ص 189
الرابعة: لو شهد شاهدان من العاقلة، بفسق شاهدي القتل، فإن كان القتل عمدا أو شبيها
به، أو كانا ممن لا يصل إليهما العقل، حكم بهما وطرحت شهادة القتل. وإن كانا ممن
يعقل عنه لم تقبل، لانهما يدفعان عنهما الغرم.
ذكرناه، ومن إمكان مساواتها للشهادة
له بالمال، بدعوى أن الدية لا تنتقل إلى الوارث ابتداء، بل يتلقاها عن الميت، ومن
ثم قضي منها ديونه ونفذت منها وصاياه، فيكون كالثانية (1). والاظهر المنع، وثبوت
الفرق، ومنع استلزام اقتضاء (2) ذلك ثبوت الدية في ملك الميت، لانها لا تثبت إلا
بعد الموت، والميت غير قابل للملك. نعم، هو في حكم المالك لذلك. أو يقال: ثبت ذلك
بالنص على خلاف الاصل، وإلا لكان مقتضاه عدم تعلق ملك المقتول بها مطلقا. قوله: (لو
شهد شاهدان من العاقلة... إلخ). هذه أيضا من صور التهمة بدفع الضرر، فإن العاقلة
تتحمل دية الخطاء دون العمد وشبهه. وقد يعرض (3) انتفاء التحمل عن العاقلة بأمرين،
أحدهما: الفقر. والثاني: بعد الدرجة مع قيام القريب بالدية. فإذا شهد الفقير أو
البعيد الذي لا يصل إليه التوزيع، بأن يكون في القريب وفاء بالواجب، فتقبل شهادتهما
في الموضعين، لانتفاء المانع. وفيه وجه بالمنع، لان الفقير يتحمل لو أيسر، والبعيد
يتحمل لو مات القريب، فهما متهمان بدفع ضرر متوقع.
(هامش)
(1) في (د): كالثابتة. (2) لم ترد في (ت، خ، د). (3) في (ت، ث) والحجريتين: يفرض.
(*)
ص 190
الخامسة: لو شهد اثنان أنه قتل، وآخران على غيره أنه قتله، سقط القصاص، ووجبت الدية
عليهما نصفين. ولو كان خطاء، كانت الدية على عاقلتهما. ولعله احتياط في عصمة الدم،
لما عرض من الشبهة بتصادم البينتين. ويحتمل هذا وجها آخر، وهو تخير الولي [في]
تصديق أيهما شاء، كما لو أقر اثنان، كل واحد [منهما] بقتله منفردا. والاول أولى.
وفي ثالث بالفرق بين الامرين، فيقبل من البعيد دون الفقير، لان المال غادورائح،
والغنى غير مستبعد، بل كل يحدث نفسه به ويتمنى الاماني، وموت القريب الذي يحوج
الابعد إلى التحمل كالمستبعد في الاعتقادات، والتهمة لا تتحقق بمثله. والمصنف -
رحمه الله - اقتصر على فرض مثال البعيد خاصة، إما تخصيصا لموضع الحكم، أو على وجه
المثال. وفي التحرير (1) فرق بين الامرين. وفي القواعد (2) استشكل الحكم فيهما.
وعدم الفرق هو الوجه. قوله: (لو شهد اثنان أنه قتل... إلخ). القول بسقوط القود في
العمد، وثبوت الدية عليهما في العمد وشبهه، وعلى العاقلة في الخطاء، للشيخين (3)
وجماعة (4) منهم العلامة (5)، محتجا على الاول بأنهما بينتان تصادمتا، وليس قبول
إحداهما في نظر الشارع أولى من قبول
(هامش)
(1) تحرير الاحكام 2: 251. (2) قواعد الاحكام 2: 294 - 295. (3) النهاية: 742 -
743، المقنعة: 737. (4) المهذب 2: 502. (5) المختلف: 789. (*)
ص 191
الاخرى. ولا يمكن العمل بهما، لاستلزامه وجوب قتل الشخصين معا، وهو باطل إجماعا،
ولا العمل بإحداهما دون الاخرى، لعدم الاولوية، فلم يبق إلا سقوطهما معا بالنسبة
إلى القود، لانه تهجم على الدماء المحقونة في نظر الشرع بغير سبب معلوم ولا مظنون،
إذ كل واحدة من الشهادتين تكذب الاخرى، ولان القتل حد يسقط بالشبهة. وأما الثاني،
وهو ثبوت الدية عليهما، فلئلا يطل (1) دم امر مسلم، وقد ثبت أن قاتله أحدهما وجهل
عينه، فيجب عليهما، لانتفاء المرجح. والوجه الاخر الذي ذكره المصنف - رحمه الله -
مذهب ابن إدريس (2)، محتجا بقوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (3)، ونفي القتل
عنهما ينافي إثبات السلطان. وبأن البينة ناهضة على كل منهما بوجوب القود، فلا وجه
لسقوطه. وبأنا قد أجمعنا على أنه لو شهد اثنان على واحد بأنه القاتل، فأقر آخر
بالقتل، يتخير الولي في التصديق والاقرار، كالبينة في حق الادمي.وأجيب بأن الاية
تدل على إثبات السلطان للولي مع علم القاتل لا مطلقا، وهو منتف هنا. والبينة إنما
تنهض مع عدم المعارض، وهو موجود. والاجماع على المسألة المبني عليها ممنوع، مع وجود
الفرق بين الاقرار والبينة في كثير من الموارد، ومنه اشتراط تعدد الشاهد دون
الاقرار. وفي هذا الاخير نظر، لان الكلام في مساواة الاقرار الذي يثبت به الحق
للبينة التي يثبت بها، وهي الشاهدان هنا، لا في مساواته للشاهد. نعم، إلحاق
(هامش)
(1) في (خ، م): يبطل. والطل: هدر الدم. لسان العرب 11: 405. (2) السرائر 3: 341 -
342. (3) الاسراء: 33. (*)
ص 192
السادسة: لو شهدا أنه قتل زيدا عمدا، فأقر آخر أنه هو القاتل، وبرأ المشهود عليه،
فللولي قتل المشهود عليه، ويرد المقر نصف ديته، وله قتل المقر ولا رد، لاقراره
بالانفراد، وله قتلهما بعد أن يرد على المشهود عليه نصف ديته دون المقر. ولو أراد
الدية، كانت عليهما نصفين. وهذه رواية زرارة، عن أبي جعفر [عليه السلام]. وفي
قتلهما إشكال، لانتفاء الشركة. وكذا في إلزامهما بالدية نصفين. والقول بتخيير الولي
في أحدهما وجه قوي، غير أن الرواية من المشاهير.
حكم الاقرار الثابت بالنص للبينة
قياس لا نقول به مع عدم تساوي حكمهما من كل وجه، كما تقدم كثيرا في تضاعيف الاحكام.
وللمصنف - رحمه الله - في النكت (1) تفصيل حسن، وهو: أن الاولياء إما أن يدعوا
القتل على أحدهما، أو يقولوا: لا نعلم. فإن كان الاول قتلوه، لقيام البينة بالدعوى،
وتهدر الاخرى. وإن كان الثاني فالبينتان متعارضتان على الانفراد لا على مجرد القتل،
فيثبت القتل من أحدهما ولا يتعين، والقصاص يتوقف على تعيين القاتل، فيسقط وتجب
الدية، لعدم أولوية نسبة القتل إلى أحدهما دون الاخر. واعلم أن مقتضى عبارة الشيخين
في الكتابين يدل على أن بالحكم الاول رواية، وبه صرح العلامة في التحرير (2)، ولم
نقف عليها، فوجب الرجوع إلى القواعد الكلية في الباب. قوله: (لو شهدا أنه قتل زيدا
عمدا... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية ونكتها 3: 374. (2) تحرير الاحكام 2: 251. (*)
ص 193
القول بالتفصيل المذكور في المسألة للشيخ (1) وأتباعه (2)، وابن الجنيد (3)، وأبي
الصلاح (4)، وكثير (5) من المتأخرين. ومستنده صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام
قال: (سألته عن رجل شهد عليه قوم أنه قتل عمدا، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول
ليقاد به، فلم يرتموا حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي أنه قتل صاحبهم عمدا، وأن هذا
الذي شهد عليه الشهود بري من قتل صاحبكم، فلا تقتلوه وخذوني بدمه. قال: فقال أبو
جعفر عليه السلام: إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه فليقتلوه،
ولا سبيل لهم على الاخر. ولا سبيل لورثة الذي أقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه.
وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه ولا سبيل لهم على الذي أقر. ثم ليؤدي
الذي أقر على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية. قلت: أرأيت إن أرادوا أن
يقتلوهما جميعا؟ قال: ذاك لهم، وعليهم أن يؤدوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية
خاصة دون صاحبه، ثم يقتلوهما به. قلت: فإن أرادوا أن يأخذوا الدية؟ فقال: الدية
بينهما نصفان، لان أحدهما أقر، والاخر شهد عليه.
