مسالك الأفهام - ج14

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 371

ولو تكرر من الحر الزنا، فأقيم عليه الحد مرتين، قتل في الثالثة. وقيل: في الرابعة. وهو أولى. أما المملوك، فإذا أقيم عليه الحد سبعا، قتل في الثامنة. وقيل: في التاسعة. وهو أولى.

تضرر السيد. مع أنه يمكنه إجارته واشتغاله (1) هناك. والتشديد قد يحصل عليه بذلك، فإن الطبع إذا ألف موضعا شق عليه الانتقال عنه. قوله: (ولو تكرر من الحر... إلخ). المراد بالحر ما يشمل الحرة. والمراد به غير المحصن، سواء كان مملكا أم لا. وشذ قول الشيخ في النهاية (2) بتخصيصه بغير المملك. واحترز بكونه قد أقيم عليه الحد عما لو لم يقم عليه الحد مرتين، فإنه لا يقتل إجماعا. وقد اختلف في حكم الحر على أقوال: أظهرها - وهو الذي اختاره المصنف - قتله في الثالثة. وهو قول الصدوقين (3) وابن إدريس (4)، لصحيحة يونس عن الكاظم عليه السلام أن: (أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة) (5). وأشهرها أنه يقتل في الرابعة. اختاره الشيخ في النهاية (6) والمبسوط (7)،

(هامش)

(1) في (ت، د): واستعماله. (2) النهاية: 694. (3) المقنع: 427 - 428، وحكاه عنهما العلامة في المختلف: 758. (4) السرائر 3: 442. (5) الكافي 7: 191 ح 2، الفقيه 4: 51 ح 182، التهذيب 10: 37 ح 130، الاستبصار 4: 212 ح 791، الوسائل 18: 388 ب (20) من أبواب حد الزنا ح 3. (6) النهاية: 694. (7) المبسوط 8: 11. (*)

ص 372

والمفيد (1) والمرتضى (2) والاتباع (3) والعلامة (4). وجعله المصنف أولى من حيث الاحتياط في الدماء لا من حيث الفتوى، فإن مختاره في الكتابين (5) الاول. ومستند هذا القول رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الزاني إذا زنى جلد ثلاثا، ويقتل في الرابعة) (6). وفي طريقها محمد بن عيسى، عن يونس، وإسحاق بن عمار، وهو فطحي وإن كان ثقة، وأبو بصير قد عرفت (7) حاله مرارا، فلا تعارض الصحيح. والقائلون بمضمونها جعلوها مخصصة للرواية السابقة، فحملوها على ما عدا الزنا من الكبائر، لان الخاص مقدم، ولما فيه من الاحتياط في الدماء. وأغربها أنه يقتل في الخامسة. ذكره الشيخ في الخلاف (8). هذا حكم الحر. وأما المملوك ففيه قولان:أحدهما - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وقبله المفيد (9)

(هامش)

(1) المقنعة: 776. (2) الانتصار: 256. (3) الكافي في الفقه: 407، المراسم: 251، المهذب 2: 520، الوسيلة: 411، الغنية: 421. (4) المختلف: 758. (5) المختصر النافع: 215. (6) الكافي 7: 191 ح 1، التهذيب 10: 37 ح 129، الاستبصار 4: 212 ح 790، الوسائل 18: 387 ب (20) من أبواب حد الزنا ح 1. (7) راجع ج 8: 50. (8) الخلاف 5: 408 مسألة (55). (9) المقنعة: 779. (*)

ص 373

والمرتضى (1) وابنا بابويه (2) وابن إدريس (3) وجماعة (4) -: أنه يقتل في الثامنة، لحسنة بريد عن الصادق عليه السلام قال: (إذا زنى العبد ضرب خمسين إلى ثماني مرات، فإن زنى ثماني مرات قتل) (5). والثاني: أنه يقتل في التاسعة. ذهب إليه الشيخ في النهاية (6)، والقاضي (7) وجماعة (8). وجعله المصنف أولى. واختاره العلامة (9)، لقول الصادق عليه السلام في رواية عبيد بن زرارة أو بريد العجلي - شك محمد بن مسلم فيه -: (إذا زنت الامة ثماني مرات رجمت في التاسعة) (10). والمراد به مع تخلل الجلد. وهينص في التاسعة، بخلاف الاولى، فإنها مجملة، فيحتمل أن يكون المراد بها: قتل في التاسعة، بل يتعين جمعا بينهما. ورد بأنه جعله جزاء الشرط وهو زناه ثماني مرات، فلا تعلق (11) بغيره.

(هامش)

(1) الانتصار: 256. (2) المقنع: 439، وحكاه عنهما العلامة في المختلف: 758. (3) السرائر 3: 442. (4) الكافي في الفقه: 407، المراسم: 253، الوسيلة: 411. (5) التهذيب 10: 28 ح 87، الوسائل 18: 403 ب (32) من أبواب حد الزنا ح 2. (6) النهاية: 695. (7) المهذب 2: 520. (8) الجامع للشرائع: 551، إيضاح الفوائد 4: 488، المقتصر: 401. (9) المختلف: 758. (10) الفقيه 4: 31 ح 90، التهذيب 10: 27 ح 86، الوسائل 18: 402 ب (32) من أبواب حد الزنا ح 1. وفي المصادر: أن الشك من محمد بن سليمان المصري، إذ لم يذكر في سند الرواية محمد بن مسلم. (11) في (ت): يعلق. (*)

ص 374

وفي الزنا المتكرر حد واحد وإن كثر. وفي رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: (إن زنى بامرأة مرارا فعليه حد، وإن زنى بنسوة فعليه في كل امرأة حد). وهي مطرحة.

وجمع الراوندي (1) بين الروايتين، بحمل الثامنة على ما إذا قامت البينة فيها (2)، والتاسعة على حالة الاقرار، فجعل القول بذلك ثالثا. وهو تحكم. هذا مع أن في طريق الرواية الثانية ضعفا أو جهالة، بخلاف الاولى، فالعمل بها أرجح. ولمناسبتها لكون المملوك على النصف من أحكام الحر، وغاية احتياطه أن يكون التنصيف هنا باعتبار قتل الحر في الرابعة. واعلم أن هاتين الروايتين تضمنتا أن الامام يدفع ثمن المملوك بعد قتله إلى مواليه من بيت المال. واختاره بعض الاصحاب، ونفى عنه الشهيد في الشرح (3) البعد. قوله: (وفي الزنا المتكرر... إلخ). المشهور بين الاصحاب أن الزنا المتكرر قبل إقامة الحد يوجب حدا واحدا مطلقا، لاصالة البرأة، وصدق الامتثال، وابتناء الحدود على التخفيف، وللشك في وجوب الزائد فيدرأ بالشبهة. وقال ابن الجنيد (4) والصدوق في المقنع (5): إن زنى بامرأة واحدة كفى حد

(هامش)

(1) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 342.(2) في (أ): بها. (3) غاية المراد: 342. (4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 762. (5) المقنع: 438. (*)

ص 375

ولو زنى الذمي بذمية، دفعه الامام إلى أهل نحلته، ليقيموا [عليه] الحد على معتقدهم. وإن شاء أقام الحد بموجب شرع الإسلام.

واحد، وإن زنى بجماعة نساء في ساعة واحدة حد لكل امرأة حدا، استنادا إلى رواية أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مرات كثيرة، فقال: إن كان زنى بامرأة واحدة كذا وكذا مرة فإنما عليه حد واحد، وإن هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد في ساعة واحدة فإن عليه في كل امرأة فجر بها حدا) (1). وفي طريق الرواية ضعف، مع أنها غير حاصرة لاقسام المسألة. والمعتمد المشهور. قوله: (ولو زنى الذمي... إلخ). أما إقامته بموجب شرع الإسلام فواضح، لانه الحق، وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله) (2). وقد روي (3) أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله برجل وامرأة منهم قد زنيا فرجمهما، في قصة طويلة. وأما تخييره بين ذلك وبين رده إلى أهل ملته فلقوله تعالى: (فإن جاوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) (4). قال ابن عباس - رضي الله عنه -: (خير الله

(هامش)

(1) الكافي 7: 196 ح 1، الفقيه 4: 20 ح 49، التهذيب 10: 37 ح 131، الوسائل 18: 392 ب (23) من أبواب حد الزنا. (2) المائدة: 48. (3) مسند أحمد 2: 5، صحيح البخاري 9: 129، صحيح مسلم 3: 1326 ح 26، سنن أبي داود 4: 153 ح 4446، سنن ابن ماجة 2: 854 ح 2556، مستدرك الحاكم 4: 365، سنن البيهقي 8: 215، تلخيص الحبير 4: 54 ح 1750. (4) المائدة: 42. (*)

ص 376

ولا يقام الحد على الحامل حتى تضع، وتخرج من نفاسها،وترضع الولد إن لم يتفق له مرضع. ولو وجد له كافل، جاز إقامة الحد.

تعالى نبيه بقوله: (فإن جاوك...) (1) الاية. وهذا التخيير ثابت للائمة والحكام بدليل التأسي. ودعوى أن آية التخيير منسوخة (2) لم تثبت. قوله: (ولا يقام الحد على الحامل... إلخ). لا فرق في المنع من إقامة الحد على الحامل بين أن يكون جلدا أو رجما، مراعاة لحق الولد، فإنه لا سبيل عليه. وأما اعتبار خروجها من نفاسها فمخصوص بمن تجلد، لانها حينئذ مريضة. أما من ترجم فلا يعتبر خروجها من المرض، كما سيأتي (3)، ومنه النفاس. ثم إن كان للولد من يرضعه ويكفله أقيم عليها الحد ولو رجما بعد شربه اللباء (4)، بناء على المشهور من أنه لا يعيش غالبا بدونه، وإلا انتظر بها استغناء الولد عنها. وهو مروي من فعل النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام مع المرأة التي أقرت عندهما بالزنا، فلم يرجماها حتى ولدت وأرضعته حولين فأقاما عليها الحد (5).

(هامش)

(1) تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: 94، التبيان 3: 524، مجمع البيان 3: 339.(2) التبيان 3: 524، مجمع البيان 3: 339، تفسير القرطبي 6: 184 - 185. (3) في الصفحة التالية. (4) اللباء، على فعل، بكسر الفاء وفتح العين: أول اللبن في النتاج أو عند الولادة. لسان العرب 1: 150. (5) الكافي 7: 185 ح 1، الفقيه 4: 22 ح 52، التهذيب 10: 9 ح 23، الوسائل 18: 377 ب (16) من أبواب حد الزنا ح 1. وانظر سنن الدارمي 2: 179 و180، مسند أحمد 5: 348، صحيح مسلم 3: 1323 ح 23، سنن أبي داود 4: 152 ح 4442. (*)

ص 377

ويرجم المريض والمستحاضة. ولا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله ولا رجمه، توقيا من السراية، ويتوقع بهما البر. وإن اقتضت المصلحة التعجيل، ضرب بالضغث المشتمل على العدد. ولا يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده. ولا تؤخر الحائض، لانه ليس بمرض.

والمراد بالجواز في قوله: (جاز إقامة الحد) مع وجود الكافل معناه الاعم. والمراد منه الوجوب، إذ لا يجوز تأخير الحد مع عدم العذر، والفرض انتفاؤه هنا. وإطلاق المصنف - رحمه الله - المنع من إقامة الحد عليها بعد الوضع إلى أن ترضع الولد يشمل الرجم والجلد. وهو يتم في الاول دون الثاني، إلا بتقدير الخوف عليها من الجلد من الموت، أو ما يحصل معه الاذى على الولد. وفي التحرير (1) صرح بعدم الفرق بين الجلد والرجم في انتظارها إلى أن ترضع الولد، إذا لم يحصل له من يكفله. ولا فرق في الولد بين كونه من زنا وغيره. قوله: (ويرجم المريض والمستحاضة... إلخ). المشهور أن الرجم لا يؤخر بالمرض مطلقا، لان نفسه مستوفاة، فلا فرق بين المريض والصحيح. ويحتمل جواز تأخيره إن ثبت زناه بالاقرار إلى أن يبرأ، لانه بسبيل من الرجوع، وربما رجع بعدما رمي، فيعين ما وجد من الرمي على قتله. ومثله يأتي في رجمه في شدة الحر والبرد. وإن كان الواجب الجلد، فإن كان المرض مما يرجى زواله أخر إلى أن يبرأ، كيلا يهلك باجتماع الجلد والمرض. ومثله المحدود والمقطوع في حد

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 223. (*)

ص 378

ونحوه. ولو رأى الحاكم صلاحا في تعجيله في المرض ضرب بحسب ما يحتمله من الضرب بالضغث وغيره، كما يؤدي المريض الصلاة الواجبة عليه قائما في حالة القعود، ولا ينتظر التمكن من القيام. وإن كان المرض [الذي] (1) لا يرجى زواله، كالسل (2) والزمانة وضعف الخلقة بحيث لا يحتمل السياط، لم يؤخر، إذ لا غاية ينتظر. ولا يضرب بالسياط لئلا يهلك، بل يضرب بالضغث، وهو قبضة من قضبان، أو العثكال (3) من النخل المشتمل على الشماريخ، ونحوه. ولو جمع له سياطا وضرب بها جملة فهو أولى مع احتماله. وقد روي أن رجلا مقعدا زنى بامرأة فأمر النبي صلى الله عليه وآله فحد بعثكال النخل. والاثكال والعثكال واحد (4). وروي (5) أنه صلى الله عليه وآله أمر أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة. وروى حنان بن سدير عن يحيى بن عباد المكي قال: (قال لي سفيان الثوري: أرى لك من أبي عبد الله عليه السلام منزلة، فاسأله عن رجل زنى وهو مريض إن أقيم عليه الحد مات، ما تقول فيه؟ فسألته فقال عليه السلام: إن رسول

(هامش)

(1) من (خ، د، م). (2) في (ث، خ): كالشل.(3) العثكال: هو في النخل بمنزلة العنقود من الكرم. وشماريخ العثكال: أغصانه، واحدها شمراخ. لسان العرب 11: 425. (4) مسند أحمد 5: 222، سنن ابن ماجة 2: 859 ح 2574، سنن أبي داود 4: 161 ح 4472، سنن الدارقطني 3: 99 ح 64 - 67، سنن البيهقي 8: 230، تلخيص الحبير 4: 58 ح 1762. (5) مسند أحمد 5: 222، سنن ابن ماجة 2: 859 ح 2574، سنن أبي داود 4: 161 ح 4472، سنن الدارقطني 3: 99 ح 64 - 67، سنن البيهقي 8: 230، تلخيص الحبير 4: 58 ح 1762. (*)

ص 379

الله صلى الله عليه وآله أتي برجل مستسقى البطن قد بدت عروق فخذيه، وقد زنى بامرأة مريضة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بعذق فيه مائة شمراخ فضرب به الرجل ضربة، وضربت به المرأة ضربة، ثم خلى سبيلهما (1)، ثم قراء هذه الاية: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) (2). وروى مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل أصاب حدا وبه قروح ومرض وأشباه ذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أخروه حتى يبرأ لا تنكاء (3) قروحه عليه فيموت، ولكن إذا برئ حددناه) (4). إذا تقرر ذلك، فإن جمع الغصن ونحوه مائة ضرب به دفعة واحدة، وإن كان عليه خمسون ضرب به مرتين، وعلى هذا القياس. ويعتبر ما يسمى ضربا، فلا يكفي وضعها عليه. وينبغي أن تمسه الشماريخ، أو ينكبس بعضها على بعض ليثقل الغصن ويناله الالم، فإن انتفى الامران أوشك فيه لم يسقط الحد. ولا يجب تفريق السياط على الايام وإن احتمل التفريق، بل يقام عليه الممكن ويخلى سبيله. ولو برئ قبل أن يضرب بالشماريخ أقيم عليه حد الاصحاء. ولو برئ بعده لم يعد عليه.

(هامش)

(1) الكافي 7: 243 ح 1، الفقيه 4: 19 ح 41، التهذيب 10: 32 ح 108، الوسائل 18: 320 ب (13) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (2) ص: 44. (3) نكاء القرحة ينكؤها نكاء: قشرها قبل أن تبرأ فنديت. لسان العرب 1: 173. (4) الكافي 7: 244 ح 5، التهذيب 10: 33 ح 111، الاستبصار 4: 212 ح 789، الوسائل 18:322 الباب المتقدم ح 6. (*)

ص 380

ولا يسقط الحد باعتراض الجنون ولا الارتداد. ولا يقام الحد: في شدة الحر، ولا شدة البرد، ويتوخى به في الشتاء وسط النهار، وفي الصيف طرفاه، ولا في أرض العدو مخافة الالتحاق، ولا في الحرم على من التجاء إليه، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ليخرج. ويقام على من أحدث موجب الحد فيه.

والمستحاضة في معنى المريض، لانها علة. ويؤيده رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها) (1). أما الحائض فهي صحيحة من حيث الحيض، لدلالته على اعتدال المزاج. قوله: (ولا يسقط الحد... إلخ). لا فرق في الحد هنا بين القتل وغيره، وإن اجتمع على المرتد للقتل سببان. ثم إن كان قتلا لم ينتظر بالمجنون الافاقة. وإن كان جلدا ففي انتظار إفاقتهإن كان له حالة إفاقة وجهان، من أنه أقوى في الردع، ومن إطلاق الامر بإقامته عليه في صحيحة أبي عبيدة عن الباقر عليه السلام: (في رجل وجب عليه حد فلم يضرب حتى خولط، فقال: إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقله، أقيم عليه الحد، كائنا ما كان) (2). وهذا أجود. قوله: (ولا يقام الحد في شدة... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 262 ح 14، التهذيب 10: 47 ح 170، الوسائل 18: 321 ب (13) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (2) الفقيه 4: 30 ح 84، التهذيب 10: 19 ح 58، الوسائل 18: 317 ب (9) من أبواب مقدمات الحدود. (*)

ص 381

هنا مسائل: الاولى: كما لا يقام الحد في المرض خشية الهلاك بتعاون الجلد والمرض، كذا لا يقام في الحر والبرد المفرطين خشية الهلاك بتعاون الجلد والهواء، ولكن يؤخر إلى اعتدال الهواء، وذلك في وسط نهار الشتاء وطرفي نهار الصيف، ونحوذلك مما يراعى فيه السلامة. والكلام في الحد الموجب للرجم كما مر في إقامته على المريض. وظاهر النص (1) والفتوى (2) أن الحكم على وجه الوجوب لا الاستحباب، فلو أقامه لا كذلك ضمن، لتفريطه. الثانية: يكره إقامة الحد في أرض العدو وهم الكفار، مخافة أن تحمل المحدود الحمية فيلتحق بهم. روى ذلك إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: (أن عليا عليه السلام كان يقول: لا تقام الحدود بأرض العدو، مخافة أن تحمله الحمية فيلتحق بأرض العدو) (3). والعلة مخصوصة بحد لا يوجب القتل. الثالثة: من أحدث ما يوجب حدا ثم التجاء إلى الحرم لم يقم عليه فيه، مراعاة لحرمة الحرم، ولقوله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) (4). ولكن يضيق عليه في المطعم والمشرب، بأن يمنع مما زاد عما يمسك رمقه، ويمكن مما لا يصبر عليه مثله عادة، إلى أن يخرج فيقام عليه [فيه] (5). ولو فعل ما يوجب الحد فيه أقيم عليه فيه، لانتهاكه لحرمة الحرم فتنتهك حرمته.

(هامش)

(1) راجع الوسائل 18: 315 ب (7) من أبواب مقدمات الحدود. (2) النهاية: 701، المهذب 2: 529، الوسيلة: 412، إصباح الشيعة: 516.(3) التهذيب 10: 147 ح 586، الوسائل 18: 318 ب (10) من أبواب مقدمات الحدود ذيل ح 2. (4) آل عمران: 97. (5) من (ث، ط، م). (*)

ص 382

الثاني: في كيفية إيقاعه إذا اجتمع الجلد والرجم، جلد أولا. وكذا إذا اجتمعت حدود، بدئ بما لا يفوت معه الاخر. وهل يتوقع بر جلده؟ قيل: نعم، تأكيدا في الزجر. وقيل: لا، لان القصد الاتلاف.

والمراد منه الحرم المعهود بمكة المشرفة. وألحق به بعضهم حرم النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، وهي مشاهدهم المشرفة. ولم نقف له على مأخذ صالح. قوله: (إ ذا اجتمع الجلد والرجم... إلخ).إذا اجتمع على المكلف حدان فصاعدا، فإن أمكن الجمع بينهما من غير منافاة، كما لو زنى غير محصن وقذف، تخير المستوفي في البدأة. وكذا لو سرق معهما (1). وإن تنافت، بأن كان فيها قتل أو نفي، وجب البدأة بما لا يفوت، جمعا بين الحقوق الواجب تحصيلها، فيبداء بالجلد قبل الرجم والقتل، وبالقطع قبل القتل، وهكذا. وقد دل على وجوب مراعاة ذلك روايات كثيرة، منها رواية (2) محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: (في الرجل يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل، فقال: كان علي عليه السلام يقيم الحدود ثم يقتله، ولا تخالف عليا عليه

(هامش)

(1) في (أ، ث، د، م): معها. (2) الكافي 7: 250 ح 1، التهذيب 10: 45 ح 162، الوسائل 18: 326 ب (15) من أبواب مقدمات الحدود ح 4. (*)

ص 383

ويدفن المرجوم إلى حقويه، والمرأة إلى صدرها.

السلام). ومثلها حسنة حماد بن عثمان (1) وعبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام. إذا تقرر ذلك، فالواجب من ذلك ما يحصل معه الجمع، ولا يجب التأخير زيادة عليه، للاصل، ولانه لا تأخير في حد. ولما روي (3) أن عليا عليه السلام جلد المرأة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة. ولان القصد الاتلاف، فلا وجه للتأخير. وذهب الشيخان (4) والاتباع (5) إلى وجوب تأخيره إلى أن يبرأ جلده، تأكيدا في الزجر. ومنعوا (6) من كون الواجب الاتلاف مطلقا، بل جاز أن يكون بعض الغرض والبعض الاخر قصد التعذيب. ولا يخفى أن إثبات هذا الحكم المخالف للاصل يتوقف على مستند صالح، ومجرد ما ذكر غير كاف فيه. قوله: (ويدفن المرجوم... إلخ). ظاهره أن ذلك على وجه الوجوب. ووجهه: التأسي (7) بالنبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، فقد فعلا ذلك. لكن في كثير من

(هامش)

(1) الكافي 7: 250 ح 2 و4، التهذيب 10: 45 ح 163 و164، الوسائل 18: 326 الباب المتقدمح 5 و6. (2) الكافي 7: 250 ح 2 و4، التهذيب 10: 45 ح 163 و164، الوسائل 18: 326 الباب المتقدم ح 5 و6. (3) تقدم ذكر مصادره في ص: 363 هامش (10). (4) المقنعة: 775، النهاية: 699. (5) الكافي في الفقه: 405، المهذب 2: 527، غنية النزوع: 424، إصباح الشيعة: 515. (6) راجع المختلف: 760، إيضاح الفوائد 4: 483. (7) الفقيه 4: 22 ح 52، الوسائل 18: 380 ب (16) من أبواب حد الزنا ح 5. وانظر سنن الدارمي 2: 178، صحيح مسلم 3: 1323 ح 23، سنن البيهقي 8: 221، تلخيص الحبير 4: 58 ح 1761. (*)

ص 384

فإن فر، أعيد [وجوبا] إن ثبت زناه بالبينة. ولو ثبت بالاقرار لم يعد. وقيل: إن فر قبل إصابته بالحجارة أعيد.

الروايات (1) أن المرأة تدفن إلى وسطها من غير تقييد بالصدر. ويحتمل الاستحباب، بل إيكال الامر إلى الامام، لما روي (2) أن النبي صلى الله عليه وآله حفر بئرا للغامدية ولم يحفر للجهنية. وعن أبي سعيد الخدري في قصة ماعز قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله برجمه، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، فما أوثقناه ولا حفرنا له، ورميناه بالعظام والمدر والخزف، ثم اشتد واشتددنا له حتى أتى الحرة فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت) (3). وروى الحسين بن خالد عن أبي الحسن عليه السلام أن ماعزا إنما فر من الحفيرة (4). وطرق الروايات الدالة على الحفر والتحديد غير نقية، ولكنها كافية في إقامة السنة. قوله: (فإن فر أعيد إن ثبت زناه بالبينة... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 184 ح 1 و2 و4، التهذيب 10: 34 ح 113 و116، الوسائل 18: 374 ب (14) من أبواب حد الزنا ح 1 و3. (2) سنن الدارمي 2: 179 - 180، مسند أحمد 4: 437، صحيح مسلم 3: 1324 ح 24، سنن أبي داود 4: 151 ح 4440 و4442، سنن الترمذي 4: 33 ح 1435، سنن البيهقي 8: 217 - 218، تلخيص الحبير 4: 58 ح 1761. (3) سنن الدارمي 2: 178، مسند أحمد 3: 62، صحيح مسلم 3: 1320 ح 20، سنن أبي داود 4: 149 ح 4431، تلخيص الحبير 4: 58 ح 1760. (4) الكافي 7: 185 ح 5، المحاسن: 306 ح 19، الوسائل 18: 376 ب (15) من أبواب حدالزنا ح 1. (*)

ص 385

إذا فر المرجوم وكان الموجب ثابتا بالبينة وجب إعادته، لانه محكوم بوجوب إتلافه بالرجم، ولا يتم إلا بالاعادة، فتجب من باب المقدمة. وإن ثبت بالاقرار وفر، قيل: لم يعد مطلقا، لانه يتضمن الرجوع عن الاقرار أو كالرجوع، والرجوع عن الاقرار مسقط للرجم، لان فائت النفس لا يستدرك، سواء أصابته الحجارة أم لا. هكذا أطلق المفيد (1) وأبو الصلاح (2) وسلا ر (3) وجماعة (4). وقال الشيخ في النهاية (5): إن فر قبل إصابة الحجارة أعيد، وإلا فلا، لرواية الحسين بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا كان هو المقر على نفسه، ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي من الحجارة، لم يرد) (6). وهي تدل بمفهومها على رده إذا لم يصبه شي. ولانه قد وجب عليه الرجم بإقراره، فلا بد من حصول مسماه. ولا يخفى ضعف الدليلين. أما الرواية فمن حيث السند ودلالة المفهوم. وأما الاعتبار فلمنع اشتراط حصول مسماه، ومن ثم لو رجع أو جحد قبله قبل. والاصح الاول. ويؤيده ما تقدم من قصة ماعز وفراره. وقول النبي صلى

(هامش)

(1) المقنعة: 775. (2) الكافي في الفقه: 407. (3) المراسم: 252. (4) المقنع: 429، غنية النزوع: 424، إصباح الشيعة: 515. (5) النهاية: 700. (6) تقدم ذكر مصادرها في الصفحة السابقة هامش (4). (*)

ص 386

ويبداء الشهود برجمه وجوبا. ولو كان مقرا بداء الامام.وينبغي أن يعلم الناس ليتوفروا على حضوره.

الله عليه وآله: (هلا تركتموه) (1) وإن كان مفروضا بعد إصابة الحجارة، إلا أنه لم يقع ذلك شرطا، وجاز خروجه في هذه الرواية مخرج الاغلب، لانه مظنته. قوله: (ويبداء الشهود... إلخ). مستند التفصيل رواية صفوان المرسلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أقر الزاني المحصن كان أول من يرجمه الامام ثم الناس، فإذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الامام ثم الناس) (2). وفي كثير من الاخبار إطلاق بدأة الامام (3). ويحتمل حمل ذلك على الاستحباب، لضعف المستند عن إثبات الوجوب. وللاخبار (4) المستفيضة بقصة ماعز، وأن النبي صلى الله عليه وآله لم يحضر رجمه فضلا عن بدأته به. ويظهر من كلام الشيخ (5) - رحمه الله - عدم وجوب بدأة الشهود، لانه لم يوجب عليهم حضور موضع الرجم. وسيأتي (6). قوله: (وينبغي أن يعلم الناس... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 185 ح 5، التهذيب 10: 8 ح 22، الوسائل 18: 376 ب (15) من أبواب حد الزنا ح 1، 2. (2) الكافي 7: 184 ح 3، الفقيه 4: 26 ح 62، التهذيب 10: 34 ح 114، الوسائل 18: 374 ب (14) من أبواب حد الزنا ح 2. (3) راجع الوسائل 18: 374 ب (14) من أبواب حد الزنا ح 1، 3. (4) انظر الهامش (1) هنا. (5) الخلاف 5: 376 مسألة (14). (6) في ص: 393. (*)

ص 387

ويستحب أن يحضر إقامة الحد طائفة. وقيل: يجب، تمسكا بالاية. وأقلها واحد، وقيل: عشرة، وخرج متأخر: ثلاثة. والاول حسن. وينبغي أن تكون الحجارة صغارا، لئلا يسرع التلف.

لقوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (1). ولما روي (2) من فعل أمير المؤمنين عليه السلام لما رجم المرأة المقرة، ومناداته في الناس حتى اجتمعوا وعزم عليهم لما خرجوا معه، إلى آخر القصة. ولما فيه من الاعتبار والانزجار من فعل القبيح، كما تقتضيه حكمة الحدود. قوله: (ويستحب أن يحضر... إلخ). قد ورد الامر بحضور طائفة عند استيفاء الحد بقوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين). واختلف في موضعين: أحدهما: هل الامر للوجوب أم الاستحباب؟ فقيل بالاول. واختاره ابن إدريس (3) والمصنف في النافع (4) وجماعة (5)، عملا بظاهر الامر، فإن الاصل فيه الوجوب. وقيل بالثاني. وهو الذي اختاره المصنف - رحمه الله - هنا، وقبله الشيخ في كتب (6) الفروع، لاصالة عدم الوجوب، وحمل الامر على الاستحباب، لانه

(هامش)

(1) النور: 2. (2) الكافي 7: 188 ح 3، تفسير القمي 2: 97، الوسائل 18: 342 ب (31) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (3) السرائر 3: 453. (4) المختصر النافع: 217. (5) المقنعة: 780 - 781، الكافي في الفقه: 406، الوسيلة: 412. (6) النهاية: 701، المبسوط 8: 8، الخلاف 5: 374 مسألة (11). (*)

ص 388

وقيل: لا يرجمه من لله [تعالى] قبله حد. وهو على الكراهية.

بعض ما ورد بمعناه. ولا يخفى قوة الاول. وثانيهما: في أقل عدد يتحقق به الطائفة. فقيل: أقلها واحد. وهو الذي اختاره المصنف والعلامة (1)، وقبلهما الشيخ في النهاية (2)، لانه المنقول عن بعض (3) أئمة اللغة. ولان الطائفة قطعة من الشي، وهي تصدق بالواحد. ولاصالة برأة الذمة من الزائد. ويؤيده رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: (في قوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) قال: الطائفة واحد) (4). وقال الشيخ في الخلاف (5): أقلها عشرة، محتجا بالاحتياط. وقال ابن إدريس (6): أقلها ثلاثة، محتجا بدلالة العرف، وشاهد الحال، مع أصالة برأة الذمة من الزائد.قوله: (وقيل لا يرجمه من لله... إلخ). وجه الاول: ما روي عن علي عليه السلام لما رجم المرأة أنه نادى بأعلى صوته: (يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه وآله عهدا، وعهده محمد صلى الله عليه وآله إلي، بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد، فمن كان لله عليه حد مثل ماله عليها فلا يقم عليها الحد) (7). والاصل في النهي التحريم.

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 2: 254. (2) النهاية: 701. (3) لسان العرب 9: 226، القاموس المحيط 3: 170. (4) التهذيب 10: 150 ح 602، الوسائل 18: 370 ب (11) من أبواب حد الزنا ح 5. (5) الخلاف 5: 374 مسألة (11). (6) السرائر 3: 454. (7) الكافي 7: 187 ذيل ح 1، الفقيه 4: 24 ذيل ح 52، التهذيب 10: 11 ذيل ح 23، الوسائل 18: 341 ب (31) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (*)

ص 389

ويدفن إذا فرغ من رجمه. ولا يجوز إهماله. ويجلد الزاني مجردا، وقيل: على الحال التي وجد عليها، قائما، أشد الضرب. وروي: متوسطا. ويفرق على جسده، ويتقى وجهه ورأسه وفرجه. والمرأة تضرب جالسة، وتربط [عليها] ثيابها.

والاولى حمله على الكراهة، لقصوره سندا عن إفادة التحريم، مضافا إلى أصالة الاباحة. قوله: (ويدفن إذا فرغ... إلخ). وكذا تجب الصلاة عليه وغسله قبلها إن لم يكن اغتسل قبل أن يرجم، فإن السنة أمره بالاغتسال قبله. وإنما وجب فعل ذلك لانه مسلم، وذنبه السابق غير مانع. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله لما أمر برجم الجهنية فرجمت صلى عليها فقال له عمر: (تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ فقال صلى الله عليه وآله: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله؟!) (1). وفي حديث الغامدية لما رجموها فأقبل خالد بحجر فرمى رأسها، فنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع النبي صلى الله عليه وآله سبه إياها فقال: (مهلا يا خالد! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت) (2). قوله: (ويجلد الزاني... إلخ).

(هامش)

(1) صحيح مسلم 3: 1324 ح 24، تلخيص الحبير 4: 59 ح 1766. (2) صحيح مسلم 3: 1323 - 1324 ح 23. (*)

ص 390

النظر الثالث في اللواحق

وهي مسائل عشر: الاولى: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا، فادعت أنها بكر، فشهد لها أربع نساء [بذلك]، فلا حد.

القول بجلده على الحالة التي وجد عليها - عاريا كان أم كاسيا - هو للشيخ (1) والاكثر (2). هذا إذا كان رجلا. وإن كان امرأة ربطت عليها ثيابها على التقديرين. وقال الصدوق في المقنع (3): يجلدان معا على الحالة التي وجدا عليها، فإن وجدا مجردين ضربا مجردين. والاظهر الاول، لان بدن المرأة عورة، فلا يجوز تجريدها. وكذا يجب ستر عورة الرجل. وضربهما أشد الضرب هو المشهور رواية (4) وفتوى. والرواية بكونه متوسطا رواها حريز مرسلا عن الباقر عليه السلام، قال: (يضرب بين الضربين) (5). وعمل بها بعض (6) الاصحاب. والاشهر (7) الاول. قوله: (إذا شهد أربعة على امرأة... إلخ).

(هامش)

(1) النهاية: 700. (2) الكافي في الفقه: 407، المراسم: 253، المهذب 2: 527، غنية النزوع: 425، الوسيلة: 412، إصباح الشيعة: 516. (3) انظر المقنع: 428، وحكاه عنه العلامة في المختلف: 762. (4) راجع الوسائل 18: 369 ب (11) من أبواب حد الزنا. (5) التهذيب 10: 31 ح 105، الوسائل 18: 370 ب (11) من أبواب حد الزنا ح 6. (6) لم نعثر عليه، ونسبه ابن فهد إلى بعض الاصحاب في المهذب البارع 5: 41. (7) في (أ): والاظهر. (*)

ص 391

وهل يحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية: نعم. وقال في المبسوط: لا حد، لاحتمال الشبهة في المشاهدة. والاول أشبه.

إذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا، فشهد أربع نسوة على أنها عذراء، فإن لم يعين شهود الزنا محله فلا منافاة، لامكان كونه دبرا إن لم نوجب التفصيل، فيثبت الزنا، ولا يقدح فيه البكارة. وأولى بالحكم إذا صرحوا بكونه دبرا. ويحتمل مع الاطلاق سقوط الحد عنها، لقيام الشبهة الدارئة للحد، حيث يحتمل كون المشهود به قبلا. وإن صرحوا بكون الزنا قبلا، فهذا موضع الخلاف، فقيل: لا حد على المشهود عليه، ولا على الشهود. ذهب إلى ذلك الشيخ في المبسوط (1) وابنإدريس (2) والعلامة (3) وجماعة (4)، لتعارض البينتين، فلا يكون تصديق النساء أولى من تصديق الرجال، وذلك شبهة دارئة للحد، وقد قال صلى الله عليه وآله: (ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا) (5). وفي حديث آخر: (ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الامام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (6). ومن الوجوه الدافعة عن المرأة [شبهة] (7) بقاء العذرة، و[جهته] (8) احتمال عودها لترك المبالغة في الافتضاض.

(هامش)

(1) المبسوط 8: 10. (2) السرائر 3: 429 - 430. (3) المختلف: 754. (4) الوسيلة: 410، الجامع للشرائع: 549، إيضاح الفوائد 4: 489. (5) سنن ابن ماجة 2: 850 ح 2545. (6) تلخيص الحبير 4: 56 ح 1755، سنن الترمذي 4: 25 ح 1424، سنن البيهقي 8: 238، المستدرك للحاكم 4: 384. (7) من (خ، ص، م). (8) من الحجريتين، وفي (ث، خ، م): وجهة، وفي (أ، ل): وخفة، وسقطت من (ت، د، ص، ط). (*)

ص 392

الثانية: لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد، بل، يقام وإنماتوا أو غابوا - لا فرارا - لثبوت السبب الموجب.

وهذا ليس ببعيد على وجه لا يقبل. وذهب المصنف - رحمه الله - والشيخ في النهاية (1) وابن الجنيد (2) إلى حد الشهود، للحكم برد شهادتهم مع تحقق القذف بالزنا. أما رد شهادتهم فلرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام: (في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا فادعت البكارة، فنظر إليها النساء فوجدوها بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء) (3). وهو يستلزم رد شهادة الرجال. ومثله رواية السكوني (4) عن الصادق عليه السلام. وأما تحقق القذف فظاهر. وفيه نظر، لمنع كون قبول شهادة النساء يستلزم رد شهادة الرجال، لجواز قبول الجانبين والحكم بالتعارض، خصوصا مع احتمال ما ذكرناه من الزنا دبرا، فيمكن الحكم بقبولهما مع ثبوت الزنا. هذا مع قطع النظر عن سند الروايتين. والوجه الاول، إلا أن يصرح الشهود بكون الزنا دبرا، فتحد المرأة. هذا كله إذا لم يعينوا الزاني، ومع تعيينه فالحكم فيه كالمرأة، لاشتراكهما في المقتضي. قوله: (لا يشترط حضور الشهود... إلخ). المراد بالحد هنا ما عدا الرجم، لما سيأتي من الخلاف فيه. ويمكن أن

(هامش)

(1) النهاية: 332 - 333. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 754. (3) الفقيه 3: 32 ح 97، التهذيب 6: 271 ح 735، الوسائل 18: 267 ب (24) من أبواب كتاب الشهادات ح 44. (4) الكافي 7: 404 ح 10، التهذيب 6: 278 ح 761، الوسائل 18: 261 ب (24) من كتاب الشهادات ح 13. (*)

ص 393

الثالثة: قال الشيخ (1) رحمه الله: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم. ولعل الاشبه الوجوب، لوجوب بدأتهم بالرجم. الرابعة: إذا كان الزوج أحد الاربعة، فيه روايتان. ووجه الجمع: سقوط الحد إن اختل بعض شروط الشهادة، مثل: أن يسبق الزوج بالقذف، فيحد الزوج، أو يدرؤه باللعان، ويحد الباقون. وثبوت الحد، إن لم يسبق بالقذف، ولم يختل بعض الشرائط.

يريد ما يعمه حيث يتعذر حضورهم. ووجه عدم الوجوب حينئذ ظاهر، لان إقامة الحد ليس من وظيفة الشاهد، والاصل عدم اشتراط أمر زائد على شهادتهم، فيقام وإن ماتوا أو غابوا، خلافا لابي (2) حنيفة، حيث نفى الحد بذلك. هذا [كله] (3) إذا لم تكن الغيبة فرارا، وإلا تربص بالحد إلى حضورهم، لحصول الشبهة حينئذ. ولا حد عليهم، لانه ليس برجوع. قوله: (قال الشيخ رحمه الله: لا يجب... إلخ). وجوب حضور الشهود موضع الرجم مبني على وجوب بدأتهم به، وقد تقدم (4) ضعف مستند الوجوب، وأن الاستحباب أقوى، فيكون الحكم في حضورهم كذلك، لانه مقدمة الفعل الواجب أو المستحب. قوله: (إذا كان الزوج... إلخ).

(هامش)

(1) الخلاف 5: 376 مسألة (14). (2) بدائع الصنائع 7: 58، حلية العلماء 8: 31. (3) من الحجريتين. (4) في ص: 386. (*)

ص 394

قد عرفت فيما سلف (1) أن شهادة الزوج لزوجته وعليها مقبولة، ومقتضى ذلك أنه لو شهد عليها أربعة بالزنا أحدهم الزوج قبل وثبت عليها الحد، لوجود المقتضي له وانتفاء المانع. ويؤيده رواية إبراهيم بن نعيم عن الصادق عليه السلام: (أنه سأله عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: تجوز شهادتهم) (2). والمراد بالجواز هنا الصحة. وهذا مذهب الاكثر (3). ولكن ورد هنا رواية بالمنع من قبول شهادتهم، والحكم بجلد الشهود عدا الزوج، فله درؤه (4) باللعان. وهي رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام: (في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: يلاعن، ويجلد الاخرون) (5). وعمل بمضمونها جماعة (6) منهم الصدوق (7) والقاضي (8). وقد عرفت أن الرواية مخالفة لاصول المذهب. وهي مع ذلك ضعيفة السند، لان في طريقها محمد بن عيسى اليقطيني، وحاله مشهور، وإسماعيل بن خراش، وهو مجهول. ولو اضطررنا إلى الجمع بينهما فالامر كما ذكره المصنف

(هامش)

(1) في ص: 197. (2) التهذيب 6: 282 ح 776، الاستبصار 3: 35 ح 118، الوسائل 15: 606 ب (12) من أبواب كتاب اللعان ح 1. (3) النهاية: 690، الوسيلة: 410، السرائر 3: 430، قواعد الاحكام 2: 256.(4) في (أ، ت، ث، خ): رده. (5) التهذيب 8: 184 ح 643، الاستبصار 3: 36 ح 119، الوسائل 15: 606 ب (12) من أبواب اللعان ح 2. (6) الكافي في الفقه: 415، إيضاح الفوائد 3: 457 - 458. (7) المقنع: 440. (8) المهذب 2: 525. (*)

ص 395

الخامسة: يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه، كحد الزنا. أما حقوق الناس، فتقف إقامتها على المطالبة، حدا كان أو تعزيرا.

رحمه الله، بحمل الثانية على ما لو اختل بعض شروط الشهادة، ومنه سبق الزوج بالقذف، وثبوت الحد عليها مع اجتماع الشروط. وقد تقدم البحث في هذه المسألة مستوفى في كتاب اللعان (1). قوله: (يجب على الحاكم... إلخ). قد تقدم (2) البحث والمختار في أن الحاكم يحكم بعلمه مطلقا، لانه أقوى من البينة، ومن جملته الحدود. ثم إن كانت لله تعالى فهو المطالب بها والمستوفي لها. وإن كانت من حقوق الناس كحد القذف توقف إقامتها على مطالبة المستحق، فإذا طالب بها حكم بعلمه فيها، لان الحكم بحق الادمي مطلقا يتوقف على التماسه، كما تقدم. ويؤيد هذا التفصيل هنا رواية الحسين بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته يقول: الواجب على الامام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لانه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه، قلت: كيف ذاك؟ قال: لان الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على الامام إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس) (3).

(هامش)

(1) في ج 10: 258. (2) في ج 13: 383. (3) الكافي 7: 262 ح 15، التهذيب 10: 44 ح 157، الاستبصار 4: 216 ح 809، الوسائل 18:344 ب (32) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (*)

ص 396

السادسة: إذا شهد بعض، وردت شهادة الباقين، قال في الخلاف والمبسوط: إن ردت بأمر ظاهر، حد الجميع، وإن ردت بأمر خفي، فعلى المردود الحد دون الباقين. وفيه إشكال، من حيث تحقق القذف العاري عن بينة. ولو رجع واحد بعد شهادة الاربع، حد الراجع دون غيره.

قوله: (إذا شهد بعض... إلخ). إذا شهد بعض الاربعة بالزنا فقبلت شهادته، وشهد الباقي فردت شهادته، سواء كان واحدا أم أكثر، ففي حد الشهود قولان: أحدهما - وهو ظاهر المصنف رحمه الله حيث استشكل التفصيل، وصريح العلامة (1) -: أنه يحد الجميع، لتحقق القذف العاري عن البينة التي يثبت بها الزنا. والثاني: التفصيل، فإن ردت الشهادة بأمر ظاهر حد الجميع كما ذكر، للاقدام على القذف مع تحقق عدم السماع. وإن ردت بأمر خفي على باقي الشهود فلا حد على غير المردود، لعدم تفريطه، إذ لا اطلاع له على الباطن، وإنما شهد اعتمادا على ظاهر الحال من عدم المانع من قبول شهادتهم، وثبوت الزنا الموجب لنفي الحد عنهم. ولانه لولا ذلك لم يأمن كل شاهد بالزنا رد شهادته أو شهادة أصحابه أو بعضهم، فيكون خوف الحد ذريعة إلى ترك الشهادة وتعطيل الحدود. وفي هذا التفصيل قوة، وإليه ذهب الشيخ في كتابي الفروع (2) وابن إدريس (3).

(هامش)

(1) إرشاد الاذهان 2: 172.(2) المبسوط 8: 9، الخلاف 5: 391 مسألة (33). (3) السرائر 3: 435. (*)

ص 397

السابعة: إذا وجد مع زوجته رجلا يزني بها، فله قتلهما، ولا إثم عليه. وفي الظاهر عليه القود، إلا أن يأتي على دعواه ببينة، أو يصدقه الولي.

وأما المردود، فإن كان رده بظاهر (1) فلا إشكال في حده. وإن كان بخفي ففي حده قولان للشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3)، من أنه لا يعلم رد شهادته، فهو كغيره من الشهود، ومن علمه بكونه على حالة ترد شهادته لو علم به، بخلاف الشهود. وهذا أقوى. ولا إشكال في اختصاص الحد بالراجع عن الشهادة بعد أداء الجميع، سواء استوفي الحد من المشهود عليه أم لا، لكمال البينة. قوله: (إذا وجد مع زوجته... إلخ). إذا اطلع الانسان على الزانيين ولم يكن من أهل الحدود فمقتضى الاصل عدم جواز استيفائه منهما بنفسه، لكن وردت الرخصة في جواز قتل الزوجة والزاني بها إذا علم الزوج بهما، سواء كان الفعل يوجب الرجم أو الجلد، كما لو كان الزاني غير محصن أو كانا غير محصنين، وسواء كان الزوجان حرين أم عبدين أم بالتفريق، وسواء كان الزوج قد دخل أم لا، وسواء كان دائما أم متعة، عملا بالعموم. وهذه الرخصة منوطة بنفس الامر، أما في الظاهر، فإن ادعى ذلك عليهما لم يقبل، وحد للقذف بدون البينة. ولو قتلهما أو أحدهما قيد بالمقتول إن لم يقمبينة على ما يبيح القتل، ولم يصدقه الولي. وإنما وسيلته مع الفعل باطنا الانكار ظاهرا، ويحلف إن ادعي عليه، ويوري بما يخرجه عن الكذب إن أحسن، لانه محق في نفس الامر مؤاخذ في ظاهر الحال.

