ص 4
بسم الله الرحمن الرحيم
ص 5
الباب السادس في حد المحارب

المحارب: كل من جرد السلاح لاخافة الناس، في بر أو بحر، ليلا [كان] أو نهارا، في
مصر وغيره. وهل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد، أصحه أنه لا يشترط مع العلم
بقصد الاخافة. ويستوي في هذا الحكم، الذكر والانثى إن اتفق. وفي ثبوت هذا الحكم
للمجرد مع ضعفه عن الاخافة تردد، أشبهه الثبوت، ويجتزى بقصده.
قوله: (المحارب كل من
جرد السلاح... إلخ). يشترط في المحارب تجريد السلاح. والمراد به هنا ما يشمل المحدد،
حتى العصا والحجارة، وإن كان إطلاقه على ذلك لا يخلو من تجوز. وقصد إخافة الناس،
فلو اتفق خوفهم منه من غير أن يقصده فليس بمحارب. ولا فرق بين الواحد والمتعدد،
ولابين أن يحصل معه خوف الناس أو أخذ مالهم وعدمه، بل متى خرج بقصد ذلك فهو محارب.
وكذا لا فرق بين البر والبحر، ولا بين المصر وغيره، حتى لو جرد السلاح وأخذ من داخل
الدار، ليلا أو نهارا مكابرة لاهله، فهو محارب، وقد يكون مع ذلك سارقا. ويستوي في
ذلك الذكر والانثى، لعموم (1) الادلة. وخالف في ذلك ابن
(هامش)
(1) الوسائل 18: 532 ب (1، 2) من أبواب حد المحارب. (*)
ص 6
الجنيد (1)، فاعتبر الذكورة. وهو قول بعض (2) العامة، نظرا إلى ضمير المذكر في قوله
تعالى: (الذين يحاربون الله ورسوله) (3) الاية. وبعضهم (4) اعتبر كونه في البر
والمواضع البعيدة عن العمران. وعموم الاية (5) يدفعه. وبقي الخلاف في موضعين:
أحدهما: في اشتراط كونه من أهل الريبة. وفيه قولان: أحدهما: عدم الاشتراط، فيتعلق
الحكم به وإن لم يكن من أهل الريبة إذا جرد السلاح لاخافة الناس، لعموم الاية (6)،
فإن (الذين) جمع معرف فيعم. ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أنه قال: (من
شهر السلاح في مصر من الامصار...) (7) الحديث. وهو قول المصنف وأكثر الاصحاب (8).
والثاني: اشتراطها، لانه المتيقن، والحدود تدرأ بالشبهات. وهو ظاهر الشيخ في
النهاية (9) والقاضي (10).
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 779. (2) بدائع الصنائع 7: 91، المبسوط للسرخسي
9: 197، حلية العلماء 8: 87، المغني لابن قدامة 10: 315. (3 و4 و5) المائدة: 33.
(6) المبسوط للسرخسي 9: 201، بداية المجتهد 2: 455، المغني لابن قدامة 10: 298،
تبيين الحقائق 3: 235، رحمة الامة: 298. (7) الكافي 7: 248 ح 12، التهذيب 10: 132 ح
524، الاستبصار 4: 257 ح 972، الوسائل 18: 532 ب (1) من أبواب حد المحارب ح 1. (8)
المقنعة: 804، المبسوط 8: 47، المراسم: 251، المؤتلف من المختلف 2: 418، قواعد
الاحكام 2: 271، إيضاح الفوائد 4: 542 - 543. (9) النهاية: 720. (10) المهذب 2:
553. (*)
ص 7
ولا يثبت هذا الحكم للطليع ولا للرد. وتثبت هذه الجناية بالاقرار ولو مرة، وبشهادة
رجلين عدلين. ولا تقبل شهادة النساء فيه منفردات، ولا مع الرجال. ولو شهد بعض
اللصوص على بعض لم تقبل. وكذا لو شهد المأخوذون بعضهم لبعض. أما لو قالوا: عرضوا
لنا وأخذوا هؤلا، قبل، لانه لا ينشاء من ذلك تهمة تمنع الشهادة.
ويضعف بأن البحث
على تقدير وجود السبب أعني: المحاربة، فيتحقق المسبب. الثاني: لو ضعف المجرد عن
الاخافة مع قصدها، ففي تعلق الحكم به إشكال، ناش من عموم الاية (1) والحديث (2)،
ومن عدم وجود المعنى المفهوم من المحارب، والاكتفاء بمجرد الصورة مجاز. ومختار
المصنف من الاكتفاء بقصدها أقوى. واعلم أن التعريف شامل للصغير والكبير، ولا بد من
تقييده بالمكلف، لان الحد منوط بالتكليف، وإن ضمن الصغير المال والنفس، كما يضمن ما
يتلفه في غير هذا الفرض. قوله: (ولا يثبت هذا الحكم... إلخ). الطليع هو الذي يرقب
له من يمر بالطريق ونحوه فيعلمه به، أو يرقب من يخاف عليه منه فيحذره منه. والرد -
بكسر الراء وسكون الدال المهملة فالهمزة -: هو المعين له فيما يحتاج إليه، من غير
أن يباشر متعلق المحاربة، وإلا كان محاربا.
(هامش)
(1) المائدة: 33. (2) الوسائل 18: 537 ب (2) من أبواب حد المحارب. (*)
ص 8
وحد المحارب: القتل، أو الصلب، أو القطع مخالفا، أو النفي. وقد تردد فيه الاصحاب،
فقال المفيد رحمه الله: بالتخيير. وقال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: بالترتيب، يقتل
إن قتل. ولو عفا ولي الدم، قتله الامام. ولو قتل وأخذ المال، استعيد منه، وقطعت يده
اليمنى ورجله اليسرى، ثم قتل وصلب. وإن أخذ المال ولم يقتل، قطع مخالفا ونفي. ولو
جرح ولم يأخذ المال، اقتص منه ونفي. ولو اقتصر على شهر السلاح والاخافة، نفي لا
غير. واستند في التفصيل إلى الاحاديث الدالة عليه. وتلك الاحاديث لا تنفك من ضعف في
إسناد، أو اضطراب في متن، أو قصور في دلالة، فالاولى العمل بالاول، تمسكا بظاهر
الاية.
قوله: (وحد المحارب القتل أو الصلب... إلخ). الاصل في حد المحارب قوله
تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو
يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض) (1). وقد اختلف الاصحاب
في هذه العقوبات هل هي على وجه التخيير أو التفصيل والترتيب؟ فذهب المفيد (2) وسلا
ر (3) وابن إدريس (4) والمصنف والعلامة في أحد قوليه (5) إلى الاول، إما (6) لافادة
(أو) هنا التخيير وإن كانت محتملة
(هامش)
(1) المائدة: 33. (2) المقنعة: 804. (3) المراسم: 251. (4) السرائر 3: 507. (5)
المختلف: 779. (6) كذا فيما لدينا من النسخ.... (*)
ص 9
لغيره، لما روي (1) صحيحا من أن (أو) في القرآن للتخيير حيث وقع. ولحسنة جميل بن
دراج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا) (2) إلى آخر الاية، فقلت: أي
شي عليهم من هذه الحدود التي سمى الله تعالى؟ قال: ذلك إلى الامام إن شاء قطع، وإن
شاء صلب، وإن شاء نفى، وإن شاء قتل، قلت: النفي إلى أين؟ قال: ينفى من مصر إلى مصر
آخر، وقال: إن عليا عليه السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة) (3). وصحيحة بريد
بن معاوية قال: (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: (إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله...) (4) الاية، قال: ذاك إلى الامام يفعل ما يشاء، قلت: فمفوض
ذلك إليه؟ قال: لا، ولكن بحق الجناية) (5). وذهب الشيخ (6) وأتباعه (7) وأبو الصلاح
(8) والعلامة في أحد قوليه (9)
(هامش)
(1) الكافي 4: 358 ح 2. (2، 3) المائدة: 33. (4) الكافي 7: 245 ح 3، الوسائل 18:
533 ب (1) من أبواب حد المحارب ح 3. (5) الكافي 7: 246 ح 5، التهذيب 10: 133 ح 529،
الوسائل 18: 533 ب (1) من أبواب حد المحارب ح 2. وفيما عدا التهذيب: نحو الجناية.
(6) النهاية: 720. (7) المهذب 2: 553، فقه القرآن 2: 387، الوسيلة: 206. (8) الكافي
في الفقه: 252. (9) لم نجده فيما لدينا من كتبه، ونسبه الشهيد في غاية المراد (354)
إلى ظاهر التلخيص للعلامة، ولم يطبع إلى الان. (*)
ص 10
إلى أن ذلك على الترتيب والتفصيل، كما نقله المصنف - رحمه الله -، لرواية عبيدالله
بن إسحاق المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له: جعلت فداك أخبرني عن
قول الله عز وجل: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) الاية (1). قال: فعقد بيده ثم
قال: يا أبا عبد الله خذها أربعا بأربع، ثم قال: إذا حارب الله ورسوله وسعى في
الارض فسادا فقتل قتل، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت
يده ورجله من خلاف، وإن حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ من
المال نفي من الارض. قال: قلت: وما حد نفيه؟ قال: سنة ينفى من الارض التي فعل فيه
إلى غيره، ثم يكتب إلى ذلك المصر بأنه منفي، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه
حتى يخرج إلى غيره،فيكتب إليهم أيضا بمثل ذلك، فلا يزال هذه حاله سنة، فإذا فعل به
ذلك تاب وهو صاغر) (2). ومثله روي عن الكاظم (3) والرضا (4) عليهما السلام. ورواية
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (من شهر السلاح
(هامش)
(1) المائدة: 33. (2) التهذيب 10: 131 ح 523، الاستبصار 4: 256 ح 969، الوسائل 18:
534 ب (1) من أبواب حد المحارب ذيل ح 4. (3) الكافي 7: 247 ح 9، التهذيب 10: 133 ح
527، الوسائل 18: 539 ب (4) من أبواب حد المحارب ح 3. (4) الكافي 7: 246 ح 8،
التهذيب 10: 132 ح 526، الوسائل 18: 534 ب (1) من أبواب حد المحارب ح 4. (*)
ص 11
في مصر من الامصار فعقر اقتص منه، ونفي من تلك البلدة، ومن شهر السلاح في غير
الامصار وضرب وعقر وأخذ الاموال ولم يقتل فهو محارب، فجزاؤه جزاء المحارب، وأمره
إلى الامام، إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، قال: وإن ضرب وقتل
وأخذ المال فعلى الامام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول
فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه) (1) الحديث. ورواية عبيدة بن بشير الخثعمي قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قاطع الطريق وقلت: إن الناس يقولون: الامام مخير أي شي
صنع، قال: ليس أي شي شاء صنع، ولكنه يصنع بهم على قدر جنايتهم، فقال: من قطع الطريق
فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله وصلب، ومن قطع الطريق وقتل ولم يأخذ المال قتل، ومن
قطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله، ومن قطع الطريق ولم يأخذ مالا ولم
يقتل نفي من الارض) (2). فهذه الروايات التي استند إليها الشيخ ومن تبعه. وهي - كما
قال المصنف رحمه الله - ضعيفة الاسناد، فإن عبيد الله راوي الرواية الاولى وعبيدة
راوي الاخيرة مجهولان. وفي طريق الاولى محمد بن سليمان الديلمي، وهو ضعيف جدا.
وفيهما غير ذلك من ضروب الضعف. وهي مع ذلك مضطربة المتن، بمعنى أن الاحكام المترتبة
على تفاصيل حاله مختلفة، لتضمن الاولى أن حكم من قتل وأخذ المال أن يقتل ويصلب،
(هامش)
(1) الكافي 7: 248 ح 12، التهذيب 10: 132 ح 524، الاستبصار 4: 257 ح 972، الوسائل
18: 532 الباب المتقدم ح 1. (2) الكافي 7: 247 ح 11، التهذيب 10: 132 ح 525،
الاستبصار 4: 257 ح 971، الوسائل 18: 534 الباب المتقدم ح 5. (*)
ص 12
وتضمن الاخيرة أنه يقطع مخالفا ويصلب، وتضمن الثانية - وهي رواية محمد بن مسلم -
أنه يقطع بالمال ثم يدفع إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا من غير صلب. إلى غير ذلك
من الاختلاف. وليس في الروايتين حكم ما لو جرح، وإنما هو مذكور في رواية محمد بن
مسلم. وفيها مع ذلك مخالفة لهما بالفرق بين المحارب في مصر وغيره. وفي حكم كل منهما
مخالفة لما تضمنته الروايتان. فما ذكره الشيخ من التفصيل لا يستفاد من كل واحدة من
الروايات، وإنما يجتمع منها على اختلاف فيها، فمن ثم وصفها المصنف - رحمه الله -
بالضعف والاضطراب وقصور الدلالة. ثم هي غير حاصرة للاقسام الممكنة، فإنه قد يجمع
بين هذه الجنايات كلها، وقد يجرح ويأخذ المال، وقد يقتل (1) ويجرح ولا يأخذ المال،
إلى غير ذلك من الفروض الخارجة عما ذكر في الروايات. مع أن رواية محمد بن مسلم
صحيحة، وهي دالة على حكم ثالث، وهو التخيير بين الامور الاربعة مع عدم القتل، وتحتم
القتل معه. ويظهر من الاستبصار (2) ترجيحه، لانه جعله جامعا بين الاخبار. وهو أولى
من القول بالترتيب الذي ذكره في غيره، وإن كان القول الاول أظهر منهما.
(هامش)
(1) في الحجريتين: وقد يقتل ويأخذ... (2) الاستبصار 4: 257 ح 972. (*)
ص 13
وها هنا مسائل: الاولى: إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال، تحتم قتله قودا إن كان
المقتول كفؤا، ومع عفو الولي حدا، سواء كان المقتول كفؤا أو لم يكن. ولو قتل لا
طلبا للمال، كان كقاتل العمد، وأمره إلى الولي. أما لو جرح طلبا للمال، كان القصاص
إلى الولي. ولا يتحتم الاقتصاص في الجرح، بتقدير أن يعفو الولي، على الاظهر.
قوله:
(إذا قتل المحارب... إلخ). الحكم هنا متفرع على الخلاف السابق، فإن قلنا بتخير
الامام فيه مطلقا، وقتل المحارب، لزمه حكم القتل من قصاص ودية، فإذا استوفي منه
تخير الامام في جهة حده. وإن قلنا بالتفصيل فقتل طلبا للمال، فإن كان المقتول
مكافئا له، وكان القتل عمدا، اجتمع عليه سببان للقتل: أحدهما القصاص، والاخر الحد.
فإن عفا الولي تحتم قتله حدا. وإن كان المقتول غير مكافئ، كما لو قتل الاب الابن
والمسلم الذمي والحر العبد، تعين قتله حدا، وأخذ من تركته الدية أو القيمة. ولو كان
المقتول جماعة قتل بواحد، وللباقين الدية. وكان حكمهم في العفو كما سبق (1). ولو
عفا ولي المقتول على مال بقي القتل حدا.ولو تاب قبل الظفر به سقط الحد وبقي القصاص.
ولو قتله قاتل بغير إذن الامام فلا قصاص، لان قتله متحتم. وتؤخذ الدية من تركته.
ولو جرح أو قطع عضوا طلبا للمال استوفي منه القصاص. ثم إن طابق
(هامش)
(1) في ص: 8. (*)
ص 14
الثانية: إذا تاب قبل القدرة عليه، سقط الحد، ولم يسقط ما يتعلق به من حقوق الناس،
كالقتل والجرح والمال. ولو تاب بعد الظفر به، لم يسقط عنه حد، ولا قصاص، ولا غرم.
المطلوب منه الحد، كما لو قطع اليد اليمنى لرجل قطعت قصاصا، وأكمل الحد بقطع رجله
اليسرى. وإن كان مخالفا للحد، كقطع اليسار، اقتص منه واستوفي الحد على وجهه. ولو
كان جرحا فأمر القصاص إلى الولي، ولا مدخل للامام فيه، لانه ليس من جنس الحد بمقتضى
الاية (1). ويحتمل مع العفو استيفاؤه حدا، لذكره في تفصيل الحد. ولا يخفى ضعفه،
لعدم الدليل عليه، وإن ذكره القائل بالتفصيل. قوله: (إذا تاب قبل القدرة عليه...
إلخ). أما عدم سقوط حقوق الادميين بالتوبة مطلقا فواضح، لان حق الادمي لا يسقط إلا
بإسقاط المستحق، ولا مدخل للتوبة فيه. وأما التفصيل في سقوط الحد بالتوبة قبل أخذه
وبعده فذلك هو مقتضى حد الله تعالى، كما سبق في نظائره. ويدل عليه هنا بخصوصه قوله
تعالى: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) (2).
وأما توبته بعد القدرة فوجوب الحد ثابت بحكم الاستصحاب، مضافا إلى مفهوم الشرط في
الاية (3). وفرق بين الحالتين من جهة المعنى، بأنه بعد القدرة عليه متعرض للحد
(هامش)
(1) المائدة: 33. (2 و3) المائدة: 34. (*)
ص 15
الثالثة: اللص محارب، فإذا دخل دارا متغلبا، كان لصاحبها محاربته. فإن أدى الدفع
إلى قتله، كان دمه [هدرا] ضائعا، لا يضمنه الدافع. ولو جنى اللص عليه ضمن. ويجوز
الكف عنه. أما لو أراد نفس المدخول عليه، فالواجب الدفع. ولا يجوز الاستسلام والحال
هذه. ولو عجز عن المقاومة وأمكن الهرب، وجب.
متهم (1) بقصد الدفع في التوبة، وأما
قبل القدرة عليه فهو ممتنع عن طاعة الامام، وتوبته بعيدة عن التهمة، قريبة من
الحقيقة، فلذلك أسقطت الحد. قوله: (اللص محارب... إلخ). اللص إن شهر سلاحا وما في
معناه فهو محارب حقيقة، لما تقدم (2) من أن المحارب يتحقق في العمران وغيرها وإن لم
يكن معه سلاح، بل يريد اختلاسالمال والهرب، فهو في معنى المحارب في جواز دفعه ولو
بالقتل إذا توقف الدفع عليه. وأطلق المصنف - رحمه الله - اسم المحارب عليه مطلقا
تبعا للنصوص، ففي رواية منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (اللص محارب لله
ولرسوله فاقتلوه، فما دخل عليك فعلي) (3). وفي رواية غياث بن إبراهيم، عنه عليه
السلام، عن أبيه عليه السلام قال: (إذا دخل عليك اللص يريد أهلك ومالك، فإن استطعت
أن تبدره فابدره واضربه،
(هامش)
(1) في (أ): فيتهم. (2) في ص: 5 - 6. (3) التهذيب 10: 135 ح 536، الوسائل 18: 543 ب
(7) من أبواب حد المحارب ح 1. (*)
ص 16
الرابعة: يصلب المحارب حيا على القول بالتخيير، ومقتولا على القول الاخر.
وقال:
اللص محارب لله ولرسوله فاقتله، فما مسك منه فهو علي) (1). وإنما عدلنا عن ظاهر
الروايات إلى ما ذكرناه من التفصيل لقصورها سندا عن إفادة الحكم مطلقا، فيرجع إلى
القواعد المقررة (2). ثم إن كان غرضه أخذ المال لم يجب دفعه، وإن جاز. وينبغي تقييد
ذلك بما لا يضره فوته، وإلا اتجه الوجوب مع عدم التغرير بالنفس. وإن طلب العرض وجب
دفعه مع عدم ظن العطب. وإن طلب النفس وجب دفعه مطلقا، لوجوب حفظ النفس، وغايته
العطب، وهو غاية عمل المفسد، فيكون الدفاع أرجح. نعم، لو أمكن السلامة بالهرب كان
أحد أسباب حفظ النفس، فيجب عينا إن توقفت عليه، أو تخييرا إن أمكنت به وبغيره.
قوله: (يصلب المحارب حيا... إلخ). أما صلبه حيا على القول بالتخيير فلانه أحد أفراد
الحد وقسيم للقتل، وهو يقتضي كونه حيا. وأما على القول بالتفصيل فإنما يصلب على
تقدير قتله وأخذه للمال، وقد تقدم أنه يقتل أولا ثم يصلب. ثم على تقدير صلبه حيا إن
مات بالصلب قبل ثلاثة أيام، وإلا أجهز عليه بعدها.
(هامش)
(1) التهذيب 10: 136 ح 538، الوسائل 18: 543 الباب المتقدم ح 2. (2) في (أ، ث):
المذكورة. (*)
ص 17
الخامسة: لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، ثم ينزل ويغسل ويكفن ويصلى عليه
ويدفن. ومن لا يصلب إلا بعد القتل، لا يفتقر إلى تغسيله، لانه يقدمه أمام القتل.
قوله: (لا يترك على خشبته... إلخ). ظاهر الاصحاب أن النهي عن تركه أزيد من ثلاثة
أيام على وجه التحريم، ومقتضاه كون الثلاثة من يوم صلبه لا من موته. والمعتبر من
الايام النهار دون الليل. نعم، تدخل الليلتان المتوسطتان تبعا. والمستند رواية
السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا
تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل فيدفن) (1). وروايته أيضا عنه عليه السلام:
(أن أمير المؤمنين عليه السلام صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام، ثم أنزله يوم الرابع
وصلى عليه ودفنه) (2). ولا فرق في ذلك بين الايام الطويلة والقصيرة، ولا الحارة
والباردة، وإن حصل به في الثلاثة مثلة، عملا بالعموم. وقد قيل: إن الصلب سمي صلبا
لسيلان صليب المصلوب، وهو الودك (3)، حتى اعتبره بعض (4) العامة لذلك.
(هامش)
(1) الكافي 7: 268 ح 39، التهذيب 10: 150 ح 600، الوسائل 18: 541 ب (5) من أبواب حد
المحارب ح 2. (2) الكافي 7: 246 ح 7، التهذيب 10: 135 ح 534، الفقيه 4: 48 ح 167،
الوسائل 18: 541 الباب المتقدم ح 1. (3) الصليب: الودك، وهو الدسم، النهاية لابن
الاثير 3: 45. (4) الحاوي الكبير 13: 358، حلية العلماء 8: 84، روضة الطالبين 7:
366. (*)
ص 18
السادسة: ينفى المحارب من بلده، ويكتب إلى كل بلد يأوي إليه بالمنع من مؤاكلته
ومشاربته ومجالسته ومبايعته. ولو قصد بلاد الشرك منع منها. ولو مكنوه من دخولها،
قوتلوا حتى يخرجوه.
ويظهر من قوله: (ومن لا يصلب إلا بعد القتل لا يفتقر إلى
تغسيله... إلخ) أن تقديم الغسل حينئذ واجب معين، ولو فرض إخلاله به وجب تغسيله
أيضا. ولو أريد بصلبه قتله به أمر بالغسل قبله، كما لو قتل بغيره، لعموم الامر
بالغسل لمن أريد قتله. ولا فرق بين القسمين، وكأن المصنف - رحمه الله - فصلهما من
حيث إن الصلب لا يستلزم القتل مطلقا، فلا يدخل في العموم. قوله: (ينفى المحارب من
بلده... إلخ). إذا كان حد المحارب النفي، إما باختيار الامام ذلك، أو بفعله ما
يوجبه على القول الاخر، فالمراد منه ما هو الظاهر من معناه، وهو إخراجه من بلده إلى
غيره، وإعلام كل بلد يصل إليه بالامتناع منه على الوجه الذي ذكره، لينتقل إلى آخر.
ونفيه من الارض كناية عن ذلك، إذ لا يخرج عن مجموع الارض، ولكنلما لم يقر على أرض
كان في معنى النفي من الارض مطلقا. وظاهر المصنف والاكثر عدم تحديده بمدة، بل ينفى
دائما إلى أن يتوب. وقد تقدم (1) في الرواية كونه سنة. وحملت على التوبة في
الاثناء. وهو بعيد. وبعض (2) العامة فسر النفي من الارض بالحبس، لاطلاقه على الخروج
من الدنيا في العرف، كما قال بعض المسجونين:
(هامش)
(1) في ص: 10. (2) بداية المجتهد 2: 456، الحاوي الكبير 13: 355 - 356، حلية
العلماء 8: 84، بدائع الصنائع 7: 95، شرح فتح القدير 5: 178 - 179، المغني لابن
قدامة 10: 307، تبيين الحقائق 3: 236. (*)
ص 19
السابعة: لا يعتبر في قطع المحارب أخذ النصاب. وفي الخلاف: يعتبر. ولا انتزاعه من
حرز. وعلى ما قلناه من التخيير لا فائدة في هذا البحث، لانه يجوز قطعه، وإن لم يأخذ
مالا. وكيفية قطعه أن تقطع يمناه ثم تحسم، ثم تقطع رجله اليسرى وتحسم. ولو لم تحسم
في الموضعين جاز. ولو فقد أحد العضوين، اقتصرنا على قطع الموجود، ولم ينتقل إلى
غيره.
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الاحياء فيها ولا الموتى
إذا جأنا
السجان فيها لحاجـــــــة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا.
ولا يخفى أنه مجاز خفي، وما
ذكرناه أقرب، مع موافقته للمروي قولا وفعلا. وأما الحكم بمقاتلة أهل الشرك لو دخل
إليهم فتركوه، فهو مروي في خبر (1) عبيدالله المدائني عن الرضا عليه السلام. وقد
عرفت (2) حال المستند. وتحريره على قواعد أحكام الكفار مشكل، لانهم إن كانوا أهل
حرب فمقاتلتهم لا يتوقف على ذلك، وإن كانوا أهل هدنة أو ذمة فلا يقدح ذلك بمجرده في
عهدهم، إلا مع شرطه، وإثباته من مجرد هذا الخبر لا يتم، خصوصا عند المصنف وغيره ممن
لم يعتبر أصل الخبر، نظرا إلى ما تقدم. قوله: (لا يعتبر في قطع المحارب... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 246 ح 8، التهذيب 10: 132 ح 526، الوسائل 18: 539 ب (4) من أبواب حد
المحارب ح 2. (2) راجع ص: 11. (*)
ص 20
الثامنة: لا يقطع المستلب، ولا المختلس، ولا المحتال على الاموال بالتزوير والرسائل
الكاذبة، بل يستعاد منه المال ويعزر. وكذا المبنج، ومن سقى غيره مرقدا، لكن إن جنى
ذلك شيئا ضمن الجناية.
إذا عملنا بالتفصيل السابق فمقتضى دليله قطعه مع أخذ المال
مطلقا، سواء كان نصابا أم أقل، وسواء كان في حرز أم لا، كما يتعين قتله لو قتل،
سواء كان مكافئا أم لا. فهو مخالف لحد السرقة في ذلك، وفي عدم اشتراط مرافعة
المالك، وعدم سقوطه بعفوه، وزيادة قطع رجله بالسرقة الواحدة، والقصاص فيما ذكر
أيضا. واعتبر في الخلاف (1) بلوغ المال النصاب، ليوافق قاعدة السرقة. وهو مع
مخالفته لاطلاق الروايات (2) لا يوافقها من باقي الوجوه التي ذكرناها. فالاولى جعله
حدا برأسه، وإن وافقها في بعض الاعتبارات. قوله: (لا يقطع المستلب ولا المختلس...
إلخ). لما كان حكم الحد المذكور مختصا بالمحارب أو بمن سرق من حرز بشرطه، فلا قطع
على المستلب، وهو الذي يأخذ المال جهرا ويهرب مع كونه غير محارب، ولا المختلس، وهو
الذي يأخذه خفية كذلك. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أتي برجل اختلس
درة من
(هامش)
(1) الخلاف 5: 46 مسألة (7). (2) الوسائل 18: 532 ب (1) من أبواب حد المحارب. (*)
ص 21
أذن جارية، فقال: (هذه الزعارة المعلنة، فضربه وحبسه) (1). وفي موثقة أبي بصير، عن
أحدهما عليهما السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (لا أقطع في الزعارة
المعلنة، وهي الخلسة، ولكن اعزره) (2). وفي معناهما المحتال بالرسائل الكاذبة
وشبهها. ولكن روى الحلبي (3) فيالحسن عن أبي عبد الله عليه السلام: قطع من أخذ
المال بالرسائل الكاذبة، وإن حملته عليه الحاجة. وحملها الشيخ (4) - رحمه الله -
على قطعه لافساده لا لسرقته. مع أن الرواية تضمنت تعليل القطع بكونه سارقا، لانه
قال في آخرها: (قلت: أرأيت إن زعم أنه إنما حمله على ذلك الحاجة؟ فقال: يقطع، لانه
سرق مال الرجل). وأما المبنج ومن سقى [غيره] (5) مرقدا فحكمه كذلك، لانه ليس بسارق
من الحرز ولا محارب، ولكن يعزر لفعله المحرم، ويضمن ما يحصل بسببه من الجناية.
(هامش)
(1) الكافي 7: 226 ح 7، التهذيب 10: 114 ح 450، الوسائل 18: 503 ب (12) من أبواب حد
السرقة ح 4. (2) الكافي 7: 225 ح 1، التهذيب 10: 114 ح 454، الوسائل 18: 502 الباب
المتقدم ح 1. (3) الكافي 7: 227 ح 1، الفقيه 4: 43 ح 144، التهذيب 10: 109 ح 426،
الوسائل 18: 507 ب (15) من أبواب حد السرقة. (4) لم نعثر عليه. (5) من (د). (*)
ص 22
القسم الثاني
من كتاب الحدود

وفيه أبواب:
الباب الاول
في المرتد

وهو: الذي يكفر بعد
الإسلام، وله قسمان: الاول: من ولد على الإسلام. وهذا لا يقبل إسلامه لو رجع،
ويتحتم قتله، وتبين منه زوجته، وتعتد منه عدة الوفاة، وتقسم أمواله بين ورثته، وإن
التحق بدار الحرب، أو اعتصم بما يحول بين الامام و[بين] قتله. ويشترط في الارتداد:
البلوغ، وكمال العقل، والاختيار. فلو أكره، كان نطقه بالكفر لغوا. ولو ادعى
الاكراه، مع وجود الامارة، قبل.