(هامش)
(1) النهاية: 743. (2) المهذب 2: 502، إصباح الشيعة: 493 - 494. (3) حكاه عنه
العلامة في المختلف: 789 - 790. (4) الكافي في الفقه: 387. (5) الجامع للشرائع:
578. (*)
ص 194
قلت: فكيف جعل لاولياء الذي شهد عليه على الذي أقر نصف الدية حين قتل، ولم يجعل
لاولياء الذي أقر على أولياء الذي شهد عليه ولم يقر؟ فقال: لان الذي شهد عليه ليس
مثل الذي أقر، الذي شهد عليه لم يقر ولم يبرئ صاحبه، والاخر أقر وبرأ صاحبه، فلزم
الذي أقر وبرأ ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يبرئ صاحبه) (1). وهذه الرواية مع صحة
سندها مشهورة بين الاصحاب. وردها ابن إدريس (2) على قاعدته، وحكم بالتخيير كالمسألة
السابقة. وقال: لي في قتلهما جميعا نظر، لعدم شهادة الشهود وإقرار المقر بالشركة.
قال: أما لو شهدت البينة بالاشتراك وأقر الاخر به جاز قتلهما، ويرد عليهما معا دية.
ونفى في المختلف (3) عن هذا البأس. والمصنف - رحمه الله - استشكل أيضا قتلهما كما
ذكره ابن إدريس. وزاد الاشكال في إيجاب الدية عليهما نصفين، لعدم الاشتراك.وقال في
النكت (4): إن الاشكال هنا في ثلاثة مواضع: الاول: لم يخير الاولياء في القتل؟
وجوابه: لقيام البينة على أحدهما الموجبة للقود، وإقرار الاخر على نفسه بما يبيح
دمه.
(هامش)
(1) الكافي 7: 290 ح 3، التهذيب 10: 172 ح 678، الوسائل 19: 108 ب (5) من أبواب
دعوى القتل ح 1. (2) السرائر 3: 342. (3) المختلف: 790. (4) النهاية ونكتها 3: 376.
(*)
ص 195
السابعة: قال في المبسوط: لو ادعى قتل العمد، وأقام شاهدا وامرأتين، ثم عفا، لم
يصح، لانه عفا عما لم يثبت. وفيه إشكال، إذ العفو لا يتوقف على ثبوت الحق عند
الحاكم.
الثاني: لم وجب الرد لو قتلوهما؟وجوابه: ما تقرر من أنه لا يقتل اثنان
بواحد إلا مع الشركة، ومع الشركة يرد فاضل الدية، وهو دية كاملة، لكن المقر أسقط
حقه من الرد، فيبقى الرد على المشهود عليه. الثالث: لم إذا قتل المقر وحده لا يرد
المشهود عليه، بخلاف العكس؟ وجوابه: أن المقر أسقط حقه من الرد، والمشهود عليه لم
يقر، فيرجع على ورثة المقر بنصف الدية، لاعترافه بالقتل وإنكار المشهود عليه. قال:
هذا كله بتقدير أن يقول الورثة: لا نعلم القاتل، أما لو ادعوا على أحدهما سقط
الاخر. قوله: (قال في المبسوط: لو ادعى قتل العمد... إلخ). قد عرفت (1) الخلاف في
ثبوت موجب القصاص بالشاهد والمرأتين وعدمه، فإن قلنا به وعفا من أقام البينة كذلك
عن حقه، فلا إشكال في صحة العفو، لثبوت حقه وقبوله للعفو. وإن لم نقل بثبوته بذلك
فهل يصح عفوه؟ نفاه في المبسوط (2)، محتجا بأنه عفا عما لم يثبت، فوقع العفو لغوا.
ولا يخفى ضعفه، لان العفو عن الحق يوجب سقوطه فيما بينه وبين الله
(هامش)
(1) راجع ص: 177. (2) المبسوط 7: 249. (*)
ص 196
وأما القسامة:
فيستدعي البحث فيها مقاصد:
الاول
في اللوث
ولا قسامة مع ارتفاع
التهمة، وللولي إحلاف المنكر يمينا واحدة، ولا يجب التغليظ. ولو نكل، فعلى ما مضى
من القولين. واللوث أمارة، يغلب معها الظن بصدق المدعي، كالشاهد ولو واحدا، وكما لو
وجد متشحطا بدمه، وعنده ذو سلاح عليه الدم، أو في دار قوم، أو في محلة منفردة عن
البلد لا يدخلها غير أهلها، أو في صف مقابل للخصم بعد المراماة. ولو وجد في قرية
مطروقة، أو خلة (1) من خلال العرب، أو في
تعالى وإن لم يثبت الحق عند الحاكم، كما
لو عفا مدعي القتل عمدا من غير أنيقيم البينة. وتظهر الفائدة في عدم سماع دعواه بعد
ذلك ممن علم منه العفو، لوجود المقتضي لصحته، وهو الصيغة الدالة عليه، وانتفاء
المانع، إذ ليس إلا عدم ثبوته عند الحاكم، وهو غير صالح للمانعية، لان فائدة العفو
إسقاط الحق بحيث تبقى ذمة المعفو عنه خالية من الحق، ولا مدخل للحاكم في ذلك. وكذا
القول في غير القصاص من الحقوق، والابراء منها في معنى العفو عنها. قوله: (وأما
القسامة فيستدعي البحث... إلخ).
(هامش)
(1) الخلة: الطريق بين الرملتين. لسان العرب 11: 214 - 215. (*)
ص 197
محلة منفردة مطروقة وإن انفردت، فإن كان هناك عداوة فهو لوث، وإلا فلا لوث، لان
الاحتمال متحقق هنا. ولو وجد بين قريتين، فاللوث لاقربهما إليه. ومع التساوي في
القرب، فهما في اللوث [سواء]. أما من وجد في زحام، على قنطرة أو بئر أو جسر أو
مصنع، فديته على بيت المال. وكذا لو وجد في جامع عظيم أو شارع. وكذا لو وجد في
فلاة. ولا يثبت اللوث: بشهادة الصبي، ولا الفاسق، ولا الكافر ولو كان مأمونا في
نحلته. نعم، لو أخبر جماعة من الفساق، أو النساء، مع ارتفاع المواطاة، أو مع ظن
ارتفاعها، كان لوثا. ولو كان الجماعة صبيانا أو كفارا، لم يثبت اللوث، ما لم يبلغوا
حد التواتر. ويشترط في اللوث خلوصه عن الشك، فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح
متلطخ بالدم، مع سبع من شأنه قتل الانسان، بطل اللوث، لتحقق الشك.
القسامة لغة: اسم
للاولياء الذين يحلفون على دعوى الدم. وفي لسان الفقهاء اسم للايمان. وفي الصحاح:
(القسامة: هي الايمان، تقسم على الاولياء في الدم) (1). وعلى التقديرين، فهي اسم
أقيم مقام المصدر، يقال: أقسم إقساما وقسامة،
(هامش)
(1) الصحاح 5: 2010. (*)
ص 198
وهي الاسم، كما يقال: أكرم إكراما وكرامة. ولا اختصاص لها بأيمان الدماء لغة، لكن
الفقهاء خصوها بها. وصورتها: أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله، ولا تقوم عليه
بينة، ويدعي الولي على واحد أو جماعة، ويقترن بالواقعة ما يشعر بصدق الولي في
دعواه، ويقال له: اللوث، فيحلف على ما يدعيه، ويحكم بما سيذكر. والاصل فيه ما روي:
(أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود - رضي الله عنهما - خرجا إلى خيبر فتفرقا
لحاجتهما، فقتل عبد الله، فقال محيصة لليهود: أنتم قتلتموه. فقالوا: ما
قتلناه.فانطلق هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل أخ المقتول - رضي الله عنه - إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله، فذكروا له قتل عبد الله بن سهل. فقال: تحلفون خمسين
يمينا، وتستحقون دم صاحبكم. فقالوا: يا رسول الله: لم نشهد ولم نحضر. فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: فتحلف لكم اليهود. فقالوا: كيف نقبل الايمان من قوم كفار؟
فوداه النبي صلى الله عليه وآله من عنده، فبعث إليهم بمائة ناقة. فقال سهل: لقد
ركضتني منهم ناقة حمراء) (1). وفي رواية أخرى: (يقسم منكم خمسون على رجل منهم،
فيدفع
(هامش)
(1) مسند أحمد 4: 3، صحيح مسلم 3: 1294 ح 6، سنن الدارقطني 3: 108 ح 91، سنن
البيهقي 8: 117. (*)
ص 199
برمته) (1). وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله قال: (البينة على المدعي،
واليمين على من أنكر، إلا في القسامة) (2). ثم القسامة خالفت غيرها من أيمان
الدعاوي في أمور، منها: كون اليمين ابتداء على المدعي. وتعدد الايمان فيها. وجواز
حلف الانسان لاثبات حق غيره، ولنفي الدعوى عن [حق] (3) غيره. وعدم سقوط الدعوى
بنكول من توجهت عليه اليمين إجماعا، بل ترد اليمين على غيره ولو لم يجتمع شروطها.
فالحكم فيها كغيرها من الدعاوي في اليمين كيفية وكمية، عملا بالعموم، ووقوفا فيما
خالف الاصل على مورده. فهذا هو القول الجملي في القسامة. ولما كان اللوث قرينة حال
تثير الظن، وتوقع في القلب صدق المدعي، ذكر له طرق. منها: أن يوجد قتيل في قبيلة أو
حصن أو قرية صغيرة أو محلة منفصلة عن البلد الكبير، وبين القتيل وبين أهلها عداوة
ظاهرة، فهو لوث في حقهم، حتى إذا ادعى الولي القتل عليهم أو على بعضهم كان له أن
يقسم. وهكذا كان الحال في قصة عبد الله بن سهل، فإن أهل خيبر كانوا أعداء
للانصار.ومنها: تفرق جماعة عن قتيل في دار كان قد دخل عليهم ضيفا، أو دخلها معهم في
حاجة، فهو لوث.
(هامش)
(1) صحيح مسلم 3: 1292 ح 2، سنن أبي داود 4: 177 ح 4520، سنن البيهقي 8: 119. (2)
سنن الدارقطني 3: 110 ح 98، سنن البيهقي 8: 123. (3) من الحجريتين. (*)
ص 200
ولو قال الشاهد: قتله أحد هذين، كان لوثا، ولو قال: قتل أحد هذين، لم يكن لوثا. وفي
الفرق تردد.
ومنها: إذا وجد قتيل وعنده رجل [و] (1) معه سلاح متلطخ بالدم، فهو لوث.
ولو كان بقربه سبع أو رجل آخر مول ظهره، لم يوجب ذلك اللوث في حقه. ولو رأينا من
بعد (2) رجلا يحرك يده، كما يفعل من يضرب بالسيف أو السكين، ثم وجدنا في الموضع
قتيلا، فهو لوث في حق ذلك الرجل. ومنها: إذا شهد عدل أن فلانا قتل فلانا، فهو لوث.
ولو شهد جماعة ممن تقبل روايتهم كالعبيد والنسوة، وأفاد خبرهم الظن، فهو لوث، وإن
احتمل التواطؤ على الكذب، كاحتماله في شهادة العدل. وإن لم تقبل روايتهم، كالصبية
والفسقة وأهل الذمة، فالمشهور عدم إفادة قولهم اللوث، لانه غير معتبر شرعا. ولو قيل
بثبوته مع إفادته الظن كان حسنا، لان مناطه الظن، وهو قد يحصل بذلك. ولو أفاد قولهم
التواتر فلا شبهة في ثبوته، بل ينبغي على هذا أن يثبت القتل أيضا، لان التواتر أقوى
من البينة. نعم، لو أخبروا بأن القاتل أحد هذين ونحو ذلك، افتقر تعيين الولي أحدهما
إلى القسامة. قوله: (ولو قال الشاهد: قتله أحد هذين... إلخ).
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) في (م): بعيد. (*)
ص 201
ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل، على الاشبه.
إذا شهد شاهد أو شاهدان بأن فلانا
قتله أحد هذين ثبت اللوث في حقهما، حتى إذا عين الولي أحدهما وادعى عليه كان له أن
يقسم، كما لو تفرق اثنان أو جماعة عن قتيل، كما على التصوير الذي سبق. ولو انعكس
فقال الشاهد: إن فلانا قتل أحد هذين القتيلين، لم يكن لوثا، لان ذلك لا يوقع في
القلب صدق ولي أحدهما إذا ادعى القتل عليه بالتعيين. هكذا ذكر الشيخ (1) - رحمه
الله - فارقا بما ذكر. والمصنف - رحمه الله - تردد في الفرق. وتردده يحتمل إرادة
تساوي الامرين في إثبات اللوث، وعدمه. والظاهر هو الثاني، لاشتراكهما في الابهام
المانع من حصول الظن بالمعين. وبهذا صرح العلامة (2) وغيره من نقلة المسألة.
والظاهر هو الفرق، لان قول الشاهد إن الشخص المعين قتل أحد هذين يثير الظن بكونه
قاتلا من غير اعتبار التعيين، فحلف أحد الوليين بأنه القاتل يوافق ما ظن فيه، بخلاف
شهادته على أحد الرجلين أنه قاتل المعين، فإنه لا يحصل الظن بأحدهما على الخصوص
ليثبت عليه القتل. قوله: (ولا يشترط في اللوث... إلخ).لا يشترط في القسامة ظهور
الجراحة والدم، ولا يبطل اللوث بالخلو عنهما عندنا وعند (3) الاكثر، لان القتل قد
يحصل بالخنق وعصر الخصية والقبض على مجرى النفس، فإذا ظهر أثر الخنق أو العصر أو
الضرب الشديد قام ذلك مقام الجراحة والدم.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 255. (2) قواعد الاحكام 2: 296، تحرير الاحكام 2: 252. (3) المغني
لابن قدامة 10: 10، الحاوي الكبير 13: 15، روضة الطالبين 7: 241. (*)
ص 202
ولا في القسامة حضور المدعى عليه.
مسألتان:
الاولى: لو وجد قتيلا في دار فيها عبده،
كان لوثا، وللورثة القسامة، لفائدة التسلط بالقتل، أو لافتكاكه بالجناية لو كان
رهنا.
وقال أبو حنيفة (1): إن لم تكن جراحة ولا دم فلا قسامة. وإن وجدت الجراحة
ثبتت القسامة. وإن وجد الدم دون الجراحة، فإن خرج من أنفه فلا قسامة، وإن خرج من
العين أو الاذن ثبتت القسامة. وبعض الشافعية (2) اعتبر العلم بأنه قتيل، سواء كان
بالجرح أم بغيره. وعموم الادلة (3) يدل على عدم اشتراط ذلك كله. قوله: (ولا في
القسامة... إلخ).بناء على القضاء على الغائب، وهو مذهب الاصحاب. ومن منعه اشترط
حضوره. وفي التحرير (4): الاقرب عدم اشتراط حضوره. وهو يشعر بخلاف عندنا. وفي
العامة (5) من منع منه مع تجويزه القضاء على الغائب، محتجا بأن اللوث ضعيف لا يعول
عليه إلا إذا سلم عن قدح الخصم، وإنما يوثق بذلك مع حضوره. وهذا يناسب القول
المرجوح في التحرير، وإن قلنا بالقضاء على الغائب. قوله: (لو وجد قتيلا في دار...
إلخ).
(هامش)
(1) اللباب في شرح الكتاب 3: 173، الحاوي الكبير 13: 15، بدائع الصنائع 7: 287. (2)
روضة الطالبين 7: 241. (3) المذكورة في ص: 198. (4) تحرير الاحكام 2: 253. (5) انظر
روضة الطالبين 7: 242 - 243. (*)
ص 203
الثانية: لو ادعى الولي أن واحدا من أهل الدار قتله، جاز إثبات دعواه بالقسامة. فلو
أنكر كونه فيها وقت القتل، كان القول قوله مع يمينه، ولم يثبت اللوث، لان اللوث
يتطرق إلى من كان موجودا في تلك الدار، ولا يثبت ذلك إلا بإقراره أو البينة.
قد
عرفت أن وجوده قتيلا في دار قوم يوجب عليهم اللوث خاصة. ولا يفترق الحال بكون أهل
الدار أحرارا وعبيدا، للمقتول وغيره. فلو كان في الدار عبدالمقتول خاصة ثبت عليه
اللوث. فإن أقسم الولي ثبت عليه القتل إن كان عمدا عندنا، وهي فائدة القسامة. ولو
أرادوا استرقاقه فلهم ذلك. وتظهر الفائدةحينئذ في افتكاكه من الرهن لو كان مرهونا،
فإن حق المجني عليه مقدم على حق الراهن، كما تقدم (1) في بابه. ونبه بذلك على خلاف
بعض العامة (2) حيث منع من القسامة هنا لو كان القتل عمدا، لانه لا يتسلط عنده بها
على القتل، بل تثبت الدية، وهي لا تثبت على المملوك لمولاه، فإذا لم يكن مرهونا
انتفت الفائدة. قوله: (لو ادعى الولي... إلخ). إذا ثبت اللوث على جماعة محصورين في
الجملة، كما لو وجد قتيلا في دار أو شهد الشاهد بقتله فيها، وأراد الولي إثبات
دعواه بالقسامة على بعض أهلها، فادعى عدم حضوره، فالقول قوله مع يمينه، ويسقط
اللوث، لان الاصل برأة ذمته. وعلى المدعي البينة على حضوره حينئذ أو على إقراره
بالحضور، ولم يكن ذلك منافيا للوث الاول، لانه أثبت القتل على من كان حاضرا لا على
الغائب، وقد ثبت غيبة المدعى عليه شرعا. وهذا واضح.
(هامش)
(1) في ج 4: 65. (2) لم نعثر عليه. (*)
ص 204
الثاني
في كميتها
وهي في العمد خمسون يمينا. فإن كان له قوم، حلف كل واحد يمينا إن
كانوا عدد القسامة، وإن نقصوا عنه، كررت عليهم الايمان حتى يكملوا القسامة. وفي
الخطاء المحض والشبيه بالعمد، خمس وعشرون يمينا.ومن الاصحاب من سوى بينهما، وهو
أوثق في الحكم، والتفصيل أظهر في المذهب. ولو كان المدعون جماعة، قسمت عليهم
الخمسون بالسوية في العمد، والخمس والعشرون في الخطاء.
قوله: (في كميتها، وهي في
العمد خمسون... إلخ). لا خلاف في أن الايمان في العمد خمسون يمينا، وفي الخبر
السابق (1) المروي عن النبي صلى الله عليه وآله ما يدل عليه. وأما في الخطاء ففيه
قولان: المساواة. ذهب إليه من الاصحاب المفيد (2) وسلا ر (3) وابن الجنيد (4) وابن
إدريس (5) وجماعة (6) آخرون، بل ادعى عليه ابن إدريس إجماع المسلمين.
(هامش)
(1) راجع ص: 198. (2) المقنعة: 736. (3) المراسم: 232. (4) حكاه عنه العلامة في
المختلف: 788 - 789. (5) السرائر 3: 338. (6) قواعد الاحكام 2: 296 - 297، إيضاح
الفوائد 4: 615، اللمعة الدمشقية: 177. (*)
ص 205
ومستنده عموم النصوص وإطلاقها، كالخبر السابق (1). ويشكل بأنه حكاية حال فلا يعم.
وبأن ظاهره بل بعض عباراته يقتضي أن القتل وقع عمدا. وذهب الشيخ (2) وأتباعه (3)
والمصنف والعلامة (4) في أحد قوليه إلى أنها فيه خمسة وعشرون، لصحيحة عبد الله بن
سنان عن الصادق عليه السلام قال:(القسامة خمسون رجلا في العمد، وفي الخطاء خمسة
وعشرون رجلا، وعليهم أن يحلفوا بالله) (5). وحسنة يونس عن الرضا عليه السلام: (أن
أمير المؤمنين عليه السلام جعل القسامة في النفس على العمد خمسين رجلا، وجعل في
النفس على الخطاء خمسة وعشرين رجلا) (6). والتفصيل قاطع للشركة. والمصنف - رحمه
الله - جعل التسوية أوثق في الحكم، والتفصيل أظهر في المذهب. وهو حسن. إذا تقرر
ذلك، فإنه يبداء أولا بالمدعي وقومه، وهم أقاربه، فإن بلغوا العدد المعتبر وحلف كل
واحد منهم يمينا، أو لم يبلغوا فكررت عليهم بالتسوية أو التفريق، ثبت القتل.
(هامش)
(1) راجع ص: 198. (2) النهاية: 740، الخلاف 5: 308 مسألة (4). (3) المهذب 2: 500،
الوسيلة: 460. (4) المختلف: 788 - 789. (5) الكافي 7: 363 ح 10، التهذيب 10: 168 ح
667، الوسائل 19: 119 ب (11) من أبواب دعوى القتل ح 1. (6) الكافي 7: 362 ح 9،
التهذيب 10: 169 ح 668، الوسائل 19: 120 الباب المتقدم ح 2. (*)
ص 206
ولو كان المدعى عليهم أكثر من واحد، ففيه تردد، أظهره أن على كل واحد خمسين يمينا
كما لو انفرد، لان كل واحد منهم تتوجه عليه دعوى بانفراده. أما لو كان المدعى عليه
واحدا، فأحضر من قومه خمسين يشهدون ببرأته، حلف كل [واحد] منهم يمينا. ولو كانوا
أقل من الخمسين، كررت عليهم الايمان حتى يكملوا العدد. ولو لم يكن للولي قسامة، ولا
حلف هو، كان له إحلاف المنكر خمسين يمينا، إن لم تكن له قسامة من قومه. وإن كان له
قوم، كان كأحدهم.
ولو عدم قومه، أو امتنعوا، أو امتنع بعضهم، لعدم علمه بالحال أو
اقتراحا، حلف المدعي ومن يوافقه منهم العدد. ولا فرق بين كون القوم ممن يرثالقصاص
والدية وكانوا هم المدعين، أو غير وارثين، أو بالتفريق. قوله: (ولو كان المدعى
عليهم... إلخ). إذا كان المدعى عليه أكثر من واحد، فإن حلف المدعي وقومه كفاه الحلف
خمسين أو ما في حكمها اتفاقا. وإن توجهت اليمين على المدعى عليهم، ففي اشتراط حلف
كل واحد منهم العدد المعتبر، أو الاكتفاء بحلف الجميع للعدد، قولان للشيخ، أولهما
في المبسوط (1)، وثانيهما في الخلاف (2)، محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم، وأصالة
برأة الذمة من الزائد.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 222. (2) الخلاف 5: 314 مسألة (13). (*)
ص 207
ولو امتنع عن القسامة، ولم يكن له من يقسم، ألزم الدعوى. وقيل: له رد اليمين على
المدعي.
وأصحهما الاول، لان الدعوى واقعة على كل واحد منهم بالدم، ومن حكمها حلف
المنكر خمسين. ووجه الثاني: أن المدعى به جناية واحدة، لاتحاد موضوعها، وقد قدر
الشارع عليها خمسين يمينا، فيقسط عليهم كما يقسط على قوم المدعى عليه لو كان واحدا.
والفرق بين الامرين واضح، فإن (1) كل واحد من المدعى عليهم ينفي عن نفسه ما ينفيه
الواحد، وهو القود، فلهذا يحلف كل منهم ما يحلفه الواحد إذا انفرد، وليس كذلك
المدعي، لان الكل سواء يثبتون ما يثبته الواحد إذا انفرد. وبهذا فرق الشيخ في
المبسوط، خلاف ما ذكره في الخلاف. قوله: (ولو امتنع عن القسامة... إلخ). القول برد
اليمين على المدعي على تقدير امتناع المدعى عليه وقومه عن اليمين للشيخ في المبسوط
(2)، عملا بعموم القاعدة حيث لا يقضى بالنكول. والاصح إلزام المدعى عليه بالدعوى
حينئذ، إما بناء على القضاء بالنكول، أو لان اليمين إنما وجبت على المنكر هنا
بامتناع المدعي عنها، فلا تعود إليه بغير اختياره. وعلى قول الشيخ تكفي يمين واحدة
كغيره، اقتصارا بالقسامة على موردها، وهو حلف المدعي ابتداء والمنكر بعده.
(هامش)
(1) في (خ، ط): لان. (2) المبسوط 7: 223. (*)
ص 208
وتثبت القسامة في الاعضاء مع التهمة. وكم قدرها؟ قيل: خمسون يمينا احتياطا، إن كانت
الجناية تبلغ الدية، وإلا فبنسبتها من خمسين يمينا. وقال آخرون: ست أيمان فيما فيه
دية النفس، وبحسابه من ستفيما فيه دون الدية. وهي رواية أصلها ظريف. ويشترط في
القسامة علم المقسم، ولا يكفي الظن.
ويفهم من قوله: (ولم يكن له من يقسم) أن حلف
القوم كاف عن حلف المنكر مع وجوده. وهو أحد الوجهين في المسألة، لان الشارع اكتفى
في هذا الباب بحلف الانسان لاثبات حق غيره أو إسقاط حق عنه، ولم يعتبر خصوصية
الحالف، بل جعل يمين القوم قائمة مقام يمينه. وقيل: لا يكفي قسامة القوم عن أحدهما،
وإنما يكتفى بها منضمة إليه، وقوفا فيما خالف الاصل - وهو حلف الانسان لاثبات مال
غيره أو نفي الحق عنه - على موضع اليقين، وهو مساعدته عليها لا الاستقلال بها.
قوله: (وتثبت القسامة في الاعضاء... إلخ). اختلف الاصحاب في القسامة على الاعضاء مع
اللوث، فذهب الاكثر إلى أنها كالنفس فيما فيه الدية، كاللسان والانف واليدين،
وبنسبتها من الخمسين فيما ديته دون ذلك. ففي اليد الواحدة خمس وعشرون، وفي الاصبع
خمس، وهكذا. وذهب الشيخ (1) وأتباعه (2) إلى أنها ست أيمان فيما فيه الدية، وبحسابه
من ست فيما دون ذلك.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 223، الخلاف 5: 312 - 313 مسألة (12)، النهاية: 741 - 742. (2)
المهذب 2: 501، غنية النزوع: 441، إصباح الشيعة: 530. (*)
ص 209
وفي قبول قسامة الكافر على المسلم تردد، أظهره المنع.
ومستنده رواية ظريف بن ناصح
في كتابه المشهور في الديات، عن عبد الله بن أيوب، عن أبي عمرو المتطبب قال: (عرضت
على أبي عبد الله عليه السلام ما أفتى به أمير المؤمنين عليه السلام في الديات، ومن
جملته في القسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلا، وجعل في النفس على الخطاء
خمسة وعشرين رجلا، وجعل في النفس على الخطاء خمسة وعشرين رجلا، وعلى ما بلغت ديته
من الجوارح ألف دينار ستة نفر، فما كان دون ذلك فبحسابه من ستة نفر) (1) الحديث.
وفي طريقه ضعف وجهالة، فالعمل بالاول أحوط وأقوى. قوله: (وفي قبول قسامة الكافر...
إلخ). القول بثبوت قسامة الكافر على المسلم للشيخ في المبسوط (2)، محتجا بعموم
الاخبار، غير أنه لا يثبت القود، وإنما يثبت به المال. ورجحه في المختلف (3). وذهب
في الخلاف (4) إلى العدم. ووافقه العلامة في القواعد (5) والتحرير (6). وهو الذي
اختاره المصنف، استنادا إلى أن مورد النص كان في قسامة المسلم، فإثباته في غيره
يحتاج إلى الدليل، والاصل برأة الذمة من القتل.
(هامش)
(1) الكافي 7: 362 ح 9، التهذيب 10: 169 ح 668، الوسائل 19: 120 ب (11) منأبواب
دعوى القتل ح 2. (2) المبسوط 7: 216. (3) المختلف: 825. (4) الخلاف 5: 311 مسألة
(10). (5) قواعد الاحكام 2: 297. (6) تحرير الاحكام 2: 254. (*)
ص 210
ولمولى العبد مع اللوث إثبات دعواه بالقسامة، ولو كان المدعى عليه حرا، تمسكا بعموم
الاحاديث.
ولان القسامة في العمد يثبت بها القود، وهو منفي هنا بموافقة الخصم.
وإيجاب الدية ابتداء على المسلم بيمين الكافر إضرار به، من حيث إن الكفار يستحلون
دماء المسلمين وأموالهم. ولان استحقاق القسامة سبيل، ولا شي من السبيل بثابت للكافر
على المسلم بالاية (1). وأجاب في المختلف (2) بأن أصالة البرأة إنما يعمل بها ما لم
يظهر المضاد، وقد ظهر، لان ثبوت اللوث ينفي ظن استصحاب أصالة البرأة. ودليل إثبات
القتل على المسلم عمومات الاخبار (3) الدالة على إثبات القتل بالقسامة كما في
الاموال، وكما لا يجوز تخصيص عموم قوله صلى الله عليه وآله: (اليمين على من أنكر)
(4) كذا هنا. والملازمة الاولى - وهي وجوب القود لو ثبت بيمينهم - ممنوعة، لان
القتل قد يثبت بالبينة إجماعا ولا يثبت به القود، بل المال. والملازمة الثانية
منقوضة بدعوى المال مع الشاهد الواحد. وبهذا يظهر جواب السبيل المنفي، فإن إثبات
الكافر حقا على المسلم بطريق شرعي سائغ إجماعا، وهذا منه. وهذا أظهر. قوله: (ولمولى
العبد مع اللوث... إلخ).
(هامش)
(1) النساء: 141. (2) المختلف: 825. (3) الوسائل 19: 114 ب (9) من أبواب دعوى القتل
وما يثبت به. (4) عوالي اللئالي 2: 258 ح 10، سنن البيهقي 10: 252. (*)
ص 211
ويقسم المكاتب في عبده كالحر.
لما كان مناط القسامة إثبات القتل المحرم لم يفرق في
المقتول بين كونه حرا ومملوكا، عملا بعموم النصوص (1) الدالة على هذا الحكم. فيقسم
المولى لاثبات قتل عبده وأمته مع اللوث، سواء كان القاتل عبدا ليثبت عليه القود
وغيره، أم حرا ليثبت عليه المال. وربما قيل في المملوك بالاكتفاء في إثبات قتله
بيمين واحدة، من حيث إنهمال يضمن للمولى كسائر الاموال، فيكفي فيه اليمين الواحدة
اعتبارا بالمالية. والمذهب هو الاول. وفي القواعد (2) استشكل الحكم. وعبارة الكتاب
أيضا تشعر بالخلاف، وهو غير متحقق وإن كان محتملا. قوله: (ويقسم المكاتب في عبده...
إلخ). لان الحالف بالاصالة كل من يستحق بدل الدم، والمكاتب داخل فيه، لانه إذا قتل
عبده استعان بقيمته على أداء النجوم، ولا يقسم مولاه، لانتفاء ولايته عن المكاتب
ورقيقه كما مر (3)، بخلاف ما إذا قتل عبد المأذون، فإن المولى يقسم دون المأذون،
لانه لا حق له فيه، والمكاتب صاحب حق في عبده. فإن عجز قبل أن يقسم ويعرض عليه
اليمين أقسم المولى. وإن عجز بعد ما عرضت [عليه] (4) اليمين ونكل لم يقسم المولى،
لبطلان الحق بنكوله، كما لا يقسم الوارث إذا نكل الموروث، ولكن يحلف المدعى عليه.
ولو عجز المكاتب
(هامش)
(1) الوسائل 19: 114 ب (9) من أبواب دعوى القتل وما يثبت به. (2) قواعد الاحكام 2:
297. (3) في ج 10: 414 و466. (4) من (خ). (*)
ص 212
ولو ارتد الولي منع القسامة. ولو خالف، وقعت موقعها، لانه لا يمنع الاكتساب. ويشكل
هذا بما أن الارتداد يمنع الارث، فيخرج عن الولاية، فلا قسامة. ويشترط في اليمين:
ذكر القاتل والمقتول، والرفع في نسبهما بما يزيل الاحتمال، وذكر الانفراد أو
الشركة، ونوع القتل. أما الاعراب، فإن كان من أهله كلف، وإلا قنع بما يعرف معه
القصد.
بعد ما أقسم أخذ السيد الدية كما لو مات، وكما إذا مات الولي (1) بعدما
أقسم. قوله: (ولو ارتد الولي.. إلخ). القول بأن المرتد يمنع من القسامة ويقع منه لو
خالف للشيخ في المبسوط (2)، فإنه قال: والاولى أن لا يمكن الامام من القسامة مرتدا،
لئلا يقدم على يمين كاذبة، فمن خالف وقعت موقعها، لعموم الاخبار، وقال شاذ: لا يقع،
وهو غلط، لانه اكتساب، فهو غير ممنوع منه في مدة الامهال، وهي ثلاثة أيام. هذه
عبارته، وصدرها يشمل المرتد بقسميه، وتعليله أخيرا يدل على إرادة المرتد عن ملة،
لان الفطري لا يمهل، ولا يصلح للاكتساب، لانه لا يملك شيئا،وينتقل ماله عنه إلى
وارثه. والمصنف - رحمه الله - أورد عليه بأن الحالف لابد أن يكون وليا، والولاية
هنا ولاية الارث، والارتداد مانع من الارث. ويظهر من قوله: (ويشكل بما إذا كان
الارتداد يمنع من الارث) أن كلام
(هامش)
(1) كذا في (د)، وفي سائر النسخ: المولى. (2) المبسوط 7: 220. (*)
ص 213
الشيخ شامل للامرين، وأن الايراد بالفطري أو بهما حيث يكون الارتداد قبل قتل المقسم
عليه، فإن المرتد بقسميه لا يرث المسلم. وهو إيراد على إطلاق كلام الشيخ. والحامل
له على الاطلاق كذلك مما علم من قاعدته في الكتاب من حكاية كلام المخالف واختيار ما
يوافق مذهبه، وعند المخالف (1) أن المرتد قسم واحد، وأنه يقبل الاكتساب، فلذا أطلقه
وعلله بما ذكر. ثم تعليله على مذهبه يدل على تخصيصه بالملي في مدة الامهال، وظاهره
أيضا أن الارتداد مفروض بكونه بعد قتل المقسم على قتله، أما قبله فيمنع الولي من
القسامة، لعدم الارث. وعلى هذا فلا يتوجه ما أورده عليه، لان المرتد عن ملة بعد قتل
المقسم عليه قد انتقل إرثه إلى المرتد قبل ارتداده، وصار كسائر حقوقه وأمواله، فلا
يصدق منع الارث، كما لو ارتد أحد الوارثين بعد موت المورث، فإنه لا يخرج عن كونه
وارثا، بل إذا كان مليا وقتل أو مات مرتدا ورث عنه ما كان ورثه عن مورثه. وإنما
يتجه الايراد لو كان الشيخ قال بالقسامة في المرتد قبل القتل، لكنه فرق بين
الحالين. فظهر أن موضع النزاع المرتد عن ملة، وكون الارتداد واقعا بعد القتل، وأن
المانع من قسامته كفره، كما يمنع الكافر من القسامة على المسلم في أحد
(هامش)
(1) اللباب في شرح الكتاب 4: 148 - 149، الحاوي الكبير 13: 149 و161 - 162، الكافي
للقرطبي 2: 1089، المغني لابن قدامة 10: 72 و80، روضة الطالبين 7: 295 - 296 و298.
(*)
ص 214
وهل يذكر في اليمين أن النية نية المدعي؟ قيل: نعم، دفعا لتوهم الحالف. والاشبه أنه
لا يجب.
[المقصد] الثالث
في أحكامها
لو ادعى على اثنين، وله على أحدهما لوث، حلف
خمسين يمينا، ويثبت دعواه على ذي اللوث، وكان على الاخر يمين واحدة،
القولين، ولعدم
وقوعها بإذن الحاكم، إذ الحاكم لا يجيبه إلى الحلف، ومن ثم فرضت فيما لو خالف، لا
أن يفرض جهل الحاكم بردته فيستحلفه ثم يظهر أنه مرتد، أو يعلل بأن المرتد محجور
عليه في تصرفاته، واليمين من جملتها، فلا تقع موقعها. والاظهر أن قسامة المرتد
مطلقا لا أثر لها. قوله: (وهل يذكر في اليمين... إلخ). القول بأن الحالف يذكر في
يمينه أن النية نية المدعي - بمعنى أن التورية فيه لا (1) تفيده - للشيخ (2) رحمه
الله، دفعا لتوهم الحالف جواز التورية في اليمين، فيقدم عليها بالتأويل مع كونه
كاذبا فيها. والاصح عدم اشتراط ذلك، لان كون النية نية المدعي حكم شرعي ثابت في
اليمين، سواء قال الحالف ذلك أم لا. ولا دليل على اشتراط التعرض لذكره. ودفع التوهم
يحصل بتنبيه الحاكم عليه لمن لا يعرف حكمه قبل الاحلاف. والاصل برأة الذمة عما عدا
ذلك. قوله: (لو ادعى على اثنين... إلخ).
(هامش)
(1) سقطت من (ت، خ). (2) المبسوط 7: 238، وفيه: نية الحاكم. (*)
ص 215
كالدعوى في غير الدم. ثم إن أراد قتل ذي اللوث، رد عليه نصف ديته. ولو كان أحد
الوليين غائبا وهناك لوث، حلف الحاضر خمسين يمينا، ويثبت حقه، ولم يجب الارتقاب.
ولو حضر الغائب، حلف بقدر نصيبه، وهو خمس وعشرون يمينا. وكذا لو كان أحدهما صغيرا.
قد عرفت أن أيمان القسامة مشروطة باللوث، فإذا تعدد المدعى عليه وكان اللوث حاصلا
في الجميع حلف المدعي القسامة، وثبت القتل عليهما أو عليهم، وترتب عليه حكم القاتل
المتعدد. وإن اختص اللوث بالبعض حلف القسامة على من حصل اللوث في جانبه، ولم يكن له
أن يحلف لاثبات القتل على الاخر، لانه منكر، والدعوى مع عدم اللوث كغيرها في أن
اليمين على المنكر ابتداء، وهي يمين واحدة عندنا، فإذا حلف ثبت القتل على ذي اللوث
بالاشتراك وإن لم يثبت على الشريك. فللولي قتله مع دفع ما زاد عن جنايته من الدية،
عملا باعتراف الولي بالشركة. ولو نكل المدعى عليه بدون اللوث عن اليمين حلف المدعي
يمينا واحدة لاثباته عليه. وفي دخوله في جملة الخمسين، أو كونه خارجا عنها، القولان
السابقان فيما إذا تعدد المدعى عليه. قوله: (ولو كان أحد الوليين غائبا... إلخ).
إذا تعدد الولي أو كان له قوم كفى حلف الجميع خمسين يمينا موزعة عليهم، ولا يثبت
الحق بدون مجموع الايمان. فإذا امتنع الحلف من الشريك لمانع الغيبة أو الصغر أو
غيرهما، اعتبر في ثبوت الحق حلف الباقين تمام العدد المعتبر. فإذا كان الولي اثنين
وأحدهما غائب، تخير الحاضر بين أن يصبر إلى أن يحضر
ص 216
الاولى: لو حلف مع اللوث واستوفى الدية، ثم شهد اثنان أنه كان غائبا في حال
القتل، غيبة لا يتقدر معها القتل، بطلت القسامة واستعيدت الدية.
الخلاف: كان الولي بالخيار. وفي المبسوط: ليس له ذلك، لانه لا يقسم إلا مع العلم،
فهو مكذب للمقر.
إذا استوفى بالقسامة فأقر آخر غير المحلوف عليه أنه قتله منفردا،
فإن كذبه الحالف فلا إشكال في عدم رجوعه عليه. وإن صدقه ففي جواز رجوعه عليه قولان
للشيخ. ففي المبسوط (1): أن الحكم كما لو كذبه، لانه مكذب ليمينه، إذ لا قسامة إلا
مع العلم عندنا، فكيف يدعي علمه بأن الاول قاتل ثم يصدق الثاني؟ وفي الخلاف (2):
يتخير، أما في المحلوف عليه فباليمين، وأما في الاخر فلعموم: (إقرار العقلا على
أنفسهم جائز) (3). وأجيب عن الاول بأن كذب الحالف ممكن. وإكذابه نفسه إنما لم يسمع
إذا تضمن إنزال ضرر بالغير، لا بمجرد إقرار ذلك الغير، وهنا لم يضطر الثاني بغير
إقراره. ولانه لو أقر بقبض وديعة من المستودع فأنكر، ثم رجع عن إقراره، كان له
مطالبة المستودع، لاعترافه. ولو أقر له بشي فأنكر تملكه، ثم عاد وادعاه، قبل.
فحينئذ لا تنافي بين الاقرار بالمنافي والرجوع عنه. وفيه نظر، لان غاية هذا أن يجوز
الرجوع على الثاني، أما التخيير بمجرد الشهوة فلا. نعم، لو أكذب نفسه وأراد الرجوع
على المقر ينبغي أن لا يمنعه الشارع، لتمكن المقر له بإقراره، كنظائره السابقة
وغيرها. وعلى التقديرين، إذا أكذب نفسه وجب عليه رد ما أخذه من المحلوف عليه، وإن
لم نقل برجوعه على المقر، لاعترافه بعدم استحقاقه شيئا على الاول.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 242.(2) الخلاف 5: 315 مسألة (16). (3) تقدم ذكر مصادره في ص: 45
هامش (2). (*)
ص 223
الرابعة: إذا اتهم، والتمس الولي حبسه حتى يحضر بينة، ففي إجابته تردد. ومستند
الجواز: ما رواه السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن النبي عليه السلام كان
يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإن جاء الاولياء ببينة، وإلا خلى سبيلهم) (1). وفي
السكوني ضعف.
قوله: (إذا اتهم والتمس الولي... إلخ). القول بحبس المتهم بالدم ستة
أيام للشيخ (2) وأتباعه (3)، استنادا إلى الرواية المذكورة. وإطلاق الدم يشمل الجرح
والقتل. وتقييد المصنف بالتماس الولي خلاف إطلاق الرواية وفتوى الشيخ. ووجه
التقييد: أن ذلك حق المدعي، فلا يفعل إلا بالتماسه. والمصنف - رحمه الله - استضعف
طريق الرواية. وابن إدريس (4) ردها رأسا، لمخالفتها للادلة من تعجيل العقوبة قبل
ثبوت موجبها. وفي المختلف (5) اختار الحبس مع حصول التهمة في نظر الحاكم، عملا
بالرواية، وتحفظا للنفوس عن الاتلاف، لا مع حصولها لغيره، عملا بالاصل. وابن حمزة
(6) اختار الحبس ثلاثة أيام. ولا شاهد له هنا، وإن علق عليها بعض الاحكام، كمدة
إمهال المرتد والشفيع. والاصح عدم الحبس قبل ثبوت الحق مطلقا.
(هامش)
(1) الكافي 7: 370 ح 5. التهذيب 10: 174 ح 683. الوسائل 19: 121 ب (12) من أبواب
دعوى القتل وما يثبت به. (2) النهاية: 744. (3) المهذب 2: 503. (4) السرائر 3: 343.
(5) المختلف: 790. (6) الوسيلة: 461. (*)
ص 224
الفصل الرابع
في كيفية الاستيفاء

قتل العمد يوجب القصاص لا الدية، فلو عفا الولي
على مال، لم يسقط القود، ولم تثبت الدية، إلا مع رضا الجاني. ولو عفا ولم يشترط
المال، سقط القود، ولم تثبت الدية. ولو بذل الجاني القود، لم يكن للولي غيره. ولو
طلب الدية فبذلها الجاني صح، ولو امتنع لم يجبر. ولو لم يرض الولي بالدية، جاز
المفاداة بالزيادة. ولا يقضى بالقصاص، ما لم يتيقن التلف بالجناية. ومع الاشتباه،
يقتصر على القصاص في الجناية لا في النفس.
قوله: (قتل العمد يوجب القصاص... إلخ).
كون الواجب في قتل العمد بالاصالة هو القود لا غير هو المشهور بين الاصحاب، منهم
الشيخان (1) والاتباع (2) والمتأخرون (3)، فلا تثبت الدية عندهم إلا صلحا. ومتى
اختار ولي المقتول الدية (4) لم يستحقها إلا برضا الجاني (5) عليه، ولا يجب عليه
إجابته إليها. وقال ابن الجنيد: (إن لولي المقتول عمدا الخيار بين أن يقتص، أو يأخذ
(هامش)
(1) المقنعة: 734، النهاية: 734، المبسوط 7: 52، الخلاف 5: 176 مسألة (40). (2)
غنية النزوع: 403، الوسيلة: 429، إصباح الشيعة: 491 - 492. (3) الجامع للشرائع:
571، تحرير الاحكام 2: 244، اللمعة الدمشقية: 178، التنقيح الرائع 4: 443. (4) كذا
في (ت، خ، د، م) وإحدى الحجريتين، وهو الصحيح، وفي (أ، ث، ط) والحجرية الثانية:
القود. (5) كذا في (خ) وإحدى الحجريتين، وهو الصحيح، وفي سائر النسخ: المجني. (*)
ص 225
الدية، أو يعفو عن الجناية. ولو شاء الولي أخذ الدية، وامتنع القاتل عمدا من ذلك
وبذل نفسه للقود، كان الخيار إلى الولي. ولو هرب القاتل فشاء الولي أخذ الدية من
ماله حكم بها له. وكذلك القول في جراح العمد. وليس عفو الولي والمجني عليه عن القود
مسقطا حقه من الدية) (1). حجة المشهور: قوله تعالى: (النفس بالنفس) (2). وقوله
تعالى: (والجروح قصاص) (3). وعموم قوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
(4). وقوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر) (5). وصحيحة الحلبي
وعبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام، قال: (سمعته يقول: من قتل مؤمنا متعمدا
قيد به، إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك
القاتل فالدية اثنا عشر ألفا) (6) الحديث. ورواية جميل بن دراج، عن بعض أصحابه، عن
أحدهما عليهما السلام قال: (العمد كل ما عمد به الضرب ففيه القود) (7). ولانه متلف
يجب به البدل من جنسه، فلا يعدل إلى غيره إلا بالتراضي، كسائر المتلفات.
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 783. (2، 3) المائدة: 45. (4) البقرة: 194. (5)
البقرة: 178. (6) التهذيب 10: 159 ح 638، الاستبصار 4: 261 ح 980، الوسائل 19: 144
ب (1) من أبواب ديات النفس ح 9. (7) الكافي 7: 278 ح 1، التهذيب 10: 155 ح 623،
الوسائل 19: 25 ب (11) من أبواب القصاص في النفس ح 6. (*)
ص 226
وحجة ابن الجنيد: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من قتلله قتيل فهو
بخير النظرين: إما أن يفدي، وإما أن يقتل) (1). وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه
وآله: (من أصيب بدم أو خبل - والخبل الجراح - فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن
يقتص، أو يأخذ العقل، أو يعفو، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه) (2). ورواية العلا
بن الفضيل عن الصادق عليه السلام [أنه] (3) قال: (والعمد هو القود أو رضا ولي
المقتول) (4). ولان ولي الدم إذا رضي بالدية وأمكن القاتل دفعها كان ذلك ذريعة إلى
حفظ نفسه، فيجب عليه حفظها، كما يجب عليه افتداؤها بالمال مع القدرة حيث يتوقف عليه
مطلقا. ومستند المشهور أصح سندا، فإن الروايتين عنه صلى الله عليه وآله عاميتان،
وفي طريق الثالثة محمد بن سنان، ومحمد بن عيسى عن يونس، وحالهما مشهور. إذا تقرر
ذلك، فلازم القول الاول أن ولي المقتول إذا طلب المال يتخير الجاني بين دفعه وتسليم
نفسه للقصاص. وأنه لو عفا على مال لم يصح عفوه بدون رضا القاتل، لان حقه ليس هو
المال، وعفوه لم يقع مطلقا. وأنه لو عفا
(هامش)
(1) سنن البيهقي 8: 52 - 53. (2) سنن البيهقي 8: 52. (3) من (خ، م). (4) الكافي 7:
282 ح 7، التهذيب 10: 158 ح 634، الاستبصار 4: 258 ح 974، الوسائل 19: 145 ب (1) من
أبواب ديات النفس ح 13. (*)
ص 227
ويرث القصاص من يرث المال، عدا الزوج والزوجة، فإن لهما نصيبهما من الدية في عمد أو
خطاء. وقيل: لا يرث القصاص إلا العصبة، دون الاخوة والاخوات من الام ومن يتقرب بها.
وهو الاظهر. وقيل: ليس للنساء عفو ولا قود، [على الاشبه].
مطلقا سقط القود، ولم
تلزم الدية، لانها ليست واجبة له بالاصالة، أو أحد أفراد الحق (1) حتى يوجب إسقاط
أحدهما بقاء الاخر. وخالف في ذلك ابن الجنيد كما حكيناه عنه، وابن أبي عقيل حيث
قال: (فإن عفا الاولياء عن القود لم يقتل، وكان عليه الدية لهم جميعا) (2). ووجهه:
ما أشرنا إليه من أن الواجب عندهم أحد الامرين، فإذا عفا عن أحدهما بقي الاخر. وعلى
التعليل الاخير يجب على القاتل بذل ما يرضى به ولي الدم وإن زاد عن الدية، مع تمكنه
منه، لوجوب حفظ نفسه الذي لا يتم إلا بذلك. قوله: (ويرث القصاص من يرث المال...
إلخ). قد تقدم (3) البحث في هذه المسألة في الميراث، وأن (4) القول الاول هو
الاظهر. قوله: (وقيل: ليس للنساء عفو... إلخ). القول بذلك للشيخ في المبسوط (5)
وكتابي (6) الاخبار، استنادا إلى رواية
(هامش)
(1) في الحجريتين: المخير. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 783 - 784. (3) راجع ج
13: 45. (4) في الحجريتين: وكان. (5) راجع المبسوط 7: 54، ولكن نسب عدم إرث النساء
للقود إلى جماعة من أصحابنا، وقوى هو التوريث، ولازمه جواز عفوهن. (6) التهذيب 9:
397 ح 1418، الاستبصار 4: 262 ح 988 وذيل ح 991. (*)
ص 228
وكذا يرث الدية من يرث المال. والبحث فيه كالاول، غير أن الزوج والزوجة يرثان من
الدية على التقديرات. وإذا كان الولي واحدا، جاز له المبادرة. والاولى توقفه على
إذن الامام. وقيل: تحرم المبادرة، ويعزر لو بادر. وتتأكد الكراهية في قصاص الطرف.
أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس للنساء عفو ولا قود) (1). وفي
الطريق ضعف. والاقوى أن من يرث [المال] (2) فله العفو، ذكرا كان أم أنثى. قوله:
(وكذا يرث الدية.. إلخ). الخلاف في وارث الدية كما سبق في القصاص، والحكم واحد، غير
أن الزوجين لا يرثان القصاص إجماعا. والاصح أنهما يرثان من الدية كغيرهما من
الوراث. وقد تقدم (3) البحث فيه ثمة. قوله: (وإذا كان الولي واحدا... إلخ). القول
بتوقف استيفاء القصاص مطلقا على إذن الامام للشيخ في المبسوط (4) والخلاف (5)،
واختاره العلامة في القواعد (6)، لانه يحتاج في إثبات القصاص واستيفائه إلى النظر
والاجتهاد، لاختلاف الناس في شرائط الوجوب *
(هامش)
*(1) التهذيب 9: 397 ح 1418، الوسائل 17: 432 ب (8) من أبواب موجبات الارث ح 6. (2)
من (خ، د). (3) في ج 13: 45. (4) المبسوط 7: 100. (5) الخلاف 5: 205 مسألة (80).
(6) قواعد الاحكام 2: 299. (*)
ص 229
وإن كانوا جماعة، لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع، إما بالوكالة أو بالاذن
لواحد. وقال الشيخ رحمه الله: يجوز لكل منهم المبادرة، ولا يتوقف على إذن الاخر،
لكن يضمن حصص من لم يأذن.
وفي كيفية الاستيفاء. ولان أمر الدماء خطير، فلا وجه
لتسلط الاحاد عليه. ولانه عقوبة تتعلق ببدن الادمي، فلا بد من مراجعة الحاكم، كحد
القذف. واختار الاكثر - ومنهم الشيخ في المبسوط (1) أيضا، والعلامة (2) في القول
الاخر - جواز الاستقلال بالاستيفاء، كالاخذ بالشفعة وسائر الحقوق، ولعموم قوله
تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (3). فتوقفه على الاذن ينافي إطلاق السلطنة. ثم
اختلف قول (4) الشيخ على تقدير التوقف في تعزيره مع المخالفة وعدمه، فأثبته في
المبسوط (5)، ونفاه في الخلاف (6). والذي يناسب تحريم المبادرة بدون الاذن ثبوت
التعزير، لفعل المحرم كغيره. ويتأكد الحكم فيه وجوبا واستحبابا في الطرف، لانه
بمثابة الحد، وهو من فروض الامام. ولجواز التخطي مع كون المقصود معه بقاء النفس،
بخلاف القتل. ولان الطرف في معرض السراية. ولئلا تحصل مجاحدة. قوله: (وإن كانوا
جماعة... إلخ).
(هامش)
(1) المبسوط 7: 56. (2) قواعد الاحكام 2: 299، تحرير الاحكام 2: 255. (3) الاسراء:
33. (4) في (ت، خ، د): قولا. (5) المبسوط 7: 100. (6) الخلاف 5: 205 مسألة (80).
(*)
ص 230
ما تقدم حكم ما إذا اتحد الولي، أما مع تعدده فهل يتوقف على اجتماع الاولياء في
الاستيفاء، أم يجوز لكل منهم المبادرة إليه؟ فيه قولان. أحدهما - وهو الذي ذهب إليه
الشيخ (1) -: الجواز مع ضمان حصص الباقين، لتحقق الولاية لكل واحد بانفراده،
فيتناوله العموم. ولبناء القصاص على التغليب، ومن ثم لا يسقط بعفو البعض عندنا على
مال أو مطلقا، بل للباقين الاقتصاص، مع أن القاتل قد أحرز بعض نفسه، فهنا أولى.
والثاني - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله -: المنع، كما لا ينفرد باستيفاء تمام
الدية، لانه حق مشترك فيتوقف تحصيله على اجتماعهم، كغيره من الحقوق التي لا يمكن
فصل حق بعض المستحقين عن بعض. وعلى هذا، فلو بادر أحد الوليين (2) وقتل الجاني بغير
إذن الاخر، ففي وجوب القصاص عليه وجهان: أصحهما: أنه لا يجب، لانه صاحب حق في
المستوفى، وذلك شبهة دارئة للعقوبة. ولاختلاف العلماء في جواز القتل، وهو أيضا شبهة
دارئة للعقوبة. والثاني: [أنه] (3) يجب، لانه استوفى أكثر من حقه، فيلزمه القصاص
فيه، كما لو استحق الطرف فاستوفى النفس. ولان القصاص لهما، فإذا قتله أحدهما فكأنه
أتلف نصف النفس متعديا، وهو سبب يوجب القصاص، كما إذا قتل الاثنان واحدا. ويتفرع
على الوجهين: أنا إن أوجبنا القصاص على الابن القاتل وجبت
(هامش)
(1) المبسوط 7: 54، الخلاف 5: 179 مسألة (43). (2) كذا في (أ، د) وفي سائر النسخ:
الوارثين. (3) من (خ). (*)
ص 231
دية الاب في تركة الجاني، إن قلنا إن فوات محل القصاص يوجبها، لانه لم يقع هنا قتل
الجاني قصاصا، كما لو قتله أجنبي، فإذا فات القصاص وجبت الدية على ذلك التقدير. فإن
اقتص وارث الجاني من الابن القاتل، أخذ وارث المقتص منه والابن الاخر الدية من تركة
الجاني، وكانت بينهما نصفين. وإن عفا على الدية، فللاخ الذي لم يقتل نصف الدية في
تركة الجاني، وللاخ القاتل النصف، وعليه دية الجاني بتمامها. ويقع الكلام في
التقاص، فقد يصير النصف بالنصف قصاصا، ويأخذ وارث الجاني النصف الاخر. وقد يختلف
القدر، بأن يكون المقتول أولا رجلا والجاني (1) امرأة، فيحكم في كل منهما بما
تقتضيه الحال. وإذا قلنا بالاصح (2) ولم نوجب القصاص على الابن القاتل، فلاخيه نصف
الدية، لفوات محل القصاص. وممن يأخذ أخو القاتل النصف الذي وجب له؟ فيه أوجه:
أحدها: من أخيه القاتل، لانه صاحب حق في القصاص، فإذا بادر إلى القتل فكأنه استوفى
حق أخيه مع حق نفسه، كما إذا أودع إنسان وديعة ومات عن ابنين، فأخذها أحدهما
وأتلفها من غير تفريط المودع، فإن الاخر يرجع بضمان نصيبه عليه لا على المودع.
وثانيها: أنه يأخذ من تركة الجاني، لان القاتل فيما وراء حقه كالاجنبي، ولو قتله
أجنبي لاخذ الوارث الدية من تركة الجاني لا من الاجنبي، فكذلك هنا.
(هامش)
(1) في (أ): والثاني. (2) في (د) والحجريتين: بالدية. (*)
ص 232
ويخالف مسألة الوديعة، من حيث إن الوديعة غير مضمونة على المودع، حتى لو تلفت بآفة
فلا ضمان، ولو أتلفها أجنبي غرمه المالك، ونفس الجاني مضمونة، حتى لو مات أو قتله
أجنبي تؤخذ الدية من تركته. ولانه لو كانت دية المقتول أولا أقل من دية القاتل، بأن
كان مسلما والجاني ذميا (1)، فقتله أحد ابني المسلم، فالواجب على الابن القاتل نصف
دية الذمي، والثابت لاخ القاتل نصف دية المسلم، فإن قلنا إنه يأخذ حقه من أخيه لم
يكن له أن يأخذ مجموع حقه، ولا أن يأخذ منه ومن ورثة الجاني، لان أخاه هو الذي أتلف
جميع حقه، فلا رجوع له على غيره. وثالثها: أنه يتخير بين أن يأخذ حقه من أخيه ومن
تركة الجاني، تنزيلا لهما منزلة الغاصب والمتلف من يده. وهذا أقوى (2)، وهو الذي
رجحه في القواعد (3)، وولده في الشرح (4). ويتفرع على الاول: أن من لم يستوف لو
أبراء أخاه [فقد] (5) برئ، ولو أبراء وارث الجاني لم يصح، لانه لاحق له عليه. ولو
أبراء وارث الجاني الابن القاتل من الدية، لم يسقط النصف الذي ثبت عليه لاخيه. وأما
النصف الثابت للوارث فيبنى على أن التقاص هل يحصل في الديتين بنفس الوجوب أم لا؟
فإن قلنا به فالعفو لغو، وكما وجبا سقطا. وإن قلنا
(هامش)
(1) كذا في (ت، خ)، وفي سائر النسخ: ذمي. (2) كذا في (خ، م)، وفي سائر النسخ: قوي.
(3) قواعد الاحكام 2: 299. (4) إيضاح الفوائد 4: 624. (5) من (ت، خ، م). (*)
ص 233
وينبغي للامام أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين فطنين احتياطا، ولاقامة الشهادة إن
حصلت مجاحدة. ويعتبر الالة لئلا تكون مسمومة، خصوصا في قصاص الطرف. ولو كانت
مسمومة، فحصلت منها جناية بسبب السم، ضمنه. ويمنع من الاستيفاء بالالة الكالة،
تجنبا للتعذيب. ولو فعل أساء ولا شي عليه. ولا يقتص إلا بالسيف. ولا يجوز التمثيل
به، بل يقتصر على ضرب عنقه، ولو كانت جنايته بالتغريق أو بالتحريق أو بالمثقل أو
بالرضخ. وأجرة من يقيم الحدود من بيت المال، فإن لم يكن بيت مال أو كان هناك ما هو
أهم، كانت الاجرة على المجني عليه.
لا يحصل حتى يتراضيا صح الابراء، وسقط ما وجب
للوارث على الابن القاتل، ويبقى للابن القاتل النصف في تركة الجاني. وإن قلنا إن حق
الذي لم يقتل في تركة الجاني لاعلى أخيه، فلوارث الجاني على الابن القاتل دية تامة،
وله في تركة الجاني نصف الدية، فيقع النصف في التقاص، ويأخذ وارث الجاني منه النصف.
وإبراء الذي لم يقتل أخاه لاغ، لانه لا شي عليه. ولو أبراء وارث الجاني صح. ولو
أسقط وارث الجاني الدية عن الابن القاتل، فإن قلنا يحصل التقاص بنفس الوجوب فقد سقط
النصف كما وجب، ويؤثر الاسقاط في النصف الاخر، فلا يبقى لاحدهما على الاخر شي. وإن
قلنا لا يقع التقاص إلا بالتراضي سقط حق الوارث بإسقاطه، وبقي للابن القاتل نصف
الدية في تركه الجاني. قوله: (وينبغي للامام أن يحضر عند الاستيفاء... إلخ).
ص 234