ص 143
اقتصر على نقل قتله حينئذ قولا المشعر بضعفه. وكذلك العلامة في القواعد (1)،
والشهيد في اللمعة (2). وصرح باختياره الفخر (3) في شرحه. فضعف قول الشهيد في الشرح
(4) بأن القول بذلك إجماعي، وأنه لم يخالف فيه سوى ابن إدريس. كما ضعف دعوى ابن
إدريس الاجماع على عدم قتل المسلم بالكافر، فإنه إن أراد ما يعم موضع النزاع
فالاجماع ظاهر المنع، وإن أراد به في الجملة لم يستفد به فائدة. ومستند القول بقتل
المعتاد روايات كثيرة. منها: رواية إسماعيل بن الفضل قال: (سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى من قتلهم شي إذا غشوا
المسلمين واظهروا العداوة لهم والغش؟ قال: لا إلا أن يكون متعودا لقتلهم. قال:
وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا إلا أن يكون
معتادا لذلك لا يدع قتلهم، فيقتل وهو صاغر) (5).ورواية إسماعيل بن الفضل أيضا عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت: رجل قتل رجلا من أهل الذمة، قال: لا يقتل به
إلا أن يكون متعودا للقتل) (6).
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 290. (2) اللمعة الدمشقية: 176. (3) إيضاح الفوائد 4: 594.
(4) غاية المراد: 368. (5) الكافي 7: 309 ح 4، الفقيه 4: 92 ح 301، التهذيب 10: 189
ح 744، الاستبصار 4: 271 ح 1026، الوسائل 19: 79 ب (47) من أبواب القصاص في النفس ح
1. (6) التهذيب 10: 190 ح 745، الاستبصار 4: 272 ح 1027، الوسائل 19: 80 الباب
المتقدم ح 7. (*)
ص 144
ولو قتل الذمي مسلما عمدا، دفع هو وماله إلى أولياء المقتول، وهم مخيرون بين قتله
واسترقاقه. وفي استرقاق ولده الصغار تردد، أشبهه بقاؤهم على الحرية. ولو أسلم قبل
الاسترقاق، لم يكن لهم إلا قتله، كما لو قتل وهو مسلم. ولو قتل الكافر كافرا وأسلم
القاتل، لم يقتل به، والزم الدية إن كان المقتول ذا دية.
وصحيحة محمد بن (1) الفضيل
عن الرضا عليه السلام مثله. وليس في هذه الاخبار ما يدل على قتله قصاصا أو حدا،
فالقولان مستنبطان من الاعتبار. ويتفرع عليهما ما لو عفا ولي الدم، فيسقط القتل على
الاول دون الثاني، كما يتوقف على طلب وليه كذلك. وهل المعتبر طلب جميع الاولياء أو
ولي الاخير؟ وجهان. وكذا الاشكال في رد الفاضل من ديته، هل هو عن ديات الجميع أو
الاخير؟ ولما لم يكن للحكم بذلك مرجع صالح فللتوقف وجه. والمرجع في الاعتياد إلى
العرف، وربما تحقق بمرتين، لانه مأخوذ من العود، فيقتل فيها أوفي الثالثة. وهو
أولى. قوله: (ولو قتل الذمي مسلما... إلخ) هذا الحكم هو المشهور بين الاصحاب، لم
يخالف فيه ظاهرا إلا ابن إدريس (2)، فإنه لم يجز أخذ المال إلا بعد استرقاقه، حتى
لو قتله لم يملك ماله. والاصل فيه حسنة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام، وعبد
الله
(هامش)
(1) التهذيب 10: 190 ح 746، الاستبصار 4: 272 ح 1028، الوسائل 19: 80 الباب المتقدم
ذيل ح 7. (2) السرائر 3: 351. (*)
ص 145
ويقتل ولد الرشدة بولد الزنية، لتساويهما في الإسلام.
بن سنان عن أبي عبد الله عليه
السلام: (في نصراني قتل مسلما فلما اخذ أسلم،قال: اقتله به، قيل: فإن لم يسلم؟ قال:
يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله) (1). وأما حكم أولاده الاصاغر، فقد ذهب جماعة من
الاصحاب - منهم المفيد (2) وسلا ر (3)، ونقل عن الشيخ (4) أيضا، لكنه لم يوجد في
كتبه - أنهم (5) يسترقون. ونفاه ابن إدريس (6). وتردد فيه المصنف، ثم قوى العدم.
ومنشأ الخلاف من تبعية الولد لابيه، وقد ثبت له الاسترقاق، فيثبت لتابعه. ولان
المقتضي لحقن دمه وماله ونفي استرقاقهم هو التزامه بالذمة، وبالقتل خرقها، فتجري
عليه أحكام أهل الحرب التي من جملتها استرقاق أصاغر أولاده. ومن أصالة بقائهم على
الحرية، لانعقادهم عليها. وجناية الاب لا تتخطاه، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر
أخرى) (7). ومنع استلزام القتل خرق الذمة مطلقا. والرواية خالية عن حكم الاولاد.
ولانه على تقدير الحكم بخرقه لا يكون استرقاق ولده مختصا بورثة المقتول، بل إما أن
يختص بهم الامام أو يشترك فيهم المسلمون. والاقوى (8) عدم استرقاقهم. قوله: (ويقتل
ولد الرشدة... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 310 ح 7، الفقيه 4: 91 ح 295، التهذيب 10: 190 ح 750، الوسائل 19: 81
ب (49) من أبواب القصاص في النفس. (2) المقنعة: 753. (3) انظر المراسم ضمن الجوامع
الفقهية (ص: 595، س: 28) ولكن في المراسم الطبع الحديث (237) لم ترد جملة: وولده
الصغار. (4) نقله عنه العلامة في إرشاد الاذهان 2: 204، وتحرير الاحكام 2: 247 -
248. (5) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل الصحيح: إلى أنهم. (6) السرائر 3:
351. (7) الانعام: 164. (8) في (أ، ت، د): والاصح. (*)
ص 146
مسائل
من لواحق هذا الباب
الاولى: لو قطع مسلم يد ذمي عمدا، فأسلم وسرت إلى نفسه،
فلا قصاص ولا قود. وكذا لو قطع يد عبد، ثم أعتق وسرت، لان التكافؤ ليس بحاصل وقت
الجناية. وكذا الصبي لو قطع يد بالغ، ثم بلغ وسرت جنايته، لم يقطع، لان الجناية لم
تكن موجبة للقصاص حال حصولها. وتثبت دية النفس، لان الجناية وقعت مضمونة، فكان
الاعتبار بأرشها حين الاستقرار.
ولد الرشدة - بفتح الراء وكسرها - خلاف ولد الزنية
بهما. والمراد بكونه يقتل به بعد بلوغه وإظهاره الإسلام، كما يرشد إليه التعليل،
بناء على الاصح من الحكم بإسلامه كذلك. ومن قال: إنه لا يحكم بإسلامه، قال: لا يقتل
به ولد الرشدة. ولو قتله قبل البلوغ لم يقتل به مطلقا، لانتفاء الحكم بإسلامه ولو
بالتبعية للمسلم، لانتفائه عمن تولد منه. قوله: (لو قطع مسلم يد ذمي... إلخ). هذه
المسائل معقودة للكلام فيما إذا تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت. وهي إما
بالعصمة، أو الاهدار، أو في القدر المضمون به. واعلم أن المجروح إما أن يكون مهدرا
في حالتي الجرح والموت، أو يكون مهدرا في حالة الجرح دون الموت، أو بالعكس، أو
معصوما فيهما. وحينئذ إما أن يتخلل المهدر بينهما، أو لا يتخلل. وحينئذ إما أن
يختلف قدر الضمان في الحالين، أولا يختلف. فهذه أحوال ست. والاولى والسادسة ظاهرتا
الحكم. فبقيت الاربع.
ص 147
الثانية: لو قطع يد حربي أو يد مرتد، فأسلم ثم سرت، فلا قود ولا دية، لان الجناية
لم تكن مضمونة، فلم تضمن سرايتها. ولو رمى ذميا بسهم فأسلم، ثم أصابه فمات، فلا
قود، وفيه الدية. وكذا لو رمى عبدا فأعتق، وأصابه فمات، أو رمى حربيا أو مرتدا،
فأصابه بعد إسلامه، فلا قود، وتثبت الدية، لان الاصابة صادفت مسلما محقون الدم.
والمقصود في المسألة الاولى اختلاف حالته في مقدار الضمان. فإذا قطع مسلم يد ذمي
عمدا لم يقطع به، ويثبت عليه دية [يد] (1) لذمي. فإذا أسلم ثم سرت إلى نفسه، فلا
قصاص على المسلم أيضا، نظرا إلى حال الجناية، فإنها غير مضمونة بالقصاص حينئذ.
ومثله ما لو جرح صبي إنسانا ثم بلغ الصبي ومات المجروح، لان الكفأة تعتبر حالة
الجراحة دون الموت. ولكن تجب الدية عندنا، لانه قطع مضمون، فسرايته مضمونة، ويعتبر
أرشها حال استقرارها. قوله: (لو قطع يد حربي... إلخ). هذه من جملة الصور التي
ذكرناها جمعها مشوشة، لان الاولى منها تضمنت ما لو كان المجروح مهدرا حالة الجرح
معصوما حالة السراية، والباقيتان تضمنتا حكم المضمون في الحالين مع اختلاف الضمان.
وحاصل الاولى: أنه إذا جرح حربيا أو مرتدا بقطع يد أو غيره ثم أسلم، أو عقدت الذمة
للحربي ثم مات من تلك الجراحة، فلا قصاص، لان قطع [الحربي أو] (2) المرتد غير مضمون
بالقصاص، فسرايته لا تكون مضمونة، كقطع
(هامش)
(1) من (ث، د)، وفي (ط): يدا. (2) من (ث، خ)، وفي (د): والمرتد. (*)
ص 148
يد السارق. ولان الجراحة إذا وقعت في حالة لا توجب القصاص لم يجب القصاص بما يحدث
بعدها، كما لو جرح الصبي إنسانا ثم بلغ وسرت الجراحة. وهل تجب الدية؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، لانه قطع غير مضمون، فسرايته لا تكون مضمونة، كسراية القطع قصاصا أو
بالسرقة، وكما لو جرح الصائل عليه دفعا ثم أعرض فسرت الجراحة. والثاني: الوجوب،
اعتبارا بحالة استقرار الجناية. وربما وجه في المرتد بأنه جرح ممنوع منه، فإن
المرتد قتله مفوض إلى الامام لا إلى الاحاد، وإذا كان ممنوعا منه جاز أن تكون
سرايته مضمونة. والاصح الاول. وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله. الثانية: إذا رمى
المسلم ذميا بسهم فأسلم قبل الاصابة، ثم أصابه فمات منه، فلا قود، لعدم الكفأة في
أول أوقات الجناية. وتثبت الدية اعتبارا بوقت الاصابة، لانها أقوى من وقت
الاستقرار، وقد تقدم (1) أنها مضمونة حالته أيضا. ومثله ما لو رمى الحر عبدا فأعتق
قبل الاصابة، فصادفته الاصابة حرا فمات منها، فإنه لا قصاص، لعدم الكفأة، وثبتت
الدية. الثالثة: لو رمى حربيا أو مرتدا فأصابه بعد إسلامه، فلا قصاص، لانه لم توجد
الكفأة في أول الجناية كذلك. وأما الضمان، فإن قلنا: يجب الضمان إذا أسلم بعد الجرح
ثم مات، فهنا أولى. وإن قلنا: لا يجب - كما هو الاصح - فهنا وجهان:
(هامش)
(1) في ص: 146. (*)
ص 149
الثالثة: إذا قطع المسلم يد مثله، فسرت مرتدا، سقط القصاص في النفس، ولم يسقط
القصاص في اليد، لان الجناية به حصلت موجبة للقصاص، فلم يسقط باعتراض الارتداد.
ويستوفي القصاص فيها وليه المسلم، فإن لم يكن استوفاه الامام. وقال في المبسوط (1):
الذي يقتضيه مذهبنا، أنه لا قود ولا دية، لان قصاص الطرف وديته، يدخلان في قصاص
النفس وديتها، والنفس هنا ليست مضمونة. وهو يشكل، بما أنه لا يلزم من دخول الطرف في
قصاص النفس، سقوط ما ثبت من قصاص الطرف، لمانع يمنع من القصاص في النفس.
أحدهما:
الوجوب، اعتبارا بحالة الاصابة، لانها حالة اتصال الجناية، والرمي كالمقدمة التي
تسبب بها إلى الجناية. والثاني: لا يجب، اعتبارا بحال الرمي، فإنه الداخل تحت
الاختيار. والاصح الاول. وهو الذي لم يذكر المصنف غيره. قوله: (إذا قطع المسلم يد
مثله... إلخ). إذا جرح مسلما - كأن قطع يده - فارتد ثم مات بالسراية، لم يجب قصاص
النفس ولا ديتها، لانها تلفت وهي مهدرة. وأما القصاص في الجرح ففيه قولان: أحدهما -
وهو الذي اختاره الشيخ (2) - عدم الثبوت أيضا، لان الطرف يتبع النفس إذا صارت
الجناية قتلا، فإذا لم يجب قصاص النفس لا يجب قصاص
(هامش)
(1، 2) المبسوط 7: 28، الخلاف 5: 165 مسألة (26). (*)
ص 150
أما لو عاد إلى الإسلام، فإن كان قبل أن تحصل سراية، ثبت القصاص في النفس. وإن حصلت
سراية وهو مرتد، ثم عاد وتمت السراية حتى
الطرف، ولذلك لو قطع طرف إنسان فمات منه،
فعفا وليه عن قصاص النفس، لميكن له أن يقتص في الطرف. والثاني - وهو الذي اختاره
المصنف رحمه الله -: الوجوب، لان القصاص في الطرف ينفرد عن القصاص في النفس ويستقر،
فلا يتغير بما يحدث بعده. ولا يلزم من دخول قصاص الطرف في قصاص النفس على تقدير
استيفاء النفس دخوله مطلقا، فإنه عين المتنازع. سلمنا، لكن لا يلزم من دخوله فيه
سقوطه مطلقا، لان المانع هنا منع من استيفاء القصاص في النفس، فيبقى القصاص في
الطرف [إذ] (1) لا مانع منه، لثبوته حال التكافؤ، فيدخل تحت عموم: (والجروح قصاص)
(2). وهذا هو الاقوى. ونبه بقوله: (ويستوفي القصاص فيها وليه المسلم) على خلاف بعض
العامة (3)، حيث جعل الاستيفاء للامام، بناء على أن المرتد كافر لا يرثه المسلم،
فيكون وليه الامام. ووافقنا (4) آخرون منهم مع موافقتهم على ما ذكر [نا] (5)،
فارقين بين إرث المال والقصاص، بأنه موضوع للتشفي، وذلك يتعلق بالقريب دون الامام.
قوله: (أما لو عاد إلى الإسلام... إلخ).
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) المائدة: 45. (3، 4) الوجيز 2: 128، روضة الطالبين 7: 45 -
46. (5) من (أ، م). (*)
ص 151
صارت نفسا، ففي القصاص تردد، أشبهه ثبوت القصاص، لان الاعتبار في الجناية المضمونة
بحال الاستقرار. وقيل: لا قصاص، لان وجوبه مستند إلى الجناية وكل السراية، وهذه
بعضها هدر، لانه حصل في حال الردة. ولو كانت الجناية خطاء ثبتت الدية، لان الجناية
صادفت محقون الدم، وكانت مضمونة في الاصل.
هذه صورة ما إذا تخلل الهدر بين الجرح
والموت. فإذا جرح مسلم مسلما، فارتد المجروح ثم عاد إلى الإسلام ومات بالسراية،
فإما أن يكون عوده بعد حصول بعض السراية أولا. فإن لم يحصل فلا إشكال في القود،
لحصول التكافؤ حالة الجناية والسراية. وأولى منه الدية والكفارة. وإن حصل ثبتت
الدية والكفارة. وفي ثبوت القصاص قولان: أحدهما: العدم. ذهب إليه الشيخ في المبسوط
(1) وأتباعه (2)، نظرا إلى أن السبب المقتضي للقود هو السراية، وهي مركبة من
أجزائها الواقعة زمن العصمة وغيره، فيكون موته بسببين أحدهما مضمون والاخر غير
مضمون. ولانه صار إلى حالة لو مات فيها لم يجب القصاص، فصار ذلك شبهة دارئة له.
والثاني - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وقبله الشيخ في الخلاف (3) -: ثبوته،
لانه مضمون بالقصاص في حالتي الجرح والموت، فلا نظر إلى ما يتخللهما. ولان الجناية
مضمونة قطعا، وليست خطاء، لانه الفرض، ولا على غير المكافئ، والعمد موجب للقود حيث
كان مضمونا مع المكافأة. ولانه كشريك
(هامش)
(1) المبسوط 7: 26. (2) المهذب 2: 465 - 466. (3) الخلاف 5: 164 ذيل مسألة (25).
(*)
ص 152
الرابعة: إذا قتل مرتد ذميا، ففي قتله تردد، منشؤه تحرم المرتد بالاسلام. ويقوى أنه
يقتل، للتساوي في الكفر، كما يقتل النصراني باليهودي، لان الكفر كالملة الواحدة.
أما لو رجع إلى الإسلام فلا قود، وعليه دية الذمي.
السبع، فإنه يقتص منه وإن كان
للسبع شركة. وفي المسألة وجه ثالث، وهو ثبوت القصاص مع رد نصف الدية، لحصولالتلف
بسببين أحدهما غير مضمون. ولا يعتبر زيادة أحد السببين على الاخر، كغيره من الاسباب
المجتمعة. قوله: (إذا قتل مرتد ذميا... إلخ). القول بقتله [به] (1) للشيخ في
المبسوط (2) والخلاف (3). وهو الذي اختاره المصنف هنا، والعلامة في التحرير (4)
والارشاد (5)، وإن توقف في القواعد (6). ووجهه: ما أشار إليه من أن الكفر كالملة
الواحدة. ولان المرتد واجب القتل مع عدم التوبة، والذمي ليس كذلك. ولان المرتد لا
تحل ذبيحته إجماعا، بخلاف الذمي، فإن فيه خلافا تقدم (7). ولانه لا يقر بالجزية،
فيكون المرتد أسؤ
(هامش)
(1) من (أ، ث، د) والحجريتين. (2) المبسوط 7: 47. (3) الخلاف 5: 171 مسألة (33).
(4) تحرير الاحكام 2: 248. (5) إرشاد الاذهان 2: 203، وفيه: على إشكال. (6) قواعد
الاحكام 2: 290. (7) في ج 11: 451. (*)
ص 153
الخامسة: لو جرح مسلم نصرانيا، ثم ارتد الجارح وسرت الجراحة، فلا قود، لعدم التساوي
حال الجناية، وعليه دية الذمي.
السادسة: لو قتل ذمي مرتدا قتل به، لانه محقون الدم
بالنسبة إلى الذمي.
حالا من الذمي، فيقتل به بطريق أولى. ولا ينتقض بالزاني المحصن
حيث كان واجب القتل، لان قتله لا للكفر المشترك، بل لمعنى يختص به. ووجه العدم: منع
الاولوية، لان المرتد متحرم بالاسلام، ولهذا لم يجز للمرتد نكاح الذمية، ولا يرثه
وارثه الذمي، بل الامام مع فقد المسلمين، بخلاف الذمي. ولانه يجب عليه قضاء
الصلوات، ويحرم استرقاقه، ولا يمكن الذمي من نكاح المرتدة. فكما امتنع القود مع
حقيقة الإسلام، فكذا مع حكمه. والاظهر الاول. قوله: (لو جرح مسلم نصرانيا... إلخ).
الاصل في هذه المسألة ونظائرها أن كل واحدة من الجناية والسراية لها مدخل في
الاقتصاص، فلا تكفي الكفأة في إحدى الحالتين دون الاخرى، ولهذا لو جرح مرتدا ثم
أسلم فسرت فلا قصاص. وكذا لو جرح مسلما ثم ارتد كذلك. والكلام في هذه المسألة كذلك،
فإن النصراني وإن كان مضمونا إلا أنه لا قصاص في جراحته من المسلم، فلا يغير هذا
الحكم تغير حال الجارح إلى حالة تقتضي الكفأة للنصراني، كالارتداد على تقدير
تسليمها. لكن لما كانت الجناية مضمونة في الحالتين، والمعتبر مع كونها مضمونة بحالة
السراية، ضمن له دية ذمي. قوله: (لو قتل ذمي مرتدا... إلخ).
ص 154
أما لو قتله مسلم، فلا قود قطعا. وفي الدية تردد، والاقرب أنه لا دية. ولو وجب على
مسلم قصاص، فقتله غير الولي، كان عليه القود. ولو وجب قتله بزنا أو لواط، فقتله غير
الامام، لم يكن عليه قود ولا دية، لان عليا عليه السلام قال لرجل قتل رجلا وادعى
أنه وجده مع امرأته: عليك القود إلا أن تأتي ببينة.
إذا قتل ذمي مرتدا فمذهب
الاصحاب أنه يقاد به، لانه إن كان مليا فإسلامه مقبول، وهو محترم به، وإن كان فطريا
فاستحقاق قتله للمسلمين، فإذا قتله غيرهم كان كما لو قتل من عليه القصاص غير
المستحق. وللشافعية (1) قول بالمنع، لانه مباح الدم، فلا يجب القصاص بقتله كالحربي،
وكما لو قتله مسلم. وتحريم قتله لغيره مع كونه مباح الدم لكفره لا يوجب إقادة
القاتل به، كما لو قتل الزاني المحصن غير الامام. وبهذا فارق من عليه القصاص إذا
قتله غير المستحق، لانه معصوم بالنسبة إلى غيره. ويمكن بناء هذين الوجهين على ما
تقدم في السابقة، من أن المرتد أسؤ حالا من الذمي أم بالعكس. وأما إذا قتله مسلم
فلا قود قطعا، لعدم الكفأة. وفي وجوب الدية وجهان أقربهما العدم، لانه مباح الدم،
وإن كان قتله إلى الامام، فلا يترتب على قتله دية. ووجه وجوب الدية: أنه محقون الدم
بالنسبة إلى غير الامام. وهو ضعيف، بل غاية ما يجب بقتله بدون إذنه الاثم، كغيره
ممن يتوقف قتله على إذنه من الزاني واللائط وغيرهما. قوله: (ولو وجب على مسلم
قصاص... إلخ).
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 12: 80. (*)
ص 155
الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أبا فلو قتل ولده لم يقتل به، وعليه الكفارة
والدية والتعزير. وكذا لو قتله أب الاب وإن علا. ويقتل الولد بأبيه. وكذا الام تقتل
به، ويقتل بها. وكذا الاقارب، كالاجداد والجدات من قبلها، والاخوة من الطرفين،
والاعمام والعمات
من ثبت عليه القصاص معصوم الدم بالنسبة إلى غير ولي القصاص، وحق
قتله خاص بوليه، بخلاف الزاني واللائط ونحوهما، فإن دمهما هدر مطلقا، غايته أن تولي
قتله متوقف على أمر الحاكم، فإذا فعله (1) غيره أثم ووقع موقعه.ويؤيده ما روي أن
عليا عليه السلام قال لمن قتل رجلا وادعى أنه وجده مع امرأته: (عليك القود إلا أن
تأتي بالبينة) (2). فلو كان القود ثابتا عليه لفعله بدون إذن الامام، لما رفعه عنه
مع إتيانه بالبينة. وفي الاستدلال بالخبر نظر، لانه مخصوص بمن يقتله الزوج لكونه
زنى بزوجته، فلا يلزم تعديه إلى غيرها (3)، خصوصا الاجانب، مع عموم قوله تعالى:
(النفس بالنفس) (4) خص منه ما تضمنته الرواية، فيبقى ما عداها. والاولى التعليل
بالاول. قوله: (أن لا يكون القاتل أبا... إلخ).
(هامش)
(1) في (خ، د): قتله. (2) لم نجده بهذا اللفظ، وورد مضمونه في الفقيه 4: 127 ح 447،
التهذيب 10: 314 ح 1168، الوسائل 19: 102 ب (69) من أبواب القصاص في النفس ح 2.
وانظر مستدرك الوسائل 18: 257 ب (54) من أبواب القصاص في النفس، سنن البيهقي 8:
337. (3) في (خ): غيره. (4) المائدة: 45. (*)
ص 156
والاخوال والخالات.
لا قصاص على الوالد بقتل الولد، ذكرا [كان] (1) أو أنثى، إجماعا
منا ومن أكثر العامة (2)، لقوله صلى الله عليه وآله: (لايقاد الوالد بالولد) (3)
وقول الصادق عليه السلام: (لا يقتل الاب بابنه إذا قتله، ويقتل الابن بأبيه إذا قتل
أباه) (4). ولان الوالد سبب وجود الولد، فلا يحسن أن يصير الولد سببا معدما له، ولا
يليق ذلك بحرمة الابوة، ولرعاية حرمته لم يحد لقذفه. وكذا الاجداد والجدات لا
يقتلون بالاحفاد، سواء قربوا أم بعدوا، وسواء كانوا من قبل الاب أم من قبل الام،
لوجود المقتضي في الجميع. ويحتمل اختصاص الحكم بالاب (5)، لانه المتيقن في مخالفة
عموم الاية (6)، لان الجد ليس أبا حقيقة، كما تقدم (7) في نظائره. ولا فرق في الاب
بين الحر والعبد، ولا بين المسلم والكافر، لوجود المقتضي للمنع وهو الابوة، وأصالة
عدم اشتراط أمر آخر.
(هامش)
(1) من (خ). (2) اللباب في شرح الكتاب 3: 144، الحاوي الكبير 12: 22، بدائع الصنائع
7: 235، حلية العلماء 7: 454، بداية المجتهد 2: 400، الكافي للقرطبي 2: 1097،
المغني لابن قدامة 9: 360، روضة الطالبين 7: 31. (3) مسند أحمد 1: 22، سنن الدارمي
2: 190، سنن ابن ماجة 2: 888 ح 2661 و2662، سنن الترمذي 4: 12 ح 1400، سنن
الدارقطني 3: 142 ح 185، مستدرك الحاكم 4: 368 - 369، سنن البيهقي 8: 38 - 39. (4)
الكافي 7: 298 ح 3، الفقيه 4: 89 ح 288، التهذيب 10: 237 ح 942، الوسائل 19: 57 ب
(32) من أبواب القصاص في النفس ح 6. (5) كذا في (ت)، وفي (د) بعنوان: ظاهرا، ولعله
الصحيح، سيما بملاحظة قوله بعد أربعة أسطر: ولا يتعدى الحكم إلى الام، وفي سائر
النسخ والحجريتين: بالابوين. (6) المائدة: 45. (7) راجع ج 7: 135. (*)
ص 157
فروع
الاول: لو ادعى اثنان ولدا مجهولا، فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود، لتحقق
الاحتمال في طرف القاتل. ولو قتلاه، فالاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما باق.
وربما خطر الاستناد إلى القرعة. وهو تهجم على الدم. فالاقرب الاول. ولو ادعياه، ثم
رجع أحدهما وقتلاه، توجه القصاص على الراجع بعد رد ما يفضل عن جنايته، وكان على
الاب نصف الدية، وعلى كل واحد كفارة القتل بانفراده.
ولا يتعدى الحكم إلى الام وإن
علت أو كانت لاب عندنا، وإن تعدى إلى أبيها وإن علا، ولا إلى غيرها من الاقارب،
وقوفا فيما خالف الاصل وعموم الاية (1) على مورده وموضع الوفاق. والعامة (2) ألحقوا
الام مطلقا بالاب، لاشتراكهما في العلة المناسبة للحكم (3)، وهو التولد. قوله: (لو
ادعى اثنان ولدا مجهولا... إلخ). إذا تداعى اثنان مولودا مجهولا ثم قتلاه أو أحدهما
فلا قصاص في الحال، لان أحدهما أبوه، والاحتمال قائم في كل منهما، وذلك شبهة مانعة
من التهجم على الدم. ولا يقدح في ذلك توقف الحكم به لاحدهما بخصوصه على القرعة،
لانها لم تقع بعد، فالاحتمال قائم.
(هامش)
(1) المائدة: 45. (2) انظر الهامش (2) في الصفحة السابقة. (3) 87 في (د) وإحدى
الحجريتين: للمنع. (*)
ص 158
ولو ولد مولود على فراش مدعيين له، كالامة أو الموطؤة بالشبهة في الطهر الواحد،
فقتلاه قبل القرعة، لم يقتلا [به]، لتحقق الاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما. ولو
رجع أحدهما، ثم قتلاه، لم يقتل الراجع. والفرق أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد
الدعوى. وفي الفرق تردد.
ويحتمل القرعة بعد القتل، فإن ظهرت لمن قتله فلا قصاص، وإن
ظهرت للاخر اقتص من القاتل، لظهور انتفائه عنه شرعا. والاصح الاول، للشبهة الدارئة
للقتل حالته، وفوات محل القرعة بالنظرإلى مثل ذلك وإن بقيت في غيره. ولو كان قتله
بعد القرعة ولحوقه بأحدهما قتل به الخارج عنه، ورد عليه مع الاشتراك نصف الدية،
وعلى الاب الدية أو نصفها. ولو رجع أحدهما وأصر الاخر على الدعوى فهو ولده، فيقتص
من الراجع إن كان هو القاتل أو اشتركا في قتله، بعد رد ما يفضل من ديته عن جنايته.
وعلى كل منهما كفارة الجمع، لثبوتها في قتل الولد كغيره. قوله: (ولو ولد مولود...
إلخ). المولود على فراش المدعيين له إن قتلاه أو أحدهما قبل رجوع أحدهما عن الدعوى
فلا إشكال في عدم قتله، لقيام الاحتمال الدافع للقتل بالشبهة. وإن كان بعد القرعة
فالحكم كما سبق، من قتل الخارج عنها دون الخارج بها. وإنما الكلام فيما لو رجع
أحدهما عن الدعوى، فالمشهور أنه لا يقتل به أحدهما أيضا، بخلاف السابق. والفرق: ما
أشار إليه المصنف - رحمه الله - من أن البنوة هنا تثبت بالفراش
ص 159
ولو قتل الرجل زوجته، هل يثبت القصاص لولدها منه؟ قيل: لا، لانه لا يملك أن يقتص من
والده. ولو قيل: يملك هنا أمكن، اقتصارا بالمنع على مورد النص. وكذا البحث لو قذفها
الزوج، ولا وارث إلا ولده منها. أما لو كان لها ولد من غيره، فله القصاص بعد رد
نصيب ولده من الدية، وله استيفاء الحد كاملا.
المشترك بينهما، كما تثبت تبعا للفراش
المنفرد، على ما تقرر في بابه، وهذا أمر لا يدفعه الرجوع، بخلاف المدعي للبنوة بغير
فراش، فإن ثبوت الولادة فيه تابع للدعوى بشرائطها، فإذا انتفت انتفت. وبهذا الحكم
تبعا للفرق جزم في المبسوط (1)، والعلامة (2) في كتبه. والمصنف - رحمه الله - تردد
في الفرق. ووجه التردد: مما ذكر الموجب لقوة جانب الالحاق في هذه الصورة، ومن
اشتراكهما في اعتراف الراجع بما يستلزم ثبوت القود عليه، فيلزم بموجب إقراره. قوله:
(ولو قتل الرجل زوجته... إلخ). كما لا يثبت القود للولد على والده بالاصالة، فكذا
بالتبعية والارث على المشهور. قطع بذلك الشيخ في المبسوط (3) والعلامة في كتبه (4)،
لعموم الادلة، وصلاحية العلة المقتضية لذلك. والمصنف - رحمه الله - مال إلى قصر
الحكم على موضع اليقين وظاهر
(هامش)
(1، 2) المبسوط 7: 10. (3) قواعد الاحكام 2: 292، تحرير الاحكام 2: 249، إرشاد
الاذهان 2: 203. (4) قواعد الاحكام 2: 291، تحرير الاحكام 2: 249، إرشاد الاذهان 2:
203. (*)
ص 160
ولو قتل أحد الولدين أباه، ثم الاخر أمه، فلكل منهما على الاخر القود. فإن تشاحا في
الاقتصاص، أقرع بينهما. وقدم في الاستيفاء من أخرجته القرعة. ولو بدر أحدهما فاقتص،
كان لورثة الاخر الاقتصاص منه.
النص، وهو ما لو قتل الاب الابن، لدلالة ظاهر النص
عليه في قوله صلى الله عليه وآله: (لايقاد بالولد الوالد) (1) فإن الباء ظاهرة هنا
في السببية، ولا يكون الولد سببا للقود إلا مع كونه هو المقتول، أما إذا كان
المقتول مورثه فذلك المقتول هو السبب دون الولد. ويضعف بأن استيفاء القصاص موقوف
على مطالبة المستحق، وإذا كان هو الولد وطالب به كان هو السبب في القود، فيتناوله
عموم النص أو إطلاقه. فالقول بالمشهور أجود. ومثله القول في حد القذف الموروث للولد
على الوالد. أما إذا كان له شريك في القصاص أو القذف فللشريك الاستيفاء بعد رد فاضل
الدية على ورثة الاب. وأما الحد فيثبت للشريك كملا، كما في نظائره من الحد الموروث
لجماعة إذا طلبه بعضهم وعفا الباقون، فضلا عن عدم ثبوته للبعض. وقد تقدم (2). قوله:
(ولو قتل أحد الولدين أباه... إلخ). إذا قتل أحد الولدين أباه عمدا فالقصاص للاخر،
لان القاتل عمدا لا يرث القصاص كما لا يرث المال، فإذا قتل الاخر أمه فالقصاص عليه
للاول، لما ذكر من العلة، فيثبت لكل منهما على الاخر القود. فإذا تشاحا فيمن يبداء
به في
(هامش)
(1) تقدم ذكر مصادره في ص: 156 هامش (3). (2) في ج 14: 447. (*)
ص 161
الشرط الرابع: كمال العقل فلا يقتل المجنون، سواء قتل مجنونا أو عاقلا، وتثبت الدية
على عاقلته. وكذا الصبي، لا يقتل بصبي ولا ببالغ. أما لو قتل العاقل ثم جن، لم يسقط
عنه القود. وفي رواية: يقتص من الصبي، إذا بلغ عشرا، وفي أخرى: إذا بلغ خمسة أشبار،
وتقام عليه الحدود. والوجه أن عمد الصبي خطاء محض، يلزم أرشه العاقلة حتى يبلغ خمس
عشرة سنة.
الاستيفاء أولا أقرع بينهما، لعدم الاولوية، وقدم من أخرجته القرعة، ثم
يقتص ورثة المقتول من الاخر. وإنما فائدة القرعة في تعجيل قتل أحدهما قبل الاخر.
ولو فرض أن أحدهما بدر واقتص من صاحبه بدون القرعة أثم واستوفى حقه، وبقي الحق عليه
كما لو قدم بالقرعة، فيستوفي منه ورثة الاخر. وهو واضح. قوله: (كمال العقل...
إلخ).من شرائط القصاص كون العاقل مكلفا، فلا قصاص على الصبي والمجنون، لان القلم
مرفوع عنهما، كما لا قصاص على النائم إذا انقلب على إنسان فقتله. ولانهما لا يكلفان
بالعبادات البدنية، فأولى أن [لا] (1) يؤاخذا بالعقوبات البدنية. والمنقطع جنونه
كالعاقل في وقت إفاقته، وكالمطبق جنونه في وقت جنونه.
(هامش)
(1) من (أ، د، م)، ولم ترد في (ت، ث، خ، ط). (*)
ص 162
ومن وجب عليه القصاص ثم جن استوفي منه القصاص، سواء ثبت موجب القصاص بإقراره أم
بالبينة، خلافا لبعض العامة (1) حيث منع من الاقتصاص منه في الجنون مطلقا، ولبعض
آخر حيث فصل فقال: إن جن حين قدم للقصاص اقتص منه، وإن جن قبله لم يقتص. ويضعف بأنه
حق وجب عليه حال تكليفه، فلا يسقط باعتراض الجنون كغيره من الحقوق، ولاصالة بقاء
الحق. والرواية الواردة بالاقتصاص من الصبي إذا بلغ عشرا لم نقف عليها بخصوصها،
ولكن الشيخ لما روى عن أبي بصير عن الباقر عليه السلام أنه: (سئل عن غلام لم يدرك
وامرأة قتلا رجلا، فقال: إن خطاء المرأة والغلام عمد، فإن أحب أولياء المقتول أن
يقتلوهما قتلوهما) (2) الحديث، حمل هذه الرواية على بلوغ الغلام عشر سنين أو خمسة
أشبار. نعم، روى الحسن بن راشد عن العسكري عليه السلام قال: (إذا بلغ الغلام ثمان
سنين فجائز أمره في ماله، وقد وجب عليه الفرائض والحدود) (3). وأما الرواية الدالة
على أن البالغ خمسة أشبار يقام عليه الحد، فرواها السكوني عن أبي عبد الله عليه
السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل، فقال:
إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه،
(هامش)
(1) لم نعثر عليه. (2) الكافي 7: 301 ح 1، الفقيه 4: 83 ح 267، التهذيب 10: 242 ح
963، الوسائل 19: 64 ب (34) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (3) التهذيب 9: 183 ح
736، الوسائل 13: 321 ب (15) من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ح 4. (*)
ص 163
فروع
لو اختلف الولي والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته، فقال: قتلت وأنت بالغ، أو
وأنت عاقل، فأنكر، فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الاحتمال متحقق، فلا يثبت معه
القصاص، وتثبت الدية.
وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية) (1). وبمضمونها
أفتى الصدوق (2) والمفيد (3)، وبالاول أفتى الشيخ في النهاية (4). والحق أن هذه
الروايات - مع ضعف سندها - شاذة مخالفة للاصول الممهدة، بل لما أجمع عليه المسلمون
إلا من شذ، فلا يلتفت إليها. ويعتبر في ثبوت القصاص البلوغ بأحد الامور الثلاثة،
وقبله (5) فعمد الصبي خطاء مطلقا، لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (عمد الصبي وخطؤه واحد) (6)، وغيرها من الاخبار (7). قوله: (لو اختلف الولي
والجاني... إلخ). وجه تقديم قول الجاني فيهما - مضافا إلى ما ذكره من الاحتمال -
أصالة بقاء الصغر إلى زمن القتل، وعدم ثبوت العقل (8) حينئذ. ولا يخفى أنه مشروط
(هامش)
(1) الكافي 7: 302 ح 1، الفقيه 4: 84 ح 270، التهذيب 10: 233 ح 922، الاستبصار 4:
287 ح 1085، الوسائل 19: 66 ب (36) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (2) المقنع: 523.
(3) المقنعة: 748. (4) النهاية: 760 - 761، وفيه: يبلغ عشر سنين أو خمسة أشبار. (5)
كذا في (ت، خ)، وهو الصحيح، وفي سائر النسخ: وقتله. (6) التهذيب 10: 233 ح 920،
الوسائل 19: 307 ب (11) من أبواب العاقلة ح 2. (7) راجع الوسائل 19: 307 الباب
المتقدم ح 3. (8) في (أ، ث، د): الفعل، وفي (ط): القتل. (*)
ص 164
ولو قتل البالغ الصبي، قتل به على الاصح. ولا يقتل العاقل بالمجنون، وتثبت الدية
على القاتل إن كان عمدا أو شبيها بالعمد، وعلى العاقلة إن كان خطاء محضا. ولو قصد
القاتل دفعه كان هدرا. وفي رواية: ديته في بيت المال.
بإمكان ذلك، وإلا لم يقبل.
واحترز بقوله: (بعد بلوغه) عما لو قال القاتل: أنا صغير، فلا قصاص مع إمكان صدقه،
فإنه ينتفي عنه القصاص بغير يمين، لعدم إمكان تحليفه، لان التحليف لاثبات المحلوف
عليه، ولو ثبت صباه لبطلت يمينه. نبهو بقوله: (بعد إفاقته) على أنه كان قد عهد له
حالة جنون. فلولم يعهد له ذلك كان المصدق هو المدعي، لاصالة السلامة. ويحتمل تقديم
قول الجاني في الحالتين، لقيام الاحتمال المانع من التهجم على النفوس معه. قوله:
(ولو قتل البالغ الصبي... إلخ). القول بقتل البالغ بالصبي مذهب أكثر الاصحاب، بل هو
المذهب، لعموم الادلة المتناولة له. وخالف في ذلك أبو الصلاح (1)، فألحقه بالمجنون
في إثبات الدية بقتله عمدا (2) مطلقا، لاشتراكهما في نقصان العقل. وأجيب ببطلان
القياس مع وجود الفارق. والمجنون خرج بنص خاص، وهو صحيحة أبي بصير قال: (سألت أبا
جعفر عليه السلام عن رجل قتل رجلا
(هامش)
(1) الكافي في الفقه: 384. (2) سقطت من (د). (*)
ص 165
وفي ثبوت القود على السكران تردد، والثبوت أشبه، لانه كالصاحي في تعلق الاحكام. أما
من بنج نفسه أو شرب مرقدا لا لعذر، فقد ألحقه الشيخ (1) - رحمه الله - بالسكران.
وفيه تردد. ولا قود على النائم، لعدم القصد، وكونه معذورا في سببه، وعليه الدية.
مجنونا، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شي عليه من قود
ولادية، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين. قال: وإن كان قتله من غير أن يكون
المجنون أراده فلا قود لمن لايقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى
ورثة المجنون، ويستغفر الله عز وجل ويتوب إليه) (2). وقريب منه [ما] (3) روى أبو
الورد (4) عن أبي عبد الله عليه السلام. ويمكن الاحتجاج لابي الصلاح بقوله عليه
السلام في الخبر الاول: (فلا قود لمن لا يقاد منه) فإن (من) عامة تشمل الصبي
والمجنون، حيث إنه لايقاد منهما فلا يقاد لهما من العاقل، فلا يكون قياسا على
المجنون، بل كلاهما داخل في عموم النص، وإن كان المجنون منصوصا على حكمه بالخصوص
أيضا. قوله: (وفي ثبوت القود على السكران... إلخ). منشأ التردد أن الشارع لم يعذر
السكران مطلقا، بل نزله منزلة الصاحي،
(هامش)
(1) المبسوط 7: 50. (2) الكافي 7: 294 ح 1، الفقيه 4: 75 ح 234، التهذيب 10: 231 ح
913، الوسائل 19: 51 ب (28) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (3) من الحجريتين. (4)
الكافي 7: 294 ح 2، التهذيب 10: 231 ح 914، الوسائل 19: 52 الباب المتقدم ح 2. (*)
ص 166
وفي الاعمى تردد، أظهره أنه كالمبصر في توجه القصاص بعمده. وفي رواية الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام: أن جنايته خطاء تلزم العاقلة. الشرط الخامس: أن يكون المقتول
محقون الدم احترازا من المرتد بالنظر إلى المسلم، فإن المسلم لو قتله لم يثبت
القود. وكذا كل من أباح الشرع قتله. ومثله من هلك بسراية القصاص أو الحد.
الفصل
الثالث
في دعوى القتل، وما يثبت به

ويشترط في المدعي: البلوغ، والرشد، حالة الدعوى،
دون وقت الجناية، إذ قد تتحقق صحة الدعوى بالسماع المتواتر، وأن يدعي على من يصح منه
مباشرة الجناية.
فيقتص منه. وهو اختيار الاكثر. ومن أن القصد شرط في العمد، وهو
منتف في حقه. وتنزيله منزلة الصاحي مطلقا ممنوع. ولعل هذا أظهر. وعلى تقدير ثبوته
في حقه، ففي إلحاق من زال عقله باختياره كمن بنج نفسه وجهان، من مساواته له في
المقتضي، وهو زوال العقل باختياره مع نهي الشارع عنه، ومن قوة المؤاخذة والحكم في
الاول، فإلحاق الضعيف بها مع عدم النص قياس مع وجود الفارق. ولو منعنا من القود من
السكران فهنا أولى، خصوصا في شارب المرقد، لعدم زوال عقله بذلك، فإلحاقه بالسكران
بعيد. قوله: (وفي الاعمى تردد... إلخ).
ص 167
فلو ادعى على غائب، لم يقبل. وكذا لو ادعى على جماعة، يتعذر اجتماعهم على قتل
الواحد، كأهل البلد. وتقبل دعواه لو رجع إلى الممكن. ولو حرر الدعوى، بتعيين القاتل
وصفة القتل ونوعه، سمعت دعواه.
ذهب الشيخ في النهاية (1) إلى أن عمد الاعمى وخطأه
سواء، تجب فيه الدية على عاقلته. وتبعه ابن البراج (2). وهو قول ابن الجنيد (3)
وابن بابويه (4). والمستند رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (الاعمى
جنايته خطاء تلزم عاقلته، يؤخذون بها في ثلاث سنين، في كل سنة نجما، فإن لم يكن
للاعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله، يؤخذ بها في ثلاث سنين) (5) الحديث. وروى
أبو عبيدة عن الباقر عليه السلام قال: (سألته عن أعمى فقأ عين رجل صحيح متعمدا،
فقال: يا أبا عبيدة إن عمد الاعمى مثل الخطاء، هذا فيه الدية من ماله، فإن لم يكن
له مال فإن دية ذلك على الامام، ولا يبطل حق مسلم) (6). وهاتان الروايتان مشتركتان
في الدلالة على أن عمد الاعمى خطاء، وفي
(هامش)
(1) النهاية: 760. (2) المهذب 2: 495. (3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 799. (4)
ذكره رواية في الفقيه 4: 85 ح 271. (5) الفقيه 4: 107 ح 361، التهذيب 10: 232 ح
918، الوسائل 19: 306 ب (10) من أبواب العاقلة ح 1. (6) الكافي 7: 302 ح 3، الفقيه
4: 85 ح 271، التهذيب 10: 232 ح 917، الوسائل 19: 65 ب (35) من أبواب القصاص في
النفس. (*)
ص 168
وهل تسمع منه مقتصرا على مطلق القتل؟ فيه تردد، أشبهه القبول.
ضعف السند. ومختلفتان
في الحكم. ومخالفتان للاصول، لاشتمال الاولى على كون الدية تجب ابتداء على العاقلة،
ومع عدمها تجب على الجاني، وهذا مخالف لحكم الخطاء. وفي الثانية مع جعله الجناية
كالخطاء أوجب الدية على الجاني، ومع عدم ماله على الامام، ولم يوجبها على العاقلة.
وظاهر اختلاف الحكمين، ومخالفتهما لحكم الخطاء. وذهب ابن إدريس (1) وجملة المتأخرين
(2) إلى أن الاعمى كالمبصر في وجوب القصاص عليه بعمده، لوجود المقتضي له وهو قصده
إلى القتل، وانتفاء المانع، لان العمى لا يصلح مانعا مع اجتماع شروط القصاص من
التكليف والقصد ونحوهما. ولعموم الادلة من الايات (3) والروايات (4) المتناولة له،
وانتفاء المخصص، لما ذكرناه من الموجب لاطراحه. مع أن الرواية الاولى ليست صريحة في
مطلوبهم، لجواز كون قوله: (خطاء) حالا، والجملة الفعلية بعده الخبر، وإنما يتم
استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعا على الخبرية. وأما نصب (خطاء) على التمييز -
كما فعله بعضهم (5) - فهو خطاء واضح. قوله: (وهل تسمع منه مقتصرا... إلخ). منشأ
التردد: من انتفاء فائدة الدعوى بدون التفصيل، إذ لا يمكن استيفاء
(هامش)
(1) السرائر 3: 368. (2) المختلف: 799، إيضاح الفوائد 4: 601، التنقيح الرائع 4:
431، المقتصر: 429. (3) البقرة: 178 - 179، المائدة: 45، الاسراء: 33. (4) انظر
الوسائل 19: 37 ب (19) من أبواب قصاص النفس. (5) التنقيح الرائع 4: 432. (*)
ص 169
وول قال: قتله أحد هذين، سمع، إذ لا ضرر في إحلافهما. ولو أقام بينة، سمعت لاثبات
اللوث، ان لو خص الوارث أحدهما.
موجبها من دون العلم بصفتها من عمد أو خطاء، فلا
تفيد الشهادة على مقتضاها ولا اليمين. ومن احتمال علم الولي بصدور القتل من شخص
وجهله بصفته، فلو لم تسمع دعواه لزم ضياع الحق. وقد تقدم البحث في سماع الدعوى
المجملة مطلقا في القضاء (1). ثم على تقدير القبول لو ثبت المطلق بالشهادة كذلك أو
باليمين رجع إلى الصلح. ويحتمل ثبوت الدية احتياطا في الدماء، واقتصارا على
المتيقن. ويشكل بمنع كون ذلك هو المتيقن، لان القتل أعم من كونه موجبا للدية على
القاتل، كما لا يخفى. قوله: (ولو قال: قتله أحد هذين... إلخ). يعتبر في سماع الدعوى
تعيين المدعى عليه، فإن ادعى القتل على واحد أو جماعة معينين فهي مسموعة. وإذا
ذكرهم للحاكم وطلب إحضارهم أجابه، إلا إذا ذكر جماعة لا يتصور اجتماعهم على القتل،
فلا يحضرون، ولا يبالى بقوله، فإنه دعوى محال. ولو قال: قتل أبي أحد هذين أو واحد
من هؤلا العشرة، وطلب من الحاكم أن يسألهم (2) ويحلف كل واحد منهم، ففي إجابته
وجهان: أحدهما: لا، لما في هذه الدعوى من الابهام، وصار كما لو ادعى دينا على أحد
الرجلين.
(هامش)
(1) في ج 13: 436. (2) في الحجريتين: يحضرهم. (*)
ص 170
مسائل:
الاولى: لو ادعى أنه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم، سمعت دعواه، ولا يقضى
بالقود، ولا بالدية، لعدم العلم بحصة المدعى عليه من الجناية، ويقضى بالصلح حقنا
للدم.
والثاني - وهو الذي جزم به المصنف رحمه الله -: القبول، لانه طريق يتوصل به
إلى معرفة القاتل واستيفاء الحق منه. ولان القاتل يسعى في إخفاء القتيل (1) كيلا
يقصد ولا يطالب، ويعسر معرفته على الولي لذلك، فلو لم تسمع دعواه هكذا لتضرر، وهم
لا يتضررون باليمين الصادقة. وهذا الخلاف يجري في دعوى الغصب والاتلاف والسرقة وأخذ
الضالة. ولا يجري في دعوى القرض والبيع وسائر المعاملات، لانها تنشاء باختيار
المتعاقدين، وحقها أن يضبط كل واحد من المتعاقدين صاحبه. ويحتمل إجراؤه في الجميع،
لان الانسان عرضة للنسيان، ولا يتضررون باليمين كما مر. ولو أقام بينة على هذا
الوجه سمعت، لا لاثبات الحق عليهما أو على أحدهما بخصوصه، بل لاثبات اللوث لو عين
بعد ذلك واحدا من المشهود على أحدهم من غير تعيين، فيثبت باليمين كما سيأتي (2).
قوله: (لو ادعى أنه قتل مع جماعة... إلخ). إذا ادعى على معين القتل بشركة غيره، فإن
ذكر جماعة لا يتصور اجتماعهم على القتل لغا قوله ودعواه كالسابق. وإن ذكر جماعة
يتصور اجتماعهم ولم يحصرهم، أو قال: لا أعرف
(هامش)
(1) في (د): القتل. (2) في ص: 204. (*)
ص 171
الثانية: لو ادعى القتل، ولم يبين عمدا أو خطاء، الاقرب أنها تسمع، ويستفصله
القاضي، وليس ذلك تلقينا، بل تحقيقا للدعوى. ولو لم يبين، قيل: طرحت دعواه، وسقطت
البينة بذلك، إذ لا يمكن الحكم بها. وفيه تردد.
عددهم، فإن ادعى قتلا يوجب الدية
سمعت دعواه، ولكن لا يثبت على المدعى عليه المعين شي معين (1) من الدية، لان معرفة
ما يخصه منها موقوف على معرفة عدد الشركاء، فيرجع إلى الصلح. ويحتمل عدم سماع
الدعوى، لعدم تحريرها. وإن كان القتل موجبا للقود فعندنا أنه كذلك، لان قتله موقوف
على أن يرد عليه ما فضل من ديته عن جنايته، وهو موقوف على معرفة عدد الشركاء. ومن
جوز قتل المتعدد من الشركاء بغير رد من العامة (2)، فرق بين دعوى القتل الموجب
للقصاص والدية، فسمعها في الاول دون الثاني، لما أشرنا إليه من الفرق. اهذ كله إذا
لم يحصرهم بوجه يمكن معه الحكم على المعين بحصة من الدية، وإلا سمعت، كما لو قال:
لا أعرف عددهم على وجه التحقيق ولكن أعلم أنهم لا يزيدون على عشرة، فتسمع الدعوى،
ويترتب على تحقيقها المطالبة بعشر الدية، لانه المتيقن. ولو قتله رد عليه تسعة
أعشار ديته كذلك. قوله: (لو ادعى القتل... إلخ). لتكن الدعوى مفصلة بكون القتل عمدا
أو خطاء أو عمد خطاء، منفردا أو
(هامش)
(1) كذا في (خ)، وفي سائر النسخ: شيئا معينا. (2) انظر اللباب في شرح الكتاب 3:
150، الحاوي الكبير 12: 26 - 27، المغني لابن قدامة 9: 367، حلية العلماء 7: 456،
الكافي للقرطبي 2: 1098، ولم يذكر في المصادر الفرق بين الدعويين، ولعله تخريج من
الشارح (قدس سره) على مذهبهم. (*)
ص 172
الثالثة: لو ادعى على شخص القتل منفردا، ثم ادعى على آخر، لم تسمع الثانية، برأ
الاول أو شركه، لاكذابه نفسه بالدعوى الاولى. وفيه للشيخ قول آخر.
بشركة غيره، فإن
الاحكام تختلف باختلاف هذه الاحوال، والواجب تارة يتوجه على القاتل وأخرى على
عاقلته، فلا يمكن فصل الامر ما لم يعلم من يطالب وبم يطالب؟ لكن هل ذلك شرط في سماع
الدعوى أم لا؟ فيه وجهان تقدم (1) الكلام فيهما. وإنما أعاده ليرتب عليه تتمة
الحكم، ولو جمعهما في موضع واحد كان أجود. ثم على تقدير سماع المجملة فهل يستفصله
الحاكم، أو يعرض عنه؟ وجهان: أحدهما: أنه يعرض عنه، لان الاستفصال ضرب من التلقين،
وهو ممتنع في حق الحاكم. وأصحهما - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، ولم يذكر
غيره -: أنه يستفصل. ويمنع من كونه تلقينا، لان التلقين أن يقول له: قتل عمدا أو
خطاء جازما بأحدهما، ليبني عليه المدعي. والاستفصال أن يقول له: كيف قتل، عمدا أو
خطاء؟ لتحقق الدعوى. فإن لم يبين ففي سماعها حينئذ وجهان، من انتفاء الفائدة،
وإمكان إثبات أصل القتل والرجوع إلى الصلح. قوله: (لو ادعى على شخص... إلخ). من
شروط سماع دعوى القتل سلامتها عما يكذبها ويناقضها، فلو ادعى
(هامش)
(1) في ص: 168 - 169. (*)
ص 173
الرابعة: لو ادعى قتل العمد، ففسره بالخطاء، لم تبطل أصل الدعوى. وكذا لو ادعى
الخطاء، ففسره بما ليس خطاء. وتثبت الدعوى: بالاقرار، أو البينة، أو القسامة.
على
شخص أنه منفرد بالقتل، ثم ادعى على آخر أنه شريك فيه أو منفرد به، لم تسمع الدعوى
الثانية، لان الاولى يكذبها. ثم لا يمكن من العود إلى الاولى أيضا، إذا لم يكن قد
أقسم عليها وأمضي الحكم بها، لان الثانية يكذبها. ولو أن الثاني صدقه في دعواه ففي
القبول وجهان: أحدهما: أنه ليس له أن يؤاخذه بموجب تصديقه، لان في الدعوى الاولى
اعترافا ببرأة غير المدعى عليه. وأصحهما: المؤاخذة، لان الحق لا يعدوهما، ويمكن أن
يكون كاذبا في الدعوى الاولى قصدا أو غلطا، صادقا في الثانية. والموجود في كلام
الشيخ (1) وغيره (2) الخلاف في هذا القسم، وهو ما إذا صدقه الثاني على دعواه، وأن
المرجح قبول دعوى المدعي الثانية حينئذ. فيكون هذا القول مخالفا لاطلاق الاول عدم
سماع الدعوى الثانية، المتناول لما إذا صدق المدعى عليه ثانيا وما إذا كذب. وأما
القول بأن الدعوى الثانية مسموعة مطلقا مع كونها مكذبة للاولى فلا يظهر به قائل.
قوله: (لو ادعى قتل العمد... إلخ). هذه المسألة كالمتفرعة على السابقة، من حيث إن
كل واحد من العمد
(هامش)
(1) لم نعثر عليه. (2) قواعد الاحكام 2: 293. (*)
ص 174
أما الاقرار:
فتكفي المرة. وبعض الاصحاب يشترط الاقرار مرتين. ويعتبر في المقر:
البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والحرية. أما المحجور عليه لفلس أو سفه، فيقبل
إقراره بالعمد، ويستوفى منه القصاص. وأما بالخطاء، فتثبت ديته، ولكن لا يشارك
الغرماء.
والخطأ يخالف الاخر. وإنما فصلها عنها وحكم بالقبول، لان كل واحد منهما
قد يخفى مفهومه على كثير من الناس، فقد يظن ما ليس بعمد عمدا، فيتبين بتفسيره أنه
مخطئ في اعتقاده، وبالعكس. وأيضا فقد يكذب في الوصف ويصدق في الاصل، فلا يرد أصل
الدعوى، ويعتمد على تفسيره، ويمضى حكمه. ويحتمل عدم القبول، لان في دعوى العمدية
(1) اعترافا ببرأة العاقلة، فلا يتمكن من مطالبتهم. ولان في دعوى العمدية (2)
اعترافا بأنه ليس بمخطئ، وبالعكس، فلا يقبل الرجوع عنه. وكذا القول فيما لو ادعى
الخطاء المحض ثم فسره بشبه العمد. قوله: (أما الاقرار فتكفي المرة.. إلخ). القول
بثبوته بالاقرار مرة مذهب أكثر الاصحاب، لعموم: (إقرار العقلا على أنفسهم جائز)
(3). وحمله على الزنا والسرقة وغيرهما مما يعتبر فيه التعدد قياس مع وجود الفارق،
لانه حق آدمي فيكفي فيه المرة كسائر الحقوق.
(هامش)
(1، 2) في (خ): العمد به. (3) راجع الوسائل 16: 111 ب (3) من كتاب الاقرار ح 2،
المستدرك 16: 31 ب (2) من كتاب الاقرار ح 1، عوالي اللئالي 3: 442 ح 5. وراجع أيضا
المختلف: 443، التذكرة 2: 79، إيضاح الفوائد 2: 428، جامع المقاصد 5: 233، فهناك
بحث في كون هذه الجملة رواية. (*)
ص 175
ولو أقر واحد بقتله عمدا، وآخر بقتله خطاء، تخير الولي تصديق أحدهما، وليس له على
الاخر سبيل. ولو أقر بقتله عمدا، فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الاول،
وذهب الشيخ
في النهاية (1) والقاضي (2) وابن إدريس (3) وجماعة (4) إلى اعتبار المرتين، عملا
بالاحتياط في الدماء، ولانه لا ينقص عن الاقرار بالسرقة التي يشترط فيها التعدد،
ففيه أولى. وضعفه ظاهر. قوله: (ولو أقر واحد بقتله عمدا... إلخ). لان كل واحد من
الاقرارين سبب مستقل في إيجاب مقتضاه على المقربه، ولا يمكن الجمع بين الامرين،
فيتخير الولي في العمل بأيهما شاء، وإن جهل الحال كغيره من الاقارير. ويؤيده رواية
الحسن بن صالح قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان
إلى وليه، فقال أحدهما: أنا قتلته عمدا، وقال الاخر: أنا قتلته خطاء، فقال: إن هو
أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطاء سبيل، وإن أخذ بقول صاحب الخطاء فليس
له على صاحب العمد سبيل) (5). قوله: (ولو أقر بقتله عمدا... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية: 742. (2) المهذب 2: 502. (3) السرائر 3: 341. (4) الجامع للشرائع:
577. (5) الكافي 7: 289 ح 1، الفقيه 4: 78 ح 244، التهذيب 10: 172 ح 677، الوسائل
19: 106 ب (3) من أبواب دعوى القتل ح 1. (*)
ص 176
درىء عنهما القصاص والدية، وودي المقتول من بيت المال. وهي قضية الحسن عليه السلام.
الاصل في هذه المسألة رواية علي بن إبراهيم عن أبيه، قال: أخبرني بعض أصحابنا رفعه
إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: (أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل وجد في
خربة وفي يده سكين متلطخ بالدم، وإذا رجل مذبوح متشحط في دمه، فقال له أمير
المؤمنين عليه السلام: ما تقول؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا قتلته. قال: اذهبوا به
فاقتلوه. فلما ذهبوا به ليقتلوه أقبل رجل مسرعا فقال: لا تعجلوا وردوه إلى أمير
المؤمنين، فردوه. فقال: والله يا أمير المؤمنين ما هذا قتل صاحبه، أنا قتلته. فقال
أمير المؤمنين عليه السلام للاول: ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال: يا أمير
المؤمنين، وما كنت أستطيع أن أقول وقد شهدوا علي أمثال هؤلا الرجال، وأخذوني وبيدي
سكين متلطخ بالدم، والرجل متشحط في دمه وأنا قائم عليه، وخفت الضرب فأقررت، وأنا
رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة، فأخذني البول فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط في
دمه، فقمت متعجبا فدخل علي هؤلا فأخذوني. فقال علي عليه السلام: خذوا هذين فاذهبوا
بهما إلى الحسن عليه السلام، وقولوا له: ما الحكم فيهما؟ قال: فذهبوا إلى الحسن
عليه السلام وقصوا عليه قصتهما. فقال الحسن عليه السلام: قولوا لامير المؤمنين عليه
السلام: إن كان هذا
ص 177
وأما البينة:
فلا يثبت ما يجب به القصاص إلا بشاهدين. ولا يثبت بشاهد وامرأتين.
وقيل: تجب به الدية. وهو شاذ. ولا بشاهد ويمين، ويثبت بذلك ما موجبه الدية، كقتل
الخطاء والهاشمة والمنقلة وكسر العظام والجائفة.
ذبح هذا فقد أحيا هذا، وقد قال
الله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (1). فخلى عنهما وأخرج دية
المذبوح من بيت المال) (2). وبمضمون هذه الرواية عمل الاكثر، مع أنها مرسلة مخالفة
للاصل. والاقوى تخيير الولي في تصديق أيهما شاء، والاستيفاء منه كما سبق.وعلى
المشهور لو لم يكن بيت مال أشكل در القصاص عنهما وإذهاب حق المقر له، مع أن مقتضى
التعليل ذلك. ولو لم يرجع الاول عن إقراره، فمقتضى التعليل بقاء الحكم أيضا.
والمختار التخيير مطلقا. قوله: (فلا يثبت ما يجب به القصاص... إلخ). القول بعدم
ثبوت ما يجب به القصاص بشاهد وامرأتين للشيخ في الخلاف (3) وابن إدريس (4)، عملا
بالقاعدة المشهورة من أن قبول شهادة المذكورين مشروطة بكون متعلقه المال، ولرواية
محمد بن الفضيل عن الرضا
(هامش)
(1) المائدة: 32. (2) الكافي 7: 289 ح 2، التهذيب 10: 173 ح 679، الوسائل 19: 107 ب
(4) من أبواب دعوى القتل ح 1. (3) الخلاف 6: 252 مسألة (4). (4) السرائر 2: 115، 3:
338. (*)
ص 178
عليه السلام قال: (لا تجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم) (1) وغيرها. وذهب جماعة
- منهم الشيخ في المبسوط (2)، والمصنف في كتاب الشهادات (3) - إلى ثبوته بذلك،
ويترتب عليه موجبه من القود. وآخرون - منهم الشيخ في النهاية (4)، وابن الجنيد (5)،
وأبو الصلاح (6)، والقاضي (7) - إلى ثبوته بذلك، لكن تجب الدية لا القود. وهو القول
الذي نسبه المصنف هنا إلى الشذوذ، مع ذهاب أكثر (8) الاصحاب إليه، ومنهم العلامة في
المختلف (9). ومستنده الجمع بين الاخبار التي دل بعضها على عدم ثبوته كما أشرنا
إليه، وبعضها على ثبوته مطلقا، كصحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام، وقد
سأله عن شهادة النساء في الحدود، قال: (في القتل وحده، إن عليا عليه السلام كان
يقول: لا يطل دم امر مسلم) (10). بحمل ما دل على الثبوت على الدية،
(هامش)
(1) الكافي 7: 391 ح 5، الفقيه 3: 31 ح 94، التهذيب 6: 264 ح 705، الاستبصار 3: 23
ح 73، الوسائل 19: 104 ب (2) من أبواب دعوى القتل ح 3. (2) حكاه عن مبسوطه العلامة
في المختلف: 714، وفي المبسوط (8: 172) قوى الثبوت واستثنى القصاص. (3) شرائع
الإسلام 4: 140.(4) النهاية: 333. (5) حكاه عنه العلامة في المختلف: 714. (6)
الكافي في الفقه: 436. (7) المهذب 2: 558. (8) في (خ، م) والحجريتين: كبراء. (9)
المختلف: 714. (10) الكافي 7: 390 ح 1، التهذيب 6: 266 ح 711، الاستبصار 3: 26 ح
82، الوسائل 18: 258 ب (24) من أبواب الشهادات ح 1. (*)
ص 179
ولا تقبل الشهادة إلا صافية عن الاحتمال، كقوله: ضربه بالسيف فمات، أو فقتله، أو
فأنهر دمه فمات في الحال، أو فلم يزل مريضا منها حتى مات، وإن طالت المدة.
وعلى
عدمه على القود. وقد تقدم (1) البحث في ذلك في الشهادات، فلا وجه لاعادته إلا
التنبيه على الرجوع عما سبق. وكذلك فعل العلامة في القواعد (2) والارشاد (3). قوله:
(ولا تقبل الشهادة... إلخ). يعتبر في الشهادة على الجناية وغيرها كونها مفسرة مصرحة
بالغرض. فإذا كانت على القتل فشرطها أن تضيف الهلاك إلى فعل المشهود عليه. فلو قال:
ضربه بالسيف، لم يكف، ولم يثبت به شي، لان السيف قد يصيب المضروب به على وجه لا
يقتل. ولو قال: ضربه وأنهر الدم أو وجرحه، لم يثبت القتل أيضا، إذ ليس في الشهادة
تعرض له. وكذا لو قال: ضربه بالسيف وأنهر الدم ومات، لاحتمال أنه مات بسبب آخر لا
بجراحته وإنهاره. ولو قال عقيب ذلك: فمات، بالفاء، فقد جزم المصنف بقبول الشهادة
حينئذ، جعلا للفاء سببية، فكأنه قال: فمات بسبب ذلك. وهكذا أطلق غيره من الاصحاب،
كالشيخ في المبسوط (4) والعلامة في
(هامش)
(1) في ج 14: 253 - 255. (2) قواعد الاحكام 2: 238 - 239 و293.(3) إرشاد الاذهان 2:
159 و215. (4) المبسوط 7: 250. (*)
ص 180
ولو أنكر المدعى عليه ما شهدت به البينة، لم يلتفت إلى إنكاره. وإن صدقها وادعى
الموت بغير الجناية، كان القول قوله مع يمينه.
القواعد (1) والارشاد (2). وفي
المسألة وجه آخر بعدم القبول بذلك، لاحتمال أنه مات بسبب آخر لا بجراحته وإنهاره،
والفاء لا تدل على المطلوب صريحا كالواو. والعبارة الصريحة أن يقول: فمات من
جراحته، أو بسبب جراحته، أو بتلك الجراحة، ونحو ذلك. وهذا هو الظاهر. وعبارة
التحرير (3) في هذا الباب أجود، لانه اقتصر على أمثلة صريحة نحو ما ذكرناه. قوله:
(ولو أنكر المدعى عليه... إلخ). عدم الالتفات إلى قوله مع إنكاره ما شهدت به البينة
واضح، كما في كل مشهود عليه، إذ لو التفت إليه في ذلك لادى إلى تعطيل الحقوق ورد
الشهادات. وأما مع تصديقه إياها في الجناية ودعواه الموت بغيرها، فإن كانت الجناية
مما لا يلزم عنها الموت، والشهادة محتملة (4) كالامثلة السابقة، فقبول قوله حسن
أيضا، لعدم ثبوت ما ينافي قوله من الشهادة. وأما مع تصريح الشهادة بكون القتل ناشئا
عن الجناية فيشكل تقديم قوله، لانه في معنى التكذيب للبينة في استناد القتل إلى
الجناية، وإن صادقها في أصل الجناية. والوجه أنه متى لزم من إنكاره تكذيب الشهادة
ولو في بعض أوصافها لم تسمع دعواه.
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 294. (2) إرشاد الاذهان 2: 215. (3) تحرير الاحكام 2: 251.
(4) في الحجريتين: مجملة. (*)
ص 181
وكذا الحكم في الجراح، فإنه لو قال الشاهد: ضربه فأوضحه قبل. ولو قال: اختصما، ثم
افترقا وهو مجروح، أو ضربه فوجدناه مشجوجا، لم يقبل، لاحتمال أن يكون من غيره. وكذا
لو قال: فجرى دمه. أما لو قال: فأجرى دمه، قبلت. ولو قال: أسال دمه فمات، قبلت في
الدامية دون ما زاد.
قوله: (وكذا الحكم في الجراح... إلخ). لا إشكال في اشتراط خلوص
الشهادة بالجرح كما يشترط في القتل. فمن أمثلة الخلوص ما لو نسب الاثر - كالموضحة
وسيلان الدم - إلى الجناية، كقوله: ضرب رأسه فأدماه أو أسال دمه. ولو قال: فسال
دمه، لم يثبت، لاحتمال أن السيلان حصل بسبب آخر. ولو قال: ضربه فأوضح رأسه أو اتضح
من ضربه، ثبتت الموضحة. ولو قال: ضربه فوجدناه موضحا أو فاتضح ونحو ذلك، لم يثبت،
للاحتمال. وينبغي التعرض في الموضحة لوضوح العظم، لان هذه الالقاب المستعملة عند
الفقهاء تخفى كثيرا على غيرهم، إلا أن يكون الشاهد ممن يعرف ذلك، ويعلم الحاكم أنه
لا يطلقها إلا على ما يوضح العظم عادة. ولو قال الشاهد: إنه أسال دمه، ثبتت
الدامية. ولو أضاف إلى ذلك قوله: فمات، قال المصنف - رحمه الله -: (قبلت في الدامية
دون ما زاد). وهو يتم على ما ذكرناه من عدم صراحة قوله: (فمات) في استناد (1) الموت
إلى الجناية، أما على ما اختاره المصنف فلا يخلو من إشكال.
(هامش)
(1) كذا في (ت)، وفي سائر النسخ: لاستناد. (*)
ص 182
ولو قال: أوضحه، ووجدنا فيه موضحتين، سقط القصاص، لتعذر المساواة في الاستيفاء،
ويرجع إلى الدية. وربما خطر الاقتصاص بأقلهما. وفيه ضعف، لانه استيفاء في محل لا
يتحقق توجه القصاص فيه. وكذا لو قال: قطع يده، ووجده مقطوع اليدين. ولا يكفي قوله:
فأوضحه، ولا شجه، حتى يقول: هذه الموضحة وهذه الشجة، لاحتمال غيرها أكبر أو أصغر.
وهكذا صنع الشيخ في المبسوط (1)، والعلامة في القواعد (2). وفي التحرير (3) اقتصر
على قوله: أسال دمه، ولم يذكر قوله: فمات. وهو أجود. لكنه قال: يثبت في الدامية دون
الزائد. وعلى هذا لا يكون هناك أمر زائد. وعلل في المبسوط (4) عدم قبول الزائد عن
الدامية بأنها متحققة، وما زاد محتمل. وهذا لا يتم إلا على ما أسلفناه من أن ذكر
الموت بعد الجناية لا يستلزم كونه منها بمجرده وإن عطف بالفاء، ما لم يسنده إليها،
ولكنهم قد أسلفوا خلاف ذلك. قوله: (ولو قال أوضحه... إلخ). من جملة شرائط قبول
الشهادة تعيين محل الجرح كالموضحة، وبيان مساحتها، ليجب القصاص. فلو كان على رأسه
موضحتان فصاعدا، وعجز الشهود عن تعيين موضحة المشهود عليه، فلا قصاص، حتى لو لم يكن
على
(هامش)
(1، 2) المبسوط 7: 250. (3) قواعد الاحكام 2: 294. (4) تحرير الاحكام 2: 251. (*)
ص 183
ويشترط فيهما التوارد على الوصف الواحد، فلو شهد أحدهما أنه قتله غدوة والاخر عشية،
أو بالسكين والاخر بالسيف، أو بالقتل في مكان معين والاخر في غيره، لم يقبل. وهل
يكون ذلك لوثا؟ قال في المبسوط: نعم. وفيه إشكال، لتكاذبهما.
رأسه إلا موضحة واحدة،
وشهد الشهود بأنه أوضح رأسه، فلا قصاص أيضا، لجواز أن يكون عليه موضحة صغيرة
فوسعها. وإنما يجب القصاص إذا قالوا: إنه أوضح هذه الموضحة. ولكن تجب دية موضحة،
لانها لا تختلف، وقد فات محل القصاص بالاشتباه، فتبقى (1) الدية.ويحتمل عدم الوجوب،
لان هذه الجراحة لو ثبتت على صفتها لوجب القصاص، وقد تعذر إثبات القصاص، فلا تثبت
الجناية أصلا، كما لو شهد من لا تقبل شهادته في القصاص مع قبولها في المال. ومثله
ما لو شهد الشاهدان أن فلانا قطع يد فلان ولم يعينا [ه] (2) والمشهود له مقطوع
اليدين. وأما القول بثبوت الاقتصاص بأقل الموضحتين، نظرا إلى أنه المتيقن والزائد
مشكوك فيه، فلا يخفى ضعفه، لمنع التيقن (3) حينئذ، لان من شرط القصاص كونه في محل
الجناية، واشتباه الموضحة يقتضي اشتباه محلها، فلا يعين (4) بشي من ذلك. قوله:
(ويشترط فيهما التوارد... إلخ).
(هامش)
(1) في (د) والحجريتين: فينبغي. (2) من الحجريتين. (3) في (ث، خ، ط): المتيقن. (4)
في إحدى الحجريتين: يقين. (*)
ص 184
أما لو شهد أحدهما بالاقرار، والاخر بالمشاهدة، لم يثبت، وكان لوثا، لعدم التكاذب.
وهنا مسائل:
الاولى: لو شهد أحدهما بالاقرار بالقتل مطلقا، وشهد الاخر بالاقرار
عمدا، ثبت القتل، وكلف المدعى عليه البيان، فإن أنكر القتل لم يقبل منه، لانه إكذاب
للبينة. وإن قال: عمدا، قتل. وإن قال: خطاء، وصدقه الولي، فلا بحث، وإلا فالقول قول
الجاني مع يمينه.
عدم قبول شهادتهما مع الاختلاف المذكور واضح، لان كلا من الفعلين
غير الاخر، ويمتنع وقوع القتل (1) عليهما وأحدهما لا يثبت به القتل. وهل يثبت بذلك
لوث بحيث يحلف الولي مع أحدهما؟ أثبته في المبسوط (2)، لصدق شهادة الواحد على ما
يطابق دعوى المدعي، وسيأتي (3) أن ذلك يفيد اللوث. والمصنف - رحمه الله - استشكل
ذلك، من حيث تكاذبهما الموجب لاطراح شهادتهما. ولا نسلم أن شهادة الشاهد مطلقا على
وفق الدعوى موجبة للوث، بل مع عدم وجود ما ينافيها، وهو هنا موجود. ولان تكاذبهما
يضعف ظنالحاكم الذي هو مناط اللوث. وهذا هو الاظهر. قوله: (لو شهد أحدهما بالاقرار
بالقتل... إلخ). إذا شهد أحدهما بالقتل مطلقا والاخر به عمدا، ثبت بهما أصل القتل،
لقيام الشاهدين به، دون الوصف، لانه لم يحصل به سوى شاهد واحد، فلا يقبل إنكار
(هامش)
(1) في (م): الفعل. (2) المبسوط 7: 254. (3) في ص: (*)
ص 185
ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا، والاخر بالقتل المطلق، وأنكر القاتل العمد، وادعاه
الولي، كانت شهادة الواحد لوثا، ويثبت الولي دعواه بالقسامة إن شاء. الثانية: لو
شهدا بقتل على اثنين، فشهد المشهود عليهما على
المشهود عليه أصل القتل، لثبوته
بالبينة، فيكون إنكاره تكذيبا لها. نعم، يقبل إنكاره الوصف، لان الخطاء لم يقم به
بينة، والعمد لم يقم به سوى شاهد، فيكون القول قوله في صفته مع يمينه. فإن وافق على
العمد قتل. ولو كان الولي يدعيه لم يفتقر إلى اليمين. وإن ادعى الخطاء توقف على
اليمين، ولزمه موجبه. قوله: (ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا... إلخ). إنما كانت شهادة
الواحد هنا لوثا لانه لا تكاذب بين الشهادتين، غايته أن شهادة الاخر لم تتضمن
الصفة، فيكون الامر كما لو شهد واحد بالعمد ابتداء من غير أن يشهد معه غيره، فإنه
يكون لوثا كما سيأتي (1)، بخلاف ما إذا تضمنت شهادة الاخر المناقضة للاخر، كما مر
(2) من اختلافهما في الوصف أو الزمان أو المكان. وإنما حكم باللوث على تقدير
شهادتهما على أصل القتل دون الاقرار، لان اللوث إنما يثبت في الفعل دون الاقرار،
وهذا هو الباعث على الفصل بين المسألتين. قوله: (لو شهدا بقتل على اثنين... إلخ).
(هامش)
(1) في ص: 196. (2) في ص: 183. (*)
ص 186
الشاهدين، أنهما هما القاتلان، على وجه لا يتحقق معه التبرع، أو إن تحقق لا يقتضي
إسقاط الشهادة، فإن صدق الولي الاولين، حكم له، وطرحت شهادة الاخرين. وإن صدق
الجميع، أو صدق الاخرين، سقط الجميع.
إذا شهد اثنان على رجلين أنهما قتلا فلانا،
فشهد المشهود عليهما أن الاولين قتلاه، سئل الولي، فإن صدق الاولين دون الاخرين ثبت
القتل على الاخرين بشهادة الاولين. ولا تقبل شهادة الاخرين، لان الولي يكذبهما.
ولانهما يدفعان بشهادتهما ضرر موجب القتل الذي شهد به الاولان، والدافع متهم في
شهادته. ولانهما صارا عدوين للاولين بشهادتهما عليهما غالبا. وإن صدق الاخرين دون
الاولين بطلت الشهادتان. أما شهادة الاولين فلان تصديق الاخرين يتضمن تكذيبهما.
وأما شهادة الاخرين فلمعنى الدفع والعداوة. وإن صدق الفريقين جميعا فذلك (1) يبطل
الشهادتين أيضا، لان في تصديق كل فريق تكذيب الاخر. وإن كذبهما جميعا فهو أظهر.
واعترض على تصوير المسألة بأن الشهادة على القتل لا تسمع إلا بعد تقديم الدعوى،
ولابد في الدعوى من تعيين القاتل، فكيف يسأل المدعي بعد شهادة الفريقين؟! وأجيب عنه
بوجوه: أحدها: أن تقديم الدعوى على الشهادة إنما يشترط إذا كان المدعي ممن يعبر عن
نفسه، فأما من لا يعبر - كالصبي والمجنون - فتجوز الشهادة لهم قبل الدعوى، والمشهود
له هنا لا يعبر عن نفسه، وهو القتيل، ألا ترى أنه إذا ثبتت
(هامش)
(1) في (د): فكذلك. (*)
ص 187
الثالثة: لو شهدا لمن يرثانه، أن زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت، ولا تقبل قبله،
لتحقق التهمة، على تردد. ولو اندمل بعد الاقامة، فأعاد الشهادة، قبلت، لانتفاء
التهمة.
الدية قضي منها ديونه ونفذت وصاياه. وفي هذا الجواب ذهاب إلى أن شهادة
الحسبة تقبل في الدماء. وقد تقدم (1) إطلاق القول بأنها لا تقبل في حقوق الادميين
المحضة أصلا. وثانيها: أن المسألة مصورة فيما إذا لم يعلم الولي القاتل، والشهادة
قبل الدعوى مسموعة والحال هذه. وفيه نظر، لامكان إعلام الشاهد المستحق بالقاتل (2)
حتى يقدم الدعوى ثم يشهد الشاهد، فلا يقبل بدون ذلك. وثالثها: أن يدعي الولي القتل
على اثنين ويشهد بذلك شاهدان، فيبادر المشهود عليهما ويشهدا (3) على الشاهدين
بأنهما القاتلان، وذلك يورث ريبة وشبهة للحاكم، فيراجع الولي ويسأله احتياطا.
وحينئذ إن استمر على تصديق الاولين ثبت القتل على الاخرين، وإن صدق الاخيرين أو
صدقهم جميعا بطلت الدعويان لتناقضهما، وبطلت الشهادات.ورابعها: إمكان تصوير المسألة
فيما إذا كان قد وكل وكيلين لطلب الدم، فادعى أحدهما على اثنين، والاخر على اثنين،
وشهد كل اثنين على الاخرين. وإلى هذا السؤال وأجوبته أشار المصنف - رحمه الله -
بقوله: (على وجه لا يتحقق معه التبرع، أو إن تحقق يقتضي إسقاط الشهادة). قوله: (لو
شهدا لمن يرثانه... إلخ).
(هامش)
(1) في ج 14: 214 - 215. (2) في الحجريتين: بالفاعل. (3) في (د): ويشهدان. (*)
ص 188
ولو شهدا لمن يرثانه وهو مريض، قبلت. والفرق: أن الدية يستحقانها ابتداء، وفي
الثانية يستحقانها عن ملك الميت.
قد تقدم (1) في الشهادات أن من شرط قبول الشهادة
الانفكاك عن التهمة، وأن من أسباب التهمة أن يجر بالشهادة نفعا إلى نفسه أو يدفع
ضررا. فمن صور الجر أن يشهد على جرح مورثه قبل الاندمال، لانه لو مات كان الارش له،
فكأنه يشهد لنفسه. ولو كان بعد الاندمال قبلت، لانتفاء المانع. وكذا لو شهد قبل
الاندمال ثم أعادها بعده، لانتفاء التهمة بالثانية. ولو شهد بمال آخر لمورثه في مرض
الموت قبلت. والفرق بين المال والجرح: أن أرش الجرح لا يثبت إلا بعد الاستقرار، ومن
جملة فروض تحققه أن يموت المجروح، فتكون الدية الثابتة بسبب الجرح مترتبة على شهادة
المستحق لها، وذلك نفع واضح، بخلاف المال، فإنه يثبت بالشهادة حالة المرض للمشهود
له وإن انتقل عنه بعده للشاهد، فليست الشهادة مما يجر نفعا لنفسه ابتداء، لامكان أن
يبرأ من مرضه أو يوصي به أو ينقله عن ملكه على وجه لا اعتراض فيه للوارث الشاهد.
ولبعض الشافعية (2) هنا وجه بعدم القبول كالجرح، استنادا إلى أن المريض محجور في
المرض بحق الورثة، ولذلك لو وهب عين ذلك المال يعتبر من الثلث، وذلك يوجب التهمة في
شهادة الوارث. والاظهر عندهم الاول. والمصنف - رحمه الله - تردد في عدم القبول في
صورة الجرح، مما
(هامش)
(1) في ج 14: 189. (2) الحاوي الكبير 13: 83. (*)
|