مسالك الأفهام - ج14

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 323

كتاب الحدود والتعزيرات

ص 325

كتاب الحدود والتعزيرات

 

قوله: (كتاب الحدود والتعزيرات) الحدود جمع حد. وهو لغة: المنع. ومنه أخذ الحد الشرعي، لكونه ذريعة إلى منع الناس عن فعل موجبه خشية من قوعه. وشرعا: عقوبة خاصة تتعلق بإيلام البدن، بواسطة تلبس المكلف بمعصية خاصة، عين الشارع كميتها في جميع أفراده. والتعزير لغة: التأديب. وشرعا: عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع غالبا. والاصل فيهما الكتاب والسنة والاجماع، وتفاصيله في الايات والاخبار كثيرة، لكثرة أفراده. واعلم أن الزنا من المحرمات الكبائر، قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة) (1). وقال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (2). وأجمع أهل الملل على تحريمه حفظا للنسب. وقد كان الواجب به في صدر الإسلام الحبس والايذاء، على ما قال تعالى: (واللا تي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى قوله تعالى: (وا للذان يأتيانها منكم فاذوهما) (3). وظاهر الايات أن الحبس كان في حق النساء، والايذاء في حق الرجال، ثم استقر الامر على الحدود المفصلة فيما سيأتي.

(هامش)

(1) الاسراء: 32. (2) الفرقان: 68 - 69. (3) النساء: 15 - 16. (*)

ص 326

كل ما له عقوبة مقدرة يسمى: حدا. وما ليس كذلك يسمى: تعزيرا. وأسباب الاول ستة: الزنا، وما يتبعه، والقذف، والسرقة، وشرب الخمر، وقطع الطريق.

قوله: (كل ما له عقوبة... إلخ). تقدير الحد شرعا واقع في جميع أفراده، كما أشرنا إليه سابقا. وأما التعزير فالاصل فيه عدم التقدير، والاغلب في أفراده كذلك، لكن قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده، وذلك في خمسة مواضع: الاول: تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان، مقدر بخمسة وعشرين سوطا. الثاني: من تزوج أمة على حرة ودخل بها قبل الاذن، ضرب اثنا عشر سوطا ونصفا، ثمن حد الزاني. الثالث: المجتمعان تحت إزار واحد مجردين، مقدر بثلاثين إلى تسعة وتسعين على قول. الرابع: من افتض بكرا بإصبعه قال الشيخ (1): يجلد من ثلاثين إلى سبعة وسبعين. وقال المفيد (2): من ثلاثين إلى ثمانين. وقال ابن إدريس (3): من ثلاثين إلى تسعة وتسعين. الخامس: الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد أو إزار مجردين،

(هامش)

(1) النهاية: 699، وفيه: تسعة وتسعين، ولم نجده في سائر كتبه. وفي الجواهر (41: 371) نقلا عن الشيخ: سبعة وتسعين. (2) المقنعة: 785. (3) السرائر 3: 449. (*)

ص 327

والثاني أربعة: البغي، والردة، وإتيان البهيمة، وارتكاب ما سوى ذلك من المحارم. فلنفرد لكل قسم بابا، عدا ما يتداخل أو سبق.

يعزران من عشرة إلى تسعة وتسعين. قاله المفيد (1). وأطلق الشيخ (2) التعزير. وقال في الخلاف (3): روى أصحابنا فيه الحد. ولقائل أن يقول ليس من هذه مقدر سوى الاول (4)، والباقي يرجع فيما بين الطرفين إلى رأي الحاكم، كما يرجع إليه في تقدير غيره، وإن لم يتحدد في طرفيه بما ذكر. قوله: (والثاني أربعة... إلخ). جعل عقوبة الباغي - وهو المحارب ومن في معناه - والمرتد تعزيرا غير معهود (5)، والمعروف بين الفقهاء تسميته حدا. ولا ينافي كون الحد مقدرا، لان القتل أيضا مقدر بإزهاق الروح، إما مطلقا أو على وجه مخصوص. وجعل ارتكاب المحارم قسيما للثلاثة، نظرا إلى أن الثلاثة الاول منصوصة بخصوصها من الشارع، والرابع داخل من حيث العموم. والاولى جعل سبب التعزير أمرا واحدا، وهو ارتكاب المحرم الذي لم ينصب الشارع له حدا مخصوصا.

(هامش)

(1) المقنعة: 774. (2) النهاية: 689 - 690. (3) الخلاف 5: 373 مسألة (9). (4) في (ث): الاولين. (5) في الحجريتين: معروف. (*)

ص 328

الباب الاول في حد الزنا

والنظر في: الموجب، والحد، واللواحق

النظر الأول: في الموجب

فهو إيلاج الانسان ذكره، في فرج امرأة محرمة، من غير عقد ولا ملك ولا شبهة. ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة، قبلا أو دبرا. ويشترط في تعلق الحد: العلم بالتحريم، والاختيار، والبلوغ. وفي تعلق الرجم - مضافا إلى ذلك -: الاحصان. ولو تزوج محرمة: كالام، والمرضعة، والمحصنة، وزوجة الولد، و[زوجة] الاب، فوطئ مع الجهل بالتحريم فلا حد.

قوله: (أما الموجب... إلخ). هذا تعريف لمطلق الزنا الموجب للحد في الجملة. ويدخل في الانسان الكبير والصغير والعاقل والمجنون، فلو زاد فيه: المكلف، كان أجود. ويمكن تكلف إخراجها بقوله: (في فرج امرأة محرمة) فإنه لا تحريم في حقهما. وكذا يدخل فيه المختار والمكره. ويجب إخراج المكره، إلا أن يخرج بما خرج به الاولان.وكذا يدخل الذكر والخنثى. لكن يمكن إخراج الخنثى بقوله: (ذكره) فإن ذكر الخنثى ليس بحقيقي، لعدم مبادرة المعنى عند إطلاقه إليه، وجواز سلبه عنه. ومن جعله ذكرا حقيقيا زاد بعد قوله (ذكره): الاصلي يقينا، لاخراج ما للخنثى المشكل. وكذا القول في إخراج الخنثى من قوله: (في فرج امرأة) فإن الخنثى خرجت بقوله: (امرأة). ومنهم من لم يخرجها بها، وزاد قوله: أصلي يقينا.

ص 329

ولا ينهض العقد بانفراده شبهة في سقوط الحد. ولو استأجرها للوط، لم يسقط بمجرده. ولو توهم الحل به سقط. وكذا يسقط في كل موضع يتوهم الحل، كمن وجد على فراشه امرأة، فظنها زوجته فوطئها.

وكما يتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة، يتحقق بغيبوبة قدرها من مقطوعها. ولو قال: بغيبوبة قدر الحشفة، لشمل الامرين. والمراد بالمحرمة تحريما أصليا لتخرج المحرمة بالعرض، كزوجته الحائض والمحرمة والصائمة، فلا حد بوطيها، وإن استحق التعزير لفعل المحرم. قوله: (ولا ينهض العقد... إلخ). ضابط الشبهة المسقطة للحد توهم الفاعل أو المفعول أن ذلك الفعل سائغ له، لعموم: (ادرؤا الحدود بالشبهات) (1) لا مجرد وقوع الخلاف فيه مع اعتقاده تحريمه. فإذا عقد على امرأة لا تحل له بالعقد ووطئها بذلك العقد لم يكف ذلك في سقوط الحد، لانه عقد فاسد فلا يورث شبهة، كما لو اشترى حرة فوطئها أو خمرا فشربها. ولانه لو كان شبهة لثبت به النسب، ولا يثبت باتفاق الخصم. وكذا لو استأجرها للوطي، خلافا لابي حنيفة (2) في الموضعين، حيث أسقط الحد عنه بمجرد العقد وإن كان عالما بتحريمه، وإن كان العقد على الام. نعم، لو توهم الحل بذلك كان شبهة من حيث الوهم تسقط الحد، كما يسقط بغيرها من أنواع الشبهة وإن لم يكن هناك عقد.

(هامش)

(1) الفقيه 4: 53 ح 190، الوسائل 18: 336 ب (24) من أبواب مقدمات الحدود ح 4. (2) اللباب في شرح الكتاب 3: 191، الحاوي الكبير 13: 217 - 218، روضة القضاة 4: 1301 رقم (79211)، حلية العلماء 8: 15، بدائع الصنائع 7: 35، تبيين الحقائق 3: 179 - 180، المبسوط للسرخسي 9: 58 و85. (*)

ص 330

ولو تشبهت له [فوطئها]، فعليها الحد دونه. وفي رواية يقام عليها الحد جهرا، وعليه سرا. وهي متروكة. وكذا يسقط لو أباحته نفسها، فتوهم الحل. ويسقط الحد مع الاكراه. وهو يتحقق في طرف المرأة قطعا. وفي تحققه في طرف الرجل تردد، والاشبه إمكانه، لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع.

قوله: (ولو تشبهت له فعليها الحد... إلخ). أما وجوب الحد عليها دونه فلاختصاصها بالزنا، فتختص بالحد. والرواية التي أشار إليها رويت بطريق ضعيف يشتمل على مجاهيل: (إن امرأة تشبهت بأمة رجل فواقعها على أنها أمته، فرفع إلى عمر فأرسل إلى علي عليه السلام فقال: حدها جهرا، وحده سرا) (1). وعمل بمضمونها القاضي (2)، واقتصر الشيخان (3) على ذكرها بطريق الرواية. والاصح عدم الحد عليه مطلقا، للشبهة، وأصالة البرأة، وضعف مستند الثبوت. قوله: (ويسقط الحد مع الاكراه... إلخ). الاكراه يسقط [به] (4) أثر التحريم عن المكره إجماعا، حذرا من تكليف ما لا يطاق، وعموم قوله صلى الله عليه وآله: (رفع عن أمتي الخطاء، والنسيان، وما

(هامش)

(1) الكافي 7: 262 ح 13، التهذيب 10: 47 ح 169، الوسائل 18: 409 ب (38) من أبواب حد الزنا. (2) المهذب 2: 524. (3) المقنعة: 784، النهاية: 699. (4) من (أ، م). (*)

ص 331

ويثبت للمكرهة على الواطئ مثل مهر نسائها، على الاظهر.