قوله: (في المرتد... إلخ). الردة أفحش أنواع الكفر
وأغلظها حكما، قال الله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت
أعمالهم) (1). وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الاخرة...) (2) الاية. وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يحل دم امر مسلم
إلا بإحدى ثلاث...) (3) الحديث.
(هامش)
(1) البقرة: 217. (2) آل عمران: 85. (3) مسند أحمد 1: 70، سنن أبي ح 2158، سنن
النسائي 7: 92، مستدركالحاكم 4: 350، سنن البيهقي 8: 194، تلخيص الحبير 4: 14 ح
1677. (*)
ص 23
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (من بدل دينه فاقتلوه) (1). والكلام
في الردة يقع في أمرين: أحدهما: ما تحصل به. والثاني: في حكمها إذا حصلت. أما الاول
فلم يتعرض المصنف - رحمه الله - لتفصيله، بل اقتصر عليه إجمالا بقوله: (إن المرتد
هو الذي يكفر بعد الإسلام). وتفصيله يحتاج إلى بسط في الكلام، فطويناه على غيره.
وأما الثاني فالمشهور بين الاصحاب أن الارتداد على قسمين: فطري، وملي. فالاول:
ارتداد من ولد على الإسلام، بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه. وهذا لا يقبل إسلامه لو
رجع إليه، لعموم الادلة السابقة. وصحيحة محمد بن مسلم، عن الباقر عليه السلام: (من
رغب عن الإسلام، وكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله بعد إسلامه، فلا توبة
له، وقد وجب قتله، وبانت منه امرأته، ويقسم ما ترك على ولده) (2). وروى عمار عن
الصادق عليه السلام قال: (كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام، وجحد محمدا نبوته،
وكذبه، فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه،
(هامش)
(1) دعائم الإسلام 2: 480 ح 1717، مسند أحمد 1: 217، صحيح البخاري 4: 75، سنن أبي
داود 4: 126 ح 4351، سنن ابن ماجة 2: 848 ح 2535، سنن الترمذي 4: 48 ح 1458، سنن
النسائي 7: 104، سنن الدارقطني 3: 113 ح 108، سنن البيهقي 8: 195. (2) الكافي 7:
256 ح 1، التهذيب 10: 136 ح 540، الاستبصار 4: 252 ح 956، الوسائل 18: 544 ب (1) من
أبواب حد المرتد ح 2. (*)
ص 24
وامرأته بائنة منه يوم ارتد، فلا تقربه، ويقسم ماله بين ورثته، وتعتد امرأته عدة
المتوفى عنها زوجها، وعلى الامام أن يقتله ولا يستتيبه) (1). وهذا الحكم بحسب
الظاهر لا إشكال فيه، بمعنى تعين قتله. وأما فيما بينه وبين الله تعالى فقبول توبته
هو الوجه، حذرا من تكليف ما لا يطاق لو كان مكلفا بالاسلام، أو خروجه عن التكليف ما
دام حيا كامل العقل، وهو باطل بالاجماع. وحينئذ فلو لم يطلع عليه أحد، أولم يقدر
على قتله، أو تأخر قتله، وتابقبلت توبته فيما بينه وبين الله تعالى، وصحت عباداته
ومعاملاته، ولكن لا يعود ماله وزوجته إليه بذلك. ويجوز له تجديد العقد عليها بعد
العدة، أو فيها على احتمال، كما يجوز للزوج العقد على المعتدة بائنا حيث لا تكون
محرمة مؤبدا، كالمطلقة ثلاثا. والاصحاب حملوا الاخبار المطلقة في ثبوت هذه الاحكام
على المرتد عن فطرة، جمعا بينها وبين ما دل على قبول توبته. مضافا إلى تقييد الحكم
في رواية عمار بارتداد المسلم بين مسلمين. ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه
السلام قال: (سألته عن مسلم تنصر؟ قال: يقتل ولا يستتاب، قلت: فنصراني أسلم ثم ارتد
عن الإسلام، قال: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل) (2). ويظهر من ابن الجنيد (3) أن
الارتداد قسم واحد، وأنه يستتاب، فإن تاب
(هامش)
(1) الكافي 7: 257 ح 11، الفقيه 3: 89 ح 333، التهذيب 10: 136 ح 541، الاستبصار 4:
253 ح 957، الوسائل 18: 545 الباب المتقدم ح 3. (2) الكافي 7: 257 ح 10، التهذيب
10: 138 ح 548، الاستبصار 4: 254 ح 963، الوسائل 18: 545 ب (1) من أبواب حد المرتد
ح 5. (3) لم نعثر عليه. (*)
ص 25
ولا تقتل المرأة بالردة، بل تحبس دائما، وإن كانت مولودة على الفطرة، وتضرب أوقات
الصلوات.
وإلا قتل. وهو مذهب العامة (1) على اختلاف بينهم في مدة إمهاله. وعموم
الادلة (2) المعتبرة يدل عليه. وتخصيص عامها أو تقييد مطلقها برواية عمار لا يخلو
من إشكال. ورواية علي بن جعفر ليست صريحة في التفصيل، إلا أن المشهور بل المذهب هو
التفصيل المذكور. قوله: (ولا تقتل المرأة بالردة... إلخ). إنما تحبس المرتدة دائما
على تقدير امتناعها من التوبة، فلو تابت قبل منها، وإن كان ارتدادها عن فطرة عند
الاصحاب، لصحيحة الحسن بن محبوب، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر وأبي عبد
الله عليهما السلام: (في المرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، والمرأة إذا ارتدت
استتيبت، فإن تابت ورجعت وإلا خلدت السجن، وضيق عليها في حبسها) (3). ورواية (4)
عباد بن صهيب عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: (لا يخلد في السجن إلا ثلاثة، وعد منها المرأة ترتد عن
الإسلام) (5). والمراد: إذا لم تتب.
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 13: 158، بداية المجتهد 2: 459، الكافي للقرطبي 2: 1089 - 1090،
اللباب في شرح الكتاب 4: 148، المغني لابن قدامة 10: 72، تبيين الحقائق 3: 284، شرح
فتح القدير 5: 308، روضة الطالبين 7: 296.(2) انظر الوسائل 18: 547 ب (3) من أبواب
حد المرتد ح 2، 3، 5. (3) الكافي 7: 256 ح 3، التهذيب 10: 137 ح 543، الاستبصار 4:
253 ح 959، الوسائل 18: 550 ب (4) من أبواب حد المرتد ح 6. (4) التهذيب 10: 144 ح
569، الاستبصار 4: 255 ح 967، الوسائل 18: 550 الباب المتقدم ح 4. (5) الفقيه 3: 20
ح 49، التهذيب 10: 144 ح 568، الاستبصار 4: 255 ح 966، الوسائل 18: 550 الباب
المتقدم ح 3. (*)
ص 26
القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثم ارتد فهذا يستتاب، فإن امتنع قتل. واستتابته
واجبة. وكم يستتاب؟ قيل: ثلاثة أيام. وقيل: القدر الذي يمكن معه الرجوع. والاول
مروي. وهو حسن، لما فيه من التأني لازالة عذره. ولا تزول عنه أملاكه، بل تكون باقية
عليه. وينفسخ العقد بينه وبين زوجته، ويقف نكاحها على انقضاء العدة، وهي كعدة
المطلقة. وتقضى من أمواله ديونه، وما عليه من الحقوق الواجبة، ويؤدى منه نفقة
الاقارب ما دام حيا.
وفي صحيحة حماد عن أبي عبد الله عليه السلام: (في المرتدة عن
الإسلام، قال: لا تقتل، وتستخدم خدمة شديدة، وتمنع الشراب والطعام إلا ما يمسك
نفسها، وتلبس خشن الثياب، وتضرب على الصلوات) (1). وليس في هذه الاخبار ما يقتضي
قبول توبتها في الحالين. والخبر الاول كما تضمن قبول توبتها، تضمن قبول توبة المرتد
الذكر، وحمله على الملي يرد مثله فيها. فيمكن حمل الاخبار (2) الدالة على حبسها
دائما من غير تفصيل على الفطرية، بأن يجعل ذلك حدها من غير أن تقبل توبتها، كما لا
تقبل توبته. وفي التحرير (3): لو تابت فالوجه قبول توبتها، وسقوط ذلك عنها، وإن
كانت عن فطرة. وهو يشعر بخلاف في قبول توبتها إذا كانت فطرية، وهو المناسب لحال هذه
النصوص. قوله: (القسم الثاني من أسلم... إلخ).
(هامش)
(1) الفقيه 3: 89 ح 335، التهذيب 10: 143 ح 565، الوسائل 18: 549 الباب المتقدم ح
1. (2) راجع الوسائل 18: 549 ب (4) من أبواب حد المرتد ح 2، 6. (3) تحرير الاحكام
2: 235. (*)
ص 27
القول بعدم تحديده للشيخ في المبسوط (1)، وعليه العمل، لعدم ثبوت تحديده
شرعا.والرواية الدالة على التحديد رواها الشيخ بطريق ضعيف جدا عن مسمع بن عبد
الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: المرتد
تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل يوم
الرابع) (2). والمصنف - رحمه الله - استحسن العمل بها وإن كانت ضعيفة. ولا بأس به،
احتياطا في الدماء، وإزاحة للشبهة العارضة في الحد. واستتابة المرتد عن ملة واجبة
عند الاصحاب، للامر بها في الاخبار (3). ولانه كان متحرما بالاسلام، وربما عرضت له
شبهة، فيسعى في إزالتها. وذهب بعض (4) العامة إلى أنها مستحبة، لقوله صلى الله عليه
وآله: (من بدل دينه فاقتلوه) (5) أمر بالقتل ولم يتعرض للاستتابة، وهو شامل للمرتد.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 282 - 283. (2) الكافي 7: 258 ح 17، التهذيب 10: 138 ح 546،
الاستبصار 4: 254 ح 961، الوسائل 18: 548 ب (3) من أبواب حد المرتد ح 5. (3) راجع
الوسائل 18: 547 ب (3) من أبواب حد المرتد. (4) الحاوي الكبير 13: 159، حلية
العلماء 7: 624، المبسوط للسرخسي 10: 99، المغني لابن قدامة 10: 74، الكافي للقرطبي
2: 1089 - 1090. (5) تقدم ذكر مصادره في ص: 23 هامش (1). (*)
ص 28
وبعد قتله تقضى ديونه، وما عليه من الحقوق الواجبة، دون نفقة الاقارب. ولو قتل أو
مات، كانت تركته لوراثه المسلمين. فإن لم يكن له وارث مسلم، فهو للامام عليه
السلام. وولده بحكم المسلم، فإن بلغ مسلما فلا بحث. وإن اختار الكفر بعد بلوغه،
استتيب، فإن تاب وإلا قتل. ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر، قتل به، سواء قتله قبل
بلوغه أو بعده. ولو ولد بعد الردة، وكانت أمه مسلمة، كان حكمه كالاول.
قوله: (وبعد قتله تقضى ديونه... إلخ). من الحقوق الواجبة نفقة الزوجة الفائتة حال
الحياة، لانها تقضى كالدين، بخلاف نفقة الاقارب، فإنها لا تقضى مع الفوات، بل هي
مجرد مواساة. قوله: (وولده بحكم المسلم... إلخ). أي: ولده قبل الارتداد، سواء كان
المرتد عن ملة أم عن فطرة، وسواء أسلم بعد ذلك أم لا، لانعقاده تابعا لابيه في
الإسلام، فيستصحب حكمه. ثم إن بلغ وأعرب (1) بالاسلام فلا بحث. وإن أظهر الكفر فقد
أطلق المصنف - رحمه الله - وغيره استتابته، فإن تاب وإلا قتل. وهذا لا يوافق
القواعد المتقدمة (2) من أن المنعقد حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة، ولا
تقبل توبته. وما وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا. ولو قيل بأنه يلحقه
(هامش)
(1) في (خ): واعترف. (2) راجع ص: 23. (*)
ص 29
(1) الدروس الشرعية 2: 54.
(2) الفقيه 2: 26 ح 96، الوسائل 11: 96 ب (48) من أبواب جهاد العدو ح 3. (3) الخلاف
5: 360 مسألة (11).(4) المبسوط 7: 286. (*)
ص 30
ويحجر الحاكم على أمواله، لئلا يتصرف فيها بالاتلاف، فإن عاد فهو أحق بها، وإن
التحق بدار الكفر، بقيت على الاحتفاظ، ويباع منها ما يكون له الغبطة في بيعه
كالحيوان.
وعلى الثاني: لا يجوز استرقاقه، لان المرتد لا يسترق وإن شارك الكافر في
أكثر الاحكام. وهو اختيار الشيخ في المبسوط (1) في كتاب قتال أهل الردة. وصرح أيضا
بعدم الفرق بين الدارين. ومال إليه المصنف - رحمه الله - في هذا الكتاب. وعلى هذا
فيلزم عند البلوغ بالاسلام أو القتل. وكذا لا يجوز استرقاقه على الثالث بطريق أولى.
وللشيخ قول ثالث في كتاب قتال أهل الردة من الخلاف (2)، وهو جواز استرقاقه إن كان
في دار الحرب، وعدمه في دار الإسلام، محتجا عليه بإجماعنا وأخبارنا. والاصح عدم
استرقاقه مطلقا. قوله: (ويحجر الحاكم... إلخ). ظاهره توقف الحجر على حكم الحاكم.
وهو أحد الوجهين في المسألة. ووجهه: أن الارتداد أمر اجتهادي، فيناط حكمه بنظر
الحاكم. وقيل: يحصل الحجر بنفس الردة، لانها العلة، فوجودها يستلزم ثبوت المعلول.
وهذا أقوى. وهو اختيار العلامة في القواعد (3)، والشهيد في الدروس (4).
(هامش)
(1) المبسوط 8: 71. (2) الخلاف 5: 501 مسألة (1). (3) قواعد الاحكام 2: 276. (4)
الدروس الشرعية 2: 54. (*)
ص 31
مسائل من هذا الباب: الاولى: إذا تكرر الارتداد، قال الشيخ: يقتل في الرابعة. قال:
وروى أصحابنا: يقتل في الثالثة أيضا. الثانية: الكافر إذا أكره على الإسلام، فإن
كان ممن يقر على دينه، لم يحكم بإسلامه، وإن كان ممن لا يقر حكم به.
قوله: (إذا
تكرر الارتداد... إلخ). الرواية المشار إليها يمكن كونها صحيحة يونس المتقدمة عن
الكاظم عليه السلام: (أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة) (1). والكفر من أعظم
الكبائر.ويمكن كونها رواية جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام: (في رجل رجع عن
الإسلام، قال: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، قيل لجميل: فما تقول لو تاب ثم رجع عن
الإسلام؟ قال: يستتاب، قيل: فما تقول إن تاب ثم رجع ثم تاب ثم رجع؟ فقال: لم اسمع
في هذا شيئا، ولكن عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل بعد ذلك)
(2). والاصح قتله في الثالثة، عملا بعموم الرواية الاولى، وإن كان قتله في الرابعة
أحوط. قوله: (الكافر إذا أكره... إلخ). الفرق أن من يقر على دينه لا يصح إكراهه على
غيره، فيقع المكره عليه لغوا كغيره من أفعاله المكره عليها بغير حق، بخلاف من لا
يقر عليه، فإن إكراهه
(هامش)
(1) الكافي 7: 191 ح 2، الفقيه 4: 51 ح 182، التهذيب 10: 95 ح 369، الاستبصار 4:
212 ح 791، الوسائل 18: 313 ب (5) من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (2) الكافي 7: 256 ح
5، التهذيب 10: 137 ح 544، الاستبصار 4: 253 ح 960، الوسائل 18: 547 ب (3) من أبواب
حد المرتد ح 3. (*)
ص 32
الثالثة: إذا صلى بعد ارتداده، لم يحكم بعوده، سواء فعل ذلك في دار الحرب أو دار
الإسلام.
على الإسلام جائز، فيترتب عليه أثره. ولانه المعهود من فعل النبي صلى الله
عليه وآله وخلفائه من بعده. وفيه بحث تقدم تحقيقه في الطلاق (1). قوله: (إذا صلى
بعد ارتداده... إلخ). إنما لم تكن الصلاة إسلاما لامكان فعلها تقية أو إرأة. وهذا
يتم مع عدم سماع لفظ الشهادتين، أو مع كون الارتداد بإنكار غير الصلاة من فروض
الإسلام. أما مع سماع لفظهما، وكون المطلوب من إسلامه ذلك، فالمشهور أن الامر فيه
كذلك، لان الصلاة لم توضع دليلا على الإسلام، ولا توبةللمرتد، وإنما وضعت الشهادتان
دلالة عليه مستقلتين لا جزا من غيرهما. وفيه نظر. ونبه بالتسوية بين الصلاة في دار
الحرب ودار الإسلام على خلاف بعض (2) العامة، حيث فرق بينهما، فأوجب الحكم بإسلامه
إذا صلى في دار الحرب، لانها لا تكون إلا عن اعتقاد صحيح، بخلاف صلاته في دار
الإسلام، فإنها تحتمل التقية والارأة. وفي القواعد (3) استشكل الحكم بعدم دلالة
صلاته في دار الحرب على الإسلام، نظرا إلى ما ذكرناه من ارتفاع التهمة. وفي المبسوط
(4) بعد أن حكى القول عن العامة قال: (ويقوى في نفسي أنه
(هامش)
(1) في ج 9: 18 - 23. (2) الحاوي الكبير 13: 182، المغني لابن قدامة 10: 95، روضة
الطالبين 7: 294. (3) قواعد الاحكام 2: 275. (4) المبسوط 7: 290. (*)
ص 33
الرابعة: قال الشيخ - رحمه الله - في المبسوط: السكران يحكم بإسلامه وارتداده. وهذا
يشكل مع اليقين بزوال تمييزه، وقد رجع في الخلاف. الخامسة: كل ما يتلفه المرتد على
المسلم يضمنه، في دار الحرب أو دار الإسلام، حالة الحرب وبعد انقضائها. وليس كذلك
الحربي. وربما خطر اللزوم في الموضعين، لتساويهما في سبب الغرم.
لا يحكم له
بالاسلام بالصلاة في الموضعين). ولا فرق في ذلك بين الكافر الاصلي والمرتد. قوله:
(قال الشيخ في المبسوط: السكران... إلخ). وجه ما اختاره في المبسوط (1) من لحوق حكم
الارتداد للسكران التحاقه بالصاحي فيما عليه، كقضاء العبادات، وهذا مما عليه. وادعى
في المبسوط (2) أنه قضية المذهب. ويضعف بأن العقل شرط التكليف. ووجوب القضاء بأمر
جديد، لا من حيث الفوات حال السكر. والحق ما اختاره في الخلاف (3) من عدم الحكم
بارتداده حينئذ، لعدم القصد. وأولى منه عدم الحكم بإسلامه حال السكر إذا كان كافرا
قبله، لان ذلك مما له لا مما عليه. وأما الغالط والساهي والغافل والنائم فلا حكم
لردته ولا إسلامه إجماعا. وتقبل دعوى ذلك كله. وكذا تقبل دعوى الاكراه مع القرينة
كالاسر. قوله: (كل ما يتلفه المرتد... إلخ).
(هامش)
(1 و2) المبسوط 8: 74. (3) الخلاف 5: 504 مسألة (5). (*)
ص 34
لا فرق في المرتد هنا بين الملي والفطري، وإن كانت الفائدة إنما تظهر في الملي
ليغرم من ماله، وإلا فالفطري لا مال له. وإنما تظهر فائدة ضمانه في الاخرة إن لم
تقبل توبته. ووجه ضمانه ما أتلفه على المسلم مطلقا: أن له ذمة، والاتلاف سبب
الضمان. ونبه بالتسوية بين حالة الحرب وبعدها على خلاف بعض (1) العامة، حيث نفى
ضمانه لما أتلفه في حالة الحرب كالحربي. وأما الحربي فأطلق الشيخ (2) عدم ضمانه وإن
أسلم، لقوله صلى الله عليه وآله: (الإسلام يجب ما قبله) (3). وقيل: يضمن مطلقا،
لانه أتلف مالا معصوما ظلما فيضمن، لان الكفار مخاطبون بفروع الإسلام. وهو اختيار
العلامة (4). واختار ولده (5) التفصيل، فأسقط عنه ضمان ما أتلفه في حال الحرب مع
إسلامه، نفسا كان المتلف أم مالا، إذا لم تكن العين موجودة، وضمنه في غير الحرب
مطلقا، سواء كان ذلك في دار الحرب أم دار الإسلام. والاوسط لا يخلو من قوة، كما أن
التفصيل لا يخلو من تحكم.
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 13: 106، تبيين الحقائق 3: 296، بدائع الصنائع 7: 141، المغني
لابن قدامة 10: 58، المبسوط للسرخسي 10: 127 - 128، حلية العلماء 7: 619، المحلى
11: 105، روضة الطالبين 7: 275. (2) المبسوط 7: 267. (3) مسند أحمد 4: 204، عوالي
اللئالي 2: 54 ح 145. (4) قواعد الاحكام 2: 277، تحرير الاحكام 2: 236. (5) إيضاح
الفوائد 4: 555. (*)
ص 35
السادسة: إذا جن بعد ردته لم يقتل، لان قتله مشروط بالامتناع عن التوبة، ولا حكم
لامتناع المجنون. السابعة: إذا تزوج المرتد لم يصح، سواء تزوج بمسلمة أو كافرة،
لتحرمه بالاسلام المانع من التمسك بعقد الكافرة، واتصافه بالكفر المانع من نكاح
المسلمة. الثامنة: لو زوج بنته المسلمة لم يصح، لقصور ولايته عن التسلط على المسلم.
ولو زوج أمته، ففي صحة نكاحها تردد، أشبهه الجواز.
قوله: (إذا جن بعد ردته...
إلخ).هذا التعليل مختص بالمرتد عن ملة. فلو كان ارتداده عن فطرة لم يمنع جنونه من
القتل حالته، لان المطلوب إتلافه على كل حال. قوله: (إذا تزوج المرتد لم يصح...
إلخ). هذا التعليل إنما يتم في نكاح الكافرة التي لا تباح للمسلم، كالوثنية. أما
الكتابية على القول بجوازها للمسلم مطلقا أو متعة، فإنه لا يقتضي منعه منها، لان
الإسلام لا يمنع من التمسك بعقدها على هذا الوجه، فأولى أن لا يمنع ما دونه. وفي
الدروس (1) علل المنع من نكاحه بأنه لا يقر على دينه. وهو شامل للامرين. وعلله أيضا
بأنه دون المسلمة وفوق الكافرة. وهو مناسب لما ذكره المصنف من التعليل، ويرد عليه
ما يرد عليه. قوله: (لو زوج بنته المسلمة لم يصح... إلخ). أما انتفاء ولايته على
ابنته فلانه محجور عليه في نفسه، فلا يكون وليا
(هامش)
(1) الدروس الشرعية 2: 55. (*)
ص 36
التاسعة: كلمة الإسلام أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وإن
قال مع ذلك: وأبراء من كل دين غير الإسلام، كان تأكيدا. ويكفي الاقتصار على الاول.
ولو كان مقرا بالله سبحانه وبالنبي عليه السلام، جاحدا عموم نبوته أو وجوده، احتاج
إلى زيادة تدل على رجوعه عما جحده.
لغيره. ولانه بكفره لا يصلح وليا على المسلم،
لانه سبيل (1) له عليها (2)، وهو منفي بالاية (3). وأما ولايته على أمته ففي زوالها
قولان: نعم، لما ذكر في ولايته على البنت. و: لا، لقوة الولاية المالكية، ومن ثم
يملك الكافر المسلم وإن أجبر على بيعه، ويتوقف صحة البيع على اختياره، بمعنى أنه لو
اختار مشتريا واختار الحاكم غيره قدم مختاره، وهذا نوع ولاية. ولاصالة بقائها في
موضع الشك. وهذا هو الذي اختاره المصنف رحمه الله. واختلف كلام العلامة، ففي
التحرير (4) استقرب بقاء ولايته عليها. وفي القواعد (5) جزم بزوالها. وكذلك الشهيد
في الدروس (6). وهو الاقوى، لثبوت الحجر المانع منها مطلقا. قوله: (كلمة الإسلام...
إلخ).
(هامش)
(1) في (ت، خ، ط): لا سبيل. (2) كذا في (ث، خ)، وفي سائر النسخ: عليه.(3) النساء:
141. (4) تحرير الاحكام 2: 236. (5) قواعد الاحكام 2: 276. (6) الدروس الشرعية 2:
55. (*)
ص 37
لما بين أن من أقسام المرتد ما تقبل فيه التوبة أشار هنا إلى ما تحصل به، وهي
الشهادتان إن كان كفره بجحدهما، بأن صار وثنيا. ولو كان كفره بجحد أحدهما خاصة، بأن
كان مقرا بالوحدانية غير أنه ينكر الرسالة، كفى قوله: إن محمدا رسول الله. وإن كان
من الذين يقولون: إن محمدا مبعوث إلى العرب خاصة، أو يقول: إن النبي محمدا صلى الله
عليه وآله لم يبعث بعد، لم يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله إلى كافة الخلق،
وإنه هو المبعوث في وقت كذا بمكة إلى الكافة، ونحو ذلك. ولا يشترط البرأة من كل دين
خالف الإسلام، لان الاقرار بما يقتضي الإسلام يوجب ذلك. ولو أضافه كان آكد. وقد
تقدم (1) البحث فيه في باب الكفارات. وإن كان كفره بجحد فريضة أو تحليل محرم، لم
يكف في إسلامه الشهادتان حتى يرجع عما اعتقده، ويعتقد وجوب الفريضة وتحريم المحرم،
ونحوه. وحيث يتوقف الإسلام على الشهادتين لا ينحصر في اللفظ المعهود، بل لو قال: لا
إله سوى الله أو غير الله أو ما عدا الله، فهو كقوله: لا إله إلا الله. وكذا قوله:
أحمد رسول الله صلى الله عليه وآله، كقوله: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. ولو
اقتصر المعطل على قوله: إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، احتمل قويا
الاكتفاء به، لانه أثبت الرسول والمرسل معا في جملة واحدة. تتمة فيها مسائل
(هامش)
(1) في ج 10: 40 - 41. (*)
ص 38
الاولى: الذمي إذا نقض العهد، ولحق بدار الحرب، فأمان أمواله باق. فإن مات، ورثه
وارثه الذمي والحربي. وإذا انتقل الميراث إلى الحربي، زال الامان عنه. وأما الاولاد
الاصاغر، فهم باقون على الذمة. ومع بلوغهم، يخيرون بين عقد الذمة لهم بأداء الجزية،
وبين الانصراف إلى مأمنهم.
قوله: (الذمي إذا نقض العهد... إلخ). هذا الحكم ذكره
المصنف وغيره من الاصحاب، وكأنه موضع وفاق. وإنما كان أمان ماله باقيا، مع أنه تابع
له في الحل والحرمة، حيث عقد الامان لكل منهما على حدته، ولم يحصل في المال ما يوجب
نقض العهد، بل فيه نفسه. ثم مع موته أو قتله ينتقل إلى وارثه، فإن كان ماله محترما
كالمسلم والذميتبعه. وإن كان حربيا زال الامان عنه بحكم الملك لمن لا حرمة له. ثم
إن مات الناقض للعهد أو قتل بغير حرب فماله المنتقل إلى الحربي للامام، لانه لم
يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فيكون من جملة الفي المختص به. وإن قتل في الحرب فالحكم
كذلك عند الشيخ (1) والاكثر. وقال ابن الجنيد (2): يكون ماله للمقاتلة، لانه من
جملة مغنوماته. وهو ممنوع. والقول في ولده الاصاغر الذين في دار الإسلام كالمال، في
بقاء الذمام
(هامش)
(1) المبسوط 2: 15 - 16. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف (الطبعة الحديثة) 4: 400.
(*)
ص 39
الثانية: إذا قتل المرتد مسلما عمدا، فللولي قتله قودا، ويسقط قتل الردة. ولو عفا
الولي، قتل بالردة. ولو قتل خطاء، كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة، لانه لا عاقلة
له على تردد. ولو قتل أو مات حلت كما تحل الاموال المؤجلة.
لهم. فإذا بلغوا جدد
معهم حكم الكافر المكلف، فإن التزموا بالذمة، وإلا ردوا إلى مأمنهم، لاستقرارهم في
دار الإسلام بالامان الواقع من مورثهم. قوله: (إذا قتل المرتد مسلما... إلخ). إطلاق
المرتد في الحكم المذكور يشمل الملي والفطري. والحكم على قتله عمدا يتم فيهما، لان
قتله على تقدير فطريته متعين للردة، وهو حق لله تعالى، فإذا استحق القتل قصاصا قدم
حق الادمي. وكذا على تقدير كونه مليا وقد امتنع من التوبة. وأما ثبوت الدية في ماله
فيتم في الملي، لان ماله لا ينتقل عنه إلى أن يقتل، فتقدم الدية على الوارث (1)،
كغيرها من الديون اللازمة له. وأما في الفطري فيشكل، من حيث انتقال ماله عنه بمجرد
الردة، وعدم قبوله للتملك بعد ذلك. وفي القواعد (2) صرح بكون الحكم في الفطري. وهو
أقوى إشكالا. وفرض بعضهم له المال المتجدد، بكونه قد نصب شبكة قبل الردة فأمسكت
بعدها. ويمكن فرضه على القول بملكه لما يكتسبه حالتها، فإن فيه خلافا. ومعنى كون
الدية في ماله مخففة في السن والاستيفاء، كما يأتي (3) بيانه في بابه.
(هامش)
(1) في (د): الارث (2) قواعد الاحكام 2: 275.(3) في ص: 319. (*)
ص 40
الثالثة: إذا تاب المرتد، فقتله من يعتقد بقأه على الردة، قال الشيخ: يثبت القود،
لتحقق قتل المسلم ظلما، ولان الظاهر أنه لا يطلق الارتداد بعد توبته. وفي القصاص
تردد، لعدم القصد إلى قتل المسلم.
والتردد المذكور في ثبوت الدية في ماله دون
عاقلته، من حيث إنه كافر فلا يعقله المسلم، ومن تحرمه بالاسلام، وعدم زوال أثره عنه
بالكلية، وأن ميراثه لهم فيكون العقل عليهم. وعلى القول بثبوتها عليه مؤجلة فلا
إشكال في حلولها بموته، كغيرها من الديون المؤجلة. قوله: (إذا تاب المرتد فقتله...
إلخ). وجه ما اختاره الشيخ (1) من ثبوت القود عموم الادلة (2) الدالة على أن قتل
المسلم ظلما يوجبه، كقوله تعالى: (كتب عليكم القصاص) (3) و(النفس بالنفس) (4).
وقوله عليه السلام: (من قتل مؤمنا متعمدا قيد به) (5). وهو متحقق في صورة النزاع.
ولان الظاهر من حاله أنه لا يطلق إذا قبضه السلطان إلا بعد إسلامه، وإلا لقتله،
فكان القصد إلى قتل المكافئ متحققا. ووجه العدم: عدم القصد إلى قتله على الحالة
المحرمة، وإن قصد مطلق القتل. وأن القصاص حد، لتحقق معناه فيه، والظن شبهة، فيدرأ
بها. وهذا أقوى. وحينئذ فتجب الدية في ماله مغلظة، لانه شبيه عمد.
(هامش)
(1) المبسوط 8: 72، الخلاف 5: 503 مسألة (3). (2) الوسائل 19: 37 ب (19) من أبواب
قصاص النفس. (3) البقرة: 178. (4) المائدة: 45.(5) التهذيب 10: 159 ح 638،
الاستبصار 4: 261 ح 980، الوسائل 19: 37 ب (19) من أبواب قصاص النفس ح 3. (*)
ص 41
الباب الثاني
في إتيان البهائم ووطي الاموات وما يتبعه

إذا وطئ البالغ العاقل، بهيمة مأكولة
اللحم، كالشاة والبقرة، تعلق بوطئها أحكام تعزير الواطئ، وإغرامه ثمنها إن لم تكن
له، وتحريم الموطؤة، ووجوب ذبحها وإحراقها. أما التعزير فتقديره إلى الامام. وفي
رواية: يضرب خمسة وعشرين سوطا. وفي أخرى: يقتل. والمشهور: الاول. وأما التحريم:
فيتناول لحمها ولبنها ونسلها، تبعا لتحريمها. والذبح إما تلقيا، أو لما لا يؤمن من
شياع نسلها وتعذر اجتنابه. وإحراقها لئلا تشتبه بعد ذبحها بالمحللة. وإن كان الامر
الاهم فيها ظهرها لا لحمها، كالخيل والبغال والحمير، لم تذبح، وأغرم الواطئ ثمنها
لصاحبها. وأخرجت من بلد الواقعة، وبيعت في غيره، إما عبادة، لا لعلة مفهومة لنا، أو
لئلا يعير بها صاحبها.
قوله: (في إتيان البهائم ووطي الاموات... إلخ). تقييد الحكم
بوطي البالغ العاقل يدل على أن وطي الصبي والمجنون لا يوجب ذلك. وهو ظاهر في ثبوت
المجموع، لان من جملته التعزير أو الحد، وهما منتفيان عنهما، وإن ثبت عليهما
التأديب، وقد يطلق عليه التعزير أيضا. وإنما خص الحكم بالمكلف لانه في النصوص (1)
معلق على الرجل، وهو
(هامش)
(1) الوسائل 18: 570 ب (1) من أبواب نكاح البهائم. (*)
ص 42
يقتضي البلوغ. ويبقى الحكم في اعتبار العقل مستفادا من وجوب الحد أو التعزير كما
ذكرناه، ولرفع القلم عنه، فلا يترتب على فعله أثر. لكن قد تقدم (1) أن التحريم
متعلق بوطي الانسان، الشامل للصغير والكبير والعاقل والمجنون. والمستند أيضا عام،
وهو قول الصادق عليه السلام: (إن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن البهيمة تنكح؟
قال: حرام لحمها ولبنها) (2). ويترتب على تحريمها وجوب إتلافها لئلا تشتبه، كما هو
الحكمة (3) فيه. إذا تقرر ذلك، فالواجب عليه من التعزير موكول إلى نظر الحاكم،
كغيره من التعزيرات التي لا تقدير لها شرعا. هذا هو المشهور بين الاصحاب. ويدل
عليهرواية الفضيل وربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل يقع على
البهيمة، قال: ليس عليه حد، ولكن يضرب تعزيرا) (4). والرواية بتقديره بخمسة وعشرين
سوطا رواها عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام، وإسحاق بن
عمار في الموثق عن الكاظم عليه السلام، والحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام: (في
الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعا: إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أحرقت
بالنار، ولم ينتفع بها، وضرب هو خمسة وعشرين سوطا ربع حد
(هامش)
(1) في ج 12: 30 - 31. (2) الكافي 6: 259 ح 1، التهذيب 9: 47 ح 196، الوسائل 16:
359 ب (30) من كتاب الاطعمة والاشربة ح 3. (3) في (خ، د، ط، م): الحكم. (4) التهذيب
10: 61 ح 222، الاستبصار 4: 223 ح 835، الوسائل 18: 571 ب (1) من أبواب نكاح
البهائم ح 5. (*)
ص 43
الزاني، وإن لم تكن البهيمة له قومت وأخذ ثمنها منه ودفع إلى صاحبها، وذبحت وأحرقت
بالنار ولم ينتفع بها، وضرب خمسة وعشرين سوطا. فقلت: وما ذنب البهيمة؟ قال: لا ذنب
لها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله فعل هذا وأمر به، لكيلا يجتري الناس
بالبهائم وينقطع النسل) (1). والرواية بثبوت الحد كملا رواها أبو بصير في الصحيح عن
أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل أتى بهيمة فأولج، قال: عليه الحد) (2). وفي
رواية أخرى له صحيحة عنه عليه السلام في الذي يأتي البهيمة: (قال: عليه حد الزاني)
(3). ومثله روي عن أبي جعفر (4) عليه السلام. والرواية بالقتل رواها جميل بن دراج
في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل أتى بهيمة، قال: يقتل) (5). والشيخ
- رحمه الله - في كتابي (6) الاخبار جمع بين الاخبار بأمرين: أحدهما: أن ما كان دون
الايلاج فيه التعزير، ومع الايلاج حد الزاني. والثاني: أن يكون القتل محمولا على من
تكرر منه الفعل وأقيم عليه الحد،
(هامش)
(1) الكافي 7: 204 ح 3، التهذيب 10: 60 ح 218، الاستبصار 4: 222 ح 831،الوسائل 18:
570 ب (1) من أبواب نكاح البهائم ح 1. (2) الكافي 7: 204 ح 4، التهذيب 10: 61 ح
224، الاستبصار 4: 224 ح 837، الوسائل 18: 572 الباب المتقدم ح 8. (3) التهذيب 10:
61 ح 225، الاستبصار 4: 224 ح 838، الوسائل 18: 572 الباب المتقدم ذيل ح 8. (4)
التهذيب 10: 62 ح 227، الاستبصار 4: 224 ح 840، الوسائل 18: 572 الباب المتقدم ح 9.
(5) التهذيب 10: 61 ح 223، الاستبصار 4: 224 ح 836، الوسائل 18: 572 الباب المتقدم
ح 6. (6) التهذيب 10: 62 ذيل ح 227، الاستبصار 4: 224 ذيل ح 840. (*)
ص 44
وما الذي يصنع بثمنها؟ قال بعض الاصحاب: يتصدق به. ولم أعرف المستند. وقال آخرون:
يعاد على المغترم، وإن كان الواطئ هو المالك دفع إليه. وهو أشبه.
فيقتل في الثالثة
أو الرابعة، كما تقدم (1) في أصحاب الكبائر، وهذا منهم. قوله: (وما الذي يصنع
بثمنها؟... إلخ). القول بوجوب الصدقة به للمفيد (2) رحمه الله. ولا سند له من النص.
وعلل بأنه عقوبة على الجناية، فلا يناسبها عوده إلى المالك. والتعليل بذلك ممنوع،
بل الظاهر من النصوص (3) خلافه، وأن بيعها في غير البلد كيلا تعرف فلا يعير بها
الفاعل، والعقوبة تحصل بالحد أو التعزير. والاظهر عوده إلى الغارم أو المالك،
لاصالة بقاء الملك على مالكه، والبرأة من وجوب الصدقة. ثم على تقدير كون الدابة
لغير الفاعل، وكان الثمن الذي بيعت به بقدر ما غرمه للمالك أو أنقص، فلا شي له
سواه. وإن كان أزيد ففي كون الزائد للغارم، نظرا إلى كون المدفوع منه وقع على وجه
المعاوضة وإن كانت قهرية، أو للمالك،التفاتا إلى أن ذلك لمكان الحيلولة لا معاوضة
حقيقة، أو الصدقة به، أوجه أجودها الاول.
(هامش)
(1) في ج 14: 371، 410، 448، 465. (2) المقنعة: 790. (3) الكافي 7: 204 ح 1، الفقيه
4: 33 ح 99، التهذيب 10: 61 ح 220، الاستبصار 4: 223 ح 833، الوسائل 18: 571 ب (1)
من أبواب نكاح البهائم ح 4. (*)
ص 45
ويثبت هذا: بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء، انفردن أو انضممن،
وبالاقرار ولو مرة إن كانت الدابة له، وإلا ثبت التعزير حسب، وإن تكرر الاقرار.
وقيل: لا يثبت إلا بالاقرار مرتين. وهو غلط. ولو تكرر مع تخلل التعزير ثلاثا، قتل
في الرابعة. ووطي الميتة من بنات آدم، كوطي الحية في تعلق الاثم والحد، واعتبار
الاحصان وعدمه. وهنا الجناية أفحش، فتغلظ العقوبة زيادة
قوله: (ويثبت هذا بشهادة
رجلين عدلين... إلخ). القول بتوقف ثبوت الحد أو التعزير على الاقرار مرتين ظاهر ابن
إدريس (1)، إلحاقا له بنظائره من الحدود المتوقفة على الاقرار مرتين. والمصنف -
رحمه الله - غلطه في ذلك، من حيث إن الاصل في الاقرار أن يثبت موجبه بالمرة، لعموم:
(إقرار العقلا على أنفسهم جائز) (2) إلا ما خرج بنص خاص، وهو منفي هنا. وحيث يثبت
بالاقرار مرة أو أزيد لا يثبت به إلا ما يتعلق بالمقر، وهوالتعزير. أما التحريم
والبيع على المالك فلا يثبت بالاقرار مرة، لانه متعلق بحق الغير. نعم، لو كانت
الدابة للمقر يثبت بالاقرار جميع الاحكام المذكورة، لوجود المقتضي للنفوذ، وهو كونه
إقرارا في حق نفسه. قوله: (ولو تكرر مع تخلل التعزير... إلخ).
(هامش)
(1) السرائر 3: 470. (2) راجع الوسائل 16: 111 ب (2) من كتاب الاقرار ح 2، المستدرك
16: 31 ب (2) من كتاب الاقرار ح 1، عوالي اللئالي 3: 442 ح 5. وراجع أيضا المختلف:
443، التذكرة 2: 79، إيضاح الفوائد 2: 428، جامع المقاصد 5: 233، فهناك بحث في كون
هذه الجملة رواية. (*)
ص 46
عن الحد، بما يراه الامام. ولو كانت زوجته، اقتصر في التأديب على التعزير، وسقط
الحد بالشبهة. وفي عدد الحجة على ثبوته خلاف. قال بعض الاصحاب: يثبت بشاهدين، لانه
شهادة على فعل واحد، بخلاف الزنا بالحية. وقال بعض [الاصحاب]: لا يثبت إلا بأربعة،
لانه زنا، ولان شهادة الواحد قذف، فلا يندفع الحد إلا بتكملة الاربعة. وهو أشبه.
أما الاقرار فتابع للشهادة، فمن اعتبر في الشهود أربعة، اعتبر في الاقرار مثله، ومن
اقتصر على شاهدين، قال في الاقرار كذلك.
بناء على قتل الزاني وغيره في الرابعة.
وعلى القول بقتله في الثالثة يقتل هنا فيها أيضا. وقد تقدم (1) الكلام فيه
مرارا.قوله: (وفي عدد الحجة على ثبوته... إلخ). القائل بالاكتفاء بشاهدين في الزنا
بالميتة الشيخان (2) رحمهما الله، ويتبعه الاقرار مرتين، فارقين بينه وبين الزنا
بالحي بما أشار إليه المصنف من الفرق، بأنها شهادة على واحد، بخلاف الشهادة على
الحي، فإنها شهادة على اثنين. وقيل (3): تعتبر الاربعة، لانه زنا في الجملة،
فيتناوله عموم الادلة (4) الدالة على توقف ثبوت الزنا على الاربعة. والوارد في
النصوص (5) اعتبار الاربعة فيه
(هامش)
(1) في ج 14: 371، 410، 448، 465. (2) المقنعة: 790، النهاية: 708. (3) السرائر 3:
468. (4 و5) الوسائل 18: 371 ب (12) من أبواب حد الزنا. (*)
ص 47
مسألتان:
الاولى: من لاط بميت، كان كمن لاط بالحي، ويعزر تغليظا.
من غير تعليل، بل
في بعضها ما ينافي تعليله بذلك، كما أشرنا إليه سابقا (1). ولانتقاضه بالزنا
الاكراهي وبالمجنونة، فإنه شهادة على واحد، بمعنى إثبات الحد عليه خاصة كالزاني
بالميتة، مع اشتراطه بالاربعة. وهذا أيضا لا يوافق التعليل. وأما تعليله اعتبار
الاربعة بأن شهادة الواحد قذف، وهو يوجب الحد إلى أن يأتي بأربعة شهداء، كما دلت
عليه الاية (2). ففيه: منع كون شهادة الشاهد [الواحد] (3) بالزنا قذفا مطلقا، بل مع
عدمكمال العدد المعتبر، والعدد محل النزاع. ودفع حد القذف بالاتيان بالاربعة في
الاية (4) ورد في قذف الزوج للحية، فلا يلزم مثله في غيرها. وأما الخلاف في اعتبار
الاقرار أربعا أو الاكتفاء بمرتين، فمترتب على الخلاف في عدد الشهود، فمن قال
باعتبار الاربعة اعتبر الاقرار أربعا، نظرا إلى عموم الادلة (5)، ومن اكتفى باثنين
اكتفى بالاقرار مرتين، نظرا إلى توقف الحدود على المرتين في غير ما وقع النص على
خلافه، كما عهد (6) غير مرة. قوله: (من لاط بميت... إلخ). وذلك لانه لواط في الجملة
فيتناوله أدلته وأحكامه، مع زيادة فحشه
(هامش)
(1) راجع ج 14: 246. (2) النور: 4. (3) من (أ). (4) النور: 13. (5) الوسائل 18: 377
ب (16) من أبواب حد الزنا. (6) راجع ج 14: 462 و513. (*)
ص 48
الثانية: من استمنى بيده عزر، وتقديره منوط بنظر الامام. وفي رواية: أن عليا عليه
السلام ضرب يده حتى احمرت، وزوجه من بيت المال. وهو تدبير استصلحه، لا أنه من
اللوازم.
وتحريمه بالموت، فيزاد في الحد - حيث لا يكون المطلوب قتله - بما يراه
الحاكم. وقول المصنف - رحمه الله -: (ويعزر تغليظا) يشمل ما إذا أريد قتله،فيقدم
عليه التعزير كما يقدم الجلد على الرجم. قوله: (من استمنى بيده... إلخ). الاستمناء
باليد وغيرها من أعضاء المستمني وغيره - عدا الزوجة والامة - محرم تحريما مؤكدا.
قال الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) (1) إلى قوله: (فمن
ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (2). وهذا الفعل مما وراء ذلك. وعن النبي صلى
الله عليه وآله (لعن الناكح كفه) (3). ومقتضى التحريم حيث لا نص على تحديد العقوبة
أن يرجع فيها إلى نظر الحاكم. والرواية التي أشار إليها المصنف - رحمه الله - رواها
طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل
عبث بذكره، فضرب يده حتى احمرت، ثم زوجه من بيت المال) (4). وقريب منها رواية (5)
(هامش)
(1، 2) المؤمنون: 5 - 7. (3) عوالي اللئالي 1: 260 ح 38. (4) الكافي 7: 265 ح 25،
التهذيب 10: 63 ح 232، الاستبصار 4: 226 ح 445، الوسائل 18: 574 ب (3) من أبواب
نكاح البهائم ح 1. (5) التهذيب 10: 64 ح 233، الاستبصار 4: 226 ح 846، الوسائل 18:
575 الباب المتقدم ح 2. (*)
ص 49
ويثبت: بشهادة عدلين، أو الاقرار ولو مرة. وقيل: لا يثبت بالمرة. وهو وهم.
الباب
الثالث
في الدفاع

للانسان أن يدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع. ويجب اعتماد
الاسهل. فلو اندفع الخصم بالصياح، اقتصر عليه، إن كان في موضع يلحقه المنجد. وإن لم
يندفع عول على اليد، فإن لم تغن فبالعصا، فإن لم تكف فبالسلاح. ويذهب دم المدفوع
هدرا، جرحا كان أو قتلا. ويستوي في ذلك الحر والعبد.
زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام. وهما مع ضعف السند محمولتان على أنه عليه السلام رأى ذلك صلاحا، لا أنه أمر
متعين لغيره، لعدم وجود ما يدل على التعيين. قوله: (ويثبت بشهادة عدلين... إلخ).
القائل بعدم ثبوته بالمرة ابن إدريس (1) في ظاهر كلامه، حيث أطلق ثبوته بالاقرار
مرتين، ومن ثم لم يكن صريحا في ذلك. لكن المصنف - رحمه الله - بنى على ما ظهر من
مفهوم كلامه ونسبه إلى الوهم، لعدم وجود ما يدل على اعتبار التعدد، مع عموم قوله
صلى الله عليه وآله: (إقرار العقلا على أنفسهم جائز) الصادق بالمرة. قوله: (للانسان
أن يدفع عن نفسه... إلخ).
(هامش)
(1) السرائر 3: 471. (*)
ص 50
ولو قتل الدافع، كان كالشهيد. ولا يبدؤه ما لم يتحقق قصده إليه.
لا إشكال في أصل
الجواز مع القدرة وعدم لحوق ضرر. وقد روي عن علي عليه السلام أنه أتاه رجل فقال:
(يا أمير المؤمنين إن لصا دخل على امرأتي فسرق حليها، فقال علي عليه السلام: أما
إنه لو دخل على ابن صفية ما رضي بذلك حتى عممه بالسيف) (1). وعن الباقر عليه
السلام: (إن الله ليمقت العبد يدخل عليه في بيته فلا يقاتل) (2). وعن الصادق عليه
السلام عن أبيه أنه قال: (إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فابدره بالضربة إن
استطعت، فإن اللص محارب لله ولرسوله، فما تبعك منه شي فهو علي) (3). والاقوى وجوب
الدفع عن النفس والحريم مع الامكان، ولا يجوز الاستسلام. فإن عجز ورجا السلامة
بالكف أو الهرب وجب. أما المدافعة عن المال، فإن كان مضطرا إليه وغلب على ظنه
السلامة وجب، وإلا فلا. قوله: (ولو قتل الدافع... إلخ). إنما جعله كالشهيد ولم
يجعله شهيدا مطلقا، لان أحكام الشهيد من ترك
(هامش)
(1) التهذيب 6: 157 ح 278، الكافي 5: 51 ح 3، الوسائل 11: 91 ب (46) من أبوابجهاد
العدو ح 1. (2) الكافي 5: 51 ح 2 وفيه: عن أبي عبد الله عليه السلام، التهذيب 6:
157 ح 280، الوسائل 11: 91 الباب المتقدم ح 2. (3) التهذيب 6: 157 ح 279، الوسائل
11: 91 الباب المتقدم ح 3. (*)