ص 238
الثانية: الوقف والنكاح يثبت بالاستفاضة. أما على ما قلناه، فلا ريب فيه. وأما على
الاستفاضة المفيدة لغالب الظن، فلان الوقف للتأبيد، فلو لم تسمع فيه الاستفاضة
لبطلت الوقوف، مع امتداد الاوقات وفناء الشهود. وأما النكاح فلانا نقضي: بأن خديجة
عليها السلام زوجة النبي عليه السلام، كما نقضي بأنها أم فاطمة عليها السلام. ولو
قيل: إن الزوجية تثبت بالتواتر، كان لنا أن نقول: التواتر لا يثمر إلا إذا استند
السماع إلى محسوس. ومن المعلوم أن المخبرين لم يخبروا عن مشاهدة العقد، ولا عن
إقرار النبي عليه السلام، بل نقل الطبقات متصل إلى الاستفاضة التي هي الطبقة
الاولى. ولعل هذا أشبه بالصواب.
بعض الفروض، ولو اعتبر العلم لما احتيج إلى جعله
غاية الامكان، بل كان التعليل بإفادته العلم أولى وأظهر. وأما التزامه في التصرف
بعدم السماع كاليد المجردة فغير قادح في المعارضة، لان المعارض أوردها على الشيخ
والجماعة القائلين بسماعها مع التصرف دون اليد، فلا يضره التزام غيرهم بعدم السماع،
مع ما فيه من البعد.قوله: (الوقف والنكاح... إلخ). هذا الحكم ذكره الشيخ - رحمه
الله - في الخلاف (1) كذلك، واستدل عليه بما لخصه المصنف - رحمه الله - من أن الوقف
مبني على التأبيد، فلو لم تجز
(هامش)
(1) الخلاف 6: 265 مسألة (15). (*)
ص 239
الشهادة فيه بالاستفاضة لادى إلى بطلان الوقف، لان شهود الوقف لا يبقون أبدا،
والشهادة الثالثة لا تسمع. وأنه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبي صلى الله عليه
وآله، ولم يثبت ذلك إلا بالاستفاضة، لانا ما شاهدناهم. واعترض على الاول بأن
الشهادة بدون العلم منهي عنها، فتخصيص ذلك بالوقف تحصيلا لمصلحة ثبوته ليس بأولى من
تخصيص النهي عن سماع الشهادة الثالثة بالوقف لهذه المصلحة، بل هذا التخصيص أولى،
لانه لا مانع منه عقلا، بخلاف الشهادة بمجرد الظن. وبأن الشهادة على أزواج النبي
صلى الله عليه وآله ليست مستندة إلى الاستفاضة، بل إلى التواتر، لاخبار جماعة كثيرة
يفيد قولهم العلم بذلك في كل طبقة. وأجاب المصنف - رحمه الله - عن الاول بأن المانع
من سماع الشهادة الثالثة النقل والاجماع، فلم يمكن معارضتهما (1) بالتخصيص، بخلاف
الشهادة ب [مجرد] (2) الظن، فإنه لا إجماع على منعها، بل الاكثر على تجويزها.
ويمنع من كون العقل دالا على النهي عن ذلك، لان أكثر الاحكام الشرعية مبناها على
الظن. وعن الثاني بأن من شرط التواتر استناد المخبرين إلى محسوس، وهو منتف هنا،
للعلم بأن الطبقة الاولى لم يخبروا عن مشاهدة العاقدين وسماع العقد، وإنما شاهده
بعضهم ونقله إلى الباقين واستمر الامر، فلم يحصل شرط التواتر، إذ من شرطه استواء
جميع الطبقات فيه.
(هامش)
(1) في (أ): معارضتها. (2) من (أ) والحجريتين. (*)
ص 240
الثالثة: الاخرس يصح منه تحمل الشهادة وأداؤها. ويبنى على ما يتحققه الحاكم من
إشارته. فإن جهلها اعتمد فيها على ترجمة العارف بإشارته. نعم يفتقر إلى مترجمين.
ولا يكون المترجمان شاهدين على شهادته، بل يثبت الحكم بشهادته أصلا، لا بشهادة
المترجمين فرعا.
وفيه نظر، لان الطبقة الاولى السامعين للعقد المشاهدين للمتعاقدين
بالغون حد التواتر وزيادة، لان النبي صلى الله عليه وآله كان ذلك الوقت من أعلى
قريش، وعمه أبو طالب المتولي لتزويجه كان حينئذ رئيس بني هاشم وشيخهم ومن إليه مرجع
قريش، وخديجة عليها السلام أيضا كانت من أجلا (1) بيوتات قريش، والقصة في تزويجها
مشهورة، وخطبة أبي طالب - رحمه الله - في المسجد الحرام بمجمع [من] (2) قريش ممن
يزيد عن العدد المعتبر في التواتر، فدعوى معلومية عدم استناد الطبقة الاولى إلى
مشاهدة العقد وسماعه ظاهرة المنع، وإنما الظاهر كون ذلك معلوما بالتواتر، لاجتماع
شرائطه، فلا يتم الاستدلال به على هذا المطلوب. واعلم أن قول المصنف: - رحمه الله
-: (أما على ما قلناه فلا ريب فيه) يدل على أن مختاره اشتراط العلم في الشهادة
بالاستفاضة، ولم يصرح به فيما سبق، وإنما تردد (3) فيه، والتردد يقتضي تساوي
الطرفين لا رجحان أحدهما. وعلى كل حال فالوجه ثبوت الامرين بالاستفاضة. قوله:
(الاخرس يصح منه... إلخ).
(هامش)
(1) في (م): أعلى. (2) من (أ). (3) راجع ص: 228. (*)
ص 241
الثالث: ما يفتقر إلى السماع والمشاهدة، كالنكاح والبيع والشراء والصلح والاجارة،
فإن حاسة السمع تكفي في فهم اللفظ، ويحتاج إلى البصر لمعرفة اللافظ. ولا لبس في
شهادة من اجتمع له الحاستان.أما الاعمى فتقبل شهادته في العقد قطعا، لتحقق الالة
الكافية في فهمه. فإن انضم إلى شهادته معرفان، جاز له الشهادة على العاقد، مستندا
إلى تعريفهما، كما يشهد المبصر على تعريف غيره. ولو لم يحصل ذلك، وعرف هو صوت
العاقد معرفة يزول معها الاشتباه، قيل: لا يقبل، لان الاصوات تتماثل. والوجه أنها
تقبل، فإن الاحتمال يندفع باليقين، لانا نتكلم على تقديره.
كما أن إشارة الاخرس
المفهمة معتبرة في العبادات (1) اللفظية، وفي العقود والايقاعات من النكاح والطلاق
وغيرهما، فكذا في أداء الشهادة، لاشتراك الجميع في المقتضي، ولحصول الافهام
المعتبر، لانه الفرض. ثم إن عرف القاضي إشارته عمل بما يعلمه، وإلا افتقر إلى
مترجمين يعرفان إشارته، كما يفتقر إليهما لو كان الشاهد أعجميا والحاكم لا يعرف
لغته. وحيث يفتقر إلى مترجمين يكونان مخبرين بمعنى إشارته لا شاهدين على شهادته،
فلا يشترط غيبته عن مجلس الحكم حال ترجمتهما، ولا تعد شهادتهما مرتبة أولى حتى
تمتنع الثانية، إلى غير ذلك من الاحكام المترتبة على الشهادة الفرعية. قوله:
(الثالث: ما يفتقر إلى السماع... إلخ).
(هامش)
(1) في (أ، ت، خ): العبارات. (*)
ص 242
وبالجملة: فإن الاعمى تصح شهادته، متحملا ومؤديا، عن علمه وعن الاستفاضة فيما يشهد
به بالاستفاضة.
هذا هو القسم الثالث، وهو ما يفتقر في الشهادة به إلى السمع والبصر
معا، وهو الاقوال، فلا بد من سماعها ومن مشاهدة قائلها، وذلك كالنكاح والطلاق
والبيع وجميع العقود والفسوخ والاقرار بها، فلا تقبل فيها شهادة الاصم الذي لا يسمع
شيئا. وأما الاعمى ففي جواز شهادته اعتمادا على ما يعرفه من الصوت وجهان: أحدهما:
المنع، لان الاصوات تتشابه، ويتطرق إليها التخييل (1) والتلبيس. والثاني - وهو
الاشهر -: القبول، لان الفرض علمه القطعي بالقائل ومعرفته إياه، ووقوع ذلك أكثري
مشاهد في كثير من العميان، يعلمون القائل بأدنى صوت يظهر منه، ويميزون بينه وبين
غيره ممن يشبه صوته صوته، بل ربما يترقون (2) إلى المعرفة بدون ذلك. وللاجماع على
أن للاعمى أن يطاء حليلته اعتمادا على ما يعرفه من صوتها. وفرق المانع من شهادته
بأن الشهادة مبنية على العلم ما أمكن، كما تقدم (3)، والوط يجوز بالظن. وأيضا
فالضرورة تدعو إلى تجويز الوط، ولا تدعو إلى الشهادة، فإن في البصراء غنية عنه. وفي
هذين الجوابين تكلف. وللعامة في ذلك اختلاف، فمالك (4) وأحمد (5) على قبول شهادته
كما هو
(هامش)
(1) في (م): التحييل، وفي (ت): التحيل. (2) في الحجريتين: يطرقون.(3) في ص: 226.
(4) الكافي للقرطبي 2: 898. (5) المغني لابن قدامة 12: 62، الانصاف 12: 61. (*)
ص 243
ولو تحمل شهادة وهو مبصر ثم عمي، فإن عرف نسب المشهود أقام الشهادة. وإن شهد على
العين، وعرف الصوت يقينا، جاز أيضا. أما شهادته على المقبوض فماضية قطعا.
المشهور
عندنا، والباقون (1) على المنع. وقد حكي أن جماعة من الفقهاء القائلين بالمنع من
قبول شهادته سألوا رجلا قائلا بقبولها عن ذلك، قصدا للتشنيع عليه، فقال: ما قولكم
في أعمى يطاء زوجته وأقرت تحته بدرهم فشهد عليها، أتصدقونه في أنه عرفها حتى استباح
بضعها، وتقولون إنه لم يعرفها للاقرار بدرهم؟! فانعكس التشنيع. قوله: (ولو تحمل
شهادة... إلخ). إذا تحمل شهادة يحتاج إلى البصر وهو بصير ثم عمي، نظر إن تحملها على
رجل معروف النسب والاسم لرجل بهذه الصفة فله أن يشهد بعد ما عمي، لحصول العلم
بالمشهود له والمشهود عليه. وكذا لو عمي ويد المقر في يده، فشهد عليه لمعروف الاسم
والنسب. وإن لم يكن كذلك بني على القولين، فإن منعنا من شهادته على الصوت امتنع
هنا، لانه لا يمكنه تعيين المشهود عليه، ولا الاشارة إلى المشهود له. وإن قبلناها
مع العلم فكذا هنا. قوله: (أما شهادته على المقبوض... إلخ). هذه الصورة مما
استثناها القائلون بالمنع من قبول شهادته، وسموها الضبطة، وهي أن يضع رجل فمه على
أذن الاعمى ويد الاعمى على رأسه، بحيث يتيقن أنه يسمع منه، فيقر بطلاق أو عتق أو حق
لرجل معروف الاسم
(هامش)
(1) اللباب في شرح الكتاب 4: 60، الحاوي الكبير 17: 41، روضة الطالبين 8: 232. (*)
ص 244
وتقبل شهادته إذا ترجم للحاكم عبارة حاضر عنده.
والنسب، ويقبضه الاعمى، ولا يزال
يضبطه حتى يشهد بما سمع منه عند الحاكم، فتقبل شهادته على القولين، لحصول العلم
بالمشهود له وعليه. وربما قيل باطراد المنع هنا، لان التصوير المذكور فيه عسر
وتدقيق، واللائق حسم الباب، كما أنا لا نقبل شهادة الفاسق على الاطلاق، وإن كان
قديغلب على ظننا صدقه في بعض الموارد. ويضعف بانتفاء المانع في هذه الصورة قطعا، مع
وجود المقتضي للقبول. ودقة الفرض لا تدفع الحكم. وتشبيهه بالفاسق الذي يغلب على
الظن صدقه فاسد، لوجود الفارق، وهوأن الفاسق منهي عن الركون إلى قوله مطلقا، لا
باعتبار ظن صدقه وعدمه، بل من حيث كونه فاسقا، بخلاف الاعمى، فإن المانع من قبول
شهادته عدم علمه بالمشهود عليه وله، لا من حيث هو أعمى، فإذا فرض العلم قبل. قوله:
(وتقبل شهادته... إلخ). هذه الصورة أيضا مستثناة من شهادة الاعمى على الاقوال على
القول بعدم قبولها، فإنه لو شهد عند الحاكم أعجمي لا يفهم كلامه، أو أقر عنده مقر
والاعمى يعرف لغته، فترجمها للحاكم قبلت، لانتفاء المانع حينئذ، إذ الحاكم يعرف
المشهود عليه وله، وإنما يشتبه عليه معنى اللفظ الواقع، فشهادة الاعمى بترجمته (1)
لا تتوقف على البصر.
(هامش)
(1) في (ت، ط): وترجمته. (*)
ص 245
الطرف الثالث في أقسام الحقوق

وهي قسمان: حق لله سبحانه، وحق للا دمي والاول منه:
ما لا يثبت إلا بأربعة رجال: كالزنا واللواط والسحق. وفي إتيان البهائم قولان،
أصحهما ثبوته بشاهدين.
قوله: (في أقسام الحقوق.... إلخ). جعل العنوان في أقسام
الحقوق ثم جعلها قسمين قد يوهم التنافي، من حيث جعل الجمع الذي أقله ثلاثة شيئين.
والوجه فيه: أن الاقسام أزيد من ثلاثة كما ستقف عليها، ولكن جعل أصلها قسمين، وقسم
كل واحد منهما إلى أقسام. والكلام في قوة: أن أقسام الحقوق المتكثرة ترجع إلى
أمرين، ثم كل منهما ينقسم إلى أقسام. قوله: (منه ما لا يثبت إلا بأربعة... إلخ).
الغرض من هذا الباب بيان العدد المعتبر في الشهادات، و[بيان] (1) مواضع اعتبار
الذكورة وعدم اعتبارها. واعلم أن قول الشاهد الواحد لا يكفي للحكم به مطلقا، إلا ما
قيل به في هلال رمضان. ومسألة الشاهد واليمين ليست مستثناة، لان القضاء ليس بالشاهد
وحده، بل اليمين إما جز أو شرط فيه.ثم للفقهاء في هذا التقسيم اعتبارات، فالمصنف -
رحمه الله - قسم الحقوق قسمين: حق لله تعالى، وحق للادمي، ثم قسم كل واحد منهما على
حدة.
(هامش)
(1) من الحجريتين. (*)
ص 246
ومنهم (1) من قسمها ابتداء إلى الاقسام. وكثيرا ما تتداخل الاقسام في كلامهم،
والامر سهل. فمن حقوق الله تعالى الزنا. وفي معناه اللواط والسحق عندنا. وإنما يثبت
بشهادة أربعة رجال، قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء) (2). وقال تعالى: (لولا جاؤا عليه بأربعة شهداء) (3). وقال تعالى:
(فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) (4). وقال سعد: (يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع
امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم) (5). قيل: والحكمة في اختصاصه
بذلك أن الشهادة فيه على اثنين، فاعتبر لكل واحد رجلان. وهذا التعليل مروي (6) أيضا
عن أبي حنيفة رواية عن أبي عبد الله عليه السلام. وفيه: أن شهادة الاثنين مقبولة
على الجماعة إذا شهدا على كل واحد منهم. ولانه قد لا يعرفون (7) أحد الزانيين فلا
يمكنهم (8) الشهادة عليه. وفي أخبار (9) كثيرة أن ذلك تعبد محض، وأن فيه دليلا على
بطلان القياس، وإلا لكان القتل
(هامش)
(1) كالشهيد في الدروس الشرعية 2: 136. (2) النور: 4 و13. (3) النور: 4 و13. (4)
النساء: 15. (5) مسند أحمد 2: 465، صحيح مسلم 2: 1135 ح 15، سنن أبي داود 4: 181 ح
4533، سننالبيهقي 10: 147. (6) الكافي 7: 404 ح 7، التهذيب 6: 277 ح 760، الوسائل
18: 302 ب (49) من أبواب الشهادات ح 1. (7) كذا في (أ، د) وفي سائر النسخ: يعرف.
(8) في (ت، ط): يمكنه. (9) راجع الوسائل 18: 371 ب (12) من أبواب حد الزنا. (*)
ص 247
ويثبت الزنا خاصة: بثلا ثة رجال وامرأتين، وبرجلين وأربع نساء، غير أن الاخير لا
يثبت به الرجم، ويثبت به الجلد، ولا يثبت بغير ذلك.
أولى باعتبار الاربعة، لانه
أفحش. واختلفوا في إتيان البهائم هل يتوقف على أربعة رجال أم يكتفى فيه بشاهدين؟
فقيل بالاول، عملا بالاصل، وكونه وطيا محرما في معنى الزنا، ومشتملا على الهتك.
والاصح ما اختاره المصنف والاكثر من ثبوته بشاهدين، لان الشارع جعل ثبوت الاحكام في
غير الزنا بشاهدين، لقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (1) وقوله تعالى:
(واستشهدوا شهيدين من رجالكم) (2). وإتيان البهائم ليس بزنا، ولا يوجب الحد، وإنما
يوجب التعزير. وبهذا فارق اللواط والسحق، فإنهما يوجبان الحد عندنا. ومن أوجب بهما
التعزير من العامة (3) أثبتهما بشاهدين. قوله: (ويثبت الزنا... إلخ). هاتان
الصورتان خارجتان عن ظاهر الاية باشتراط أربعة رجال بنص خاص، وغير منافيتين لما دلت
عليه الايات (4)، إذ ليس فيها ما يدل على الحصر، فإذا ثبت بدليل آخر عمل به. ومستند
الحكم في الاولى روايات كثيرة، منها صحيحة عبد الله بن سنان
(هامش)
(1) الطلاق: 2. (2) البقرة: 282. (3) حلية العلماء 8: 271، الكافي في فقه أحمد 4:
349 - 350. (4) النور: 4 و13، النساء: 15. (*)
ص 248
قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال،
ولا تجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان) (1).
وحسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: (سألته عن شهادة النساء في الرجم، فقال: إذا كان
ثلاثة رجال وامرأتان، فإذا كان رجلان وأربع نسوة لم يجز في الرجم) (2). وصحيحة محمد
بن مسلم عنه عليه السلام قال: (إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم تجز في الرجم) (3).
وغيرها من الاخبار (4) الكثيرة. وهي مع كثرتها ليس فيها تصريح بثبوت الجلد برجلين
وأربع نسوة. لكن الشيخ (5) وجماعة (6) استندوا في ثبوته إلى رواية أبان، عن عبد
الرحمن، عن الصادق عليه السلام قال: (تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال) (7).
وحيث انتفى الرجم بالاخبار الكثيرة ثبت الجلد.
(هامش)
(1) الكافي 7: 391 ح 8، التهذيب 6: 264 ح 702، الاستبصار 3: 23 ح 70، الوسائل 18:
260 ب (244) من أبواب الشهادات ح 10. (2) الكافي 7: 390 ح 3، التهذيب 6: 264 ح 703،
الاستبصار 3: 23 ح 71، الوسائل 18: 258 الباب المتقدم ح 3. (3) التهذيب 6: 265 ح
708، الاستبصار 3: 24 ح 76، الوسائل 18: 264 الباب المتقدم ح 28. (4) راجع الوسائل:
18: 258 الباب المتقدم ح 4، 5، 7. (5) النهاية: 332. (6) السرائر 2: 137، إصباح
الشيعة: 528. (7) التهذيب 6: 270 ح 728، الاستبصار 3: 30 ح 100، الوسائل 18: 262 ب
(24) من أبواب الشهادات ح 21. (*)
ص 249
وفيه نظر، لضعف الطريق عن إثبات مثل ذلك، مع ورود روايات كثيرة (1) بأنه لا تقبل
شهادتهن في حد، ومن ثم ذهب جماعة - منهم الصدوقان (2)، وأبو الصلاح (3)، والعلامة
في المختلف (4) - إلى عدم ثبوت الحد بذلك، عملا بالاصل،وبأنه لو ثبت الزنا بشهادتهم
لثبت الرجم، والتالي باطل، للاخبار (5) الكثيرة الدالة على عدم سماع رجلين وأربع
نسوة في الرجم، فالمقدم مثله. وبيان الملازمة دلالة الاجماع على وجوب الرجم على
المحصن الزاني، فإن ثبت هذا الوصف ثبت الحكم، وإلا فلا. وهذا [الحكم] (6) متجه.
ونبه المصنف - رحمه الله - بقوله: في الزنا خاصة، على خلاف جماعة من الاصحاب - منهم
الصدوق (7) وابن الجنيد (8) - بتعدي الحكم إلى اللواط والسحق. وهو ضعيف، لعدم
المقتضي لالحاقهما بالزنا، مع عموم الاخبار بعدم قبول شهادتهن في الحد. وبقوله:
(ولا يثبت بغير ذلك) على خلاف الشيخ في الخلاف (9)، حيث ذهب إلى ثبوت الحد دون
الرجم بشهادة رجل واحد وست نساء. ولعله استند إلى عموم رواية عبد الرحمن السابقة.
وهو شاذ.
(هامش)
(1) راجع الوسائل: 18: 264 الباب المتقدم ح 29، 30، 42. (2) المقنع: 402، وحكاه
العلامة عنهما في المختلف: 715. (3) الكافي في الفقه: 436، 438. (4) المختلف: 715.
(5) راجع الصفحة السابقة. (6) من الحجريتين. (7) المقنع: 402.(8) حكاه عنه العلامة
في المختلف: 715، والشهيد في الدروس الشرعية 2: 136. (9) الخلاف 6: 251 مسألة (2).
(*)
ص 250
ومنه ما يثبت بشاهدين، وهو ما عدا ذلك، من الجنايات الموجبة للحدود، كالسرقة وشرب
الخمر والردة. ولا يثبت شي من حقوق الله [تعالى] بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين،
ولا بشهادة النساء منفردات ولو كثرن. وأما حقوق الادمي فثلاثة: منها، ما لا يثبت
إلا بشاهدين. وهو: الطلاق، والخلع، والوكالة، والوصية إليه، والنسب، ورؤية الاهلة.
وفي العتق، والقصاص، والنكاح، تردد، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين.
قوله: (ومنه ما
يثبت بشاهدين... إلخ). لا فرق في حقوق الله تعالى بين كونها مالية كالزكاة والخمس
والكفارة، وغيرها كالحدود. وقد دل على عدم قبول شهادتهن في الحدود روايات، واستثني
منها ما تقدم. وأما حقوق الله المالية فليس عليها نص بخصوصها، لكن لما كان الاصل في
الشهادة شهادة رجلين، وكان مورد الشاهد واليمين والشاهد والمرأتين الديون ونحوها من
حقوق الادميين، قصر على مورده، وبقي غيره على الاصل. قوله: (وأما حقوق الادمي...
إلخ). مورد الشاهدين من حقوق الادمي كل ما ليس بمال ولا المقصود منه المال، فمن ثم
توقفت الستة الاول على الشاهدين، إذ لا تعلق لها بالمال أصلا. ولكن اختلف كلام
الشيخ في ثبوت الطلاق بشهادة النساء منضمات، ففي
ص 251
الخلاف (1) والنهاية (2) نص على المنع، عملا بالقاعدة، ولورود الروايات (3) الكثيرة
به. وقوى في المبسوط (4) قبول شهادتهن فيه مع الرجال. وإليه ذهب جماعة (5). وهو
ضعيف. وأما الخلع، فإن كان مدعيه المرأة فكالطلاق. وإن كان هو الرجلفهو متضمن لدعوى
المال، ومع ذلك فالمشهور عدم ثبوته بذلك مطلقا، من حيث تضمنه البينونة، والحجة لا
تتبعض. وقيل: يثبت من جهة تضمنه المال، وهو مستلزم للبينونة، فيثبت أيضا لذلك. ولو
تضمن الطلاق عوضا فكالخلع. وأما العتق والقصاص والنكاح ففي توقفها على الشاهدين، أو
ثبوتها بالشاهد واليمين والشاهد والمرأتين، خلاف منشؤه اختلاف الروايات في
الاخيرين، والاعتبار في الاول، فإن العتق ليس بمال، وإنما هو فك ملك، فلا تقبل فيه
شهادتهن ولا اليمين، ولانه حق لله تعالى، ومن رجوعه إلى إزالة المالية وإثباتها
للمملوك. فلذلك اختلف فيه كلام الشيخ وغيره، ففي الخلاف (6): لا يثبت بشهادة رجل
وامرأتين. وقوى في المبسوط (7) القبول. واختاره المصنف رحمه الله. والوجه الاول.
(هامش)
(1) الخلاف 6: 252 مسألة (4). (2) النهاية: 332. (3) راجع الوسائل 1 8: 258 ب (24)
من أبواب الشهادات ح 2، 4، 5، 7، 8. (4) المبسوط 8: 172. (5) حكاه العلامة في
المختلف: 714 عن ظاهر كلام ابن أبي عقيل وابن الجنيد. (6) الخلاف 6: 252 مسألة
(4).(7) المبسوط 8: 172. (*)
ص 252
وأما النكاح فالمقصود الذاتي منه ليس هو المال، ولكنه مشتمل عليه من النفقة والمهر
وغيرهما، خصوصا من طرف الزوجة، ومن ثم اختلف فيه. واختلف فيه الرواية أيضا، فروى
محمد بن الفضيل قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام فقلت: تجوز شهادة النساء في
نكاح أو طلاق أو في رجم؟ قال: تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا
إليه وليس معهن رجل، وتجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل) (1). وروى زرارة عن
الباقر عليه السلام قال: (سألته عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم، ولا
تجوز في الطلاق) (2). ومثله روى الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام. وروى
إبراهيم (4) الحارثي (5) عنه عليه السلام. وهذه الروايات مؤيدة للقبول، وإن كان في
طريقها ضعف أو جهالة، فإن محمد بن الفضيل الذي يروي عن الرضا عليه السلام لم ينص
علماء الرجال عليه بما يقتضي قبول روايته، بل اقتصروا على مجرد ذكره، والطريق إليه
صحيح. وهو أيضا في طريق رواية الكناني. وفي طريق رواية زرارة سهل بن زياد. وراوي
الاخيرة مجهول. وعلى كل حال، فهي شاهد قوي لهذا القول.
(هامش)
(1) الكافي 7: 391 ح 5، الفقيه 3: 31 ح 94، التهذيب 6: 264 ح 705، الاستبصار 3: 23
ح 73، الوسائل 18: 259 ب (24) من أبواب الشهادات ح 7. (2) الكافي 7: 391 ح 9،
التهذيب 6: 265 ح 706، الاستبصار 3: 24 ح 74، الوسائل 18: 260 الباب المتقدم ح 11.
(3) التهذيب 6: 267 ح 713، الاستبصار 3: 27 ح 84، الوسائل 18: 263 الباب المتقدم ح
25. (4) الكافي 7: 392 ح 11، التهذيب 6: 265 ح 707، الاستبصار 3: 24 ح 75، الوسائل
18: 259 الباب المتقدم ح 5. وفي التهذيبين: إبراهيم الخارقي. (5) في (د، ط):
الخارقي. (*)
ص 253
وأما جانب المنع فيؤيده رواية السكوني عن الصادق عليه السلام، عنأبيه، عن علي
عليهما السلام أنه كان يقول: (شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود،
إلا في الديون، ومالا يستطيع الرجال النظر إليه) (1). وفيها مع ضعف السند إمكان
حملها على المنع من قبول شهادتهن فيه منفردات، فقد روي (2) ذلك أيضا. وبالجملة،
فالاخبار مختلفة، وليس فيها خبر نقي (3)، والاكثر (4) دل على القبول. ويمكن الجمع
بينها بحمل أخبار المنع على ما إذا كان المدعي الزوج، لانه لا يدعي مالا، وأخبار
القبول على ما إذا كان المدعي المرأة، لان دعواها تتضمن المال من المهر والنفقة.
وهذا متجه. وأما القصاص - أعني الجناية الموجبة له - فاختلف كلام الشيخ في حكمه
أيضا، ففي الخلاف (5) منع من قبول شهادتهن مع الرجال فيه. وقوى في المبسوط (6)
والنهاية (7) القبول. وعليه الاكثر. والاخبار مختلفة أيضا، إلا أن أصحها وأكثرها
دال على القبول. فروى
(هامش)
(1) التهذيب 6: 281 ح 773، الاستبصار 3: 25 ح 80، الوسائل 18: 267 الباب المتقدم ح
42. (2) التهذيب 6: 280 ح 769، الاستبصار 3: 25 ح 79، الوسائل 18: 266 الباب
المتقدم ح 39. (3) كذا في (خ)، وفي سائر النسخ: نفي. (4) في الحجريتين: والاكثرون
على القبول. (5) الخلاف 6: 252 مسألة (4). (6) راجع المبسوط 8: 172، ولكن قوى
القبول في الجناية الموجبة للقود، واستثنى منه القصاص، أي: ثبوت الدية بها دون
القود. وفي ج 7: 248 صرح بعدم القبول مطلقا. ونسب إليه القبول مطلقا العلامة في
المختلف: 714. (7) النهاية: 333. (*)
ص 254
جميل بن دراج وابن حمران في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: (قلنا: أتجوز شهادة
النساء في الحدود؟ قال: في القتل وحده، إن عليا عليه السلام كان يقول: لا يبطل دم
رجل مسلم) (1). وروى الكناني عن الصادق عليه السلام قال: (تجوز شهادة النساء في
الدم مع الرجال) (2). وعن زيد الشحام قال: (سألته عن شهادة النساء - إلى أن قال -
قلت: أفتجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ فقال: نعم) (3). واستند المانع إلى
القاعدة المشهورة بأنه (4) ليس بمال ولا متضمنا له. وإلى رواية ربعي عن الصادق عليه
السلام قال: (لا تجوز شهادة النساء في القتل) (5). ورواية محمد بن الفضيل عن الرضا
عليه السلام قال: (لا تجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم) (6). وأجيب بحملها على
شهادتهن منفردات جمعا، أو أنه لا يثبت القود بشهادتهن، بل تجب الدية.واعلم: أن محل
الاشكال شهادتهن منضمات إلى الرجال، أما على الانفراد
(هامش)
(1) الكافي 7: 390 ح 1، التهذيب 6: 266 ح 711، الاستبصار 3: 26 ح 82، الوسائل 18:
258 ب (244) من أبواب الشهادات ح 1. (2) التهذيب 6: 267 ح 713، الاستبصار 3: 27 ح
84، الوسائل 18: 263 الباب المتقدم ح 25. (3) التهذيب 6: 266 ح 712، الاستبصار 3:
27 ح 83، الوسائل 18: 264 الباب المتقدم ح 32. (4) في (خ، د): فإنه. (5) التهذيب 6:
267 ح 716، الاستبصار 3: 27 ح 87، الوسائل 18: 263 الباب المتقدم ح 27. (6) الكافي
7: 391 ح 5، الفقيه 3: 31 ح 94، التهذيب 6: 264 ح 705، الاستبصار 3: 23 ح 73،
الوسائل 18: 259 - 260 الباب المتقدم ح 7. (*)
ص 255
ومنها: ما يثبت بشاهدين، وشاهد وامرأتين، وشاهد ويمين. وهو: الديون، والاموال،
كالقرض والقراض والغصب، وعقود المعاوضات: كالبيع، والصرف، والسلم، والصلح،
والاجارات، والمساقاة، والرهن، والوصية له، والجناية التي توجب الدية. وفي
فلا تقبل
شهادتهن قطعا. وشذ قول أبي الصلاح (1) بقبول شهادة امرأتين في نصف دية النفس والعضو
والجراح، والمرأة الواحدة في الربع. وأن إطلاق (2) الخلاف في القصاص وحكمه بثبوته
بشاهد وامرأتين يقتضي ثبوت القود بذلك، لان ذلك هو مقتضاه. وبهذا المعنى صرح كثير
(3) من الاصحاب ممن حكينا عنه سابقا القول به وغيره. وكذلك مقتضى الروايات الدالة
عليه. وذهب جماعة (4) - منهم الشيخ في النهاية (5) - إلى أنه يثبت بشهادة المرأتين
مع الرجل الدية دون القود. وكأنه جمع [به] (6) بين الاخبار، بحمل ما دل على عدم
ثبوته على القود، وما دل عليه على الدية. والمصنف - رحمه الله - مع حكمه هنا بثبوته
بذلك أنكر الامرين في كتاب القصاص (7)، وجزم بعدم ثبوته بشاهد وامرأتين، ونسب القول
بثبوت الدية إلى الشذوذ، مع أنه قول كثير من الاصحاب. قوله: (ومنها ما يثبت
بشاهدين... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي في الفقه: 439. (2) في الحجريتين: إطلاقه. (3) لم نظفر على من صرح بذلك
من الاصحاب، راجع المختلف: 714. (4) الكافي في الفقه: 436، المهذب 2: 558، المختلف:
714. (5) النهاية: 333. (6) من (ت) والحجريتين. (7) شرائع الإسلام 4: 224. (*)
ص 256
الوقف تردد، أظهره أنه يثبت بشاهد وامرأتين وبشاهد ويمين.
ضابط هذا القسم ما كان
متعلق الشهادة مالا أو كان المقصود منه المال، كالاعيان والديون والعقود المالية،
فيثبت بشاهد وامرأتين كما يثبت برجلين. قال الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من
رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) (1). وقد تقدم (2) أن مثل ذلك يثبت بشاهد
ويمين بالرواية، ولا يثبت بشهادة النساء وحدهن. فمن هذا القسم: البيع، والاقالة،
والرد بالعيب، والرهن، والحوالة، والضمان، والصلح، والقرض، والقراض، والشفعة،
والاجارة، والمزارعة، والمساقاة، والهبة، والابراء، والمسابقة، والوصية بالمال،
والصداق في النكاح،والوط بالشبهة، والغصب، والاتلاف. والجنايات التي لا توجب إلا
المال، كالقتل الخطاء، وقتل الصبي والمجنون، وقتل الحر العبد، والمسلم الذمي،
والوالد الولد، والسرقة التي لا قطع فيها، والمال خاصة فيما فيه القطع. وكذلك حقوق
الاموال والعقود، كالخيار، وشرط الرهن، والاجل. وفي الاجل احتمال، من حيث إنه ضرب
سلطنة فكان كالوكالة. ومنها قبض الاموال، ومن جملتها نجوم الكتابة. نعم، في النجم
الاخير وجهان: أحدهما: أنه لا يثبت إلا برجلين، بناء على أن العتق لا يثبت إلا
بهما، لتعلق العتق به. وبه جزم في التحرير (3).
(هامش)
(1) البقرة: 282. (2) في ص: 510. (3) تحرير الاحكام 2: 212. (*)
ص 257
وأصحهما: أنه كسائر النجوم، لان العتق يحصل بالكتابة، وإذا جمع النجوم فالاخير منها
تمام السبب لا السبب التام للعتق، فلا فرق بينه وبين غيره. وهذا هو الذي اختاره
الشيخ (1) وجماعة (2). وتوقف في القواعد (3). ومنه طاعة المرأة لاستحقاق النفقة،
وقتل الكافر لاستحقاق السلب، وإزمان الصيد لتملكه، وعجز المكاتب عن النجوم. ومتعلق
الشهادة في هذه الاربعة ليس مالا ولكن المقصود منه المال. واختلف في الوقف، بناء
على أنه هل ينتقل إلى الله تعالى، أو إلى الموقوف عليه، أو يبقى على ملك المالك؟
فعلى الثاني يثبت بالشاهد والمرأتين [مطلقا] (4) وبالشاهد واليمين، لا على الاول،
لانه ليس بمال للموقوف عليه، بل له الانتفاع به فقط. والاقوى ثبوته بالشاهد
والمرأتين مطلقا، وبالشاهد واليمين إن كان على محصور، لتمكن حلفه. وقد تقدم (5)
البحث فيه في باب الشاهد واليمين. ومن هذا القسم ما لو مات سيد المدبر، فادعى
الوارث أنه كان قد رجع عن التدبير حيث يجوز الرجوع، فإنه يثبت دعواه برجل وامرأتين
وبشاهد ويمين، لانه يدعي مالا.
(هامش)
(1) المبسوط 8: 172. (2) الدروس الشرعية 2: 138. (3) قواعد الاحكام 2: 239. (4) من
(أ، د). (5) في ج 13: 514. (*)
ص 258
الثالث: ما يثبت بالرجال والنساء، منفردات ومنضمات. وهو: الولادة والاستهلال، وعيوب
النساء الباطنة. وفي قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع خلاف، أقربه الجواز.
وتقبل (1) شهادة امرأتين مع رجل، في الديون والاموال، وشهادة امرأتين مع اليمين.
ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ولو كثرن.
ولو توافق الزوجان على الطلاق، وقال
الزوج: طلقتك على كذا، وقالت: بل مجانا، تثبت دعوى الزوج (2) أيضا بهما. وكذا لو
قال لعبده: أعتقتك على كذا، فقال: بل مجانا. قوله: (الثالث: ما يثبت... إلخ). ضابط
هذا القسم: ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا. وذلك: كالولادة، والبكارة، والثيوبة،
وعيوب النساء الباطنة، كالرتق والقرن والحيض، واستهلال المولود، وأصله الصوت عند
ولادته، والمراد منه ولادته حيا ليرث. واحترز بالباطنة عن مثل العرج والجذام في
الوجه وإن كانت حرة، لانه ليس من العورة. واختلف في الرضاع، والاظهر أنه كذلك، لانه
أمر لا يطلع عليه الرجال غالبا، فمست الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه، كغيره من الامور
الخفية على الرجال من عيوب النساء وغيرها، وللاخبار الكثيرة عن الصادق عليه السلام
أن
(هامش)
(1) لم ترد العبارة: (وتقبل شهادة امرأتين - إلى - ولو كثرن) في متن نسخ المسالك
الخطية، ووردت في النسخة الخطية المعتمدة من الشرائع، وكذا في الشرائع الحجرية، وفي
الجواهر (41: 173): أن الشارح الشهيد (قدس سره) لم يشرحها في المسالك، ولعله
لسقوطها من نسخته. (2) في (أ): الزوجة، وفي (ث): الزوجية. (*)
ص 259
وتقبل شهادة المرأة الواحدة: في ربع ميراث المستهل، وفي ربع الوصية. وكل موضع تقبل
فيه شهادة النساء لا يثبت بأقل من أربع.
شهادة النساء تقبل فيما لا يجوز للرجال
النظر إليه (1). ويؤيده ظاهر رواية ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن الصادق عليه
السلام: (في امرأة أرضعت غلاما وجارية، قال: يعلم ذلك غيرها؟ قلت: لا، قال: لا تصدق
إن لم يكن غيرها) (2). ومفهوم الشرط أنها تصدق حيث يعلم بذلكغيرها، لان عدم الشرط
يقتضي عدم المشروط وهو عدم التصديق، فيثبت نقيضه وهو التصديق. وقال الشيخ في الخلاف
(3) وموضع من المبسوط (4)، وابن إدريس (5)، ونجيب الدين يحيى بن سعيد (6)، والاكثر:
إنه لا تقبل فيه شهادة النساء، لاصالة الاباحة. ولا يخفى ضعف الاصالة مع معارضة
الشهادة. قوله: (وتقبل شهادة المرأة.... إلخ). حيث تقبل شهادة النساء منفردات يعتبر
كونهن أربعا، لما عهد من عادة الشارع في باب الشهادات من اعتبار المرأتين برجل،
والامر بإشهاد رجلين أو رجل وامرأتين. واستثني من ذلك أمران بنص خاص، وهما: الوصية
بالمال، وميراث
(هامش)
(1) راجع الوسائل 18: 258 ب (24) من أبواب الشهادات ح 4، 5، 7، 9 وغيرها. (2)
التهذيب 7: 323 ح 1330، الوسائل 14: 304 ب (12) من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 3. (3)
الخلاف 6: 257 مسألة (9). (4) المبسوط 5: 311. (5) السرائر 2: 137. (6) الجامع
الشرائع: 543. (*)
ص 260
المستهل. فيثبت جميع المشهود به بشهادة أربع، وثلاثة أرباعه بشهادة ثلاث، ونصفه
باثنتين، وربعه بواحدة. والمستند صحيحة ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة
امرأة حضرت رجلا يوصي، فقال: (يجوز ربع ما أوصى بحساب شهادتها) (1). وصحيحة عمر بن
يزيد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل، فوضعت
بعد موته غلاما، ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الارض، فشهدت المرأة التي قبلتها أنه
استهل وصاح حين وقع إلى الارض ثم مات، قال: على الامام أن يجيز شهادتها في ربع
ميراث الغلام) (2). وفي رواية ابن سنان عنه عليه السلام: (قلت: فإن كانتا امرأتين؟
قال: تجوز شهادتهما في النصف من الميراث) (3). وغيرها من الاخبار (4). وفي ثبوت
النصف بشهادة الرجل، لكونه بمنزلة امرأتين، أو الربع لعدم النص عليه، وكونه
المتيقن، إذ لا يقصر عن امرأة، أولا يثبت به شي أصلا، وقوفا فيما خالف الاصل على
مورده، أوجه أجودها الوسط. وليس للمرأة تضعيف الحق ليصير ما يثبت بشهادتها مقدار
الحق. فلو فعلت ذلك جاز للمشهود له أخذه إن علم بأصل الحق، وإلا فلا. والخنثى هنا
كالمرأة.
(هامش)
(1) الكافي 7: 4 ح 4، التهذيب 9: 180 ح 719، الوسائل 13: 395 ب (22) من أبواب أحكام
الوصايا ح 1. (2) الكافي 7: 392 ح 12، التهذيب 6: 268 ح 720، الاستبصار 3: 29 ح 92،
الوسائل 18: 259 ب (244) من أبواب الشهادات ح 6. (3) الكافي 7: 156 ح 4، التهذيب 6:
271 ح 736، الاستبصار 3: 31 ح 104، الوسائل 18: 267 الباب المتقدم ح 45. (4) راجع
الوسائل 13: 395 ب (22) من أبواب أحكام الوصايا. (*)
ص 261
مسائل: الاولى: الشهادة ليست شرطا في شي من العقود إلا في الطلاق. ويستحب في
النكاح، والرجعة. وكذا في البيع.
وقال المفيد: (يقبل: في عيوب النساء، والاستهلال،
والنفاس، والحيض، والولادة، والرضاع، شهادة امرأتين مسلمتين، وإذا لم يوجد إلا
شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه) (1). وتبعه سلا ر (2). والمستند صحيحة
الحلبي عن الصادق عليه السلام: (أنه سأله عن شهادة القابلة في الولادة، فقال: تجوز
شهادة الواحدة) (3). وأجاب في المختلف (4) بالقول بالموجب، فإنه يثبت بشهادة
الواحدة الربع، مع أنه لا يدل على حكم غير الولادة. وابن أبي عقيل (5) خص القبول
بالواحدة بالاستهلال، عملا بظاهر الخبر. قوله: (الشهادة ليست شرطا... إلخ). الاشهاد
مستحب في البيع، لقوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) (6)، وفيالنكاح والرجعة،
للاخبار (7) الواردة بذلك، وقد تقدمت (8) في بابها. ولا يجب في
(هامش)
(1) المقنعة: 727. (2) المراسم: 233. (3) الكافي 7: 390 ح 2، التهذيب 6: 269 ح 723،
الاستبصار 3: 29 ح 95، الوسائل 18: 258 ب (244) من أبواب الشهادات ح 2. (4)
المختلف: 716. (5) حكاه عنه العلامة في المختلف: 716، ولكن عمم الحكم في الولادة
وفي الصبي صاح أو لم يصح. (6) البقرة: 282. (7) الوسائل 14: 67 ب (43) من أبواب
مقدمات النكاح، وج 15: 371 ب (13) من أبواب أقسام الطلاق. (8) في ج 7: 18، وج 9:
188. (*)
ص 262
الثانية: حكم الحاكم تبع للشهادة، فإن كانت محقة نفذ الحكم باطنا وظاهرا، وإلا نفذ
ظاهرا. وبالجملة الحكم ينفذ عندنا ظاهرا لا باطنا. ولا يستبيح المشهود له ما حكم
له، إلا مع العلم بصحة الشهادة أو الجهل بحالها.
شيء من العقود وغيرها، عملا بالاصل،
وضعف الدليل الموجب. وقد تقدم البحث في ذلك مرارا. قوله: (حكم الحاكم... إلخ). أطبق
علماؤنا وأكثر الجمهور على أن الحكم لا ينفذ إلا ظاهرا، وأما باطنا فيتبع الحق، فلا
يستبيح المحكوم له أخذ المحكوم به مع علمه بعدم الاستحقاق، لاصالة بقاء الحق على
أصله، والحل والحرمة كذلك. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إنما أنا
بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي له نحو ما
أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار) (1).
أخرجه أصحاب السنن السبعة. وخالف في ذلك أبو حنيفة (2)، فحكم باستباحة المحكوم له
وإن علم بطلانه، سواء في ذلك المال أو البضع. وقول المصنف: (أو الجهل بحالها) يندرج
فيه ما إذا شهد لشخص شاهدان بحق، إما لكونه متروكا له من مورثه، أو له مع احتمال
نسيانه، فإنه يستبيح أخذه
(هامش)
(1) صحيح البخاري 3: 235 - 236، سنن ابن ماجة 2: 777 ح 2317، سنن أبي داود: 3: 301
ح 3583، سنن الترمذي 3: 624 ح 1339. سنن النسائي 8: 233، سنن الدارقطني 4: 239 ح
127، سنن البيهقي 10: 149. (2) المبسوط للسرخسي 16: 180. (*)
ص 263
الثالثة: إذا دعي من له أهلية التحمل وجب عليه. وقيل: لا يجب. والاول مروي. والوجوب
على الكفاية. ولا يتعين إلا مع عدم غيره ممن يقوم بالتحمل. أما الاداء فلا خلاف في
وجوبه على الكفاية، فإن قام غيره سقط عنه. وإن امتنعوا لحقهم الذم والعقاب. ولو عدم
الشهود إلا اثنان، تعين عليهما. ولا يجوز لهما التخلف، إلا أن تكون الشهادة مضرة
بهما ضررا غير مستحق.
مع (1) الحكم بشهادتهما، ما لم يعلم فساد ذلك، بأن يتجدد برأة
المشهود عليه من غير أن يعلم به الشهود، ونحو ذلك، فلا يستبيح الاخذ، لعلمه بفساد
الحكم. ولو توقف الحكم على يمينه، لكون الشهادة على ميت أو ما ألحق به، أو كون
الشاهد واحدا، لم يجز له الحلف إلا مع العلم بالحال، لان استباحة الاخذ مترتبة على
حكم الحاكم، وحكمه مترتب على يمينه، وليس له الحلف بدون العلم بالحال. قوله: (إذا
دعي... إلخ). الكلام هنا في أداء الشهادة آخرا وتحملها أولا. أما الاول فلا خلاف
فيوجوبه وتحريم الامتناع منه، قال تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم
قلبه) (2). وروي عن الباقر عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
كتم شهادة، أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم، أو ليزوي مال امر مسلم، أتى
(هامش)
(1) في (أ، ث، خ): من الحاكم. (2) البقرة: 283. (*)
ص 264
يوم القيامة ولوجهه ظلمة مد البصر، وفي وجهه كدوح، تعرفه الخلائق باسمه ونسبه، ومن
شهد شهادة حق ليحيي بها حق امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مد البصر، تعرفه
الخلائق باسمه ونسبه، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ألا ترى أن الله تعالى يقول:
(وأقيموا الشهادة لله) (1). ووجوبه على الكفاية إن زاد الشهود عن العدد المعتبر في
ثبوت الحق، وإلا فهو عيني، وإن كان الجميع في الاصل كفائيا، لان الواجب الكفائي إذا
انحصر في فرد كان كالعيني. والمشهور عدم الفرق في الوجوب بين من استدعي وغيره،
لعموم الادلة، وأنها أمانة حصلت عنده فوجب عليه الخروج منها، كما أن الامانات
المالية تارة تحصل عنده بقبولها كالوديعة، وتارة بغيره كتطير الريح. وذهب جماعة (2)
- منهم الشيخ (3) وابن الجنيد (4) وأبو الصلاح (5) - إلى عدم الوجوب إلا مع
الاستدعاء، لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا سمع الرجل
الشهادة ولم يشهد عليها إن شاء شهد، وإن شاء سكت (6). وسأله أيضا عن الرجل يحضر
حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما
(هامش)
(1) الكافي 7: 380 ح 1، الفقه 3: 35 ح 114، التهذيب 6: 276 ح 756، الوسائل 18: 227
ب (2) من أبواب الشهادات ح 2. والاية في سورة الطلاق: 2. (2) المهذب 2: 560. (3)
النهاية: 330. (4) حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4: 441. (5) الكافي في
الفقيه: 436. (6) الكافي 7: 382 ح 5، التهذيب 6: 258 ح 678، الوسائل 18: 231 ب (5)
من أبواب الشهادات ح 1. (*)
ص 265
يسمع منهما، قال: ذاك إليه إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد، فإن شهد شهد بحق قد سمعه،
وإن لم يشهد فلا شي عليه، لانهما لم يشهداه) (1). وحسنة هشام بن سالم عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: (إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها، فهو بالخيار إن شاء
شهد وإن شاء سكت، وإذا أشهد لم يكن له إلا أن يشهد) (2). وغيرها من الاخبار (3).
ولانه لم يؤخذ منه التزام، بخلاف ما إذا تحمل قصدا، فإنه يكون ملتزما كضمان
الاموال. وفي المختلف (4) جعل النزاع لفظيا لا معنويا، نظرا إلى أنه فرض كفاية،
فيجوز تركه إذا قام غيره مقامه، ولو لم يقم غيره مقامه وخاف لحوق ضرر بإبطال الحق
وجب عليه إقامة الشهادة، ولا يبقى فرق بين أن يشهد من غير استدعاء وبين أن يشهد
معه. وفيه نظر، لان الاخبار المذكورة مفصلة ومصرحة بالفرق بين من يستدعى وبين من لا
يستدعى، وأنه يتعين على المستدعى الشهادة، مع أن الوجوب حينئذ كفائي اتفاقا وإن عرض
له التعيين. وعلى ما ذكره في المختلف من المعنى لا يبقى فرق بين الحالين، ولا يبقى
للتفصيل في الاخبار فائدة أصلا. ولا وجه لهذا التكلف الذي لا يساعد عليه الكلام.
والحق أن النزاع معنوي صرف. ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشهود، إما لكونه قد نسي
الاستدعاء، أو لكون المستدعي مورثه، أو مطلقا على المشهور، وجب عليهم تعريفه مع
(هامش)
(1) الكافي 7: 382 ح 6، التهذيب 6: 258 ح 677، الوسائل 18: 232 الباب المتقدم ح 5.
(2) الكافي 7: 381 ح 1، التهذيب 6: 258 ح 679، الوسائل 18: 231 الباب المتقدم ح 2.
(3) راجع الوسائل 18: 231 الباب المتقدم. (4) المختلف: 725. (*)
ص 266
خوفهم من بطلان الحق. ويجب كفاية مع زيادتهم عن العدد إعلام العدد الذي يثبت به
الحق. ولو لم يكونوا عدولا، فإن أمكن ثبوت الحق بشهادتهم ولو عند حاكم الجور وجب
أيضا، وإلا ففي الوجوب وجهان، من عدم الفائدة، وتوقع العدالة. وقرب في الدروس (1)
الوجوب. ولو كان أحدهما عدلا وجب عليه قطعا، رجاء أن يحلف معه إن أمكن، بأن يكون
عالما بالحق، وإلا ففي الوجوب نظر، لعدم الفائدة. ويمكن الوجوب مطلقا، رجاء أن يكون
له شاهد آخر لا يعلم به فيثبت الحق بهما. وأما الثاني، وهو تحمل الشهادة ابتداء،
فالمشهور والمروي وجوبه أيضا على الكفاية كالاداء، لقوله تعالى: (ولا يأب الشهداء
إذا ما دعوا) (2)، الشامل بعمومه الامرين، أو لاختصاصه بهذه الحالة، فقد روى هشام
بن سالم عن الصادق عليه السلام: (في قول الله عز وجل: (ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا)، قال: قبل الشهادة، وقوله تعالى: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (3)، قال: بعد
الشهادة) (4). وهو نص في الباب، وتصريح بحمل الاية على حالة التحمل. ولصحيحة أبي
الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام: (في قوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا) قال: لا ينبغي لاحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد
(هامش)
(1) الدروس الشرعية 2: 135. (2) البقرة: 282 - 283. (3) البقرة: 282 - 283. (4)
الكافي 7: 381 ح 2، الفقيه 3: 34 ح 112، التهذيب 6: 275 ح 750، الوسائل 18: 225 ب
(1) من أبواب الشهادات ح 1. (*)
ص 267
عليها أن يقول: لا أشهد لكم عليها) (1). و(لا ينبغي) وإن كان ظاهره الكراهة إلا أنه
فسر به النهي في الاية، والاصل فيه التحريم، فيحمل التفسير عليه. ورواية جراح
المدائني عنه عليه السلام قال: (إذا دعيت إلى الشهادة فأجب) (2). وصحيحة محمد بن
الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام: (في قول الله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا) فقال: إذا دعاك الرجل لتشهد على دين أو حق لم يسع لك أن تقاعس عنه) (3).
وغيرها من الاخبار (4) الكثيرة الدالة بعمومها أو إطلاقها على المطلوب. ولانه من
الامور الضرورية التي لا ينفك الانسان عنها، لوقوع الحاجة إلى المعاملات
والمناكحات، فوجب في الحكمة إيجاب ذلك لتحسم مادة النزاع المترتب على تركه غالبا.
وذهب ابن إدريس (5) - رحمه الله - إلى عدم الوجوب، عملا بالاصل، وطعنا في الاخبار
ودلالة الاية، لان إطلاق الشهداء حقيقة بعد تحمل الشهادة، فتكون مخصوصة بالاداء،
وإلا لزم المجاز أو الاشتراك.
(هامش)
(1) الكافي 7: 379 - 380 ح 2، التهذيب 6: 275 ح 751، الوسائل 18: 225 الباب المتقدم
ح 2. (2) الكافي 7: 380 ح 5، التهذيب 6: 275 ح 752، الوسائل 18: 225 الباب المتقدم
ح 3. (3) الكافي 7: 380 ح 3، التهذيب 6: 276 ح 754، الوسائل 18: 226 الباب المتقدم
ح 7. (4) راجع الوسائل 18: 225 ب (1) من أبواب الشهادات. (5) السرائر 2: 125 - 126.
(*)
ص 268
وأجيب (1): (بأنها وردت في معرض الارشاد بالاشهاد، لانه تعالى أمر (2) بالكتابة حال
المداينة، ونهى الكاتب عن الاباء، ثم أمر بالاشهاد، ونهى الشاهد عن الاباء). فكان
سياق الاية يقتضي إرادة هذا المعنى، مضافا إلى تفسيره به في الرواية المعتبرة.
ولانه لا يشترط ثبوت المعنى المشتق منه في صحة الاشتقاق. وفيه نظر. واعلم أن إطلاق
الاصحاب والاخبار يقتضي عدم الفرق فيالتحمل والاداء بين كونه في بلد الشاهد وغيره
مما [لا] (3) يحتاج إلى سفر، ولا بين السفر الطويل والقصير مع الامكان. هذا من حيث
السعي. أما المؤونة المحتاج إليها في السفر من الركوب وغيره فلا يجب على الشاهد
تحملها، بل إن قام بها المشهود له وإلا سقط الوجوب، فإن الوجوب في الامرين مشروط
بعدم توجه ضرر على الشاهد غير مستحق، وإلا سقط الوجوب. واحترز بالمستحق عما لو كان
للمشهود عليه حق على الشاهد يناقشه عليه على تقدير الشهادة، ويمهله به أو يسامحه
بدونها، فلا يعد ذلك عذرا، لانه مستحق مع قدرته على الوفاء لا بدونه.
(هامش)
(1) المختلف: 722. (2) البقرة: 282. (3) من (ط) والحجريتين. (*)
ص 269
الطرف الرابع في الشهادة على الشهادة

وهي مقبولة: في حقوق الناس، عقوبة كانت
كالقصاص، أو غير عقوبة، كالطلاق والنسب والعتق، أو مالا كالقراض والقرض وعقود
المعاوضات، أو مالا يطلع عليه الرجال غالبا، كعيوب النساء والولادة والاستهلال. ولا
تقبل في الحدود، سواء كانت لله محضا، كحد الزنا واللواط والسحق، أو مشتركة، كحد
السرقة والقذف على خلاف فيهما.
قوله: (في الشهادة على الشهادة... إلخ). الشهادة على
الشهادة مقبولة مرة واحدة في الجملة إجماعا، لعموم: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)
(1). وخصوص قول أبي جعفر عليه السلام في رواية محمد بن مسلم حيث سأل عن: (الشهادة
على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد، قال: نعم، ولو كان خلف سارية، إذا كان لا
يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه من أن يحضر ويقيمها) (2). ولدعاء الحاجة إليها، فإن
شهود الواقعة قد يغيبون أو يموتون. ولان الشهادة حق لازم الاداء، فتجوز الشهادة
عليه كسائر الحقوق. ومحلها ما عدا الحدود إجماعا، سواء في ذلك الاموال والانكحة
والعقود والايقاعات والفسوخ وغيرها، وسواء كانت حق الادميين أم حق الله تعالى،
كالزكوات وأوقاف المساجد والجهات العامة والاهلة، كهلال رمضان وغيره.
(هامش)
(1) البقرة: 282. (2) الفقيه 3: 42 ح 141، التهذيب 6: 256 ح 672، الاستبصار 3: 20 ح
59، الوسائل 18: 297 ب (444) من أبواب الشهادات ح 1. (*)
ص 270
ولابد أن يشهد اثنان على الواحد، لان المراد إثبات شهادة الاصل، وهو لا يتحقق
بشهادة الواحد.
وأما الحدود، فإن كانت مختصة بالله - كحد الزنا - لم تسمع إجماعا.
وإن كانت مشتركة - كحد السرقة والقذف - فالمشهور بين الاصحاب أن الحكم فيها كغيرها
من الحدود، لاطلاق النصوص بعدم قبولها في الحد، كرواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله
عليه السلام، عن أبيه، عن علي عليه السلام: (أنه كان لا يجيز شهادة على شهادة في
حد) (1). ومثله روى غياث بن (2) إبراهيم [عنه] (3) عن علي عليه السلام. والطريق
فيهما ضعيف، لكنهما مؤيدتان - مع الشهرة - بأن الحدود تدرأ بالشبهات. وقيام البدل
مقام المبدل لا يخلو من شبهة. وقال الشيخ في موضع من المبسوط (4) وابن حمزة (5)
بجوازها فيهما (6)، ترجيحا لحق الادمي، وأخذا بالعموم. وهذا أجود، لعدم دليل صالح
للتخصيص فيهما. وهو اختيار الشهيد في الشرح (7). قوله: (ولا بد أن يشهد اثنان...
إلخ).
(هامش)
(1) التهذيب 6: 255 ح 667، الوسائل 18: 299 ب (45) من أبواب الشهادات ح 1. (2)
الفقيه 3: 41 ح 140، التهذيب 6: 256 ح 671، الوسائل 18: 299 الباب المتقدم ح 2. (3)
من (ت، ط). (4) المبسوط 8: 231، لكن حكم بجوازها في القذف دون السرقة. (5) الوسيلة:
233. (6) في (ت، ث): فيها. (7) غاية المراد: 332. (*)
ص 271
فلو شهد على كل واحد اثنان صح. وكذا لو شهد اثنان، على شهادة كل واحد من شاهدي
الاصل. وكذا لو شهد شاهد أصل، وهو مع آخر على شهادة أصل آخر. وكذا لو شهد اثنان على
جماعة، كفى شهادة الاثنين على كل واحد منهم. وكذا لو كان شهود الاصل شاهدا
وامرأتين، فشهد على شهادتهم اثنان، أو كان الاصل نساء مما تقبل فيه شهادتهن
منفردات، كفى شهادة اثنين عليهن.
ونبه المصنف بقوله: (عقوبة كالقصاص... إلخ) على
خلاف بعض العامة (1)، حيث نفاها في العقوبات كالقصاص وإن كانت حقا للادميين.
وأكثرهم على اختصاص المنع بحدود الله تعالى. ومنهم من أثبتها في الحدود أيضا. واعلم
أن إطلاق المصنف كون محلها حقوق الادميين قد يوهم خروج ما كان حقا لله تعالى وليس
حقا للادمي وإن لم يكن حدا. وهذا ليس بمراد، بل الضابط ما ذكرناه من أن محلها ما
عدا الحدود، أو ما عدا حدود الله تعالى، كما تقتضيه الادلة والفتاوى. المقصود من
الشهادة على الشهادة إثبات شهادة شاهد الاصل عند الحاكم، فكانت الشهادة كغيرها من
الحقوق غير المالية، فيفتقر إثباتها إلى شاهدين ذكرين.
(هامش)
(1) اللباب في شرح الكتاب 4: 68، الحاوي الكبير 17: 221، حلية العلماء 8: 295،
المغني لابن قدامة 12: 87، روضة الطالبين 8: 261. (*)
ص 272
وللتحمل مراتب، أتمها أن يقول شاهد الاصل: اشهد على شهادتي، أنني أشهد على فلان بن
فلان، لفلان بن فلان بكذا. وهو الاسترعاء.
ثم إن شهد شاهدان على أحدهما وآخران على
شهادة الاخر تم النصاب بلا كلام. وإن شهد كل منهما على كل منهما، أو أحدهما مع شاهد
الاصل على الاصل الاخر، فعندنا أن الحكم كذلك، لتحقق إثبات شهادة الشاهد باثنين،
وهو المعتبر في الاثبات. وخالف في ذلك بعض العامة (1)، فمنع من جميع هذه الصور التي
ذكرها المصنف، واعتبر المغايرة في شهود كل فرع. فشرط شهادة أربعة على الشاهدين،
وعلى رجل وامرأتين ستة. ولو شهدوا على أربع من النساء في مثل الولادة افتقر إلى
ثمانية، يشهد على كل واحدة اثنان. وهكذا. والاكثر على ما اخترناه من الاجتزاء
باثنين مطلقا، لانهما شهدا على الجميع، كما لو شهدا على إقرار رجلين أو أربعة.
ومبنى الخلاف في جواز كون الاصل فرعا مع آخر على أن الاشهاد على الشهادة هل هو
لاثبات الشهادة، أو [هو] (2) بحكم النيابة عنها؟ فعلى الاول - وهو مذهب الاصحاب -
يجوز أن يكون الاصل فرعا، لا على الثاني، لانه لا يصح كونه نائبا عن نفسه وغيره،
لان قيامه بنفسه يستدعي استغنأه عن الغير، ونيابته يقتضي افتقاره، فلا يجتمعان.
قوله: (وللتحمل مراتب... إلخ).
(هامش)
(1) حلية العلماء 8: 298 - 299، المغني لابن قدامة 12: 95 - 96، روضة الطالبين 8:
265. (2) من (أ) والحجريتين. (*)
ص 273
وأخفض منه أن يسمعه، يشهد عند الحاكم، إذ لا ريب في تصريحه هناك بالشهادة. ويليه أن
يسمعه يقول: أنا أشهد لفلان بن فلان على فلان بن فلان بكذا، ويذكر السبب، مثل أن
يقول: من ثمن ثوب أو عقار، إذ هي صورة جزم. وفيه تردد. أما لو لم يذكر سبب الحق، بل
اقتصر على قوله: أنا أشهد لفلان على فلان بكذا، لم يصر متحملا، لاعتياد التسامح
بمثله. وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب إشكال.
إنما يجوز التحمل إذا عرف أن عند
الاصل شهادة جازمة بحق ثابت. ولمعرفته أسباب ذكرها المصنف - رحمه الله - في ثلاث
مراتب. أحدها: الاسترعاء. وهو: التماس شاهد الاصل رعاية شهادته. والشهادة بها
والشهادة معه جائزة إجماعا. ولكن اختلفوا في كيفيته، فذكر المصنف - رحمه الله -
والاكثر أن يقول شاهد الاصل للفرع: اشهد على شهادتي أنني أشهدعلى فلان... إلخ. وفي
معناها أن يسمعه يسترعي شاهدا آخر. وكذا لو قال: أشهدك على شهادتي، أو يقول: إذا
استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد. ولا يقول: أشهدك عن شهادتي... إلخ.
والفرق بين (على) و(عن) أن قوله: (أشهدك على شهادتي) تحميل، وقوله: (عن شهادتي) إذن
في الاداء، فكأنه يقول: أدها عني، إذ لاذنه أثر في الطريق، ألا تراه لو قال له بعد
التحميل: لا تؤد عني تلك الشهادة، امتنع عليه الاداء.
ص 274
وربما رجح بعضهم (عن)، بل ناقش في (على)، من حيث إنها تقتضي كون الشهادة مشهودا
عليها، وإنما هي مشهود بها، والمشهود عليه هو الشاهد، ولابد من التمييز بين المشهود
به وله وعليه. لكن رعاية التحمل في (على) سهل أمرها، وأخرجها عن كون الشهادة مشهودا
عليها صرفا. مضافا إلى كونه هو المشهور في الاستعمال. وثانيها: أن يسمعه يشهد عند
الحاكم أن لفلان على فلان كذا، فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه، لانه لا
يتصدى لاقامة الشهادة عند الحاكم إلا بعد تحقق الوجوب. وللحاكم أيضا أن يشهد على
شهادته عند حاكم آخر. والشهادة عند المحكم (1) كالشهادة عند الحاكم المنصوب من
الامام، لانه لا يشهد عند المحكم (2) أيضا إلا وهو جازم بثبوت المشهود به. وألحق
بهذه المرتبة قوله: عندي شهادة مجزومة أو مثبوتة بأن على فلان لفلان كذا. وكذا لو
قال: شهادة لا أرتاب فيها، أو لا أشك. ويظهر من كلام ابن الجنيد منع هذه المرتبة،
لانه قال: (ليس للشهود أن يشهدوا إذا أخبرهم المشهود على شهادته، دون أن يسترعيهم
إياها ويقول لهم بعد وصفه حال شهادته: فاشهدوا على شهادتي على فلان لفلان بكذا)
(3). وثالثها: أن يبين سبب الوجوب، فيقول: أشهد أن لفلان على فلان كذا من ثمن مبيع
أو قرض أو أرش جناية. فيجوز الشهادة على شهادته وإن لم يشهد عند الحاكم، ولا وجد
منه استرعاء، لان الاستناد إلى السبب يقطع احتمال الوعد
(هامش)
(1) في (د، ط): الحكم. (2) في (أ، ط): الحكم، وفي (د): الحاكم. (3) حكاه عنه
العلامة في المختلف: 729. (*)
ص 275
والتساهل. والمصنف - رحمه الله - تردد في قبول هذه الصورة، وكذلك العلامة (1).
ومنشأ التردد مما ذكر، ومن اعتياد التسامح بمثل ذلك في غير مجالس الحكام. والوجه
القبول، لان العدالة تمنع المسامحة إلى هذه الغاية. ولو قال: أشهد أن عليه كذا...
إلخ، ولم يذكر السبب، ولا كان ذلك في مجلس الحاكم، فهذه الصورة قطع المصنف - رحمه
لله - وغيره (2) بعدم جواز الشهادة عليها، لاعتياد التسامح بذلك من غير تحقيق لغرض
صحيح أو فاسد، ولو آل الامر إلى أن إقامة الشهادة لا تخلو عنها، ولاحتمال إرادة
الوعد، بمعنى أن المشهود عليه كان قد وعد المشهود له بذلك فجعلها عليه، لان الوفاء
بالوعد من مكارم الاخلاق، فنزله منزلة الدين. وليس كذلك لو سمعه يقول: لفلان علي
كذا، فإنه يجوز الشهادة عليه بالاقرار، ولا يحمل على الوعد ولا على التساهل. وفرقوا
بين الاقرار وتحمل الشهادة بوجهين: أحدهما: أن الشهادة يعتبر فيها ما لا يعتبر في
الاقرار، ألا ترى أنه لا تقبل شهادة الفاسق والمغفل والشهادة بالمجهول، والاقرار
يخالفه، فجاز أن يعتبر في تحمل الشهادة ما لا يعتبر في تحمل الاقرار. والثاني: أن
المقر مخبر عن نفسه، والشاهد مخبر عن غيره، [والمخبر عن غيره] (3) قد يتساهل،
فيحتاج فيه إلى الاحتياط، بخلاف المخبر عن نفسه. واعلم: أن المصنف - رحمه الله -
استشكل الفرق بين هذه الصورة التي سمعه يشهد من غير أن يذكر السبب، وبين ما لو ذكر
السبب.
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 241. (2) قواعد الاحكام 2: 241. (3) من (ت، ث، خ). (*)
ص 276
ففي صورة الاسترعاء، يقول: أشهدني [فلان] على شهادته. وفي صورة سماعه عند الحاكم،
يقول: أشهد أن فلانا شهد عند الحاكم بكذا. وفي صورة السماع لا عنده، يقول: أشهد أن
فلانا شهد على فلان لفلان بكذا، بسبب كذا.
ووجه الاشكال: من حيث اشتمال الصيغتين
على الجزم الذي لا يناسب العدل أن يتسامح فيه. واستشكاله في الفرق يحتمل معنيين:
أحدهما - وهو الاظهر -: إلحاق الاولى بالثانية في عدم القبول، لقيام الاحتمال
بالتسامح والوعد، فيكون الاشكال موافقا لتردده السابق في حكم ما لو ذكر السبب،
ويقتضي عدم قبول الشهادة في الموضعين، بخلاف ما ذكره الشيخ (1) وغيره (2) من الفرق
وقبول الاولى دون الثانية. والثاني: إلحاق الثانية بالاولى في القبول، لاشتراكهما
في الشهادة بصيغة الجزم الذي لا يصح للعدل أن يتلفظ به من غير علم بالحال، ولا يجوز
في سماعه ذلك ممن لا يوثق به أو وعد ونحوه. إلا أن هذا الحكم بعيد، بل لم يقل به
أحد وإن كان محتملا. والمحصل من الاشكال هو أن الحكم في إحداهما بالقبول دون الاخرى
ترجيح من غير مرجح، ردا على الشيخ (3) حيث فرق. قوله: (ففي صورة الاسترعاء... إلخ).
(هامش)
(1) المبسوط 8: 231 - 232. (2) الدروس الشرعية 2: 142. (3) المبسوط 8: 231 - 232.
(*)
ص 277
ولا تقبل شهادة الفرع، إلا عند تعذر حضور شاهد الاصل. ويتحقق العذر: بالمرض، وما
ماثله، وبالغيبة. ولا تقدير لها. وضابطه: مراعاة المشقة على شاهد الاصل في حضوره.
يجب على الفرع عند أداء الشهادة أن يبين جهة التحمل، لان الغالب على الناس الجهل
بطريق التحمل، فربما استند إلى سبب لا يجوز التحمل به، فإذا ذكر السبب زال الريب،
وللاختلاف (1) في المراتب كما عرفت، فربما أطلق الشهادة وكانت مستندة إلى وجه يجوز
عنده لا عند الحاكم. فإن استرعاه الاصل قال: أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان
كذا وأشهدني على شهادته، أو يقول ابتداء: أشهدني فلان على شهادته أن لفلان... إلخ.
وإن لم يسترعه بين أنه شهد عند الحاكم، أو أنه أسند المشهود به إلى سببه. وفي
الاكتفاء بقوله: أشهد على شهادة فلان بكذا، مع الوثوق بمعرفة المراتب، وموافقة رأيه
لرأي الحاكم، فيها وجهان، من ظهور الاستناد إلى سبب صحيح نظرا إلى الثقة به، ومن
تطرق الاحتمال. قوله: (ولا تقبل شهادة الفرع.... إلخ). المشهور بين الاصحاب اشتراط
تعذر حضور شاهد الاصل في قبول شهادة الفرع. وفي خبر محمد بن مسلم السابق (2) دليل
عليه، لانه شرط أن يكون به علة تمنعه من أن يحضر ويقيمها. ونقل الشيخ في الخلاف (3)
عن بعض أصحابنا عدم اشتراط ذلك، ومال
(هامش)
(1) في (ث، د، خ، م): والاختلاف. (2) راجع ص: 269. (3) الخلاف 6: 315 ذيل مسألة
(65). (*)
ص 278
إليه. واستدل عليه بأن الاصل قبول الشهادة على الشهادة، وتخصيصها بوقت دون وقت أو
على وجه دون وجه يحتاج إلى دليل. قال: (وأيضا روى (1) أصحابنا أنه إذا اجتمع شاهد
الاصل وشاهد الفرعواختلفا، فإنه تقبل شهادة أعدلهما، حتى إن في أصحابنا من قال:
تقبل شهادة الفرع وتسقط شهادة الاصل) (2). والمذهب هو المشهور. وعليه، فالمعتبر
تعذر حضور الاصل لموت، أو زمانة، أو مانع يمنعه من حضور مجلس الحكم وإن كان حاضرا،
أو يوجب له تحمل مشقة لا تتحمل غالبا. ولا فرق بين أن يكون فوق مسافة العدوى، وهي
التي لو خرج بكرة لاداء الشهادة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا، ودونها عندنا، عملا
بالاصل. واشترط بعض العامة (3) كونه فوق مسافة القصر، وآخرون مسافة العدوى. وإلى
خلافهما أشار المصنف - رحمه الله - بقوله: (ولا تقدير لها) لانه رجوع إلى ما لا
دليل عليه. وفي خبر محمد بن مسلم السابق (4): (ولو كان خلف سارية إذا كان لا يمكنه
أن يقيمها).
(هامش)
(1) الكافي 7: 399 ح 1 و2، الفقيه 3: 41 ح 137، التهذيب 6: 256 ح 669 و670، الوسائل
18: 299 ب (46) من أبواب الشهادات. (2) الخلاف 6: 315 - 316. (3) الحاوي الكبير 17:
225، حلية العلماء 8: 297 - 298، المغني لابن قدامة 12: 90 - 91، روضة الطالبين 8:
267. (4) راجع ص: 269. (*)
ص 279
ولو شهد شاهد الفرع، فأنكر [شاهد] الاصل، فالمروي العمل بشهادة أعدلهما. فإن تساويا
اطرح الفرع. وهو يشكل بما أن الشرط في قبول الفرع عدم الاصل. وربما أمكن، لو قال
الاصل: لا أعلم.
قوله: (ولو شهد شاهد الفرع... إلخ). الحكم في هذه المسألة مبني على
السابقة، فإن قلنا بعدم اشتراط تعذر حضور شاهد الاصل في صحة شهادة الفرع تمشى هذا
البحث هنا، لجواز إحضار الفرع وإن كان شاهد الاصل موجودا. وأما على المشهور من
اشتراط تعذره، فشهد الفرع ثم حضر الاصل، فإن كان بعد الحكم لم يعتد بإنكاره، وأمضي
الحكم على وفق شهادة الفرع. وهذا لا إشكال فيه أيضا. وإن كان حضوره قبل الحكم
بشهادة الفرع فأنكر، فالمشهور سقوط شهادة الفرع، لان الشرط في سماعها تعذر الاصل
وقد زال. ولان مستند شهادة الفرع شهادة الاصل وهي مفقودة، فيفقد ما استند إليها.
وهذا هو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وقبله الشيخ في المبسوط (1) وابن إدريس (2)
وجماعة [من] (3) المتأخرين (4). وذهب جماعة - منهم الصدوقان (5)، والشيخ في النهاية
(6)، وتلميذه
(هامش)
(1) المبسوط 8: 233. (2) السرائر 2: 127. (3) من (ل). (4) المختلف: 723، غاية
المراد: 333 - 334، التنقيح الرائع 4: 321. (5) المقنع: 399، وحكاه عنهما العلامة
في المختلف: 723. (6) النهاية: 329. (*)
ص 280
القاضي (1) - إلى الحكم بشهادة أعدلهما، لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه
السلام: (في رجل شهد على شهادة رجل، فجاء الرجل فقال: لم أشهده، فقال: تجوز شهادة
أعدلهما، ولو كانت عدالتهما واحدة لم يجز الشهادة) (2). وهذه الرواية وإن كان
ظاهرها متروكا، من حيث اشتماله على شهادة الرجل الواحد على الواحد، إلا أن المطلوب
يتم منها. على أن ذكر الواحد لا ينفي غيره، فيمكن حملها على وجه يصح. ولكن يشكل
تمشيها على القول المشهور من اشتراط تعذر حضور شاهد الاصل. والمصنف - رحمه الله -
قال: يمكن ذلك على تقدير أن يقول الاصل: لا أعلم. واعترضه السيد عميد الدين (3) -
رحمه الله - بأنه لا يمكن حينئذ العمل بقول الاعدل إذا كان الاصل، لانه غير شاهد.
وأورد عليه الشهيد - رحمه الله - أيضا بأن ذلك غير منطوق الرواية، لتضمنها قوله:
(لم أشهده). ثم وجهها بأنه: (لا يلزم من أنه يشترط في إحضار شاهد الفرع تعذر الاصل
أن يكون ذلك في السماع. سلمنا لكن المراد إذا كان الاصل والفرع متفقين، فإنه حينئذ
لا يحتاج إلى شهادة الفرع، للاستغناء بالاصل، وزيادة الكلفة
(هامش)
(1) المهذب 2: 561. (2) الكافي 7: 399 ح 1، التهذيب 6: 256 ح 670، الوسائل 18: 300
ب (46) من أبوابالشهادات ح 3. (3) حكاه عنه الشهيد الاول في غاية المراد: 334. (*)