ص 418
الثانية: لو وطئ زوجته، فساحقت بكرا، فحملت، قال في النهاية: على المرأة الرجم،
وعلى الصبية جلد مائة بعد الوضع. ويلحق الولد بالرجل. ويلزم المرأة المهر. أما
الرجم: فعلى ما مضى من التردد. وأشبهه الاقتصار على الجلد. وأما جلد الصبية فموجبه
ثابت، وهي المساحقة. وأما لحوق الولد، فلانه ماء غير زان، وقد انخلق منه الولد
فيلحق به. وأما المهر، فلانها سبب في إذهاب العذرة، وديتها مهر نسائها. وليست
كالزانية في سقوط دية العذرة، لان الزانية أذنت في الافتضاض، وليست هذه كذا.
يشفع
إلا فيما هو حقه. وقد ورد بذلك روايات كثيرة، منها ما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: (لا كفالة في حد) (1). وقال لاسامة وقد كان يشفع عنده كثيرا: (يا
أسامة لا تشفع في حد) (2). وقال: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد لله
في أمره) (3). وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (لا يشفعن أحد في حد) (4). وقال:
(ليس في الحدود نظرة ساعة) (5). قوله: (لو وطئ زوجته... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 255 ح 1، التهذيب 10: 125 ح 499، الوسائل 18: 333 ب (21) من أبواب
مقدمات الحدود. (2) الكافي 7: 254 ح 1، الوسائل 18: 333 ب (20) من أبواب مقدمات
الحدود ح 3. (3) عوالي اللئالي 1: 165 ح 172. (4) الفقيه 3: 19 ح 45، الكافي 7: 254
ح 3، التهذيب 10: 124 ح 498، الوسائل 18: 333 ب (200) من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
(5) الكافي 7: 210 ح 4، الفقيه 4: 24 ح 56، الوسائل 18: 446 ب (12) من أبواب حد
القذف ح 3. (*)
ص 419
وأنكر بعض المتأخرين ذلك، وظن أن المساحقة كالزانية، في سقوط دية العذرة وسقوط
النسب.
الاصل في هذه المسألة ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال: سمعت أبا جعفر
وأبا عبد الله عليهما السلام يقولان: (بينا الحسن بن علي عليهما السلام في مجلس
أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل قوم، فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين
عليه السلام. قال: وما حاجتكم؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة. قال: وما هي
تخبرونا بها؟ فقالوا: امرأة جامعها زوجها، فلما قام عنها قامت بحموتها (1) فوقعت
على جارية بكر فساحقتها، فألقت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن
عليه السلام: معضلة وأبو الحسن لها. وأقول: فإن أصبت فمن الله ثم من أمير المؤمنين
عليه السلام، وإن أخطأت فمن نفسي، فأرجوا أن لا أخطئ إن شاء الله تعالى. يعمد إلى
المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة، لان الولد لا يخرج منها حتى تشق
وتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة، لانها محصنة، وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها،
ويرد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد الجارية الحد. قال: فانصرف القوم من عند الحسن
عليه السلام، فلقوا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: ما قلتم لابي محمد، وما قال
لكم؟ فأخبروه.
(هامش)
(1) أي: بشهوتها، وحمو كل شي: حرها. لسان العرب 14: 198. (*)
ص 420
فقال: لو أني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر مما قال ابني) (1). وروى إسحاق (2) بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قريبا من ذلك. وعمل بمضمونها الشيخ (3) وأتباعه
(4). والمصنف - رحمه الله - وافق على الاحكام الثلاثة غير الرجم، بناء على أصله
السابق في حد المساحقة. وابن إدريس (5) رد الاحكام كلها عدا إثبات الجلد على البكر،
نظرا إلى وجود مقتضاه وهو المساحقة. واعترض على الرجم بما أثبته سابقا من كون الحد
الجلد مطلقا. وعلى إلحاق الولد بالرجل بأنه غير مولود على فراشه، وقد قال صلى الله
عليه وآله: (الولد للفراش) (6)، والبكر ليست فراشا له، لان الفراش عبارة عن المعقود
عليها مع إمكان الوطي، ولا هو من شبهة. وعلى إلزام المرأة بالمهر، فإن البكر مختارة
غير مكرهة، والزنا بالمختارة لا يوجب المهر، فهنا أولى. ولانها بغي، وقد نهى (7)
رسول الله صلى الله عليه وآله عن مهر البغي.
(هامش)
(1) الكافي 7: 202 ح 1، الوسائل 18: 426 ب (3) من أبواب حد السحق ح 1. (2) الكافي
7: 203 ح 2، الفقيه 4: 31 ح 89، التهذيب 10: 58 ح 212، الوسائل 18: 427 ب (3) من
أبواب حد السحق ح 2. (3) النهاية: 707. (4) المهذب 2: 532. (5) السرائر 3: 465. (6)
الكافي 7: 163 ح 3، التهذيب 9: 343 ح 1232، الاستبصار 4: 183 ح 687، الوسائل 17:
567 ب (8) من أبواب ميراث ولد الملاعنة ح 4. (7) الخصال: 417 ح 10، الوسائل 12: 64
ب (5) من أبواب ما يكتسب به ح 13، 14. (*)
ص 421
والمصنف - رحمه الله - قد أشار هنا إلى جوابه عن جميع ذلك. أما عن إلحاق الولد
فلانه مخلوق من مائه (1)، وهو غير زان، بل عن وطي صحيح، غايته أن التفريط من
المرأة، وذلك لا يسقط حق الرجل، وإنما يوجب عدم إلحاقه بها من حيث بغيها، ونحن نقول
به. وأما المهر فلان المساحقة سبب في إذهاب عذرتها، فلزمها عوضها وهو مهر نسائها.
وفرق بينها وبين الزانية، لان الزانية أذنت في الافتضاض وإذهاب العذرة فلا عوض لها،
وهذه لم تأذن في ذلك، وإنما تعدت بالملاصقة المحرمة. وبالجملة، فغير الشيخ وأتباعه
من الموجبين للرجم على المساحقة يردون هذا الحديث وإن عملوا ببعض موجبه، وهو ما
وافق القواعد الشرعية لذلك، لا لوروده فيه، وإلا لاوجبوا الرجم على المحصنة. ولقد
كان القول به أولى، لصحة الرواية واعتبار حكمها، فكانت أرجح مما استدلوا به على
عدمه. وبقي من أحكام المسألة لحوق الولد بالمرأة. أما الكبيرة فلا يلحق بها قطعا،
لانه لم يتولد منها، وإنما كانت سببا في تولده. وأما الصبية ففي إلحاقه بها وجهان،
من حيث إنها ولدته من غير زنا فيلحق بها، ومن انتفاء سبب الالحاق، وهو العقد الصحيح
أو الشبهة. ولانه بحكم الزنا، ولهذا يجب عليها الحد. وهذا أقوى.
(هامش)
(1) في (أ، ت، خ): نطفته. (*)
ص 422
وأما القيادة: فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، أو بين الرجال والرجالللواط.
ويثبت بالاقرار مرتين، مع بلوغ المقر وكماله وحريته واختياره، أو شهادة شاهدين. ومع
ثبوته، يجب على القواد خمسة وسبعون جلدة. وقيل: يحلق رأسه ويشهر. ويستوي فيه: الحر،
والعبد، والمسلم، والكافر. وهل ينفى بأول مرة؟ قال في النهاية: نعم. وقال المفيد -
رحمه الله -: ينفى في الثانية. والاول مروي. وأما المرأة فتجلد. وليس عليها: جز،
ولا شهرة، ولا نفي.
قوله: (وأما القيادة... إلخ). اتفق الجميع على أن حد القيادة
(1) مطلقا خمس وسبعون جلدة. واختلفوا في ثبوت شي آخر معها، فأثبت الشيخ في النهاية
(2) معها على الرجل حلق رأسه، وشهرته في البلد، والنفي من بلده الذي فعل فيه الفعل
إلى غيره. وقال المفيد (3): يجلد في المرة الاولى، ويحلق رأسه ويشهر، فإن عاد ثانية
جلد ونفي. وتبعه أبو الصلاح (4) وسلا ر (5).
(هامش)
(1) في (أ): القواد. (2) النهاية: 710. (3) المقنعة: 791. (4) الكافي في الفقه:
410. (5) المراسم: 257. (*)
ص 423
وزاد أبو الصلاح (1): فإن عاد ثالثة جلد، فإن عاد رابعة استتيب، فإن تاب قبلت توبته
وجلد، فإن أبى التوبة قتل، فإن تاب ثم أحدث بعد التوبة خامسة قتل على كل حال. وليس
في الباب من الاخبار سوى رواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام، وقد سأله
عن حد القواد، فقال: (يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطا، وينفى من المصر
الذي هو فيه) (2). وهي تدل على نفيه بأول مرة كما ذكره الشيخ، لكن ليس فيه الحلق
والشهرة. مع أن في طريقه محمد بن سليمان، وهو مشترك بين جماعة منهم الثقة وغيره،
ومن ثم جعل المصنف حلق رأسه وشهرته قولا مؤذنا بضعفه، لعدم وقوفه على مستنده. وقد
أحسن ابن الجنيد (3) - رحمه الله - حيث اقتصر من حكم القيادة على ذكر الرواية.
(هامش)
(1) الكافي في الفقه: 410. (2) الكافي 7: 261 ح 10، الفقيه 4: 34 ح 100، التهذيب
10: 64 ح 235، الوسائل 18: 429 ب (55) من أبواب حد السحق والقيادة ح 1. (3) لم نعثر
عليه. (*)
ص 424
الباب الثالث في حد القذف

والنظر في أمور أربعة:
النظر الاول في الموجب

وهو الرمي بالزنا
أو اللواط، كقوله: زنيت أو لطت أو ليط بك، أو أنت زان أو لائط أو منكوح في دبره،
وما يؤدي هذا المعنى صريحا، مع معرفة القائل بموضوع اللفظ، بأي لغة اتفق.
قوله:
(وهو الرمي بالزنا أو اللواط... إلخ). القذف من الذنوب الكبائر، روي أنه صلى الله
عليه وآله قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك
بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي
يوم الزحف، وقذف المحصنات) (1). ويتعلق بالقذف الحد بالاجماع، قال تعالى: (والذين
يرمون المحصنات) إلى قوله: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) (2). وروى عبد الله بن سنان في
الحسن قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن
الفرية ثلاث - يعني: ثلاث وجوه -: رمي الرجل بالزنا، وإذا قال: إن أمه زانية، وإذا
دعي لغير أبيه، فذلك فيه حد ثمانون) (3).
(هامش)
(1) الخصال: 364 ح 57، الوسائل 11: 261 ب (46) من أبواب جهاد النفس ح 34. (2)
النور: 4. (3) الكافي 7: 205 ح 1، التهذيب 10: 65 ح 236، الوسائل 18: 432 ب (2) من
أبواب حد القذف ح 2. (*)
ص 425
ولو قال لولده الذي أقر به: لست بولدي، وجب عليه الحد. وكذا لو قال لغيره: لست
لابيك. ولو قال: زنت بك أمك، أو يا ابن الزانية، فهو قذف للام. وكذا لو قال: زنى بك
أبوك، أو يا ابن الزاني، فهو قذف لابيه. ولو قال: يا ابن الزانيين، فهو قذف لهما،
ويثبت به الحد، ولو كان المواجه كافرا، لان المقذوف ممن يجب له الحد.
وأصل القذف
الرمي، يقال: قذف بالحجارة أي: رماها (1)، فكأن الساب يرمي المسبوب بالكلمة
المؤذية. قوله: (ولو قال لولده... إلخ). هذه الصيغة عندنا من ألفاظ القذف الصريح
لغة وعرفا، فيثبت بها الحد لامه. ونبه بالتسوية بين الصيغتين على خلاف بعض (2)
العامة، حيث فرق بينهما وجعل الثانية قذفا دون الاولى، استنادا إلى أن الاب يحتاج
في تأديب الولد إلى مثل ذلك، زجرا له عما لا يليق بنسبه وقومه، فيحمل ذلك منه على
التأديب،والاجنبي بخلافه. هذا إذا لم يقصد به القذف، وإلا كان قذفا إجماعا. قوله:
(ولو قال: زنت بك أمك... إلخ). فائدة تعيين المقذوف من الابوين والمواجه يظهر فيما
لو اختلف حكمهم في إيجاب الحد وعدمه، كما لو كان المحكوم بقذفه مسلما والمنفي عنه
كافرا، وبالعكس، وفي توقف ثبوته على مرافعة المستحق.
(هامش)
(1) القاموس المحيط 3: 183. (2) روضة الطالبين 6: 292. (*)
ص 426
ولو قال: ولدت من الزنا، ففي وجوب الحد لامه تردد، لاحتمال انفراد الاب بالزنا، ولا
يثبت الحد مع الاحتمال. أما لو قال: ولدتك أمك من الزنا، فهو قذف للام. وهنا
الاحتمال أضعف. ولعل الاشبه عندي التوقف، لتطرق الاحتمال وإن ضعف. ولو قال: يا زوج
الزانية، فالحد للزوجة. وكذا لو قال: يا أبا الزانية، أو يا أخا الزانية، فالحد لمن
نسب إليها الزنا دون المواجه.
ثم على تقدير كون القذف للابوين أو لاحدهما دون
المواجه يعزر للمواجه زيادة على الحد، لايذائه المحرم بمواجهته بالقذف وإن كان
متعلقه غيره. قوله: (ولو قال: ولدت من الزنا... إلخ). هنا مسألتان: الاولى: إذا قال
لغيره: ولدت من الزنا، ففي وجوب الحد بذلك وجهان: أحدهما - وهو الاشهر -: ثبوته،
لتصريحه بتولده من الزنا، فيكون قذفا صريحا يثبت به الحد. لكن يقع الاشتباه في
متعلقه وهو مستحق الحد، فذهب الشيخان (1) والقاضي (2) والمصنف في النكت (3) وجماعة
(4) إلى أنه الام، لاختصاصها بالولادة ظاهرا، وقد عدى الولادة إلى الزنا بحرف الجر،
ومقتضاه نسبة الام إلى الزنا، لانه على هذا التقدير يكون ولادتها له عن زنا. ولانه
الظاهر عرفا، والحقيقة العرفية أولى من اللغوية.
(هامش)
(1) راجع المقنعة: 793 - 794 ولكن حكم بالتسوية بين قوله: (يا ولد زنا) وقوله: (زنت
بك أمك)، وصرح في الثاني بأن الحق له لا للام، ولم نجد له كلاما غير هذا، النهاية:
723. (2) المهذب 2: 547. (3) النهاية ونكتها 3: 339. (4) المختلف: 780. (*)
ص 427
وقيل: متعلقه الابوان معا، لان نسبته إليهما واحدة، فلا اختصاص لاحدهما دون الاخر.
ولان الولادة إنما يتم بهما، فهما والدان لغة وعرفا، وقد نسبت الولادة إلى الزنا،
وهي قائمة بهما، فيكون القذف لهما. وهو أحد قولي العلامة (1) والشهيد في الشرح (2).
والثاني: أنه لا يثبت لاحدهما ولا للمواجه. أما المواجه فظاهر، لانه لم ينسب الفعل
إليه. وأما الابوان فلان هذا اللفظ يحتمل كون الزنا مختصا بالام، لان الولادة مختصة
بها كما ذكر، ويكون الاب مشبها (3) عليه أو مكرها، فلا يتحقق نسبته إليه بمجرد ذلك،
وكونه من الاب، لان النسب يقوم بكل واحد منهما، ويحتمل كون الام مكرهة أو مشبها (4)
عليها، ومع ذلك يصدق كونه مولودا من الزنا حيث يكون الاب زانيا، وكونه منهما، وإذا
تعدد الاحتمال في اللفظ بالنسبة إلى كل منهما لم يعلم كونه قذفا لاحدهما بخصوصه ولا
المستحق، فتحصل الشبهة الدارئة للحد. وهذا هو الظاهر من كلام المصنف هنا، لان قوله:
(لاحتمال انفراد الاب) لا يريد به أن الاب داخل في القذف على التقديرين، بل يريد
أنه كما يحتمل كون النسبة إلى الام يحتمل كونها إلى الاب، بأن يكون منفردا بالزنا،
ومع الاحتمال يسقط الحد للشبهة. وصراحة اللفظ في القذف مع اشتباه المقذوف لا يوجب
الحد، لتوقفه على مطالبة المستحق، وهو غير معلوم، كما لو سمع واحد يقذف أحدا بلفظ
صريح
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 260. (2) غاية المراد: 343. (3) في (خ، م): مشتبها. (4) في
(خ، م): مشتبها. (*)
ص 428
ولم يعلم المقذوف، فإنا لانحده بذلك. ويمكن الفرق بانحصار [ذلك] (1) الحق في
المتنازع في الابوين، فإذا اجتمعا على المطالبة تحتم الحد، لمطالبة المستحق قطعا
وإن لم يعلم عينه. ولعل هذا أجود. نعم، لو انفرد أحدهما بالمطالبة تحقق الاشتباه،
واتجه عدم ثبوت الحد حينئذ، لعدم العلم بمطالبة المستحق [به] (2). الثانية: لو صرح
بذكر الام فقال: ولدتك أمك من الزنا، فإن قلنا بثبوت الحق في السابقة للام خاصة
أولهما فلا إشكال في ثبوته هنا لها. وبهذا صرح ابنإدريس (3) مع مخالفته في الاولى.
وإن قلنا بعدم ثبوته لها في السابقة احتمل ثبوته هنا، لانه ظاهر في نسبته إليها.
ويحتمل العدم، لان ولادتها إياه من الزنا أعم من كونها زانية، لجواز كون الزاني هو
الاب، وهي مكرهة أو مشبه (4) عليها. ولان المتعدي ب (من) إنما هو الولادة على
التقديرين، وتوسط الام في الولادة لازم عليهما (5)، فلا فرق بين المسألتين، وإن كان
الاشكال في هذه أقوى. والمصنف - رحمه الله - رجح هنا التوقف أيضا، لقيام الاحتمال
الدافع للحد بالشبهة وإن ضعف. وله وجه، إلا أن يجتمع الابوان على المطالبة بالحد
كما سبق، فيتجه القول بثبوته. مع احتمال العدم أيضا، لان مطالبة كل واحد منهما غير
معلومة التأثير في جواز الاستيفاء مع الانفراد، فكذا مع الاجتماع.
(هامش)
(1) من (أ). (2) من (أ، ث). (3) السرائر 3: 517. (4) في (خ): مشتبه. (5) في (أ، د،
م): عليها. (*)
ص 429
ولو قال: زنيت بفلانة، أو لطت به، فالقذف للمواجه ثابت. وفي ثبوته للمنسوب إليه
تردد. قال في النهاية وفي المبسوط: يثبت حدان، لانه فعل واحد، متى كذب في أحدهما
كذب في الاخر. ونحن لا نسلم أنه فعل واحد، لان موجب الحد في الفاعل غير الموجب في
المفعول. وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه.
قوله: (ولو قال: زنيت
بفلانة... إلخ). إذا أضاف زنا المواجه أو لواطه إلى معين، فلا خلاف في كونه قذفا
للمواجه، لدلالة لفظه على وقوعه منه اختيارا. وأما المنسوب إليه ففي كونه قذفا له
قولان: أحدهما - وهو مذهب المفيد (1)، والشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3)، وأتباعه
(4) -: الثبوت، لان الزنا فعل واحد يقع بين اثنين، ونسبة أحدهما إليهبالفاعلية
والاخر بالمفعولية، فيكون قذفا لهما. ولان كذبه في أحدهما يستلزم كذبه في الاخر،
لاتحاد الفعل. واعترض المصنف - رحمه الله - بمنع اتحاده، لان الموجب في الفاعل
التأثير وفي المفعول التأثر، وهما متغايران، وجاز أن يكون أحدهما مكرها والاخر
مختارا.
(هامش)
(1) المقنعة: 793. (2) النهاية: 725 - 726. (3) المبسوط 8: 16. (4) المهذب 2: 548،
فقه القرآن للراوندي 2: 389، غنية النزوع: 428، إصباح الشيعة: 520. (*)
ص 430
ولو قال لابن الملاعنة: يا ابن الزانية، فعليه الحد. ولو قال لابن المحدودة قبل
التوبة، لم يجب به الحد، وبعد التوبة يثبت الحد.
والحق أنهما فعل واحد. واختلاف
النسبة يجوز اختلاف الحكم كما ذكر، لا اختلاف الفعل. والثاني: عدم ثبوته للمنسوب
إليه، لان مجرد نسبة الفعل إليه أعم من كونه زانيا، لجواز الاكراه، وهذا وإن كان
خلاف الظاهر إلا أنه ممكن، فيكون شبهة يدرأ بها الحد. وهو اختيار المصنف في النكت
(1) صريحا، وهنا ظاهرا. وأجيب بالمعارضة بقوله: إنه منكوح في دبره، فإنه يوجب الحد
إجماعا مع احتمال الاكراه، فدل على عدم قدح مجرد الاحتمال. وقوله: زنيت بفلانة، في
معنى: فلانة مزني بها، الذي هو في معنى قوله: منكوح في دبره. والاقوى ثبوته لهما،
إلا مع تصريحه بالاكراه، فينتفي بالنسبة إلى المكره. وحيث يحكم بثبوته لهما يجب
لهما حدان وإن اجتمعا في المطالبة، لان اللفظ هنا متعدد، بدليل أنه لو اقتصر على
قوله: زنيت، من دون أن يذكر الاخر، تحقق القذف للمواجه، فيكون قذف الاخر حاصلا
بضميمة لفظه. كذا ذكره المصنف في النكت (2). قوله: (ولو قال لابن الملاعنة... إلخ).
الفرق بين الملاعنة والمحدودة قبل التوبة - وإن اشتركا في إقامة البينة على الزنا،
من حيث إن شهادات الزوج عليها بمنزلة الشهود الاربعة، ومن ثم وجب عليها الحد بذلك
-: أن شهادات الزوج [بذلك] (3) ليست كالبينة الموجبة لثبوت الزنا
(هامش)
(1) النهاية ونكتها 3: 345 - 346. (2) من الحجريتين. (3) النهاية ونكتها 3: 345 -
346. (*)
ص 431
في حقها مطلقا، ومن ثم كان لها دفعه باللعان، ولو كان ثبوته بالبينة المحضة لم يكن
لها دفعه. فثبوته في حقها مطلقا بشهاداته إنما هو بالنسبة إلى الزوج خاصة، فيحد
قاذفها، بخلاف من ثبت عليها الزنا بالبينة أو الاقرار قبل التوبة، فإنها خرجت بذلك
عن الاحصان الذي هو شرط ثبوت الحد على القاذف. ولو تابت سقط حكم ذلك الفعل، وثبت
على قاذفها الحد. ويدل عليه حسنة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبيه قال: (سألت أبا
عبد الله وأبا الحسن عليهما السلام عن امرأة زنت فأتت بولد، وأقرت عند إمام
المسلمين بأنها زنت وأن ولدها ذلك من الزنا، فأقيم عليها الحد، وأن ذلك الولد نشاء
حتى صار رجلا، فافترى عليه رجل، هل يجلد من افترى عليه؟ قال: يجلد ولا يجلد، قلت:
كيف يجلد ولا يجلد؟ فقال: من قال له: يا ولد الزنا، لا يجلد إنما يعزر وهو دون
الجلد، وإذا قال: يابن الزانية، جلد الحد [تاما، فقلت: كيف صار هذا هكذا؟ فقال: إنه
إذا قال: يا ولد الزنا، كان قد صدق فيه، وعزر على تعييره أمه ثانية، وقد أقيم عليها
الحد، وإذا قال: يابن الزانية، جلد الحد تاما] (1)، لفريته عليها بعد إظهارها
التوبة وإقامة الامام عليها الحد) (2). ويدل على ثبوت الحد بقذف الملاعنة حسنة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل قذف ملاعنة، قال: عليه الحد) (3). ولو
قال لامرأته: زنيت بك، فلها حد على التردد المذكور. ولا يثبت في طرفه حد الزنا حتى
يقر أربعا.
(هامش)
(1) من (د). ووردت في مصادر الحديث. (2) الكافي 7: 206 ح 7، التهذيب 10: 67 ح 250،
الوسائل 18: 441 ب (7) من أبواب حد القذف ح 1. وفي المصادر: عن الفضل بن إسماعيل
الهاشمي عن أبيه. (3) الكافي 7: 206 ح 8، الوسائل 18: 442 ب (8) من أبواب حد القذف
ح 3. (*)
ص 432
ولو قال: يا ديوث أو يا كشخان أو يا قرنان، أو غير ذلك من الالفاظ، فإن أفادت القذف
في عرف القائل، لزمه الحد. وإن لم يعرف فائدتها، أو كانت مفيدة لغيره، فلا حد.
ويعزر إن أفادت فائدة يكرهها المواجه.
قوله: (ولو قال لامرأته... إلخ). هو المذكور
في المسألة السابقة في قوله: زنيت بفلانة، من حيث احتمال كونها مكرهة، فلا يكون
قذفا لها. والاقوى ثبوته ما لم يدع الاكراه، بتقريب ما سبق.وأما رواية محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام: (في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال: عليه حد
واحد، لقذفه إياها، وأما قوله: أنا زنيت بك، فلا حد فيه، إلا أن يشهد على نفسه أربع
شهادات بالزنا عند الامام) (1). فلا يدل على ثبوت الحد بقوله: أنا زنيت بك، ولا
نفيه، لان حد القذف ثابت على المذكور في الرواية بالكلمة الاولى، وهي قوله: يا
زانية، ويبقى حكم الاخرى على الاشتباه. ولا يلزم من تعليق الحكم على اللفظين ثبوته
مع أحدهما، إلا أنه ثابت بالاول من دليل خارج. قوله: (ولو قال: يا ديوث... إلخ).
هذه الالفاظ ليست موضوعة لغة لمعنى يوجب القذف، وإنما هي ألفاظ عرفية يرجع فيها إلى
عرف القائل، فإن أفادت القذف لزمه الحد، وإلا فلا.
(هامش)
(1) الكافي 7: 211 ح 1، الفقيه 4: 37 ح 116، التهذيب 10: 76 ح 291، الوسائل 18: 446
ب (133) من أبواب حد القذف ح 1. (*)
ص 433
وكل تعريض بما يكرهه المواجه، ولم يوضع للقذف لغة ولا عرفا، يثبت به التعزير لا
الحد، كقوله: أنت ولد حرام، أو حملت بك أمك في حيضها، أو يقول لزوجته: لم أجدك
عذراء، أو يقول: يا فاسق، أو يا شارب الخمر، وهو متظاهر بالستر، أو يا خنزير أو يا
حقير أو يا وضيع. ولو كان المقول له مستحقا للاستخفاف، فلا حد ولا تعزير. وكذا كل
ما يوجب أذى، كقوله: يا أجذم، أو يا أبرص.
قال ثعلب (1): القرنان والكشخان لم أرهما
في كلام العرب، ومعناهما عند العامة مثل معنى الديوث أو قريب منه. وقد قيل: إن
الديوث هو الذي يدخل الرجال على امرأته. وقيل: القرنان من يدخلهم على بناته،
والكشخان على أخواته. وعلى هذا، فإن كان ذلك متعارفا عند القاذف ثبت عليه الحد،
ترجيحا لجانب العرف على اللغة، وإلا فإن أفادت فائدة يكرهها المواجه دون ذلك فعليه
التعزير، وإن انتفى الامران فلا شي. قوله: (وكل تعريض بما يكرهه... إلخ). لما كان
أذى المسلم غير المستحق للاستخفاف محرما، فكل كلمة يقال له ويحصل له بها الاذى، ولم
تكن موضوعة للقذف بالزنا وما في حكمه لغة ولا عرفا، يجب بها التعزير، لفعل المحرم
كغيره من المحرمات، ومنه التعيير بالامراض. ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سب رجلا بغير قذف يعرض به هل يجلد؟
قال: عليه
(هامش)
(1) انظر المغني لابن قدامة 10: 206. (*)
ص 434
التعزير) (1). والمراد بكون المقول له مستحقا للاستخفاف أن يكون فاسقا متظاهرا
بفسقه، فإنه لا حرمة له حينئذ، لما روي عن الصادق عليه السلام: (إذا جاهر الفاسق
بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة) (2). وفي بعض الاخبار: (من تمام العبادة الوقيعة في
أهل الريب) (3). وروى داود بن سرحان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا
البرأة منهم، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم لئلا يطمعوا في
الفساد في الإسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك
الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الاخرة) (4). ويظهر من قوله: (فلا حد ولا تعزير)
أن بعض المذكورات يوجب الحد وإلا لما كان لنفيه فائدة. وليس كذلك، لان جميعها يوجب
التعزير، إلا أن يريد بنفي الحد في حقه على تقدير قذفه بالزنا مع تظاهره به، فإن
ذلك مما يوجب الحد في غيره. ولكن سيأتي (5) أنه يوجب التعزير. والاولى ترك لفظ
الحد،
(هامش)
(1) الكافي 7: 240 ح 3، التهذيب 10: 81 ح 317، الوسائل 18: 452 ب (19) من أبواب حد
القذف ح 1. (2) أمالي الصدوق (طبعة بيروت): 42 ح 7، الوسائل 8: 604 ب (154) من
أبواب أحكام العشرة ح 4. (3) لم نجده في الجوامع الحديثية. (4) الكافي 2: 375 ح 4،
الوسائل 11: 508 ب (39) من أبواب الامر والنهي ح 1. (5) في ص: 438. (*)
ص 435
النظر
الثاني في القاذف

ويعتبر فيه: البلوغ، وكمال العقل. فلو قذف الصبي، لم يحد وعزر،
وإن قذف مسلما بالغا حرا. وكذا المجنون. وهل يشترط في وجوب الحد الكامل الحرية؟
قيل: نعم، وقيل: لا يشترط. فعلى الاول يثبت نصف الحد، وعلى الثاني يثبت الحد كاملا،
وهو ثمانون.
والاقتصار على نفي التعزير، كما صنع في القواعد (1).واعلم أن إلحاق
قوله: (أنت ولد حرام) بالالفاظ التي لا تدل على القذف هو المشهور بين الاصحاب، صرح
به الشيخان (2) والاكثر (3). وخالف في ذلك ابن إدريس فقال: (إذا قال له: أنت ولد
حرام، فهو كقوله: أنت ولد زنا) (4)، لعدم الفرق بينهما في العرف وعادة الناس وما
يريدونه بذلك. وأجيب: بمنع دلالة العرف على ذلك، بل كثيرا ما يطلق على كونه ردي
الفعال خبيث النفس، ونحو ذلك. ولو فرض احتماله الامرين فليس بصريح في القذف، لقيام
احتمال الدافع للحد. قوله: (وهل يشترط في وجوب... إلخ).
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 260. (2) المقنعة: 795، النهاية: 728. (3) المهذب 2: 550،
إرشاد الاذهان 2: 178. (4) السرائر 3: 529. (*)
ص 436
أكثر الاصحاب - ومنهم الشيخ في النهاية (1) والخلاف (2)، والمصنف في النافع (3) وإن
توقف هنا - على أنه لا يشترط الحرية في ثبوت الحد الكامل على القاذف، بل ادعى عليه
جماعة (4) الاجماع، لعموم قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) (5) الاية. و(الذين)
جمع معرف، فيفيد العموم. ولقول الصادق عليه السلام في حسنة الحلبي: (إذا قذف العبد
الحر جلد ثمانين، هذا من حقوق الناس) (6). وفيها إشارة إلى التعليل بأن ما كان من
حقوق الناس من الحدود لا ينتصف على المملوك. وغيرها من الروايات (7). وقال الشيخ في
المبسوط (8) وابن بابويه (9): يجلد العبد أربعين، لقوله تعالى: (فإن أتين بفاحشة
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (10). ورواية القاسم بن سليمان عن الصادق
عليه السلام أنه: (سأله عن العبد يفتري على الحر كم يجلد؟ قال: أربعين، وقال: إذا
أتى بفاحشة فعليه نصف العذاب) (11).
(هامش)
(1) النهاية: 722 - 723. (2) الخلاف 5: 403 مسألة (47). (3) المختصر النافع: 220.
(4) الخلاف 5: 404 ذيل مسألة (47)، الغنية: 427. (5) النور: 4. (6) الكافي 7: 234 ح
1، التهذيب 10: 72 ح 270، الاستبصار 4: 228 ح 853، الوسائل 18: 435 ب (4) من أبواب
حد القذف ح 4. (7) راجع الوسائل 18: 434 ب (4) من أبواب حد القذف. (8) المبسوط 8:
16. (9) الهداية: 76. (10) النساء: 25. (11) التهذيب 10: 73 ح 278، الاستبصار 4:
230 ح 865، الوسائل 18: 437 ب (4) من أبواب حدالقذف ح 15. (*)
ص 437
ولو ادعى المقذوف الحرية، وأنكر القاذف، فإن ثبت أحدهما عمل عليه، وإن جهل، ففيه
تردد، أظهره أن القول قول القاذف، لتطرق الاحتمال.
وأجيب بأن المراد بالفاحشة
الزنا، على ما ذكره المفسرون (1). ولانها نكرة مثبتة فلا تعم. والرواية معارضة
بالاجماع أو بما هو أجود سندا. وحملت على التقية. وقد تعجب الشهيد - رحمه الله - في
الشرح (2) من المصنف حيث نقل في المسألة قولين ولم يرجح أحدهما مع ظهور المرجح، فإن
القول بالتنصيف نادر جدا. ثم وقع فيما تعجب منه في اللمعة (3)، فاقتصر فيها على نقل
القولين في المسألة. قوله: (ولو ادعى المقذوف الحرية... إلخ). إذا ادعى المقذوف
حرية قاذفه ليقيم عليه الحد كملا، وأنكر القاذف وادعى الرقية، بناء على القول
بتنصيف الحد على المملوك، فإن ثبت أحد الامرين من الحرية أو الرقية بالبينة أو
غيرها فلا كلام. وإن جهل الامران ففي تقديم قول أيهما قولان للشيخ في الخلاف (4)
والمبسوط (5). ففي الاول اختار تقديم قول القاذف، عملا بأصالة البرأة من ثبوت
الزائد. وفي المبسوط نقل القولين، وعلل تقديم قول القاذف بما ذكر في الخلاف،
(هامش)
(1) النكت والعيون للماوردي 1: 473، مجمع البيان 3: 64، الدر المنثور 2: 489. (2)
غاية المراد: 345. (3) اللمعة الدمشقية: 168. (4) الخلاف 5: 407 مسألة (52). (5)
المبسوط 8: 17. (*)
ص 438
النظر
الثالث في المقذوف

ويشترط فيه، الاحصان. وهو هنا عبارة عن: البلوغ، وكمال العقل،
والحرية، والاسلام، والعفة. فمن استكملها، وجب بقذفه الحد. ومن فقدها أو بعضها فلا
حد، وفيه التعزير، كمن قذف: صبيا، أو مملوكا، أو كافرا، أو متظاهرا بالزنا، سواء
كان القاذف مسلما أو كافرا، حرا أو عبدا.
وتقديم قول المقذوف بأصالة الحرية. قال:
وهما جميعا قويان. والاقوى ما اختاره المصنف من تقديم قول القاذف، لتعارض
الاصلين المقتضي لقيام الشبهة في الزائد، فيسقط. قوله: (المقذوف ويشترط فيه... إلخ).
إحصان المقذوف شرط في وجوب الحد على قاذفه، قال تعالى: (والذين يرمون المحصنات) (1)
الاية. والمراد به هنا الجمع لامور أربعة: التكليف، وهو يعتمد البلوغ والعقل،
والحرية، والاسلام، والعفة عن الزنا. والمراد به الوطي الموجب للحد. وقد تقدم (2)
إطلاق الاحصان على معان أخر غير هذا. فمن استكمل هذه الاوصاف وجب بقذفه الحد، وإلا
فالتعزير في غير الاخير. فلا يحد قاذف الصبي والمجنون والمملوك والكافر، بل يعزر
للايذاء. وأما قذف غير العفيف فمقتضى العبارة إيجابه التعزير أيضا، وبه صرح في
(هامش)
(1) النور: 4. (2) في ص: 332. (*)
ص 439
القواعد (1) والتحرير (2). وتنظر فيه شيخنا الشهيد (3) - رحمه الله - من حيث دلالة
الخبرين السابقين (4) على سقوط حرمته. ولعل القذف بالزنا مستثنى، لفحشه وإطلاق
النهي عنه. وقد دل على نفي الحد بقذف الصبي والمجنون صحيحة الفضيل بن يسار قال:
(سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا حد لمن لا حد له، يعني: لو أن مجنونا قذف
رجلا لم يكن عليه حد، ولو قذفه رجل لم يكن عليه الحد) (5). ورواية أبي مريم
الأنصاري عن الباقر عليه السلام وقد سأله: (عن الغلام يقذف هل يجلد؟ قال: لا، وذلك
لو أن رجلا قذف الغلام لم يجلد) (6). وعلى نفيه بقذف الكافر رواية إسماعيل بن
الفضيل قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الافتراء على أهل الذمة وأهل
الكتاب، هل يجلد المسلم الحد في الافتراء عليهم؟ قال: لا ولكن يعزر) (7). وعلى نفيه
بقذف المملوك رواية عبيد بن زرارة قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو
أتيت برجل قد قذف عبدا مسلما بالزنا، لا نعلم منه إلا
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 261. (2) تحرير الاحكام 2: 238. (3) لم نعثر عليه. (4) راجع
ص: 434. (5) الكافي 7: 253 ح 2، الفقيه 4: 38 ح 125، التهذيب 10: 83 ح 325، الوسائل
18: 332 ب (199) من أبواب مقدمات الحدود. وفي المصادر: لمن لا حد عليه.... (6)
الكافي 7: 205 ح 5، التهذيب 10: 68 ح 251، الاستبصار 4: 233 ح 879، الوسائل 18: 439
ب (5) من أبواب حد القذف ح 1. (7) الكافي 7: 243 ح 18، التهذيب 10: 75 ح 289،
الوسائل 18: 450 ب (17) من أبواب حد القذف ح 4. (*)
ص 440
ولو قال لمسلم: يا ابن الزانية، أو أمك زانية، وكانت أمه كافرة أو أمة، قال في
النهاية (1): عليه الحد تاما، لحرمة ولدها. والاشبه التعزير.
خيرا، لضربته الحد حد
الحر إلا سوطا) (2). وهو دال على نفي الحد وإثبات التعزير. وليس على انتفائه بقذف
غير العفيف دليل صريح. والروايتان السابقتان (3)غير صريحتين في ذلك، فينبغي حملهما
على الاستخفاف به بغير القذف. قوله: (ولو قال لمسلم: يابن الزانية... إلخ). وجه
وجوب التعزير خاصة أن المنسوب إليه كافر فلا يجب بقذفه سوى التعزير، كما لو واجهه
به. ولاصالة برأة الذمة من الزائد. وحرمة الولد غير كافية في تحصين الام، لما تقدم
من أن [من] (4) شرطه الإسلام، وهو منتف. والشيخ - رحمه الله - استند في قوله بثبوت
الحد إلى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام أنه: (سئل عن
اليهودية والنصرانية تحت المسلم فيقذف ابنها، قال: يضرب القاذف، لان المسلم قد
حصنها) (5). وفيها قصور في السند والدلالة. أما الاول فلان في طريقها بنان بن محمد
وحاله مجهول، وأبان وهو مشترك بين الثقة وغيره. وأما الثاني فمن وجهين:
(هامش)
(1) النهاية: 725. (2) الكافي 7: 208 ح 17، الفقيه 4: 37 ح 119، التهذيب 10: 71 ح
266، الوسائل 18: 434 ب (44) من أبواب حد القذف ح 2. (3) راجع ص: 434. (4) من (ث،
د، م). (5) الكافي 7: 209 ح 21، التهذيب 10: 75 ح 290، الوسائل 18: 450 ب (17) من
أبواب حد القذف ح 6. (*)
ص 441
أحدهما: قوله: (فيقذف ابنها) فإنه أعم من كونه بنسبة الزنا إليها، وإن كان ظاهر
قوله: (إن المسلم قد حصنها) يشعر به. ولان القذف بذلك ليس قذفا لابنها، بل لها، ومن
ثم كان المطالب بالحد هو الام. والثاني: من قوله: (يضرب القاذف) فإنه أعم من كونه
حدا أو تعزيرا، لاشتراكهما في مطلق الضرب، ونحن نقول بأنه يثبت بذلك التعزير. هذا
على الرواية التي رواها الشيخ في التهذيب. وأما الكليني فإنه رواها بطريق آخر، وليس
فيه بنان. وذكر في متنها بدل قوله: ويضرب القاذف: (ويضرب حدا... إلخ). وعليه ينتفي
الايراد الاخير. ويؤيده التعليل بالتحصين. ووافق الشيخ على ذلك جماعة (1)، وقبله
ابن الجنيد (2). وذكر أنه مروي (3) عن الباقر عليه السلام. قال (4): وروى الطبري أن
الامر لم يزل على ذلك إلى أن أشار عبد الله بن عمر على عمر بن عبد العزيز بأن لا
يحد مسلم في كافر، فترك ذلك. والاقوى الاول.
(هامش)
(1) المهذب 2: 548.(2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 780. (3) لعل المراد رواية أبي
بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام، انظر الفقيه 4: 35 ح 107، التهذيب 10: 87 ح
339، الوسائل 18: 451 ب (17) من أبواب حد القذف ح 7. (4) حكاه عنه الشهيد في غاية
المراد: 345. ولم نجده في تاريخ الطبري وتفسيره. وهو خطاء واضح، لان عمر بن عبد
العزيز مات سنة 101 عن تسع وثلاثين سنة، واستخلف سنة تسع وتسعين، ومات عبد الله بن
عمر سنه 73 أو 74، أي: قبل استخلاف عمر بن عبد العزيز بخمس وعشرين سنة، فكيف يصح أن
يشير عليه، وعمره حين موت ابن عمر إحدى عشرة سنة؟! راجع أسد الغابة 3: 230، تاريخ
الطبري 6: 565. (*)
ص 442
ولو قذف الاب ولده، لم يحد وعزر. وكذا لو قذف زوجته الميتة، ولا وارث إلا ولده.
نعم، لو كان لها ولد من غيره، كان لهم الحد تاما. ويحد الولد لو قذف أباه، والام لو
قذفت ولدها. وكذا الاقارب.
قوله: (ولو قذف الاب ولده... إلخ). إذا قذف الاب ولده
قذفا يوجب الحد لو كان من غيره لم يحد لاجله، لانه لا يثبت على الاب عقوبة لاجل
ولده من قتل ولا حد. وللامام أن يعزره من حيث فعله المحرم، لا لاجل حق ولده. ويدل
على جملة هذه الاحكام حسنة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل
قذف ابنه بالزنا؟ قال: لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم يجلد له. قلت: فإن قذف أبوه
أمه؟ قال: إن قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا، ولم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه،
وفرق بينهما، ولم تحل له أبدا. قال: وإن كان قال لابنه وأمه حية: يابن الزانية، ولم
ينتف من ولدها، جلد الحد لها، ولم يفرق بينهما. قال: وإن كان قال لابنه: يابن
الزانية وأمه ميتة، ولم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه، فإنه لا يقام
عليه الحد، لان حق الحد قد صار لولده منها. وإن كان لها ولد من غيره فهو وليها يجلد
له. وإن لم يكن لها ولد من غيره، وكان لها قرابة يقومون بأخذ الحد، جلد لهم) (1).
(هامش)
(1) الكافي 7: 212 ح 13، التهذيب 10: 77 ح 298، الوسائل 18: 447 ب (14) من أبواب حد
القذف. (*)
ص 443
النظر
الرابع في الاحكام

وفيه مسائل: الاولى: إذا قذف جماعة، واحدا بعد واحد، فلكل واحد
حد. ولو قذفهم بلفظ واحد، وجأوا به مجتمعين، فلكل حد واحد. ولو افترقوا في
المطالبة، فلكل واحد حد.
قوله: (إذا قذف جماعة... إلخ). هذا التفصيل هو المشهور بين
الاصحاب. ومستنده صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل افترى
على قوم جماعة، فقال: إن أتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين ضرب
لكل واحد حدا) (1). وإنما حملناه على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع أنه أعم، جمعا
بينه وبين رواية الحسن العطار عنه عليه السلام: (في رجل قذف قوما جميعا، قال: بكلمة
واحدة؟ قلت: نعم، قال: يضرب حدا واحدا، وإن فرق بينهم في القذف ضرب لكل واحد منهم
حدا) (2). بحمل الاولى على ما لو كان القذف بلفظ واحد، والثانية على ما لو جأوا به
مجتمعين. وابن الجنيد (3) عكس الامر، فجعل القذف بلفظ واحد موجبا لاتحاد الحد
(هامش)
(1) الكافي 7: 209 ح 1، التهذيب 10: 68 ح 254، الاستبصار 4: 227 ح 848، الوسائل 18:
444 ب (11) من أبواب حد القذف ح 1. (2) الكافي 7: 209 ح 2، التهذيب 10: 69 ح 256،
الاستبصار 4: 227 ح 851، الوسائل 18: 444 الباب المتقدم ح 2. (3) حكاه عنه العلامة
في المختلف: 781. (*)
ص 444
وهل الحكم في التعزير كذلك؟ قال جماعة: نعم. ولا معنى للاختلاف هنا. وكذا لو قال:
يابن الزانيين، فالحد لهما، ويحد حدا واحدا مع الاجتماع على المطالبة، وحدين مع
التعاقب.
مطلقا، وبلفظ متعدد موجبا للاتحاد إن جأوا به مجتمعين، والتعدد إن جأوا به
متفرقين. ونفى عنه في المختلف (1) البأس، محتجا بدلالة الخبر الاول عليه. وهو أوضح
طريقا، لان في طريق الثاني أبان مطلقا، وهو مشترك بين الثقة وغيره، والحسن العطار
[وهو] (2) ممدوح خاصة. وإنما يتم دلالة الخبر الاول عليه إذا جعلنا (جماعة) صفة
للقذف المدلول عليه بالفعل وهو (افترى)، وأريد بالجماعة القذف المتعدد. ولو جعلناه
صفة مؤكدة للقوم شمل القذف المتحد والمتعدد، فالعمل به يقتضي التفصيل فيهما، ولا
يقولون به. وفي الباب أخبار (3) أخر مختلفة غير معتبرة الاسناد. قوله: (وهل الحكم
في التعزير كذلك؟... إلخ). المشهور بين الاصحاب أن حكم التعزير حكم الحد في التفصيل
السابق، فيتعدد على فاعله إذا تعدد سببه بألفاظ متعددة لجماعة، بأن قال لكل منهم:
إنه فاسق مثلا. وكذا مع اتحاد اللفظ ومجيئهم به متفرقين، ويتحد مع مجيئهم به
مجتمعين. ولا نص على حكم التعزير بخصوصه، لكن تداخل الحد يقتضي تداخل التعزير
الاضعف بطريق أولى. وأما التعدد فهو باق على حكم الاصل. الاولى: الاولى: الاولى:
الاولى: الاولى: الاولى: الاولى: الثانية: الثانية: الثانية: الثانية: الثانية:
الثانية: الثالثة: الثالثة: الثالثة: الثالثة: الثالثة: الثالثة: الرابعة: الرابعة:
الرابعة: الرابعة: الرابعة: الرابعة: الخامسة: الخامسة: الخامسة: الخامسة: الخامسة:
الخامسة: الثانية: الثانية: الثانية: الثانية: الثانية: الثانية:الثالثة: الثالثة:
الثالثة: الثالثة: الثالثة: الثالثة: الرابعة: الرابعة: الرابعة: الرابعة: الرابعة:
الرابعة: الخامسة: الخامسة: الخامسة: الخامسة: الخامسة: الخامسة: مسائل: مسائل:
الاول: في أقسامه في المقذوف الاول: البلوغ الثاني: الثالث: ما به يثبت الرابع:
(هامش)
(1) المختلف: 781. (2) من الحجريتين. (3) راجع الوسائل 18: 444 ب (11) من أبواب حد
القذف. (*)
ص 445
الثانية: حد القذف موروث، يرثه من يرث المال من الذكور والاناث، عدا الزوج والزوجة.
وأنكر ذلك ابن إدريس (1)، وأوجب التعزير لكل واحد مطلقا، محتجا بتعدد السبب المقتضي
لتعدد المسبب، وإلحاقه بالحد قياس لا نقول به. ونحن نقول بموجبه إلا أنه قياس
مقبول. والمصنف - رحمه الله - حقق هنا أنه لا معنى للاختلاف في التعزير، لان المرجع
في كميته إلى نظر الحاكم. وحينئذ فلا يفرق فيه بين المتحد والمتعدد، لانه إذا رأى
صلاحا في زيادته على المعزر (2) زاده بما يصلح أن يكون صالحا للتعدد على تقدير
نقصانه عن ذلك، وبالعكس. ويمكن أن يظهر للاختلاف معنى [يدل] (3) على تقدير زيادة
عدد المقذوفين عن عدد أسواط الحد، فإنه مع الحكم بتعدد التعزير يجب ضربه أزيدمن
الحد ليخص كل واحد منهم سوطا فصاعدا، وعلى القول باتحاده لا يجوز له بلوغ الحد
بالتعزير مطلقا. وقد تظهر الفائدة في صورة النقصان أيضا. قوله: (حد القذف موروث...
إلخ). المراد بكون حد القذف موروثا لمن ذكر أن لاقارب المقذوف الذين يرثون ماله أن
يطالبوا به. وكذا لكل واحد منهم مع عفو الباقين. وليس ذلك على حد إرث المال، فيرث
كل واحد حصته منه، بل هو مجرد ولاية على استيفائه، فللواحد من الجماعة المطالبة
بتمام الحد. وبهذا يجمع بين الحكم بكونه موروثا وما ورد من الاخبار بكونه غير
موروث، بمعنى أنه لا يورث على حد ما يورث
(هامش)
(1) السرائر 3: 535. (2) في (د، ط): المقرر. (3) من (خ، ط). (*)
ص 446
الثالثة: لو قال: ابنك زان أو لائط، أو بنتك زانية، فالحد لهما لا للمواجه. فإن
سبقا بالاستيفاء أو العفو فلا بحث. وإن سبق الاب، قال في النهاية: له المطالبة
والعفو. وفيه إشكال، لان المستحق موجود، وله ولاية المطالبة، فلا يتسلط الاب، كما
في غيره من الحقوق.
المال، وإلا لورثه الزوجان، ولم يكن للواحد المطالبة بأزيد من
حصته منه. وفي رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته يقول:
إن الحد لا يورث كما يورث الدية والمال والعقار، ولكن من قام به من الورثة وطلبه
فهو وليه، ومن تركه فلم يطلبه فلا حق له، وذلك مثل رجل قذفرجلا وللمقذوف أخوان، فإن
عفا عنه أحدهما كان للاخر أن يطالبه بحقه، لانها أمهما جميعا، والعفو إليهما جميعا)
(1). قوله: (لو قال: ابنك زان أو لائط... إلخ). قد تقدم (2) أن قوله: (ابنك كذا)
ونحوه قذف للمنسوب إليه لا للمواجه، لانه لم ينسب إليه فعلا قبيحا. ولازم ذلك أن حق
المطالبة والعفو فيه للمقذوف لا للمواجه، كما في غيره من الحقوق. وإلى هذا ذهب
الاكثر. وقال الشيخ في النهاية (3): إن للاب العفو والاستيفاء. واحتج له في المختلف
(4) بأن العار لاحق به، فله المطالبة بالحد والعفو. والكبرى ممنوعة.
(هامش)
(1) الكافي 7: 255 ح 1، التهذيب 10: 83 ح 327، الاستبصار 4: 235 ح 883، الوسائل 18:
334 ب (23) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (2) تقدم البحث في نظائره في ص: 425 - 426.
(3) النهاية: 724. (4) المختلف: 780. (*)
ص 447
الرابعة: إذا ورث الحد جماعة، لم يسقط بعضه بعفو البعض، وللباقين المطالبة بالحد
تاما ولو بقي واحد. أما لو عفا الجماعة، أو كان المستحق واحدا فعفا، فقد سقط الحد.
ولمستحق الحد أن يعفو قبل ثبوت حقه وبعده. وليس للحاكم الاعتراض عليه. ولا يقام إلا
بعد مطالبة المستحق.
قوله: (إذا ورث الحد جماعة... إلخ). قد تقدم (1) أن إرث الحد
ليس على حد ميراث غيره، وإنما هو مجرد ولاية، فلا يسقط جميعه ولا بعضه بعفو بعض
الورثة، وإنما يسقط بعفو الجميع، لانه حق آدمي فيقبل العفو كغيره من حقوقه. ولا فرق
في ذلك بين الزوجة وغيرها، ولا بين وقوع العفو بعد المرافعة إلى الحاكم وقبله.
وللشيخ (2) - رحمه الله - قول بأن المقذوفة لو رافعته إلى الحاكم لم يكن لها بعد
ذلك العفو، لصحيحة محمد بن مسلم قال: (ساء لته عن الرجل يقذف امرأته، قال: يجلد،
قلت: أرأيت إن عفت عنه، قال: لا ولا كرامة) (3). وحملها الشيخ (4) على أن عفوها وقع
بعد رفعه إلى الحاكم وعلمه، جمعا بينها وبين ما دل على جواز العفو. والصدوق في
المقنع (5) استثنى من ذلك الزوجة، فليس لها العفو مطلقا،
(هامش)
(1) في ص: 445. (2) التهذيب 10: 80 ذيل ح 312، الاستبصار 4: 232 ذيل ح 874. (3)
الفقيه 4: 34 ح 102، التهذيب 10: 80 ح 312، الاستبصار 4: 232 ح 874، الوسائل 18:
455 ب (20) من أبواب حد القذف ح 4. (4) التهذيب 10: 80 ذيل ح 312، الاستبصار 4: 232
ذيل ح 874. (5) المقنع: 442. (*)
ص 448
الخامسة: إذا تكرر الحد، بتكرر القذف مرتين، قتل في الثالثة. وقيل: في الرابعة. وهو
أولى. ولو قذف فحد، فقال: الذي قلت كان صحيحا، وجب بالثاني التعزير، لانه ليس
بصريح. والقذف المتكرر يوجب حدا واحدا لا أكثر. السادسة: لا يسقط الحد عن القاذف،
إلا بالبينة المصدقة، أو
عملا بهذه الرواية، مع أنها موقوفة كما رأيت، فلا تصلح
مستندا للقولين، خصوصا لقول الشيخ، فإنه تخصيص بغير دليل. والاصح جواز العفو مطلقا.
قوله: (إذا تكرر الحد... إلخ). قد عرفت أن القذف من الكبائر، والرواية (1) الصحيحة
أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة. وقيل: في الرابعة. وهو أحوط في مراعاة حق
الدماء. وقد تقدم (2) البحث في ذلك مرارا. قوله: (ولو قذف فحد... إلخ). يدل على
جميع هذه الاحكام صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: (في الرجل يقذف الرجل
فيرد عليه القذف، قال: إن قال له: إن الذي قلت لك حق لم يجلد، وإن قذفه بالزنا
بعدما جلد فعليه الحد، وإن قذفه قبل أن يجلد بعشر قذفات، لم يكن عليه إلا حد واحد)
(3). قوله: (لا يسقط الحد عن القاذف... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 191 ح 2، الفقيه 4: 51 ح 182، التهذيب 10: 95 ح 369، الاستبصار 4:
212 ح 791، الوسائل 18: 313 ب (5) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (2) في ص: 371 و410
و415. (3) الكافي 7: 208 ح 15، التهذيب 10: 66 ح 244، الوسائل 18: 443 ب (10) من
أبواب حد القذف. (*)
ص 449
تصديق مستحق الحد، أو العفو. ولو قذف زوجته، سقط الحد بذلك وباللعان. السابعة: الحد
ثمانون جلدة، حرا كان أو عبدا. ويجلد بثيابه، ولا
قد عرفت أن من شرط ثبوت الحد على
القاذف إحصان المقذوف الذي من جملته العفة، فمن (1) قذف من ظاهره العفة حكم عليه
بالحد، لوجود المقتضي. وإنما يسقط ما حكم به ظاهرا بثبوت كون المقذوف غير عفيف عن
زنا يوجب الحد، كما أشرنا إليه سابقا، وذلك لا يحصل إلا بالبينة المصدقة للقاذف في
فعل ما قذفه به، أو بتصديق المقذوف على ذلك، فيظهر بأحدهما عدم وجوب الحد عليه في
نفس الامر، وأنه إنما ثبت ظاهرا. وعلى تقدير انتفاء الامرين يثبت الحد في ذمته،
ويسقط عنه بعفو المقذوف عنه، لما مر. وهذه الامور الثلاثة يشترك فيها جميع أفراد
المقذوفين. وتزيد الزوجة أمرا رابعا، وهو أن قذف الزوج لها يسقطه أيضا لعانه لها،
كما تقرر (2) في بابه. قوله: (الحد ثمانون جلدة... إلخ). هذا في الحر موضع وفاق.
وقد علم ذلك من قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) إلى قوله: (فاجلدوهم ثمانين
جلدة) (3). ولا فرق بين قذف الذكر والانثى. وأما إلحاق العبد به في ذلك فمستنده
عموم الاية وصريح الرواية (4). وقد تقدم (5) البحث في ذلك. قوله: (ويجلد بثيابه...
إلخ).
(هامش)
(1) في (أ، ت، ط، م): فمتى. (2) راجع ج 10: 241. (3) النور: 4.(4) راجع الوسائل 18:
434 ب (4) من أبواب حد القذف. (5) في ص: 435 - 436. (*)
ص 450
يجرد. ويقتصر على الضرب المتوسط، ولا يبلغ به الضرب في الزنا. ويشهر القاذف لتجتنب
شهادته. ويثبت القذف بشهادة عدلين، أو الاقرار مرتين. ويشترط في المقر: التكليف،
والحرية، والاختيار. الثامنة: إذا تقاذف اثنان، سقط الحد وعزرا.
يدل على ذلك موثقة
إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال: (المفتري يضرب بين الضربين، يضرب جسده
كله فوق ثيابه) (1). وفي رواية أخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (أمر رسول
الله صلى الله عليه وآله أن لا ينزع شي من ثياب القاذف إلا الرداء) (2). وفي رواية
مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: الزاني أشد ضربا من شارب الخمر، وشارب الخمر أشد ضربا من القاذف، والقاذف أشد
ضربا من التعزير) (3). قوله: (إذا تقاذف اثنان... إلخ). يدل على ذلك صحيحة أبي ولا
د قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلين
قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه، قال: فدرأ عنهما الحد وعزرهما) (4).
(هامش)
(1) الكافي 7: 213 ح 4، التهذيب 10: 70 ح 264، الوسائل 18: 448 ب (15) من أبواب حد
القذف ح 3. (2) الكافي 7: 213 ح 2، التهذيب 10: 70 ح 265، الوسائل 18: 448 الباب
المتقدم ح 4. (3) الكافي 7: 214 ح 5، الوسائل 18: 449 الباب المتقدم ح 5. (4)
الكافي 7: 242 ح 14، الفقيه 4: 39 ح 128، التهذيب 10: 79 ح 307، الوسائل 18: 451 ب
(188) من أبواب حد القذف ح 2. (*)
ص 451
التاسعة: قيل: لا يعزر الكفار مع التنابز بالالقاب، والتعيير بالامراض، إلا أن يخشى
حدوث فتنة، فيحسمها الامام بما يراه.
ومثلها صحيحة عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجلين افترى كل واحد منهما على صاحبه، فقال: يدرأ عنهما
الحد ويعزران) (1).قوله: (قيل: لا يعزر الكفار... إلخ). التنابز بالالقاب التداعي
بها إذا كانت مشتملة على ذم. والقول بعدم تعزيرهم على ذلك، مع أن المسلم يستحق
التعزير به، هو المشهور بين الاصحاب، بل لم يذكر كثير (2) منهم فيه خلافا. وكأن
وجهه: تكافؤ السب والهجاء من الجانبين، كما يسقط الحد عن المسلمين بالتقاذف لذلك.
ولجواز الاعراض عنهم في الحدود والاحكام، فهنا أولى. نعم، لو خشي وقوع فتنة بينهم
بسبب ذلك فله حسمها بما يراه من ضربهم أو بعضهم، دفعا للفتنة ولفعلهم المحرم. ونسب
الحكم هنا إلى القيل مؤذنا بعدم قبوله. ووجهه: أن ذلك فعل محرم يستحق فاعله
التعزير، والاصل عدم سقوطه بمقالة الاخر بمثله، بل يجب على كل منهما ما اقتضاه
فعله، فسقوطه يحتاج إلى دليل، كما يسقط الحد عن المتقاذفين بالنص.
(هامش)
(1) الكافي 7: 240 ح 2، التهذيب 10: 81 ح 316، الوسائل 18: 451 الباب المتقدم ح 1.
(2) المقنعة: 798، السرائر 3: 530 - 531، اللمعة الدمشقية: 169. (*)
ص 452
ويلحق بذلك مسائل أخر الاولى: من سب النبي عليه السلام جاز لسامعه قتله، ما لم يخف
الضرر على نفسه أو ماله، أو غيره من أهل الايمان. وكذا من سب أحد الائمة عليهم
السلام.
قوله: (من سب النبي... إلخ). هذا الحكم موضع وفاق، وبه نصوص، منها رواية
علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، عن أبيه في حديث طويل من جملته: (أخبرني
أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الناس في أسوة سواء، من سمع أحدا يذكرني
فالواجب عليه أن يقتل من شتمني، ولا يرفع إلى السلطان، والواجب على السلطان إذا رفع
إليه أن يقتل من نال مني) (1). وسئل عليه السلام عمن سمع يشتم عليا ويبرأ منه،
فقال: (هو والله حلال الدم، وما ألف رجل منهم برجل منكم، دعه) (2). وهو إشارة إلى
خوف الضرر بقتله على بعض المؤمنين. وعن هشام بن سالم قال: (قلت لابي عبد الله عليه
السلام: ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه السلام؟ فقال لي: حلال الدم والله، لولا أن
تعم به بريئا) (3).
(هامش)
(1) الكافي 7: 266 ح 32، التهذيب 10: 84 ح 331، الوسائل 18: 459 ب (25) منأبواب حد
القذف ح 2. والمسؤول عنه هو الصادق عليه السلام. (2) الكافي 7: 269 ح 43، التهذيب
10: 86 ح 335، الوسائل 18: 462 ب (27) من أبواب حد القذف ح 2. (3) الكافي 7: 269 ح
44، علل الشرائع: 601 ح 59، التهذيب 10: 86 ح 336، الوسائل 18: 461 ب (27) من أبواب
حد القذف ح 1. (*)
ص 453
الثانية: من ادعى النبوة، وجب قتله. وكذا من قال: لا أدري محمد بن عبد الله عليه
السلام صادق أو لا، وكان على ظاهر الإسلام.
وفي إلحاق باقي الانبياء عليهم السلام
بذلك قوة، لان كمالهم وتعظيمهم علم من دين الإسلام ضرورة، فسبهم ارتداد [ظاهر] (1).
وألحق في التحرير (2) بالنبي صلى الله عليه وآله أمه وبنته من غير تخصيص بفاطمة
عليها السلام، مراعاة لقدره صلى الله عليه وآله. ولا فرق في الساب بين المسلم
والكافر والذمي، لعموم النص. وقد روي عن علي عليه السلام: (أن يهودية كانت تشتم
النبي صلى الله عليه وآله وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله
عليه وآله دمها) (3). قوله: (من ادعى النبوة... إلخ). أما وجوب قتل مدعي النبوة
فللعلم بانتفاء دعواه من دين الإسلام ضرورة، فيكون ذلك ارتدادا من المسلم، وخروجا
من الملل التي يقر [عليها] (4) أهلها من الكافر، فيقتل لذلك. وأما الشك في صدق
النبي صلى الله عليه وآله، فإن وقع من المسلم فهو ارتداد. واحترز بكونه على ظاهر
الإسلام عما لو وقع ذلك من الكافر الذمي، كاليهودي والنصراني، فإنه لا يقتل به،
إقرارا لهم على معتقدهم. وكذا يخرج به غير الذمي من الكفار، وإن كان قتله جائزا
بأمر آخر.
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) تحرير الاحكام 2: 239. (3) سنن أبي داود 4: 129 ح 4362. (4)
من (خ). (*)
ص 454
الثالثة: من عمل بالسحر، يقتل إن كان مسلما، ويؤدب إن كان كافرا. الرابعة: يكره أن
يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط. وكذا المملوك.
قوله: (من عمل بالسحر... إلخ).
مستند الفرق ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (ساحر المسلمين يقتل،
وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله ولم لا يقتل ساحر الكفار؟ فقال: لان الكفر
أعظم من السحر، ولان السحر والكفر مقرونان) (1). وروى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه
السلام: (أن عليا عليه السلام كان يقول: من تعلم من السحر شيئا كان آخر عهده بربه،
وحده القتل إلا أن يتوب) (2). وقد تقدم (3) في كتاب البيع تحقيق معنى السحر وما
يحرم منه. قوله: (يكره أن يزاد... إلخ). هذا النهي على وجه الكراهة، لان المرجع في
تقدير التأديب والتعزير إلى نظر الحاكم. ولا فرق بين كون سببه القذف وغيره من
الاسباب المقتضية له. وفي رواية حماد بن عثمان قال: (قلت لابي عبد الله عليه السلام
في أدب الصبي والمملوك، قال: خمسة أو ستة فارفق) (4). وبمضمونها عبر (5) الشيخ في
(هامش)
(1) الكافي 7: 260 ح 1، الفقيه 3: 371 ح 1752، التهذيب 10: 147 ح 583، الوسائل 18:
576 ب(11) من أبواب بقية الحدود ح 1. (2) التهذيب 10: 147 ح 586، الوسائل 18: 577 ب
(3) من أبواب بقية الحدود ح 2. (3) في ج 3: 128. (4) الكافي 7: 268 ح 35، التهذيب
10: 149 ح 597، الوسائل 18: 581 ب (8) من أبواب بقية الحدود ح 1. (5) في (د): عمل.
(*)
ص 455
وقيل: إن ضرب عبده في غير حد حدا، لزمه إعتاقه. وهو على الاستحباب.
النهاية (1)،
ولم يذكر بلوغ العشرة. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (أن صبيان الكتاب ألقوا
ألواحهم بين يديه ليخير بينهم، فقال: إنها حكومة، والجور فيها كالجور في الحكم،
أبلغوا معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الادب اقتص منه) (2). قوله: (وقيل: إن
ضرب عبده... إلخ). القول للشيخ (3) رحمه الله. وظاهره أنه على وجه الوجوب، لانه
قال: (ومن ضرب عبده فوق الحد كانت كفارته أن يعتقه). والمستند صحيحة أبي بصير عن
أبي جعفر عليه السلام قال: (من ضرب مملوكا حدا من الحدود، من غير حد أوجبه المملوك
على نفسه، لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه) (4). والمصنف - رحمه الله - حمل ذلك على
الاستحباب، ومقتضاه حمل القول. وينبغي أن يكون الحمل للرواية. والاقوى الاستحباب.
والقول الذي ذكره المصنف موافق للرواية في كون الضرب حدا في غير موجب الحد. وأما
الشيخ ففرض المسألة فيما لو ضربه فوق الحد. ومقتضاه الزيادة عليه في الحد الذي
استوجبه شرعا، وهذا لا دليل عليه من النص.
(هامش)
(1) النهاية: 732. (2) الكافي 7: 268 ح 38، التهذيب 10: 149 ح 599، الوسائل 18: 582
الباب المتقدم ح 2. (3) النهاية: 573. (4) الكافي 7: 263 ح 17، التهذيب 10: 27 ح
85، الوسائل 18: 337 ب (27) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (*)
ص 456
الخامسة: كل ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه، يثبت بشاهدين أو الاقرار مرتين
على قول. ومن قذف أمته أو عبده، عزر كالاجنبي.
قوله: (كل ما فيه التعزير... إلخ).
أما ثبوته بشاهدين فلا إشكال فيه، لان ذلك حق ليس بمال، فلا يثبت بدونهما، ولا زنا،
فلا يتوقف على الزائد، فيدخل في عموم (1) ما دل على اعتبار الشاهدين. وأما توقفه
على الاقرار مرتين فهو المهشور، ولم يذكر العلامة (2) فيه خلافا. ونسبة المصنف -
رحمه الله - الحكم إلى قول يؤذن برده. ووجهه: عموم: (إقرار العقلا على أنفسهم جائز)
(3) الصادق بالمرة، مع عدم وجود المخصص هنا، فيثبت بالاقرار مرة. قوله: (ومن قذف
أمته... إلخ). لعموم أدلة القذف الشاملة للمولى وغيره. وقد روي عن الصادق عليه
السلام: (أن امرأة جأت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إني قلت
لامتي: يا زانية، فقال: هل رأيت عليها زنا؟ فقالت: لا، فقال: إنها تستقاد منك يوم
القيامة، فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت: اجلديني، فأبت الامة، فأعتقتها، ثم
أتت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته، فقال: عسى أن
(هامش)
(1) انظر الوسائل 18: 173 ب (5) من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى. (2) قواعد
الاحكام 2: 262، تحرير الاحكام 2: 237. (3) راجع الوسائل 16: 111 ب (2) من كتاب
الاقرار ح 2، المستدرك 16: 31 ب (2) من كتاب الاقرار ح 1، عوالي اللئالي 3: 442 ح
5. وراجع أيضا المختلف: 443، التذكرة 2: 79، إيضاح الفوائد 2: 428، جامع المقاصد 5:
233، فهناك بحث في كون هذه الجملة رواية. (*)
ص 457
السادسة: كل من فعل محرما، أو ترك واجبا فللامام عليه السلام تعزيره بما لا يبلغ
الحد. وتقديره إلى الامام. ولا يبلغ به حد الحر في الحر، ولا حد العبد في العبد.
يكون به) (1). قوله: (كل من فعل محرما... إلخ). هذا هو الضابط الكلي في موجب
التعزير. ويدخل فيه كل ما لم يوجب الحد فيما (2) سبق من أنواع القذف والسب وغيرهما،
حتى قذف الوالد ولده،والاستمتاع بغير الجماع من الاجنبية، والنظرة المحرمة، وغير
ذلك. وكون تقديره إلى الامام مطلقا مبني على الغالب، وإلا فقد عرفت أن منه ما هو
مقدر، وكون غايته أن لا يبلغ به الحد. والاجود أن المراد به الحد لصنف (3) تلك
المعصية بحسب حال فاعلها، فإن كان الموجب كلاما دون القذف لم يبلغ تعزيره حد القذف،
وإن كان فعلا دون الزنا لم يبلغ حد الزنا. وإلى ذلك أشار الشيخ (4) - رحمه الله -
والعلامة في المختلف (5).
(هامش)
(1) التهذيب 10: 80 ح 311، الوسائل 18: 431 ب (1) من أبواب حد القذف ح 4. (2) في
هامش إحدى الحجريتين: مما. (3) في (ت، خ، م) والحجريتين: لضعف. (4) المبسوط 8: 69 -
70. (5) المختلف: 783. (*)
ص 458
الباب الرابع في حد المسكر والفقاع

ومباحثه ثلاثة: الاول في الموجب وهو: تناول
المسكر، أو الفقاع، اختيارا، مع العلم بالتحريم، إذا كان المتناول كاملا. فهذه قيود
أربعة. شرطنا التناول، ليعم الشرب والاصطباغ، وأخذه ممزوجا بالاغذية والادوية.
ونعني بالمسكر: ما [هو] من شأنه أن يسكر، فإن الحكم يتعلق بتناول القطرة منه.
ويستوي في ذلك الخمر وجميع المسكرات، التمرية والزبيبية والعسلية، والمزر المعمول
من الشعير أو الحنطة أو الذرة. وكذا لو عمل من شيئين أو ما زاد.
قوله: (في الموجب
وهو تناول المسكر... إلخ). أراد بالتناول إدخاله إلى البطن بالاكل أو الشرب خالصا
وممتزجا بغيره، سواء بقي مع مزجه متميزا أم لا. ويخرج من ذلك استعماله بالاحتقان
والسعوط حيث لا يدخل الحلق، لانه لا يعد تناولا، فلا يحد به وإن حرم. مع احتمال حده
على تقدير إفساده الصوم. وعلى هذا فيحد الشارب من كوز ماء وقعت فيه قطرة من خمر،
وإن بقي الماء على صفته. وكذا متناول الترياق المشتمل عليه، مع عدم الاضطرار إليه.
ص 459
ويتعلق الحكم بالعصير إذا غلى [واشتد]، وإن لم يقذف الزبد، إلا أن يذهب بالغليان
ثلثاه، أو ينقلب خلا، وبما عداه إذا حصلت فيه الشدة المسكرة.أما التمر إذا غلى، ولم
يبلغ حد الاسكار، ففي تحريمه تردد، والاشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ. وكذا البحث
في الزبيب، إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار، فالاشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ
الشدة المسكرة.
ومعه على الخلاف السابق في باب الاطعمة (1). قوله: (ويتعلق الحكم
بالعصير... إلخ). مذهب الاصحاب أن العصير العنبي إذا غلى بأن صار أسفله أعلاه يحرم،
ويصير بمنزلة الخمر في الاحكام. ويستمر حكمه كذلك إلى أن يذهب ثلثاه، أو ينقلب إلى
حقيقة أخرى، بأن يصير خلا أو دبسا على قول وإن بعد الفرض، لان صيرورته دبسا لا يحصل
غالبا إلا بعد ذهاب أزيد من ثلثيه. ونبه بقوله: (وإن لم يقذف بالزبد) على خلاف بعض
(2) العامة حيث وافقنا على تحريمه، بل صرح بنجاسته، لكن شرط فيه قذفه بالزبد. ولو
طبخ العنب نفسه ففي إلحاقه بعصيره وجهان، من عدم صدق اسم العصير عليه، ومن كونه في
معناه. قوله: (أما التمر إذا غلى... إلخ).
(هامش)
(1) راجع ج 12: 127 - 130. (2) الحاوي الكبير 13: 376، المغني لابن قدامة 10: 336،
حلية العلماء 8: 93، شرح فتح القدير 9: 22، روضة الطالبين 7: 374 - 375، رحمة
الامة: 299. (*)
ص 460
والفقاع كالنبيذ المسكر في التحريم، وإن لم يكن مسكرا، وفي وجوب الامتناع من
التداوي به والاصطباغ.
وجه التردد في عصير التمر أو هو نفسه إذا غلى: من دعوى إطلاق
اسم النبيذ عليه حينئذ، ومشابهته لعصير العنب، ومن أصالة الاباحة، ومنع إطلاق اسم
النبيذ المحرم عليه [حينئذ] (1) حقيقة، ومنع مساواته لعصير العنب (2) في الحكم،
لخروج ذلك بنص خاص، فيبقى غيره على أصل الاباحة. وهذا هو الاصح. وأما نقيع الزبيب
أو هو إذا غلى ولم يذهب ثلثاه، فقيل بتحريمه كعصير العنب، لاشتراكهما في أصل
الحقيقة، ولفحوى رواية علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام. والاصح حله،
للاصل، واستصحاب الحل، وخروجه عن اسم العنب الذي عصيره متعلق التحريم، ولذهاب ثلثيه
بالشمس. ودلالة الرواية على التحريم ممنوعة. وقد تقدم (4) البحث في ذلك في الاطعمة.
قوله: (والفقاع كالنبيذ المسكر... إلخ).هذا مذهب الاصحاب (5)، ورواياتهم به كثيرة،
ومنها: (أنه خمر مجهول) (6) و: (خمر استصغره الناس) (7). وفي صحيحة ابن بزيع عن أبي
الحسن
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) في الحجريتين: العنب لاشتراكهما في الحكم... (3) الكافي 6:
421 ح 10، التهذيب 9: 121 ح 522، الوسائل 17: 236 ب (8) من أبواب الاشربة المحرمة ح
2. (4) في ج 12: 76. (5) المقنعة: 800، النهاية: 713، الكافي في الفقه: 413،
المراسم: 257، الوسيلة: 417، إصباح الشيعة: 522، غنية النزوع: 429، قواعد الاحكام
2: 262، اللمعة الدمشقية: 169. (6) الكافي 6: 422 ح 1، التهذيب 9: 124 ح 539،
الاستبصار 4: 95 ح 368، الوسائل 17: 292 ب (288) من أبواب الاشربة المحرمة ح 2. (7)
الكافي 6: 423 ح 9، التهذيب 9: 125 ح 540، الاستبصار 4: 95 ح 369، الوسائل 17: 292
= (*)