استكرهوا عليه) (1). والمراد رفع حكمها أو المؤاخذة عليها. والاكراه على الزنا يتحقق في طرف المرأة إجماعا. وأما في طرف الرجل فقيل: لا يتحقق، لان الاكراه يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوى، لتوقفهما على الميل النفساني المنافي لانصراف النفس عن الفعل. والاظهر إمكانه، لان الانتشار يحدث عن الشهوة، وهو أمر طبيعي لا ينافيها تحريم الشرع. وعلى كل حال لا حد، لانه شبهة والحد يدرأ بالشبهة. قوله: (ويثبت للمكرهة... إلخ). هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل لم يذكر كثير منهم فيه خلافا، لان مهر المثل عوض البضع إذا كان محترما عاريا عن المهر، كقيمة المتلف (2) من المال، والبضع وإن لم يضمن بالفوات لكنه يضمن بالتفويت والاستيفاء، لانها (3) ليست بغيا، والنهي عن مهر البغي يدل على ثبوته لغيرها.والقول بعدم ثبوت المهر للشيخ في موضع من الخلاف (4)، محتجا عليه بنهي النبي صلى الله عليه وآله عن مهر البغي (5). قال: (والبغي: الزانية). وهو - كما قال ابن إدريس (6) - استدلال عجيب. وأوجبه في موضع آخر من

(هامش)

(1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 74 ح 159، الوسائل 16: 144 ب (16) من أبواب كتاب الايمان ح 5. (2) في (خ، د، ط): المتلف المالي. (3) في (ت، ط، م): ولانها. (4) الخلاف 3: 404 مسألة (16)، وج 5: 393 مسألة (36). (5) الخصال: 417 ح 10، الوسائل 12: 64 ب (5) من أبواب ما يكتسب به ح 13. وانظر مسند أحمد 1: 356، سنن ابن ماجة 2: 730 ح 2159، سنن أبي داود 3: 267 ح 3428، سنن الترمذي 3: 439 ح 1133 سنن النسائي 7: 189، سنن البيهقي 6: 6. (6) السرائر 3: 436. (*)

ص 332

ولا يثبت الاحصان الذي يجب معه الرجم، حتى يكون الواطئ بالغا حرا، ويطاء في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق، متمكن منه يغدو عليه ويروح. وفي رواية مهجورة: دون مسافة التقصير. وفي اعتبار كمال العقل خلاف، فلو وطئ المجنون عاقلة، وجب عليه الحد رجما أو جلدا. هذا اختيار الشيخين رحمهما الله. وفيه تردد.

الخلاف (1)، وكذلك في المبسوط (2)، فلذلك لم يعدها كثير من مسائل الخلاف. قوله: (ولا يثبت الاحصان.. إلخ).الاحصان والتحصين في اللغة المنع، قال تعالى: (لتحصنكم من بأسكم) (3). وقال تعالى: (في قرى محصنة) (4). وورد في الشرع بمعنى الإسلام، وبمعنى البلوغ والعقل. وكل منهما قد قيل في تفسير قوله تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة) (5). وبمعنى الحرية، ومنه قوله تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (6) يعني: الحرائر. وبمعنى التزويج، ومنه قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) (7). يعني: المنكوحات. وبمعنى العفة عن الزنا، ومنه قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) (8). وبمعنى الاصابة في النكاح، ومنه قوله تعالى: (محصنين غير مسافحين) (9).

(هامش)

(1) الخلاف 5: 257 مسألة (67). (2) المبسوط 3: 73. (3) الانبياء: 80. (4) الحشر: 14. (5) النساء: 25 و24. (6) النساء: 25 و24. (7) النساء: 25 و24. (8) النور: 4. (9) المائدة: 5. (*)

ص 333

ويقال: أحصنت المرأة عفت، وأحصنها زوجها فهي محصنة، وأحصن الرجل تزوج. ويعتبر في الاحصان المعتبر لوجوب الرجم بالزنا أمور: أحدها: البلوغ. فالصبي ليس بمحصن، ولا حد عليه، لان فعله ليس بجناية حتى يناط به عقوبة. والاظهر أن المجنون كذلك، لاشتراكهما في العلة.فيشترط البلوغ والعقل، ويجمعهما التكليف. فلو وطئ المجنون فلا حد عليه رجما ولا جلدا، لعدم التكليف الذي هو مناط الحدود على المعاصي. وذهب الشيخان (1) وجماعة (2) إلى وجوب الحد على المجنون، وتحقق الاحصان منه، فيثبت عليه الرجم معه والجلد بدونه، استنادا إلى رواية أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال: (إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد، وإن كان محصنا رجم، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى، والرجل إنما يأتي، وإنما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة، وإن المرأة إنما تستكره ويفعل بها، وهي لا تعقل ما يفعل بها) (3). وهذه الرواية ظاهرة في كون الفاعل غير مجنون، وإن كان صدرها قد تضمن حكم المجنون، فتحمل على مجنون يعتوره الجنون إذا زنى بعد تحصينه (4)، لتناسب العلة التي ذكرها في الرواية.

(هامش)

(1) المقنعة: 779، النهاية: 696. (2) المقنع: 436. (3) الكافي 7: 192 ح 3، التهذيب 10: 19 ح 56، الوسائل 18: 388 ب (21) من أبواب حد الزنا ح 2. (4) في (ت، د، ط، م): تحصيله. (*)

ص 334

وثانيها: الحرية. فالرقيق ليس بمحصن، ولا يرجم بالزنا وإن أصاب في نكاح صحيح. ويستوي في ذلك القن والمدبر والمكاتب ومن بعضه رقيق. قيل: والوجه في اعتبار الحرية أن العقوبة تتغلظ بتغلظ الجناية، والحرية تغلظ الجناية من وجهين: أحدهما: أنها تمنع من الفواحش، لانها صفة كمال وشرف، والشريف يصون نفسه عما يدنس عرضه، والرقيق مبتذل مهان لا يتحاشى عما يتحاشى منه الحر. والثاني: أنها توسع طريق الحلال، ألا ترى أن الرقيق يحتاج في النكاح إلى إذن السيد، ولا ينكح إلا امرأتين، بخلاف الحر، ومن ارتكب الحرام مع اتساع طريق الحلال عليه كانت جنايته أغلظ. وثالثها: الاصابة في نكاح صحيح. قيل: والمعنى في اعتبارها أن الشهوةمركبة في النفوس، فإذا أصاب في النكاح فقد نال اللذة وقضى الشهوة، فحقه أن يمتنع عن الحرام. وأيضا فإن الاصابة تكمل طريق الحلال، من حيث إن النكاح قبل الدخول يبين بالطلقة الواحدة وبمجرد اختلاف الدين، وبعد الدخول بخلافه. وأيضا فإنه إذا أصاب امرأته فقد أكد استفراشها، فلو لطخ غيره فراشه عظمت وحشته وأذيته، فحقه أن يمتنع من تلطيخ فراش الغير، فإذا لم يمتنع تغلظت الجناية. ويكفي في الاصابة تغيب الحشفة. ولا يشترط الانزال. ولا يقدح وقوعها في حالة محرمة بالعرض كالحيض والاحرام. ولا فرق في الموطؤة التي يحصل

ص 335

بها الاحصان بين الحرة والامة عندنا، لاشتراكهما في المقتضي (1) المذكور للانسان. واحترز بالعقد الدائم عن المنقطع، فإنه لا يحصن. و[قد] (2) يدل على الامرين معا موثقة إسحاق بن عمار قال: (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى وعنده السرية والامة يطؤها، تحصنه الامة وتكون عنده؟ فقال: نعم، إنما ذلك لان عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت: فإن كانت عنده أمة زعم أنه يطؤها، فقال: لا يصدق، قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ قال: لا إنما هو على الشي الدائم عنده) (3). وغيرها من الاخبار (4) الكثيرة. وذهب جماعة من أصحابنا - منهم ابن الجنيد (5) وابن أبي عقيل (6) وسلا ر (7) - إلى أن ملك اليمين لا يحصن، لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: (وكما لا تحصن الامة والنصرانية واليهودية إذا زنى بحرة، فكذلك لا يكون عليه حد المحصن إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرة) (8).

(هامش)

(1) في (ث): الاقتضاء. (2) من الحجريتين. (3) الكافي 7: 178 ح 1، التهذيب 10: 11 ح 26، الاستبصار 4: 204 ح 763، الوسائل 18: 352 ب(22) من أبواب حد الزنا ح 2. (4) راجع الوسائل 18: 351 ب (2) من أبواب حد الزنا. (5) حكاه عنهما العلامة في المختلف: 757. (6) حكاه عنهما العلامة في المختلف: 757. (7) انظر المراسم: 252، فقد نسب حصول الاحصان به إلى الرواية. (8) الفقيه 4: 25 ح 59، التهذيب 10: 13 ح 31، الاستبصار 4: 205 ح 768، الوسائل 18: 354 الباب المتقدم ح 9. (*)

ص 336

ورواية الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: (لا يحصن الحر المملوكة، ولا المملوك الحرة) (1). ولان ملك اليمين لا يقصد به اكتساب الحل، ولذلك يصح شراء من لا تحل له، فلا تكون الاصابة فيه كالاصابة في النكاح. وأجاب الشيخ (2) عن الرواية الاولى بحملها على ما إذا كانوا عنده على سبيل المتعة، فلهذا حكم بأنهن لا يحصنه. وعن الثانية بأنها لا دلالة فيها، لان مقتضاها أن الحر لا يحصن الامة، حتى إذا زنت وجب عليها الرجم كما لو كانت تحته حرة، لان حد المملوك والمملوكة خمسون جلدة، ولا رجم عليهما. ورابعها: أن يكون متمكنا من الفرج يغدو عليه ويروح، بمعنى القدرة عليه في أي وقت أراده مما يصلح لذلك، والغدو والرواح كناية عنه. وإلى هذا المعنى أشار الشيخ في النهاية (3)، فقال: (أن يكون له فرج يتمكن من وطئه). ويحتمل اعتبار حقيقته، بمعنى التمكن منه أول النهار وآخره، فلو كان بعيدا عنه لا يتمكن من الغدو عليه والرواح، أو محبوسا لا يتمكن من الوصول إليه، خرج عن الاحصان. ويدل على اعتبار ذلك صحيحة ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قلت له: ما المحصن رحمك الله؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن) (4).

(هامش)

(1) التهذيب 10: 12 ح 30، الاستبصار 4: 205 ح 767، - الوسائل 18: 253 الباب المتقدم ح 7.(2) التهذيب 10: 12 و13، ذيل ح 30 و31، الاستبصار 4: 205 ذيل ح 767 و768. (3) النهاية: 693. (4) الكافي 7: 179 ح 10، التهذيب 10: 12 ح 28، الاستبصار 4: 204 ح 765، الوسائل 18: 351 ب (2) من أبواب حد الزنا ح 1. (*)

ص 337

ويسقط الحد بادعاء الزوجية، ولا يكلف المدعي بينة ولا يمينا. وكذا بدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعي.

وفي حسنة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل محبوس في السجن وله امرأة حرة في بيته في المصر وهو لا يصل إليها، فزنى في السجن، فقال: عليه الجلد، ويدرأ عنه الرجم) (1). والرواية المهجورة التي أشار إليها المصنف - رحمه الله - الدالة على اعتبار قصور المسافة عن مسافة التقصير رواها عمر بن يزيد قال: (قلت لابي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الغائب عن أهله يزني، هل يرجم إذا كان له زوجة وهو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب، ولا المملك الذي لم يبن بأهله، ولا صاحب المتعة، قلت: ففي أي حد سفره لا يكون محصنا؟ قال: إذا قصر وأفطر فليس بمحصن) (2). وفي مرفوعة أخرى عن محمد بن الحسين قال: (الحد في السفر الذي إن زنى لم يرجم إذا كان محصنا إذا قصر وأفطر) (3). وفي طريق الرواية الاولى جهالة. والثانية موقوفة (4)، فلذلك كانت مهجورة في العمل بمضمونها. قوله: (ويسقط الحد... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 179 ح 12، التهذيب 10: 15 ح 39، الوسائل 18: 355 ب (3) من أبواب حد الزنا ح 2. (2) الكافي 7: 179 ح 13، التهذيب 10: 13 ح 32، الاستبصار 4: 205 ح 769، الوسائل 18: 356 ب (4) من أبواب حد الزنا ح 1.(3) الكافي 7: 179 ح 11، الفقيه 4: 29 ح 74، الوسائل 18: 356 الباب المتقدم ح 2. (4) في (خ): مرفوعة. (*)

ص 338

والاحصان في المرأة كالاحصان في الرجل، لكن يراعى فيها كمال العقل إجماعا. فلا رجم ولا حد على مجنونة في حال الزنا، ولو كانت محصنة، وإن زنى بها العاقل. ولا تخرج المطلقة رجعية عن الاحصان. ولو تزوجت عالمة، كان عليها الحد تاما. وكذا الزوج إن علم التحريم والعدة. ولو جهل فلا حد. ولو كان أحدهما عالما، حد حدا تاما، دون الجاهل. ولو ادعى أحدهما الجهالة قبل، إذا كان ممكنا في حقه. وتخرج بالطلاق البائن عن الاحصان.

إنما يسقط الحد عنه بمجرد الدعوى وإن لم يثبت الزوجية، لان دعواه شبهة في الحل، والحد يدرأ بالشبهة. ومثله ما لو ادعى شراء الامة من مالكها وإن لم يثبت ذلك. ولا يسقط فيه من أحكام الوطي سوى الحد. فلو كانت أمة فعليه لمولاها العقر، أو حرة مكرهة فمهر المثل إن لم يثبت استحقاق الوطي. قوله: (والاحصان في المرأة... إلخ). بمعنى اشتراط كونها مكلفة حرة، موطؤة بالعقد الدائم، متمكنة من الزوج بحيث يغدو عليها ويروح. ويشكل الحكم في القيد الاخير، من حيث إن المرأة لا تتمكن من الوطي متى شأت، لان الامر بيد غيرها، والحق له في ذلك غالبا، بخلاف العكس. قوله: (ولا تخرج المطلقة رجعية... إلخ). لان المطلقة رجعية في حكم الزوجة، والمطلق متمكن منها في كل وقت بالمراجعة. وتزويجها في العدة بالنسبة إلى الحد كتزويج الزوجة، فيحدان مع

ص 339

ولو راجع المخالع، لم يتوجه عليه الرجم، إلا بعد الوطي. وكذا المملوك لو أعتق، والمكاتب إذا تحرر.

العلم بالتحريم، ويسقط الحد مع الشبهة. ويقبل قولهما فيها إن كانت ممكنة في حقهما، بأن كانا مقيمين في بادية بعيدة عن معالم الشرع، أو قريبي العهد بالاسلام، ونحو ذلك. وكذا لو تزوجت المطلقة بائنا، وإن فارقتها في الخروج عن الاحصان، فتجلد كغير المعتدة ممن لم تحصن. ولو تزوجت الزوجة بغير الزوج فكتزويج المطلقة رجعيا، وأولى بالحكم. ويدل على حكم المطلقة صحيحة يزيد الكناسي قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدتها، قال: إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليه الرجعة فإن عليها الرجم، وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة فإن عليها حد الزاني غير المحصن) (1). ويدل على حكم المزوجة صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن امرأة تزوجت رجلا ولها زوج، فقال: إن كان زوجها الاول مقيما معها في المصر الذي هي فيه تصل إليه ويصل إليها، فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم، وإن كان زوجها الاول غائبا عنها أو كان مقيما معها في المصر لا يصل إليها ولا تصل إليه، فإن عليها ما على الزانية غير المحصنة) (2). قوله: (ولو راجع المخالع... إلخ). أما المخالع فلانه بالخلع الموجب للبينونة خرج عن الاحصان حيث لا

(هامش)

(1) الكافي 7: 192 ح 2، التهذيب 10: 20 ح 61، الوسائل 18: 396 ب (27) من أبواب حد الزنا ح 3. (2) الكافي 7: 192 ح 1، التهذيب 10: 20 ح 60، الوسائل 18: 395، الباب المتقدم ح 1. (*)

ص 340

ويجب الحد على الاعمى، فإن ادعى الشبهة، قيل: لا تقبل. والاشبه القبول مع الاحتمال.

يملك فرجا آخر غيرها، فيشترط في عوده إلى الزوجة - وإن كان برجوعه في البذل بعد رجوعها - تجدد الوطي ليتحقق إحصان جديد، لبطلان الاول بالفرقةالبائنة (1). وأما المملوك والمكاتب فوطيهما في حال الرقية والكتابة لا يحصن، لعدم الوطي حالة الشرط وهو الحرية، كما لا يكتفى في إحصان البالغ العاقل بوطيه صغيرا أو مجنونا. ويدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة، قال: فقال: لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق) (2). قوله: (ويجب الحد على الاعمى... إلخ). القول بعدم القبول للشيخين (3)، وتبعهما ابن البراج (4) وسلا ر (5)، ولم يذكروا عليه دليلا مقنعا. والاظهر - وهو مذهب الاكثر (6) - قبول دعواه كالمبصر، لان ذلك شبهة يدرأ بها الحد، ولانه مسلم والاصل في إخباره المطابقة. وقيد ابن إدريس (7) قبول دعواه بشهادة الحال بما ادعاه، بأن يكون قد

(هامش)

(1) كذا في (خ، م)، وفي سائر النسخ: الثانية. (2) الكافي 7: 179 ح 9، الفقيه 4: 27 ح 65، التهذيب 10: 16 ح 40، الوسائل 18: 358 ب (7) من أبواب حد الزنا ح 5. (3) المقنعة: 783 - 784، النهاية: 698 - 699. (4) المهذب 2: 524. (5) المراسم: 254. (6) إرشاد الاذهان 2: 170، المقتصر: 399. (7) السرائر 3: 447 - 448. (*)

ص 341

ويثبت الزنا بالاقرار أو البينة أما الاقرار: فيشترط فيه: بلوغ المقر، وكماله، والاختيار، والحرية، وتكرار الاقرار أربعا في أربعة مجالس. ولو أقر دون الاربع لم يجب الحد، ووجب التعزير. ولو أقر أربعا في مجلس واحد، قال في الخلاف والمبسوط: لا يثبت. وفيه تردد. ويستوي في ذلك الرجل والمرأة. وتقوم الاشارة المفيدة للاقرار في الاخرس مقام النطق.

وجدها على فراشه فظنها زوجته أو أمته، ولو شهدت الحال بخلاف ذلك لم يصدق. وربما قيد بعضهم (1) قبول قوله بكونه عدلا. والوجه القبول مطلقا. قوله: (وتكرار الاقرار أربعا... إلخ). اتفق الاصحاب - إلا من شذ - على أن الزنا لا يثبت على المقر به على وجه يثبت به الحد إلا أن يقر به أربع مرات. ويظهر من ابن أبي (2) عقيل الاكتفاء بمرة. وهو قول أكثر العامة (3). ومنهم (4) من اعتبر الاربع كالمشهور عندنا.

(هامش)

(1) التنقيح الرائع 4: 332. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 763. (3) مختصر المزني: 261، الحاوي الكبير 13: 206، الوجيز 2: 169، رحمة الامة: 286، بداية المجتهد 2: 438، الكافي للقرطبي 2: 1070. (4) اللباب في شرح الكتاب 3: 182، المبسوط للسرخسي 9: 91، تبيين الحقائق 3: 166، بدائع الصنائع 7: 50، المغني لابن قدامة 10: 160. (*)

ص 342

لنا: ما روي أن ماعز بن مالك جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: (يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الايمن فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه، ثم جاء فقال: إني قد زنيت، إلى أن قال ذلك أربع مرات، قال: أبك جنون؟ قال: لا يا رسول الله، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اذهبوا به فارجموه) (1). وروي أنه صلى الله عليه وآله قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يا رسول الله، قال: أنكتها لا يكني؟ قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال: نعم، قال فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: ما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أنتطهرني، فأمر به فرجم) (2). فلولا اعتبار الاقرار أربع مرات لاكتفى منه بأول مرة وأمر برجمه. قالوا: ارتاب في أمره، فاستثبت ليعرف أبه جنون أم شرب خمرا أم لا؟ قلنا: الاستثبات لا يتقيد بهذا العدد. وكان يمكن البحث عنه من أول مرة. وفي بعض ألفاظ الحديث: (شهدت على نفسك أربع شهادات، اذهبوا به فارجموه) (3). وفي رواية أخرى أنه لما اعترف ثلاث مرات قال له: (إن اعترفت

(هامش)

(1) الكافي 7: 185 ح 5، عوالي اللئالي 3: 551 ح 24، الوسائل 18: 376 ب (15) من أبواب حد الزنا ح 1. وانظر مسند أحمد 2: 453 و3: 323، صحيح البخاري 7: 59 و8: 205 - 206، صحيح مسلم 3: 1318 - 1323، سنن أبي داود 4: 145 - 148، سنن ابن ماجة 2: 854 ح 2554، سنن الترمذي 4: 27 - 28، المستدرك للحاكم 4: 361 - 363، سنن البيهقي 8: 225 - 227، تلخيص الحبير 4: 56 - 58. (2) الكافي 7: 185 ح 5، عوالي اللئالي 3: 551 ح 24، الوسائل 18: 376 ب (15) من أبواب حد الزنا ح 1. وانظر مسند أحمد 2: 453 و3: 323، صحيح البخاري 7: 59 و8: 205 - 206، صحيح مسلم 3: 1318 - 1323، سنن أبي داود 4: 145 - 148، سنن ابن ماجة 2: 854 ح 2554، سنن الترمذي 4: 27 - 28، المستدرك للحاكم 4: 361 - 363، سنن البيهقي 8: 225 - 227، تلخيص الحبير 4: 56 - 58.(3) سنن أبي داود 4: 147 ح 4426. (*)

ص 343

الرابعة رجمتك، فاعترف الرابعة) (1). ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: (لا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات بالزنا إذا لم يكن شهود، فإن رجع ترك ولم يرجم) (2). احتج ابن أبي (3) عقيل بصحيحة الفضيل عن الصادق عليه السلام قال: (من أقر على نفسه عند الامام بحق حد من حدود الله تعالى مرة واحدة، حرا كان أو عبدا، أو حرة كانت أو أمة، فعلى الامام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه، كائنا من كان، إلا الزاني المحصن، فإنه لا يرجم حتى يشهد عليه أربعة شهود) (4). وأجيب بحمله على غير حد الزنا جمعا بين الاخبار. إذا تقرر ذلك، فاختلف القائلون باشتراط تكراره أربعا في اشتراط تعدد مجالسه، بأن يقع كل إقرار في مجلس، أم يكفي وقوع الاربعة في مجلس واحد. فذهب جماعة - منهم الشيخ في الخلاف (5) والمبسوط (6) وابن حمزة (7) - إلى الاول، لان ماعز بن مالك أقر في أربعة مواضع، والاصل برأة الذمة من هذه

(هامش)

(1) مسند أحمد 1: 8. (2) الكافي 7: 219 ح 2، التهذيب 10: 122 ح 491، الاستبصار 4: 250 ح 948، الوسائل 18: 320 ب (12) من أبواب مقدمات الحدود ح 5.(3) انظر المختلف: 763. (4) التهذيب 10: 7 ح 20، الاستبصار 4: 203 ح 761، الوسائل 18: 343 ب (32) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (5) الخلاف 5: 377 مسألة (16). (6) المبسوط 8: 4. (7) الوسيلة: 410. (*)

ص 344

ولو قال: زنيت بفلانة، لم يثبت الزنا في طرفه، حتى يكرره أربعا. وهل يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد.

العقوبة بدون ما وقع الاتفاق عليه. ولان هذا الاختلاف مع ورود الواقعة كذلك شبهة يدرأ بها الحد. وأطلق الاكثر - ومنهم الشيخ في النهاية (1) والمفيد (2) وأتباعهما (3) وابن إدريس (4) - ثبوته بالاقرار أربعا، لاصالة عدم اشتراط التعدد. وقضية ماعز بن مالك وقعت اتفاقا، مع أنها ليست صريحة في اختلاف المجالس. ورواية الخاصة السابقة (5) مطلقة أيضا. والاقوى عدم الاشتراط، لعدم دليل يقتضيه. قوله: (ولو قال: زنيت بفلانة... إلخ). إذا أقر بالزنا ونسبه إلى امرأة معينة، كقوله: زنيت بفلانة، فلا إشكال في احتياج ثبوت الزنا في حقه إلى إقراره أربع مرات. أما ثبوت قذف المرأة ففيه تردد، منشؤه من أن ظاهره القذف، لانه رمى المحصنة، أي: غير المشهورة بالزنا، فيكون قاذفا بأول مرة كما لو رماها بغيره، ومن أنه إنما نسب الزنا إلى نفسه، وزناه ليس مستلزما لزناها، لجواز الاشتباه عليها أو الاكراه، والعام لا يستلزم الخاص. ولان إقراره على نفسه بالزنا بها ليس إقرارا على المرأة بالزنا، إذ ليس موضوعا له، ولا جزا من مسماه، ولا لازما له،

(هامش)

(1) النهاية: 689. (2) المقنعة: 775. (3) المهذب 2: 524، المراسم: 252، إصباح الشيعة: 517.(4) راجع السرائر 3: 429، ولكنه اشترط وقوعه في أربعة أوقات. نعم، نسب إليه الاطلاق العلامة في المختلف: 761. (5) راجع الصفحة السابقة. (*)

ص 345

ولو أقر بحد ولم يبينه، لم يكلف البيان، وضرب حتى ينهي عن نفسه. وقيل: لا يتجاوز به المائة، ولا ينقص عن ثمانين. وربما كان صوابا في طرف الكثرة، ولكن ليس بصواب في طرف النقصان، لجواز أن يريد بالحد التعزير.

فانتفت الدلالات الثلاث عنه، فلا قذف. وعلى هذا فيثبت التعزير للايذاء. والوجه ثبوت القذف بالمرأة مع الاطلاق، لانه ظاهر فيه، والاصل عدم الشبهة والاكراه. ولو فسره بأحدهما قبل، واندفع عنه الحد، ووجب التعزير. قوله: (ولو أقر بحد ولم يبينه... إلخ). الاصل في هذه المسألة رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر في رجل أقر على نفسه بحد ولم يسم أن يضرب حتى ينهي عن نفسه) (1). وبمضمونها عمل الشيخ (2) والقاضي (3). وزاد ابن إدريس (4) أنه لا ينقص عن ثمانين ولا يزاد على مائة، نظرا إلى أن أقل الحدود حد الشرب، وأكثرها حد الزنا. وكلاهما ممنوع. أما في جانب القلة فلان حد القواد خمسة وسبعون، وحد الزنا قد يتجاوز المائة، كما لو زنى في مكان شريف أو وقت شريف، فإنه يزاد على المائة بما يراه الحاكم.

(هامش)

(1) الكافي 7: 219 ح 1، التهذيب 10: 45 ح 160، الوسائل 18: 318 ب (11) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (2) النهاية: 702 - 703. (3) المهذب 2: 529. (4) السرائر 3: 455 - 456. (*)

ص 346

واعترض المصنف - رحمه الله - أيضا على جانب النقصان، لجواز أن يريد بالحد التعزير، فإنه يطلق عليه لغة، فلا يتحقق ثبوت الحد المعهود عليه، إذ لايثبت عليه إلا ما علم أنه مراد من اللفظ. وفيه نظر، لان الحد حقيقة شرعية في المقدرات المذكورة، وإطلاقها على التعزير مجاز لا يصار إليه عند الاطلاق بدون القرينة. ثم على تقدير حمله على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم غالبا، ونظر الحاكم يتوقف على معرفة المعصية ليرتب عليها ما يناسبها، لا بمجرد التشهي، ومن التعزير ما هو مقدر، فجاز أن يكون أحدها، فيشكل تجاوزها أو نقصها (1) بدون العلم بالحال. ويشكل الخبر أيضا باستلزامه أنه لو أنهى عن نفسه فيما دون الحدود المعلومة قبل منه، وليس هذا حكم الحد ولا التعزير. وأيضا، فإن من الحدود ما يتوقف على الاقرار أربع مرات، ومنها ما يتوقف على الاقرار مرتين، ومنها ما يثبت بمرة، فلا يتم إطلاق القول بجواز بلوغ المائة مع الاقرار دون الاربع، وبلوغ الثمانين بدون الاقرار مرتين، واشتراط ذلك كله خروج عن مورد الرواية رأسا. والحق أن الرواية مطرحة، لضعف سندها باشتراك محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السلام بين الثقة وغيره، فلا تصلح لاثبات هذا الحكم المخالف للاصل. مع أنه قد روي بطريق يشاركه في الضعف - إن لم يكن أقرب منه - عن أنس بن مالك قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فجأه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي، ولم يسمه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله، فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل فقال:

(هامش)

(1) في (أ، ث، د): بعضها. (*)

ص 347

يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله، فقال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك) (1). ولو كان الحد يثبت بالاقرار مطلقا لما أخره النبي صلى الله عليه وآله، ولا حكم بأن الصلاة تسقط الحد. وإنما أجابه بذلك من حيث عدم ثبوته مع إطلاقه كذلك، وإن تكرر الاقرار. وأيضا، فإن الحد - كما قد علم - يطلق على الرجم، وعلى القتل بالسيف، والاحراق بالنار، ورمي الجدار عليه، وغير ذلك مما ستقف عليه، وعلى الجلد.ثم الجلد يختلف كمية وكيفية، فحمل مطلقه على الجلد غير مناسب للواقع، ولا يتم معه إطلاق أن الاقرار أربع مرات يجوز جلد المائة. فالقول بعدم ثبوت شي بمجرد الاقرار المجمل قوي. وعلى هذا، فيمكن القول بعدم وجوب استفساره، بل ولا استحبابه، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله في هذا الخبر وغيره من ترديد عزم المقر، فكيف بالساكت؟! وقوله صلى الله عليه وآله: (من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإن من أبدى صفحته أقمنا عليه الحد) (2). وأقل مراتب الامر الاستحباب. وفي حديث المزني الذي أقر عند أمير المؤمنين عليه السلام بالزنا أربع مرات، وفي كل مرة يأمره بالانصراف، ثم قال له في الرابعة: (ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملا! أفلا تاب في

(هامش)

(1) صحيح البخاري 8: 207، صحيح مسلم 4: 2117 ح 44. (2) الموطاء 2: 825 ح 12، سنن البيهقي 8: 329 - 330، تلخيص الحبير 4: 57 ذيل ح 1756. (*)

ص 348

وفي التقبيل، والمضاجعة في إزار واحد، والمعانقة، روايتان: إحداهما: مائة جلدة. والاخرى: دون الحد. وهي أشهر.

بيته؟! فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد) (1). قوله: (وفي التقبيل... إلخ). اختلف الاصحاب والروايات في حكم المجتمعين في إزار واحد وما أشبهه، والاستمتاع بما دون الفرج. فقال الشيخ في النهاية (2): يجب به التعزير، وأطلق. وقال في الخلاف: (روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبية يقبلها ويعانقها في فراش واحد أن عليهما مائة جلدة، وروي ذلك عن علي عليه السلام، وقد روي أنعليهما أقل من الحد) (3). وقريب منه قوله في المبسوط (4). وقال المفيد: (فإن شهدوا عليه بما عاينوه من اجتماع في إزار واحد والتصاق جسم بجسم وما أشبه ذلك، ولم يشهدوا عليه بالزنا قبلت شهادتهم، ووجب على المرأة والرجل التعزير حسب ما يراه الامام من عشر جلدات إلى تسع وتسعين، ولا يبلغ التعزير في هذا الباب حد الزنا المختص به في شريعة الإسلام) (5). وهذا القول وإن كان محصله التعزير إلا أنه حده في جانب القلة بعشر، فهو مخالف لقول من أطلق الحكم بالتعزير، فإنه يجوز نقصانه عن العشر إذا رآه

(هامش)

(1) الكافي 7: 188 ح 3، الوسائل 18: 327 ب (16) من أبواب مقدمات الحدود ح 2. (2) راجع النهاية: 705 و707، ولكن صرح بأن التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين. (3) الخلاف 5: 373 مسألة (9). (4) المبسوط 8: 7. (5) المقنعة: 774. (*)

ص 349

الحاكم صلاحا. والمعتمد ثبوت التعزير مطلقا. وهو اختيار المصنف والمتأخرين (1)، لانه فعل محرم لم يبلغ حد الزنا، فيكون عقوبته منوطة برأي (2) الحاكم في مقدار التعزير. ويدل على أنه لا يبلغ به حد الزاني - مضافا إلى ذلك - صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام: (أن عليا عليه السلام وجد رجلا وامرأة في لحاف، فجلد كل واحد منهما مائة سوط إلا سوطا) (3). وعن زيد الشحام عن الصادق عليه السلام: (في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد، فقال: يجلدان مائة غير سوط) (4). واستند القائل بوجوب الحد كملا إلى صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام: (حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد) (5). ورواية عبد الرحمن الحذاء عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: (إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة) (6). وغيرهما من الاخبار.

(هامش)

(1) التنقيح الرائع 4: 332، اللمعة الدمشقية: 166. (2) في (أ، د): بنظر.(3) الفقيه 4: 15 ح 22، التهذيب 10: 41 ح 145، الاستبصار 4: 213 ح 796، الوسائل 18: 367 ب (100) من أبواب حد الزنا ح 20. (4) الكافي 7: 181 ح 2، التهذيب 10: 40 ح 141، الاستبصار 4: 213 ح 792، الوسائل 18: 364 ب (10) من أبواب حد الزنا ح 3. (5) الكافي 7: 181 ح 1، التهذيب 10: 42 ح 148، الاستبصار 4: 214 ح 799، الوسائل 18: 363 الباب المتقدم ح 1. (6) الكافي 7: 181 ح 5، التهذيب 10: 43 ح 153، الاستبصار 4: 215 ح 804، الوسائل 18: 364 ب (10) من أبواب حد الزنا ح 5. (*)

ص 350

ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر، سقط الرجم. ولو أقر بحد غير الرجم، لم يسقط بالانكار. ولو أقر بحد ثم تاب، كان الامام مخيرا في إقامته، رجما كان أو جلدا.

وحملها الشيخ (1) على وقوع الزنا مع علم الامام بذلك، أو على تكرر الفعل منهما وقد عزرهما مرتين أو ثلاثا، جمعا بين الاخبار. مع أن الرواية الصحيحة ليست صريحة في المطلوب، لان إطلاق الجلد لا يتعين حمله على المائة. ويسهل الخطب في الباقي، لضعف السند. ومع ذلك فليس فيها حكم الاستمتاع بغير الجماع، وغير الاجتماع في الثوب الواحد. قوله: (ولو أقر بما يوجب الرجم... إلخ). مستند سقوط الرجم بالانكار دون غيره روايات، منها حسنة محمد بنمسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من أقر على نفسه بحد أقمت عليه الحد، إلا الرجم، فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم) (2). وتخير الامام بعد توبة المقر بين حده والعفو عنه مطلقا هو المشهور بين الاصحاب. وقيده ابن إدريس (3) بكون الحد رجما. والمعتمد المشهور، لاشتراك الجميع في المقتضي. ولان التوبة إذا أسقطت تحتم أشد العقوبتين، فإسقاطها لتحتم الاضعف أولى.

(هامش)

(1) تهذيب الاحكام 10: 44 ذيل ح 156 و158، الاستبصار 4: 216 و217 ذيل ح 808 و810. (2) الكافي 7: 220 ح 5، التهذيب 10: 45 ح 161، الوسائل 18: 319 ب (12) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (3) السرائر 3: 444. (*)

ص 351

ولو حملت ولا بعل، لم تحد، إلا أن تقر بالزنا أربعا. وأما البينة: فلا يكفي أقل من أربعة رجال، أو ثلاثة وامرأتين. ولا تقبل شهادة النساء منفردات، ولا شهادة رجل وست نساء. وتقبل شهادة رجلين وأربع نساء، ويثبت به الجلد لا الرجم.

وأما سقوط الرجم بالانكار فيدل عليه قصة ماعز وتعريض النبي صلى الله عليه وآله [له] (1) بالانكار بعد الاقرار، ولولا قبوله منه لم يكن لترديده فائدة، ولقوله صلى الله عليه وآله لاصحابه لما فر من الحفيرة فأدركوه وقتلوه: (هلا تركتموه وجئتموني به) (2) ليستتيبه. وفي بعض ألفاظها: (هلا رددتموه إلي لعله يتوب) (3). قوله: (ولو حملت ولا بعل... إلخ). لان الحمل لا يستلزم الزنا، والاصل في تصرف المسلم حمله على الصحة. ولاصالة برأة الذمة من وجوب الحد. ولاحتمال أن يكون من شبهة أو من إكراه، والحد يدرأ بالشبهة، ولا يجب البحث عنه ولا الاستفسار. وقال الشيخ في المبسوط: (إنها تسأل عن ذلك، فإن قالت: من زنا، فعليها الحد، وإن قالت: من غير زنا، فلا حد) (4). ونقل عن بعضهم أن عليها الحد، ثمقوى الاول. قوله: (وأما البينة... إلخ).

(هامش)

(1) من (د، ط). (2) سنن أبي داود 4: 145 ح 4420. (3) تلخيص الحبير 4: 58 ذيل ح 1758. (4) المبسوط 8: 7 - 8. (*)

ص 352

ولو شهد ما دون الاربع، لم يجب. وحد كل منهم للفرية. ولابد في شهادتهم، من ذكر المشاهدة للولوج، كالميل في المكحلة، من غير عقد ولا ملك ولا شبهة. ويكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبب التحليل. ولو لم يشهدوا بالمعاينة، لم يحد المشهود [عليه]، وحد الشهود.

قد تقدم البحث في ذلك في كتاب الشهادات (1)، وأنه ليس على ثبوت الجلد بشهادة رجلين وأربع نساء دليل صالح، وأن جماعة (2) من الاصحاب ذهبوا إلى عدم وجوب شي بهذه البينة لذلك. وهو الوجه. قوله: (ولو شهد ما دون... إلخ). أي: لافترائهم عليه. سماه فرية مع إمكان صدقهم لان الله تعالى وصف من لم يأت عليه بأربعة شهداء كاذبا بقوله تعالى: (لولا جأوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) (3). ومتى حكم بكذبه وجب حده للقذف. قوله: (ولا بد في شهادتهم... إلخ). لما كان الزنا قد يطلق على ما دون الجماع، فيقال: زنت العين وزنت الاذن وزنى الفرج، والجماع يطلق على غير الوطي لغة، وكان الامر في الحدود - سيما الرجم - مبنيا على الاحتياط التام ويدرأ بالشبهة، فلا بد في قبول الشهادة به من التصريح بالمشاهدة لوقوع الفعل على وجه لا ريبة فيه، بأن يشهدوا بمعاينة الايلاج.

(هامش)

(1) راجع ص: 247 - 248. (2) المقنع: 402، المهذب 2: 558، المختلف: 715. (3) النور: 13. (*)

ص 353

ولابد من تواردهم على الفعل الواحد، والزمان الواحد، والمكانالواحد. فلو شهد بعض بالمعاينة وبعض لا بها، أو شهد بعض بالزنا في زاوية من بيت، وبعض في زاوية أخرى، أو شهد بعض في يوم الجمعة، وبعض في يوم السبت، فلا حد. ويحد الشهود للقذف.

ويدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (حد الرجم أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج) (1). وفي رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: (لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والايلاج والادخال، كالميل في المكحلة) (2). وقد تقدم في قصة ماعز أن النبي صلى الله عليه وآله ما قبل منه الاقرار حتى صرح بكونه قد أدخل مثل الميل في المكحلة والدلو في البئر (3)، فكذا البينة، بل هنا أولى. وإنما يحد الشهود إذا لم يشهدوا بالايلاج على ذلك الوجه بتقدير أن يكون شهادتهم بالزنا، أما لو شهدوا بالفعل ولم يتعرضوا للزنا سمعت شهادتهم، ووجب على المشهود عليه التعزير. قوله: (ولابد من تواردهم... إلخ). لا ريب في عدم قبول شهادتهم على تقدير الاختلاف في الفعل بالزمان أو المكان أو الصفة، لان كل واحد من الفعل الواقع على أحد الوجوه غير الفعل الاخر، ولم يقم على الفعل الواحد أربعة شهداء.

(هامش)

(1) الكافي 7: 183 ح 1، التهذيب 10: 2 ح 4، الاستبصار 4: 217 ح 815، الوسائل 18: 371 ب (12) من أبواب حد الزنا ح 1. (2) الكافي 7: 184 ح 4، التهذيب 10: 2 ح 1، الاستبصار 4: 217 ح 812، الوسائل 18: 371 الباب المتقدم ح 4. (3) عوالي اللئالي 3: 551 ح 24، سنن أبي داود 4: 148 ح 4428، سنن البيهقي 8: 227. (*)

ص 354

وإنما الكلام في اشتراط تعرضهم لهذه القيود، وظاهر المصنف والعلامة (1) اشتراط ذلك، فلا يكفي إطلاقهم الشهادة على الزنا على الوجه السابق، إلا مع تصريحهم باتحاد الزمان والمكان، حتى لو أطلق بعضهم وقيد آخرون حدوا. والنصوص (2) خالية من اشتراط ذلك، ودالة على الاكتفاء بالاطلاق. وهذا هو الظاهر من كلام المتقدمين. فقال الشيخ في النهاية في البينة بالزنا: (وهو أن يشهد أربعة نفر عدول على رجل بأنه وطئ امرأة، وليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد، وشاهدوه وطئها في الفرج، فإذا شهدوا كذلك قبلت شهادتهم، وحكم عليه بالزنا، وكان عليه ما على فاعله مما نبينه) (3). وهذا صريح في عدم اعتبارالتقييد بالزمان والمكان. وقال ابن الجنيد (4): ليس تصح الشهادة بالزنا حتى يكونوا أربعة عدول، وليس فيهم خصم لاحد المشهود عليهما، ويقولوا: إنا رأيناه يولج ذلك منه في ذلك منها ويخرجه كالمرود في المكحلة، ويكون الشهادة في مجلس واحد، فإذا شهدوا بذلك ولم يدع أحد المشهود عليهما شبهة وجب الحد. وهذا أيضا صريح في ذلك. وكلام غيرهما من المتقدمين (5) قريب من ذلك. وهذا هو المعتمد. ويمكن تنزيل كلام المصنف وما أشبهه على ذلك، بحمل عدم القبول على تقدير التعرض لذلك والاختلاف فيه.

(هامش)

(1) إرشاد الاذهان 2: 172، قواعد الاحكام 2: 251، تحرير الاحكام 2: 220. (2) راجع الوسائل 18: 371 ب (12) من أبواب حد الزنا. (3) النهاية: 689. (4) لم نعثر عليه. (5) الكافي في الفقه: 404، فقه القرآن للراوندي 2: 371، إصباح الشيعة: 517. (*)

ص 355

ولو شهد بعض أنه أكرهها، وبعض بالمطاوعة، ففي ثبوت الحد على الزاني وجهان: أحدهما: يثبت، للاتفاق على الزنا، الموجب للحد على كلا التقديرين. والاخر: لا يثبت، لان الزنا بقيد الاكراه غيره بقيد المطاوعة، فكأنه شهادة على فعلين.

قوله: (ولو شهد بعض أنه أكرهها... إلخ). إذا شهد بعض الاربعة على رجل بأنه زنى بفلانة مكرها لها في ذلك الزنا، وشهد الباقون بأنه زنى بها مطاوعة له فيه، فلا حد على المرأة قطعا، لعدم ثبوت المقتضي لحدها، وهو الزنا مطاوعة. واختلف قولا الشيخ في الرجل، فقال في الخلاف (1): لا حد عليه، ويحد الشهود، لانها شهادة على فعلين، فإن الزنا بقيد الاكراه غيره بقيد المطاوعة، فهي كشهادة الزوايا (2). وقال في المبسوط (3): يحد الرجل، لثبوت الزنا على كل واحد من التقديرين المشهود بهما، ولان الاختلاف إنما هو في قول الشهود لا في فعله. وهذا مختار ابن الجنيد (4) وابن إدريس (5).

(هامش)

(1) الخلاف 5: 383 مسألة (24). (2) في (ت): الزاوية، وفي (د): كشهادة الزنا في الزوايا. (3) المبسوط 8: 8. (4) حكاه عنه العلامة في المختلف: 755. (5) السرائر 3: 432 - 433. (*)

ص 356

ولو أقام الشهادة بعض في وقت، حدوا للقذف، ولم يرتقب إتمام البينة، لانه لا تأخير في حد.

وتردد المصنف مقتصرا على نقل القولين. وكذلك العلامة في الارشاد (1) والتحرير (2). ورجح في القواعد (3) والمختلف (4) الاول. وكذلك الشهيد في شرح الارشاد (5). ولعله أوجه. ويمنع ثبوت الزنا على كل واحد من التقديرين، لانه لم يشهد به على كل تقدير العدد المعتبر، فهو جار مجرى تغاير الوقتين والمكانين المتفق على أنه لا يثبت على تقديره. قوله: (ولو أقام الشهادة... إلخ). مذهب الاصحاب اشتراط إيقاع الشهادة في مجلس واحد. فلو حضربعض الشهود قبل بعض وشهد حد للقذف، ولم ينتظر حضور الباقين، لان السابق قد صار قاذفا، ولم يثبت الزنا، ولا تأخير في حد. وبالغ في القواعد (6) فاشترط حضورهم أيضا قبل الشهادة للاقامة، فلو تفرقوا في الحضور حدوا وإن اجتمعوا في الاقامة. ولا دليل على اعتبار مثل ذلك. ويظهر من كلام الشيخ في الخلاف عدم اشتراط اتحاد المجلس، لانه قال: (إذا تكاملت شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا في مجلس

(هامش)

(1) إرشاد الاذهان 2: 172. (2) تحرير الاحكام 2: 220 - 221. (3) قواعد الاحكام 2: 251. (4) المختلف: 755. (5) غاية المراد: 338 - 339. (6) قواعد الاحكام 2: 251. (*)

ص 357

ولا يقدح تقادم الزنا في الشهادة. وفي بعض الاخبار: (إن زاد عن ستة أشهر لم تسمع). وهو مطرح. وتقبل شهادة الاربع على الاثنين فما زاد.

واحد أو مجالس متعددة، وشهادتهم متفرقين أحوط) (1). وفي المختلف (2) حمل كلامه على تفرقهم بعد اجتماعهم لاقامة الشهادة دفعة، نظرا إلى أن ذلك هو المذهب عندنا. ووافقنا بعض (3) العامة على اشتراط اتحاد مجلس الاقامة. وخالفنا آخرون (4)، فاكتفوا بشهادتهم متفرقين كما في سائر الوقائع، ولانهم إذا جاؤا متفرقين كانوا أبعد عن التهمة. واعتبر بعضهم (5) وقوع الشهادات في مجلس واحد للحاكم، طال أم قصر، تفرقوا في الاداء أم اجتمعوا. والكل رجوع إلى ما لا يصلح دليلا. قوله: (ولا يقدح تقادم الزنا... إلخ). إذا ثبت موجب الحد لم يسقط بتقادم عهده، لاصالة البقاء. والرواية (6)بخلاف ذلك مطرحة. وهي موافقة لقول بعض (7) العامة. ويمكن حملها على ما لو ظهر منه التوبة، كما تدل عليه رواية ابن أبي عمير، عن جميل مرسلا، عن

(هامش)

(1) الخلاف 5: 388 مسألة (31). (2) المختلف: 764، ولكنه حمل كلام ابن حمزة على ذلك لا كلام الشيخ. (3) الحاوي الكبير 13: 228، حلية العلماء 8: 30، المغني لابن قدامة 10: 173، بدائع الصنائع 7: 48، روضة الطالبين 7: 315. (4) الحاوي الكبير 13: 228، حلية العلماء 8: 30، المغني لابن قدامة 10: 173، بدائع الصنائع 7: 48، روضة الطالبين 7: 315. (5) الحاوي الكبير 13: 228، حلية العلماء 8: 30، المغني لابن قدامة 10: 173، بدائع الصنائع 7: 48، روضة الطالبين 7: 315. (6) لم نجدها في الجوامع الحديثية للخاصة والعامة. (7) بدائع الصنائع 7: 46، اللباب في شرح الكتاب 3: 189، حلية العلماء 8: 30، المبسوط للسرخسي 9: 69، الاشراف على مذاهب أهل العلم 2: 18، تبيين الحقائق 3: 187، المغني لابن قدامة 10: 182. (*)

ص 358

ومن الاحتياط تفريق الشهود في الاقامة بعد الاجتماع، وليس بلازم. ولا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه، ولا بتكذيبه. ومن تاب قبل قيام البينة، سقط عنه الحد. ولو تاب بعد قيامها، لم يسقط، حدا كان أو رجما.

أحدهما عليهما السلام، وفيها: (قلت: وإن كان أمرا قريبا لم يقم عليه، قال: لو كان خمسة أشهر أو أقل وقد ظهر منه أمر جميل لم يقم عليه الحد) (1). قوله: (ومن الاحتياط... إلخ). قد تقدم (2) في القضاء استحباب تفريق الشهود عند الريبة، والامر هنا كذلك، إلا أنه يكون هنا بعد اجتماعهم جميعا في المجلس، جمعا بين وظيفتيالتفريق واتحاد مجلس الشهود حضورا وإقامة. فإذا حضروا جملة فرقوا، ثم استنطق واحد منهم بعد واحد في مجلس واحد. قوله: (ومن تاب قبل قيام البينة... إلخ). أما سقوطه بتوبته قبل قيام البينة، فلان التوبة تسقط الذنب وعقوبة الاخرة فعقوبة الدنيا أولى. ويدل عليه رواية جميل السابقة عن أحدهما عليهما السلام: (في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح، فقال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد). وأما عدم سقوطه بتوبته بعد إقامة البينة فلثبوته في ذمته فيستصحب. ويؤيده رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل أقيمت عليه البينة

(هامش)

(1) الكافي 7: 250 ح 1، التهذيب 10: 122 ح 490، الوسائل 18: 327 ب (16) من أبواب مقدمات الحدود ح 3. (2) في ج 13: 411. (*)

ص 359

النظر الثاني في الحد

وفيه مقامان:

الاول: في أقسامه

وهو: قتل، أو رجم، أو جلد وجز وتغريب.

بأنه زنى ثم هرب قبل أن يضرب، قال: إن تاب فما عليه شي، وإن وقع في يد الامام أقام عليه الحد، وإن علم مكانه بعث إليه) (1). والحكم بتحتم الحد عليه على هذا التقدير هو المشهور بين الاصحاب. وذهب جماعة منهم المفيد (2) وأبو الصلاح (3) إلى تخير الامام بين إقامته عليه والعفو عنه، كما لو تاب بعد الاقرار. ولم نقف على المستند. قوله: (في أقسامه... إلخ). عطف الثلاثة أولا ب‍ (أو) الدال على وقوعها على وجه البدل، وجمع الثلاثة الاخيرة بالواو الدال على اجتماعها، لا يطابق المقصود من الحصر، فإن من أقسامه الجلد بغير جز ولا تغريب حدا للمرأة غير المحصنة، وجلد خمسين في حد المملوك بدونهما أيضا. ولو قلنا بالجمع على المحصن بين الجلد والرجملكان قسما آخر.

(هامش)

(1) الكافي 7: 251 ح 2، الفقيه 4: 26 ح 61، التهذيب 10: 46 ح 167، الوسائل 18: 328 ب (16) من أبواب مقدمات الحدود ح 4. (2) المقنعة: 777. (3) الكافي في الفقه: 407. (*)

ص 360

أما القتل: فيجب على: من زنى بذات محرم، كالام والبنت وشبههما، والذمي إذا زنى بمسلمة. وكذا من زنى بامرأة مكرها لها. ولا يعتبر في هذه المواضع الاحصان، بل يقتل على كل حال، شيخا كان أو شابا. ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر. وكذا قيل: في الزاني بامرأة أبيه [أو ابنه] (1). وهل يقتصر على قتله بالسيف؟ قيل: نعم. وقيل: بل يجلد ثم يقتل، إن لم يكن محصنا، ويجلد ثم يرجم إن كان محصنا، عملا بمقتضى الدليلين. والاول أظهر.

قوله: (أما القتل... إلخ). لا خلاف في ثبوت القتل بالزنا بمن ذكر من ذوات المحرم النسبيات، وزنا الذمي بمسلمة، والمكره، والنصوص (2) واردة بها. وإنما الخلاف في إلحاق المحرمة بالسبب، كامرأة الاب. والمصنف (3) - رحمه الله - خصها بالذكر، لكثرة القائل بإلحاقها، وإلا فالخلاف أيضا في الزنا بزوجة الابن وأمة أحدهما الموطؤة. والمصنف - رحمه الله - لم يرجح الالحاق، بل اقتصر على نقل القولبالتحريم، لاصالة العدم، مع عدم متمسك صالح. ولكن النص ورد على الزنا

(هامش)

(1) كلام الشارح (قدس سره) مبتن على نسخته من الشرائع، كما أن النسخة الخطية المعتمدة منها كذلك، وإلا فقد ورد في الشرائع الحجرية: أو ابنه، كما تراه بين المعقوفتين في المتن، ولم ترد الزيادة في متن الجواهر 41: 316. (2) الوسائل 18: 385 باب (19) من أبواب حد الزنا. (3) كلام الشارح (قدس سره) مبتن على نسخته من الشرائع، كما أن النسخة الخطية المعتمدة منها كذلك، وإلا فقد ورد في الشرائع الحجرية: أو ابنه، كما تراه بين المعقوفتين في المتن، ولم ترد الزيادة في متن الجواهر 41: 316. (*)

ص 361

بذات محرم، ففي حسنة بكير بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: (من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، وإن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت) (1). ومثلها كثير (2). والمتبادر من ذات المحرم النسبية. ويمكن شمولها للسببية. وقد تقدم أن المحرم من يحرم نكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة. وحينئذ فلا يقتصر على امرأة الاب، بل يتعدى إلى غيرها من المحرمات السببية والرضاعية. وظاهر النصوص الدالة على قتل المذكورين الاقتصار على ضرب أعناقهم، سواء في ذلك المحصن وغيره، والحر والعبد، والمسلم والكافر. وقد سمعت منها ما يدل على حكم المحرم. وفي صحيحة بريد العجلي قال: (سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها، قال: يقتل محصنا كان أو غير محصن) (3). وروى زرارة عنه عليه السلام قال: (يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت) (4). وروى حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألتهعن يهودي فجر بمسلمة، قال: يقتل) (5).

(هامش)

(1) الكافي 7: 190 ح 1، الفقيه 4: 30 ح 81 وفيه: ابن بكير، التهذيب 10: 23 ح 68، الاستبصار 4: 208 ح 777، الوسائل 18: 385 ب (19) من أبواب حد الزنا ح 1. (2) راجع الوسائل 18: 385 ب (19) من أبواب حد الزنا. (3) الكافي 7: 189 ح 1، الفقيه 4: 30 ح 80، التهذيب 10: 17 ح 47، الوسائل 18: 381 ب (17) من أبواب حد الزنا ح 1. (4) الكافي 7: 189 ح 2، التهذيب 10: 18 ح 50، الوسائل 18: 382 الباب المتقدم ح 3. (5) الكافي 7: 239 ح 3، التهذيب 10: 38 ح 134، الوسائل 18: 407 ب (36) من أبواب حد الزنا ح 1. (*)

ص 362

وأما الرجم: فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة. فإن كان شيخا أو شيخة، جلد ثم رجم.

وذهب ابن إدريس (1) إلى وجوب الجمع بين قتله وما وجب عليه لو لم يكن موصوفا بذلك، فإن كان غير محصن جلد ثم قتل، وإن كان محصنا جلد ثم رجم، لدلالة الادلة على جلد غير المحصن وقتل من فعل ما ذكرناه، وعلى جلدالمحصن ورجمه لو كان قد زنى بغير من ذكر، فمن ذكر أولى، فلا يقتصر له على الاخف وذنبه أعظم. ويؤيده رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: (إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني، إلا أنه أعظم ذنبا) (2). قال الشيخ - رحمه الله - عقيب هذا الخبر: (وليس هذا منافيا لما تقدم من ضربه بالسيف، لان القصد قتله، وفيما يجب على الزاني الرجم، وهو يأتي على النفس، فالامام مخير بين أن يضربه ضربة بالسيف أو يرجمه) (3). وهذا قول ثالث غير قول ابن إدريس. ونفى عنه في المختلف (4) البأس. وقول ابن إدريس أوجه منه. قوله: (وأما الرجم... إلخ).

(هامش)

(1) السرائر 3: 437 - 438. (2) التهذيب 10: 23 ح 71، الاستبصار 4: 208 ح 780، الوسائل 18: 386 ب (19) من أبواب حد الزنا ح 8. (3) التهذيب 10: 24 ذيل ح 71. (4) المختلف: 756. (*)

ص 363

وإن كان شابا، ففيه روايتان: إحداهما: يرجم لا غير. والاخرى: يجمع له بين الحدين. وهو أشبه.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الجمع للشاب بين الحدين مذهبالشيخين (1) والمرتضى (2) وابن إدريس (3) وجماعة (4). ووجهه: الجمع بين الاية (5) الدالة على الجلد والرواية (6)، مع الاجماع الدالين على رجم المحصن. ومنه صحيحة محمد (7) بن مسلم وزرارة (8) عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (المحصن يجلد مائة ويرجم). والمفرد المحلى باللام يفيد العموم عند بعض (9) الاصوليين. ولما روي أن عليا عليه السلام جلد سراقة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، فقيل له: أتحد حدين؟ فقال: (حددتها بكتاب الله عز وجل، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله) (10). فإن كانت شابة

(هامش)

(1) راجع المقنعة: 775 فقد أطلق القول بوجوبهما على المحصن، التبيان للطوسي 7: 359. (2) راجع الانتصار: 254 حيث أطلق القول بوجوبهما على المحصن. (3) السرائر 3: 438 - 439. (4) المقنع: 428، المراسم: 252، المختلف: 756 - 757، وكذا حكاه الاخير عن ابن الجنيد، فقد أطلق هؤلا القول بوجوبهما على المحصن. (5) النور: 2. (6) انظر الوسائل 18: 346 ب (1) من أبواب حد الزنا. (7) التهذيب 10: 4 ح 13، الاستبصار 4: 201 ح 753، الوسائل 18: 348 ب (1) من أبواب حد الزنا ح 8. (8) التهذيب 10: 5 ح 16، الاستبصار 4: 201 ح 756، الوسائل 18: 349 الباب المتقدم ح 14. (9) الاحكام للامدي 1: 421 - 422، البحر المحيط للزركشي 3: 97 - 98.(10) المستدرك للحاكم 4: 365، سنن البيهقي 8: 220، تلخيص الحبير 4: 52 ح 1747، وفي المصادر: جلد شراحة. (*)

ص 364

ولو زنى البالغ المحصن، بغير البالغة أو بالمجنونة، فعليه الحد لا الرجم. وكذا المرأة لو زنى بها طفل. ولو زنى بها المجنون فعليها الحد تاما. وفي ثبوته في طرف المجنون تردد، المروي أنه يثبت.

فالمطلوب، وإن كانت شيخة فالتعليل يقتضي دخول الشاب، لعموم الكتاب. والقول بالتفصيل للشيخ أيضا في النهاية (1) وكتابي الحديث (2) وأتباعه (3) وجماعة (4)، لرواية عبد الله بن طلحة وابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما، وإذا زنى النصف (5) من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أحصن، وإذا زنى الشاب الحدث السن جلد، ونفي سنة من مصره) (6). والرواية مع ضعف سندها لا تدل على حكم الشاب إذا كان محصنا، فلا تنافي غيرها مما دل على العموم (7). قوله: (ولو زنى البالغ... إلخ). هذا مذهب الشيخ (8) وجماعة (9) من المتأخرين. ومستندهم صحيحة أبي

(هامش)

(1) النهاية: 693. (2) التهذيب 10: 6 ذيل ح 18، الاستبصار 4: 202 ذيل ح 758.(3) الوسيلة: 411، غنية النزوع: 422، إصباح الشيعة: 513. (4) الكافي في الفقه: 405، الجامع للشرائع: 550، تحرير الاحكام 2: 222. (5) النصف: الكهل كأنه بلغ نصف عمره. لسان العرب 9: 331. (6) الفقيه 4: 27 ح 68، التهذيب 10: 4 ح 10 وص: 5 ح 17، الاستبصار 4: 200 ح 750 وص: 201 ح 757، الوسائل 18: 349 ب (1) من أبواب حد الزنا ح 11. (7) الوسائل 18: 348 ب (1) من أبواب حد الزنا ح 8، 13، 14. (8) النهاية: 695 - 696. (9) الجامع للشرائع: 552، إرشاد الاذهان 2: 171، قواعد الاحكام 2: 252، المختلف: 758، اللمعة الدمشقية: 165. (*)

ص 365

بصير عن الصادق عليه السلام: (في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة، قال: يجلد الغلام دون الحد، وتجلد المرأة الحد كاملا، قيل له: فإن كانت محصنة؟ قال: لا ترجم، لان الذي نكحها ليس بمدرك، فلو كان مدركا رجمت) (1). ولنقص اللذة فيه، فلا يجب فيه من العقوبة ما يجب في الكامل. ولاصالة البرأة، ووجود الشبهة الدارئة للحد الزائد عن المتفق عليه.وذهب جماعة - منهم ابن الجنيد (2) وأبو الصلاح (3) وابن إدريس (4)، وهو ظاهر المفيد (5) - إلى وجوب الحد على الكامل منهما كملا، لتحقق الاحصان والزنا المقتضي لكمال الحد بالرجم. ولا عبرة بكمال اللذة ونقصانها، مع أنه لا يتم في المجنونة. ويؤيده وجوب الحد كملا لو زنى بالكاملة مجنون. ومع ذلك لا نص على حكم المجنونة، بخلاف الصبية، فإلحاقها بها قياس مع وجود الفارق. مع أنه وردت روايات بإطلاق حد البالغ منهما، وهو محمول على الحد المعهود عليه بحسب حاله من الاحصان وغيره. فروى ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام في غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة، أي شي يصنع بهما؟ قال: يضرب الغلام دون الحد، ويقام على المرأة الحد، قلت: جارية لم تبلغ

(هامش)

(1) الكافي 7: 180 ح 1، الفقيه 4: 18 ح 39، التهذيب 10: 16 ح 44، الوسائل 18: 362 ب (9) من أبواب حد الزنا ح 1. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 758. (3) الكافي في الفقه: 405. (4) السرائر 3: 443 - 444.(5) المقنعة: 779. (*)

ص 366

وجدت مع رجل يفجر بها، قال: تضرب الجارية دون الحد، ويقام على الرجل الحد) (1). وقد عرفت (2) مر ارا حال أبي بصير واشتراكه، وأن صحة روايته إضافية. وأما زنا المجنون بالكاملة فلا إشكال في وجوب الحد كملا على الكاملة. وأما المجنون فاختلف في حكمه، فذهب الشيخان (3) وجماعة (4) إلى ثبوت الحد عليه كملا، حتى لو كان محصنا رجم، استنادا إلى رواية أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال: (إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد، فإن كان محصنا رجم، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل يأتي، وإنما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة، وإن المرأة تستكره ويفعل بها، وهي لا تعقل ما يفعل بها) (5). وذهب الشيخ في كتابي الفروع (6) وابن إدريس (7) وأكثر (8) المتأخرين إلى

(هامش)

(1) الكافي 7: 180 ح 2، الفقيه 4: 18 ح 40، التهذيب 10: 17 ح 45، الوسائل 18: 362 ب (9) من أبواب حد الزنا ح 2.(2) راجع ج 8: 50. (3) المقنعة: 779، النهاية: 696. (4) المقنع: 436، الجامع للشرائع: 552. (5) الكافي 7: 192 ح 3، التهذيب 10: 19 ح 56، الوسائل 18: 388 ب (21) من أبواب حد الزنا ح 2. (6) يظهر ذلك من عده كمال العقل من شرائط الاحصان، راجع المبسوط 8: 3، الخلاف 5: 402 مسألة (46)، ولكن صرح في موضع آخر بوجوب الحد على المجنون الزاني بالعاقلة، انظر المبسوط 8: 4، الخلاف (طبعة جماعة المدرسين) 5: 372 مسألة (6)، ولكن في طبعة كوشانپور (2: 440 مسألة 6): لزمها الحد، بدل: لزمهما، وهو صريح في عدم وجوب الحد على المجنون. (7) السرائر 3: 444. (8) قواعد الاحكام 2: 250، المختلف: 759، إيضاح الفوائد 4: 471، اللمعة الدمشقية: 165. (*)

ص 367

وأما الجلد والتغريب: فيجبان على الذكر الحر غير المحصن، يجلد مائة، ويجز رأسه، ويغرب عن مصره إلى آخر عاما، مملكا كان أو غير مملك.وقيل: يختص التغريب بمن أملك ولم يدخل. وهو مبني على أن البكر ما هو؟ والاشبه أنه عبارة عن غير المحصن، وإن لم يكن مملكا. أما المرأة فعليها الجلد مائة، ولا تغريب عليها ولا جز.

عدم وجوب الحد على المجنون، لعدم تكليفه، والحد عقوبة يتوقف على ثبوت التحريم في فاعل موجبها، وهو منتف هنا. وأجابوا عن الرواية - مع ضعف الطريق - بحملها على من يعتوره الجنون أدوارا بعد تحصيله، لان العلة التي ذكرها الامام عليه السلام تدل عليه. وهذا هو الاصح. قوله: (وأما الجلد... إلخ). هذه الثلاثة تجب على البكر اتفاقا. والاصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (1). وقول الصادق عليه السلام في صحيحة الحلبي: (الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم، والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة) (2). وقد اختلف في تفسير البكر، فقيل: من أملك، أي: عقد على امرأة دواما

(هامش)

(1) سنن الدارمي 2: 181، مسند أحمد 5: 327، صحيح مسلم 3: 1316 ح 12، سنن أبي داود 4: 144 ح 4415، سنن ابن ماجة 2: 852 ح 2550، سنن الترمذي 4: 32 ح 1434، سنن البيهقي 8: 210 و222، تلخيص الحبير 4: 51 ح 1744.(2) الفقيه 4: 17 ح 30، التهذيب 10: 4 ح 14، الاستبصار 4: 201 ح 754، الوسائل 18: 348 ب (11) من أبواب حد الزنا ح 9. (*)

ص 368

ولم يدخل. ذهب إلى ذلك الشيخ في النهاية (1) وأتباعه (2) وجماعة (3). واختاره العلامة في المختلف (4) والتحرير (5). ويدل عليه روايات كثيرة، منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الذي لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى، والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى) (6). وروايته أيضا عنه عليه السلام قال: (المحصن يرجم، والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد مائة ونفي سنة) (7). ورواية محمد بن قيس عنه عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة، وقضى للمحصن الرجم، وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة، ونفي سنة في غير مصرهما، وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها) (8). وفي طريق الرواية الاولى موسى بن بكر، وحاله في الثقة غير معلوم. والثانية مرسلة. ومحمد بن قيس في الثالثة مشترك.

(هامش)

(1) النهاية: 694، ولم يذكر فيه قيد الدوام، وكذا في المصادر التالية. (2) المهذب 2: 519، الغنية: 424، إصباح الشيعة: 514. (3) إيضاح الفوائد 4: 479. (4) المختلف: 757. (5) تحرير الاحكام 2: 222. (6) الكافي 7: 177 ح 6، التهذيب 10: 4 ح 12، الاستبصار 4: 200 ح 752، الوسائل 18: 348 ب (11) من أبواب حد الزنا ح 7. (7) الكافي 7: 177 ح 4، التهذيب 10: 3 ح 8، الوسائل 18: 348 الباب المتقدم ح 6.(8) الكافي 7: 177 ح 7، التهذيب 10: 3 ح 9، الاستبصار 4: 202 ح 759، الوسائل 18: 347 الباب المتقدم ح 2. (*)

ص 369

وذهب الشيخ في كتابي (1) الفروع وابن إدريس (2) والمصنف وأكثر المتأخرين (3) إلى أن المراد بالبكر غير المحصن، لرواية عبد الله بن طلحة عن الصادق عليه السلام قال: (وإذا زنى الشاب الحدث السن جلد، وحلق رأسه، ونفي عن مصره) (4). وهو شامل للمملك وغيره، فلا يتقيد، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب. وأجاب في المختلف (5) بأن المعتمد رواية زرارة السابقة، مع منع امتناع تأخير البيان عن وقت الخطاب. وعلى الاول فالقسمة ثلاثية، وعلى الثاني فهي ثنائية. وطريق الروايات من الجانبين غير نقي. واعلم أن الروايتين السابقتين تضمنتا تغريب الرجل والمرأة، ولكن المشهور بين الاصحاب - بل ادعى عليه الشيخ في الخلاف (6) الاجماع - اختصاص التغريب بالرجل، فإن تم الاجماع فهو الحجة، وإلا فمقتضى النص (7) ثبوته عليها (8). وهو مختار ابن أبي عقيل (9) - رحمه الله - وابن الجنيد (10).

(هامش)

(1) الخلاف 5: 368 مسألة (3)، المبسوط 8: 2. (2) السرائر 3: 439. (3) كشف الرموز 2: 547. (4) التهذيب 10: 4 ح 10، الاستبصار 4: 200 ح 750، الوسائل 18: 349 ب (1) من أبواب حد الزنا ح 11، ولم ترد في المصادر: وحلق رأسه. (5) المختلف: 757. (6) الخلاف 5: 368 مسألة (3).(7) الوسائل 18: 347 ب (1) من أبواب حد الزنا ح 2، 9، 12. (8) في الحجريتين: عليهما. (9) حكاه عنه العلامة في المختلف: 757. (10) لم نعثر عليه. (*)

ص 370

والمملوك يجلد خمسين، محصنا كان أو غير محصن، ذكرا كان أو أنثى. ولا جز على أحدهما ولا تغريب.

وعللوا عدم تغريبها بأنها عورة يقصد بها الصيانة ومنعها عن الاتيان بمثل ما فعلت، ولا يؤمن عليها ذلك في الغربة. وهذا التعليل لا يقابل النص، وإنما يتجه مؤيدا للحكم وحكمة له. ثم عد إلى العبارة. واعلم أنه حكم في صدرها بعقوبتين، وفي عجزها بثلاث، بإضافة الجز. ولعله لضعف عقوبة الجز الذي يكتفى فيه بحلق الناصية، مع أنه مختص برواياتنا (1). والمروي (2) عن النبي صلى الله عليه وآله في البكر هو الجلد والتغريب. قوله: (والمملوك يجلد... إلخ). قد عرفت أن من شروط الاحصان الموجب للرجم الحرية، فالمملوك ليس بمحصن مطلقا، فلا يرجم، ويجلد خمسين جلدة على ما قال تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (3). والقن وغيره في ذلك سواء. ومذهب الاصحاب أنه لا يغرب، لما فيه من الاضرار بالسيد وتفويت المنفعة عليه. ولان التغريب للتشديد، والعبد جليب اعتاد الانتقال من بلد إلى آخر، فليس في تغريبه تشديد. وعند بعض (4) العامة أنه يغرب أيضا، عملا بعموم النص. ولا ينظر إلى ضرر السيد في عقوبات الجرائم، كما أنه يقتل إذا ارتد، ويحد إذا قذف، وإن

(هامش)

(1) راجع الوسائل 18: 359 ب (7) من أبواب حد الزنا ح 7 و8. (2) راجع ص: 367. (3) النساء: 25. (4) روضة الطالبين 7: 307، الحاوي الكبير 13: 205 - 206، حلية العلماء 8: 12، الوجيز 2: 167 - 168، كفاية الاخيار 2: 111. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب