ص 281
ورواية عبد الله بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن رجل صحيح فقأ
عين رجل أعور، فقال: عليه الدية كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه
ويأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل، لان له الدية كاملة، وقد أخذ نصفها بالقصاص) (1).
وقال المفيد (2) والشيخ في الخلاف (3) وابن إدريس (4) - ومال إليه المصنف رحمه الله
والعلامة في التحرير (5) -: لارد، لعموم: (والعين بالعين) (6)، وللاصل. ورد بمنع
عمومية العين، فإنه مفرد معرف. ولو سلم خص بالدليل، وقد ذكر. مع أنه حكاية عن
التوراة، فلا يلزم حكمها في شرعنا. والاصل إنما يكون حجة إذا سلم عن المعارض، وقد
وجد. وأجيب بأن الاية مقررة في شرعنا، لرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام: (في
قوله: (أن النفس بالنفس) الاية، قال: هي محكمة) (7). ولقوله تعالى: (ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (8)، و(من) للعموم، والظلم وضع الشي في غير
موضعه، وهو حرام، فتركه واجب، ولا يتم إلا بالحكم بها. والحق أن الروايتين قاصرتان
من حيث السند عن إثبات الحكم، وكذلك
(هامش)
(1) التهذيب 10: 269 ح 1058، الوسائل 19: 253 الباب المتقدم ح 4. (2) المقنعة: 761.
(3) الخلاف 5: 251 مسألة (57). (4) السرائر 3: 381. (5) تحرير الاحكام 2: 258 -
259. (6، 7) المائدة: 45.(8) التهذيب 10: 183 ح 718، الوسائل 19: 123 ب (1) من
أبواب قصاص الطرف ح 5. (*)
ص 282
ولو أذهب ضؤ العين دون الحدقة، توصل في المماثلة. وقيل: يطرح على الاجفان قطن
مبلول، ويقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس حتى يذوب الناظر، وتبقى الحدقة. ويثبت في:
الحاجبين، وشعر الرأس، واللحية، فإن نبت فلا قصاص، وفي قطع الذكر. ويتساوى في ذلك:
الشاب، والشيخ، والصبي، والبالغ، والفحل، والذي سلت خصيتاه، والاغلف، والمختون.
نعم، لا يقاد الصحيح بذكر العنين، ويثبت بقطعه ثلث الدية. وفي الخصيتين القصاص.
وكذا في إحداهما، إلا أن يخشى ذهاب منفعة الاخرى، فتؤخذ ديتها.
الاية، لان موجب
إكمال الدية من حيث البصر (1) لا من حيث العين. والقول الاول لا يخلو من قوة.
والرواية تصلح شاهدا، مؤيدا بوجوب الدية لهذه الجناية كاملة على تقدير الخطاء، كما
مر. قوله: (ولو أذهب ضؤ العين دون الحدقة... إلخ). إذا ذهب الضؤ بالجناية وبقيت
العين فالواجب في القصاص المماثلة كغيره، بأن يذهب من عين الجاني الضؤ مع بقاء
الحدقة كيف اتفق. هذا هو الذي يوافق الاصل، ويقتضيه عموم الادلة. والقول بتخصيص
إذهابه بالكيفية المذكورة مستند إلى رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إن عمر أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه فأنزل الماء فيها وهي قائمة ليس يبصر
بها شيئا، فقال له: أعطيك الدية فأبى، فأرسل بهما إلى علي عليه السلام وقال: احكم
بين هذين، فأعطاه الدية فأبى، فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه ديتين، فقال: ليس أريد
إلا القصاص، فدعا علي
(هامش)
(1) كذا في (أ، د) وفي سائر النسخ: النظر. (*)
ص 283
ويثبت في الشفرين كما يثبت في الشفتين. ولو كان الجاني رجلا، فلا قصاص، وعليه
ديتها. وفي رواية عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام: إن لم يؤد
ديتها، قطعت لها فرجه. وهي متروكة. ولو كان المجني عليه خنثى، فإن تبين أنه ذكر،
فجنى عليه رجل، كان في ذكره وأنثييه القصاص، وفي الشفرين الحكومة. ولو كان الجاني
امرأة، كان في المذاكير الدية، وفي الشفرينالحكومة، لانهما ليسا أصلا. ولو تبين أنه
امرأة، فلا قصاص على الرجل فيهما، وعليه في الشفرين ديتها. وفي الذكر والانثيين
الحكومة. ولو جنت عليه امرأة، كان في الشفرين القصاص، وفي المذاكير الحكومة. ولو لم
يصبر حتى تستبان حاله، فإن طالب بالقصاص، لم يكن له، لتحقق الاحتمال.
عليه السلام
بمرآة فحماها، ثم دعا بكرسف فبله، ثم جعله على أشفار عينيه على حواليها، ثم استقبل
بعينه عين الشمس، قال: وجاء بالمرآة، وقال: انظر فنظر، فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة
وذهب البصر) (1). وفي طريق الرواية ضعف يمنع من تعين الاستيفاء بمضمونها، وإن كان
وجها من وجوه الحيلة في استيفاء الحق المذكور. قوله: (ويثبت في الشفرين.. الخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 319 ح 1 وفيه: إن عثمان أتاه...، التهذيب 10: 276 ح 1081، الوسائل
19: 129 ب (11) من أبواب قصاص الطرف. (*)
ص 284
ولو طالب بالدية، أعطي اليقين، وهو دية الشفرين. ولو تبين بعد ذلك أنه رجل، أكمل له
دية الذكر والانثيين، والحكومة في الشفرين، أو [تبين] أنه أنثى، أعطي الحكومة في
الباقي.
الشفران مما في الانسان (1) منه اثنان، كالشفتين. فإن وجد للجاني اقتص منه، تحقيقا
للمماثلة. وإن فقدا - بأن كان رجلا - فعليه ديتهما، كما لو قطع فاقد العضو عضوا
غيرهما. والرواية المذكورة بقطع فرج الرجل لهما حيث لا يؤدي الدية رواها الحسن بن
محبوب، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن في كتاب علي
عليه السلام: لو أن رجلا قطع فرج امرأة لاغرمته لها ديتها، فإن لم يؤد إليها ديتها
قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك) (2). وفي الطريق جهالة. وفي الحكم مخالفة للاصول الدالة
على اعتبار المماثلة بين الاعضاء، وهي مفقودة هنا. قوله: (ولو طالب بالدية... إلخ).
المراد بكون دية الشفرين هي اليقين أن مقدارها هو المتيقن، لانه إن كان امرأة فله
دية الشفرين وحكومة المذاكير، وإن كان رجلا فله دية للذكر وأخرى للانثيين وحكومة
الشفرين، فالاقتصار على الدية على تقدير كونه امرأة يقيني بالنظر إلى الحكم بكونه
رجلا، ولازم ذلك أن الاقتصار على أخذ دية واحدة بجميع ذلك هو المتيقن. فإن ظهر كونه
رجلا أكمل له دية أخرى وحكومة الشفرين، وإن بقي الاشتباه فالمتيقن الدية والباقي
مشكوك فيه، لا أن الحكم على
(هامش)
(1) في (خ): الابدان. (2) الكافي 7: 313 ح 15، الفقيه 4: 112 ح 382، التهذيب 10:
251 ح 996، الاستبصار 4: 266 ح 1004، الوسائل 19: 128 ب (9) من أبواب قصاص الطرف ح
2. (*)
ص 285
الرابعة: لو قطع يدي رجل ورجليه خطاء واختلفا، فقال الولي: مات بعد الاندمال، وقال
الجاني: مات بالسراية. فإن كان الزمان قصيرا لا يحتمل الاندمال، فالقول قول الجاني
مع يمينه. وإن أمكن الاندمال، فالقول قول الولي، لان الاحتمالين متكافئان، والاصل
وجوب الديتين. ولو اختلفا في المدة، فالقول قول الجاني. أما لو قطع يده فمات، وادعى
الجاني الاندمال، وادعى الولي السراية، فالقول قول الجاني، إن مضت مدة يمكن
الاندمال. ولو اختلفا، فالقول قول الولي. وفيه تردد.
القولان حكاهما الشيخ في
المبسوط (1)، واختار منهما الثاني. وهو الحق، لان المجنون ليس له أهلية استيفاء
حقه، فكان فعله على عاقلته، لان عمده خطاء كما تقرر، وحقه بحاله. ووجه القول
بالسقوط: أن المجنون إذا كان له حق معين فأتلفه كان بمنزلة الاستيفاء، كما لو كان
له وديعة عند غيره فهجم عليها وأتلفها، فلا ضمان على المستودع. والاصل ممنوع بل
فعله منزل منزلة فعل الاجنبي بالنسبة إلى كونه استيفاء، فلا يسقط بفعله كما لا يسقط
بفعل الاجنبي، لانتفاء الاهلية فيهما. والاستشهاد بالوديعة كما ذكرناه، فإنه مع عدم
تفريط المستودع يكون إتلافه كتلفها من قبل أجنبي بغير اختياره، ومعه يضمن فيهما.