(هامش)

(1) في (د): بأمر ظاهر. (2) انظر الهامش (2) في الصفحة السابقة. (3) انظر الهامش (2) في الصفحة السابقة. (*)

ص 398

وقد روى داود بن فرقد في الصحيح قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قالوا لسعد بن عبادة: أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: كنت أضربه بالسيف، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ماذا يا سعد؟ فذكر له ما قالوه وما أجاب به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد وكيف بالاربعة الشهود؟ فقال: يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله أن قد فعل! قال: إي والله بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل، لان الله عز وجل قد جعل لكل شي حدا، وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا) (1). واعلم أن مقتضى قوله: (إلا أن يأتي ببينة أو يصدقه الولي) أنه لو أتى ببينة على الزنا فلا قود عليه، وهو يشمل أيضا ما لو كان الزنا يوجب القتل أو الجلد وحده. ويشكل الحكم في الثاني، لعدم ثبوت مقتضى القتل، والرخصة منوطة بحكمه في نفس الامر لا في الظاهر. إلا أن يقال: إنها أباحت له قتلهما مطلقا، وإنما يتوقف جريان هذا الحكم ظاهرا على ثبوت أصل الفعل، ويختص تفصيل الحد بالرجم والجلد وغيرهما بالامام دون الزوج. وهذا أمر يتوقف على تحقيق النص في ذلك. والرخصة مقصورة على وجدان الزوج ذلك بالمشاهدة، أما البينة فسماعهامن وظيفة الحاكم. وفي إلحاق الاقرار بالمشاهدة أو بالبينة إشكال. ويظهر من

(هامش)

(1) الكافي 7: 176 ح 12، الفقيه 4: 16 ح 25، التهذيب 10: 3 ح 5، الوسائل 18: 309 ب (2) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (*)

ص 399

الثامنة: من افتض بكرا بإصبعه، لزمه مهر نسائها. ولو كانت أمة، لزمه عشر قيمتها. وقيل: يلزمه الارش. والاول مروي. التاسعة: من تزوج أمة على حرة مسلمة، فوطئها قبل الاذن، كان

الاصحاب جواز إقامة الزوج الحد على الزوجة على القول بجواز توليه (1) الحد، لكن لا يختص بالقتل كما هو مورد هذه الرخصة، بل هو بحسب ما يوجبه من جلد وغيره. قوله: (من افتض بكرا... إلخ). القول بلزوم عشر القيمة للشيخ (2) والاكثر (3)، استنادا إلى الرواية (4) الدالة على ذلك. وقد تقدمت (5) مرارا. والقول بالارش لابن إدريس (6)، اطراحا للرواية، ورجوعا إلى حكم الاصل من الجناية على الامة، فيضمن ما نقصت الجناية من قيمتها. والاشهر الاول، وإن كان المستند لا يخلو من ضعف. ولو قيل بوجوب أكثر الامرين من الارش والعشر كان حسنا، لان الارش على تقدير زيادته بسبب نقص حدث في المال بجنايته، فيكون مضمونا. ولو كانت المفتضة زوجة فعل حراما، وعزر، واستقر المسمى.قوله: (من تزوج أمة... إلخ).

(هامش)

(1) في (د، ص): تولية. (2) النهاية: 699. (3) الوسيلة: 411، إصباح الشيعة: 516، قواعد الاحكام 2: 256، اللمعة الدمشقية: 166. (4) التهذيب 10: 49 ح 183، الوسائل 18: 410 ب (39) من أبواب حد الزنا ح 5. (5) راجع ج 8: 16، 139. (6) السرائر 3: 449. (*)

ص 400

عليه ثمن حد الزاني. العاشرة: من زنى في شهر رمضان، نهارا كان أو ليلا، عوقب زيادة على الحد، لانتهاكه الحرمة. وكذا لو كان في مكان شريف أو زمان شريف.

هو اثنا عشر سوطا ونصف. وكيفية التنصيف أن يقبض على نصف السوط ويضرب به. وقيل: ضربا بين ضربين. قوله: (من زنى في شهر رمضان... إلخ). المرجع في الزيادة إلى نظر الحاكم. وفي حكم رمضان غيره من الازمنة الشريفة، كالاعياد والجمعة ويوم عرفة، كما أن المكان الشريف مطلق (1).

(هامش)

(1) في (ت، ط): مطلقا، ولعل في العبارة سقطا، تقديره:... مطلقا كذلك. (*)

ص 401

الباب الثاني في اللواط، والسحق، والقيادة

أما اللواط: فهو وط الذكران، بإيقاب وغيره. وكلاهما لا يثبتان إلا بالاقرار أربع مرات، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة. ويشترط في المقر: البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والاختيار، فاعلا كان أو مفعولا. ولو أقر دون أربع، لم يحد وعزر. ولو شهد بذلك دون الاربعة لم يثبت، وكان عليهم الحد للفرية.

قوله: (أما اللواط... إلخ). أراد بالايقاب إدخال الذكر ولو ببعض الحشفة، لان الايقاب لغة الادخال، فيتحقق الحكم وإن لم يجب الغسل. واعتبر في القواعد (1) في الايقاب غيبوبة الحشفة. ومطلق الايقاب لا يدل عليه. وبغيره نحو التفخيذ وبين الاليتين. وكلاهما يطلق عليه اسم اللواط، وإن كان حكمه مختلفا. وإطلاق الوطي على هذا القسم في هذا الباب متجوز. ولو أطلق الوطي (2) على الايقاب، وخص غيره باسم آخر وإن أوجب الحد المخصوص، كان أوفق بالاصطلاح. ولكنه تبع في إطلاقه على ذلك الروايات، فإن في بعضها دلالة عليه، ففي رواية حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام أنه سأله عن اللواط فقال:

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 2: 256. (2) في الحجريتين: اللواط. (*)

ص 402

ويحكم الحاكم فيه بعلمه، إماما كان أو غيره، على الاصح. وموجب الايقاب: القتل، على الفاعل والمفعول، إذا كان كل منهما عاقلا. ويستوي في ذلك: الحر، والعبد، والمسلم، والكافر، والمحصن، وغيره.

(بين الفخذين، وسأله عن الموقب، فقال: ذاك الكفر بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله) (1). وعلى التقديرين، فطريق ثبوته طريق الزنا في الاقرار والبينة، وفي ترتبالاحكام السابقة على ما دون ذلك في الاقرار والبينة. قوله: (ويحكم الحاكم فيه بعلمه... إلخ). هذا الحد من حقوق الله تعالى، وقد تقدم الخلاف في باب القضاء (2) في حكم الحاكم بعلمه فيه، وأن الاصح ثبوته [فيه] (3) كغيره. قوله: (وموجب الايقاب... إلخ). لا خلاف في وجوب قتل اللائط الموقب إذا كان مكلفا، والاخبار (4) به متظافرة. والعبد هنا كالحر بالاجماع، وإن كان الحد بغير القتل. وليس في الباب مستند ظاهر غيره. وأما استواء الباقين في ذلك فمستنده النصوص (5)، وهي كثيرة.

(هامش)

(1) التهذيب 10: 53 ح 197، الوسائل 14: 257 ب (20) من أبواب النكاح المحرم ح 3. (2) في ج 13: 383. (3) من (أ). (4) الوسائل 18: 416 ب (1 - 3) من أبواب حد اللواط. (5) ليس في النصوص تصريح باستواء المذكورين في القتل. نعم، إطلاق بعض الاخبار يشملهم، راجع الوسائل 18: 416 ب (1) من أبواب حد اللواط ح 2، وب (3) ح 2، 5، 6 وفي ح (8) من ب (11) تصريح باستواء المحصن وغيره فقط. (*)

ص 403

ولو لاط البالغ بالصبي موقبا، قتل البالغ، وأدب الصبي. وكذا لو لاط بمجنون. ولو لاط بعبده، حدا قتلا أو جلدا. ولو ادعى العبد الاكراه سقط عنه دون المولى.

قوله: (ولو لاط البالغ... إلخ). أما قتل المكلف فلانه حده. وأما الصبي والمجنون فيؤدبان بما يراه الحاكم صلاحا، لعدم التكليف في حقهما الذي هو مناط الحدود. وقد روى أبو بكرالحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل وامرأة وقد لاط زوجها بابنها من غيره وثقبه، وشهد عليه بذلك الشهود، فأمر به أمير المؤمنين عليه السلام فضرب بالسيف حتى قتل، وضرب الغلام دون الحد، وقال: لو كنت مدركا لقتلتك، لامكانك إياه من نفسك) (1). قوله: (ولو لاط بعبده... إلخ). أي: قتلا مع الايقاب وجلدا بدونه، لتحقق اللواط المحرم، فيثبت موجبه. ونبه بذلك على خلاف بعض (2) العامة حيث نفى الحد بوطي المملوك، لشبهة عموم تحليل ملك اليمين. قوله: (ولو ادعى العبد الاكراه... إلخ). لقيام القرينة بكون العبد محل الاكراه، فلذلك قبل قوله فيه، بخلاف غيره. وينبغي قبول دعوى الاكراه ممن يمكن في حقه ذلك، لقيام الشبهة الدارئة للحد.

(هامش)

(1) الكافي 7: 199 ح 4، التهذيب 10: 51 ح 192، الاستبصار 4: 219 ح 818، الوسائل 18: 418 ب (2) من أبواب حد اللواط ح 1. (2) تبيين الحقائق 3: 181. (*)

ص 404

ولو لاط مجنون بعاقل، حد العاقل. وفي ثبوته على المجنون قولان، أشبههما السقوط. ولو لاط الذمي بمسلم، قتل وإن لم يوقب. ولو لاط بمثله، كان الامام مخيرا بين إقامة الحد عليه، وبين دفعه إلى أهله، ليقيموا عليهحدهم.

قوله: (ولو لاط مجنون بعاقل... إلخ). القول بوجوب الحد على المجنون للشيخين (1) وأتباعهما (2)، استنادا إلى وجوبه عليه مع الزنا. والاصل عندنا ممنوع. والاصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم وجوبه عليه كالزنا، لعدم التكليف الذي هو مناط الحدود على المعاصي. قوله: (ولو لاط الذمي بمسلم... إلخ). إذا لاط الذمي بمسلم، فإن كان بموجب القتل فلا كلام في قتله. وإن كان بما دون ذلك قتل، كما لو زنى على وجه يوجب الجلد على المسلم، لما روي من أن حد اللوطي مثل حد الزاني، ولمناسبة عقوبة الزنا. وإن كان فعله مع مثله تخير الامام بين الحكم عليه بحكم شرع الإسلام، لعموم الاية (3)، وبين رده إلى أهل دينه ليقيموا عليه بمقتضى دينهم. وقد تقدم (4) توجيه ذلك في الزنا. ولا نص [عليه] (5) هنا في هذا الباب بخصوصه.

(هامش)

(1) المقنعة: 786، النهاية: 705. (2) الوسيلة: 413، المهذب 2: 531. (3) المائدة: 42. (4) في ص: 375. (5) من الحجريتين. (*)

ص 405

وكيفية إقامة هذا الحد: القتل، إن كان اللواط إيقابا. وفي رواية: إن كان محصنا رجم، وإن كان غير محصن جلد. والاول أشهر.

قوله: (وكيفية إقامة هذا الحد... إلخ). مذهب الاصحاب أن حد اللائط الموقب القتل ليس إلا. ويتخير الامام في جهة قتله، فإن شاء قتله بالسيف، وإن شاء ألقاه من شاهق، وإن شاء أحرقه بالنار، وإن شاء رجمه.وهو في عدة روايات، منها رواية مالك بن عطية الحسنة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بينا أمير المؤمنين عليه السلام في ملا من أصحابه إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني قد أوقبت على غلام فطهرني. فقال له: يا هذا امض إلى منزلك لعل مرارا هاج بك. فلما كان من غد عاد إليه فقال له مثل ذلك، فأجابه كذلك، إلى أن فعل ذلك أربع مرات. فلما كان الرابعة قال له: يا هذا إن رسول الله صلى الله عليه وآله حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو دهداه من جبل مشدود اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار. فقال: يا أمير المؤمنين أيهن أشد علي؟ قال: الاحراق بالنار. قال: فإني قد اخترتها يا أمير المؤمنين) (1). الحديث. ولم ينقل الاصحاب خلافا في ذلك، لكن وردت روايات بالتفصيل كما

(هامش)

(1) الكافي 7: 201 ح 1، التهذيب 10: 53 ح 198، الوسائل 18: 422 ب (5) من أبواب حد اللواط ح 1. (*)

ص 406

ذكره المصنف - رحمه الله -، منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الملوط حده حد الزاني) (1). والتفصيل واقع في حد الزاني. ورواية العلا بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (حد اللوطي مثل حد الزاني) (2). وقال: (إن كان قد أحصن رجم وإلا جلد) (3). ورواية حماد بن عثمان قال: (قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل أتى رجلا، قال: إن كان محصنا فعليه القتل، وإن لم يكن محصنا فعليه الجلد، قال: قلت: فما على المؤتى؟ قال: عليه القتل على كل حال، محصنا كان أو غيرمحصن) (4). ورواية أبي بصير قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: في كتاب علي عليه السلام إذا ثقب وكان محصنا الرجم) (5). وهذه الاخبار مع كثرتها مشتركة في ضعف السند. ففي طريق الاولى أبان، وهو مشترك بين الثقة وغيره. وفي طريق الثانية محمد بن سنان، وضعفه مشهور. وفي طريق الثالثة معلى بن محمد وغيره. وفي الرابعة اشتراك أبي بصير. مع أنها لا تنافي المطلوب، لان إثبات الرجم على المحصن لا ينافي الحكم بقتل غيره

(هامش)

(1) الكافي 7: 200 ح 8، التهذيب 10: 55 ح 202، الاستبصار 4: 221 ح 826، الوسائل 18: 416 ب (1) من أبواب حد اللواط ح 1. (2) الكافي 7: 198 ح 1، التهذيب 10: 54 ح 200، الاستبصار 4: 220 ح 824، الوسائل 18: 417 الباب المتقدم ح 3. (3) الكافي 7: 198 ح 1، التهذيب 10: 54 ح 200، الاستبصار 4: 220 ح 824، الوسائل 18: 417 الباب المتقدم ح 3. (4) الكافي 7: 198 ح 2، الفقيه 4: 30 ح 85، التهذيب 10: 55 ح 201، الاستبصار 4: 220 ح 825، الوسائل 18: 417 ب (1) من أبواب حد اللواط ح 4. (5) الكافي 7: 200 ح 12، التهذيب 10: 55 ح 203، الاستبصار 4: 221 ح 827، الوسائل 18: 421 ب (3) من أبواب حد اللواط ح 7. (*)

ص 407

ثم الامام مخير في قتله، بين ضربه بالسيف، أو تحريقه، أو رجمه، أو إلقائه من شاهق، أو إلقاء جدار عليه. ويجوز أن يجمع، بين أحد هذه وبين تحريقه. وإن لم يكن إيقابا، كالتفخيذ أو بين الاليتين، فحده مائة جلدة. وقال في النهاية: يرجم إن كان محصنا، ويجلد إن لم يكن. والاول أشبه.

لغير ذلك. وقد تقدم (1) أن الامام عليه السلام يتخير في جهة القتل، فإذا رأى رجم المحصن أو تخصيصه (2) بالرجم فله ذلك. والشيخ (3) - رحمه الله - حمل الروايات غير الرابعة على ما إذا كان الفعل دون الايقاب، لما سيأتي (4) من حكمه فيه. قوله: (ثم الامام مخير... إلخ). قد تقدم (5) في الرواية السابقة ما يدل على التخيير. ويدل على الجمع بين تحريقه وقتله ما روي (6) من أمر علي عليه السلام بذلك في زمن عمر في رجل شهد عليه بذلك. قوله: (وإن لم يكن إيقابا... إلخ). هذا هو القسم الثاني من اللواط الذي سماه المصنف - رحمه الله - وطاء بغير

(هامش)

(1) في ص: 405. (2) في (خ، ص، م): أو المحصنة بالرجم. (3) التهذيب 10: 55 ذيل ح 203، الاستبصار 4: 221 ذيل ح 827. (4) في الصفحة التالية. (5) في الصفحة التالية. (6) الكافي 7: 199 ح 5، التهذيب 10: 52 ح 195، الاستبصار 4: 219 ح 819، الوسائل 18: 420 ب (3) من أبواب حد اللواط ح 3. (*)

ص 408

الايقاب، وهو ما إذا فعل بين الاليتين أو بين الفخذين. وقد اختلف الاصحاب في حكمه، فالمشهور الجلد مائة لكل منهما. ذهب إلى ذلك المفيد (1) والمرتضى (2) وابن أبي عقيل (3) وسلا ر (4) وأبو الصلاح (5) وابن إدريس (6) والمصنف - رحمه الله - وسائر المتأخرين، للاصل، والشك في وجوب الزائد، فيكون شبهة يدرأ بها، ولرواية سليمان بن هلال عن الصادق عليه السلام: (في الرجل يفعل بالرجل، فقال: إن كان دون الثقب فالحد، وإن كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف) (7). وظاهره أن المراد بالحد الجلد.وقال الشيخ - رحمه الله - في النهاية (8) وكتابي (9) الاخبار، وتبعه القاضي (10) وجماعة (11): يرجم إن كان محصنا، وإلا جلد مائة، جمعا بين الروايات السابقة وبين ما روي (12) من قتل اللائط مطلقا، بحمل الاولى على غير

(هامش)

(1) المقنعة: 785. (2) الانتصار: 251. (3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 764. (4) المراسم: 253. (5) الكافي في الفقه: 408. (6) السرائر 3: 458. (7) الكافي 7: 200 ح 7، التهذيب 10: 52 ح 194، الاستبصار 4: 219 ح 820، الوسائل 18: 416 ب (1) من أبواب حد اللواط ح 2. (8) النهاية: 704. (9) التهذيب 10: 55 ذيل ح 203، الاستبصار 4: 221 ذيل ح 827. (10) المهذب 2: 530. (11) الوسيلة: 413. (12) انظر الوسائل 18: 419 ب (2) من أبواب حد اللواط ح 2 وب (3) ح 2. (*)

ص 409

ويستوي فيه: الحر، والعبد، والمسلم، والكافر، والمحصن، وغيره.

الموقب، والثانية عليه. ونفى في المختلف (1) عنه البأس. ويظهر من الصدوقين (2) وابن الجنيد (3) وجوب القتل مطلقا، لانهم فرضوه في غير الموقب، وجعلوا الايقاب هو الكفر بالله تعالى، أخذا من رواية حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام: (أنه سأله عن اللواط، فقال: بين الفخذين،وسأله عن الموقب، فقال: ذاك الكفر بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله) (4). وحمل على المبالغة في الذنب، أو على المستحل. مع أن حذيفة بن منصور ضعيف، وسليمان بن هلال مجهول، فالروايتان تصلحان شاهدا لا دليلا. قوله: (ويستوي فيه الحر والعبد... إلخ). استواء الحر والعبد يظهر في صورة وجوب الجلد، بمعنى أنه لا ينتصف هنا على العبد، بخلاف الزنا. وجعل في شرح الارشاد (5) مستند ذلك إجماع الاصحاب. وأما مع إيجابه القتل فالاستواء واضح. وأما استواء المسلم والكافر فيتم مع عدم كون الفاعل كافرا والمفعول مسلما، وإلا قتل الكافر مطلقا كما مر (6)، فلا يتم التسوية بينهما في القسمين.

(هامش)

(1) المختلف: 764 - 765. (2) المقنع: 430، وحكاه عنهما العلامة في المختلف: 764. (3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 764. (4) التهذيب 10: 53 ح 197، الوسائل 14: 257 ب (20) من أبواب النكاح المحرم ح 3. (5) غاية المراد: 342. (6) في ص: 404. (*)

ص 410

ولو تكرر منه الفعل، وتخلله الحد مرتين، قتل في الثالثة. وقيل: في الرابعة. وهو أشبه. والمجتمعان تحت إزار واحد مجردين، وليس بينهما رحم، يعزران من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا. ولو تكرر ذلك منهما وتخلله التعزير، حدا في الثالثة.

قوله: (ولو تكرر منه الفعل... إلخ). هذا متفرع على القول بوجوب الجلد على غير الموقب. والقول بقتله في الثالثة لابن إدريس (1). وقد تقدم (2) في حد الزنا أنه أصح رواية، وإن كان القول بقتله في الرابعة أحوط في الدماء، وإليه ذهب الاكثر. والتقريب هنا كما تقدم، لان المستند صحيحة يونس العامة في أصحاب الكبائر. قوله: (والمجتمعان تحت إزار... إلخ). قد اختلفت الاقوال والروايات في حد المجتمعين تحت إزار واحد ونحوه، فذهب الشيخ (3) وابن إدريس (4) والمصنف وأكثر المتأخرين (5) إلى أنهما يعزران من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين. أما عدم بلوغ المائة فلعدم بلوغهم الفعل الموجب للحد الكامل. وأما عدم نقصان التعزير عن ثلاثين فلرواية سليمان بن هلال قال: (سألبعض أصحابنا أبا عبد الله عليه السلام فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل

(هامش)

(1) السرائر 3: 461 - 462. (2) في ص: 371. (3) النهاية: 705. (4) السرائر 3: 460. (5) إرشاد الاذهان 2: 175، اللمعة الدمشقية: 167، التنقيح الرائع 4: 352. (*)

ص 411

في لحاف واحد، فقال: أذو رحم؟ فقال: لا، فقال: أمن ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا) (1) الحديث. وفي رواية ابن سنان عنه عليه السلام: (يجلدان حدا غير سوط) (2). فيكون الحكم في الغايتين وما بينهما منوطا بنظر الامام. والمستند في الطرفين ضعيف. وقال الصدوق (3) وابن الجنيد (4): إنهما يجلدان مائة جلدة تمام الحد. وبه أخبار كثيرة، منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد، والمرأتان تجلدان إذا وجدتا في لحاف واحد الحد) (5). وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان علي عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد، وإذا أخذ المرأتين في لحاف واحد ضربهما الحد) (6). ومثلها حسنة أبي عبيدة (7) عن أبي

(هامش)

(1) الفقيه 4: 14 ح 21، التهذيب 10: 41 ح 146، الاستبصار 4: 213 ح 797، الوسائل 18: 367 ب (100) من أبواب حد الزنا ح 21. (2) التهذيب 10: 40 ح 143، الاستبصار 4: 213 ح 794، الوسائل 18: 367 الباب المتقدم ح 18. (3) المقنع: 433. (4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 765. (5) الكافي 7: 181 ح 1، التهذيب 10: 42 ح 148، الاستبصار 4: 214 ح 799، الوسائل 18: 363 الباب المتقدم ح 1. (6) الكافي 7: 181 ح 7، التهذيب 10: 42 ح 151، الاستبصار 4: 214 ح 802، الوسائل 18: 365 ب (10) من أبواب حد الزنا ح 6. (7) الكافي 7: 182 ح 10، الوسائل 18: 366 ب (10) من أبواب حد الزنا ح 15. (*)

ص 412

وكذا يعزر من قبل غلاما ليس له بمحرم بشهوة.

جعفر عليه السلام، وغيرها من الاخبار (1) المعتبرة الاسناد. وأجاب في المختلف (2) بحمل الحد على أقصى نهايات التعزير، وهي مائة سوط غير سوط، جمعا بين الادلة. وفيه نظر، لان هذه أكثر وأجود سندا. وليس فيها التقييد بعدم المحرمية بينهما. وعدم القيد أجود، لان المحرمية لا تجوز الاجتماع المذكور إن لم تؤكد التحريم. والمراد بالرحم حيث يطلق مطلق القرابة، وهو أعم من المحرمية التي هي عبارة عن تحريم النكاح مؤبدا. وهو يؤيد عدم فائدة هذا القيد، لان القرابة لا دخل لها في تحقيق (3) هذا الحكم. قوله: (وكذا يعزر من قبل غلاما...). لانه فعل محرم فيستحق فاعله التعزير مطلقا كغيره من المحرمات، بل الامر فيه آكد، فقد روي أن: (من قبل غلاما بشهوة لعنته ملائكة السماء وملائكة الارضين، وملائكة الرحمة وملائكة الغضب، وأعد له جهنم وسأت مصيرا) (4). وفي حديث آخر: (من قبل غلاما بشهوة ألجمه الله بلجام من نار) (5). ولا وجه للتقييد بعدم المحرمية مع كون التقبيل بشهوة، لتحريمه حينئذ مطلقا، ولذلك أطلق في الاخبار (6). وروى إسحاق بن عمار قال: (قلت لابي

(هامش)

(1) الوسائل 18: 364 ب (10) من أبواب حد الزنا ح 4، 5، 7، 9، 10، 22، 24. (2) المختلف: 765. (3) في (د): تحقق، وفي (م): تخفيف. (4) فقه الرضا عليه السلام: 278. (5) الكافي 5: 548 ح 10، الوسائل 14: 257 ب (21) من أبواب النكاح المحرم ح 1. (6) الوسائل 14: 257 ب (21) من أبواب النكاح المحرم. (*)

ص 413

وإذا تاب اللائط قبل قيام البينة، سقط [عنه] الحد. ولو تاب بعده لم يسقط. ولو كان مقرا، كان الامام مخيرا في العفو أو الاستيفاء. والحد في السحق: مائة جلدة، حرة كانت أو أمة، مسلمة أو كافرة، محصنة [كانت] أو غير محصنة، للفاعلة والمفعولة. وقال في النهاية: ترجم مع الاحصان، وتحد مع عدمه. والاول أولى.

عبد الله عليه السلام: محرم قبل غلاما من شهوة، قال: يضرب مائة سوط) (1). قوله: (وإذا تاب اللائط... إلخ). الكلام هنا كالكلام في الزاني، وقد تقدم (2). قوله: (والحد في السحق... إلخ).ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب الجلد مطلقا هو المشهور بين الاصحاب، ذهب إليه المفيد (3) والمرتضى (4) وأبو الصلاح (5) وابن إدريس (6) والمتأخرون (7)، لرواية زرارة (8) عن الباقر عليه السلام أنه قال: (المساحقة

(هامش)

(1) الكافي 7: 200 ح 9، التهذيب 10: 57 ح 206، الوسائل 18: 422 ب (4) من أبواب حد اللواط. (2) في ص: 358. (3) المقنعة: 787 - 788. (4) الانتصار: 253. (5) الكافي في الفقه: 409. (6) السرائر 3: 463. (7) الجامع للشرائع: 555، قواعد الاحكام 2: 257، اللمعة الدمشقية: 167، المقتصر: 408. (8) في هامش (خ): (في طريقها أبان بن عثمان، وهو فاسد المذهب، لكن قال الكشي: إن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عنه. وفي هذا القول نظر. والمصنف - رحمه الله - حكم بضعفه في بعض المواضع. وفيه أيضا علي بن الحكم، وهو مشترك بين الثقة وغيره. منه قدس سره). انظر رجال الكشي: 375 رقم (705)، شرائع الإسلام 4: 240. (*)

ص 414

تجلد) (1). والمراد بالجلد الحد المغاير للرجم، وهو مائة، لان ذلك هو الظاهر منه، ولاصالة البرأة من الزائد عن ذلك. وفيه نظر، لان المفرد المعرف لا يعم، والحكم بالجلد على المساحقة في الجملة لا إشكال فيه، وإنما يتم المطلوب مع عمومه. مع أن في سند الرواية كلاما. وقال الشيخ في النهاية (2)، وتبعه القاضي (3) وابن حمزة (4): ترجم المحصنة وتجلد غيرها، لحسنة ابن أبي حمزة وهشام وحفص عن الصادق عليه السلام أنه: (دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق، فقال: حدها حد الزاني، فقالت المرأة: ما ذكر الله ذلك في القرآن!! قال: بلى، فقالت: وأين؟ قال: هن أصحاب الرس) (5). وحد الزاني مشترك بين الجلد والرجم، فيكون ذلك الحد مشتركا.وأجيب بأن المشترك لا يحمل على معنييه إلا مجازا، والاصل عدمه، بل

(هامش)

(1) الكافي 7: 202 ح 3، التهذيب 10: 58 ح 209، الوسائل 18: 425 ب (1) من أبواب حد السحق ح 2. (2) النهاية: 706. (3) المهذب 2: 531 - 532. (4) الوسيلة: 414. (5) الكافي 7: 202 ح 1، الفقيه 4: 31 ح 86، التهذيب 10: 58 ح 210، الوسائل 18: 424 ب (1) من أبواب حد السحق ح 1. (*)

ص 415

وإذا تكررت المساحقة مع إقامة الحد ثلاثا، قتلت في الرابعة. ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة، ولا يسقط بعدها. ومع الاقرار والتوبة، يكون الامام مخيرا.

على أحدهما بقرينة، وهو هنا الجلد، جمعا بين الاخبار. وفيه نظر، لجواز إرادة القدر المشترك، وهو العقوبة الشاملة للامرين، فلا يكون على خلاف الاصل. مع أنه سيأتي (1) خبر صحيح يدل على رجم المحصنة، وآخر دال عليه أيضا، فترجيح رواية (2) زرارة - مع ما فيها - على جميع هذه الاخبار مشكل. واعلم أن المراد بقول المرأة في الخبر السابق: (ما ذكر الله ذلك في القرآن) إشارة إلى السحق نفسه، لا إلى حده وإن كان السؤال عقيبه (3)، لانه عليه السلام أجابها بأنهن أصحاب الرس، ورضيت بالجواب، ومعلوم أنه ليس في القرآن بيان حدهن، فدل على أن المقصود مجرد ذكرهن. وقد روي أن ذلك الفعل كان في أصحاب الرس، كما كان اللواط في قوم (4) لوط. قوله: (وإذا تكررت المساحقة... إلخ). بناء على أنها لا توجب القتل ابتداء، فتقتل في الثالثة أو الرابعة مع تخلل الحد، كما تقدم في نظائره من الكبائر. ولم يذكر هنا الخلاف في الثالثة مع أن

(هامش)

(1) في ص: 419. (2) راجع ص: 413. (3) في (ت، ط): عنه. (4) في (ث، ط، م): أصحاب. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب