مسالك الأفهام - ج14

الصفحة السابقة

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 505

ويقطع من سرق مالا موقوفا مع مطالبة الموقوف عليه، لانه مملوك له. ولا تصير الجمال محرزة بمراعاة صاحبها، ولا الغنم بإشراف الراعي عليها. وفيه قول آخر للشيخ رحمه الله.

قوله: (ويقطع من سرق... إلخ). هذا التعليل يتم على القول بانتقال ملك الموقوف مطلقا إلى الموقوف عليه. أما على القول الاشهر من اختصاصه بما لو كان الموقوف عليه منحصرا، قطع سارقه، دون سارق الوقف على المصالح العامة وعلى غير المنحصر، لان الملك فيه لله تعالى، ولا يتم ما ذكره المصنف من التعليل. ولو طالب به الحاكم احتمل جواز قطعه، وإن كان غير مالك. والاظهر العدم. ولو كانت السرقة من غلة الوقف فلا إشكال في القطع، لانها مملوكة للموقوف عليه مطلقا. ولو كان السارق بعض الموقوف عليهم بني على حكم سارق المالالمشترك، وقد تقدم (1). هذا إذا كان منحصرا. أما لو كان السارق فقيرا في الموقوف على الفقراء فلا قطع مطلقا. قوله: (ولا تصير الجمال محرزة... إلخ). قد تقدم (2) الكلام على أن المراعاة بالعين هل هي حرز أم لا؟ وأن الوجه عدم كونها حرزا، وإليه ذهب المصنف - رحمه الله - هنا صريحا، وإن كان قد تردد

(هامش)

(1) في ص: 480. (2) في ص: 495. (*)

ص 506

فيما سبق (1). وهو مختار ابن إدريس - رحمه الله - (2) والعلامة (3). واحتج عليه في المختلف برواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: (إن عليا عليه السلام قال: لا يقطع إلا من نقب نقبا أو كسر قفلا) (4). وهو استدلال عجيب من مثله، مع ضعف السند، والاتفاق على عدم الانحصار فيما ذكر في الرواية. والقول الاخر للشيخ - رحمه الله - الذي أشار إليه المصنف ذكره في المبسوط والخلاف (5). فقال في المبسوط: (الابل إن كانت راعية فحرزها أن ينظر الراعي إليها مراعيا لها. وإن كان ينظر إلى جميعها، مثل أن كان على نشز أو مستو من الارض، فهي في حرز، لان الناس هكذا يحرزون أموالهم عند الراعي. وإن كان لا ينظر إليها، أو كان ينظر إليها فنام عنها فليست في حرز. وإن كان ينظر إلى بعضها دون بعض فالتي ينظر إليها في حرز، والتي لا ينظر إليها في غير حرز. وإن كانت باركة ينظر إليها فهي في حرز. وإن كان لا ينظر إليها فهي في حرز بشرطين: أن تكون معقولة، وأن يكون معها نائما أو غير نائم، لان الابل الباركة هكذا حرزها.

(هامش)

(1) راجع ص: 495. (2) السرائر 3: 483. (3) المختلف: 769.(4) التهذيب 10: 109 ح 423، الاستبصار 4: 243 ح 918، الوسائل 18: 509 ب (18) من أبواب حد السرقة ح 3. (5) الخلاف 5: 420 مسألة (7). (*)

ص 507

وإن كانت مقطرة، فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز. وإن كان قائدا فإنما يكون في حرز بشرطين: أن يكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها كلها، وأن يكثر الالتفات إليها، مراعيا لها. وكذا البغال والخيل والحمير والغنم والبقر. فإذا أوت إلى حظيرة كالمراح والاصطبل، فإن كان في البر دون البلد، فما لم يكن صاحبها معها في المكان فليس بحرز، وإن كان معها فيه فهو حرز. وإن كان الباب مفتوحا فليس بحرز، إلا أن يكون معها مراعيا لها غير نائم. وإن كان الباب مغلقا فهو حرز، نائما كان أو غير نائم. وإن كان في جوف البلد فالحرز أن يغلق الباب، سواء كان صاحبها معها أم لا) (1). وهذا التفصيل قد صرح [به] (2) في مواضع منه بأن المراعاة تكفي في الحرز. وهو حسن مع حصولها بالفعل، لكن معه لا تتحقق السرقة كما أشرنا إليه سابقا (3)، وإنما تتحقق مع غفلته ليكون الاخذ سرا. فالحق أن القطع لا يتحقق بذلك على التقديرين. نعم، حرزيتها على هذا الوجه يتم فيما لو كانت أمانة بيد المراعي كالراعي، فإن مراعاتها بالنظر تكفي في الحكم بكونها في حرز، فلا يضمن حينئذ بالفوات، وبدونه يضمن. ويظهر من كلام الشيخ في قسم الراتعة أن عدم النظر إليها يخرجها عن الحرز، وإن كان النظر إليها ممكنا. وفي قسم السائرة جعل دوام النظر غير شرط، واكتفى بإمكان مشاهدتها مع كثرة الالتفات إليها.

(هامش)

(1) المبسوط 8: 23 - 24. (2) من (أ، خ، م). (3) راجع ص: 497. (*)

ص 508

ولو سرق باب الحرز أو من أبنيته، قال في المبسوط: يقطع، لانه محرز بالعادة. وكذا إن كان الانسان في داره، وأبوابها مفتحة. ولو نام زال الحرز. وفيه تردد.ويقطع سارق الكفن، لان القبر حرز له. وهل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟ قيل: نعم. وقيل: يشترط في المرة الاولى، دون الثانية والثالثة. وقيل: لا يشترط. والاول أشبه. ولو نبش ولم يأخذ، عزر. ولو تكرر منه الفعل، وفات السلطان، كان له قتله للردع.

قوله: (ولو سرق باب الحرز... إلخ). الحكم في باب الحرز ونحوه مبني على تفسير الحرز، فإن فسرناه بما ليس لغير المالك دخوله، أو بما كان سارقه على خطر وخوف من الاطلاع عليه، أو رددناه إلى العادة وجعلناها قاضية بكون ذلك محرزا على هذا الوجه، كما ادعاه الشيخ (1)، قطع هنا، لتحقق الحرز على هذه التقديرات. وإن فسرناه بما كان مغلقا عليه، أو مقفلا، أو مدفونا، فلا قطع هنا، لانتفاء المقتضي. وإن جعلنا منه المراعاة بني على ما إذا كان مراعيا له وعدمه. والمراد بباب الحرز هنا الباب الخارج، كباب الدار. أما باب البيت الداخل في الدار أو باب الخزانة، فإن كان خارجه بابا آخر موثقا بالقفل أو الغلق، فالباب المذكور في حرز، وإلا فلا. قوله: (ويقطع سارق الكفن... إلخ). للاصحاب في حكم سارق الكفن من القبر أقوال:

(هامش)

(1) المبسوط 8: 25. (*)

ص 509

أحدها: أنه يقطع مطلقا، بناء على أن القبر حرز للكفن، والكفن لا يعتبر بلوغه نصابا. أما الاول فهو المشهور بين الاصحاب، بل ادعى عليه الشيخ فخر الدين (1) الاجماع. وليس كذلك، فإن ظاهر الصدوق (2) أنه ليس حرزا. وأما الثاني فلدلالة الاخبار بإطلاقها عليه، كصحيحة حفص بن البختري عن الصادق عليه السلام أنه قال: (حد النباش حد السارق) (3). وهو أعم من أخذ النصاب وعدمه. وإلى هذا القول ذهب الشيخ (4) - رحمه الله -، والقاضي (5)، وابن إدريس (6)في آخر كلامه، وإن كان قد اضطرب في خلاله، والعلامة في الارشاد (7). وثانيها: اشتراط بلوغ قيمته النصاب، كغيره من السرقات. وهو الذي اختاره المصنف - رحمه الله -، وقبله المفيد (8) وسلا ر (9) وأبو الصلاح (10)

(هامش)

(1) إيضاح الفوائد 4: 533. (2) المقنع: 447. (3) الكافي 7: 228 ح 1، التهذيب 10: 115 ح 457، الاستبصار 4: 245 ح 926، الوسائل 18: 510 ب (19) من أبواب حد السرقة ح 1. (4) النهاية: 722. (5) المهذب 2: 542. (6) السرائر 3: 514 - 515. (7) إرشاد الاذهان 2: 183. (8) المقنعة: 804. (9) المراسم: 258. (10) الكافي في الفقه: 412. (*)

ص 510

وجماعة (1)، ومنهم العلامة في المختلف (2) والتحرير (3)، والشهيد في الشرح (4)، لعموم الاخبار (5) الدالة على اشتراط النصاب، مع عدم المخصص. وأجابوا عن الخبر الاول بأن ظاهره دال على القطع بمجرد النبش في المرة الاولى، وهم لا يقولون به، بل يعتبرون الاخذ، وإذا جازت مخالفة ظاهره باشتراط الاخذ، فلم لا يجوز مخالفته باشتراط النصاب، توفيقا بين الادلة؟! وأيضا فإنه جعله حد السارق، فيشترط فيه ما يشترط في السارق.ويؤيده قول علي عليه السلام: (يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الاحياء) (6). ورواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: (أن عليا عليه السلام قطع نباش القبر، فقيل له: أتقطع في الموتى؟ فقال: إنا لنقطع لامواتنا كما نقطع لاحيائنا) (7). وظاهر التشبيه يقتضي المساواة في الشرائط. وثالثها: أنه يشترط بلوغ النصاب في المرة الاولى خاصة. أما الاول فلعموم الادلة (8). وأما الثاني فلانه مع اعتياده مفسد فيقطع لافساده، وإن لم يكن مستحقا بسرقته. وهذا القول اختاره ابن إدريس (9) في أول كلامه، ثم رجع (10) عنه

(هامش)

(1) غنية النزوع: 434، الوسيلة: 423، إصباح الشيعة: 524. (2) المختلف: 775. (3) تحرير الاحكام 2: 230. (4) غاية المراد: 349. (5) راجع الوسائل 18: 482 ب (2) من أبواب حد السرقة. (6) الكافي 7: 229 ح 4، التهذيب 10: 115 ح 458، الاستبصار 4: 245 ح 927، الوسائل 18: 511 ب (19) من أبواب حد السرقة ح 4. (7) التهذيب 10: 116 ح 464، الاستبصار 4: 246 ح 933، الوسائل 18: 513 الباب المتقدم ح 12. (8) راجع الوسائل 18: 482 ب (2) من أبواب حد السرقة. (9) السرائر 3: 512 و514 - 515. (10) السرائر 3: 512 و514 - 515. (*)

ص 511

إلى الاول. ورابعها: أنه يقطع مع إخراجه الكفن مطلقا، أو اعتياده النبش وإن لم يأخذ الكفن. وهذا قول الشيخ في الاستبصار (1)، جامعا به بين الاخبار التي دل بعضها على الاول، وبعضها على الثاني.قال المصنف - رحمه الله - في النكت (2): وهو جيد، إلا أن الاحوط اعتبار النصاب في كل مرة، لما روي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: (لا يقطع السارق حتى تبلغ سرقته ربع دينار) (3). وخامسها: عدم قطعه مطلقا إلا مع النبش مرارا. أما الاول فلان القبر ليس حرزا من حيث هو قبر. وأما الثاني فلافساده. وهو قول الصدوق (4). ومقتضى كلامه عدم الفرق بين بلوغه النصاب وعدمه. وفي كثير من الاخبار دلالة عليه، كرواية علي بن سعيد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النباش، قال: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع، ويعزر) (5). ورواية الفضيل عنه عليه السلام قال: (النباش إذا كان معروفا بذلك

(هامش)

(1) الاستبصار 4: 247 ذيل ح 936. (2) النهاية ونكتها 3: 336 - 337. (3) الكافي 7: 221 ح 3، التهذيب 10: 99 ح 385، الاستبصار 4: 238 ح 897، الوسائل 18: 484 ب (2) من أبواب حد السرقة ح 5. (4) المقنع: 447. (5) التهذيب 10: 117 ح 465، الاستبصار 4: 246 ح 934، الوسائل 18: 513 ب (19) من أبواب حد السرقة ح 13. (*)

ص 512

قطع) (1). ورواية ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام: (في النباش إذا أخذ أول مرة عزر، فإن عاد قطع) (2). ويمكن حمل هذه الاخبار - مع قطع النظر عن سندها - على ما لو نبش ولم يأخذ، جمعا بين الادلة. والوجه اعتبار بلوغ النصاب والاعتياد، لتناول الاول عموم أدلة (3) السرقة، والثاني الافساد.واعلم: أن موضع النزاع في كون القبر حرزا ما إذا لم يكن في داخل حرز آخر، كدار عليها غلق ونحوها، وإليه أشرنا بالحيثية سابقا. وأنه لا فرق في الكفن على تقدير جعله حرزا له بين الواجب والمندوب، ومنه العمامة، خلافا للعلامة (4)، نظرا منه إلى ورود بعض الاخبار (5) بأنها ليست من الكفن. وظاهره أن المراد منه أنها ليست من الكفن الواجب لا مطلقا، بقرينة أنه ذكر الخرقة الخامسة معها في الخبر (6)، مع الاجماع على أنها منه.

(هامش)

(1) التهذيب 10: 117 ح 466، الاستبصار 4: 246 ح 935، الوسائل 18: 513 الباب المتقدم ح 15. (2) التهذيب 10: 117 ح 468، الاستبصار 4: 246 ح 936، الوسائل 18: 514 الباب المتقدم ح 16. (3) راجع الوسائل 18: 482 ب (2) من أبواب حد السرقة. (4) تحرير الاحكام 2: 230. (5) الكافي 3: 144 ح 5 - 7، التهذيب 1: 292 ح 854 و856 و857، الوسائل 2: 726 ب (2) من أبواب التكفين ح 1، 10، 12. (6) الكافي 3: 144 ح 6، التهذيب 1: 293 ح 856، الوسائل 2: 727 الباب المتقدم ح 12. (*)

ص 513

الثالث: ما به يثبت

ويثبت: بشهادة عدلين، أو الاقرار مرتين، ولا تكفي المرة. ويشترط في المقر: البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والاختيار.

وأن حرزيته مختصة بالكفن، فلو كان فيه غيره من الاموال، ولو بقصد مصاحبة الميت، لم يقطع سارقه مطلقا من هذه الحيثية. قوله: (ويثبت بشهادة عدلين... إلخ). هذا هو المشهور بين الاصحاب. ومستندهم عليه رواية جميل بن دراج،عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام قال: (لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة، ولم يقطع إذا لم يكن شهود) (1). ولانه حد فلا يستوفى بالاقرار مرة، كغيره من الحدود. ولبناء الحدود على التخفيف. ولا يخفى ضعف الاخيرين، فإن توقف إثبات الحدود مطلقا على المرتين يحتاج إلى دليل، وإلا فعموم (2) الادلة يقتضي الاكتفاء بالاقرار مرة مطلقا إلا ما أخرجه الدليل. وبناء الحدود على التخفيف لا يدل بمجرده على اشتراط تعدد الاقرار. والرواية ضعيفة السند بعلي بن حديد، وبالارسال، ومن ثم ذهب الصدوق (3) إلى الاكتفاء بالاقرار مرة، لصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه

(هامش)

(1) الكافي 7: 219 ح 2، التهذيب 10: 129 ح 515، الاستبصار 4: 250 ح 948، الوسائل 18: 487 ب (3) من أبواب حد السرقة ح 1. (2) أي: عموم (إقرار العقلا على أنفسهم جائز) الوسائل 16: 111 ب (3) من أبواب كتاب الاقرار ح 2، وانظر التهذيب 10: 7 ح 20، الاستبصار 4: 203 ح 761، الوسائل 18: 343 ب (32) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (3) حكاه عن مقنعه العلامة في المختلف: 771، وفي المقنع (448): أن الحر إذا أقر على نفسه لم يقطع. (*)

ص 514

فلو أقر العبد لم يقطع، لما يتضمن من إتلاف مال الغير.

السلام قال: (إذا أقر الحر على نفسه بالسرقة مرة واحدة عند الامام قطع) (1).وفي صحيحة أخرى للفضيل قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أقر على نفسه عند الامام بحق حد من حدود الله تعالى مرة واحدة، حرا كان أو عبدا، حرة أو أمة، فعلى الامام أن يقيم عليه الحد الذي أقر به على نفسه، كائنا من كان، إلا الزاني المحصن) (2) الحديث. وإطلاق (3) كثير من الروايات بقطعه مع إقراره بالسرقة، من غير تفصيل، وهو يتحقق بالمرة. وأجيب بحمل الرواية على التقية، لموافقتها لمذهب (4) العامة. وفيه نظر، لضعف المعارض الحامل على حملها على خلاف الظاهر. قوله: (فلو أقر العبد... إلخ). أشار بالتعليل إلى وجه عدم قبول إقراره، من حيث إنه إقرار في حق الغير وهو المولى، لا من حيث الغرامة للمال على تقدير إتلافه، لانه متعلق بذمته، بل من حيث إنه يتضمن القطع وهو مال للغير، فيكون إقراره به إقرارا بوجه يتضمن إتلاف مال الغير، فلا يسمع. ولو قامت البينة عليه بها قطع، لعدم المانع.

(هامش)

(1) التهذيب 10: 126 ح 504، الاستبصار 4: 250 ح 949، الوسائل 18: 488 ب (3) من أبواب حد السرقة ح 3. (2) التهذيب 10: 7 ح 20، الاستبصار 4: 203 ح 761، الوسائل 18: 343 ب (32) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (3) لم نجد إطلاقا في الروايات، انظر الوسائل 18: 487 ب (3) من أبواب حد السرقة. (4) ولكنها موافقة لمذهب بعضهم لا جميعهم، انظر اللباب في شرح الكتاب 3: 202، الحاوي الكبير 13: 332، بداية المجتهد 2: 454، المبسوط للسرخسي 9: 182، حلية العلماء 8: 77، المغني لابن قدامة 10: 286، روضة الطالبين 7: 355، رحمة الامة: 294. (*)

ص 515

وكذا لو أقر مكرها. ولا يثبت به حد ولا غرم. فلو رد السرقة بعينها، بعد الاقرار بالضرب، قال في النهاية: يقطع. وقال بعض الاصحاب: لا يقطع، لتطرق الاحتمال إلى الاقرار، إذ من الممكن أن يكون المال في يده، من غير جهة السرقة. وهذا حسن.

ويدل على الامرين معا صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال:(إذا أقر العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع، وإذا شهد عليه شاهدان قطع) (1). ولكن روى ضريس الكناسي في الحسن عن أبي جعفر عليه السلام قال: (العبد إذا أقر على نفسه عند الامام مرة أنه سرق قطعه، وإذا أقرت الامة على نفسها عند الامام بالسرقة قطعها) (2). والشيخ (3) - رحمه الله - حملها على أنه إذا انضاف إلى الاقرار الشهادة عليه بالسرقة. ويمكن حملها على ما إذا صادقه المولى عليها، فإنه يقطع حينئذ، لانتفاء المانع من نفوذ إقراره حينئذ، كما في كل إقرار على الغير إذا صادقه [على] (4) ذلك الغير. قوله: (وكذا لو أقر مكرها... إلخ). ما ذهب إليه الشيخ في النهاية (5) وافقه عليه جماعة، منهم الشيخ نجيب

(هامش)

(1) الفقيه 4: 50 ح 174، التهذيب 10: 112 ح 440، الوسائل 18: 532 ب (35) من أبواب حد السرقة. (2) الكافي 7: 220 ح 7، الفقيه 4: 49 ح 173، التهذيب 10: 112 ح 441، الاستبصار 4: 244 ح 921، الوسائل 18: 487 ب (3) من أبواب حد السرقة ح 2. (3) التهذيب 10: 112 ذيل ح 441، الاستبصار 4: 244 ذيل ح 921. (4) من الحجريتين. (5) النهاية: 718. (*)

ص 516

ولو أقر مرتين ورجع، لم يسقط الحد، وتحتمت الاقامة، ولزمه الغرم. ولو أقر مرة، لم يجب الحد، ووجب الغرم.

الرابع: في الحد

وهو قطع الاصابع الاربع من اليد اليمنى، ويترك له الراحة والابهام. ولو سرق ثانية، قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، ويترك

الدين يحيى بن سعيد (1)، والعلامة في المختلف (2). والمستند حسنة سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام: (في مضروب على السرقة فجاء بها بعينها أيقطع؟ قال: نعم، وإذا اعترف ولم يأت بها فلا قطعبها، لانه اعترف على العذاب) (3). ولانه قد تثبت سرقته بوجود المال عنده، فيجب الحد، كوجوبه على متقايئ الخمر، لوجود سببه وهو الشرب. والذاهب من الاصحاب إلى عدم القطع ابن إدريس (4) والعلامة في أكثر كتبه (5)، واستحسنه المصنف - رحمه الله -، لان الاقرار وقع كرها فلا عبرة به. ووجود المال عنده أعم من كونه سارقا، فلا يدل عليه. ولان وجود المال مسبب عن السرقة، ولا يلزم من وجود المسبب وجود السبب، بل العكس. وبهذا يفرق بينه وبين القي، لاستحالة القي بدون الشرب. وهذا أقوى (6). قوله: (ولو أقر مرتين... إلخ).

(هامش)

(1) الجامع للشرائع: 561. (2) المختلف: 771. (3) الكافي 7: 223 ح 9، التهذيب 10: 106 ح 411، الوسائل 18: 497 ب (7) من أبواب حد السرقة ح 1، مع اختلاف يسير. (4) السرائر 3: 490. (5) قواعد الاحكام 2: 270، تحرير الاحكام 2: 230، إرشاد الاذهان 2: 184. (6) في (ث، ط): قوي. (*)

ص 517

له العقب يعتمد عليها. فإن سرق ثالثة، حبس دائما. ولو سرق بعد ذلك، قتل. ولو تكررت السرقة، فالحد الواحد كاف.

أما وجوب الغرم بالاقرار مرة فظاهر، لانه إقرار بمال وشأنه ذلك، لعموم: (إقرار العقلا على أنفسهم جائز) (1). وأما عدم ثبوت القطع بالمرة فمبني على ما تقدم (2) من توقف هذا الحد على الاقرار مرتين. وقد عرفت ما فيه. وأما رجوعه عنه حيث ثبت فلا أثر له، كما في كل إنكار بعد الاقرار، إلا ما أخرجه الدليل من حد الزنا. وقد تقدم (3) في حديث سارق رداء صفوان ما يدل عليه، وأن النبي صلى الله عليه وآله لما عفا عنه صفوان ووهبه الرداء قال له: (هلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي). وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من أخذ سارقا فعفا عنه فذاك له، فإذا رفع إلى الامام قطعه، فإن قال الذي سرق منه: أنا أهبه له، لم يدعه الامام حتى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الامام، وذلك قول الله عز وجل: (والحافظون لحدود الله)، فإذا انتهى إلى الامام فليس لاحد أن يتركه) (4). وأظهر من ذلك كله صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: (إذا أقر الرجل على نفسه أنه سرق ثم جحد فاقطعه وإن رغم

(هامش)

(1) راجع ج 7: 274 هامش (1). (2) في ص: 513. (3) راجع ص: 495 - 496. (4) الكافي 7: 251 ح 1، التهذيب 10: 123 ح 493، الاستبصار 4: 251 ح 951، الوسائل 18: 330 ب (17) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (*)

ص 518

أنفه) (1). وذهب الشيخ في النهاية (2) وكتابي (3) الحديث إلى سقوط القطع عنه مع الرجوع بعد الاقرار، وإن ثبت الغرم. وفي موضع (4) آخر منها: يتخير الامام بين العفو عنه وإقامة الحد عليه، حسب ما يراه أردع في الحال. ووافقه عليه أبو الصلاح (5) والعلامة في المختلف (6)، محتجا بأن التوبة تسقط تحتم أعظم الذنبين، فتسقط تحتم أضعفهما. وبما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام قال: (حد ثني بعض أهلي أن شابا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر عنده بالسرقة، فقال له عليه السلام: إني أراك شابا لا بأس بهيئتك، فهل تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم، سورة البقرة، فقال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال: وإنما منعه أن يقطعه لانه لم تقم عليه بينة) (7). ورواية أبي عبد الله البرقي، عن بعض أصحابه، عن بعض الصادقين عليهم السلام قال: (جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر عنده بالسرقة، فقال: أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم، سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الاشعث: أتعطل حدا من حدود الله تعالى؟ قال: وما يدريك ما هذا؟! إذا

(هامش)

(1) الكافي 7: 220 ح 4، التهذيب 10: 126 ح 503، الوسائل 18: 318 ب (12) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. وفيما عدا التهذيب: عن الحلبي فقط. (2) النهاية: 718. (3) التهذيب 10: 126 ذيل ح 504، الاستبصار 4: 250 ذيل ح 949. (4) النهاية: 718. (5) الكافي في الفقه: 412. (6) المختلف: 771 - 772. (7) التهذيب 10: 127 ح 506، الاستبصار 4: 252: 954، الوسائل 18: 488 ب (3) من أبواب حد السرقة ح 5. (*)

ص 519

ولا تقطع اليسار مع وجود اليمين، بل تقطع اليمين ولو كانت شلا. وكذا لو كانت اليسار شلا، أو كانتا شلا ين، قطعت اليمين على التقديرين.

قامت البينة فليس للامام أن يعفو، وإذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الامام، إن شاء عفا، وإن شاء قطع) (1). ولا يخفى ضعف سند الحديثين، ومن ثم لم يذكر المصنف في المسألة خلافا. وما اختاره هو الاصح. قوله: (ولا تقطع اليسار مع وجود اليمين... إلخ). ما ذكره المصنف - رحمه الله - من قطع اليمين ولو كانت شلا مذهب الشيخ في النهاية (2) وجماعة (3)، أخذا بعموم (4) الادلة، وخصوص صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: (في رجل أشل اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، قال: تقطع يده اليمنى على كل حال) (5). وقال في المبسوط: (إن قال أهل العلم بالطب: إن الشلا متى قطعت بقيت أفواه العروق مفتحة، كانت كالمعدومة، وإن قالوا: تندمل، قطعت الشلا) (6).

(هامش)

(1) التهذيب 10: 129 ح 516، الاستبصار 4: 252 ح 955، الوسائل 18: 331 ب (18) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (2) النهاية: 717. (3) غنية النزوع: 432، السرائر 3: 489، إصباح الشيعة: 523، قواعد الاحكام 2: 271. (4) المائدة: 38. (5) الكافي 7: 225 ح 16، التهذيب 10: 108 ح 419، الاستبصار 4: 242 ح 915، الوسائل 18: 501 ب (11) من أبواب حد السرقة ح 1. (6) المبسوط 8: 38. (*)

ص 520

ووافقه على ذلك القاضي (1) والعلامة في المختلف (2)، مراعاة للاحتياط في الحدود حيث لا يراد منها القتل، والتقدير حصول الحذر من القتل هنا. وهذا حسن. وأما إذا كانت اليسار شلا واليمين صحيحة فقطع اليمين هو مقتضى الادلة، لوجود المقتضي لقطعها، وانتفاء المانع، إذ ليس إلا شلل اليسرى، ولم يثبت كونه مانعا شرعا. وقال ابن الجنيد: (إن كانت يساره شلا لم تقطع يمينه ولا رجله، وكذلك لو كانت يده اليسرى مقطوعة في قصاص فسرق لم تقطع يمينه، وحبس في هذه الاحوال، وأنفق عليه من بيت مال المسلمين إن كان لا مال له، لان الشلا كالمعدومة) (3) فيبقى بلا يدين، وقد عهد من حكمة الشارع إبقاء يده الواحدة، ومن ثم انتقل في السرقة الثانية إلى قطع رجله ولم تقطع يده الاخرى. ولرواية المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن الصادق عليه السلام قال: (إذا سرقالرجل ويده اليسرى شلا لم تقطع يمينه ولا رجله) (4). ومنه يظهر عدم القطع لو كانتا شلا ين بطريق أولى. فقول المصنف: (قطعت يمينه على التقديرين) تنبيه على خلافه.

(هامش)

(1) المهذب 2: 544. (2) المختلف: 775. (3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 775. (4) التهذيب 10: 108 ح 420، الاستبصار 4: 242 ح 916، الوسائل 18: 502 ب (11) من أبواب حد السرقة ح 2. (*)

ص 521

ولو لم يكن له يسار، قال في المبسوط: قطعت يمينه. وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام: لا تقطع. والاول أشبه.

قوله: (ولو لم يكن له يسار... إلخ). الكلام في قطع اليمين إذا كانت اليسار معدومة كما تقدم فيما لو كانت شلا، فإن عموم (1) الادلة الدالة على قطع يمين السارق يتناول ما إذا كان له يسار وما إذا لم يكن. وإليه ذهب الشيخ في المبسوط (2) والاكثر (3). وقال ابن الجنيد (4): لا تقطع اليمين إلا مع سلامة اليسار من القطع والشلل، لما تقدم من العلة، وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له: لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق مايصنع به؟ قال: فقال: لا يقطع) (5). وهي مع صحتها نص في المطلوب. وحملها في المختلف (6) على إظهاره التوبة، جمعا بين الادلة. ولا يخفى ما فيه من البعد. ولو قيل بمضمونها، وخص الحكم بقطعها في القصاص كما دلت عليه، ليخرج ما لو قطعت في السرقة، فإنه لا يمنع حينئذ من قطع اليمين، كان وجها.

(هامش)

(1) انظر الوسائل 18: 492 ب (5) من أبواب حد السرقة. (2) المبسوط 8: 39. (3) قواعد الاحكام 2: 271، المقتصر: 414. (4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 775 و777. (5) التهذيب 10: 108 ح 421، الاستبصار 4: 242 ح 917، الوسائل 18: 502 ب (11) من أبواب حد السرقة ح 3. (6) المختلف: 777. (*)

ص 522

أما لو كان له يمين حين القطع فذهبت، لم تقطع اليسار، لتعلق القطع بالذاهبة. ولو سرق ولا يمين له، قال في النهاية: قطعت يساره. وفي المبسوط: ينتقل إلى رجله. ولو لم يكن [له] يسار، قطعت رجله اليسرى. ولو سرق ولا يد له ولا رجل حبس. وفي الكل إشكال، من حيث إنه تخط عن موضع القطع، فيقف على إذن الشرع، وهو مفقود.

قوله: (أما لو كان له يمين حين القطع... إلخ). هذه الصورة مستثناة مما دل عليه الحكم السابق بمفهومه، فإنه دل على أن فقد اليد الواحدة هل يمنع من قطع الاخرى في الجملة؟ فيه قولان مبناهما على اعتناء (1) الشارع بإبقاء اليد الواحدة للانسان أم لا، فاستثني من محل الخلاف ما إذا كانت اليد اليمنى موجودة حين السرقة ثم ذهبت قبل إقامة الحد عليه، فإن اليسار لا تقطع قولا واحدا، لان الحكم كان متعلقا باليمين وقد فاتت. وقد كان ينبغي تأخير هذه المسألة عن المسألة الاتية الدالة على أن فوات اليمين هل يوجب الانتقال إلى اليسار أم لا؟ أو (2) يحذف قوله: (أما...). وأما ذكرها هنا كذلك فلا يخفى ما فيه من التكلف.قوله: (ولو سرق ولا يمين... إلخ). الاصل في قطع السارق أن تقطع يده اليمنى في السرقة الاولى، ثم رجله اليسرى في الثانية، ثم يخلد الحبس في الثالثة. ولم يرد قطع غير ذلك، فلذلك وقع الاشكال في هذه المواضع.

(هامش)

(1) في (أ، ث، ط): اعتبار. (2) في (أ، خ): ويحذف. (*)

ص 523

فمنها: ما إذا لم يكن له يمين حال السرقة الاولى، فقال الشيخ في النهاية (1): يقطع يساره، لعموم: (فاقطعوا أيديهما) (2) الصادق باليسار، غايته تقديم اليمين عليها بالسنة، فإذا لم توجد قطعت اليسار، لوجوب امتثال ما دلت عليه الاية بحسب الامكان. وقال في المبسوط (3): ينتقل إلى رجله اليسرى، لانها محل القطع حدا للسرقة في الجملة، بل بعد قطع اليمين، وقد حصل. والمصنف - رحمه الله - استشكل في القولين معا، لانه خروج عن موضع الاذن الشرعي في القطع، ومحل الخلاف ما إذا قطعت يمينه بغير السرقة، وكان قطعها قبل السرقة، كما أشرنا إليه. فلو كان قطعها بها فلا إشكال في الانتقال إلى الرجل، كما أن قطعها لو وقع بعد السرقة فلا إشكال في عدم الانتقال إلى غيرها، بل يسقط القطع، لفوات محله، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة التي كان محلها هنا. ومنها: ما لو سرق ولا يد له يمينا ولا يسارا. قال الشيخ (4): قطعت رجله اليسرى. وهو أولى بالحكم في السابق على قول المبسوط، لان الرجل اليسرى محل القطع حيث ينتقل الحكم عن اليد. وفيه الاشكال السابق. ومنها: ما لو سرق ولا يدله ولا رجل، إما مطلقا، أو المنفي اليد اليمنى والرجل اليسرى اللتين هما محل القطع شرعا. قال الشيخ (5) - رحمه الله - حبس

(هامش)

(1) النهاية: 717.(2) المائدة: 38. (3) المبسوط 8: 39. (4) النهاية: 717. (5) النهاية: 717. (*)

ص 524

ويسقط الحد بالتوبة قبل ثبوته، ويتحتم لو تاب بعد البينة. ولو تاب بعد الاقرار، قيل: يتحتم القطع. وقيل: يتخير الامام في الاقامة والعفو، على رواية فيها ضعف. ولو قطع الحداد يساره مع العلم، فعليه القصاص، ولا يسقط قطع اليمين بالسرقة. ولو ظنها اليمين، فعلى الحداد الدية. وهل يسقط قطع اليمين؟ قال في المبسوط: لا، لتعلق القطع بها قبل ذهابها. وفي رواية محمد بن قيس، عن أبي جعفر [عليه السلام]: أن

كما يحبس في المرة الثالثة بعد قطع يده ورجله، لان هذا بمعناه. وفيه الاشكال، لان النص إنما ورد بكون الحبس عقوبة في المرة الثالثة بعد القطعين، ولم يتحقق هنا، فإثباته عقوبة عن المرة الاولى تخط عن موضع الاذن من الشارع، وقياس مع وجود الفارق. قوله: (ويسقط الحد بالتوبة... إلخ). أما سقوط الحد بالتوبة قبل ثبوت سببه فموضع وفاق، كنظائره من الحدود. وأما تحتمه بعد إقامة البينة فموافق للاصل والنص (1). وأما التخيير فيه بعد الاقرار فقد تقدم (2) البحث فيه، وأن بالسقوط أو بتخير الامام رواية مرسلة وأخرى ضعيفة السند، وأن الاصح تحتم الحد كالبينة. قوله: (ولو قطع الحداد يساره... إلخ).

(هامش)

(1) راجع الوسائل 18: 331 ب (18) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (2) راجع ص: 516 - 518. (*)

ص 525

عليا عليه السلام قال: لا تقطع يمينه وقد قطعت شماله.

لا خلاف في بقاء حق القطع على السارق مع تعمد الحداد قطع يساره، ولاصالة بقاء الحق. والجناية على يسراه لا تقوم مقامها، لانها خلاف الحق. وأما إذا أخطاء فظنها اليمنى فعليه الدية للخطاء. وفي سقوط قطع اليمين قولان: أحدهما - وهو الموافق للاصل -: عدمه، لتعلق حق القطع باليمين، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل. وجناية الحداد على اليسار كجنايته عليها عمدا. وهذا هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط (1). وقيل: يسقط قطع اليمين، لمساواة ما فعل للحق فيسقط، لاستيفاء (2) مساوي الحق. ولئلا يبقى بغير يدين، وقد تقدم عناية الشارع ببقاء الواحدة. ولرواية محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أمر به أن تقطع يمينه، فقدمت شماله فقطعوها وحسبوها يمينه، فقالوا: إنما قطعنا شماله، أتقطع يمينه؟ فقال: لا تقطع وقد قطعت شماله) (3). وهذا هو الذي اختاره في المختلف (4). ويضعف بمنع مساواة ما فعل للحق. وضعف سند الرواية. مع أن الحكم بثبوت الدية على الحداد لا يجامع سقوط القطع معللا بما ذكر. نعم، لو قيل بأنه حينئذ يصير كفاقد اليد اليسرى، وقد تقدم (5) أنه يمنع من

(هامش)

(1) المبسوط 8: 39. (2) في (أ، ت، ث، خ): الاستيفاء تساوي.... (3) الكافي 7: 223 ح 7، التهذيب 10: 104 ح 406، الوسائل 18: 496 ب (6) من أبواب حد السرقة ح 1. (4) المختلف: 778.(5) في ص: 521. (*)

ص 526

وإذا قطع السارق، يستحب حسمه بالزيت المغلي نظرا له، وليس بلازم. وسراية الحد ليست مضمونة، وإن أقيم في حر أو برد، لانه استيفاء سائغ.

 الخامس: في اللواحق

وهي مسائل: الاولى: يجب على السارق إعادة العين المسروقة. وإن تلفت أغرم مثلها، أو قيمتها إن لم يكن [لها] مثل. وإن نقصت، فعليه أرش النقصان. ولو مات صاحبها، دفعت إلى ورثته. فإن لم يكن [له] وارث، فإلى الامام.

قطع اليمنى، لا من حيث مساواة المقطوعة للمستحق قطعها، كان حسنا، والرواية لا تنافي ذلك. واقتصار المصنف - رحمه الله - على نقل القول والرواية يقتضي تردده في الحكم. وله وجه. قوله: (يستحب حسمه... إلخ). مستند الاستحباب ما روي من فعل النبي (1) صلى الله عليه وآله والولاة بعد ذلك. وحكمته انسداد أفواه العروق فينقطع الدم. ونبه بقوله: (نظرا له) إلى أن ذلك حق للمقطوع ونظر له، لاحق لله تعالى وتتمة الحد، لان الغرض منه المعالجة ودفع الهلاك عنه بنزف الدم. وذهب بعض (2) العامة إلى أنه حق لله تعالى ومن تتمة الحد، لان فيه مزيد

(هامش)

(1) الوسائل 18: 528 ب (30) من أبواب حد السرقة، وانظر سنن الدارقطني 3: 102 ح 71 و72، المستدرك للحاكم 4: 381، سنن البيهقي 8: 271. (2) الحاوي الكبير 13: 324، روضة الطالبين 7: 360. (*)

ص 527

الثانية: إذا سرق اثنان نصابا، ففي وجوب القطع قولان. قال في النهاية: يجب القطع. وقال في الخلاف: إذا نقب ثلاثة، فبلغ نصيب كل واحد نصابا، قطعوا، وإن كان دون ذلك فلا قطع. والتوقف أحوط.

إيلام، وما زال الولاة يفعلون ذلك على كراهة من المقطوعين. وتظهر الفائدة في مؤونة الدهن والحسم. فعلى المختار هي على المقطوع. ويتوقف (1) فعله على إذنه. ولو تركه الحاكم فلا شي عليه. ولكن يستحب للسارق أن يحسمه من غير وجوب، لان في الحسم ألما شديدا، وقد يهلك الضعيف، والمداواة بمثل ذلك لا تجب. وعلى الثاني فمؤونة الحسم كمؤونة الحداد على بيت المال. والسنة أن تعلق اليد المقطوعة في رقبته، لما روي: (أن النبي صلى الله عليه وآله أتي بسارق، فأمر به فقطعت يده ثم علقت في رقبته) (2). وفيه تنكيل وزجر له ولغيره. وتقدير المدة راجع إلى رأي الامام (3). قوله: (إذا سرق اثنان نصابا... إلخ). موضع الخلاف ما إذا هتكا معا الحرز وأخرجا النصاب معا، بأن وضعا أيديهما عليه وأخرجاه. أما لو أخرج كل واحد منهما نصف نصاب على حدته، فلا خلاف في عدم القطع. ووجه ثبوت القطع على كل منهما مع اجتماعهما على إخراجه: صدق إخراجهما للنصاب الذي هو شرط قطع المخرج، وهو مستند إليهما. فترك قطعهما

(هامش)

(1) في (أ) والحجريتين: نعم، يتوقف.(2) مسند أحمد 6: 19، سنن أبي داود 4: 143 ح 4411، سنن الترمذي 4: 41 ح 1447، سنن البيهقي 8: 275. (3) في (د): الحاكم. (*)

ص 528

الثالثة: لو سرق ولم يقدر عليه، ثم سرق ثانية، قطع بالاخيرة، وأغرم المالين. ولو قامت الحجة بالسرقة، ثم أمسكت حتى قطع، ثم شهدت عليه بأخرى، قال في النهاية (1): قطعت [يده بالاولى و] رجله بالثانية، استنادا إلى الرواية. وتوقف بعض الاصحاب فيه. وهو أولى.

يستلزم سقوط الحد مع وجود شرطه، وقطع أحدهما دون الاخر ترجيح من غير مرجح، فلم يبق إلا قطعهما. وإلى هذا ذهب الشيخ (2) في أحد قوليه، والمفيد (3) والمرتضى (4)، وأتباع (5) الشيخ أجمعون. وذهب الشيخ في المبسوط (6) والخلاف (7) وابن الجنيد (8) وابن إدريس (9) والعلامة في المختلف (10) إلى أنه لا قطع على أحدهما، للاصل، ولان موجب القطع هو إخراج النصاب، ولم يحصل من كل منهما، ولا يصح استناد المعلول الشخصي إلى علل متعددة، والبعض الصادر عن كل منهما ليس موجبا للقطع. وهذا هو الاقوى. قوله: (لو سرق ولم يقدر عليه... إلخ).

(هامش)

(1) النهاية: 719. (2) النهاية: 718 - 719. (3) المقنعة: 804. (4) الانتصار: 264. (5) المهذب 2: 540، الوسيلة: 419، غنية النزوع: 433، إصباح الشيعة: 524. (6) المبسوط 8: 28. (7) الخلاف 5: 420 مسألة (8). (8) حكاه عنه العلامة في المختلف: 772. (9) السرائر 3: 492.(10) المختلف: 772. (*)

ص 529

إذا تكررت السرقة ولم يرافع بينهما (1) فعليه قطع واحد، لانه حد فتتداخل أسبابه لو اجتمعت، كغيره من الحدود. وهل القطع بالاولى أو بالاخيرة؟ قولان، جزم المصنف - رحمه الله - بالثاني، والعلامة (2) بالاول. وتظهر فائدة القولين لوعفا من حكم بالقطع لاجله. والحق أنه يقطع على كل حال، حتى لو عفا أحدهما قطع بالاخرى، لان كل واحدة سبب تام في استحقاق القطع مع المرافعة. وتداخل الاسباب على تقدير الاستيفاء لا يقتضي تداخلها مطلقا، لانه على خلاف الاصل. هذا إذا أقر بها (3) دفعة، أو قامت البينة بها كذلك. أما لو شهدت البينة عليه بواحدة ثم أمسكت، ثم شهدت أو غيرها عليه بأخرى قبل القطع، ففي التداخل قولان، أقربهما عدم تعدد القطع كالسابق، لما ذكر من العلة. ولو أمسكت الثانية حتى قطع بالاولى ثم شهدت، ففي ثبوت قطع رجله بالثانية قولان أيضا، وأولى بالثبوت لو قيل به ثم. ويؤيده رواية بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام: (في رجل سرق فلم يقدر عليه، ثم سرق مرة أخرى فأخذ، فجأت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الاولى والسرقة الاخيرة، فقال: تقطع يده بالسرقة الاولى، ولا تقطع رجله بالسرقة الاخيرة، فقيل: كيف ذاك؟ فقال: لان الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الاولى والاخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الاولى، ولو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثم أمسكوا حتى تقطع يده، ثم شهدوا عليه بالسرقة

(هامش)

(1) في (ت، ث): بينها. (2) قواعد الاحكام 2: 271، تحرير الاحكام 2: 232. (3) في (خ): بهما. (*)

ص 530

الرابعة: قطع السارق موقوف على مطالبة المسروق [منه]، فلو لم يرافعه لم يرفعه الامام، وإن قامت البينة. ولو وهبه المسروق [منه]، سقط الحد. وكذا لو عفا عن القطع. فأما بعد المرافعة، فإنه لا يسقط بهبة ولا عفو.

الاخيرة، قطعت رجله اليسرى) (1). والرواية نص، إلا أن في طريقها ضعفا. وتوقف ابن إدريس (2) في ذلك، وكذلك المصنف. وله وجه، مراعاة للاحتياط في حقوق الله تعالى، ودرا للحدبالشبهة العارضة من الاختلاف. قوله: (قطع السارق... إلخ). الشهادة على السرقة إن ترتبت على دعوى المسروق منه أو وكيله فذاك. وإن شهد الشهود على دعوى الحسبة فعند الاصحاب أنه لا يقطع، تغليبا لحق الادمي، وإن كان لله تعالى فيه حق. فلو كان المسروق منه غائبا أخر إلى أن يحضر ويرافع. وهذا بخلاف ما إذا شهد الاربعة على الزنا بجارية الغائب، فإنه يقام الحد على المشهود عليه، ولا ينتظر حضور الغائب. والفرق بينهما - مع اشتراكهما في تعلق حق الادمي فيهما -: أن حد الزنا لا يسقط بإباحة الوط ولا بعفوه، بخلاف القطع، فإنه يسقط بإباحة الاخذ قبل المرافعة، وربما أباح الغائب الاخذ إذا حضر. ولان السقوط إلى (3) القطع أسرع

(هامش)

(1) الكافي 7: 224 ح 12، التهذيب 10: 107 ح 418، الوسائل 18: 499 ب (9) من أبواب حد السرقة ح 1. (2) السرائر 3: 494. (3) في (خ): في. (*)

ص 531

فرع لو سرق مالا، فملكه قبل المرافعة، سقط الحد. ولو ملكه بعد المرافعة، لم يسقط. الخامسة: لو أخرج المال وأعاده إلى الحرز، لم يسقط الحد، لحصول السبب التام. وفيه تردد، من حيث إن القطع موقوف على المرافعة، فإذا دفعه إلى صاحبه، لم تبق له مطالبة.

منه إلى حد الزنا، ألا ترى أنه إذا سرق مال ابنه لا يقطع، ولو زنى بجاريته يحد. ولان القطع متعلق حق الادمي، من حيث إنه سبب لعصمة ماله، فاشترط لذلك طلبه وحضوره، بخلاف الزنا. وخالف في ذلك بعض (1) العامة، فجوز القطع ببينة الحسبة، وآخرون فأوقفوا حد الزنا المذكور على حضور المالك، نظرا في الاول إلى أن القطع حق لله تعالى والغرم حق الادمي، وفي الثاني إلى اشتراك الحق بينهما، مع ترجيح حق الادمي كنظائره. واعلم أنه قد سبق (2) في رواية سارق رداء صفوان ما يدل على أن العفو أو هبة المال قبل المرافعة يسقط الحد، ولا يؤثر بعدها، لقوله صلى الله عليه وآله وقد أمر بقطع يده: (أفلا كان ذلك قبل أن تنتهي به إلي؟!). قوله: (لو أخرج المال... إلخ). القول بثبوت القطع وإن رده إلى الحرز للشيخ في المبسوط (3)

(هامش)

(1) انظر الحاوي الكبير 13: 336 - 337، حلية العلماء 8: 71 - 72، روضة الطالبين 7: 358.(2) راجع ص: 495 - 496. (3) المبسوط 8: 29. (*)

ص 532

ولو هتك الحرز جماعة، فأخرج المال أحدهم، فالقطع عليه خاصة، لانفراده بالموجب. ولو قربه أحدهم، وأخرجه الاخر، فالقطع على المخرج. وكذا لو وضعها الداخل في وسط النقب، وأخرجها الخارج. وقال في المبسوط: لا قطع على أحدهما، لان كل واحد لم يخرجه عن كمال الحرز.

والخلاف (1). ووجهه: ما أشار إليه المصنف من حصول السبب التام للقطع، وهو إخراج النصاب من الحرز على وجه السرقة، فيثبت به القطع، ويستصحب حكم الوجوب. والمصنف - رحمه الله - تردد في ذلك، من حيث إن القطع موقوف على مرافعة المالك، ومع رده إلى محله ليس له المرافعة، لوصول حقه إليه. وهذا يرجع إلى منع كون السرقة على الوجه المذكور سببا تاما في ثبوت القطع، لتوقفه على المرافعة، ولم يحصل. وفيه نظر، لان مجرد رده إلى الحرز لا يكفي في برأة السارق من الضمان من دون أن يصل إلى يد المالك، ومن ثم لو تلف قبل وصوله إليه ضمنه، فله المرافعة حينئذ، ويترتب عليها ثبوت القطع. نعم، لو وصل إلى يد المالك ضعف القول بالقطع جدا. وبهذا يصير النزاع في قوة اللفظي، لانه مع وصوله إلى المالك لا يتجه القطع أصلا، وبدونه لا يتجه عدمه. والتعليلان مبنيان على هذا التفصيل. قوله: (ولو هتك الحرز... إلخ).

(هامش)

(1) الخلاف 5: 422 مسألة (11). (*)

ص 533

قد تقدم (1) أن هتك الحرز شرط في وجوب القطع، وأنه يحصل باشتراكهما فيه كما يحصل بالانفراد. وأما الاخراج ففي تحققه بالاشتراك إذا كان نصابا واحدا خلاف تقدم (2) البحث فيه. فإن نقباه (3)، وكان المخرج إلى وسط النقب (4) نصابا واحدا، فلا قطع على أحدهما، لان النصاب الواحد لم يستند إخراجه إلى واحد. وإن كان نصيب كل [واحد] (5) منهما بقدر النصاب، أو لم يشترط في قطعهما كون نصيب كل [واحد] (6) منهما نصابا، فأخرجه أحدهما إلى وسط النقب، وأخرجه الاخر، ففي ثبوت القطع عليهما أو على أحدهما أوجه: أحدها - وهو الذي نقله المصنف عن المبسوط (7)، وتبعه القاضي (8) -: انتفاؤه عنهما، لان كل واحد منهما لم يخرجه عن كمال الحرز، فإن الاول أخرجه إلى نصفه مثلا، والثاني أكمل إخراجه، فهو كما لو وضعه الاول في ذلك الموضع، فأخذه غيره ممن لم يشارك في النقب. ورد بالفرق، فإن من لم يشارك في النقب لم يحصل فيه شرط القطع الذي من جملته هتك الحرز، بخلاف المشارك.

(هامش)

(1) في ص: 484. (2) في ص: 527. (3) كذا في (م)، وفي سائر النسخ: نفيناه. (4) في (ث، م): البيت. (5) من (خ، د، م).(6) من الحجريتين. (7) المبسوط 8: 26 - 27. (8) المهذب 2: 539. (*)

ص 534

السادسة: لو أخرج قدر النصاب دفعة، وجب القطع. ولو أخرجه مرارا، ففي وجوبه تردد، أصحه وجوب الحد، لانه أخرج نصابا،

وثانيها: وجوب القطع عليهما معا، لانه تم الاخراج بتعاونهما، فهو كما لو أخرجاه دفعة. ولانه يصير ذريعة إلى إسقاط الحد. وفيه نظر، للفرق أيضا بين الامرين، فإنه مع إخراجهما إياه دفعة يتحقق الاخراج للنصاب من كل منهما في مجموع المسافة، بخلاف المتنازع. والذريعة إلى إسقاط الحد لا يقدح في تغير الحكم، كما يحتال لاسقاطه بغيره من الحيل. وثالثها: وجوب القطع على المخرج أخيرا، لانه لم يتحقق الاخراج إلا بفعله، ولهذا لو بقي في النقب لم يجب القطع قطعا. وهو مختار ابن إدريس (1). وفيه نظر، لان الاخراج إنما تحقق بفعله لكونه تمام السبب لا السبب التام، وفرق بين الامرين. وفي المختلف (2) بنى الحكم على أن وقوع المقدور من القادرين هل هو ممكن أو ممتنع؟ فعلى الاول يثبت القطع على الاخير، وعلى الثاني عليهما، لعدم الفرق بين قطع كمال المسافة دفعة أو على التعاقب، لمغايرة الصادر من كل منهما للاخر والمجموع منهما. ولا يخفى ضعف هذا البناء في الامرين معا، فإن المعتبر في الاخراج المتعارف، لا الواقع في اصطلاح بعض المتكلمين، الذي يرجع مدركه إلى مجرد الظن. قوله: (لو أخرج قدر النصاب دفعة... إلخ).

(هامش)

(1) السرائر 3: 497 - 498. (2) المختلف: 773. (*)

ص 535

واشتراط المرة في الاخراج غير معلوم.

اختلف الفقهاء في اشتراط اتحاد إخراج النصاب وعدمه، فذهب أبو الصلاح (1) إلى اشتراطه مطلقا، لانه لما هتك الحرز وأخرج دون النصاب لم يجب عليه القطع، لفقد الشرط، فلما عاد ثانيا لم يخرج من حرز فلا قطع، وإن بلغ الثاني نصابا، فضلا عن كونه مكملا له. وذهب القاضي (2) إ لى عدم اشتراط الاتحاد مطلقا. ورجحه المصنف - رحمه الله -، لصدق إخراج النصاب، وأصالة عدم اشتراط الاتحاد مطلقا، فيتناوله عموم الادلة (3) الدالة على قطع سارق النصاب الشامل بإطلاقه للامرين. وتردد الشيخ (4) في القولين، وكذلك ابن إدريس (5)، لذلك. واختلف كلام العلامة، ففي القواعد (6) فرق بين قصر زمان العود وعدمه، فجعل الاول بمنزلة المتحد دون الثاني. وفي المختلف (7) فصل بأمر آخر، فحكم بالقطع مع التعدد إن لم يشتهر بين الناس هتك الحرز، وعدمه إن علم هتكه، لخروجه عن كونه حرزا. وقواه ولده الفخر (8) رحمه الله.

(هامش)

(1) لم نجده في الكافي في الفقه، ونسبه إليه فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4: 522، ولعله اشتبه بابن حمزة، فقد صرح بذلك في الوسيلة: 417، والعلامة أيضا حكى اشتراط الاتحاد عن ابن حمزة فقط، راجع المختلف: 773. (2) المهذب 2: 541. (3) راجع الوسائل 18: 482 ب (2) من أبواب حد السرقة. (4) الخلاف 5: 423 مسألة (13). (5) السرائر 3: 498.(6) قواعد الاحكام 2: 265. (7) المختلف: 773. (8) إيضاح الفوائد 4: 522. (*)

ص 536

السابعة: لو نقب فأخذ النصاب، وأحدث فيه حدثا تنقص به قيمته عن النصاب، ثم أخرجه، مثل أن خرق الثوب أو ذبح الشاة، فلا قطع. ولو أخرج نصابا، فنقصت قيمته قبل المرافعة ثبت القطع. الثامنة: لو ابتلع داخل الحرز ما قدره نصاب، كاللؤلؤة، فإن كان يتعذر إخراجه، فهو كالتالف، فلا حد. ولو اتفق خروجها بعد خروجه، فهو ضامن. وإن كان خروجها مما لا يتعذر، بالنظر إلى عادته، قطع، لانه يجري مجرى إيداعها في الوعاء.

وفصل في التحرير (1) ثالثا، فأوجب الحد إن لم يتخلل اطلاع المالك، ولم يطل الزمان بحيث لا يسمى سرقة واحدة عرفا. وهذا أقوى، لدلالة العرف على اتحاد السرقة مع فقد الامرين وإن تعدد الاخراج، وتعددها بأحدهما. قوله: (لو نقب فأخذ النصاب... إلخ). أما الاول فلانه لم يصدق عليه إخراج النصاب من الحرز، وإن كان مضمونا عليه. وأما الثاني فلتحقق الاخراج الذي هو سبب القطع، فلا يزيله نقص القيمة بعده، كما لا يزيله إتلافه جملة. قوله: (لو ابتلع داخل الحرز... إلخ). إذا ابتلع داخل الحرز قدر النصاب، فإن استهلكه الابتلاع - كالطعام - لم يقطع، لانه لم يخرج النصاب.

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 232. (*)

ص 537

وإن بقيت قيمته بحالها، أو غير ناقصة عن النصاب، وإن نقصت بالابتلاع، كما لو ابتلع دينارا أو جوهرة لا يفسدها ذلك، فإن اعتيد خروجه صحيحا أو غير ناقص عن النصاب فهو كالمخرج بيده أو في وعاء، لتحقق الاخراج المعتبر. وهذا يتم على تقدير خروجه كذلك. فلو اتفق فساده خلاف العادة قبل القطع لم يقطع. ويظهر من العبارة جواز تعجيل قطعه قبل الخروج حيث يكون الخروج معتادا. والاولى الصبر إلى أن يخرج، دفعا للاحتمال. وذهب بعض (1) العامة إلى عدم وجوب القطع مطلقا، لانه بالابتلاع [صار] (2) في حكم المستهلك، ولهذا جاز للمالك مطالبته بقيمته في الحال، ولانه كالمكره في إخراجه، لانه لا يمكنه إخراجه من جوفه. والامران ممنوعان. تم المجلد الرابع عشر ولله الحمد، ويليه المجلد الخامس عشر بإذنه تعالى

(هامش)

(1) حلية العلماء 8: 58. المغني لابن قدامة 10: 257 - 258، روضة الطالبين 7: 348. (2) من د . (*)

الصفحة السابقة

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب