مسالك الأفهام - ج15

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج15

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 235

ذبحتم فأحسنوا الذبح) (1). ولو فعل بالكال أساء ولا شي عليه، ولكن يعزر على فعل المحرم. ولو قتل الجاني بسيف كال قتل بالصارم عند الاصحاب، عملا بالعموم. ويحتمل جواز قتله بالكال حينئذ، لعموم (2) الامر بالعقوبة المماثلة. الرابعة: يتعين الاستيفاء بضرب العنق بالسيف، سواء كانت جنايته به أم بغيره، من التغريق والتحريق والضرب بالحجر وغيرها، عند أكثر الاصحاب، لان المقصود القود بإزهاق الروح، وهو متحقق بذلك، والزيادة عليه مثلة منهي (3) عنها. وقال ابن الجنيد (4): يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها، لقوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (5). وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه) (6). وروي (7) أن يهوديا رضخ رأس جارية بالحجارة، فأمر صلى الله عليه وآله فرضخ رأسه بالحجارة. ولان المقصود من القصاص التشفي، وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به.

(هامش)

(1) سنن الدارمي 2: 82، مسند أحمد 4: 123، صحيح مسلم 3: 1548 ح 1955، سنن أبي داود 3: 100 ح 2815، سنن ابن ماجة 2: 1058 ح 3170، سنن الترمذي 4: 16 ح 1409، سنن النسائي 7: 229. (2، 3) البقرة: 194. (4) انظر الوسائل 19: 95 ب (62) من أبواب القصاص في النفس. (5) حكاه عنه العلامة في المختلف: 820. (6) سنن البيهقي 8: 43، تلخيص الحبير 4: 19 ح 1691. (7) مسند أحمد 3: 171 و203، صحيح البخاري 9: 5 - 6، صحيح مسلم 3: 1299 ح 15، سنن أبي داود 4: 180 ح 4529، سنن ابن ماجة 2: 889 ح 2666، سنن البيهقي 8: 42، تلخيص الحبير 4: 15 ح 1682. (*)

ص 236

وهذا القول لا بأس به، وإن كان الاشهر خلافه. وعلى تقديره يستثنى ثلاث صور: الاولى: إذا قتله بالسحر، فإنه يقتص منه بالسيف، لان عمل السحر محرم، ولعدم انضباطه، واختلاف تأثيراته. الثانية: إذا قتل باللواط وكان مما يقتل غالبا أو قصده به، فإنه يقتل بالسيف، لانه قتل بفعل محرم في نفسه، فيقتل بالسيف كما لو كان قتل بالسحر. وفي وجه لبعض (1) الشافعية أنه يدس خشبة قريبة من آلته ويقتل بها، تحقيقا للمماثلة بقدر الامكان. الثالثة: إذا أوجره خمرا حتى مات، وكان ذلك على وجه يوجب القصاص، فإنه يقتل بالسيف بتقريب ما ذكر. ومثله ما لو وجره بولا أو شيئا نجسا. وفي مثل ذلك الوجه أنه يوجر مائعا آخر من ماء أو خل أو شي مر إلى أن يموت. الخامسة: لينصب الامام من يقيم الحدود ويستوفي القصاص بإذن المستحقين له، ويرزقه من بيت المال. فإن لم يكن عنده منه شي، أو احتاج إليه لما هو أهم منه كالجهاد، ففي ثبوت أجرته على المقتص أو المقتص منه قولان:أحدهما - وهو الذي قطع به المصنف -: الاول، لانه لمصلحته، والواجب على الجاني تسليم نفسه لا نفس القتل. والثاني: أنها على المقتص منه، لانها حق مؤونة يلزمه توفيته، فيلزم تلك المؤونة، كما تلزم أجرة الكيال على البائع وأجرة وزان الثمن على المشتري.

(هامش)

(1) الحاوي الكبير 12: 140، روضة الطالبين 7: 96. (*)

ص 237

ولا يضمن المقتص سراية القصاص. نعم، لو تعدى ضمن. فإن قال: تعمدت، اقتص منه في الزائد. وإن قال: أخطأت أخذت منه دية العدوان. ولو خالفه المقتص منه في دعوى الخطاء، كان القول قول المقتص مع يمينه. وكل من يجري بينهم القصاص في النفس، يجري في الطرف. ومن لا يقتص له في النفس، لا يقتص له في الطرف.

ولعل هذا أظهر. وعلى هذا، فلو قال الجاني: أنا أقتص من نفسي ولا أؤدي الاجرة، ففي تحقيق تمكينه منه وجهان، من حصول الغرض، وكون المقصود التشفي وهو لا يتم بذلك. وربما علل بأنه لا يقع على الوجه المطلوب شرعا، فإنه إذا مسته الحديدة مرت يده ولم يحصل الزهوق إلا بأن يعذب نفسه تعذيبا شديدا، وهو ممنوع منه. قوله: (ولا يضمن المقتص... إلخ). إذا اقتص الولي أو غيره بإذن الامام أو حيث تجوز المبادرة إليه بدونه، فلا ضمان على المستوفي لما يحصل بسرايته، حيث لا يتعدى الحق الثابت له، لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (من قتله القصاص بأمر الامام فلا دية له في قتل ولا جراحة) (1). وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أيما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له) (2).

(هامش)

(1) التهذيب 10: 279 ح 1091، الوسائل 19: 47 ب (24) من أبواب قصاص النفس ح 8. (2) التهذيب 10: 206 ح 813، الوسائل 19: 47 الباب المتقدم ح 9. (*)

ص 238

وها هنا مسائل:

الاولى: إذا كان له أولياء لا يولى عليهم، كانوا شركاء في القصاص، فإن حضر بعض وغاب الباقون، قال الشيخ: للحاضر الاستيفاء، بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية. وكذا لو كان بعضهم صغارا. وقال: لو كان الولي صغيرا، وله أب أو جد، لم يكن لاحد أن يستوفي حتى يبلغ، سواء كان القصاص في النفس أو في الطرف. وفيه إشكال. وقال: يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي، أو يفيق المجنون. وهو أشد إشكالا من الاول. الثانية: إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص.

وعن زيد الشحام قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتله القصاص هل له دية؟ قال: لو كان ذلك لم يقتص من أحد) (1). هذا إذا لم يزد عن حقه، وإلا لزمه الزائد قصاصا مع العمد ودية مع الخطاء. والقول قوله في أحد الوصفين، لان ذلك لا يعلم إلا من قبله. قوله: (إذا كان له أولياء لا يولى عليهم... إلخ). قد تقدم (2) القول في جواز مبادرة أحد الاولياء بدون إذن الباقين، سواء كان غيره حاضرا أم غائبا، وأنه يضمن حصتهم من الدية.

(هامش)

(1) الكافي 7: 291 ح 3، التهذيب 10: 207 ح 815، الاستبصار 4: 279 ح 1056، الوسائل 19: 46 الباب المتقدم ذيل ح 1. (2) في ص: 229. (*)

ص 239

ولو اختار بعضهم الدية، وأجاب القاتل. جاز. فإذا سلم سقط القود على رواية. والمشهور أنه لا يسقط، وللاخرين القصاص، بعد أن يردوا عليه نصيب من فاداه.

وأما (1) الاشكال على تقدير كون الولي مولى عليه في تأخير الاستيفاء إلى أن يبلغ، فمنشؤه من أن الحق له، وهو قاصر عن أهلية الاستيفاء، فيتعين تأخيره إلى أن يكمل، ومن أن الولي مسلط على استيفاء حقوقه مع المصلحة، وهذا منها. وهو أقوى. ثم على القول بالمنع فقد حكم الشيخ (2) بحبس القاتل إلى أن يكمل المولى عليه. وهو عند المصنف - رحمه الله - أشد إشكالا من السابق، لان الواجب على القاتل بأصل الشرع هو القود أو الدية على تقدير الاتفاق عليها كما مر (3)، فالحبس عقوبة خارجة عن الموجب، ولا موجب لها، ومن أن فيه حفظا (4) لحق الطفل وترفقا به. والاصح الاول. قوله: (ولو اختار بعضهم الدية... إلخ).المشهور بين الاصحاب أن عفو بعض الاولياء على مال وغيره لا يسقط حق الباقين من القود، [و] (5) لكن على من أراد القصاص أن يرد على المقتول بقدر نصيب من عفا من ديته، لاصالة بقاء الحق، وعموم قوله تعالى: (فقد جعلنا

(هامش)

(1) في (أ، ث، خ): وإنما. (2) المبسوط 7: 55. (3) في ص: 224. (4) في (ت): تحفظا. (5) من (أ، خ). (*)

ص 240

لوليه سلطانا) (1). والولاية صادقة على كل واحد. ولصحيحة أبي ولا د الحناط قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل وله أب وأم وابن، فقال الابن: أنا أريد أن أقتل قاتل أبي، وقال الاب: أنا أعفو، وقالت الام: أنا آخذ الدية، فقال: فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الاب الذي عفا، وليقتله) (2). والرواية الدالة على سقوط القود بعفو البعض متعددة، وكأنه أراد بها الجنس. ومنها: صحيحة عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن رجلين قتلا رجلا عمدا، وله وليان، فعفا أحد الوليين، فقال: إذا عفا بعض الاولياء درئ عنهما القتل، وطرح عنهما من الدية بقدر حصص من عفا، وأديا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا) (3). وقريب منها رواية زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام، وغيرهما (5). وليس فيها تصريح بطلب الاخر الدية، بل بالعفو، إلا أن موجب العمد لما كان هو القصاص فطلب الدية عفو عن القود مع العوض، أو عفو عنه مطلقا إن جعلنا الواجب أحد الامرين. والعمل على المشهور.

(هامش)

(1) الاسراء: 33. (2) الكافي 7: 356 ح 2، الفقيه 4: 105 ح 353، التهذيب 10: 175 ح 686، الوسائل 19: 83 ب (52) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (3) الكافي 7: 358 ح 8، التهذيب 10: 176 ح 688، الاستبصار 4: 263 ح 991، الوسائل 19: 85 ب (54) من أبواب القصاص في النفس ح 1.(4) الكافي 7: 357 ح 7، التهذيب 10: 175 ح 687، الاستبصار 4: 263 ح 990، الوسائل 19: 86 الباب المتقدم ح 3. (5) انظر الوسائل 19: 85 الباب المتقدم ح 2، 4، 5. (*)

ص 241

ولو امتنع من بذل نصيب من يريد الدية، جاز لمن أراد القود أن يقتص، بعد رد نصيب شريكه. ولو عفا البعض لم يسقط القصاص، وللباقين أن يقتصوا، بعد رد نصيب من عفا على القاتل.

قوله: (ولو امتنع من بذل نصيب... إلخ). أي: امتنع القاتل أن يدفع إلى من عفا على مال نصيبه من الدية، لم يمنع ذلك الولي الاخر من القود، بل له أن يقتص منه، وإن منعنا من مبادرة أحد الشريكين بدون إذن الاخر، لان عفو شريكه على الدية أسقط حقه من القود. ولو لم يكن صرح بالعفو، بل اقتصر على طلب الدية، احتمل توقف مبادرة شريكه على إذنه على القول باشتراطه، لاصالة بقاء حقه. وعلى التقديرين، لو بادر وقتله فعليه لشريكه مقدار نصيبه من الدية. قوله: (ولو عفا البعض لم يسقط القصاص... إلخ). هذا مذهب الاصحاب. وقد تقدم (1) في صحيحة أبي ولا د ما يدل عليه. وروى جميل بن دراج، عن بعض أصحابه، رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام: (في رجل قتل وله وليان، فعفا أحدهما وأبى الاخر أن يعفو، قال: إن الذي لم يعف إن إراد أن يقتل قتل، ورد نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه) (2). وذهب جماعة من العامة (3) إلى أن عفو بعض الاولياء يسقط القصاص لمن

(هامش)

(1) في الصفحة السابقة. (2) الكافي 7: 356 ح 1، الفقيه 4: 105 ح 352، التهذيب 10: 177 ح 694، الوسائل 19: 84 ب (52) من أبواب القصاص في النفس ح 2. (3) اللباب في شرح الكتاب 3: 150، الحاوي الكبير 12: 104، روضة الطالبين 7: 107، المغني لابن قدامة 9: 464 - 465. (*)

ص 242

الثالثة: إذا أقر أحد الوليين أن شريكه عفا عن القصاص على مال، لم يقبل إقراره على الشريك، ولا يسقط القود في حق أحدهما، وللمقر أن يقتل، لكن بعد أن يرد نصيب شريكه. فإن صدقه، فالرد له، وإلا كان للجاني، والشريك على حاله في شركة القصاص.

لم يعف، ويثبت له نصيبه من الدية، لان القاتل استحق بعضه والقتل لا يتبعض.وهو مروي أيضا عندنا عن إسحاق بن عمار، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يقول: (من عفا عن الدم من ذي سهم لتقية (1) فعفوه جائز، ويسقط الدم ويصير دية، ويرفع عنه حصة الذي عفا) (2). وفي الطريق ضعف، والمذهب هو الاول. قوله: (إذا أقر أحد الوليين... إلخ). إذا أقر أحد الوليين بأن شريكه عفا عن القصاص على مال، فإن صدقه الشريك سقط حقه من القود، وصار حكمه كالسابق في جواز قتل الاخر بعد رد نصيب العافي من الدية على المقتول. ويلزم الجاني ما عفا عليه الشريك، إما مطلقا أو مع رضاه. فإن امتنع من بذله إلى العافي فاقتص الاخر رد نصيب شريكه عليه. وإن كذبه لم ينفذ إقراره في حقه، لانه إقرار في حق الغير. لكن ينفذ في حق نفسه بالنسبة إلى ما يترتب عليه، فإن لازمه بحسب نفسه أنه لا يجوز له قتل الجاني إلا أن يرد عليه بقدر نصيب العافي من الدية، إما على الجاني، أو على العافي على تقدير عدم وصول ما أقر به إليه.

(هامش)

(1) في (ث، خ): لينفيه، وفي سائر النسخ: ليبقيه، ولم ترد الكلمة في مصادر الحديث. (2) التهذيب 10: 177 ح 695، الاستبصار 4: 264 ح 992، الوسائل 19: 86 ب (54) من أبواب القصاص في النفس ح 4. (*)

ص 243

الرابعة: إذا اشترك الاب والاجنبي في قتل ولده، أو المسلم والذمي في قتل ذمي، فعلى الشريك القود. ويقضي المذهب أن يرد عليه الاخر نصف ديته. وكذا لو كان أحدهما عامدا والاخر خاطئا، كان القصاص على العامد بعد الرد، لكن هنا الرد من العاقلة. وكذا لو شاركه سبع، لم يسقط القصاص. لكن يرد عليه الولي نصف ديته.

وحينئذ فيبقى الحق لهما معا، فإن اتفقا على القتل وباشره المدعي عليه فذاك، وإن باشره المقر [له] (1) لزمه أن يؤدي إلى أولياء الجاني مقدار حصة المقر من الدية، لا [من] (2) المال الذي زعم أنه عفا عليه. وكذلك الشريك المنكر يأخذ نصيبه من الدية من مال الجاني، لفوات محل القصاص، أو من الشريك، نظرا إلى اعترافه له بالاستحقاق، وأن أولياء الجاني إذا لم يدفعوا إليه حقه يكون هو الذي يؤدي إليه كما مر. وقوله: (والشريك على حاله في شركة القصاص)، بعد تفصيله الرد على تقدير قتل الشريك، إما مبني على عدم وقوع القصاص، أو يريد بشركة القصاص ما يشمل القود وأخذ عوض النفس اللازمة لاستحقاقه على تقدير فواته. قوله: (إذا اشترك الاب والاجنبي... إلخ). الجنايات الصادرة من الجماعة، الواردة على الواحد، المستعقبة للموت، إن كانت بحيث يجب القصاص بكل واحد منها (3) لو انفردت، وجب القصاص على الشركاء.

(هامش)

(1) من (م). (2) من (ث، م) والحجريتين. (3) في (ث، خ، ط): منهما. (*)

ص 244

وإن كان القصاص ببعضها دون بعض فلعدم الوجوب أسباب:منها: أن تكون جناية بعضهم ضعيفة لا تؤثر في الزهوق، كالخدشة الخفيفة، فلا اعتبار بها، وكأنه لم يوجد سوى الجناية الباقية. ومنها: أن يغلب بعضها بقوته بحيث يقطع بنسبة الزهوق إلى سائر الجنايات، كما إذا جرح اثنان أو جماعة ثم جاء آخر وحز الرقبة، فقصاص النفس على الحاز، والباقون خارجون يتعلق بفعلهم مقتضاه من قصاص أو دية. ومنها: أن يكون امتناع القصاص على بعضهم لكون فعله خطاء، كما إذا جرحه أحدهما عمدا والاخر خطاء، أو يكون امتناع القصاص على بعضهم لمعنى في نفسه، إما مع كونه مضمونا، كما إذا شارك الاب أجنبيا في قتل الابن، أو المسلم الذمي في قتل الذمي، أو مع كونه غير مضمون، كما إذا شارك العامد سبع، أو لدغته حية أو عقرب وجرحه مع ذلك آدمي. فعندنا أن القصاص في هذه الفروض كلها يثبت على من يجب عليه القصاص لو انفرد، بعد أن يرد عليه نصف ديته في مقابلة الشركة. ولا قصاص على الخاطئ، ولا على الاب، ولا على المسلم كما لو انفرد، لانه قتل بسببين أحدهما يوجب القصاص، فيقتص منه كما لو انفرد. ولا يسقط هذا الواجب بسبب الشركة، كما لو شاركه من يقتص منه. ويلزم الاخر موجب جنايته، ويرد على من يقتص منه ما زاد على فعله. وخالف في كل واحد من هذه الفروض بعض (1) العامة. فمنهم من قال في اشتراك العامد والخاطئ إنه لا قود على أحدهما. وألحقوا به ما لو كان أحدهما

(هامش)

(1) الام 6: 23، الحاوي الكبير 12: 128 - 129، السراج الوهاج: 483. (*)

ص 245

الخامسة: للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص، لاختصاص الحجر بالمال. ولو عفا على مال، ورضي القاتل، قسمه على الغرماء. ولو قتل وعليه دين، فإن أخذ الورثة الدية، صرفت في ديون المقتول ووصاياه كماله. وهل للورثة استيفاء القصاص من دون ضمان ما عليه من الديون؟ قيل: نعم، تمسكا بالاية. وهو أولى. وقيل: لا. وهو مروي.

عامدا والاخر شبيه العمد. ومنهم (1) من قال في شريك الاب إنه لا قصاص على أحدهما. ووافقنا فيمسألة الخاطئ والعامد. ومنهم من (2) ألحق شريك السبع بشريك الخاطئ في نفي القصاص عنه. وإلى خلافهم أشار المصنف - رحمه الله - بقوله: (ويقتضي المذهب... إلخ). قوله: (للمحجور عليه لفلس أو سفه... إلخ). هنا مسألتان: الاولى: إذا كان مستحق القصاص محجورا عليه، نظر إن كان مسلوب العبارة كالصبي والمجنون فعفوه لغو. وإن كان الحجر عليه لحق غيره، كالمحجور عليه للفلس، فله أن يقتص. ولو عفا عن القصاص سقط. وأما الدية، فإن قلنا موجب العمد أحد الامرين فليس له العفو عن المال.

(هامش)

(1) الحاوي الكبير 12: 128 - 129. (2) الوجيز 2: 127. (*)

ص 246

وإذا تعين المال بالعفو عن القصاص صرف إلى غرمائه. ولا يكلف تعجيل القصاص أو العفو ليصرف المال إليهم. وإن قلنا بالمشهور من أن موجب العمد القود، فإن عفا على المال ثبت المال. وإن عفا مطلقا فكذلك تثبت الدية إن قلنا إن العفو المطلق يوجب الدية، كما نقلناه (1) عن بعض الاصحاب. وإن قلنا لا يوجبها لم تثبت، ولا يكلف العفو على مال، لانه تكسب، وليس على المفلس التكسب لما عليه من الديون، كما مر (2). وأما المحجور عليه لسفه - وهو المبذر - فيصح منه إسقاط القصاص واستيفاؤه. وفيما يرجع إلى الدية حكمه حكم المفلس في عدم صحة العفو عنه. الثانية: إذا قتل الشخص عمدا وعليه دين، فإن أخذ الورثة الدية صرفت في ديون المقتول ووصاياه كغيرها من أمواله، لما تقدم (3) غير مرة من أن الدية في حكم مال الميت، سواء وجبت أصالة أم صلحا. وهل للورثة استيفاء القصاص مع بذل الجاني الدية من دون ضمان ما عليه من الديون، أو ضمان مقدار الدية منها؟ فيه قولان (4). أحدهما: - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وقبله ابن إدريس (5)،

(هامش)

(1) راجع ص: 224 - 225. (2) راجع ج 4: 117. (3) راجع ج 13: 42. (4) في (خ): وجهان. (5) السرائر 2: 48 - 49. (*)

ص 247

وبعده العلامة (1) في أكثر كتبه -: نعم، لان موجب العمد القصاص، وأخذ الديةاكتساب، وهو غير واجب على الوارث في دين مورثه. ولعموم قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (2)، وقوله تعالى (النفس بالنفس) (3). والثاني: أنه لا يجوز لهم القصاص إلا بعد ضمان الدين، أو الدية إن كانت أقل منه. وقيل: ليس لهم العفو أيضا بدونه، لرواية عبد الحميد بن سعيد قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا وأخذ أهله الدية من ماله، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم، قلت: وهو لم يترك شيئا، فقال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا عنه الدين) (4). ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقتل وعليه دين وليس له مال، فهل للاولياء أن يهبوا دمه لقاتله؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء) (5). وأجاب المصنف - رحمه الله - في النكت (6) عن الرواية بضعف السند وندورها، فلا تعارض الاصول. وحملها الطبرسي (7) على ما إذا بذل القاتل الدية،

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 256، قواعد الاحكام 2: 301، إرشاد الاذهان 2: 199. (2) الاسراء: 33. (3) المائدة: 45. (4) التهذيب 6: 192 ح 416، الوسائل 13: 112 ب (24) من أبواب الدين والقرض ذيل ح 1. (5) التهذيب 6: 312 ح 861، الوسائل 13: 112 ب (24) من أبواب الدين والقرض ح 2. (6) النهاية ونكتها 2: 29. (7) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 363. (*)

ص 248

السادسة: إذا قتل جماعة على التعاقب، ثبت لولي كل واحد منهم القود، ولا يتعلق حق واحد بالاخر. فإن استوفى الاول، سقط حق الباقين لا إلى بدل، على تردد. ولو بادر أحدهم فقتله، فقد أساء، وسقط حق الباقين. وفيه إشكال من حيث تساوي الكل في سبب الاستحقاق.

فإنه يجب حينئذ قبولها، ولا يجوز للاولياء القصاص إلا بعد الضمان، فإن لم يبذلها جاز القود من غير ضمان. والاشهر الجواز مطلقا. قوله: (إذا قتل جماعة... إلخ). إذا قتل الواحد جماعة، فإن كان قتلهم دفعة واحدة، بأن هدم عليهم بناء أو جرحهم وماتوا معا (1)، لم يكن أحدهم أولى بالقود من الاخر، بل إن اجتمعوا في الاستيفاء فقتلوه استوفوا حقوقهم، وإن قتله واحد بالقرعة أو مطلقا استوفى حقه، لان له نفسا مكافئة. وفي استحقاق الباقين حينئذ الدية وجهان، من أن الواجب في العمد القصاص وقد فات محله، ومن استلزامه أن يطل (2) دم امر مسلم، فينتقل إلى بدلها وهو الدية إن لم يكن الواجب ابتداء أحد الامرين. والاول اختيار الشيخ (3)، والثاني هو الاجود. ومما ذكرناه يظهر وجه التردد. وهل لبعضهم طلب القود وللباقين الدية؟ وجهان مرتبان. وإن قتلهم على التعاقب ثبت لكل واحد منهم القود أيضا. لكن هل يقدم السابق في الاستيفاء أم يستوون؟ وجهان، من أن السابق قد استحق القصاص منفردا من غير معارض قبل تعلق حقوق الباقين، فيقتص له، وفي أخذ الدية

(هامش)

(1) في (خ) وإحدى الحجريتين: جميعا.(2) في (م): يبطل. (3) المبسوط 7: 61. (*)

ص 249

السابعة: لو وكل في استيفاء القصاص، فعزله قبل القصاص، ثم استوفى، فإن علم فعليه القصاص، وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية. أما لو عفا الموكل، ثم استوفى ولما يعلم، فلا قصاص أيضا، وعليه الدية للمباشرة، ويرجع بها على الموكل، لانه غار.

للباقين الاشكال السابق، ومن أن السبب الموجب لاستحقاق القصاص هو قتل النفس المكافئة عمدا ظلما، وهو متحقق في الجميع، فيستوون فيه، ويقدم أحدهم بالقرعة أو باجتماعهم على الاستيفاء كما مر. وعلى كل تقدير، فإن بادر أحدهم واستوفى وقع موقعه، لان له نفسا مكافئة، فقد استوفى تمام حقه من غير زيادة، وإن أساء حيث لا يكون هو السابق، على القول بتقديمه أو لم نقل بالتخيير. ويبقى الاشكال في سقوط حق الباقين، من حيث فوات متعلق القصاص، أو الانتقال إلى الدية. وهو الاجود. قوله: (لو وكل في استيفاء... إلخ). قد سبق في الوكالة (1) أن التوكيل في استيفاء القصاص جائز، والخلاف (2) فيما لو عزل الموكل الوكيل في غيبته، هل ينعزل بمجرد العزل، أم يتوقف على علمه بالعزل وما في معناه؟ فإذا وكله في القصاص واستمر على ذلك إلى أن استوفاه وقع موقعه للموكل. وإن رجع في الوكالة، فإن علم الوكيل بالعزل قبل الاستيفاء لم يجز له بعد ذلك الاقتصاص. فإن فعل فعليه القود، كما لو استوفى الاجنبي. وإن لم يعلم بالعزل، وقلنا لا ينعزل بدون العلم به وما في معناه، وقع

(هامش)

(1، 2) راجع ج 5: 257 و244. (*)

ص 250

الاستيفاء موقعه أيضا، كما لو فعله قبل العزل. وإن قلنا بأنه ينعزل بنفس العزل فلا قصاص على الوكيل، لانه فعل فعلا مأذونا فيه شرعا ظاهرا. وفي وجوب الدية والرجوع بها على الموكل حيث غره وجهان، يأتي مثلهما في العفو. وإن لم يعزله لكن عفا عن القصاص، فإن كان بعد استيفاء الوكيل فلا حكم له. وإن كان قبله، فإن علم به قبل القتل ثم فعل فعليه القصاص، كما لو قتله. وإنكان جاهلا فلا قصاص، لانه معذور، لبنائه على الاصل وإذن الشارع له فيه. فإن ادعى على الوكيل العلم بالعفو فأنكر صدق بيمينه. وإن نكل حلف الوارث واستحق القصاص. وأما الدية ففي وجوبها وجهان: أحدهما: لا تجب، لانه عفا بعد خروج الامر من يده، فوقع لغوا. ولان القتل يباح له في الظاهر، فلا يتجه التضمين به. وأصحهما - وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله -: الوجوب، لانه بان أنه قتله بغير حق. ولانه لو علم العفو وقتله وجب عليه القصاص، فإذا جهله وجبت الدية، كما لو قتل من ظنه مرتدا فبان رجوعه إلى الإسلام، وكما لو قتل في صف المشركين من حسبه كافرا فبان مسلما أسيرا. ووجه المشابهة: أن الوكيل هاهنا قتل على ظن بقاء القصاص، وهو ظاهر الحال، كما أن القتل هناك مبني على ظن ظاهر الكفر، وهو كون الواقف في صف الكفار كافرا، لكن هناك قيل تجب الدية في بيت المال، ولا مال هنا. ثم إن قلنا بوجوب الدية وجبت الكفارة. وإن لم نوجب الدية ففي الكفارة وجهان، أظهرهما الوجوب، كما تجب على الرامي إلى صف الكفار. ووجه العدم

ص 251

استناده إلى إذن الحاكم. ثم الدية الواجبة بقتل الوكيل لورثة الجاني لا تعلق للموكل بها، بخلاف ما إذا ثبت القصاص لاثنين فبادر أحدهما وقتله، فإنه يجب عليه نصف الدية للاخر كما مر (1). والفرق: أن القاتل هناك أتلف حق أخيه فتعلق الاخ ببدله، والوكيل هنا قتل بعد سقوط حق الموكل. وإذا غرم الوكيل الدية فهل يرجع من غرم على العافي؟ فيه وجهان: أحدهما - وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله -: الرجوع، لانه غره، كما إذا قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى غيره فأكله، فإن قرار الضمان على الغار. والثاني: العدم، لانه محسن بالعفو غير غار (2) به، بخلاف المتصرف في الطعام المغصوب. ويمكن الفرق بين ما إذا أمكن الموكل إعلام الوكيل فلم يفعل وعدمه، فيحصل الغرر والرجوع عليه في الاول دون الثاني. وإذا قلنا بالرجوع فهل لولي الجاني أن يأخذ الدية ابتداء من العافي؟ فيه وجهان. أما الكفارة فلا رجوع بها وجها واحدا. ثم إن كان الموكل قد عفا مجانا أو مطلقا، وقلنا إن العفو مطلقا لا يوجب الدية، فلا شي. وإن عفا على الدية، أو قلنا إن إطلاق العفو موجب لها، فله الدية في تركة الجاني إن أوجبنا بقتل الوكيل الدية. وإن لم نوجب وأهدرنا دم الجاني فلا دية للموكل، لخروج العفو على هذا التقدير عن الافادة ووقوعه لغوا.

(هامش)

(1) راجع ص: 229. (2) في (خ): غير مسي. (*)

ص 252

الثامنة: لا يقتص من الحامل حتى تضع. ولو تجدد حملها بعد الجناية، فإن ادعت الحمل وشهد لها القوابل، ثبت. وإن تجردت دعواها، قيل: لا يؤخذ بقولها، لان فيه دفعا للولي عن السلطان. ولو قيل: يؤخذ، كان أحوط. وهل يجب على الولي الصبر حتى يستقل الولد بالاغتذاء؟ قيل: نعم، دفعا لمشقة اختلاف اللبن. والوجه تسليط الولي إن كان للولد مايعيش به غير لبن الام، والتأخير إن لم يكن.

قوله: (لا يقتص من الحامل حتى تضع... إلخ). المرأة الحامل لا يقام عليها القصاص في النفس ولا في الطرف ولا حد من حدود الله تعالى قبل الوضع، لما في إقامتها من هلاك الجنين أو الخوف عليه، والجنين بري لا يهلك بجريمة غيره. ولا فرق بين أن يكون الولد من حلال أو حرام، ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة أو قبله. وإذا وضعت فلا يستوفى العقوبة أيضا حتى ترضع اللباء (1)، لان المولود لا يعيش إلا به، على ما أطلقه جماعة (2) حكما وتوجيها. ورد بالوجدان، بأنه قد تموت المرأة في الطلق ويعيش الولد بلبن غيرها. ولعل (3) الاغلب الاول، فيكفي في اعتباره، خصوصا مع قصر مدته. فيحتمل تأخير الاستيفاء فيها، ليزول الخطر عن المولود ويكمل (4) عيشه. ثم إذا أرضعته اللباء، فإن لم يكن هناك من ترضع، ولا ما يعيش المولود به

(هامش)

(1) اللباء: أول الالبان عند الولادة. لسان العرب 1: 150. (2) المبسوط 7: 58 - 59، الوسيلة: 438، قواعد الاحكام 2: 301 - 302. (3) في الحجريتين: ولان. (4) في (د): ويمكن. (*)

ص 253

من لبن بهيمة وغيره، ففي وجوب إمهالها إلى أن توجد مرضعة أو ما يعيش به وجهان، أصحهما ذلك، لانه إذا وجب تأخير العقوبة احتياطا بالحمل، فلان يجب وقد تيقنا بالوضع وجوده وحياته أولى. ولو بادر مستحق القصاص والحال هذه فقتلها فمات الطفل، احتمل كون المستوفي قاتل عمد للولد، [ثم] (1) يلزمه القود، كما لو حبس رجلا في بيت ومنعه [عن] (2) الطعام والشراب، وعدمه، كما لو غصب طعام رجل وكسوته فمات جوعا أو بردا. والفرق بينه وبين الحالة الاولى: إمكان حصول الغذاء في كل وقت وإن اتفق العدم. ويمكن على هذا ثبوت الدية وانتفاء (3) الامرين معا. والوجه الثاني: جواز المبادرة إلى قتلها فضلا عن عدم الضمان. ولا يبالىبالولد، كما لو كان للقاتل عيال يضيعون ظاهرا لو اقتص [منه] (4). فهذا حكم ما إذا لم يكن هناك ما يعيش به المولود أصلا. وورأه حالتان: إحداهما: إذا أمكنت تربية الولد بمراضع يتناوبن عليه أو بلبن شاة ونحوه، و[لو] (5) لم توجد مرضعة راتبة (6)، فيستحب للولي أن يصبر [له] (7) لترضعه هي، لئلا يفسد خلقه، ولا يشوشوه (8) بالالبان المختلفة. ولو لم يصبر وطلب القصاص

(هامش)

(1) من (أ) وإحدى الحجريتين. (2) من الحجريتين. (3) في (أ، ط) وإحدى الحجريتين: من انتفاء.... (4) من (ص، ل). (5، 6) من الحجريتين. (7) كذا في (م، ث، ط)، وفي سائر النسخ: رابية. (8) في (ت): يشوش. (*)

ص 254

أجيب. وفي المقدور عليه بما (1) يحصل به التربية بلاغ. ويحتمل العدم، لما ذكر من المشقة. والثانية: أن توجد مرضعة واحدة راتبة، وطلب المستحق القصاص، ففي إجابته الوجهان. وأولى بالاجابة هنا، لقلة المشقة أو عدمها الناشئ من اتفاق اللبن وإن لم يكن لبن أمه. ووجه العدم: كون لبن أمه أوفق بطباعه، لاغتذائه بمادته جنينا، كما ينتظر إقامة الحد عليها إلى استغناء الولد، وقد تقدم (2). وقد يفرق بين القصاص والحد بما تحقق من أن حقوق الله تعالى تبنى على المساهلة، ولذلك يقبل الرجوع عن الاقرار فيها، وحقوق الادمي مبنية على الضيق. وجميع ما ذكرناه فيما إذا ظهرت مخائل الحمل ودلالته بالاقرار أو بشهادة النسوة. ولو ادعت المرأة أنها حامل، فهل يمنع عنها بمجرد دعواها؟ فيه وجهان: لا، لان الاصل عدم الحمل، فلا يترك إقامة الواجب إلا ببينة تقوم على ظهور مخائله. وأصحهما: نعم، لان للحمل أمارات تظهر وأمارات تخفى، وهي عوارض تجدها الحامل من نفسها وتختص بمعرفتها، وهذا النوع تتعذر إقامة البينة عليه، فينبغي أن يقبل قولها فيه كالحيض. ولان ما تدعيه محتمل احتمالا لا بعد فيه، فلا وجه للتهجم على ما يهلك الجنين إن كانت صادقة. وحينئذ فينتظر إلى أن تظهر مخائل الحمل، فيستمر أو يتيقن العدم.

(هامش)

(1) في الحجريتين: مما. (2) في ج 14: 376. (*)

ص 255

ولو قتلت المرأة قصاصا، فبانت حاملا، فالدية على القاتل. ولو كان المباشر جاهلا به، وعلم الحاكم، ضمن الحاكم.

قوله: (ولو قتلت المرأة قصاصا... إلخ). إذا قتلت المرأة قصاصا فبانت حاملا بعد القتل، فإن بادر إليه الولي مستقلا أثم، ووجب ضمان الجنين بالغرة أو الدية، على ما سيأتي (1) تفصيله على تقدير موته بذلك. وإن مكنه الحاكم وأذن في قتلها فقتلها، فالكلام في ثلاثة مواضع: أحدها: الاثم. وهو يتبع العلم. فإن علم الحاكم والولي أنها حامل أثما جميعا. وإن علم أحدهما دون الاخر اختص الاثم بمن علم. وإن جهلا فلا إثم. وثانيها: الضمان. وكيفيته ومقداره يأتي (2) في محله. وثالثها: فيمن يضمن. ولا يخلو: إما أن يكون الحاكم والولي عالمين بالحال، أو جاهلين، أو يكون الحاكم عالما دون الولي، أو بالعكس. ففي الحالة الاولى يتعلق الضمان بالولي المباشر، لانه أقوى وأولى بإحالة الهلاك عليه من السبب. وهذا هو الذي يقتضيه إطلاق المصنف رحمه الله. وورأه وجهان آخران: أحدهما: أن الضمان يتعلق بالحاكم، لان الاجتهاد والنظر إليه، والبحث والاحتياط عليه. وفعل الولي صادر عن رأيه واجتهاده، فهو كالالة. والثاني: أن الضمان عليهما بالسوية، لان الاول مباشر وأمر الحاكم كالمباشرة، فيشتركان في الضمان. وفي الثانية، وهي ما إذا كانا جاهلين، ففيمن عليه الضمان الوجوه الثلاثة السابقة. ويظهر من المصنف اختيار ضمان الولي.

(هامش)

(1، 2) في ص: 468 و473. (*)

ص 256

التاسعة: لو قطع يد رجل ثم قتل آخر، قطعناه أولا ثم قتلناه. وكذا لو بداء بالقتل، توصلا إلى استيفاء الحقين. ولو سرى القطع في المجني عليه والحال هذه، كان للولي نصف الدية من تركة الجاني، لان قطع اليد بدل عن نصف الدية.

والثالثة: إذا كان الحاكم عالما والولي جاهلا. فإن أوجبنا الضمان على الحاكم إذا كانا عالمين فهنا أولى. وإن أوجبنا هناك على الولي فهنا وجهان، أظهرهما ضمان الحاكم، للغرور، كما لو أضاف الغاصب بالطعام المغصوب غيره.والرابعة: إذا كان الولي عالما والحاكم جاهلا. والمشهور أن الضمان على الولي. وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة، لاجتماع العلم وقوة المباشرة. ويحتمل ضمان الامام (1)، لتقصيره في البحث، فيشارك المباشر أو يختص كما مر. وهو ضعيف. وحيث أوجبنا الضمان على الولي فالحكم في كونه عليه أو على العاقلة ما هو مقرر في الخطاء وشبهه، نظرا إلى العلم بالحمل وعدمه. وحيث أوجبناه على الحاكم، فإن كان عالما فذاك. وإن كان جاهلا فمن خطاء الحكام، وقد تقرر أنه في بيت المال. فرع: إذا لم يعلم الامام بالحمل فأذن للولي، ثم علم فرجع عن الاذن ولم يعلم الولي برجوعه فقتل، فعلى من الضمان؟ يبنى على ما إذا عفا الولي عن القصاص ولم يعلم الوكيل، وقد تقدم (2). قوله: (لو قطع يد رجل... إلخ).

(هامش)

(1) في (ت، م): الحاكم. (2) في ص: 249. (*)

ص 257

وقيل: لا يجب في تركة الجاني شي، لان الدية لا تثبت في العمد إلا صلحا. ولو قطع يديه فاقتص، ثم سرت جراحة المجني عليه، جاز لوليه القصاص في النفس.

وجه تقديم القطع في الموضعين الجمع بين الحقين، بخلاف ما إذا قدم استيفاء النفس، فإن قصاص الطرف يفوت. ثم على تقدير سراية القطع إلى المجني عليه، فإن كان قبل القصاص تساوى وليه وولي المقتول في استحقاق القتل، وصار كما لو قتلهما. وقد سبق (1) حكمه. وإن كانت السراية بعد قطع يده قصاصا ففيه أقوال: أحدها - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله -: ثبوت نصف الدية لولي المقطوع من تركة الجاني، لان قطع اليد وقع بدلا من نصف الدية، فيكمل له عليها، ليكون الجميع عوضا عن النفس. وثانيها: أنه لا يجب شي، لان دية العمد إنما تثبت صلحا، وسراية العمد توجب كون القتل عمدا كما تقدم، وقد فات محل القصاص. وثالثها: أنه يرجع بالدية أجمع، لان للنفس دية على انفرادها، والذي استوفاه في اليد وقع قصاصا، فلا يتداخل. واختار هذا العلامة في التحرير (2). وهو متجه. قوله: (ولو قطع يديه فاقتص... إلخ).

(هامش)

(1) راجع ص: 248.(2) تحرير الاحكام 2: 256 - 257. (*)

ص 258

ولو قطع يهودي يد مسلم، فاقتص المسلم ثم سرت جراحة المسلم، كان للولي قتل الذمي. ولو طالب بالدية، كان له دية المسلم، إلا دية يد الذمي، وهي أربع مائة درهم. وكذا لو قطعت المرأة يد رجل فاقتص، ثم سرت جراحته، كان للولي القصاص. ولو طالب بالدية، كان له ثلاثة أرباعها. ولو قطعت يديه ورجليه، فاقتص، ثم سرت جراحاته، كان لوليه القصاص في النفس، وليس له الدية، لانه استوفى ما يقوم مقام الدية. وفي هذا كله تردد، لان للنفس دية على انفرادها، وما استوفاه وقع قصاصا.

لان القصاص في اليدين وقع عوضا عن اليدين، فإذا سرى إلى النفس كان كالقاتل عمدا، فيقتص منه. ولا شي لقطع اليدين السابق، لوقوعه قصاصا، وإن كان لولا الاستيفاء لدخل في النفس. قوله: (ولو قطع يهودي... إلخ). القول المحكي في المسائل الثلاث قبل التردد للشيخ في المبسوط (1). ووجه الحكم: أن المقتول إذا كان مقطوع اليد بجناية من غير القاتل وقد أخذ ديتها، لا يقتل الجاني إلا بعد رد دية اليد، وإذا أخذت منه الدية [ف‍] (2) تؤخذ الدية إلا دية اليد، فكذا هنا، لان كل واحد من المسلم والرجل قد استوفى عوض ما جني عليه، وهو قطع يد الذمي والمرأة، فله الدية إلا قدر ما استوفى. وفي الثالثة يكون قد استوفى ما يقوم مقام الدية، فليس له غيره، كما لو أخذ دية اليد والرجل.

(هامش)

(1) المبسوط 7: 64 - 65. (2) من (أ، ت، م). (*)

ص 259

ولانه لو أخذ دية تامة اجتمع له العوض والمعوض وزيادة في الاخيرة ونقيصة (1) في الاولين، وهو غير جائز. ولانه يكون الاستيفاء قد وقع مرتين، وهو ظلم. نعم، له القصاص، لعدم دخول قصاص الطرف في قصاص النفس هنا قطعا، لسبق الاستيفاء. قال في المبسوط (2): وليس معنا موضع فيه قصاص لا يمكن العدول عنه إلى الدية إلا هذا.والمصنف - رحمه الله - تردد في حكم المسائل الثلاث. ومنشؤه مما ذكر، ومما أشار إليه من أن للنفس دية على انفرادها، وما استوفاه في الاعضاء سابقا وقع قصاصا، فلا يمنع أخذ عوض النفس. وتقريره: أن العدوان قد حصل من الجاني، فيثبت [في] (3) مقابلته بمثله أو بدله ما لم يمنع مانع. أما حصول العدوان فلانه حصل بسراية مضمونة، وجرح المضمون مضمون. وأما وجوب المقابلة بالمثل لقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (4). والبدل لقوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (5). وثبوت كون الدية بدلا عن النفس شرعا.

(هامش)

(1) كذا في (ت، م)، وفي سائر النسخ: ويقتضيه. (2) المبسوط 7: 62. (3) من (خ) وإحدى الحجريتين. (4) البقرة: 194. (5) الاسراء: 33. (*)

ص 260

العاشرة: إذا هلك قاتل العمد، سقط القصاص. وهل تسقط الدية؟ قال في المبسوط: نعم. وتردد في الخلاف. وفي رواية أبي بصير: إذا هرب ولم يقدر عليه حتى مات، أخذت من ماله، وإلا فمن الاقرب فالاقرب.

وأما عدم المانع فلانه ليس إلا استيفاء البعض، فإن أقصاه (1) القصاص في اليدين والرجلين، وهو بالنسبة إلى النفس بعض، وذلك غير مانع، لان المستوفى وقع قصاصا عن الفعل الاول لا عن السراية الحادثة، فلا يكون له تأثير في إسقاط عوض النفس. قوله: (إذا هلك قاتل العمد... إلخ). مبنى المسألة على أن الواجب في العمد بالاصالة هل هو القود لا غير، كما هو المشهور بين الاصحاب، أم أحد الامرين، كمذهب ابن الجنيد (2) وابن أبي عقيل (3)؟ فعلى الثاني لا إشكال في وجوب الدية بفوات محل القصاص مطلقا، لانها أحد الامرين الواجبين على التخيير، فإذا فات أحدهما تعين الاخر. وعلى الاول هل يقع للقود بدل أم لا؟ اختلف الاصحاب فيه، فذهب جماعة (4) - منهم الشيخ في المبسوط (5)، وابن إدريس (6) مدعيا الاجماع -إلى العدم، لان الثابت بالاية (7) والاجماع هو القصاص، فإذا فات محله فات.

(هامش)

(1) كذا في الحجريتين، وفي النسخ الخطية: اقتضاه. (2، 3) حكاه عنهما العلامة في المختلف: 783 - 784. (4) كشف الرموز 2: 622. (5) المبسوط 7: 65. (6) السرائر 3: 329 - 330. (7) المائدة: 45. (*)

ص 261

وذهب الاكثر (1) - ومنهم الشيخ في النهاية (2)، وابن زهرة (3) مدعيا الاجماع، والقاضي (4)، وأبو الصلاح (5) - إلى وجوب الدية في ماله، لعموم قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (6). وقوله صلى الله عليه وآله: (لا يطل دم امرئ مسلم) (7). ورواية البزنطي عن الباقر عليه السلام: (في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر ولم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه وإلا أخذ من الاقرب فالاقرب) (8). ورواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام: (في رجل قتل رجلا عمدا ثم هرب فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا أخذت من الاقرب فالاقرب، ولا يطل دم امر مسلم) (9). ولانه لو قطع يدا ولا يد له أخذت الدية، فكذا في النفس. وتردد الشيخ في الخلاف (10) بين القولين، لانه حكم في أول المسألة بالثاني، ثم نقل القول الاول عن أبي حنيفة، وقال: (لو قلنا به لكان قويا، لان

(هامش)

(1) إصباح الشيعة: 492، المختلف: 786، المقتصر: 434. (2) النهاية: 738. (3) غنية النزوع: 405. (4) المهذب 2: 457. (5) الكافي في الفقه: 395. (6) الاسراء: 33. (7) عوالي اللئالي 2: 160 ح 441. (8) التهذيب 10: 170 ح 672، الوسائل 19: 303 ب (4) من أبواب العاقلة ح 3. (9) الكافي 7: 365 ح 3، الفقيه 4: 124 ح 430، الوسائل 19: 302 - 303 الباب المتقدم ح 1. (10) الخلاف 5: 184 مسألة (50). (*)

ص 262

الحادية عشرة: لو اقتص من قاطع اليد، ثم مات المجني عليه بالسراية، ثم الجاني، وقع القصاص بالسراية موقعه. وكذا لو قطع يده ثم قتله، فقطع الولي يد الجاني، ثم سرت إلى نفسه.

الدية لا تثبت عندنا إلا بالتراضي). وإنما نسب المصنف - رحمه الله - الحكم إلى الرواية لقصورها عنه منحيث السند، لضعفها، وعدم دلالتها على وجوب الدية بهلاكه مطلقا، بل على تقدير هربه إلى أن مات. ويمكن أن يخص الحكم بموضع الفرض، نظرا إلى أنه فوت العوض مع مباشرة إتلاف المعوض، فيضمن البدل، وهذا لا يتم بمطلق موته. وبمضمونها أفتى أكثر (1) القائلين به، وإن كان بعضهم (2) قد جعل مورد الرواية مطلق الهلاك، كما جعله المصنف موضع الخلاف. ثم ظاهر التعليل المذكور بثبوت الدية مع تفويته نفسه يقتضي كون الدية في ماله لا غير، فلو لم يكن له مال سقطت. وهذا هو الذي اختاره المتأخرون (3). والروايتان دلتا على وجوبها في مال الاقربين عند تعذر أخذها من ماله، وعلى ذلك عمل الاكثر (4). قوله: (لو اقتص من قاطع اليد... إلخ).

(هامش)

(1) انظر الهامش (1 - 5) في الصفحة السابقة. (2) اللمعة الدمشقية: 179. (3) إرشاد الاذهان 2: 198. (4) الكافي الفقه: 395، المهذب 2: 457، غنية النزوع: 405، إصباح الشيعة: 492، الجامع للشرائع: 571، المختلف: 786، اللمعة الدمشقية: 179، المهذب البارع 5: 226. (*)

ص 263

أما لو سرى القطع إلى الجاني أولا، ثم سرى قطع المجني عليه، لم تقع سراية الجاني قصاصا، لانها حاصلة قبل سراية المجني عليه، فكانت هدرا.

الحكم في الاول واضح، لوقوع القصاص موقعه بعد وجوبه عليه، فيتأدى به القصاص كما لو باشر قتله. وأما الثاني، وهو ما لو تقدمت سراية الجاني، ففيه وجهان: أصحهما - وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله -: أنها لا تقع قصاصا، لانه لم يقع موجبه بعد، وهو غير مضمون، لانه تلف سائغ. والثاني: أنه وقع موقعه، كما لو قتله المجني عليه ثم سرى إلى الجاني ثانيا، فإنه لا رجوع على تركة الاول بشي. ولانه جرح مماثل، فلا يزيد حكم أحدهما على الاخر. ويضعف بما مر، وبالفرق بين القتل والقطع، فإن (1) مع القتل يصير جانيا بعد أن كان مجنيا عليه، بخلاف القاطع قصاصا، فإن قتله بالسراية سائغ، فلا يقوممقام القتل المتعقب له. وتماثل الجرحين في الماهية لا يمنع من تخالفهما في بعض العوارض إذا حصل مقتضيه (2)، وهو هنا موجود، فإن الجرح الاول سبب لازهاق نفس معصومة فيجب ضمانها، وليس الاخر بإزاء النفس، بل بإزاء الطرف وسرايته غير مضمونة، فيبقى النفس بغير عوض. ثم على تقدير عدم قيام السراية عوضا عن نفس المجني عليه، هل يلزم الجاني شي أم لا؟ يبنى على ما تقدم من أن فوات محل القصاص هل يوجب

(هامش)

(1) في (ت، خ): فإنه. (2) في (خ): مقتضاه. (*)

ص 264

الثانية عشرة: لو قطع يد إنسان فعفا المقطوع، ثم قتله القاطع، فللولي القصاص في النفس بعد رد دية اليد. وكذا لو قتل مقطوع اليد، قتل بعد أن يرد عليه دية يد، إن كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص. ولو كانت قطعت من غير جناية ولا أخذ لها دية، قتل القاتل من غير رد. وهي رواية سورة بن كليب، عن أبي عبد الله عليه السلام.

الانتقال إلى الدية أم لا؟ فإن لم نقل به فات، وإن قلنا بالدية احتمل رجوع ولي المجني عليه على تركة الجاني بنصف الدية، لانه استوفى ما يقوم مقام نصف الدية، وأن يرجع بمجموع الدية، لان ما استوفاه وقع قصاصا عن اليد قبل أن يدخل في النفس، فإذا فاتت النفس على وجه مضمون وجب بدلها، حيث فات محل القصاص بتمام الدية. وقد تقدم (1) القول في نظيره. قوله: (لو قطع يد إنسان فعفا المقطوع... إلخ). أما قتل القاطع به فلانه أزهق نفسا مكافئة معصومة فيقتل بها. وأما رد دية اليد عليه فلان المقتول ناقص فلا يقتص له من الكامل إلا بعد الرد، كالمرأة. وفي المسألة وجهان آخران: أحدهما: عدم قتل القاطع (2) أصلا، أخذا من أن القتل بعد القطع كسراية الجناية الاولى، وقد سبق العفو عن بعضها، فليس له القصاص في الباقي. هكذا علله في المبسوط (3). ولا يخفى ضعفه، فإن القتل إحداث قاطع للسراية، فكيف

(هامش)

(1) في ص: 256 - 257. (2) في (ت، خ): القاتل. (3) المبسوط 7: 66 - 67. (*)

ص 265

وكذا لو قطع كفا بغير أصابع، قطعت كفه بعد رد دية الاصابع.

يتوهم أنه كالسراية؟! وعلى تقديره فاستلزام العفو عن البعض سقوط القود ممنوع. والثاني: [أن] (1) يقتل من غير رد، لعموم قوله تعالى: (النفس بالنفس) (2) وقوله: (الحر بالحر) (3). ولان للنفس بدلا بانفرادها. ونقصان اليد يجري مجرى نقص صفة في الطرف، فإنه ليس بمانع من القصاص في الطرف ولا من الرد، فكذلك هنا. ولانه لو قتل فاقد اليد خلقة قتل من غير رد مع تحقق النقصان، فكذا هنا. والمصنف - رحمه الله - جعل مستند الرد رواية سورة بن كليب الحسنة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل عن رجل قتل رجلا عمدا، وكان المقتول أقطع اليد، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه، أو كان قطع وأخذ دية يده من الذي قطعها، فأراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله، أدوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها ويقتلوه، وإن شأوا طرحوا عنه دية يده وأخذوا الباقي،قال: وإن كانت يده قطعت من غير جناية جناها على نفسه، ولا أخذ لها دية، قتلوا قاتله ولا يغرم شيئا، وإن شاؤا أخذوا دية كاملة، هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام) (4). وهذه الرواية دالة على حكم الثانية، وقريبة من الاولى. قوله: (وكذا لو قطع كفا بغير أصابع... إلخ).

(هامش)

(1) من (د، م)، وفي (خ): أنه. (2) المائدة: 45. (3) البقرة: 178. (4) الكافي 7: 316 ح 1، التهذيب 10: 277 ح 1083، الوسائل 19: 82 ب (50) من أبواب القصاص في النفس. (*)

ص 266

الحكم في هذه [المسألة] (1) كالسابقة. ويؤيده رواية الحسن بن عباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: (قال أبو جعفر الاول عليه السلام لعبدالله بن عباس: يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله اختلاف؟ قال: لا. قال: فما ترى في رجل ضربت أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهبت، فأتى رجل آخر فأطار كف يده، فأتي به إليك وأنت قاض، كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كف، وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت، أو ابعث إليهما ذوي عدل. قال: فقال له: جاء الاختلاف في حكم الله، ونقضت القول الاول، أبي الله أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود وليس تفسيره في الارض، اقطع يد قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الاصابع، هذا حكم الله عز وجل) (2). وفي طريق الرواية ضعف بسهل بن زياد، وجهالة حال الحسن. وعمل بموجبها (3) أكثر الاصحاب، كالشيخ (4) وأتباعه. ورده ابن إدريس (5)، وأوجب الحكومة في الكف. ونفى عنه في المختلف (6) البأس.

(هامش)

(1) من (أ، خ، د).(2) الكافي 7: 317 ح 1، التهذيب 10: 276 ح 1082، الوسائل 19: 129 ب (10) من أبواب قصاص الطرف. (3) في (ت، ط): بمضمونها. (4) النهاية: 774. (5) السرائر 3: 404. (6) المختلف: 810. (*)

ص 267

ولو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا، وتركه ظنا أنه قتله، وكان به رمق، فعالج نفسه وبرئ، لم يكن للولي القصاص في النفس حتى يقتص منه بالجراحة أولا. وهذه رواية أبان بن عثمان، عمن أخبره، عن أحدهما عليهما السلام. وفي أبان ضعف، مع إرساله السند. والاقرب أنه إن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به، [اقتص منه]، وإلا كان له قتله، كما لو ظن أنه أبان عنقه، ثم تبين خلاف ظنه بعد انصلاحه، فهذا له قتله، ولا يقتص من الولي، لانه فعل سائغ.

قوله: (ولو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا... إلخ). الرواية المذكورة رواها أبان بن عثمان، عمن أخبره، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: (أتي عمر بن الخطاب برجل قتل أخا رجل، فدفعه إليه وأمره بقتله، فضربه الرجل حتى رأى أنه قد قتله، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقا فعالجوه حتى برئ، فلما خرج أخذه أخو المقتول وقال له: أنت قاتل أخي ولي أن أقتلك! فقال له: قد قتلتني مرة. فانطلق به إلى عمر، فأمر بقتله، فخرج وهو يقول: يا أيها الناس قد قتلني والله. فمروا به على أمير المؤمنين عليه السلام فأخبروه خبره، فقال: لا تعجل عليه حتى اخرج إليك. فدخل على عمر فقال: ليس الحكم فيه هكذا. فقال: ما هو يا أبا الحسن؟

ص 268

القسم الثاني في قصاص الطرف

وموجبه: الجناية بما يتلف العضو غالبا، أو الاتلاف بما قد يتلف، لا غالبا مع قصد الاتلاف. ويشترط في جواز الاقتصاص التساوي في: الإسلام، والحرية، أو يكون المجني عليه أكمل.

فقال: يقتص هذا من أخ المقتول الاول ما صنع به ثم يقتله بأخيه، فنظر أنه إن اقتص منه أتى على نفسه فعفا عنه وتتاركا) (1). وهذه الرواية ضعيفة بالرجال والارسال، وإن كان قد عمل بمضمونها الشيخ في النهاية (2) وأتباعه (3). ولذلك اختار المصنف - رحمه الله - التفصيل، بأنهإن كان ضربه بما ليس له الاقتصاص به كالعصا لم يكن له القصاص حتى يقتص منه الجاني أو الدية، وإن كان قد ضربه بما له ضربه [به] (4) كالسيف كان له قتله من غير قصاص عليه في الجرح، لانه استحق عليه إزهاق نفسه، وما فعله من الجرح مباح له، لانه جرحه بما له فعله، والمباح لا يستعقب الضمان، كما لو ضرب عنقه فظن أنه مات. ويمكن حمل الرواية على هذا، بأن يكون قد ضربه أخو المقتول بما ليس له قتله به. قوله: (في قصاص الطرف... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 360 ح 1، الفقيه 4: 128 ح 452، التهذيب 10: 278 ح 1087، الوسائل 19: 94 ب (61) من أبواب القصاص في النفس. (2) النهاية: 774 - 775. (3) الوسيلة: 438. (4) من (ت، م). (*)

ص 269

فيقتص للرجل من المرأة، ولا يؤخذ الفضل. ويقتص لها منه بعد رد التفاوت في النفس والطرف. ويقتص للذمي من الذمي، ولا يقتص له من مسلم. وللحر من العبد، ولا يقتص للعبد من الحر، كما لا يقتص له في النفس. والتساوي في السلامة، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلا، ولو بذلها الجاني. وتقطع الشلا بالصحيحة، إلا أن يحكم أهل الخبرة أنها لا تنحسم، فيعدل إلى الدية، تفصيا من خطر السراية.

من شرائط القصاص في الطرف تساويهما في السلامة، لا مطلقا، لان اليد الصحيحة تقطع بالبرصاء، بل المراد سلامة خاصة، وهي التي يؤثر التفاوت فيها أو يتخيل تأثيره، كالصحة والشلل. فلا تقطع اليد والرجل الصحيحتان بالشلا ينوإن رضي به الجاني، كما أنه لا يقتل الحر بالعبد والمسلم بالذمي وإن رضي الحر والمسلم. وأما اليد الشلا والرجل الشلا فالمشهور أنه يراجع فيه أهل الخبرة، فإن قالوا: إنها لو قطعت لم ينسد فم العروق بالحسم ولم ينقطع الدم، فلا تقطع بها، لما فيه من استيفاء النفس بالطرف، وللمجني عليه الدية. وإن قالوا: ينقطع، فله قطعها ويقع قصاصا، كقتل الذمي بالمسلم والعبد بالحر. وليس له أن يطلب بسبب الشلل أرشا. ووجه ذلك بأن الصحيحة والشلا متساويتان في الجرم (1)، والاختلاف بينهما في الصفة، والصفة المجردة لا تقابل بالمال. ولذلك إذا قتل الذمي بالمسلم والعبد بالحر لم يجب لفضيلة الإسلام والحرية شي. وكذا التفصيل في قطع الشلا بالشلا.

(هامش)

(1) في (خ): الحرمة. (*)

ص 270

وتقطع اليمين باليمين. فإن لم تكن يمين، قطعت بها يسراه. ولو لم يكن يمين ولا يسار، قطعت رجله، استنادا إلى الرواية. وكذا لو قطع أيدي جماعة على التعاقب، قطعت يداه ورجلاه بالاول فالاول، وكان لمن يبقى الدية.

 والمراد بالشلل في اليد والرجل بطلان العمل حتى يصير العضو إذا أعمله صاحبه كإعمال آلة من الالات، وإن لم يبطل الحس والحركة رأسا. واعتبر بعضهم (1) بطلانها، ولذلك تسمى اليد الشلا ميتة. ورد بأنها لو كانت كذلك لانتنت (2)، وليس كذلك. ولا أثر للتفاوت في البطش، بل يقطع يد الايد (3) بيد الضعيف، ورجل المستقيم برجل الاعرج، وبالعكس. قوله: (وتقطع اليمين... إلخ). تعتبر أيضا المماثلة في المحل، فإنها معتبرة في القصاص. وهي في الطرف بمثابة الكفأة التي تطلق في النفس، فلا يقابل طرف بطرف من غير جنسه، كاليد والرجل، والعين والانف. وإن اتحد الجنس لم يؤثر التفاوت في الصغر والكبر والطول والقصر والقوة والضعف والضخامة والنحافة، كما لا تعتبر مماثلة النفسين في هذه الامور. والسر في ذلك: أن مماثلة النفوس والاطراف في ذلك لا يكاد يتفق، وفي اشتراطها إبطال مقصود القصاص. وعلى هذا، فلا تقطع اليمنى باليسرى وبالعكس. وكذلك في الرجل والعينوالاذن وغيرها. واستثني من ذلك ما إذا قطع يمينه ولم يكن للقاطع يمين، فإنه

(هامش)

(1) روضة الطالبين 7: 66. (2) أي: خبثت رائحتها. (3) في الحجريتين: القوي. والايد: القوي. لسان العرب 3: 76. (*)

ص 271

تقطع يسراه، فإن لم يكن له يسار قطعت رجله. ومستند الحكم رواية حبيب السجستاني قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين. فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولا، وتقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا، لانه إنما قطع يد الرجل الاخير ويمينه قصاص للرجل الاول. قال: فقلت: إن عليا عليه السلام إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى. قال: إنما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله، فأما ما يجب من حقوق المسلمين فإنه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص، اليد باليد إذا كانت للقاطع يدان، والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يدان. فقلت له: أما توجب عليه الدية ويترك رجله؟ فقال: إنما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان، فثم توجب عليه الدية، لانه ليست له جارحة يقاص منها) (1). والرواية صحيحة السند إلى حبيب المذكور، أما هو فلا نص على توثيقه. وحينئذ فإطلاق جماعة (2) من الاصحاب صحة الرواية مدخول أو محمول علىالصحة الاضافية، كما تقدم في نظائره. وهذا هو السر في نسبة المصنف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح له. ولكن عمل بمضمونها الشيخ (3) والاكثر (4).

(هامش)

(1) الكافي 7: 319 ح 4، الفقيه 4: 99 ح 328، التهذيب 10: 259 ح 1022، الوسائل 19: 131 ب (12) من أبواب قصاص الطرف ح 2. (2) المختلف: 809، إيضاح الفوائد 4: 573، التنقيح الرائع 4: 422، المهذب البارع 5: 173. (3) النهاية: 771. (4) الكافي في الفقه: 389، المهذب 2: 479 - 480، المختلف 809. (*)

ص 272

ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا وعرضا. ولا يعتبر نزولا، بل يراعى حصول اسم الشجة، لتفاوت الرؤوس في السمن. ولا يثبت القصاص فيما فيه تغرير، كالجائفة والمأمومة. ويثبت في الحارصة والباضعة والسمحاق والموضحة، وفي كل جرح لا تغرير

وردها ابن إدريس (1)، وحكم بالدية بعد قطع اليدين لمن بقي. وهو أقوى، لان قطع الرجل باليد على خلاف الاصل، فلا بد له من دليل صالح، وهو منفي. وفي قوله تعالى: (أن النفس بالنفس والعين بالعين) (2) الاية ما يدل على اعتبار المماثلة، والرجل ليست مماثلة لليد. نعم، يمكن تكلف مماثلة اليد وإن كانتيسرى لليمين، لتحقق أصل المماثلة في الحقيقة وإن تغايرا من وجه. قوله: (ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج... إلخ). الكلام في قصاص الشجة في الرأس من الموضحة وغيرها في المساحة والمحل. أما الثاني فسيأتي. وأما المساحة فمرعية طولا وعرضا، فلا تقابل ضيقة بواسعة، ولا يقنع بضيقة عن واسعة. أما العمق فغير معتبر، لان المعتبر اسم الشجة، والتساوي في قدر العمق (3) قليلا ما يتفق، خصوصا مع اختلاف الرؤوس في السمن والضعف وغلظ الجلد ورقته، فيقطع النظر عنه كما يقطع النظر عن الصغر والكبر في الاطراف. وذهب بعض (4) الشافعية إلى اعتبار التساوي في العمق أيضا. قوله: (ولا يثبت القصاص فيما فيه تغرير... إلخ).

(هامش)

(1) السرائر 3: 396 - 397. (2) المائدة: 45. (3) في (أ، ت، ث، ط): العوض. (4) الحاوي الكبير 12: 156. (*)

ص 273

في أخذه، وسلامة النفس معه غالبة. فلا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة، ولا في كسر شي من العظام، لتحقق التغرير. وهل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال؟ قال في المبسوط (1): لا، لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها. وقال في الخلاف (2) بالجواز، مع استحباب الصبر. وهو أشبه.

لما كان الغرض من القصاص في الاطراف استيفاء الحق مع بقاء النفس، لبقائها في المجني عليه، اعتبر فيه أن لا يكون فيه تغرير بالنفس، وأن يمكن استيفاء المثل. فلا يثبت في الجائفة للمعنى الاول، ولا في كسر العظام للمعنيين معا، بل الثاني أظهر، لان كسر مطلق العظم لا تغرير فيه، لكن لا وثوق فيه باستيفاء المثل. وظاهر الاصحاب الاقتصار فيما يمتنع فيه القصاص على الدية مطلقا. وجوز بعضهم (3) الاقتصار على ما دون الجناية من الشجة التي لا تغرير فيها، وأخذ التفاوت بينها وبين ما استوفاه. فإذا أوضح رأسه مع الهشم، له أن يقتص في الموضحة، ويأخذ للهشم ما بين دية الموضحة والهاشمة، وهو خمس من الابل. ولو أوضح ونقل، فللمجني عليه أن يقتص في الموضحة، ويأخذ ما بين أرش الموضحة والمنقلة، وهو عشر من الابل. والمذهب هو الاول، لان الاستيفاء على هذا الوجه ليس مماثلا. قوله: (وهل يجوز الاقتصاص... الخ). قد اختلف كلام الشيخ في جواز الاقتصاص قبل الاندمال، من حيث عموم

(هامش)

(1) المبسوط 7: 75. (2) الخلاف 5: 196 مسألة (65). (3) روضة الطالبين 7: 57. (*)

ص 274

ولو قطع عدة من أعضائه خطاء، جاز أخذ دياتها، ولو كانت أضعاف الدية. وقيل: يقتصر على دية النفس حتى يندمل، ثم يستوفي الباقي، أو يسري فيكون له ما أخذ. وهو أولى، لان دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا. وكيفية القصاص في الجراح: أن يقاس بخيط أو شبهه، ويعلم طرفاه في موضع الاقتصاص، ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الاخرى. فإن شق على الجاني، جاز أن يستوفي منه في أكثر من دفعة.ويؤخر القصاص في الاطراف، من شدة الحر والبرد، إلى اعتدال النهار. ولا يقتص إلا بحديدة.

قوله تعالى: (والجروح قصاص) (1) وقوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (2) الشامل للحالين، ومن إمكان السراية الموجب لدخول الطرف في النفس، فيقع الاستيفاء السابق بغير حق. والاول أقوى. قوله: (ولو قطع عدة من أعضائه... إلخ). إذا قطع أعضاء متعددة تزيد دياتها عن دية النفس، فإن كان ذلك عمدا - وهو محل البحث هنا - فقد تقدم الخلاف في جواز الاقتصاص قبل الاندمال. وإن اختار الدية، أو كانت خطاء توجب الدية بالاصالة، ففي جواز أخذ دياتها أجمع، أو ما يزيد عن دية النفس وإن لم يأخذ الجميع، قولان: أشهرهما - وهو الذي اختاره الشيخ في المبسوط (3)، ومال إليه المصنف

(هامش)

(1) المائدة: 45. (2) البقرة: 194. (3) المبسوط 7: 81 - 82. (*)

ص 275

ولو قلع عين إنسان، فهل له قلع عين الجاني بيده؟ الاولى انتزاعها بحديدة معوجة، فإنه أسهل. ولو كانت الجراحة تستوعب عضو الجاني وتزيد عنه، لم يخرج في القصاص إلى العضو الاخر، واقتصر على ما يحتمله العضو. وفي الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح [من الدية].ولو كان المجني [عليه] صغير العضو، فاستوعبته الجناية، لم يستوعب في المقتص [منه]، واقتصر على قدر مساحة الجناية.

هنا -: العدم، بل يقتصر على دية واحدة لا غير، إذ لم يعلم بقاء استحقاق الباقي، لجواز السراية، ودية الطرف تدخل في دية النفس اتفاقا، فلا يتسلط على ماله بمجرد الظن. والثاني: الجواز، عملا بالاستحقاق الحالي، وأصالة عدم طريان المسقط. ولانه لو كان ظن الطريان أو وهمه موجبا لزوال ما ثبت في الواقع لكانت القوة فعلا، وهو غير جائز. ولانه لولاه لم يستقر استحقاق، فإنه لا استحقاق إلا ويمكن برأة المستحق عليه منه، والتالي باطل. ولانه يستلزم منع المستحق عن حقه المالي بمجرد الشبهة مع ثبوت موجبه، ولا أثر للشبهة في سقوط المال. وفي المسألة قول ثالث بعدم جواز المطالبة بشي أصلا، لعدم الاستقرار إلا بعد الاندمال. قوله: (ولو قلع عين إنسان... إلخ). هذا ليس على وجه الخلاف، بل المرجع فيه إلى نظر الحاكم. ولو بادر المجني عليه فاستوفى وقع موقعه وإن أساء، سواء كان بحديدة أم بغيرها. قوله: (ولو كانت الجراحة تستوعب... إلخ).

ص 276

هذا كالتتمة لقصاص الشجاج من حيث المحل، وقد تقدم (1) أن المعتبر منها مقدارها طولا وعرضا. وإنما يتم ذلك مع مساواة عضو الجاني للمستوفي مساحة، فلو كان رأس الشاج أصغر استوعبنا رأسه، ولا ينزل لاتمام المساحة إلى الوجه ولا إلى القفا، فإنهما عضوان وراء الرأس. ولا يكتفى به، بل يأخذ المتخلف بنسبته إلى مجموع الجرح من الدية. فلو كان المستوفى منه جميع رأسه بقدر الثلثين أخذ ثلث دية ذلك الجرح، كما لو قطع ناقص الاصابع يدا كاملةالاصابع، فإنه يقطع يده الناقصة ويؤخذ أرش الاصابع الناقصة. وعند بعض (2) العامة لا يأخذ شيئا من الارش مع القصاص (3)، بل يتخير في الابتداء بين أن يقنع برأسه، كما يكتفى باليد الصغيرة في مقابلة الكبيرة، وبين أن يدع القصاص ويأخذ الدية. ومذهبنا وأكثر من خالفنا على الاول. وفرقوا بين الشجة المذكورة واليد الصغيرة، حيث يكتفى بها في مقابلة الكبيرة، بأن ما به التفاوت بين اليدين على تجرده ليس بيد، وما به التفاوت بين الشجتين على تجرده شجة، فلا يجعل تابعا. وأيضا فالمرعي هناك اسم اليد، وهنا المعتبر المساحة. ألا ترى أن يد القاطع لو كانت أكبر قطعت، ورأس الشاج لو كان أكبر لا يستوعب، بل يؤخذ منه بقدر ما جرح بالمساحة. وفي تفويض محل الابتداء إليه، أو إلى الحاكم، أو يبتدئ من حيث ابتداء الجاني، أوجه أجودها الاخير.

(هامش)

(1) راجع ص: 272. (2) المغني لابن قدامة 9: 455 - 456. (3) في (ث، خ، ط): النقصان. (*)

ص 277

ولو قطعت أذن إنسان فاقتص، ثم ألصقها المجني عليه، كان للجاني إزالتها، لتتحقق المماثلة. وقيل: [لا]، لانها ميتة. وكذا الحكم لو قطع بعضها. ولو قطعها فتعلقت بجلدة، ثبت القصاص، لان المماثلة ممكنة.

ولو أن الجاني لم يوضح جميع الرأس، بل أوضح طرفا منه كالناصية، فأوضحت ناصيته ولم تبلغ مساحة الموضحة التي جنى بها، أكمل من باقي الرأس، لان الرأس كله عضو واحد وإن اختص بعضه باسم خاص. ولا فرق بين مقدمه ومؤخره. ويحتمل عدم جواز مجاوزة الموضع، كما لا يجوز النزول إلى الوجه والقفا لتكميل موضحة الرأس.قوله: (ولو قطعت أذن إنسان... الخ). هنا مسائل: الاولى: إذا قطع أذن إنسان فألصقها المجني عليه في حرارة الدم فالتصقت، لم يسقط القصاص ولا الدية على الجاني، لان الحكم يتعلق بالابانة وقد وجدت. لكن لا تصح صلاة الملصق حتى يبين ما ألصقه، لان الاذن المبانة صارت نجسة، حيث إنها قطعة تحلها الحياة أبينت من حي. وهل للجاني طلب إزالتها لا لاجل ذلك، بل لتحقق المماثلة؟ قال المصنف - رحمه الله - وجماعة (1): نعم. والتعليل الاول أجود. وتظهر الفائدة فيما لو كان الالصاق قبل الاستيفاء، فللجاني الامتناع من القصاص إلى أن يبين المجني عليه أذنه على الثاني. ولو كان إلصاقها بعده فله المطالبة بإزالتها ليصير مثله. وعلى التعليل الاول، فالازالة من قبيل الامر

(هامش)

(1) المقنعة: 761، النهاية: 774، المهذب 2: 480. (*)

ص 278

بالمعروف، ولا اختصاص له به، بل النظر في مثله إلى الحاكم. وإنما تجب إبانتها على هذا إذا لم يخف التلف وإلا سقط. ولو انعكس، فاقتص المجني عليه فألصق الجاني أذنه، فالقصاص حاصل بالابانة، وقطع ما ألصق بعد الابانة لا يختص بالمجني عليه على الثاني. وله المطالبة بإزالتها على الاول بطريق أولى. الثانية: لو قطع بعض أذنه فحكمه حكم ما لو قطع الجميع. هذا إذا أبانها. ولو لم يبن فكذلك بالنسبة إلى القصاص، وإن ألصقها المجني عليه وأقرعليها، كما لا يسقط قصاص الموضحة بالاندمال. هذا إن عللنا بالنجاسة. ولو عللنا بالمماثلة فللمجني عليه طلب الازالة.وذهب بعض (1) العامة إلى عدم جواز القصاص هنا، لتعذر المماثلة، وأنه لو ألصقها سقط القصاص والدية عن الجاني، ورجع الامر إلى الحكومة، حتى لوجاء آخر فقطع الاذن بعد الالصاق لزمه القصاص أو الدية الكاملة. الثالثة: لو استأصل أذنه وبقيت معلقة بجلدة، فلا خلاف في وجوب القصاص، لامكان رعاية المماثلة. لكن هنا لو ألصقها المجني عليه لم يجب قطعها إن عللنا بالنجاسة. وإن اعتبرنا المماثلة اعتبر في استحقاق القصاص إزالتها إن طلبه (2) الجاني، كما مر.

(هامش)

(1) روضة الطالبين 7: 70. (2) في الحجريتين: طلبها. (*)

ص 279

ويثبت القصاص في العين، ولو كان الجاني أعور خلقة، وإن عمي، فإن الحق أعماه، ولا رد. أما لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين، اقتص له بعين واحدة إن شاء. وهل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل: لا، لقوله تعالى: (والعين بالعين). وقيل: نعم، تمسكا بالاحاديث. والاول أولى.

قوله: (ويثبت القصاص في العين... إلخ). هنا مسألتان: الاولى: لو جنى الاعور على عين واحدة لذي العينين، بأن فقأها مثلا، جاز الاقتصاص منه إجماعا، لعموم قوله تعالى: (والعين بالعين) (1). لكن هنا يمكن المماثلة من حيث الجارحة، أما من حيث المنفعة فيختلف، لان الذاهب على المجني عليه نصف البصر وعلى الجاني مجموعه، لا أنه لا نظر إليه هنا، وإن كان لو جني عليه ابتداء بذهاب عينه ثبت له دية كاملة عوض النظر. هذا هو المشهور بين الاصحاب لا يظهر فيه مخالف. والمستند النصوص الواردة بذلك، كرواية محمد بن قيس قال: (قلت لابي جعفر عليه السلام: أعور فقأ عين صحيح، فقال: تفقأ عينه، قال: قلت: يبقىأعمى، قال: الحق أعماه) (2). ومرسلة أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن أعور فقأ عين صحيح متعمدا، قال: تفقأ عينه، قلت: فيكون أعمى، فقال: الحق أعماه) (3).

(هامش)

(1) المائدة: 45. (2) الكافي 7: 319 ح 3، التهذيب 10: 276 ح 1078، الوسائل 19: 134 ب (15) من أبواب قصاص الطرف ح 1. (3) الكافي 7: 321 ح 9، التهذيب 10: 276 ح 1079، الوسائل 19: 134 الباب المتقدم ذيل ح 1. (*)

ص 280

ولا يخفى أن السند ليس بنقي، إلا أن الحكم لا راد له. وفي معنى الاعور خلقة من ذهبت إحدى عينيه بآفة من الله تعالى. ولو كان ذهابها بجناية أوجبت قودا أو دية فلا إشكال في الحكم، كما لو كان ذلك في المجني عليه. الثانية: لو انعكس ففقأ الصحيح عين الاعور خلقة أو بآفة من الله تعالى، فلا خلاف بين أصحابنا في ثبوت الدية عليه كاملة، أعني: دية النفس، لانها جميع البصر إن وقع التراضي على الدية، أو قلنا إن الواجب أحد الامرين: بل أطلق جماعة (1) تخير المجني عليه بين أخذ الدية تامة والقصاص. فإذا اقتص من الصحيح فهل يجب على الصحيح أن يرد على الاعور نصف دية النفس؟ قال الشيخ في النهاية (2) وأتباعه (3) والعلامة في المختلف (4): نعم، لانه أذهب جميع بصره واستوفى منه نصف البصر، فيبقى عليه دية النصف، وهو نصف الدية. ولرواية محمد بن قيس قال: (قال أبو جعفر عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقئت: أن تفقأ إحدى عيني صاحبه، ويعقل له نصف الدية، وإن شاء أخذ دية كاملة، ويعفا عن عين صاحبه) (5).

(هامش)

(1) المقنعة: 761، النهاية: 765 - 766، الوسيلة 446 - 447، تحرير الاحكام 2: 258 - 259. (2) النهاية: 765 - 766.(3) الوسيلة: 446 - 447. (4) المختلف: 803. (5) الكافي 7: 317 ح 1، التهذيب 10: 269 ح 1057، الوسائل 19: 252 ب (27) من أبواب ديات الاعضاء ح 2. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج15

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب