مسالك الأفهام - ج14

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 461

واشترطنا الاختيار تفصيا من المكره، فإنه لا حد عليه. ولا يتعلق الحكم بالشارب [المتناول]، ما لم يكن بالغا عاقلا. وكما يسقط الحد عن المكره، يسقط عمن جهل التحريم، أو جهل المشروب.

عليه السلام قال: (سألته عن الفقاع، قال: خمر، وفيه حد شارب الخمر) (1). وقد تقدم الكلام فيه وفي حقيقته في باب الاطعمة (2) وما قبلها. قوله: (واشترطنا الاختيار... إلخ). لا فرق في جوازه مع الاكراه بين من وجر في فمه قهرا، ومن ضرب أو خوف بما لا يحتمله عادة حتى شرب. ويفهم من إخراج المكره منه خاصة أن المضطر لا يخرج منه. والاصح خروج ما أوجب حفظ النفس من التلف، كإساغة اللقمة، بل يجب ذلك، لوجوب حفظ النفس، وإن حرم التداوي به لذهاب المرض أو حفظ الصحة. قوله: (وكما يسقط الحد... إلخ). يتصور قبول دعوى جهل التحريم من قريب العهد بالاسلام، وممن نشاء في بلاد بعيدة عن معالمه، بحيث يمكن في حقه ذلك. ولو قال: علمت التحريم ولم أعلم أن فيه حدا، لم يعذر (3)، وأقيم عليهالحد، لانه إذا علم التحريم فحقه أن يمتنع. وكذا يعذر جاهل عينه، بأن ظنه ماء أو شرابا محللا.

(هامش)

(1) التهذيب 10: 98 ح 379، الوسائل 18: 479 ب (13) من أبواب حد المسكر ح 1. (2) راجع ج 12: 72 - 73. (3) في (أ، ث): يعزر. (*)

ص 462

ويثبت بشهادة عدلين مسلمين. ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات، ولا منضمات. وبالاقرار دفعتين. ولا تكفي المرة. ويشترط في المقر: البلوغ، وكمال العقل، والحرية. والاختيار.

الثاني

في كيفية الحد

وهو ثمانون جلدة، رجلا كان الشارب أو امرأة، حرا كان أو عبدا. وفي رواية: يحد العبد أربعين. وهي متروكة. أما الكافر: فإن تظاهر به حد، وإن استتر لم يحد.

ولو علم أنه من جنس المسكر، ولكن ظن أن ذلك القدر لا يسكر، فليس بعذر، لوجوب اجتنابه مطلقا. لكن يمكن هنا الجهل بالحكم، واختصاص التحريم بالقدر الذي يسكر بالفعل، فيدرأ عنه الحد بذلك للشبهة. قوله: (ويثبت بشهادة عدلين... إلخ). أما ثبوته بشهادة العدلين فلا كلام فيه، كما مر في نظائره (1). وأما عدم قبول شهادة النساء به مطلقا فلما تقدم (2) من اختصاص شهادتهن بالمال، أو بما لا يطلع عليه الرجال غالبا. وأما توقفه على الاقرار مرتين فهو المشهور. وقد تقدم (3) البحث في نظيره. قوله: (في كيفية الحد... إلخ).

(هامش)

(1) راجع ص: 449 أو 450. (2) راجع ص: 258. (3) في ص: 456. (*)

ص 463

ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه، ويتقى وجهه وفرجه. ولا يقام عليه الحد حتى يفيق.

تحديد حد الشرب بثمانين متفق عليه بين الاصحاب. ومستندهم الاخبار (1). وسيأتي بعضها. وروى العامة والخاصة (2) أن النبي صلى الله عليه وآله كان يضرب الشارب بالايدي والنعال، ولم يقدروه بعدد، فلما كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين عليه السلام في حده، فأشار عليه بأن يضربه ثمانين. وعلله بأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فجلده عمر ثمانين (3). وعمل به أكثر العامة (4). وذهب بعضهم (5) إلى أربعين مطلقا، لما روي (6)أن الصحابة قدروا ما فعل في زمانه صلى الله عليه وآله بأربعين. إذا تقرر ذلك، فالمشهور بين الاصحاب أن الحر والعبد متساويان في حد الشرب. ذهب إلى ذلك الشيخان (7) وأتباعهما (8) وابن إدريس (9) والمصنف

(هامش)

(1) سنن أبي داود 4: 166 ح 4488 - 4489، مستدرك الحاكم 4: 375، سنن البيهقي 8: 321، تلخيص الحبير 4: 75 ح 1794. (2) الوسائل 18: 466 ب (3) من أبواب حد المسكر ح 1، 3. (3) المصنف لعبد الرزاق 7: 378 ح 13542، تلخيص الحبير 4: 75 ح 1795، الموطاء 2: 842 ح 2، مستدرك الحاكم 4: 375 - 376، سنن البيهقي 8: 320 - 321. (4) اللباب في شرح الكتاب 3: 194، الحاوي الكبير 13: 412، رحمة الامة: 300، الكافي للقرطبي 2: 1079، بدائع الصنائع 5: 113. (5) الحاوي الكبير 13: 412، المغني لابن قدامة 10: 325، كفاية الاخيار 2: 115، روضة الطالبين 7: 379، رحمة الامة: 300. (6) سنن أبي داود 4: 163 ح 4479 - 4480، سنن ابن ماجة 2: 858 ح 2571، صحيح مسلم 3: 1332 ح 38، سنن الدارمي 2: 175، سنن البيهقي 8: 318، تلخيص الحبير 4: 76 ح 1796 - 1797. (7) المقنعة: 800، النهاية: 710. (8) المهذب 2: 534 - 535، غنية النزوع: 429، الوسيلة: 416، إصباح الشيعة: 522. (9) السرائر 3: 475. (*)

ص 464

والعلامة (1) وأكثر المتأخرين (2)، لروايات كثيرة (3) دلت على التسوية بينهما، منها رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: (كان علي عليه السلام يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ ثمانين، فقلت: ما بال اليهودي والنصراني؟ فقال: إذا أظهروا ذلك في مصر من الامصار، لانه ليس لهم أن يتظاهروا بشربها) (4). ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال علي عليه السلام: إنالرجل إذا شرب الخمر سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فاجلدوه جلد المفتري) (5). وهو مطلق شامل للحر والعبد. وذهب الصدوق (6) إلى تنصيفه على العبد، لرواية أبي بكر الحضرمي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عبد مملوك قذف حرا، قال: يجلد ثمانين، هذا من حقوق المسلمين، فأما ما كان من حقوق الله فإنه يضرب نصف الحد، قلت: الذي من حقوق الله ما هو؟ قال: إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحدود التي يضرب فيها نصف الحد) (7). وهذا الخبر معلل، وهو مقدم على غيره عند

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 226، المختلف: 768. (2) الجامع للشرائع: 557، إيضاح الفوائد 4: 513. (3) راجع الوسائل 18: 471 ب (6) من أبواب حد المسكر. (4) الكافي 7: 215 ح 9، التهذيب 10: 91 ح 354، الاستبصار 4: 237 ح 891، الوسائل 18: 471 ب (6) من أبواب حد المسكر ح 2. وفي المصادر: عن أبي بصير قال: كان علي عليه السلام.. (5) الكافي 7: 215 ح 7، التهذيب 10: 90 ح 346، الوسائل 18: 467 ب (3) من أبواب حد المسكر ح 4. (6) الفقيه 4: 40. (7) التهذيب 10: 92 ح 357، الاستبصار 4: 237 ح 894، الوسائل 18: 472 ب (6) من أبواب حد المسكر ح 7. (*)

ص 465

وإذا حد مرتين، قتل في الثالثة. وهو المروي. وقال في الخلاف: يقتل في الرابعة. ولو شرب مرارا، كفى حد واحد.

التعارض، كما حقق في الاصول. ويؤيده رواية حماد بن عثمان قال: (قلت لابي عبد الله عليه السلام: التعزير كم هو؟ قال: دون الحد، قلت: دون ثمانين، فقال: لا ولكنها دون الاربعين، فإنها حد المملوك، قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يرى الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه) (1). وهو شامل بإطلاقه أو عمومه لانواع الحدود. والشيخ (2) - رحمه الله - حمله على حد الزنا جمعا. وحمله أيضا على التقية. والحق أن الطريق من الجانبين غير نقي، وأن رواية الحضرمي أوضح طريقا، وتزيد التعليل. وينبغي أن يكون العمل بها أولى، لوقوع الشبهة في الزائد، فيدرأ بها، لا أن المشهور الاول.قوله: (وإذا حد مرتين... إلخ). قد تقدم (3) الكلام في قتل المحدود في الثالثة أو الرابعة مرارا. ويزيد هنا أن الروايات (4) بقتله في الثالثة كثيرة، فمن ثم اختاره المصنف رحمه الله، ولم يجعل قتله في الرابعة أولى كما صنع في السابق (5). ومن المختص هنا من الروايات صحيحة أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه) (6).

(هامش)

(1) الكافي 7: 241 ح 5، التهذيب 10: 92 ح 356، الاستبصار 4: 237 ح 893، الوسائل 18: 472 ب (6) من أبواب حد المسكر ح 6. (2) التهذيب 10: 92 ذيل ح 357، الاستبصار 4: 237 ذيل ح 894. (3) راجع ص: 371 و410 و415. (4) راجع الوسائل 18: 476 ب (11) من أبواب حد المسكر. (5) راجع ص: 371 و410 و415. (6) الكافي 7: 218 ح 2، التهذيب 10: 95 ح 367، الوسائل 18: 476 ب (11) من أبواب حد المسكر ح 3. (*)

ص 466

وصحيحة جميل بن دراج عنه عليه السلام أنه قال: (إذا شرب ضرب، فإن عاد ضرب، فإن عاد قتل) (1). وصحيحة سليمان بن خالد قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر، ويقتل في الثالثة كما يقتل في الخمر) (2). وغيرها من الاخبار الكثيرة. والقول بقتله في الرابعة للشيخ في المبسوط (3) والخلاف (4)، وقبله الصدوق في المقنع (5). ورجحه الشيخ فخر الدين، محتجا: (بأن الزنا أكبر منه ذنبا، ويقتل في الرابعة كما مضى، فهنا أولى) (6). وفي معارضة هذا للاخبار الكثيرة الصحيحة منع ظاهر. والاصل ممنوع،بل هذا يدل على قوة قتل الزاني وغيره من أصحاب الكبائر في الثالثة، لان عقوبة هذا أخف من غيره. والروايات الكثيرة بقتله في الثالثة مؤيدة للرواية (7) الصحيحة السابقة بقتل أصحاب الكبائر في الثالثة.

(هامش)

(1) الكافي 7: 218 ح 4، التهذيب 10: 95 ح 368، الوسائل 18: 477 الباب المتقدم ح 6. (2) التهذيب 10: 97 ح 374، الاستبصار 4: 235 ح 885، الوسائل 18: 478 الباب المتقدم ح 13. (3) المبسوط 8: 59. (4) الخلاف 5: 473 مسألة (1). (5) حكاه عن مقنعه العلامة في المختلف: 767، وفي المقنع (455) حكم بقتل العبد الشارب الخمر في الثامنة، وهو يعطي قتل الحر في الرابعة. (6) إيضاح الفوائد 4: 515. (7) الكافي 7: 219 ح 6، الفقيه 4: 51 ح 182، التهذيب 10: 95 ح 369، الاستبصار 4: 212 ح 791، الوسائل 18: 476 الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 467

الثالث

في أحكامه

وفيه مسائل: الاولى: لو شهد واحد بشربها، وآخر بقيئها، وجب الحد. ويلزم على ذلك وجوب الحد، لو شهدا بقيئها، نظرا إلى التعليل المروي. وفيه تردد، لاحتمال الاكراه على بعد. ولعل هذا الاحتمال يندفع، بأنه لو كان واقعا، لدفع به عن نفسه. أما لو ادعاه، فلا حد.

قوله: (لو شهد واحد بشربها... إلخ). الاصل في هذه المسألة رواية الحسين بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام: (أن عليا عليه السلام جلد الوليد بن عقبة لما شهد عليه واحد بشربها وآخر بقيئها، وقال عليه السلام: ما قأها إلا وقد شربها) (1). وعليها فتوى الاصحاب ليس فيهم مخالف صريحا. إلا أن طريق الرواية ضعيف، لان فيه موسى بن جعفر البغدادي، وهو مجهول الحال، وجعفر بن يحيى، وهو مجهول العين، وعبد الله بن عبد الرحمن، وهو مشترك بين الثقة والضعيف. فلذلك قال السيد جمال الدين بن طاووس قدس سره في الملاذ (2): (لا أضمن درك طريقه). وهو مشعر بتردده.

(هامش)

(1) الكافي 7: 401 ح 2، الفقيه 3: 26 ح 72، التهذيب 6: 280 ح 772، الوسائل 18: 480 ب (14) من أبواب حد المسكر ح 1. وفي المصادر: أن المجلود قدامة بن مظعون. (2) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 346. (*)

ص 468

الثانية: من شرب الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحد، وإن امتنع قتل. وقيل: يكون حكمه حكم المرتد. وهو قوي. أما سائر المسكرات، فلا يقتل مستحلها، لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها. ويقام الحد مع شربها، مستحلا ومحرما.

والمصنف - رحمه الله - هنا صرح بالتردد، من حيث إن القي وإن استلزم الشرب إلا أن مطلق الشرب لا يكفي في إثبات الحد، بل لابد له من وقوعه على وجه الاختيار، ومطلقه أعم منه ومن الاكراه. ويضعف بأن الاصل عدم الاكراه، ولانه لو وقع لادعاه. فإن اتفق دعواه سمع منه، ودرئ عنه الحد. ويشترط مع ذلك إمكان مجامعة القي للشرب المشهود به، لتكون الشهادة على فعل واحد. فلو شهد أحدهما أنه شربها يوم الجمعة، والاخر أنه قأها قبله بيوم أو بعده كذلك، لم يحد. ويتفرع عليه ما لو شهدا معا بقيئها. فعلى القول بقبول شهادة الواحد به يقبل الاثنان، نظرا إلى التعليل المذكور. وربما قصره بعضهم على موضع النص، نظرا إلى قيام الاحتمال المذكور، وكونها شهادة على فعلين. والاشهر القبول. قوله: (من شرب الخمر مستحلا... إلخ). القول باستتابته للشيخين (1) وأتباعهما (2)، من غير نظر إلى الفطري وغيره، استنادا إلى إمكان عروض شبهة في الشرب فاستحله، والحدود تدرأ بالشبهات.

(هامش)

(1) المقنعة: 799، النهاية: 711 - 712. (2) المهذب 2: 535، فقه القرآن للراوندي 2: 379، الوسيلة: 416. (*)

ص 469

الثالثة: من باع الخمر مستحلا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وإن لم يكن مستحلا عزر. وما سواه لا يقتل وإن لم يتب، بل يؤدب.

والاصح ما اختاره المصنف رحمه الله والمتأخرون (1) - ومنهم ابن إدريس (2) - من كونه مرتدا، فينقسم إلى الفطري والملي كغيره من المرتدين، لان تحريم الخمر مما قد علم ضرورة من دين الإسلام، وكل ما كان كذلك فمستحله كافر، وهو يستلزم المدعى. هذا إذا لم يمكن الشبهة في حقه، لقرب عهده بالاسلام ونحوه، وإلا اتجه قول الشيخين. وعليه تحمل استتابة (3) قدامة بن مظعون وغيره ممن استحلها في صدر الإسلام بالتأويل. هذا حكم الخمر. وأما غيره من المسكرات والاشربة - كالفقاع - فلا يقتل مستحلها مطلقا، وإن وجب حده، لوقوع الخلاف فيها بين المسلمين، وتحليل بعضهم إياها، فيكون ذلك كافيا في انتفاء الكفر باستحلالها. ولا فرق بين كون الشارب لها ممن يعتقد إباحتها - كالحنفي - وغيره، فيحد عليها ولا يكفر، لان الكفر مختص بما وقع عليه الاجماع وثبت حكمه ضرورة من دين الإسلام، وهو منتف في غير الخمر. قوله: (من باع الخمر مستحلا... إلخ). بيع الخمر ليس حكمه كشربه، فإن الشرب هو المعلوم تحريمه من دين الإسلام كما ذكر، وأما مجرد البيع فليس تحريمه معلوما ضرورة، وقد تقع فيه

(هامش)

(1) كشف الرموز 2: 570، إرشاد الاذهان 2: 181، اللمعة الدمشقية: 169، التنقيح الرائع 4: 371، المقتصر: 410 - 411. (2) السرائر 3: 476. (3) انظر الارشاد للمفيد: 108 - 109. (*)

ص 470

الرابعة: إذا تاب قبل قيام البينة، سقط الحد. وإن تاب بعدها، لم يسقط. ولو كان ثبوت الحد بإقراره، كان الامام مخيرا. ومنهم من منع [من] التخيير، وحتم الاستيفاء هنا. وهو أظهر.

الشبهة، من حيث إنه يسوغ تناوله على بعض وجوه الضرورات كماسلف (1). فيعزر فاعله ويستتاب إن فعله مستحلا، فإن تاب قبل منه، وإن أصر على استحلاله قتل حدا. وكأنه موضع وفاق. وما وقفت على نص يقتضيه. وأما بيع غيره من الاشربة فلا إشكال في عدم استحقاقه القتل مطلقا، لقيام الشبهة. نعم، يعزر لفعل المحرم، كغيره من المحرمات. قوله: (إذا تاب قبل قيام البينة... إلخ). التوبة قبل ثبوت موجب العقوبة عند الحاكم مسقطة للحد مطلقا. وأما بعده، فإن كان الثبوت بالبينة لم يسقط إذا كان حدا، خلافا لابي الصلاح (2) حيث جوز للامام العفو. وأما بعد الاقرار، فالمشهور أنه يسقط تحتم الحد، ويتخير الامام بين العفو والاستيفاء، لاسقاط التوبة تحتم أقوى العقوبتين وهو الرجم، فلان يسقط تحتم أضعفهما أولى. ذهب إلى ذلك الشيخ في النهاية (3) وأتباعه (4)، والعلامة في المختلف (5).

(هامش)

(1) راجع ج 12: 127. (2) الكافي في الفقه: 413. (3) النهاية: 714. (4) المهذب 2: 536. (5) المختلف: 768. (*)

ص 471

تتمة تشمل مسائل الاولى: من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها، كالميتة والدم والربا ولحم الخنزير، ممن ولد على الفطرة، يقتل. ولو ارتكب ذلك لا مستحلا، عزر.

وقال الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2) وا بن إدريس (3) والمصنف: لا يسقط، بل يتحتم الحد، لثبوته بالاقرار فيستصحب، ولان التوبة موضع التهمة. وهذا أقوى. وأجيب عن حجة الاولين بوجود الفارق بين الرجم وغيره، من حيث تضمنه تلف النفس المأمور بحفظها شرعا، بخلاف صورة الفرض. والحق الرجوع في الحكم إلى الاصل، وهو إثبات الحد إلى أن يثبت دليل صالح للاسقاط، ولم يحصل. قوله: (من استحل شيئا من المحرمات... إلخ). مستحل المحرم إن كان ثبوته معلوما من الشرع ضرورة فلا شبهة في كفره، لانه حينئذ راد للشرع الذي لا يتحقق الإسلام بدون قبوله ولو بالاعتقاد. وإن كان مجمعا عليه بين المسلمين، ولكن لم يكن ثبوته ضروريا، فمقتضى عبارة المصنف - رحمه الله - وكثير من الاصحاب (4) الحكم بكفره أيضا، لان إجماع جميع فرق المسلمين عليه يوجب ظهور حكمه، فيكون أمره

(هامش)

(1) المبسوط 8: 4. (2) لم نجده فيه، وحكاه عنه العلامة في المختلف: 768. (3) السرائر 3: 478. (4) قواعد الاحكام 2: 264، اللمعة الدمشقية: 169. (*)

ص 472

الثانية: من قتله الحد أو التعزير فلا دية له. وقيل: تجب على بيت المال. والاول مروي.

كالمعلوم. ويشكل بأن حجية الاجماع ظنية لا قطعية، ومن ثم اختلف فيها وفي جهتها. ونحن لا نكفر من رد أصل الاجماع، فكيف نكفر من رد مدلوله؟! فالاصح اعتبار القيد الاخير.وأما مخالف ما أجمع عليه الاصحاب خاصة فلا يكفر قطعا وإن كان ذلك عندهم حجة، فما كل من خالف حجة يكفر، خصوصا الحجة الاجتهادية الخفية جدا كهذه. وقد أغرب الشيخ (1) - رحمه الله - حيث حكم في بعض المسائل بكفر مستحل ما أجمع عليه الاصحاب. وقد تقدم بعضه في باب الاطعمة والاشربة (2). ولا شبهة في فساده. هذا كله إذا لم يدع شبهة محتملة في حقه، وإلا قبل منه. ولو ارتكب ذلك غير مستحل عزر إن لم يكن الفعل موجبا للحد، وإلا دخل التعزير في ضمنه. قوله: (من قتله الحد أو التعزير... إلخ). عدم ثبوت الدية على التقديرين هو الاظهر، لانه فعل سائغ أو واجب فلا يتعقبه الضمان. ولان الامام محسن في امتثال أوامر الله تعالى وإقامة حدوده، و(ما على المحسنين من سبيل) (3). ولحسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (أيما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له) (4). و(أي) من صيغ العموم.

(هامش)

(1) انظر النهاية: 713. (2) في ج 12: 14. (3) التوبة: 91. (4) التهذيب 10: 206 ح 813، الوسائل 19: 47 ب (24) من أبواب قصاص النفس ح 9. (*)

ص 473

وكذا الحد عند من جعل المفرد المعرف للعموم من الاصوليين (1). والقول بضمانه في بيت المال للمفيد (2) - رحمه الله - لكنه شرط كون الحد للناس، فلو كان لله لم يضمن، لما روي أن عليا عليه السلام كان يقول: (من ضربناه حدا من حدود الله فمات فلا دية له علينا، ومن ضربناه حدا في شي من حقوق الناس فمات فإن ديته علينا) (3). ومقتضى هذا القول تخصيص الحد، وأن المراد ببيت المال بيت مال الامام لا بيت مال المسلمين. وفي الاستبصار (4) أن الدية في بيت المال، جمعا بين الاخبار، مع أن الرواية المروية عن علي عليه السلام ضعيفة السند. ويظهر من المبسوط (5) والخلاف (6) أن الخلاف في التعزير لا في الحد، لانه مقدر، فلا خطاء فيه، بخلاف التعزير، فإن تقديره مبني على الاجتهاد الذي يجوز فيه الخطاء. وهذا يتم مع كون الحاكم الذي يقيم عليه الحد غير معصوم، وإلا لم يفرق الحال بين الحد والتعزير، والمسألة مفروضة فيما هو أعم من ذلك.

(هامش)

(1) انظر المعارج للمحقق الحلي: 86، البحر المحيط 3: 98، العدة للفراء 2: 519 - 520، التمهيدللكلوذاني 2: 53. (2) المقنعة: 743. (3) الفقيه 4: 51 ح 183، الوسائل 18: 312 ب (3) من أبواب مقدمات الحدود ح 4، وفي المصادر: قال الصادق عليه السلام: من ضربناه... (4) الاستبصار 4: 279 ذيل ح 1056. (5) المبسوط 8: 63. (6) الخلاف 5: 493 مسألة (10). (*)

ص 474

الثالثة: لو أقام الحاكم الحد بالقتل، فبان فسوق الشاهدين، كانت الدية في بيت المال، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته. ولو أنفذ إلى حامل لاقامة حد، فأجهضت خوفا، قال الشيخ: دية الجنين في بيت المال. وهو قوي، لانه خطاء، وخطاء الحاكم في بيت المال. وقيل: يكون على عاقلة الامام. وهي قضية عمر مع علي عليه السلام.

وقد ظهر أن الخلاف في حد (1) الادمي والتعزير، والروايات (2) دالة على الحد أو الاعم، من حيث إن التعزير حد. والاقوى عدم الضمان مطلقا. قوله: (لو أقام الحاكم - إلى قوله - ولا عاقلته). لان ذلك من خطاء الحكام، وخطؤهم في بيت المال، لانه معد للمصالح. وكذا القول في الكفارة هنا وفي المسألة السابقة. وقيل: تجب في ماله، لانه قتل خطاء. وتردد الشيخ في المبسوط (3) في الكفارة. وكذلك في المختلف (4). قوله: (ولو أنفذ إلى حامل... إلخ). القول بكون دية الجنين في بيت المال هو الموافق لقواعد الاصحاب، وهو قول الاكثر، لان خطاء الحكام محله بيت المال.

(هامش)

(1) في (م): حق. (2) راجع الوسائل 19: 46 ب (24) من أبواب قصاص النفس. (3) المبسوط 8: 64. (4) المختلف: 727 - 728. (*)

ص 475

والقول بكونه على عاقلة الامام لابن إدريس (1)، محتجا بأنه خطاء محض، لانه غير عامد في فعله، ولا قصده، لانه لم يقصد الجنين مطلقا، وإنما قصد أمه، فتكون الدية على عاقلته، والكفارة في ماله. وهو موافق للرواية المشهورة من قضاء أمير المؤمنين عليه السلام، حيث أرسل عمر خلف حامل ليقيم عليها الحد فأجهضت، فسأل عمر الصحابة عن ذلك فلم يوجبوا عليه شيئا، فقال: (ما عندك في هذا يا أبا الحسن؟ فتنصل من الجواب، فعزم عليه، فقال: إن كان القوم قد قاربوك فقد غشوك، وإن كانوا قد ارتاؤا فقد قصروا، الدية على عاقلتك، لان قتل الصبي خطاء تعلق بك، فقال: أنت والله نصحتني من بينهم، فقال: والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي، ففعل ذلك عليه السلام) (2). وأجيب عن الرواية بأنه لم يرسل إليها بعد ثبوت ذلك عنها (3). ولانه لم يكن حاكما عند علي عليه السلام. وفيه نظر، لان جواز الارسال خلف الغريم لا يتوقف على ثبوت الحق عليه، فإن مجرد الدعوى عليه حق. إلا أن يقال: إن هنا لم يكن عليها مدع حسبة ولا شاهد. وهو بعيد. وأما الجواب الثاني فلا يليق بذلك المقام، ولا كان أمير المؤمنين عليه

(هامش)

(1) السرائر 3: 480. (2) الارشاد للشيخ المفيد: 109 - 110، الوسائل 19: 200 ب (30) من أبواب موجبات الضمان ح 2. (3) في (أ): عليها. (*)

ص 476

ولو أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة عن الحد فمات، فعليه نصف الدية في ماله إن لم يعلم الحداد، لانه شبيه العمد. ولو كان سهوا، فالنصف على بيت المال. ولو أمر بالاقتصار على الحد، فزاد الحداد عمدا، فالنصف على الحداد في ماله. ولو زاد سهوا فالدية على عاقلته. وفيه احتمال آخر.

السلام يتجاهر بحكمه، ولا كان يسمع منه. والاولى في ذلك أن الرواية لم ترد (1) بطريق معتمد عليه، فالرجوع إلى الاصول المقررة متعين.قوله: (ولو أمر الحاكم بضرب المحدود... إلخ). إذا أمر الحاكم - والمراد به غير المعصوم - بضرب المحدود زيادة عن القدر الواجب، فمات المحدود بسبب الضرب، فعلى الحاكم نصف الدية، لانه مات بسببين: أحدهما سائغ، والاخر مضمون على الحاكم في ماله، لانه شبيه عمد من حيث قصده للفعل دون القتل. ولو كان أمره بالزيادة سهوا، لغلطه في الحساب، فنصف الدية على بيت المال، لانه من خطاء الحكام. هذا إذا لم يعلم الحداد بالحال، وإلا كان متعمدا، فيكون عليه القصاص، لانه باشر الاتلاف. هكذا أطلق في التحرير (2). وينبغي تقييده بقصده القتل، أو كون ذلك مما يقتل غالبا، وإلا لم يتجه القصاص. ولو كان الحاكم قد أمر بالاقتصار على الحد فزاد الحداد عمدا، فالحكم

(هامش)

(1) في (م): ترو. (2) تحرير الاحكام 2: 227. (*)

ص 477

كما سبق في تعمده مع (1) الامر وأولى. وإن زاد سهوا، قال المصنف - رحمه الله -: إن الدية على عاقلته. وهو يحتمل إرادة مجموع الدية، نظرا إلى أنه قتل عدوان [وإن] (2) حصل من فعله [تعالى] (3) وعد وان الضارب، فيحال (4) الضمان كله على العادي، كما لو ضرب مريضا مشرفا على التلف، أو ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها، واستناد موته إلى الزيادة، ولا يسقط بسبب الضرب السائغ شي. لكن لا يوافق السابق. وأن يريد به الدية اللازمة عن الزيادة، وهي النصف، لموته بالسببين. وهذا هو المطابق لما سلف. وبه صرح في التحرير. والاحتمال الاخر الذي أشار إليه المصنف - رحمه الله - يحتمل أن يريد به توزيع الدية على الاسواط الزائدة والواقعة في الحد، فيسقط منها بحساب الحد، لان السبب مركب من المجموع. وأن يريد به ثبوت نصف الدية في ماله على تقدير السهو، لانه قاصد للفعل، وإنما أخطاء في قصد القتل. وأن يريد ذلك مع ثبوت القصاص عليه مع التعمد مطلقا، مع رد نصف الدية عليه، أو بحساب الاسواط.

(هامش)

(1) في (خ): فمع الامر أولى. (2) من الحجريتين. (3) من (د، م). (4) في (أ، ط): فيجب. (*)

ص 478

الباب الخامس في حد السرقة

والكلام في: السارق، والمسروق، والحجة، والحد، واللواحق.

الاول: في السارق

ويشترط في وجوب الحد عليه شروط: الاول: البلوغ فلو سرق الطفل، لم يحد، ويؤدب، ولو تكررت سرقته.وفي النهاية: يعفا عنه أولا، فإن عاد أدب، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل. وبهذا روايات.

قوله: (في السارق... إلخ). ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم ثبوت القطع على الصبي مطلقا هو المشهور بين المتأخرين. وهو الموافق للاصل من ارتفاع القلم عن الصبي حتى يبلغ، وأنه غير مؤاخذ شرعا على أقواله ولا [على] (1) أفعاله، لانه لا يحرم عليه شي ولا يجب عليه شي. نعم، يؤدب بما يراه الحاكم حسما للمادة. والقول الذي نقله عن الشيخ في النهاية (2) وافقه عليه القاضي (3) والعلامة

(هامش)

(1) من (ط). (2) النهاية: 716. (3) لم نجده في مهذب القاضي وجواهره، ونسبه إليه فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4: 519، ولعله في كتابه الكامل، وهو مفقود. (*)

ص 479

الثاني: العقل فلا يقطع المجنون، ويؤدب، وإن تكرر منه.

في المختلف (1)، لكثرة الاخبار (2) الواردة به، فمنها صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: (سألته عن الصبي يسرق، قال: يعفا عنه مرة ومرتين، ويعزر في الثالثة، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك) (3). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن الصبي يسرق، قال: إذا سرق وهو صغير يعفا عنه، فإن عاد قطع بنانه، فإن عاد قطع أسفل من بنانه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك) (4). وحسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: (إذا سرق الصبي عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع أطراف الاصابع، فإن عاد قطع أسفل من ذلك) (5). وقال: (أتي علي عليه السلام بغلام يشك في احتلامه، فقطع أطراف الاصابع) (6). وهذه الروايات مع وضوح سندها وكثرتها مختلفة الدلالة، وينبغي حملها على كون الواقع تأديبا منوطا بنظر الامام، لا حدا. قوله: (العقل فلا يقطع المجنون... إلخ).هذا إذا سرق في حال جنونه. أما لو سرق عاقلا ولو في حال إفاقته - كذي

(هامش)

(1) المختلف: 770. (2) راجع الوسائل 18: 522 ب (28) من أبواب حد السرقة. (3) الكافي 7: 232 ح 1، التهذيب 10: 119 ح 473، الوسائل 18: 522 الباب المتقدم ح 1. (4) الكافي 7: 232 ح 2، التهذيب 10: 119 ح 474، الوسائل 18: 523 الباب المتقدم ح 4. (5) الكافي 7: 232 ح 4، التهذيب 10: 118 ح 472، الاستبصار 4: 248 ح 943، الوسائل 18: 523 الباب المتقدم ح 2، 3. (6) الكافي 7: 232 ح 4، التهذيب 10: 118 ح 472، الاستبصار 4: 248 ح 943، الوسائل 18: 523 الباب المتقدم ح 2، 3. (*)

ص 480

الثالث: ارتفاع الشبهة فلو توهم الملك، فبان غير مالك، لم يقطع. وكذا لو كان المال مشتركا. فأخذ ما يظن أنه قدر نصيبه.

الادوار - قطع، ولا يمنعه اعتراض الجنون، استصحابا لما ثبت قبله. ونبه بقوله: (وإن تكرر منه) على مخالفة حكمه للصبي، حيث قيل فيه مع التكرار بالقطع في الجملة. والفارق النص. ولكن يؤدب بما يراه الحاكم، حسما لجرأته. وفي التحرير (1) نسب تأديبه إلى القيل. ولعله لعدم تمييزه الموجب لارتداعه بالتأديب عن المعاودة. ولكن هذا يختلف باختلاف أحوال المجانين، فإن منهم من يردعه التأديب وهم الاكثر، ومنهم من لا يشعر بذلك، والجنون فنون، وإناطة التأديب برأي الحاكم يحصل المطلوب. قوله: (ارتفاع الشبهة... إلخ). أما انتفاء القطع مع توهم الملك فواضح، لانه شبهة والحد يدرأ بالشبهة، والقطع من أفراد الحدود. وأما انتفاؤه مع أخذه من المال المشترك ما يظنه قدر نصيبه، فلانه مع مطابقة الواقع لظنه أو نقصانه عن النصيب يمكن أن يقع جميع المأخوذ في نصيبه عند القسمة، فلا يكون قد أخذ من مال غيره شيئا، ومع ظهور خطاء ظنه وزيادة المأخوذ عن نصيبه بقدر النصاب يكون ذلك شبهة يدرأ بها الحد. ويشترك الجميع في أن القسمة وإن كانت فاسدة فإنها تصير شبهة دارئة.

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 227. (*)

ص 481

كذا أطلقه جماعة (1). وقيده بعضهم (2) بما إذا كان المال المشترك مما يجريفيه الاجبار على القسمة، كالحبوب وسائر الاموال المثلية، ليمكن فرض تعاطيه القسمة بنفسه، وجعلها شبهة دارئة [للحد] (3) وإن كانت فاسدة. فلو كان مما لا يجري فيه الاجبار كالثياب، وسرق منه نصف دينار يشتركان فيه على السوية، أو ثلاثة أرباع مما ثلثاه للسارق قطع، لانه لا يجري (4) فيه الاخذ بدون إذن الشريك. وفي كل واحد من القسمين نظر، لان قسمة الاجبار لا يجوز للشريك الاستبداد بها مطلقا، بل مع امتناع الشريك من القسمة، وهي مفروضة فيما هو أعم من ذلك. والحق أن أخذ المال المشترك مطلقا حيث لا يجوز الاستبداد بقسمته للشريك، إن كان يتوهم الاخذ جواز استبداده بالاخذ بنفسه فهو كتوهم الملك في السابق، فيعذر للشبهة، بل هنا أولى، لتحقق ملكه في الجملة. وإن كان يعلم عدم جواز الاستبداد بالقسمة أو بالاخذ بدون إذن الشريك، احتمل أن يقطع مع أخذه من نصيب الشريك قدر النصاب، لوجود المقتضي للقطع، وهو سرقة مال الغير بشرطه، وانتفاء المانع، إذ ليس إلا كونه شريكا، وهو لا يكفي في المانعية. والتفصيل بزيادة المأخوذ عن قدر نصيبه بقدر النصاب، للروايات (5) الاتية

(هامش)

(1) إرشاد الاذهان 2: 181، اللمعة الدمشقية: 170. (2) قواعد الاحكام 2: 266، وانظر روضة الطالبين 7: 333. (3) من (د). (4) في (أ): لا يجزي. (5) راجع الوسائل 18: 518 ب (24) من أبواب حد السرقة. (*)

ص 482

الرابع: ارتفاع الشركة فلو سرق من مال الغنيمة، فيه روايتان: إحداهما: لا يقطع. والاخرى: إن زاد ما سرقه عن نصيبه بقدر النصاب، قطع. والتفصيل حسن.

الدالة على عدم قطع الغانم بسرقته من الغنيمة قدر نصيبه فما دون. ولا فرق على التقديرين بين قبوله للقسمة وعدمه. قوله: (ارتفاع الشركة... إلخ). الرواية الاولى رواها محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أخذ بيضة من المغنم، وقالوا: قد سرقاقطعه، فقال: إني لم أقطع أحدا له فيما أخذ شرك) (1). وقريب منها رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: أربعة لا قطع عليهم: المختلس، والغلول، ومن سرق من المغنم، وسرقة الاجير، لانها خيانة) (2). وعمل بمضمونها المفيد (3) وسلا ر (4) من المتقدمين وفخر الدين (5) من المتأخرين.

(هامش)

(1) الكافي 7: 223 ح 7، التهذيب 10: 104 ح 406، الاستبصار 4: 241 ح 910، الوسائل 18: 518 ب (24) من أبواب حد السرقة ح 1. (2) الكافي 7: 226 ح 6، التهذيب 10: 114 ح 449، الاستبصار 4: 241 ح 912، الوسائل 18: 503 ب (12) من أبواب حد السرقة ح 3. (3) المقنعة: 803. (4) المراسم: 258. (5) إيضاح الفوائد 4: 525. (*)

ص 483

وفي طريق الرواية الاولى سهل بن زياد، مع كون محمد بن قيس مشتركا [بين الثقة وغيره] (1). وحال الثانية واضح بالسكوني. وأما الرواية الاخرى فرواها عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت: رجل سرق من المغنم، أي شي يجب عليه أن يقطع؟ قال: ينظركم الذي يصيبه، فإن كان الذي أخذ أقل من نصيبه عزر، ودفع إليه تمام ماله، وإن كان أخذ مثل الذي له فلا شي عليه، وإن كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن - وهو ربع دينار - قطع) (2). والعمل على هذه الرواية أولى، لصحتها وموافقتها للقواعد الشرعية. وعمل أكثر (3) الاصحاب بمضمونها. وفيها دلالة على أن الغانم يملك نصيبه من الغنيمة بالحيازة، أو على أن القسمة كاشفة عن سبق ملكه بها. وفي المسألة رواية أخرى بقطعه مطلقا، رواها عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام قال: (سألته عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السلام، قال: كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه) (4). وهذه الرواية أجود أسنادا من الاولى، وهي دالة على خلاف ما دلت عليه. وحملت على ما إذا زادت عن نصيب السارق بمقدار النصاب فصاعدا جمعا، أو

(هامش)

(1) من (د). (2) الفقيه 4: 45 ح 151، التهذيب 10: 106 ح 410، الاستبصار 4: 242 ح 914، الوسائل 18: 519 ب (24) من أبواب حد السرقة ح 4. (3) النهاية: 715، المهذب 2: 542، تحرير الاحكام 2: 228.(4) التهذيب 10: 105 ح 408، الاستبصار 4: 241 ح 913، الوسائل 18: 518 ب (24) من أبواب حد السرقة ح 3. (*)

ص 484

ولو سرق من المال المشترك قدر نصيبه، لم يقطع. ولو زاد بقدر النصاب قطع. الخامس: أن يهتك الحرز منفردا كان أو مشاركا. فلو هتك غيره، وأخرج هو، لم يقطع.

على كون السارق ليس من الغانمين، إذ لا دلالة فيها على كونه منهم. وكلاهما حسن. قوله: (ولو سرق من المال المشترك... إلخ). قد تقدم (1) الكلام في هذه المسألة، وإنما ذكرها مرتين لمناسبة الاولى لشرط ارتفاع الشبهة بتقدير عروضها للشريك وإن زاد عن نصيبه، ومناسبة هذه لشرط انتفاء الشركة على تقدير انتفاء الشبهة، ومن ثم فرضها على تقدير أخذ الشريك بقدر نصيبه جزما، وأخذه الزائد بقدر النصاب جزما. ووجهه: عدم القطع مع أخذه بقدر حقه، وثبوته مع الزيادة بقدر النصاب يظهر من الروايات (2) المذكورة في السرقة من الغنيمة، لان شركة الغانم أضعف من شركة المالك الحقيقي، للخلاف في ملكه، فإذا قيل بعدم قطع الغانم فالشريك أولى. قوله: (أن يهتك الحرز... إلخ). هذا يتضمن شرطين: أحدهما: كون المال محرزا، فلا قطع في سرقة ما ليس بمحرز، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل،

(هامش)

(1) في ص: 480. (2) راجع الوسائل 18: 518 ب (24) من أبواب حد السرقة. (*)

ص 485

فإذا آواها المراح (1) أو الجرين (2) فالقطع فيما بلغ ثمن المجن (3) (4). وحريسة الجبل ما سرق من الجبل من المواشي. ويقال: إن سارقها يسمى حارسا. واشترط صلى الله عليه وآله للقطع إيواء المراح أو الجرين، فدل على أنه لا قطع فيما لم يحرز. وعن علي عليه السلام قال: (لا يقطع إلا من نقب نقبا أو كسر قفلا) (5). والثاني: أن يكون الاخذ هو مهتك الحرز، إما بالنقب أو فتح الباب أو كسر القفل، ونحو ذلك. فلو هتك الحرز واحد وأخذ آخر فلا قطع على أحدهما. أماالاول فلانه لم يسرق. وأما الثاني فلانه لم يأخذ من حرز. ويجب على الاول ضمان ما أفسد من الجدار وغيره، وعلى الثاني ضمان المال. ولبعض (6) العامة قول بثبوت القطع على الثاني، لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحد. وأثبت آخرون (7) القطع على الاول، بعلة أنه رد وعون للسارق. وظاهر عدم صلاحية الامرين لاثبات الحكم. ولو تعاونا على النقب ونحوه مما يحصل به إزالة الحرز، وانفرد أحدهما بالاخراج، فالقطع على المخرج خاصة.

(هامش)

(1) المراح: مأوى الابل والبقر والغنم. لسان العرب 2: 464 - 465. (2) الجرين: موضع تجفيف التمر، وجمعه: جرن. النهاية لابن الاثير 1: 263. (3) المجن: الترس، وجمعه: مجان. لسان العرب 13: 94. (4) مستدرك الحاكم 4: 381، سنن البيهقي 8: 266. (5) التهذيب 10: 109 ح 423، الاستبصار 4: 243 ح 918، الوسائل 18: 509 ب (18) من أبواب حد السرقة ح 3. (6) انظر روضة الطالبين 7: 346. (7) لم نعثر عليه. (*)

ص 486

السادس: أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا ويتحقق الاخراج: بالمباشرة، وبالتسبيب، مثل: أن يشده بحبل ثم يجذبه من خارج، أو يضعه على دابة، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه. ولو أمر صبيا غير مميز بإخراجه، تعلق بالامر القطع، لان الصبي كالالة.

ولو انعكس فانفرد أحدهما بالهتك، وشارك غيره في إخراج النصاب، فلا قطع على أحدهما، لان كلا منهما لم يسرق نصابا. نعم، لو أخرجا نصابين بالاشتراك، أو بانفراد كل منهما بنصاب، قطعا. قوله: (أن يخرج المتاع بنفسه... إلخ). ظاهر اكتفائه بإخراجه بالمشاركة الحكم بالقطع على تقدير إخراج الاثنين فصاعدا نصابا واحدا. ويشكل بعدم صدق سرقة النصاب على كل واحد بخصوصه. وقيل: يشترط بلوغ نصيب من يحكم بقطعه نصابا، فلا يقطع من قصر نصيبه عنه. ولعل هذا أظهر. ويعتبر في الاخراج بالتسبيب أن لا يكون المباشر مما يصلح لاسناد الفعل إليه حقيقة، كما يقتضيه الامثلة. فلو كان المخرج بعد تسبيبه مميزا فلا قطع على المسبب. ويعتبر في المباشر اجتماع الشروط في الحكم بقطعه، بأن يكون مشاركافي هتك الحرز، ومكلفا، ومخرجا للنصاب، إلى غير ذلك.

ص 487

السابع: أن لا يكون والدا من ولده ويقطع الولد لو سرق من الوالد. وكذا يقطع الاقارب. وكذا الام لو سرقت من الولد.

قوله: (أن لا يكون والدا من ولده... إلخ). عموم آية (1) السرقة وغيرها من الادلة متناول لسرقة الاقارب والاجانب، لكن خرج من ذلك سرقة الاب وإن علا من الولد بالاجماع، فيبقى الباقي على العموم. وألحق أبو الصلاح (2) ا لام بالاب. ونفى عنه في المختلف (3) البأس، لانها أحد الابوين، ولاشتراكهما في وجوب الاعظام. وألحق بعض (4) العامة بهما كل من تجب نفقته على الاخر، لما بين الفروع والاصول من الاتحاد، وكون مال كل واحد من النوعين مرصدا لحاجة الاخر، ومن حاجاته أن لا يقطع يده بسرقة ذلك المال. وعمم آخرون (5) الحكم في كل قريب. وتخصيص العموم بمثل هذه الادلة لا يخفى ما فيه.

(هامش)

(1) المائدة: 38. (2) الكافي في الفقه: 411. (3) المختلف: 776. (4) روضة الطالبين 7: 335. (5) بدائع الصنائع 7: 70، تبيين الحقائق 3: 220، حلية العلماء 8: 64، بداية المجتهد 2: 451، رحمة الامة: 294 - 295. (*)

ص 488

الثامن: أن يأخذه سرا فلو هتك قهرا ظاهرا وأخذ لم يقطع. وكذا المستأمن لو خان. ويقطع الذمي كالمسلم، والمملوك، مع قيام البينة. وحكم الانثى في ذلك كله حكم الذكر. مسائل:الاولى: لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن، وإن استحق المرتهن الامساك، ولا المؤجر العين المستأجرة، وإن كان ممنوعا من الاستعادة، مع القول بملك المنفعة، لانه لم يتحقق إخراج النصاب من مال المسروق منه حالة الاخراج. الثانية: لا يقطع عبد الانسان بسرقة ماله، ولا عبد الغنيمة بالسرقة منها، لان فيه زيادة إضرار. نعم، يؤدب بما يحسم الجرأة.

قوله: (أن يأخذه سرا... إلخ). لان الاول لا يسمى سارقا بل غاصبا، والثاني لم يحرز من دونه. قوله: (لا يقطع عبد الانسان بسرقة... إلخ). مستند هذا الحكم المخالف للاصل روايات، منها رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في عبد سرق واختان من مال مولاه، قال: ليس عليه قطع) (1). وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: عبدي إذا سرقني لم

(هامش)

(1) الكافي 7: 234 ح 5، التهذيب 10: 111 ح 436، الوسائل 18: 526 ب (29) من أبواب حد السرقة ح 1. (*)

ص 489

الثالثة: يقطع الاجير إذا أحرز المال من دونه. وفي رواية: لا يقطع. وهي محمولة على حالة الاستئمان. وكذا الزوج إذا سرق من زوجته، أو الزوجة [من زوجها].

أقطعه، وعبدي إذا سرق غيري قطعته، وعبد الامارة إذا سرق لم أقطعه، لانه في) (1). وفي طريق الروايات ضعف، ولكن لا راد لها. والمصنف - رحمه الله - علل الحكم بأن في القطع زيادة إضرار، والحد شرع لحسم الجرأة ودفع الضرر، فلا يدفع الضرر بالضرر. وهو تعليل للنص بعد ثبوته، أما كونه علة برأسه فموضع نظر. قوله: (يقطع الاجير إذا أحرز المال... إلخ). كون الاجير كغيره من السارقين في قطعه إذا سرق من مال المستأجر بشرطه هو المشهور بين الاصحاب، لعموم الاية (2) وغيرها من الادلة. وقال الشيخ في النهاية (3): لاقطع عليه، استنادا إلى رواية سليمان قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل استأجر أجيرا فسرق من بيته، هل تقطع يده؟ قال: هذا مؤتمن ليس بسارق، وهذا خائن) (4). وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (في رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرقه، فقال: هو مؤتمن) (5).

(هامش)

(1) الكافي 7: 237 ح 20، التهذيب 10: 111 ح 437، الوسائل 18: 527 الباب المتقدم ح 2. (2) المائدة: 38. (3) النهاية: 717.(4) الكافي 7: 227 ح 3، التهذيب 10: 109 ح 424، الوسائل 18: 506 ب (14) من أبواب حد السرقة ح 3. (5) الكافي 7: 227 ح 1، التهذيب 10: 109 ح 426، الوسائل 18: 505 الباب المتقدم ح 1. (*)

ص 490

وفي الضيف قولان، أحدهما: لا يقطع مطلقا. وهو المروي. والاخر: يقطع إذا أحرز من دونه. وهو أشبه. الرابعة: لو أخرج متاعا، فقال صاحب المنزل: سرقته، وقال المخرج: وهبتنيه أو أذنت في إخراجه، سقط الحد للشبهة، وكان القول قول صاحب المنزل مع يمينه في المال. وكذا لو قال: المال لي، وأنكر صاحب المنزل، فالقول قوله مع يمينه، ويغرم المخرج، ولا قطع لمكان الشبهة.

ورواية سماعة قال: (سألته عمن استأجر أجيرا فأخذ الاجير متاعه فسرقه، قال هو مؤتمن، ثم قال: الاجير والضيف أمينان، ليس يقع عليهما حد السرقة) (1). والمصنف - رحمه الله - وغيره من الاصحاب (2) حملوا الروايات على ما لو كان المستأجر قد استأمنه على المال ولم يحرزه عنه. وفي الروايات إيماء إليه، بل في رواية الحلبي تصريح به. هذا مع ضعف الاولى باشتراك سليمان الراوي بين جماعة منهم المقبول وغيره، والاخيرة بالوقف والاسناد. قوله: (وفي الضيف قولان... إلخ). القول بعدم قطع الضيف للشيخ في النهاية (3) وجماعة، منهم ابن الجنيد (4) والصدوق (5) وابن إدريس (6)، محتجا عليه بالاجماع.

(هامش)

(1) الكافي 7: 228 ح 5، التهذيب 10: 109 ح 425، الوسائل 18: 506 الباب المتقدم ح 4. (2) تحرير الاحكام 2: 228. (3) النهاية: 717. (4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 770. (5) المقنع: 447. (6) السرائر 3: 488. (*)

ص 491

الثاني: في المسروق

لا قطع فيما نقص عن ربع دينار. ويقطع فيما بلغه: ذهبا، خالصا، مضروبا عليه السكة، أو ما قيمته ربع دينار، ثوبا كان أو طعاما أو فاكهة أو غيره، [سواء] كان أصله الاباحة أو لم يكن. وضابطه: ما يملكه المسلم. وفي الطير وحجارة الرخام، رواية بسقوط الحد ضعيفة.

ومستند غيره على الحكم الرواية السابقة، ورواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال: (الضيف إذا سرق لم يقطع، وإذا أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف) (1). والاصح القطع، للعموم (2)، وعليه المصنف وجميع المتأخرين (3). وتحمل الروايات - مع اشتراكها في ضعف السند - على ما لو لم يحرز المال عنه. وينبه عليه الحكم بقطع ضيف الضيف، لان المالك لم يأتمنه. قوله: (لا قطع فيما نقص... إلخ). يعتبر في ثبوت القطع على السارق بلوغ سرقته قدر النصاب بإجماع علمائنا. ولكن اختلفوا في مقداره، فالمشهور بينهم أنه ربع دينار من الذهب الخالص المضروب بسكة المعاملة، أو ما قيمته ربع دينار، فلا قطع فيما دون

(هامش)

(1) الكافي 7: 228 ح 4، التهذيب 10: 110 ح 428، الوسائل 18: 508 ب (17) من أبواب حد السرقة ح 1. (2) المائدة: 38. (3) المختلف: 771، إيضاح الفوائد 4: 526 - 527، اللمعة الدمشقية: 170، التنقيح الرائع 4: 376، المقتصر: 413. (*)

ص 492

ذلك، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا) (1). وفي رواية أخرى: (لاقطع إلا في ربع دينار) (2). وصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: (قلت له: في كم يقطع السارق؟ فقال: في ربع دينار. قال: قلت له: في درهمين؟ فقال: في ربع دينار، بلغ الدينار ما بلغ. قال: فقلت له: أرأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ وهل هو عند الله سارق في تلك الحال؟ فقال: كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسمالسارق، وهو عند الله السارق، ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر. ولو قطعت يد السارق فيما هو أقل من ربع دينار لالفيت عامة الناس مقطعين) (3). وغيرها من الاخبار الكثيرة (4). واعتبر ابن أبي عقيل (5) دينارا فصاعدا. وقال ابن (6) بابويه: يقطع في

(هامش)

(1) مسند أحمد 6: 36، سنن الدارمي 2: 172، صحيح البخاري 8: 199، سنن أبي داود 4: 136 ح 4383 - 4384، صحيح مسلم 3: 1312، سنن الترمذي 4: 40 ح 1445، سنن البيهقي 8: 254. (2) صحيح مسلم 3: 1312 ح 3، سنن ابن ماجة 2: 862 ح 2585، سنن البيهقي 8: 254. (3) الكافي 7: 221 ح 6، التهذيب 10: 99 ح 384، الاستبصار 4: 238 ح 896، الوسائل 18: 482 ب (2) من أبواب حد السرقة ح 1. (4) راجع الوسائل 18: 482 ب (2) من أبواب حد السرقة. (5) حكاه عنه العلامة في المختلف: 772. (6) راجع المقنع: 444، ولكن نقل فيه روايات اخر أيضا. (*)

ص 493

خمس دينار، أو في قيمة ذلك. ويظهر من ابن الجنيد (1) الميل إليه. والمذهب هو الاول. ونبه بقوله: (ثوبا كان أو طعاما أو فاكهة، كان أصله الاباحة أو لم يكن) على خلاف أبي حنيفة (2)، حيث ذهب إلى أنه لاقطع فيما كان مباح الاصل إلا في خشب الساج. والحق بعضهم (3) به الابنوس والصندل والعود. وزاد آخرون (4) الخشب المعمول كالسرر والابواب. ولا فيما (5) كان رطبا أو متعرضا للفساد، كالرطب والتين والتفاح، والبقول والرياحين، والشواء والهريسة والفالوذج، والجمد (6) والشمع المشتعل. لنا: عموم الاية (7)، وما رووه عنه صلى الله عليه وآله وقد سئل عن التمر المعلق فقال: (من سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع) (8). وكان ثمن المجن عندهم ربع دينار. والرواية التي أشار إليها المصنف - رحمه الله - بسقوط الحد عن سارق الرخام ونحوه رواها السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لاقطع على من سرق الحجارة، يعني: الرخام وأشباه

(هامش)

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 772. (2) اللباب في شرح الكتاب 3: 203 - 204، شرح فتح القدير 5: 128 و130 و135، بدائع الصنائع 7: 68 - 69، تبيين الحقائق 3: 214 - 215 و219، وانظر الحاوي الكبير 13: 274 و276، بداية المجتهد 2: 450، حلية العلماء 8: 52، المغني لابن قدامة 10: 243 - 244، رحمة الامة: 296. (3) اللباب في شرح الكتاب 3: 203 - 204، شرح فتح القدير 5: 128 و130 و135، بدائع الصنائع 7: 68 - 69، تبيين الحقائق 3: 214 - 215 و219، وانظر الحاوي الكبير 13: 274 و276، بداية المجتهد 2: 450، حلية العلماء 8: 52، المغني لابن قدامة 10: 243 - 244، رحمةالامة: 296. (4) اللباب في شرح الكتاب 3: 203 - 204، شرح فتح القدير 5: 128 و130 و135، بدائع الصنائع 7: 68 - 69، تبيين الحقائق 3: 214 - 215 و219، وانظر الحاوي الكبير 13: 274 و276، بداية المجتهد 2: 450، حلية العلماء 8: 52، المغني لابن قدامة 10: 243 - 244، رحمة الامة: 296. (5) اللباب في شرح الكتاب 3: 203 - 204، شرح فتح القدير 5: 128 و130 و135، بدائع الصنائع 7: 68 - 69، تبيين الحقائق 3: 214 - 215 و219، وانظر الحاوي الكبير 13: 274 و276، بداية المجتهد 2: 450، حلية العلماء 8: 52، المغني لابن قدامة 10: 243 - 244، رحمة الامة: 296. (6) في (أ، ث): والجزر، وفي (ط): والحل. (7) المائدة: 38. (8) سنن أبي داود 4: 137 ح 4390، تلخيص الحبير 4: 64 ح 1772. (*)

ص 494

ومن شرطه أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن. وقيل: كل موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلا بإذنه.

ذلك) (1). ولا يخفى حال (2) السند. قوله: (ومن شرطه أن يكون محرزا... إلخ). لا شبهة في اعتبار كون السرقة من الحرز في ثبوت القطع، وإنما الكلام في حقيقته، فإن الشرع اعتبر الحرز ولم يبين له حدا بطريق يعتمد عليه، وما هذا شأنه يجب الرجوع فيه إلى العرف، كالقبض والتفرق عن مكان البيع وإحياء الموات، ونحو ذلك. وقد دل العرف على أن القفل على الظرف الذي لا ينقل عادة - كالبيت، والصندوق الكبير، والغلق على الدار، والدفن للمال - حرز في الجملة، وإن كان المرجع في تفاصيله إلى العرف، وذلك يختلف باختلاف المال المحرز. فحرز الثياب الصندوق المقفل. وحرز الدواب الاصطبل والمراح الموثق بالغلق. وحرز الامتعة التي من شأنها أن توضع في الدكاكين هي مع ما يعتبر معها مما يناسبها من وضعها وغلقها وغيرهما. وإلى نحو ذلك ذهب الشيخ في المبسوط (3). وقال في الخلاف (4): كل موضع حرز لشي من الاشياء فهو حرز لجميع الاشياء. ولا يخفى ما فيه. والقول بتحديده بكل موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلا بإذنه، للشيخ

(هامش)

(1) الكافي 7: 230 ح 2، التهذيب 10: 111 ح 433، الوسائل 18: 516 ب (23) من أبواب حد السرقة ح 1. (2) في (أ): ضعف. (3) راجع المبسوط 8: 22، ولكن قوى بعد ذلك ما اختاره في الخلاف. (4) الخلاف 5: 419 مسألة (6). (*)

ص 495

فما ليس بمحرز لا يقطع سارقه، كالمأخوذ من الارحية، والحمامات، والمواضع المأذون في غشيانها كالمساجد.وقيل: إذا كان المالك مراعيا له، كان محرزا، كما قطع النبي عليه السلام سارق مئزر صفوان في المسجد. وفيه تردد.

في النهاية (1) أيضا. ورده ابن إدريس (2) بأن الدار المفتوحة أو التي لا باب لها ليس لغيره الدخول إليها بدون إذنه، ولا يجب القطع بالسرقة منها. وهذا الايراد في محله. واعتذر له في المختلف (3) بجواز أن يكون مراده بقوله: (ليس لغير المتصرف الدخول فيه) سلب القدرة لا الجواز الشرعي. وهو حمل بعيد، ومخالف لمفهوم الروايات (4) التي استند إليها في ذلك. قوله: (فما ليس بمحرز... إلخ). لا شبهة في أن المواضع المطروقة من غير مراعاة المالك - كالمذكورة - ليست حرزا. وأما مع مراعاة المالك فذهب الشيخ في المبسوط (5) ومن تبعه إلى كونه محرزا بذلك، ولهذا قطع النبي صلى الله عليه وآله سارق رداء صفوان بن أمية من المسجد، مع كونه غير محرز إلا بمراعاته. والرواية وردت بطرق كثيرة، منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه؟

(هامش)

(1) النهاية: 714. (2) السرائر 3: 483 - 484. (3) المختلف: 769. (4) الوسائل 18: 508 ب (18) من أبواب حد السرقة. (5) المبسوط 8: 24 و36. (*)

ص 496

قال: إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام، فوضع ردأه وخرج يهريق الماء، فوجد ردأه قد سرق حين رجع إليه، فقال: من ذهب بردائي، فذهب يطلبه فأخذ صاحبه، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله. فقال صلى الله عليه وآله: اقطعوا يده. فقال صفوان: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأنا أهبه له. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي! قلت: فالامام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال: نعم) (1). وفي الاستدلال بهذا الحديث للقول بأن المراعاة حرز نظر بين، لان المفهوم منها - وبه صرح (2) كثير - أن المراد بها النظر إلى المال، فإنه لو نام (3) أو غفل عنه أو غاب زال الحرز، فكيف يجتمع الحكم بالمراعاة مع فرض كونالمالك غائبا عنه؟! وفي بعض الروايات (4): أن صفوان نام فأخذ من تحته. والكلام فيها كما سبق، وإن كان النوم عليه أقرب إلى المراعاة مع الغيبة عنه.

(هامش)

(1) الكافي 7: 251 ح 2، التهذيب 10: 123 ح 494، الاستبصار 4: 251 ح 952، الوسائل 18: 329 ب (17) من أبواب مقدمات الحدود ح 2. (2) المبسوط 8: 36. (3) في (ت، خ، ط، م): قام. (4) سنن ابن ماجة 2: 865 ح 2595، الموطاء 2: 834 ح 28، مسند أحمد 6: 465، سنن البيهقي 8: 265، تلخيص الحبير 4: 64 ح 1771. (*)

ص 497

وفي المبسوط (1) فرض المسألة على هذا التقدير، واكتفى في حرز الثوب بالنوم عليه أو الاتكاء عليه أو توسده. واحتج عليه بحديث صفوان، وأنه سرقه من تحت رأسه من المسجد، وأنه كان متوسدا له. وهذا أوجه. مع أن في جعل المراعاة حرزا إشكالا (2) من وجه آخر، لان السارق إن أخذ المال مع نظر المالك إليه لتتحقق المراعاة لم يحصل الشرط، وهو أخذه سرا، وإنما يكون مستلبا غاصبا، وهو لا يقطع، وإن كان مع الغفلة عنه لم يكن محرزا بالمراعاة. فظهر أن السرقة لا تتحقق مع المراعاة وإن جعلناها حرزا. وهذا هو الوجه. نعم، رواية صفوان على الوجه المروي أولا تصلح دليلا على مذهب ابن أبي (3) عقيل من أن السارق يقطع من أي موضع سرق، من بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك. واحتج عليه بهذه الرواية. وبعض (4) العلماء فسر الحرز بما على سارقه خطر، لكونه ملحوظا غير مضيع، إما بلحاظ دائم أو بلحاظ معتاد. وعلى هذا يتوجه الحكم في الرواية بقطع سارق الرداء، لان سارقه في المسجد على خطر من أن يطلع عليه. وهذا التفسير متوجه ومناسب لما يقتضيه النظر من كون المراعاة بالعين حرزا في مجامعته لامكان سرقته بمغافلة المالك، إذ لم يشترط فيه دوام النظر، بل المعتاد منه المجامع للغفلة على وجه يمكن سرقته منه. وإلى هذا ذهب الشيخ في

(هامش)

(1) المبسوط 8: 24. (2) فيما لدينا من النسخ الخطية: إشكال، والصحيح ما أثبتناه. (3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 776. (4) الوجيز 2: 173. (*)

ص 498

وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قال في المبسوط (1) والخلاف (2): نعم. وفيه إشكال، لان الناس في غشيانها شرع.

موضع (3) من المبسوط، وإن اختار الاول في مواضع (4). قوله: (وهل يقطع سارق ستارة الكعبة... إلخ). وجه ما اختاره الشيخ: ما رواه (5) أصحابنا من أن الامام عليه السلام إذا قام قطع أيدي بني شيبة، وعلقها على البيت، ونادى عليهم: هؤلا سراق بيت الله. مضافا إلى عموم الاية (6) والروايات (7) الدالة على القطع. وذهب ابن إدريس (8) - رحمه الله - إلى عدم قطعه، لما أشار إليه المصنف - رحمه الله - من أن ذلك المحل ليس بحرز عرفا. والرواية مع قطع النظر عن سندها محمولة على قطع أيديهم لفسادهم، أو على سرقة ما أحرز. والاول أقعد، لان إحراز مال البيت من مبداء الإسلام إلى يومنا هذا بأيديهم، وشرط الحرز أن يكون بغير يد السارق. وعدم القطع للسرقة هو (9) الاصح. ولا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه الظاهرين، ويقطع لو كانا باطنين.

(هامش)

(1) المبسوط 8: 33. (2) الخلاف 5: 429 مسألة (22). (3) المبسوط 8: 23 - 25. (4) المبسوط 8: 23 - 25. (5) الكافي 4: 242 ح 4، علل الشرائع: 229 ح 1، عيون أخبار الرضا 1: 273 ح 5، التهذيب 9: 213 ح 842، الوسائل 9: 356 ب (22) من أبواب مقدمات الطواف ح 13. (6) المائدة: 38. (7) راجع الوسائل 18: 482 ب (2) وص: 500 ب (10) من أبواب حد السرقة. (8) السرائر 3: 499. (9) في (أ): وهو. (*)

ص 499

ولا قطع في ثمرة على شجرها. ويقطع لو سرق بعد إحرازها.

قوله: (ولا يقطع من سرق من جيب إنسان... إلخ). هذا التفصيل هو المشهور بين الاصحاب، ذكره الشيخ (1) وغيره (2).ومستنده رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: (أتي أمير المؤمنين عليه السلام بطرار قد طر دراهم من كم رجل، فقال: إن كان طر من قميصه الاعلى لم أقطعه، وإن كان طر من قميصه الداخل قطعته) (3). ورواية مسمع بن أبي سيار عن الصادق عليه السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي بطرار قد طر من رجل دراهم، فقال: إن كان طر من قميصه الاعلى لم أقطعه، وإن كان طر من قميصه الاسفل قطعناه) (4). وفي الروايتين ضعف. ومقتضاهما أن المراد بالظاهر ما في الثوب الخارج، سواء كان بابه في ظاهره أم باطنه، وسواء كان الشد على تقديره من داخله أم من خارجه. قوله: (ولا قطع في ثمرة... إلخ). هذا الحكم هو المشهور بين الاصحاب، ووردت به الاخبار الكثيرة (5). وقد

(هامش)

(1) النهاية: 718، المبسوط 8: 45، الخلاف 5: 451 مسألة (51). (2) المقنعة: 803، المهذب 2: 545، السرائر 3: 492. (3) الكافي 7: 226 ح 5، التهذيب 10: 115 ح 455، الاستبصار 4: 244 ح 922، الوسائل 18: 504 ب (13) من أبواب حد السرقة ح 2. (4) الكافي 7: 226 ح 8، التهذيب 10: 115 ح 456، الاستبصار 4: 244 ح 923، الوسائل 18: 504 الباب المتقدم ذيل ح 2. (5) الوسائل 18: 516 ب (23) من أبواب حد السرقة. (*)

ص 500

ولا على من سرق مأكولا في عام مجاعة.

تقدم (1) بعضها. وظاهرها عدم الفرق مع كون الثمرة على الشجرة بين المحرزة بغلق ونحوه وغيرها. وهي على إطلاقها مخالفة للاصول المقررة في الباب. ومع كثرة الروايات فهي مشتركة في ضعف السند، ومن ثم ذهب العلامة (2) وولده فخر الدين (3) إلى التفصيل في الشجرة كالثمرة، بالقطع مع إحرازهما (4)، وعدمه مع عدمه. وهو الاجود. قوله: (ولا على من سرق... إلخ). المراد بالمأكول الصالح للاكل فعلا أو قوة، كالخبز واللحم والحبوب. ومقتضى إطلاقه كغيره (5) عدم الفرق بين المضطر وغيره، فلا يقطع السارق في ذلك العام مطلقا، عملا بإطلاق النصوص. وهي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يقطع السارق في عام سنة، يعني: عام مجاعة) (6). وقوله عليه السلام: (كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يقطع السارق في أيامالمجاعة) (7). وفي رواية ثالثة عن الصادق عليه السلام قال: (لا يقطع السارق في سنة المحل في شي يؤكل، مثل الخبز واللحم وأشباه ذلك) (8).

(هامش)

(1) في ص: 484 - 485. (2) قواعد الاحكام 2: 268. (3) إيضاح الفوائد 4: 531. (4) في (ت، خ): إحرازها. (5) قواعد الاحكام 2: 268. (6) الكافي 7: 231 ح 2، التهذيب 10: 112 ح 442، الوسائل 18: 520 ب (25) من أبواب حد السرقة ح 2. (7) الكافي 7: 231 ح 3، التهذيب 10: 112 ح 444، الوسائل 18: 520 الباب المتقدم ح 3. (8) الكافي 7: 231 ح 1، الفقيه 4: 52 ح 188، التهذيب 10: 112 ح 443، الوسائل 18: 520، الباب المتقدم ح 1. (*)

ص 501

ومن سرق صغيرا، فإن كان مملوكا قطع. ولو كان حرا فباعه، لم يقطع حدا. وقيل: يقطع، دفعا لفساده.

وحملوا ما أطلق في الروايتين السابقتين من المسروق على المقيد في هذه، وهو المأكول. وفي الروايتين الاخيرتين إرسال، مع اشتراك الجميع في الضعف، لكن العمل بمضمونها مشهور بين الاصحاب لا راد له. قوله: (ومن سرق صغيرا... إلخ). ثبوت القطع بسرقة المملوك الصغير واضح، لانه مال فيلحقه حكمه. ويشترط فيه شروطه التي من جملتها كونه محرزا، وكون قيمته بقدر النصاب. وإنما لم يذكر ذلك لان البحث عن سرقته من حيث إنه مملوك، أما من جهة باقي الشرائط فيعلم من بابها. ولو كان المملوك كبيرا مميزا فلا قطع بسرقته، لانه متحفظ بنفسه، إلا أن يكون نائما أو في حكمه، أو لا يعرف سيده من غيره، فإنه حينئذ كالصغير. ولا فرق بين القن والمدبر وأم الولد دون المكاتب، لان ملكه غير تام، إلا أن يكون مشروطا فيلحق بالقن.وأما الحر فاختلف في حكم سرقته، فقيل: لا يقطع، لانه ليس بمال، وهو شرط في هذا الحد، إذ لا يتحقق بلوغ النصاب بدونه. وذهب الشيخ (1) وجماعة (2) إلى أنه يقطع، لامن حيث سرقته للمال، بل من جهة كونه مفسدا في الارض. ويؤيده رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن أمير المؤمنين

(هامش)

(1) النهاية: 722. (2) إصباح الشيعة: 525، فقه القرآن للراوندي 2: 388. (*)

ص 502

عليه السلام أتي برجل قد باع حرا، فقطع يده) (1). ورواية عبد الله بن طلحة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع الرجل وهما حران، يبيع هذا هذا وهذا هذا، ويفران من بلد إلى بلد، فيبيعان أنفسهما ويفران بأموال الناس، قال: تقطع أيديهما، لانهما سارقا أنفسهما وأموال الناس) (2). وظاهر الروايتين بل صريح الثانية عدم اشتراط صغر الحر المبيع. وكذلك أطلقه الشيخ في النهاية (3) وجماعة (4). وقيده في المبسوط (5) بالصغر، وتبعه الاكثر (6)، نظرا إلى أن الكبير متحفظ بنفسه، فلا يتحقق سرقته. وحيث جعلنا القطع للفساد لم يعتبر تحقق السرقة. ويشكل الحكم مطلقا بأن حد المفسد لا يختص بالقطع، بل يتخير الامام عليه السلام فيه - كما سيأتي (7) - بين قطعه وقتله وغيرهما. وفي المختلف (8) علل الحكم بالقطع بأن حراسة النفس أولى من حراسة المال الذي جاء القطع في سرقته لحراسته.

(هامش)

(1) الكافي 7: 229 ح 2، التهذيب 10: 113 ح 445، الوسائل 18: 514 ب (20) من أبواب حد السرقة ح 2. (2) الكافي 7: 229 ح 3، التهذيب 10: 113 ح 446، الوسائل 18: 515 الباب المتقدم ح 3. (3) النهاية: 722. (4) فقه القرآن للراوندي 2: 388، إصباح الشيعة: 525. (5) المبسوط 8: 31. (6) المؤتلف من المختلف 2: 408 مسألة (19)، السرائر 3: 499، قواعد الاحكام 2: 265. (7) في حد المحارب، الباب السادس من كتاب الحدود. (8) المختلف: 777. (*)

ص 503

ولو أعار بيتا، فنقبه المعير وسرق [منه] مالا للمستعير، قطع. وكذا لو آجر بيتا، وسرق [منه] مالا للمستأجر. ويشكل بأن الحكم معلق على مال مخصوص، ومطلق صيانته غير معلوم الارادة من إطلاق النصوص (1)، ومن ثم كان له شرائط خاصة زيادة على المطلوب من صيانته، فلا يتم حمل النفس مطلقا عليه بطريق الاولوية، خصوصا على الوجه المخصوص من بيعه دون غيره من أسباب تفويته وتفويت أجزائه البالغة ديتها ربع (2) النصاب. ولو كان عليه ثياب أو معه مال يبلغ النصاب، فإن كان كبيرا لم يتحقق سرقتها أيضا، لان يده عليها. ولو كان صغيرا على وجه لا يثبت له يد اتجه القطعبالمال. ومثله سرقة الكبير بماله نائما، وما في حكمه من السكر والاغماء. قوله: (ولو أعار بيتا... إلخ). إذا كان الحرز ملكا للسارق، نظر إن كان في يد المسروق منه بإجارة فسرق منه المؤجر فعليه القطع بغير إشكال، لان المنافع بعقد الاجارة مستحقة للمستأجر، والاحراز من المنافع. وعند أبي حنيفة (3) أنه لا يجب القطع على المؤجر. ووافق (4) على أنه لو آجر عبده لحفظ متاع، ثم سرق المؤجر من المتاع الذي كان يحفظه العبد، يجب القطع.

(هامش)

(1) الوسائل 18: 514 ب (20) من أبواب حد السرقة. (2) سقطت من (د، م). (3) ولكنه ذهب إلى وجوب القطع، وإنما قال بعدمه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، انظر المبسوط للسرخسي 9: 179 - 180، بدائع الصنائع 7: 75، الحاوي الكبير 13: 309، حلية العلماء 8: 66، المغني لابن قدامة 1: 253. (4) لم نعثر عليه. (*)

ص 504

وإن كان الحرز في يده بإعارة فوجهان: أحدهما: أنه لا يجب القطع، لان الاعارة لا تلزم، وله الرجوع متى شاء، فلا يحصل الاحراز عنه. وأصحهما - وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله، والعلامة (1) وجماعة (2)، ورجحه الشيخ في المبسوط (3)، بعد أن نقل الاول عن قوم -: أنه يجب القطع، لانه سرق النصاب من الحرز. وإنما يجوز له الدخول إذا رجع، وعليه أن يمهل المعير بقدر ما ينقل فيه الامتعة، لا مطلقا. ولو أعار عبده لحفظ مال أو رعي غنم، ثم سرق مما كان يحفظه، فالحكم كما لو كان الحرز مستعارا. ولكن هنا يضعف احتمال عدم القطع، لان الاحراز هاهنا بملاحظة العبد، لا بنفس العبد المملوك للسارق، فنفس الحرز ليس بمملوك له. ولو أعاره قميصا فلبسه المستعير، فطر المعير جيبه وأخذ منه النصاب، وجب عليه القطع أيضا. ويضعف هنا الاحتمال أيضا.ولو كان الحرز في يده بغصب، وسرق مالك الحرز منه متاعه، فلا قطع، لان له الدخول والهجوم عليه، فلا يكون محرزا عنه. وإن سرق منه أجنبي فوجهان: أحدهما: أنه يلزمه القطع، لانه لا حق له فيه، وليس له الدخول. وأصحهما: المنع، لان الاحراز من المنافع والغاصب لا يستحقها.

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 2: 269. (2) المهذب 2: 542، المؤتلف من المختلف 2: 409 مسألة (23)، السرائر 3: 500. (3) المبسوط 8: 33. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب