالغربال) (5) يعني: الدف. وروي أنه صلى الله عليه
وآله قال: (فصل ما بين
(هامش)
(1) مسند أحمد 2: 165، سنن أبي داود 3: 331 ح 3696، تلخيص الحبير 4: 202 ح 2124.
(2) روضة الطالبين 8: 206. (3) الخصال: 500 ح 1 و2، إرشاد القلوب: 71، الوسائل 12:
231 ب (99) من أبواب ما يكتسب به ح 31. وفي المصادر: فارتقبوا عند ذلك: ريحا حمراء
وخسفا... (4) من (خ) فقط. (5) سنن ابن ماجة 1: 611 ح 1895، نصب الراية 3: 167 -
168، تلخيص الحبير 4: 201 ح 2122، سنن البيهقي 7: 290، ولم ترد في المصادر:
والختان. (*)
ص 184
السابعة: الحسد معصية، وكذا بغضة المؤمن. والتظاهر بذلك قادح في العدالة.
الحلال
والحرام الضرب بالدف عند النكاح) (1). ومنع منه ابن إدريس (2) مطلقا. ورجحه في
التذكرة (3)، محتجا بأن الله تعالى ذم (4) اللهو واللعب، وهذا منه. قوله: (الحسد
معصية... إلخ). لا خلاف في تحريم هذين الامرين. والتهديد عليهما في الاخبار مستفيض
(5). وهما من الكبائر، فيقدحان في العدالة مطلقا. وإنما جعل التظاهر بهما قادحا
لانهما من الاعمال القلبية، فلا يتحقق تأثيرهما في الشهادة إلا مع إظهارهما، وإن
كانا محرمين بدون الاظهار. والمراد بالحسد: كراهة النعمة على المحسود وتمني زوالها
عنه، سواء وصلت إلى الحاسد أم لا. وببغضه: كراهته واستثقاله لا لسبب ديني - كفسق -
فيبغضه لاجله، سواء قاطعه مع ذلك أم لا. فإن هجره فهما (6) معصيتان. وقد يحصل كل
منهما بدون الاخرى.
(هامش)
(1) مسند أحمد 3: 418، سنن النسائي 6: 127، سنن الترمذي 3: 398 ح 1088، سنن ابن
ماجة 1: 611 ح 1896، مستدرك الحاكم 2: 184، سنن البيهقي 7: 289. (2) السرائر 2:
215. (3) التذكرة 2: 581. (4) في (د، م): حرم. (5) راجع الوسائل 8: 569 ب (136)،
وص: 584 ب (144) من أبواب أحكام العشرة، وج 11:292 ب (55) من أبواب جهاد النفس. (6)
في (ث، خ، ط): فيهما. (*)
ص 185
الثامنة: لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم، ترد به الشهادة. وفي التكأة
عليه والافتراش له تردد، والجواز مروي. وكذا يحرم التختم بالذهب. والتحلي به
للرجال.
قوله: (لبس الحرير للرجال... إلخ). تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال
موضع وفاق. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أحل الذهب والحرير للاناث من
أمتي، وحرم على ذكورها) (1). وقال صلى الله عليه وآله: (لا تلبسوا الحرير، فإنه من
لبسه في الدنيا لم يلبسه في الاخرة) (2). واستثني من الحرير أمور: أحدها: حالة
الحرب. فروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن لباس الحرير
والديباج، فقال: أما في الحرب فلا بأس به، وإن كان فيه تماثيل) (3). وروى إسماعيل
بن الفضل عنه عليه السلام قال: (لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلا في الحرب) (4).
وثانيها: الضرورة إلى لبسه، لمرض ونحوه. فقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله رخص
لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير، لحكة كانت بهما (5). وفي رواية أخرى
(أنهما شكيا إليه القمل، فرخص لهما في قمص الحريرفي غزاة) (6).
(هامش)
(1) مسند أحمد 4: 392، سنن النسائي 8: 161، سنن البيهقي 3: 275. (2) صحيح مسلم 3:
1641 ح 11، شرح السنة 12: 30. (3) الكافي 6: 453 ح 3، التهذيب 2: 208 ح 816،
الاستبصار 1: 386 ح 1466، الوسائل 3: 270 ب (12) من أبواب لباس المصلي ح 3. (4)
الكافي 6: 453 ح 4، الوسائل 3: 269 الباب المتقدم ح 1. (5) مسند أحمد 3: 273 صحيح
البخاري 4: 50، صحيح مسلم 3: 1646 ح 24، سنن أبي داود 4: 50 ح 4056، سنن البيهقي 3:
268. (6) مسند أحمد 3: 192، صحيح البخاري 4: 50، صحيح مسلم 3: 1647 ح 26. (*)
ص 186
التاسعة: اتخاذ الحمام للانس وإنفاذ الكتب ليس بحرام. وإن اتخذها للفرجة والتطير
فهو مكروه. والرهان عليها قمار.
وثالثها: اليسير منه، كالعلم والرقعة وطرف الثوب.
ففي رواية عنه صلى الله عليه وآله أنه (نهى عن لبس الحرير إلا في موضع إصبعين أو
ثلاثة أو أربعة) (1). وفي تعدي التحريم إلى غير اللبس من التكأة عليه في الوسائد
والافتراش له قولان، منشؤهما اختلاف الاخبار، فروى العامة عن حذيفة - رحمه الله -
قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل
فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه) (2). ويؤيده إطلاق النهي عنه في
الخبر السابق. والاصح الجواز، لصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليهما السلام،
قال: (سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج، ومصلى من حرير ومثله من الديباج، يصلح
للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة عليه؟ قال: يفرشه ويقوم عليه، ولا يسجد عليه)
(3). ولان النهي عنه في النصوص المعتبرة (4) معلق على اللبس، فيبقى غيره على الاصل.
وأما الذهب فيحرم لبسه للرجال مطلقا، سواء في ذلك التختم والتحلي وغيرهما. قوله:
(اتخاذ الحمام... إلخ).
(هامش)
(1) مسند أحمد 1: 51، صحيح مسلم 3: 1643 ح 15، سنن البيهقي 3: 269. (2) مسند أحمد
5: 404، سنن الدارقطني 4: 293 ح 87، سنن البيهقي 3: 266. (3) الكافي 6: 477 ح 8،
التهذيب 2: 373 ح 1553، الوسائل 3: 274 ب (15) من أبواب لباس المصلي ح 1. (4) راجع
الوسائل 3: 266 ب (11) من أبواب لباس المصلي ح 5، 6، 11. (*)
ص 187
اتخاذ الحمام للبيض والفرخ والانس بها وحمل الكتب جائز بلا كراهة، بل في الاخبار
(1) ما يدل على الترغيب فيه، روي (أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله
الوحدة، فقال: اتخذ زوجا من حمام) (2). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس من
بيت فيه حمام إلا لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجن، إن سفهاء الجن يعبثون في البيت
فيعبثون بالحمام، ويدعون الانسان) (3). وروى عبد الكريم بن صالح قال: (دخلت على أبي
عبد الله عليه السلام فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر فقلت: جعلت فداك هذا الحمام
يقذر الفراش، فقال: لا إنه يستحب أن يسكن في البيت) (4). وأما اقتناؤها للعب بها،
وهو أن يطيرها تنقلب في السماء ونحو ذلك، فإنه مكروه، لما فيه من العبث وتضييع
العمر فيما لا يجدي. ولكن لا ترد به الشهادة، إلا أن يكثر بحيث يؤذن بقلة المروة،
خلافا لابن إدريس (5) حيث جعل اللعب بها قادحا، لقبح اللعب. وهو ممنوع. ورواية
العلا بن سيابة عن الصادق عليه السلام قال: (سألته عن شهادة من يلعب بالحمام، قال:
لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق) (6) تدفع قبحه، وتدل على أن اللعب به ليس فسقا، وإلا
لاستحال التقييد
(هامش)
(1) راجع الوسائل 8: 376 ب (31) من أبواب أحكام الدواب. (2) الكافي 6: 546 ح 6،
الفقيه 3: 220 ح 1022، الوسائل 8: 378 الباب المتقدم ح 15. (3) الكافي 6: 546 ح 5،
الوسائل 8: 377 الباب المتقدم ح 8. (4) الكافي 6: 548 ح 15، الوسائل 8: 380 ب (34)
من أبواب أحكام الدواب ح 1. (5) السرائر 2: 124. (6) الفقيه 3: 30 ح 88، التهذيب 6:
284 ح 784، الوسائل 18: 305 ب (54) من أبواب الشهادات ح 1. (*)
ص 188
العاشرة: لا ترد شهادة أحد من أرباب الصنائع المكروهة،كالصياغة وبيع الرقيق، ولا من
أرباب الصنائع الدنية، كالحياكة والحجامة، ولو بلغت في الدنأة كالزبال والوقاد، لان
الوثوق بشهادته مستند إلى تقواه.
به. وفي خبر آخر بالاسناد قال: (سمعته يقول: لا
بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام) (1). وأما الرهان عليها فمحرم، لما تقدم في كتاب
السبق (2) من اختصاص جوازه بالخف والحافر من الحيوان. وقيل: إن حفص بن غياث وضع
للمهدي العباسي في حديث: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) (3) قوله: (أو ريش)
ليدخل فيه الحمام، تقربا إلى قلب الخليفة حيث رآه يحب الحمام، فلما خرج من عنده
قال: (أشهد أن قفاه قفا كذاب، ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أو ريش، ولكنه
أراد التقرب إلينا بذلك) (4) ثم أمر بذبح الحمام. قوله: (لا ترد شهادة أحد... إلخ).
أهل الحرف الدنية والمكروهة لا ترد شهادتهم عندنا مطلقا، لانها حرف مباحة والناس
محتاجون إليها، ولو ردت شهادتهم لم يؤمن أن يتركوها فيعم الضرر.
(هامش)
(1) التهذيب 6: 284 ح 785، الوسائل 18: 305 الباب المتقدم ح 2. (2) في ج 6: 84. (3)
الكافي 5: 50 ح 14، الوسائل 13: 348 ب (3) من كتاب السبق والرماية ح 1. وانظر مسند
أحمد 2: 474، سنن ابن ماجة 2: 960 ح 2878، سنن أبي داود 3: 29 ح 2574، سنن النسائي
6: 226. (4) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 275، وفيه: غياث بن إبراهيم، بدل: حفص بن غياث.
(*)