ص 197
وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، مع غيرها من أهل العدالة. ومنهم من
شرط في الزوج الضميمة كالزوجة. ولا وجه له. ولعل الفرق إنما هو لاختصاص الزوج بمزيد
القوة في المزاج، [من] أن تجذبه دواعي الرغبة. والفائدة تظهر، لو شهد فيما تقبل فيه
شهادة الواحد مع اليمين. وتظهر الفائدة في الزوجة، لو شهدت لزوجها في الوصية.
كالقصاص والحد) على خلاف بعض العامة (1)، حيث حكم بقبول شهادة الولد على والده
بالمال دون القصاص والحد، محتجا بأنه لا يجوز أن يكون سببا لعقوبة الاب، كما لا
يقتص منه (2) ولا يحد بقذفه. قوله: (وكذا تقبل... إلخ). لا خلاف عندنا في قبول
شهادة كل من الزوجين للاخر، لوجود المقتضي، وانتفاء المانع، وضعف التهمة مع وصف
العدالة. لكن شرط الشيخ - رحمه الله - في النهاية (3) انضمام عدل آخر إلى كل منهما،
استنادا إلى صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تجوز شهادة الرجل
لامرأته، والمرأة لزوجها، إذا كان معها غيرها) (4). وموقوف (5)
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 17: 165، روضة الطالبين 8: 213. (2) في (ت، ط): به. (3) النهاية:
330. (4) الكافي 7: 392 - 393 ح 1، التهذيب 6: 247 ح 627، الوسائل 18: 269 ب (25)
من أبواب الشهادات ح 1.(5) في (د): وموثق. (*)
ص 198
وتقبل شهادة الصديق لصديقه، وإن تأكدت بينهما الصحبة والملاطفة، لان العدالة تمنع
التسامح.
سماعة قال: (سألته عن شهادة الرجل لامرأته؟ قال: نعم، والمرأة لزوجها؟
قال: لا، إلا أن يكون معها غيرها) (1). وجوابه: منع الدلالة، لانه أطلق القبول في
الزوج وقيده في الزوجة، فإلحاقه بها قياس مع وجود الفارق. وأبعد منه إلحاق باقي
الاقارب كما مر (2). ووجه التقييد في الرواية أن المرأة لا يثبت بها الحق منفردة
ولا منضمة إلى اليمين، بل يشترط أن يكون معها غيرها، إلا ما استثني نادرا وهو
الوصية، بخلاف الزوج، فإنه يثبت بشهادته الحق مع اليمين، والرواية باشتراط الضميمة
معها مبنية على الغالب في الحقوق، وهي ما عدا الوصية. والمصنف - رحمه الله - وافق
الشيخ في الزوجة دون الزوج، عملا بإطلاق الرواية الصحيحة. وجعل الفائدة في شهادتها
له بالوصية، فلا تقبل في الربع، بخلاف ما لو شهدت لغيره. وفرق بينها وبين الزوج
بقوة مزاجه وسداد عقله، بخلافها، ومن ثم كانت شهادة امرأتين بشهادة رجل، فلا يوثق
بعدالتها أن تميل إلى مطلوبه بدواعي الطبع، بخلاف الرجل. والاظهر عدم اشتراط
الضميمة مطلقا. وعلى القول بها يكفي انضمام امرأة أخرى فيما يكتفى فيه بشهادة
المرأتين، كنصف الوصية والمال الذي يكتفى فيه بهما مع اليمين. قوله: (وتقبل شهادة
الصديق... إلخ).
(هامش)
(1) التهذيب 6: 247 ح 629، الوسائل 18: 270 الباب المتقدم ح 3. (2) في ص: 194. (*)
ص 199
الرابعة: لا تقبل شهادة السائل في كفه، لانه يسخط إذا منع، ولان ذلك يؤذن بمهانة
النفس، فلا يؤمن على المال. ولو كان ذلك مع الضرورة نادرا، لم يقدح في شهادته.
نبه
بالغاية على خلاف بعض الشافعية (1)، حيث ذهب إلى أنه إذا كان بينهما ملاطفة وهدية
لا تقبل شهادته له. وعموم الادلة يمنعه. والتهمة تندفع بالعدالة. قوله: (لا تقبل
شهادة السائل... إلخ). المشهور بين الاصحاب عدم قبول شهادة السائل في كفه مطلقا،
لصحيحةعلي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: (سألته عن السائل الذي يسأل في كفه
هل تقبل شهادته؟ فقال: كان أبي لا يقبل شهادته إذا سأل في كفه) (2). وموثقة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (رد رسول الله صلى الله عليه وآله شهادة السائل
الذي يسأل في كفه، قال أبو جعفر عليه السلام: لانه لا يؤمن على الشهادة، وذلك لانه
إن أعطي رضي، وإن منع سخط) (3). وفي التعليل إيماء إلى تهمته. واستثنى ابن إدريس
(4) من دعته الضرورة إلى ذلك. ووافقه المصنف وجماعة (5) من المتأخرين. وهو حسن. وفي
حكم السائل بكفه الطفيلي. والمراد بالسائل في كفه من يباشر السؤال والاخذ بنفسه،
والسؤال في الكف كناية عنه.
(هامش)
(1) هذا الخلاف من مالك، انظر الكافي للقرطبي 2: 894، ولم ينقل عن الشافعية، راجع
الحاوي الكبير 17: 162 - 163، حلية العلماء 8: 260 - 261، المغني لابن قدامة 12:
71. (2) الكافي 7: 397 ح 14، التهذيب 6: 244 ح 609، الوسائل 18: 281 ب (35) من
أبواب الشهادات ح 1. (3) الكافي 7: 396 ح 13، التهذيب 6: 243 ح 608، الوسائل 18:
281 الباب المتقدم ح 2. (4) السرائر 2: 122. (5) تحرير الاحكام 2: 210، الدروس
الشرعية 2: 131 - 132، التنقيح الرائع 4: 299. (*)
ص 200
الخامسة: تقبل شهادة الاجير والضيف، وإن كان لهما ميل إلى المشهود له، لكن يرفع
التهمة تمسكهما بالامانة.
قوله: (تقبل شهادة الاجير... إلخ). لا خلاف في قبول شهادة
الضيف من حيث هو ضيف، لعموم الادلة المتناولة له، وارتفاع ريبة التهمة بواسطة
التقوى. وفي رواية أبي بصير قال: (لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا) (1). وأما
الاجير فاختلف الاصحاب في شأنه، فجزم المصنف - رحمه الله - وقبله ابن إدريس (2)
بقبول شهادته، وعليه المتأخرون (3)، للاصل، وعموم قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من
رجالكم) (4) (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (5). وذهب الشيخ في النهاية (6) والصدوقان (7)
وأبو الصلاح (8) وجماعة (9) إلى عدم قبول شهادته ما دام أجيرا، لرواية العلا بن
سيابة عن الصادق عليه السلام قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يجيز شهادة
الاجير) (10). ورواية زرعة
(هامش)
(1) الفقيه 3: 27 ح 77، التهذيب 6: 258 ح 676، الاستبصار 3: 21 ح 64، الوسائل 18:
274 ب (299) من أبواب الشهادات ح 3. (2) السرائر 2: 121. (3) تحرير الاحكام 2: 210،
كشف الرموز 2: 520، التنقيح الرائع 4: 297 - 298. (4) البقرة: 282. (5) الطلاق: 2.
(6) النهاية: 325. (7) الهداية: 75، وحكاه عنهما العلامة في المختلف: 718. (8)
الكافي في الفقه: 436. (9) الوسيلة: 230، غنية النزوع: 440، إصباح الشيعة: 529.
(10) الكافي 7: 394 ح 4، التهذيب 6: 246 ح 624، الاستبصار 3: 21 ح 62، الوسائل 18:
274 ب (299) من أبواب الشهادات ح 2. (*)
ص 201
لواحق هذا الباب وهي ست: الاولى: الصغير والكافر والفاسق المعلن، إذا عرفوا شيئا،
ثم زال المانع عنهم، فأقاموا تلك الشهادة قبلت، لاستكمال شرائط القبول. ولو أقامها
أحدهم في حال المانع فردت، ثم أعادها بعد زوال المانع، قبلت.
قال: (سألته عما يرد
من الشهود، فقال: المريب، والخصم، والشريك، ودافع مغرم، والاجير) (1). وفي طريق
الرواية الاولى أحمد بن فضال عن أبيه. والثانية ضعيفة موقوفة. فكان القول بالقبول
أجود. ويمكن حملهما على الكراهة، جمعا بينهما وبين رواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: (تكره شهادة الاجير لصاحبه، ولا بأس بشهادته لغيره، ولا بأس به
له بعد مفارقته) (2). أو على ما إذا كان هناك تهمة بجلب نفع أو دفع ضرر، كما لو شهد
لمن استأجره على قصارة الثوب أو خياطته به (3) ونحو ذلك، فإنها لا تقبل قطعا. قوله:
(الصغير والكافر والفاسق... إلخ).
(هامش)
(1) التهذيب 6: 242 ح 599، الاستبصار 3: 14 ح 38، الوسائل 18: 278 ب (32) من أبواب
الشهادات ح 3. وفي المصادر: عن زرعة، عن سماعة، قال... (2) تقدم ذكر مصادرها في
الصفحة السابقة هامش (1).(3) في (ث، ط): له. (*)
ص 202
وكذا العبد لو ردت شهادته على مولاه، ثم أعادها بعد عتقه، أو الولد على أبيه فردت،
ثم مات الاب وأعادها. أما الفاسق المستتر، إذا أقام فردت، ثم تاب وأعادها، فهنا
تهمة الحرص على دفع الشبهة عنه، لاهتمامه بإصلاح الظاهر. لكن الاشبه القبول.
عد
بعضهم (1) من أسباب التهمة أن يدفع عار الكذب عن نفسه، فإذا شهد فاسق مستتر بفسقه
فرد الحاكم شهادته ثم تاب فشهادته مقبولة بعد ذلك، لكن لو أعاد تلك الشهادة قيل: لا
تقبل. وهذا بخلاف ما لو ردت شهادة الفاسق المعلن فسقه أو العبد أو الصبي أو الكافر،
ثم تاب الفاسق وأعتق العبد وبلغ الصبي وأسلم الكافر، فأعادوا شهادتهم، فإنها تقبل.
والفرق من وجهين: أحدهما: أن العدالة والفسق يدركان بالنظر والاجتهاد، فإذا أدى نظر
الحاكم واجتهاده إلى فسق الشاهد حكم بردها، وما حكم برده فقد أبطله، فليس له أن
يصححه من تلك الجهة التي أبطله بها. والعبد والصبي والكافر والفاسق المعلن ليس لهم
أهلية الشهادة، وما أتوا به ليس بشهادة معتد بها حتى تقبل أو ترد، ولو علم الحاكم
حالهم لم يصغ إلى كلامهم، فليس في أمرهم نظر ولا اجتهاد. والثاني: أن المذكورين لا
يتعيرون برد الشهادة. أما العبد والصبي فليس إليهما نقصانهما. وأما الكافر فلا
يعتقد كفره نقصانا، بل يفتخر به، ولا يبالي برد
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 237، الدروس الشرعية 2: 129. (*)
ص 203
شهادته، لتمسكه بدينه. وكذا الفاسق المعلن، فإنه غير مبال بفسقه ولا يعده عارا،
فكان كالكافر، بخلاف الفاسق المستتر، فإنه يتعير بالرد، لان الرد يظهر فسقه الذي
يسعى في إخفائه، ويعترف بأنه نقص. ولانه يتهم بالكذب والمجازفة إذا ردت شهادته،
فإذا أعاد تلك الشهادة فقد يريد دفع غضاضة الكذب، أو يرى أنه كان الحاكم مخطئا في
ظن الفسق به فلما تبين خلافه قبل شهادته، وقد يتوهم أنه على فسقه لكن أظهر التوبة
ليعيد الشهادة ويدفع العار، ومثل هذا لا يقدح فيبلوغ الصبي وما في معناه. والمصنف -
رحمه الله - بعد أن فرق في الحكم بين الفاسق والمذكورين رجح المساواة بينهم في
القبول، لتحقق العدالة الدافعة لمثل هذه التهمة. وهو حسن مع ظهور صدق توبته، والثقة
بعدم استنادها إلى ما يوجب التهمة. ولو كان الكافر مستترا بكفره ثم أسلم وأعادها
فالوجهان. وكذا لو شهد على إنسان فردت شهادته لعداوة بينهما، ثم زالت العداوة فأعاد
تلك الشهادة، فإن كان مستترا للعداوة فالوجهان، وإلا لم يمنع، لان الرد بالسبب
الظاهر لا يورث عارا. ولو شهد لمكاتبه بمال، أو لعبده بنكاح، فردت شهادته، فأعادها
بعد عتقهما، أو شهد اثنان من الشفعاء بعفو شفيع ثالث قبل أن يعفو فردت شهادتهما، ثم
أعاداها بعد ما عفوا، أو شهد اثنان يرثان من رجل بجراحة عليه غير مندملة فردت
شهادتهما، ثم أعاداها بعد اندمال الجراحة، قبلت في الجميع. وربما جاء احتمال المنع
من حيث التهمة بالرد. وهو ممنوع، لظهور هذه الموانع.
ص 204
الثانية: قيل: لا تقبل شهادة المملوك أصلا. وقيل: تقبل مطلقا. وقيل: تقبل إلا على
مولاه. ومنهم من عكس. والاشهر القبول إلا على المولى.
قوله: (قيل: لا تقبل شهادة
المملوك... إلخ). اختلف الاصحاب في شهادة المملوك بسبب اختلاف الروايات، والنظر في
الجمع بينها، على أقوال. الاول: قبول شهادته مطلقا. نقله المصنف - رحمه الله - هنا
عن بعض الاصحاب، وهو اختيار ابن عمه نجيب الدين يحيى بن سعيد في جامعه (1). وحجته:
عموم قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (2) (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) (3)
وغيرهما (4) من آيات العموم، فإنها تتناول المملوك كما تتناول الحر في أصح القولين
للاصوليين (5). وخصوص صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: (تجوز شهادة
العبد المسلم على الحر) (6). وهي تدل على جوازها على مثله بطريق أولى، لما سيأتي
(7) من الروايات الدالة على جوازها على مثله زيادة على هذه. ورواية محمد بن مسلم
أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام: (في شهادة
(هامش)
(1) الجامع للشرائع: 540. (2) الطلاق: 2. (3) البقرة: 282. (4) النساء: 6. (5)
البحر المحيط 3: 181. (6) الفقيه 3: 26 ح 69، التهذيب 6: 249 ح 636. الاستبصار 3:
16 ح 44، الوسائل 18: 254 ب (233) من أبواب الشهادات ح 5. وفي المصادر: الحر
المسلم. (7) في ص: 210. (*)
ص 205
المملوك إذا كان عدلا فهو جائز الشهادة، إن أول من رد شهادة المملوك عمر، وذلك أنه
تقدم إليه مملوك في الشهادة فقال: إن أقمت الشهادة تخوفت على نفسي، وإن كتمتها أثمت
بربي، فقال: هات شهادتك، أما إنا لا نجيز شهادة مملوك بعدك) (1). وحسنة بريد عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن المملوك تجوز شهادته؟ قال: نعم، إن أول من رد
شهادة المملوك لفلان) (2). وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج عنه عليه السلام: (إن أمير
المؤمنين عليه السلام قال: لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا) (3). وهذه الاخبار
كلها تدل على القبول مطلقا، وتخصيصها على خلاف الاصل. الثاني: عدم قبولها مطلقا.
ذهب إلى ذلك الحسن بن أبي عقيل (4) من أصحابنا. وهو قول أكثر العامة (5). ومستنده
من الاخبار صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
(هامش)
(1) الكافي 7: 389 - 390 ح 2، التهذيب 6: 248 ح 633، الاستبصار 3: 15 ح 41، الوسائل
18: 254 ب (23) من أبواب الشهادات ح 3. (2) الكافي 7: 390 ح 3، التهذيب 6: 248 ح
635، الاستبصار 3: 16 ح 43، الوسائل 18: 254 الباب المتقدم ح 2. (3) الكافي 7: 389
ح 1، التهذيب 6: 248 ح 634، الاستبصار 3: 15 ح 42، الوسائل 18: 253 الباب المتقدم ح
1. (4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 720. (5) حلية العلماء 8: 246، اللباب في شرح
الكتاب 4: 60، الكافي للقرطبي 2: 894، روضة الطالبين 8: 199. (*)
ص 206
في حديث، وفي آخره: (العبد المملوك لا تجوز شهادته) (1). والمراد بنفي الجواز نفي
القبول، إذ هو الظاهر. وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن
شهادة ولد الزنا، قال: لا ولا عبد) (2). ورواية سماعة قال: (سألته عما يرد من
الشهود، فقال: المريب، والخصم، والشريك، ودافع مغرم، والاجير، والعبد، والتابع،
والمتهم، كل هؤلا ترد شهادتهم) (3).ومن الاعتبار أن الشهادة من المناصب الجليلة،
فلا تليق بحال العبد كالقضاء. ولاستغراق وقته (4) بحقوق سيده، فلا يتفرغ لتحمل
الشهادة ولا لادائها. ولان نفوذ القول على الغير نوع ولاية، فيعتبر فيها الحرية كما
في سائر الولايات. وفيه نظر، لان الجواز المنفي مغاير للقبول في المفهوم، فحمله
عليه - خصوصا مع معارضة تلك (5) الادلة الكثيرة - ليس بجيد. ومن الجائز حمله على
معناه بإرادة عدم جواز شهادته بدون إذن مولاه، لما في ذلك من تعطيل حق سيده،
والانتفاع به بغير إذنه. ولو كان هذا خلاف الظاهر لكان المصير إليه أولى، مراعاة
للجمع.
(هامش)
(1) التهذيب 6: 249 ح 638، الاستبصار 3: 16 ح 46، الوسائل 18: 256 ب (23) من أبواب
الشهادات ح 10. (2) التهذيب 6: 244 ح 612، الوسائل 18: 277 ب (31) من أبواب
الشهادات ح 6. (3) التهذيب 6: 242 ح 599، الاستبصار 3: 14 ح 38، الوسائل 18: 278 ب
(32) من أبواب الشهادات ح 3. (4) في (أ): رقبته. (5) في (خ): معارضته لتلك. (*)
ص 207
هذا مع أن صدر الرواية تضمن قبول شهادة المملوك على أهل الكتاب، وهو ينافي عدم قبول
شهادته مطلقا. وأيضا فإن محمد بن (1) مسلم روى أيضا قبول شهادة المملوك على الحر
المسلم، وروى (2) قبول شهادته مطلقا، فلا وجه لترجيح المنع. وأما صحيحة الحلبي
فليست صريحة في عدم القبول، وقابلة للتأويل جمعا. واقترانه بولد الزنا في الشهادة
يطرق الاحتمال أيضا، لما سيأتي (3) من الخلاف فيه. وأما رواية سماعة فوقوفها يوقف
حالها، مضافا إلى ضعف سندها، فلا عبرة بها. وأما كون الشهادة من المناصب المرتفعة
عن مقام المملوكية فظاهر المنع، بل عين المتنازع، وفيما يسوغ للعبد من المناصب -
كالامامة - ما هو أشرف منها. واستغراق وقته في خدمة سيده لا ينافي قبول شهادته،
لامكان وقوع ما لا ينافي ذلك ولو بإذنه. فهذان القولان طرفا الاقوال، وبقي بينهما
وسائط.الثالث: قبولها مطلقا إلا على مولاه. وهذا مذهب الاكثر، ومنهم
(هامش)
(1) تقدم ذكر مصادره في ص: 204 هامش (6). (2) تقدم ذكر مصادره في ص: 205 هامش (1).
(3) في ص: 221. (*)
ص 208
الشيخان (1)، والمرتضى (2)، وسلا ر (3)، والقاضي (4)، وابن إدريس (5)، والمصنف،
وأكثر المتأخرين (6). والمستند التوفيق بين الادلة. ويناسب حمل أدلة المنع على
شهادته على مولاه مشابهته للولد في عدم قبول شهادته على والده، لاشتراكهما في وجوب
الطاعة وتحريم العصيان والعقوق. وفيه نظر، لان حمل أخبار المنع على ذلك غير متعين،
لما ذكرناه سابقا، ولما سيأتي (7) من الاخبار الدالة على المنع من شهادته على غيره
من الاحرار، فيمكن حملها عليه. وتشبيهه بالولد ممنوع. ولو سلم فالاصل ممنوع أيضا.
وقد تقدم (8). واستدل في المختلف (9) لعدم قبول شهادته على مولاه بصحيحة الحلبي عن
الصادق عليه السلام: (في رجل مات وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له، فأعتق
العبدين، وولدت الجارية غلاما، فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع
على الجارية وأن الحمل منه، قال: تجوز شهادتهما، ويردا
(هامش)
(1) النهاية: 331، المقنعة: 726. (2) الانتصار: 246. (3) المراسم: 232. (4) المهذب
2: 557. (5) السرائر 2: 135. (6) المختلف: 721، غاية المراد: 322، التنقيح الرائع
4: 301. (7) في ص: 210. (8) في ص: 195. (9) المختلف: 721. (*)
ص 209
عبدين كما كانا) (1). قال: (وهي دالة على قبول شهادته لسيده، والمنع من قبولها على
سيده، وإلا لم يكن للعتق فائدة) (2). وفي كل منهما نظر: أما الاول فلانهما حين
الشهادة لم يكونا شاهدين لسيدهما ظاهرا، لان مولوية الولد إنما تحققت بعد شهادتهما
وحكم الحاكم بها. نعم، شهادتهما مع الحكم كشفا عن كون الشهادة في نفس الامر للمولى،
ولا يلزم منه قبولها مع ظهور الامر [له] (3). وأما الثاني فلان لفظ العتق لم يقيد
به الامام ليكون دليلا على اعتباره في القبول، بل هو في (4) لفظ الراوي بيانا
للواقع. سلمنا لكن مفهوم الصفة ليس بحجة عنده.والشيخ في الاستبصار (5) حملها على
أنها شهادة في الوصية، فتقبل فيها لا غير، كما تقبل شهادة عدول الذمة عند عدم
المسلمين. الرابع: عكسه. وهو عدم قبولها مطلقا إلا على مولاه. وهذا القول نقله
المصنف - رحمه الله - هنا أيضا، وكذلك العلامة في القواعد (6)، ولم نعلم قائله.
(هامش)
(1) التهذيب 6: 250 ح 642، الاستبصار 3: 17 ح 50، الوسائل 18: 255 ب (23) من أبواب
الشهادات ح 7. (2) المختلف: 721. (3) من (ت). (4) في الحجريتين: من. (5) الاستبصار
3: 17 ذيل ح 50. (6) قواعد الاحكام 2: 238. (*)
ص 210
ووجهه: الجمع بين الاخبار أيضا، بحمل أخبار القبول [بكونها] (1) على مولاه،
والمانعة على غيره. ولا يخفى عدم الموجب لهذا التخصيص. مضافا إلى ما ذكرناه سابقا
من وجوه ترجيح غيره. الخامس: قبولها على مثله وعلى الكافر، وردها على الحر المسلم.
وهو مذهب أبي علي بن الجنيد (2). وحجته - مع الجمع بين تلك الاخبار - قول الباقر
عليه السلام في رواية محمد بن مسلم: (لا تجوز شهادة العبد المسلم على الحر المسلم)
(3). والتقييد بالصفة يدل على نفي الحكم عما عدا الموصوف. وعلى تقدير عدم حجية
مفهوم الوصف فيستدل على قبول شهادته على الذمي بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام أنه قال: (تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب) (4).
وعلى العبد بما روي عن علي عليه السلام أنه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض، ولا يقبل
شهادتهم على الاحرار. ذكر ذلك الشيخ في الخلاف (5). وفيه نظر، لان رواية محمد بن
مسلم المذكورة معارضة بروايته أيضا الصحيحة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (تجوز
شهادة العبد المسلم على الحر
(هامش)
(1) من (خ، د، م).(2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 720. (3) التهذيب 6: 249 ح 637،
الاستبصار 3: 16 ح 45، الوسائل 18: 256 ب (23) من أبواب الشهادات ح 12. (4) الفقيه
3: 28 ح 81، التهذيب 6: 249 ح 638، الاستبصار 3: 16 ح 46، الوسائل 18: 254 الباب
المتقدم ح 4، وفي الفقيه: عن أبي جعفر عليه السلام. (5) الخلاف 6: 269 مسألة (19).
(*)
ص 211
المسلم) (1). والرواية الثانية لا تدل على نفي قبولها على غير أهل الكتاب إلا
بالمفهوم الضعيف. والرواية الثالثة ليس لها استناد (2) يعتمد، وقد عارضها رواية عبد
الرحمن بن الحجاج أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: (لا بأس بشهادة المملوك)
(3) من غير تقييد بكون شهادته على مثله. السادس: قبولها لغير مولاه وعليه، وردها له
وعليه. ذهب إلى ذلك أبو الصلاح (4) رحمه الله. وحاول به أيضا الجمع بين الاخبار،
وأن في شهادته لمولاه تهمة بجره النفع إليه، وعليه عقوق ومعصية. وقد تقدم (5) ما
فيه. السابع: قال ابنا بابويه: (لا بأس بشهادة العبد إذا كان عدلا لغير سيده) (6).
وهو يعطي المنع مما عدا ذلك من حيث المفهوم لا المنطوق. وإطلاق شهادته لغير سيده
يشمل شهادته له على سيده، ويخرج بمفهومها شهادته لسيده على غيره. وفي رواية ابن أبي
يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل المملوك المسلم تجوز
شهادته لغير مواليه؟ فقال: تجوز في الدين والشي اليسير) (7).
(هامش)
(1) تقدم ذكر مصادرها في ص: 204 هامش (6). (2) في (خ، ط): اسناد. (3) الكافي 7: 389
ح 1، التهذيب 6: 248 ح 634، الاستبصار 3: 15 ح 42، الوسائل 18: 253 ب (23) من أبواب
الشهادات ح 1. (4) الكافي في الفقه: 435. (5) في ص: 208. (6) المقنع: 133، وحكاه
عنهما العلامة في المختلف: 720. (7) التهذيب 6: 250 ح 640، الاستبصار 3: 17 ح 48،
الوسائل 18: 255 ب (23) من أبواب الشهادات ح 8. (*)
ص 212
ولو أعتق، قبلت شهادته وعلى مولاه. وكذا حكم المدبر والمكاتب المشروط. أما المطلق،
إذا أدى من مكاتبته [شيئا]، قال في النهاية: تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه. وفيه
تردد، أقربه المنع.
قوله: (ولو أعتق... إلخ). لوجود المقتضي للقبول وهو الحرية مع
باقي الشرائط، وانتفاء المانع، إذ ليس إلا الرقية وقد زالت. لكن لو كان قد أداها
حال الرقية فردت افتقر إلى إعادتها بعده، لان السابقة مردودة فلا يبنى عليها. وكذا
لو شهد الولد على والده ثم مات الاب فأقامها بعده. قوله: (وكذا حكم المدبر... إلخ).
المدبر قبل موت مولاه بحكم القن. وكذا المكاتب المشروط، سواء أدى شيئا من مال
الكتابة أم لا، لبقائه على الرقية ما بقي عليه شي وإن قل، وعوده إليها لعجزه عنه
كذلك. أما المطلق، فإن لم يؤد شيئا فكذلك، لان المقتضي للقبول هو الحرية ولم تحصل.
وإن أدى شيئا، قال الشيخ في النهاية (1) وابن الجنيد (2) والقاضي (3) وجماعة (4):
تقبل شهادته بنسبة ما أدى إلى جملة المال، وترد حيث ترد شهادة القن بنسبة المتخلف،
لانتفاء المانع عن ذلك البعض، ولرواية أبي بصير قال:
(هامش)
(1) النهاية: 331، ولكن ذكر ذلك فيما إذا شهد على سيده. (2) حكاه عنه فخر المحققين
في إيضاح الفوائد 4: 430. (3) المهذب 2: 557، ولكن ذكر ذلك فيما إذا شهد لسيده.(4)
الوسيلة: 230 - 231، الجامع للشرائع: 540. (*)
ص 213
الثالثة: إذا سمع الاقرار صار شاهدا، وإن لم يستدعه المشهود عليه. وكذا لو سمع
اثنين يوقعان عقدا، كالبيع والاجارة والنكاح وغيره. وكذا لو شاهد الغصب أو الجناية.
وكذا لو قال له الغريمان: لا تشهد علينا، فسمع منهما أو من أحدهما ما يوجب حكما.
وكذا لو خباء (1)، فنطق المشهود عليه مسترسلا.
(سألته عن شهادة المكاتب - إلى قوله
- فإن كان أدى النصف أو الثلث فشهد لك بألف على رجل، أعطيت من حقك بحساب ما أعتق)
(2). والرواية موقوفة، فمن ثم قرب المصنف - رحمه الله - المنع وإلحاقه بالقن إلى أن
تكمل حريته. ووجه القرب: أن المانع من قبول شهادته هو الرقية، والمانع لم يزل
بالكلية، فيستصحب الحكم إلى أن يزول. وهذا هو الاقوى. قوله: (إذا سمع الاقرار...
إلخ). المعتبر في قبول شهادة الشاهد مع استجماعه للصفات المعتبرة فيه علمه بما يشهد
به، سواء كان سبب العلم استدعاء المشهود له وعليه أم اتفاق علمه بالواقعة، لاشتراك
الجميع في المقتضي وهو العلم، حتى لو فرض سماعه العقد ونحوه منهما أو تحاسبهما أو
تصادقهما [معا] (3) فقالا له: لا تشهد علينا، فهذا القول لاغ، وله (4) بل عليه أن
يشهد بما علم، لشمول الادلة لذلك كله.
(هامش)
(1) خباء الشي: ستره. لسان العرب 1: 62. (2) التهذيب 6: 279 ح 767، الوسائل 18: 257
ب (23) من أبواب الشهادات ح 14، مع اختلاف في بعض اللفظ. (3) من (ت). (4) سقط من
(خ، ط). (*)
ص 214
الرابعة: التبرع بالشهادة قبل السؤال يطرق التهمة، فيمنع القبول. أما في حقوق الله،
أو الشهادة للمصالح العامة، فلا يمنع، إذ لا مدعيلها. وفيه تردد.
وكذا تقبل شهادة
من خباء وجلس في زاوية مستخفيا لتحمل الشهادة. ولا يحمل ذلك على الحرص، إذ الحاجة
قد تدعوا إليه، بأن يقر من عليه الحق إذا خلا به المستحق ويجحد إذا حضر غيره. ولان
الحرص على التحمل لا على الاداء. ويظهر من كلام ابن الجنيد (1) عدم قبول شهادته.
وهو مذهب بعض العامة (2). وفرق آخرون (3) بين كون المشهود عليه ممن يتخدع (4)
وغيره، فقبل الشهادة على الثاني دون الاول. وعموم الادلة - ومنها قوله تعالى: (إلا
من شهد بالحق وهم يعلمون) (5) - يشمله. قوله: (التبرع بالشهادة... إلخ). من أسباب
التهمة الحرص على الشهادة بالمبادرة إليها قبل استنطاق الحاكم، سواء كان بعد دعوى
المدعي أم قبله. واعلم أن الحقوق على ضربين: ضرب يمنع المبادرة إلى الشهادة بها من
قبولها، وهو حقوق الادميين المحضة. وضرب مختلف فيه، وهو حقوق الله تعالى المحضة،
كالزنا وشرب الخمر والوقف على المصالح العامة كالمساجد، أو لله
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 727، والشهيد في الدروس الشرعية 2: 131. (2)
المغني لابن قدامة 12: 102، روضة الطالبين 8: 217. (3) الكافي للقرطبي 2: 898 -
899. (4) في (م): يخدع. (5) الزخرف: 86. (*)
ص 215
تعالى فيه حق وإن كان مشتركا، كحد القذف، والوقف على منتشرين، والعتق، والوقف على
معين إن قلنا بانتقال الملك إلى الله تعالى. وتسمى الشهادة على هذا القسم على وجه
المبادرة شهادة الحسبة. فالمبادر في القسم الاول لا تقبل شهادته. وفي الخبر أنه صلى
الله عليه وآله قال في معرض الذم: (ثم يجي قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها) (1).
وفي لفظ آخر: (ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد) (2). وروي أنه صلى
الله عليه وآله قال: (خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) (3). فجمع بين
الحديثين بحمل الاول على الاول، والثاني على الثاني. والمصنف - رحمه الله - تردد في
عدم المنع في القسم الثاني. ووجه التردد من عموم الادلة الدالة على الرد، وتطرق
التهمة، ومن ثبوت الفرق الموجب لاختصاص الحكم بالاول، لان هذه الحقوق لا مدعي لها،
فلو لم يشرع فيها التبرع لتعطلت، وهو غير جائز. ولانه نوع من الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر، وهو واجب، وأداء الواجب لا يعد تبرعا. وهذا هو الاقوى. إذا تقرر ذلك،
فالتبرع بالشهادة في موضع المنع ليس جرحا (4) عندنا حتىلا تقبل شهادته في غير تلك
الواقعة، لان الحرص المذكور ليس بمعصية، فتسمع شهادته في غيرها وإن لم يتب عما وقع
ولا استبرئ من ذلك مدة، وإنما الرد
(هامش)
(1) مسند أحمد 4: 426، تلخيص الحبير 4: 204 ح 2130. (2) سنن ابن ماجة 2: 791 ح
2363، تلخيص الحبير 4: 204 ذيل ح 2130. (3) مسند أحمد 5: 193، صحيح مسلم 3: 1344 ح
19، سنن أبي داود 3: 304 ح 3956، سنن الترمذي 4: 472 ح 2295 و2297، سنن البيهقي 10:
159. (4) في (ت، ط): حرجا، وفي (خ): حرصا. (*)
ص 216
الخامسة: المشهور بالفسق إذا تاب لتقبل شهادته، الوجه أنها لا تقبل حتى يستبان
استمراره على الصلاح. وقال الشيخ: يجوز أن يقول: تب أقبل شهادتك.
لمعنى حاصل في نفس
الواقعة، ولا يلزم منه حصوله في غيرها. ولو أعاد تلك الشهادة في مجلس آخر على وجهها
ففي قبولها وجهان، من بقاء التهمة في الواقعة، واجتماع الشرائط في الشهادة الثانية.
وهذا أجود. وذهب بعض العامة (1) إلى أنه يصير بذلك مجروحا، وأن المبادرة غير جائزة.
واختلفوا في كونها من الصغائر أو الكبائر. وفرعوا عدم قبولها إذا أعادها - كالشهادة
المردودة بعلة الفسق - على الثاني، وتقبل على الاول. قوله: (المشهور بالفسق...
إلخ). التوبة المعتبرة تنقسم إلى ما هي بين العبد وبين الله تعالى، وهي التي يندفع
بها إثم الذنب، وإلى توبة في الظاهر، وهي التي يتعلق بها عود (2) الشهادات
والولايات. فأما التوبة الاولى فهي أن يندم على ما مضى، ويترك فعله (3) في الحال،
ويعزم على أن لا يعود إليه، ويكون الباعث على ترك القبيح قبحه. ثم إن كانت المعصية
لا يتعلق بها حق لله تعالى ولا للعباد، كالاستمتاع بما دون الوط، فلا شي عليه سوى
ذلك. وإن تعلق بها حق مالي، كمنع الزكاة وكالغصب والجنايات في أموال الناس، فيجب مع
ذلك تبرئة الذمة منه، بأن يؤدي الزكاة، ويرد أموال الناس إن
(هامش)
(1) انظر روضة الطالبين 8: 217. (2) في (ت): قبول. (3) في (أ، ت، ث، ط): مثله. (*)
ص 217
بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل من المستحق فيبرؤه منها. ولو كان معسرا نوى
الغرامة له إذا قدر. وإن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي، كما لو زنى أو شرب، فإن لم
يظهر، فيجوز أن يظهره ويقر به ليقام عليه الحد، ويجوز أن يستره. وهو الاولى. فإن
ظهر فقد فات الستر، فيأتي الحاكم ليقيم عليه الحد، إلا أن يكون ظهوره قبل قيام
البينة عليه عند الحاكم، كما سيأتي (1) من سقوط الحد بالتوبة قبل قيام البينة
مطلقا. وإن كان حقا للعباد، كالقصاص والقذف، فيأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء.
فإن لم يعلم المستحق وجب في القصاص أن يخبره ويقول: أنا الذي قتلت أباك مثلا،
ولزمني القصاص، فإن شئت فاقتص، وإن شئت فاعف. وفي القذف والغيبة إن بلغه فالامر
كذلك، وإن لم يبلغه فوجهان، من أنه حق آدمي فلا يزول إلا من جهته، وإليه ذهب
الاكثر، ومن استلزامه زيادة الاذى ووغر (2) ا لقلوب. وعلى الاول فلو تعذر الاستحلال
منه بموته أو امتناعه فليكثر من الاستغفار والاعمال الصالحة، عسى أن يكون عوضا عما
يأخذه يوم القيامة من حسناته إن لم يعوضه الله تعالى عنه. ولا اعتبار فيه بتحليل
الورثة وإن ورثوا حد القذف.
(هامش)
(1) في ص: 358. (2) الوغر: الحقد والضغن والعداوة. (*)
ص 218
أما الحق المالي إذا مات مستحقه، فإنه ينتقل إلى وارثه، ويبرأ بدفعه إليهم
وبإبرائهم منه. وهكذا ينتقل من وارث إلى آخر. ومتى دفع هو أو أحد من ورثته أو بعض
المتبرعين إلى الوارث في بعض الطبقات برئ منه. وإن بقي إلى يوم القيامة ففي مستحقه
حينئذ أوجه: أحدها: رجوعه إلى صاحب الحق الاول. وهو المروي في الصحيح عن عمر بن
يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى
مات، ثم صالح ورثته على شي، فالذي أخذ الورثة لهم، وما بقي فهو للميت يستوفيه منه
في الاخرة، وإن هو لم يصالحهم على شي حتى مات ولم يقض عنه فهو للميت يأخذه به) (1).
والمراد بالصلح على شي في الاول إما على بعض الحق مع إبقاء البعضفي ذمته، أو الصلح
على وجه غير لازم، إما لاستلزامه الربا، أو لعدم علم المستحق بمقدار الحق مع علم من
عليه الحق به، أو نحو ذلك، وإلا فلو وقع على الجميع برئ منه وإن كان بأقل، وهو صلح
الحطيطة، كما تقدم في بابه (2). والوجه الثاني: أنه يكتب الاجر لكل وارث مدة عمره،
أو عوض المظلمة، ثم يكون لاخر وارث ولو بالعموم كالامام، لان ذلك هو قضية التوارث
لما يترك الميت بعموم الكتاب (3) والسنة (4).
(هامش)
(1) الكافي 5: 259 ح 8، التهذيب 6: 208 ح 480، الوسائل 13: 166 ب (5) من أبواب
أحكام الصلح ح 4. (2) راجع ج 4: 261 - 262. (3) النساء: 11 - 12. (4) الوسائل 17:
414 أبواب موجبات الارث. (*)
ص 219
والثالث: أنه ينتقل بعد موت الكل إلى الله تعالى، لانه الباقي بعد فناء كل شي، وهو
يرث الارض ومن عليها، وهو خير الوارثين. وأصحها الاول. وأما التوبة الظاهرة،
فالمعاصي تنقسم إلى فعلية وقولية. أما القولية - كالقذف - فقد تقدم (1) الكلام في
توبته. وأما الفعلية - كالزنا والسرقة والشرب - فإظهار التوبة عنها لا يكفي في قبول
الشهادة وعود الولاية، لانه لا يؤمن أن يكون له في الاظهار غاية وغرض فاسد، فيختبر
مدة يغلب على الظن فيها أنه قد أصلح عمله وسريرته وأنه صادق في توبته. ولا يتقدر
ذلك بمدة معينة، لاختلاف الامر فيه باختلاف الاشخاص وأمارات الصدق. وعند بعض العامة
(2) يتقدر بمضي الفصول الاربعة، لان لها أثرا بينا في تهييج النفوس وانبعاثها
لمشتهياتها، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة. واكتفى بعضهم (3) بستة
أشهر، لظهور عوده إن كانت فيها غالبا. ولو كانت المعصية مما يترتب عليها حق مالي
فلا بد من التخلص منه كالاولى. هذا هو المشهور بين الاصحاب. وذهب الشيخ في موضع من
المبسوط (4) إلى الاكتفاء بإظهار التوبة عقيب قول الحاكم له: تب أقبل شهادتك، لصدق
التوبة المقتضي لعود العدالة، مع انتفاءالمانع، فيدخل تحت عموم قبول شهادة العدل.
وأجيب (5) بمنع اعتبار توبته حينئذ، لان التوبة المعتبرة هو أن يتوب عن
(هامش)
(1) في ص: 173. (2) الحاوي الكبير 17: 31، المغني لابن قدامة 12: 81 - 82، روضة
الطالبين 8: 221 - 222. (3) الحاوي الكبير 17: 31، المغني لابن قدامة 12: 81 - 82،
روضة الطالبين 8: 221 - 222. (4) المبسوط 8: 179. (5) غاية المراد: 319 - 320. (*)
ص 220
السادسة: إذا حكم الحاكم، ثم تبين في الشهود ما يمنع القبول، فإن كان متجددا بعد
الحكم لم يقدح، وإن كان حاصلا قبل الاقامة، وخفي عن الحاكم، نقض الحكم [إذا علم].
القبيح لقبحه، وهاهنا ظاهرها أنها لا لقبحه بل لقبول الشهادة. وفيه نظر، لانه لا
يلزم من قوله: (تب أقبل شهادتك) كون التوبة لاجل ذلك، بل غايته أن تكون التوبة علة
في القبول، أما أنه غاية لها فلا. وأيضا فالمأمور به التوبة المعتبرة شرعا لا مطلق
التوبة، والمغياة بقبول شهادته ليست كذلك. نعم، مرجع كلام الشيخ إلى أن مضي الزمان
المتطاول ليس بشرط في ظهور التوبة. والامر كذلك إن فرض غلبة ظن الحاكم بصدقه في
توبته في الحال، وإلا فالمعتبر ذلك. قوله: (إذا حكم الحاكم... إلخ). إذا حكم الحاكم
بشهادة اثنين ثم بان له ما يمنع قبول الشهادة، فإن كان المانع متجددا بعد الحكم -
كالكفر والفسق - لم ينقض الحكم مطلقا، لوقوعه بشهادة عدلين. وإن كان حدوثه بعد
الشهادة وقبل الحكم فسيأتي (1) البحث فيه. وإن كان حاصلا قبل الاقامة وخفي على
الحاكم، كما لو تبين له أنهما كانا كافرين أو صبيين أو عبدين على وجه لا تقبل فيه
شهادتهما، أو امرأتين، أو عدوين للمشهود عليه، أو أحدهما عدوا أو ولدا له على القول
به، نقض حكمه، لانه تيقن الخطاء فيه، كما لو حكم باجتهاده ثم ظهر النص بخلافه.
(هامش)
(1) في ص: 294. (*)
ص 221
الوصف السادس: طهارة المولد فلا تقبل شهادة ولد الزنا أصلا. وقيل: تقبل في اليسير
مع تمسكه بالصلاح، وبه رواية نادرة. ولو جهلت حاله، قبلت شهادته، وإن نالته بعض
الالسن.
ولو تبين لقاض آخر أنه حكم بشهادتهما كذلك نقض حكمه أيضا، إلا في صورة
الحكم بالعبدين والولد مع اختلافهما في الاجتهاد وذهاب الحاكم إلى قبول شهادتهما،
فليس للثاني نقضه حينئذ. ولو كان موافقا له في الاجتهاد بعدم قبول شهادتهما فاتفق
غلطه نقضه أيضا. وطريق ثبوت فسقهما سابقا يحصل بحضور جارحين لهما بأمر سابق على
الشهادة. فرع: لو قال القاضي بعد الحكم بشهادة شاهدين: قد بان لي أنهما كانا
فاسقين، ولم يظهر بينة تشهد بفسقهما، ففي تمكينه من نقضه وجهان أظهرهما ذلك، بناء
على جواز قضائه بعلمه. ولو قال: أكرهت على الحكم بقولهما، وكنت أعرف فسقهما، قبل
قوله من غير بينة على الاكراه، مع ظهور أمارته، كما لو كان قاضيا من قبل سلطان جائر
يظهر في حقه ذلك، وإلا فوجهان، ولعل القبول أقوى مطلقا. قوله: (طهارة المولد...
إلخ). المشهور بين الاصحاب - ومنهم الشيخ في الخلاف (1) والمرتضى (2) مدعيا عليه
الاجماع - عدم قبول شهادة ولد الزنا مطلقا. واختلفوا في تعليله، فالجمهور عللوه
بورود الاخبار الصحيحة بذلك، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله
(هامش)
(1) الخلاف 6: 309 مسألة (57). (2) الانتصار: 247. (*)
ص 222
عليه السلام قال: (سألته عن شهادة ولد الزنا فقال: لا ولا عبد) (1). وصحيحة محمد بن
مسلم قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تجوز شهادة ولد الزنا) (2). ورواية
أبي بصير قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن ولد الزنا أتجوز شهادته؟ قال: لا،
قلت: إن الحكم يزعم أنها تجوز، فقال: اللهم لا تغفر ذنبه) (3). ورواية عبيد بن
زرارة عن أبيه قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لو أن أربعة شهدوا عندي على
رجل بالزنا وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعا، لانه لا تجوز شهادته، ولا يؤم الناس) (4).
وأجودها سندا الخبر الاول، لكن دلالته لا تخلو من قصور. وأما الثاني فصحته ممنوعة،
وإن شهد له بها العلامة في المختلف (5) وولده في الشرح (6)، لان في طريقه محمد بن
عيسى عن يونس، وهو مقدوح إما مطلقا، أو على هذا الوجه. وفي طريق الثالث أبان وأبو
بصير، وهما مشتركان بين الثقة وغيره. وفيطريق الرابع ابن فضال، وحاله مشهور. وعلله
ابن إدريس (7) بأن ولد الزنا كافر، محتجا بالاجماع، فمن ثم لا تقبل شهادته كغيره من
الكفار. والدعوى للحكم والاجماع ممنوعان.
(هامش)
(1) التهذيب 6: 244 ح 612، الوسائل 18: 277 ب (31) من أبواب الشهادات ح 6. (2)
الكافي 7: 395 ح 6، التهذيب 6: 244 ح 613، الوسائل 18: 276 الباب المتقدم ح 3. (3)
الكافي 7: 395 ح 4، التهذيب 6: 244 ح 610، الوسائل 18: 275 - 276 الباب المتقدم ح
1. (4) الكافي 7: 396 ح 8، التهذيب 6: 244 ح 614، الوسائل 18: 276 الباب المتقدم ح
4. (5) المختلف: 718 - 719. (6) إيضاح الفوائد 4: 425. (7) السرائر 2: 122. (*)
ص 223
واحتج له المرتضى (1) بالاجماع، وبالخبر الذي ورد أن ولد الزنا لا ينجب. وأجاب عن
ظواهر الايات التي تقتضي قبول شهادة ولد الزنا إذا كان عدلا، وأنه (ولا تزر وازرة
وزر أخرى) (2)، فلا يتعدى إليه ذنب من خلق من نطفته: بأن الله تعالى قد علم ممن خلق
من نطفة زنا أن لا يختار هو الخير والصلاح، فإذا علمنا بدليل قاطع أنه لا ينجب لم
يلتفت إلى ما يظهره من الايمان والعدالة، لانه يفيد ظن صدقه، ونحن قاطعون بخبث
باطنه وقبح سريرته، فلا تقبل شهادته. وهذا كله مبني على ثبوت الخبر الوارد بذلك، بل
تواتره، لان غير المتواتر لا يوجب الحجة عنده، ونحن ومن قبلنا لم يمكنا إثباته بسند
معتمد، فضلا عن كونه متواترا. واعتذر له في المختلف (3) بجواز كونه متواترا في
زمانه ثم انقطع. ولا يخفى ما فيه من التكلف وظهور المنع. وعلله ابن الجنيد - رحمه
الله - بورود الخبر أنه شر الثلاثة (4)، وعنى به هو والزانيين. قال: (فإذا كنا لا
نقبل شهادة الزاني والزانية، كان رد شهادة من هو شر منهما أولى) (5).
(هامش)
(1) راجع الانتصار: 247 - 248، ولكن حكى إجماع طائفتنا على أن ولد الزنا لا يكون
نجيبا، لا أنه خبر وارد. نعم، احتج بالخبر الذي يروى بأن ولد الزنا لا يدخل الجنة.
ورواه الماوردي في الحاوي الكبير 17: 210، والبيهقي في سننه 10: 58، والهيثمي في
مجمع الزوائد 6: 257. (2) الانعام: 164. (3) المختلف: 719. (4) علل الشرائع: 564 ب
(363) ح 2، سنن أبي داود 4: 29 ح 3963، المعجم الكبير للطبراني 10: 346 رقم 10674،
سنن البيهقي 10: 57. (5) الانتصار: 248. (*)
ص 224
واعترضه المرتضى - رضي الله عنه -: (بأنه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا، ولا يرجع
بمثله عن ظواهر الايات الموجبة للعلم) (1). وبانتقاضه بما لو تاب الزانيان، فإن
شهادتهما تقبل إجماعا، فلا يلزم عدم قبول شهادته أبدا. وإيراده الثاني متوجه. أما
الاول فهو مشترك بين خبريهما، فلا وجه للتخصيص. ووراء هذا القول قولان آخران:
أحدهما: للشيخ في المبسوط (2) أنه تقبل شهادته مع عدالته في الزنا وغيره، نقل ذلك
عن قوم. قال: (وهو قوي، لكن أخبار أصحابنا تدل على أنه لا تقبل شهادته). ومجرد
معارضة أخبار أصحابنا (3) لا يقتضي الرجوع عما قواه، لجواز العدول عن الاخبار لوجه
يقتضيه، فقد وقع له كثيرا. ووجه العدول واضح، فإن عموم الادلة من الكتاب (4) والسنة
(5) على قبول شهادة العدل ظاهرا يتناول ولد الزنا، ومن ثم ذهب إليه أكثر من خالفنا
(6). والثاني: قوله في النهاية (7) أنه تقبل شهادته في الشي اليسير دون الكثير،
استنادا إلى رواية عيسى بن عبد الله عن الصادق عليه السلام قال: (سألته عن
(هامش)
(1) الانتصار: 248. (2) المبسوط 8: 228. (3) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: أصحابه.
(4) الطلاق: 2. (5) الوسائل 18: 288 ب (41) من أبواب الشهادات. (6) اللباب في شرح
الكتاب 4: 64، الحاوي الكبير 17: 210، حلية العلماء 8: 253، المغني لابن قدامة 12:
74، روضة الطالبين 8: 219. (7) النهاية: 326. (*)
ص 225
شهادة ولد الزنا، فقال: لا تجوز إلا في الشي اليسير إذا رأيت منه صلاحا) (1).
وإطلاق المنع من قبولها محمول على الكثير جمعا. وقد ورد أيضا في العبد المقترن (2)
به رواية بقبول شهادته في اليسير، رواها ابن أبي يعفور في الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (سألته عن الرجل المملوك المسلم تجوز شهادته لغير مواليه، فقال:
تجوز في الدين والشي اليسير) (3). وأجاب في المختلف (4): (بالقول بالموجب، فإن قبول
شهادته في الشي اليسير يعطي المنع من قبول اليسير من حيث المفهوم، إذ لا يسير إلا
وهو كثير بالنسبة إلى ما دونه، فإذن لا تقبل شهادته إلا في أقل الاشياء الذي ليس
بكثير بالنسبة إلى ما دونه، إذ لا دون له، ومثله لا يملك). ولا يخفى ما في هذا
الجواب من التكلف، فإن اليسير منزل على العرف حيث لا معين له شرعا، واليسير الاضافي
داخل في العرف. نعم، يمكن القدح في الرواية باشتراك عيسى بن عبد الله بين الثقة
وغيره، فلا تعارض روايته تلك الاخبار الكثيرة أو عموم الكتاب والسنة الدالين على
القبول مطلقا.
(هامش)
(1) التهذيب 6: 244 ح 611، الوسائل 18: 276 ب (31) من أبواب الشهادات ح 5. (2) في
(ت): القن وبه رواية.... (3) التهذيب 6: 250 ح 640، الاستبصار 3: 17 ح 48، الوسائل
18: 255 ب (23) من أبواب الشهادات ح 8. (4) المختلف: 719. (*)
ص 226
الطرف الثاني في ما به يصير شاهدا

والضابط: العلم، لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك
به علم)، ولقوله عليه السلام وقد سئل عن الشهادة: (هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد
أو دع).ومستندها: إما المشاهدة، أو السماع، أو هما. فما يفتقر إلى المشاهدة
الافعال، لان آلة السمع لا تدركها، كالغصب، والسرقة، والقتل، والرضاع، والولادة،
والزنا، واللواط. فلا يصير شاهدا بشي من ذلك، إلا مع المشاهدة. ويقبل فيه شهادة
الاصم. وفي رواية: يؤخذ بأول قوله لا بثانيه. وهي نادرة.
قوله: (في ما به يصير
شاهدا... إلخ). الاصل في الشهادة البناء على العلم واليقين، قال الله تعالى: (ولا
تقف ما ليس لك به علم) (1)، أي: لا تتبعه فتقول فيه بغير علم. يقال: قفوته أقفوه
وقفيته إذا اتبعت أثره. وقال تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (2). وقال صلى
الله عليه وآله لمن سأله عن الشهادة: (ترى الشمس؟ فقال: نعم، فقال: على مثلها فاشهد
أو دع) (3). إلا أن من الحقوق ما لا يحصل اليقين فيه، ولا يستغنى عن إقامة البينة
عليه، فأقيم الظن المؤكد فيه مقام اليقين، وجوزت الشهادة بناء على ذلك الظن،
(هامش)
(1) الاسراء: 36. (2) الزخرف: 86. (3) عوالي اللئالي 3: 528 ح 1، الدر المنثور 8:
195. (*)
ص 227
كما سيأتي (1) عند بعض. وبعضهم طرد الباب. وقد قسم المصنف - رحمه الله - وغيره (2)
من الفقهاء المشهود به على ثلاثة أقسام: أحدها: ما يكفي فيه الابصار، وهو الافعال،
كالزنا والشرب، والغصب والاتلاف والسرقة، والقتل، والولادة والرضاع، والاصطياد
والاحياء، وكون المال في يد الشخص، فيشترط فيها الرؤية المتعلقة بها وبفاعلها، ولا
يجوز بناء الشهادة فيها على السماع من الغير. وتقبل فيها شهادة الاصم، إذ لا مدخل
للسمع فيها، ولعموم الادلة المتناولة له. وذهب الشيخ في النهاية (3) وتلميذه القاضي
(4) إلى أنه يؤخذ بأول قوله، ولا يؤخذ بثانيه، استنادا إلى رواية جميل قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة الاصم في القتل، قال: يؤخذ بأول قوله، ولا يؤخذ
بثانيه) (5). وأجيب بضعف سند الرواية، فإن في طريقها سهل بن زياد. وبالقول بالموجب،
فإن قوله الثاني إن كان منافيا للاول ردت شهادته، لانه رجوع عما شهد به أولا، فلا
يقبل، وإن لم يكن منافيا لم يكن ثانيا، بل شهادة أخرى مستأنفة.
(هامش)
(1) في الصفحة التالية. (2) قواعد الاحكام 2: 239، الدروس الشرعية 2: 134. (3)
النهاية: 327. (4) المهذب 2: 556. (5) الكافي 7: 400 ح 3، التهذيب 6: 255 ح 664،
الوسائل 18: 296 ب (42) من أبواب الشهادات ح 3. (*)
ص 228
وما يكفي فيه السماع: فالنسب، والموت، والملك المطلق، لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في
الاغلب. ويتحقق كل واحد من هذه، بتوالي الاخبار من جماعة، لا يضمهم قيد المواعدة،
أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم. وفي هذا عندي تردد. وقال الشيخ رحمه الله: لو شهد
عدلان فصاعدا، صار السامع متحملا وشاهد أصل، لا شاهدا على شهادتهما، لان ثمرة
الاستفاضة الظن، وهو حاصل بهما. وهو ضعيف، لان الظن يحصل بالواحد.
وفي هذا القسم
الاخير نظر. وكيف كان، فالوجه القبول مطلقا. قوله: (وما يكفي فيه السماع... إلخ).
هذا هو القسم الثاني، وهو ما يكفي فيه السماع، فمنه النسب، فيجوز أن يشهد بالتسامع
أن هذا الرجل ابن فلان، وأن هذه المرأة إذا عرفها بعينها بنت فلان، أو أنهما من
قبيلة كذا، لانه أمر لا مدخل للرؤية فيه، وغاية الممكن رؤية الولادة على فراش
الانسان، لكن النسب إلى الاجداد المتوفين والقبائل القديمة لا يتحقق فيه الرؤية
ومعرفة الفراش، فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع. ومقتضى إطلاق النسب عدم الفرق بين
كونه من الاب والام. وفي نسب الام وجه أنه لا تجوز الشهادة عليه بالسماع، لامكان
رؤية الولادة. والاشهر الجواز كالرجل. وصفة التسامع في ذلك أن يسمع الشاهد الناس
ينسبون المشهود بنسبه إلى ذلك الرجل أو القبيلة. ولا يعتبر التكرر والامتداد (1)
مدة السماع، وإن كان الحكم
(هامش)
(1) في (ت، م): ولا امتداد. (*)
ص 229
به آكد، بل لو حضر جماعة لا يرتاب في صدقهم، فأخبروه بنسبه دفعة واحدة على وجه
إفادة الغرض، جاز له الشهادة. ويعتبر مع انتساب الشخص ونسبة الناس أن لا يعارضهم ما
يورث التهمة والريبة، فلو كان المنسوب إليه حيا وأنكر لم تجز الشهادة. ولو كان
مجنونا جازت، كما لو كان ميتا. وفيه وجه بالمنع، لاحتمال أن يفيق فينكر. وهل يقدح
في ذلك طعن من يطعن في النسب؟ وجهان أظهرهما مراعاة الشرط، وهو الظن المتاخم (1) أو
العلم. ومنه الموت، والمشهور جواز الشهادة عليه بالاستفاضة كالنسب، لان أسباب الموت
مما يكثر، ومنها ما يخفى ومنها ما يظهر، وقد يعسر الاطلاع عليها، فجاز أن يعتمد على
الاستفاضة، ولانه يقع في الافواه وينتشر كالنسب. وفيه وجه بالمنع، لانه يمكن فيه
المعاينة، بخلاف النسب.ومنه الملك المطلق، لان أسباب الملك يخفى على تطاول الازمان،
ويبقى [الملك] (2) المطلق المجرد عن السبب، فلو لم يثبت بها أدى إلى بطلان الحق
وتعذر إثبات الملك بموت الشهود. وكذا القول في الوقف والعتق وولاية القاضي. وقد
تقدم (3) في القضاء. إذا تقرر ذلك، فقد اختلف فيما به يصير الشاهد شاهدا
بالاستفاضة، فقيل: أن يكثر السماع من جماعة حتى يبلغ حد العلم بالمخبر عنه. وعلى
هذا، فلا تكون هذه الاشياء خارجة عن أصل الشهادة. وقيل: يكفي بلوغه حدا يوجب
(هامش)
(1) في (خ): المتاخم للعلم. (2) من (ث) والحجريتين. (3) في ج 13: 351. (*)
ص 230
الظن الغالب المقارب للعلم. والمصنف - رحمه الله - تردد في ذلك، من حيث إن ذلك على
خلاف الاصل، فإثباته يحتاج إلى دليل صالح يخرجه عنه، ومجرد ما ذكروه غير كاف في
إثباته، ولامكان العلم بكثير من هذه الاشياء كما أشرنا إليه. والحق أنا إن اعتبرنا
العلم لم ينحصر الحكم في المذكورات، وإن اكتفينا بالظن الغالب فللتوقف [فيه] (1)
مجال، إلا أن يفرض زيادة الظن على ما يحصل منه بقول الشاهدين، بحيث يمكن استفادته
من مفهوم الموافقة بالنسبة إلى الشاهدين الذي هو حجة منصوصة، فيمكن إلحاقه حينئذ
به. وبالغ الشيخ في المبسوط (2) فقال: يكفي أن يسمع من عدلين فصاعدا، فيصير بسماعه
منهما شاهد أصل ومتحملا للشهادة، لان ثمرة الاستفاضة هو الظن وهو حاصل بهما.
واستضعفه المصنف - رحمه الله - بأن الظن يحصل بالواحد، والشيخ لا يقول بالاكتفاء
به، بل ربما حصل الظن بالواحد إذا كان أنثى، وهو باطل قطعا. وأجيب (3): بأن الشيخ
لم يعتبر الظن مطلقا، بل الظن الذي ثبت اعتباره شرعا وهو شهادة العدلين، والظن يقبل
الشدة والضعف، فلا يلزم من الاكتفاء بفرد قوي منه الاكتفاء بالضعيف. وفيه: أن الظن
المستند إلى جماعة غير عدول مما لم يثبت اعتباره شرعا، فإنه عين المتنازع، فاكتفاؤه
به وتعديته الحكم إلى العدلين يدل على عدم تقييده بالظن المعتبر شرعا، فالنقض
بحاله.
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) المبسوط 8: 180 - 181. (3) غاية المراد: 326 - 327. (*)
ص 231
فرع لو سمعه يقول للكبير: هذا ابني وهو ساكت، أو قال: هذا أبي وهو ساكت، قال في
المبسوط: صار متحملا، لان سكوته في معرض ذلك رضا بقوله عرفا. وهو بعيد، لاحتماله
غير الرضا. تفريع على القول بالاستفاضة الاول: الشاهد بالاستفاضة لا يشهد بالسبب،
مثل: البيع، والهبة، والاستغنام، لان ذلك لا يثبت بالاستفاضة، فلا يعزى الملك إليه
مع إثباته بالشهادة المستندة إلى الاستفاضة.
قوله: (لو سمعه يقول للكبير... إلخ).
هذا متفرع على ما اختاره الشيخ - رحمه الله - من الاكتفاء في الشهادة على الاستفاضة
بالظن، وهو حاصل في هذه الصورة وإن لم يكن بطريق التسامع من الجماعة، لان سكوت
الكبير عند دعوى الاخر للنسب مع عدم المانع من الانكار يفيد الظن الغالب بموافقته
له عليه، فيكون ذلك بمنزلة إخبار الجماعة، إذ الاعتبار بالظن الغالب لا بالسماع من
الجماعة من حيث هو سماع، وهو متحقق هنا. ويضعف بأن السكوت أعم من موافقته على
الدعوى. ويمنع من حصول الظن الغالب بذلك مطلقا. وبتقدير تسليمه لا نسلم تعدي الحكم
إليه، للنهي عن العمل بالظن إلا ما دل عليه دليل صالح، وهو منفي هنا. قوله: (الشاهد
بالاستفاضة... إلخ).
ص 232
أما لو عزاه إلى الميراث صح، لانه يكون عن الموت الذي يثبت بالاستفاضة. والفرق
تكلف، لان الملك إذا ثبت بالاستفاضة لم تقدح الضميمة، مع حصول ما يقتضي جواز
الشهادة. الثاني: إذا شهد بالملك مستندا إلى الاستفاضة، هل يفتقر إلى مشاهدة اليد
والتصرف؟ الوجه: لا. أما لو كان لواحد يد، ولاخر سماع
لما كانت الاستفاضة مخصوصة
بأمور خاصة منها الملك المطلق دون البيعوالهبة والاستغنام وما شاكلها، كان السبب
الموجب للملك منه ما يثبت بالاستفاضة، كالموت بالنسبة إلى الملك بالارث، ومنه ما لا
يثبت بها كالعقود. فإذا سمع الشاهد بالاستفاضة أن هذا ملك زيد ورثه عن أبيه الميت،
فله أن يشهد بالملك وسببه، لانهما يثبتان بالاستفاضة. وإذا سمع مستفيضا أن هذا
الملك لزيد اشتراه من عمرو شهد بالملك المطلق لا بالبيع، لان البيع لا يثبت
بالاستفاضة. فلو فعل ذلك احتمل عدم قبول الشهادة، لاشتمالها على أمرين: أحدهما تقبل
الشهادة عليه، والاخر لا تقبل، والشهادة لا تتبعض. والوجه أنها تسمع في الملك وتلغو
الضميمة، وهي السبب الذي لا يثبت بالاستفاضة، لوجود المقتضي للقبول في أحدهما دون
الاخر. وتظهر الفائدة فيما لو كان هناك مدع آخر وله شهود بالملك وسببه من غير
استفاضة، فإن بينته ترجح على بينة هذا الذي لم يسمع إلا في المطلق المجرد عن السبب،
وفي القسم الاول يتكافان. ولو كانت بينة الاخر شاهدة له بالملك المطلق رجحت بينة
هذا في الاول عليه، وكافأت بينة الاخر في الثاني. وهكذا. قوله: (إذا شهد بالملك...
إلخ).
ص 233
مستفيض، فالوجه ترجيح اليد، لان السماع قد يحتمل إضافة الاختصاص المطلق المحتمل
للملك وغيره، فلا تزال اليد بالمحتمل.
إذا اجتمع في ملك يد وتصرف واستفاضة بالملك،
فلا إشكال في جواز الشهادة له بالملك، بل هو غاية ما يبنى عليه الشهادة. وإنما يحصل
الاشتباه فيما لو انفرد واحد من الثلاثة أو اجتمع اثنان. والمصنف - رحمه الله - فرق
[في] (1) حكم المسألة في موضعين: هنا، وفي المسألة الاتية، ولو جمعهما في مسألة
واحدة كان أضبط. والمقصود في هذه المسألة أن الشهادة المستندة إلى الاستفاضة بالملك
هل يتوقف سماعها على رؤية الشاهد من استفاض الملك له - زائدا على الملك - يتصرف فيه
بالبناء والهدم والاجارة ونحوها، أم تسمع من دون الامرين؟ الوجه عند المصنف - رحمه
الله - الثاني، لما تقدم من أن الملك المطلق يثبت بالاستفاضة، لتعدد أسبابه وخفاء
بعضها، فلا يفتقر إلى انضمام أمر آخر معه. ووجه العدم إمكان الاطلاع على أسبابه،
فلا بد من ضميمة ما يفيد القوة ويقوم مقام السبب من اليد أو التصرف. ولا يخفى ضعفه،
لان اليد والتصرف وإن كانا ظاهرين في الملك إلا أنهما ليسا من أسبابه، فاشتراط
الاطلاع على السبب لامكانه لا يقتضي الاكتفاء باليدوالتصرف المجردين عن علم السبب.
والاجود الاكتفاء في الشهادة بالملك المطلق بالتسامع على الوجه المتقدم. وعلى هذا،
فلو تعارض السماع واليد ففي ترجيح أيهما وجهان:
(هامش)
(1) من الحجريتين. (*)
ص 234
مسائل ثلاث: الاولى: لا ريب أن المتصرف بالبناء والهدم والاجارة بغير منازع يشهد له
بالملك المطلق. أما من في يده دار، فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد. وهل يشهد له
بالملك المطلق؟ قيل: نعم، وهو المروي. وفيه إشكال من حيث إن اليد لو أوجبت الملك
[له]، لم تسمع دعوى من يقول: الدار التي في يد هذا لي، كما لا تسمع لو قال: ملك هذا
لي.
أحدهما: ترجيح السماع، لانه يفيد الملك الحالي، وقد تقدم (1) في القضاء أن
البينة بالملك مقدمة على اليد، لان اليد تحتمل غير الملك من العارية والاجارة بل
الغصب، بخلاف الملك، فإنه صريح في معناه. والثاني - وهو الذي اختاره المصنف رحمه
الله -: تقديم اليد، لانها ظاهرة في الملك وإن كانت محتملة لغيره، والسماع مشترك
بين الملك والاختصاص المطلق المحتمل للملك وغيره. وهذا التوجيه إنما يتم إذا كان
محصل السماع أن هذه الدار مثلا لفلان، فإن اللام تحتمل الملك والاختصاص الذي هو أعم
منه. أما إذا كان محصله أن الدار ملك فلان فلم يتم، لانه صريح في المقصود، بخلاف
اليد. ولابد من فرض المسألة على الوجه الاول ليتم التعليل، ويناسب الحكم المتقدم من
ترجيح الملك على اليد، وإن كان إطلاق البينة المستندة إلى الاستفاضة أعم من ذلك.
قوله: (لا ريب أن المتصرف بالبناء... إلخ). هذه تتمة أقسام المسألة السابقة، وهي ما
إذا انفرد التصرف أو اليد عن
(هامش)
(1) في ص: 95. (*)