قوله: (لو قطع يدي رجل... إلخ). إذا قطع يديه ورجليه فمات، واختلف الجاني والولي،
فقال الجاني: مات
(هامش)
(1) المبسوط 7: 105. (*)
ص 303
بالسراية فعلي دية واحدة، لدخول دية الطرف في دية النفس، والحال أن القطع خطاء شبيه
العمد ليكون (1) النزاع بينهما في محله، وقال الولي: بل مات بعد الاندمال فعليك
ديتان. فإن لم يمكن الاندمال في مثل تلك المدة عادة، لقصر الزمان كيوم ويومين،
فالقول قول الجاني، لتطابق الاصل والظاهر على صدقه. وهل يفتقر والحال هذه إلى
اليمين أم لا؟ جزم المصنف رحمه الله - وقبله الشيخ في المبسوط (2) - بالاول، لعموم:
(واليمين على من أنكر). ولجواز أن يكون الموت بسبب حادث، كلدغ (3) حية وشرب سم
مدنف. ويحتمل قويا عدم اليمين، لان المفروض عدم إمكان الاندمال، والسبب الحادث لم
يجر له ذكر حتى يبقى، وإنما يجري (4) التحليف بحسب الدعوى والانكار. وإن أمكن
الاندمال في تلك المدة وعدمه فالقول قول الولي مع يمينه، لتكافؤ الاحتمالين،
فيستصحب الحكم بوجوب الديتين، ولا يسقط بأمر محتمل. هذا إذا اتفقا على المدة. فأما
إن اختلفا فيها، فقال الجاني: مات قبل أن تمضي مدة يندمل في مثلها، إما مطلقا كما
قلناه أو مع تعيينها بالايام، وقال الولي: بل مضت مدة يندمل مثلها كذلك، فالقول قول
الجاني، لان الاصل بقاء المدة حتى يعلم انقضاؤها (5)، وبقاء الجناية والسراية حتى
يعلم برؤها.
(هامش)
(1) في (أ): فيكون. (2) المبسوط 7: 106. (3) في (أ، ت): كلسع. (4) في (خ، د): يجزي.
(5) في (د، خ، م): انتفاؤها. (*)
ص 304
ولو ادعى الجاني أنه شرب سما فمات، وادعى الولي موته من السراية، فالاحتمال فيهما
سواء. ومثله الملفوف في الكساء إذا قده بنصفين، وادعى الولي أنه كان حيا، وادعى
الجاني أنه كان ميتا، [ف] الاحتمالان متساويان، فيرجح قول الجاني بما أن الاصل عدم
الضمان، وفيه احتمال آخر ضعيف.
ولو كانت المسألة بالضد من هذا الحكم، بأن كان قد
قطع يد رجل فمات المقطوع، ثم اختلفا فقال الجاني: مات بعد الاندمال فعلي نصف الدية،
وقال الولي: بل قبل الاندمال فعليك كمال الدية، فإن كان قبل أن تمضي مدة يمكن فيها
الاندمال فلا إشكال في تقديم قول الولي، لتطابق الاصل والظاهر على صدقه. والكلام في
يمينه كما مر. وإن كان بعد مضي مدة يمكن فيها الاندمال، فقد تعارض أصلا عدم
الاندمال وبرأة ذمة الجاني مما زاد عن النصف، فيقدم قول الجاني، لشهادة الظاهر له
مع الاصل. وإن اختلفا في المدة، فقال الجاني: قد مضت مدة يندمل في مثلها، وقال
الولي: ما مضت، ففي تقديم أيهما وجهان: أحدهما - وهو الذي قطع به الشيخ في المبسوط
(1) -: تقديم قول الولي، لان الاصل عدم مضي المدة، فالولي في هذه كالجاني في
تلك.والثاني: تقديم قول الجاني، لاصالة البرأة مما زاد على نصف الدية. والاشهر
الاول. ومما ذكرناه يظهر وجه التردد. قوله: (ولو ادعى الجاني... إلخ). هنا مسألتان.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 106. (*)
ص 305
إحداهما: متفرعة على ما لو قطع إحدى يديه ومات، فقال الجاني: مات بسب آخر من قتل أو
شرب سم، وليس عليه إلا نصف الدية، وقال الولي: بل مات بالسراية وعليك دية تامة، فقد
تعارض هنا أصلا برأة الذمة مما زاد على نصف الدية الثابت وجوبه بالجناية، وعدم وجود
سبب آخر. وفي تقديم قول أيهما وجهان: أحدهما - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله -:
تقديم قول الجاني، ترجيحا لاصل برأة الذمة على أصل عدم تناول السم، لان عدم تناوله
لا يستلزم موته بالجناية، بل يحتمل الامرين، فكان أضعف من أصل البرأة المفضي إلى
المطلوب من ترجيح جانب الجاني. والثاني: تقديم قول الولي، ترجيحا لاصله، من حيث إن
أصل البرأة قد انقطع بوجود سبب الضمان، فلا يزول إلى أن يعلم الاندمال. وفي المبسوط
(1) اقتصر على نقل الوجهين، ولم يرجح شيئا. وله وجه. الثانية: لو قد ملفوفا في ثوب
بنصفين، وقال إنه كان ميتا، وادعى الولي أنه كان حيا، فمن المصدق منهما باليمين؟
فيه وجهان: أظهرهما (2) - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله أيضا (3) -: تقديم قول
الجاني، لان الاصل برأة ذمته من القصاص. والثاني: تقديم قول الولي، لان الاصل
استمرار الحياة. ولانه كان مضمونا، والاصل استمرار تلك الحالة، فأشبه ما إذا قتل من
عهده مسلما وادعى ردته.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 106 - 107. (2) في (د): أحدهما. (3) في (أ) والحجريتين: هنا. (*)
ص 306
الخامسة: لو قطع إصبع رجل ويد آخر، اقتص للاول ثم للثاني، ورجع بدية إصبع. ولو قطع
اليد أولا ثم الاصبع من آخر، اقتص للاول، وألزم للثاني دية الاصبع.
وفيه وجه آخر
[ضعيف] (1) يفرق فيه بين أن يكون ملفوفا فيما هو في صورة الكفن، وبين أن يكون
ملفوفا في ثياب الاحياء، فيقدم قول الجاني في الاول دون الثاني. وهذا احتمال ضعيف،
فإن اللباس لا دخل له في الاحكام. والاحتمال الضعيف الذي أشار إليه المصنف - رحمه
الله - يحتمل كونه هذا، وكونه الثاني، ولعله أظهر، لان الشيخ اقتصر في المبسوط (2)
على نقل الاولين، ولم يرجح شيئا، ولم يذكر هذا الاخير. نعم، هو وجه لبعض (3)
الشافعية ضعيف عندهم أيضا. والوجهان يجريان فيما لو هدم عليه بيتا وادعى أنه كان
ميتا وأنكر الولي. وسواء قلنا إن القول قول الجاني أم الولي، لو أقام الولي بينة
على حياته عمل بها. ويجوز أن يصدق الشخص تارة بالبينة وأخرى باليمين، كالمودع (4)
في دعوى الرد. ولو قدمنا قول الجاني مع عدم البينة فلا إشكال في تقديم بينة الولي.
قوله: (لو قطع إصبع رجل... إلخ). هذا إذا كانت الاصبع من اليد المقطوعة كاليمني
مثلا، لتكون مستحقة
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) المبسوط 7: 107. (3) روضة الطالبين 7: 79. (4) في (ت):
كالودعي. (*)
ص 307
السادسة: إذا قطع إصبعه فعفا المجني [عليه] قبل الاندمال، فإن اندملت فلا قصاص ولا
دية، لانه إسقاط لحق ثابت عند الابراء. ولو قال: عفوت عن الجناية، سقط القصاص
والدية، لانها لا تثبت إلا صلحا. ولو قال: عفوت عن الجناية، ثم سرت إلى نفسه، كان
للولي القصاص في النفس بعد رد ما عفا عنه. ولو صرح بالعفو، صح مما كان ثابتا وقت
الابراء، وهو دية الجرح. أما القصاص في النفس أو الدية، ففيه تردد، لانه إبراء مما
لم يجب. وفي الخلاف: يصح العفو عنها وعما يحدث عنها. فلو سرت كان عفوه ماضيا من
الثلث، لانه بمنزلة الوصية.
القطع في الصورة الاولى قبل أن يستحق سائر اليد القطع،
فيقدم [قول] (1) السابق، ويصير الثاني بمنزلة ما إذا قطع يده الكاملة ذو يد ناقصة
إصبعا، فيرجع عليه بدية إصبع، إما مطلقا أو مع كون الاصبع قطعت باستحقاق، كما مر
(2). وعلى تقدير سبق قطعه اليد تصير يده مستحقة للقطع قبل أن تقطع الاصبع، فيصير
بمنزلة منقطع إصبعا ولا إصبع له تماثلها، فيؤخذ منه ديتها. قوله: (إذا قطع إصبعه
فعفا المجني عليه.. إلخ). إذا قطع عضوا من غيره كيد وإصبع، فعفا المجني عليه عن
موجب الجناية قودا وأرشا، فللجناية أحوال:
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) في ص: 291 - 292. (*)
ص 308
إحداها: أن تقف ولا تتعدى محلها وتندمل، فلا قصاص ولا دية، لان المستحق أسقط الحق
بعد ثبوته فيسقط. وهو اتفاق. ووافق عليه أكثر العامة (1). وخالف فيه بعضهم (2)
فأوجب الدية، بناء على أن استقرار الجناية باندمالها، فلا يعتبر العفو قبل
الاستقرار. ولا فرق في هذه الحالة بين أن يقتصر على قوله: عفوت عن موجبها، وبين أن
يزيد فيقول: وعما يحدث منها، فإنه لم يحدث منها شي. ولو قال: عفوت عن هذه الجناية
ولم يزد، فهو عفو عن القود، لانه موجب الجناية عمدا، ويترتب عليه سقوط الدية أيضا،
لانها لا تثبت إلا صلحا، بناء على أنه الواجب بالاصالة. ومن قال إن موجب العمد أحد
الامرين له في بقاء الدية وجهان. وعلى خلافه نبه المصنف - رحمه الله - بقوله:
(والدية، لانها لا تثبت إلا صلحا). الثانية: أن يسري القطع إلى عضو آخر، كما إذا
قطع الاصبع فتأكل باقي اليد ثم اندمل، فلا قصاص في الاصبع ولادية، وتجب دية الكف
خارجا منه الاصبع، لانه عفا عن موجب الجناية الحاصلة في الحال، فيقتصر أثره عليه.
ولبعض (3) العامة وجه بعدم وجوب الدية أيضا، لانه إذا أسقط الضمان بالعفو صارت
الجناية غير مضمونة، كما إذا قطع يد مرتد فأسلم ثم سرى. الثالثة: أن يسري القطع إلى
النفس، فيثبت القصاص فيها عندنا بعد رد دية ما عفا عنه، كما لو عفا أحد الاولياء.
وقد تقدم (4). ولان المعفو عنه قصاص
(هامش)
(1، 2) الحاوي الكبير 12: 200، حلية العلماء 7: 509، روضة الطالبين 7: 108. (3)
روضة الطالبين 7: 108 - 109. (4) في ص: 241. (*)
ص 309
الطرف دون النفس، وسقوط القصاص في الطرف لا يوجب سقوطه في النفس، ألا ترى أنه لو
استوفى قصاص الطرف ثم مات المجني عليه بالسراية وجب قصاص النفس، فليكن السقوط
بالعفو كالسقوط بالاستيفاء. ولبعض (1) العامة وجه بالمنع من القصاص هنا، كما منع مع
عفو بعض الاولياء، لانه عفا عن الطرف، ولا يمكن استيفاء النفس إلا باستيفاء
الطرف.ولان السراية قد تولدت من معفو عنه، فصارت شبهة دافعة. هذا إذا اقتصر على
العفو عن الجناية. أما لو أضاف إليه (ما يحدث) ففي اعتباره فيما يحدث قولان.
أصحهما: أن هذه الالفاظ لاغية، ويلزمه ضمان ما يحدث، فإن إسقاط الشي قبل ثبوته غير
منتظم. والثاني: أنها تعتبر، ولا يلزمه ضمان ما يحدث، لان الجناية على الطرف سبب
لفوات النفس، فإن النفس لا تباشر بالجناية. ومثله الخلاف في الابراء مما لم يجب،
كإبراء المتطبب والمتبيطر، بل هنا أولى. ويمنع من كونه غير ثابت، لان الاستقرار أخص
من الثبوت، فعدمه أعم من عدمه. وفيه نظر، لانه لا يلزم من عمومه وجود الفرد الخاص،
ومن المعلوم أن موجب [سراية] (2) النفس قبل الموت ليس بثابت، وإنما الثابت موجب
الطرف خاصة. والقولان للشيخ، أولهما في المبسوط (3)، وثانيهما في الخلاف (4).
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 12: 201، روضة الطالبين 7: 108. (2) من (د) وإحدى الحجريتين. (3)
المبسوط 7: 110 - 111. (4) الخلاف 5: 208 مسألة (86). (*)
ص 310
السابعة: لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته، فإن قال: أبرأتك، لم يصح. وإن
أبراء السيد صح، لان الجناية وإن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك للسيد. وفيه إشكال، من
حيث إن الابراء إسقاط لما في الذمة. ولو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية، صح.
ثم على
القول باعتباره هل يكون إبراء مما لم يجب أم وصية؟ قيل بالاول، لعدم وجود لفظ
الوصية، فلا يصار إليها مع عدم لفظ يدل عليها. وقيل بالثاني، لان الاستقرار إنما
يتم بالموت، فلا يناسبه إلا الوصية، وهي لا تختص بلفظ. وحينئذ فيبنى على صحة الوصية
للقاتل وعدمها، فمن أجازها كالاكثر - وهو الذي فرضه الشيخ في الخلاف (1) - لزمه حكم
الوصية في نفوذه من الثلث، ومن ردها - كابن الجنيد (2) - أبطل العفو هنا. نعم، أجاز
الوصية للقاتل خطاء فيلزمه صحة العفو عنه خاصة. قوله: (لو جنى عبد على حر... إلخ).
إذا جنى عبد جناية توجب المال، إما لكونها خطاء أو بسبب آخر، وعفا المجني عليه عن
أرش الجناية، فإما أن يطلق العفو، أو يضيفه إلى السيد، أو إلى العبد. فإن أطلق
العفو صح، بناء على عدم اشتراط القبول فيه، بل هو إسقاط لما وجب في الذمة أو مطلقا.
وإن أبراء السيد صح، لان الجناية وإن تعلقت برقبة العبد إلا أنه ملك السيد،
(هامش)
(1) الخلاف 5: 208 مسألة (86). (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 820. (*)
ص 311
ولو أبراء قاتل الخطاء المحض، لم يبرأ. ولو أبراء العاقلة، أو قال: عفوت عن أرش هذه
الجناية، صح. ولو كان القتل شبيه العمد، فإن أبراء القاتل، أو قال: عفوت عن أرش هذه
الجناية، صح. ولو أبراء العاقلة، لم يبرأ القاتل.
فكان عفوه عنه في محله. وإن أبراء
العبد لم يصح، لان العفو عن غير من عليه الحق، وإن أضافه إلى متعلقه وهو العبد.
ولان الابراء إسقاط لما في الذمة، والعبد لم يتعلق بذمته شي.هكذا فصل الشيخ في
المبسوط (1). والمصنف - رحمه الله - استشكل القول بصحته على تقدير إبراء المولى.
ووجه الاشكال: مما ذكر، ومن أن الابراء إذا كان إسقاطا لما في الذمة - كما ذكره
الشيخ - لزم أن لا يصح إبراء المولى، لانه لم يتعلق بذمته من الجناية شي. وهو ظاهر.
ولو جعل ذلك بلفظ العفو ارتفع الاشكال، إذ لا اختصاص له بما في الذمة، بخلاف
الابراء. ولو كانت الجناية موجبة للقصاص فالعفو عن كل واحد من العبد والمولى صحيح.
وفي الابراء إشكال، من حيث إن القصاص لا يتعلق بذمته. قوله: (ولو أبراء قاتل
الخطاء... إلخ). لما كان الابراء إسقاط ما في الذمة اشترط في صحته تعلقه بمن يكون
الحق في ذمته. ولما كان أرش الجناية في الخطاء المحض متعلقا بالعاقلة، وفي شبيه
الخطاء متعلقا بالقاتل، لزم منه صحة الابراء إن تعلق في الاولى بالعاقلة وفي
الثانية بالقاتل، دون العكس فيهما.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 111. (*)
ص 312
ولو أطلق العفو ولم يضفه إلى الجاني ولا إلى العاقلة، بل قال: عفوت عن الدية، صح
مطلقا. ونبه بذلك على خلاف بعض (1) العامة، حيث ذهب إلى أن الوجوب في قتل الخطاء
يتعلق بالقاتل والعاقلة يتحملون عنه، فيصح إبراء كل منهما من الدية في الخطاء.
وكلاهما ممنوع. هذا إذا كان قتل الخطاء مستندا إلى البينة أو إقرار العاقلة. أما
إذا أقر الجاني وأنكرت العاقلة، فإن الدية تجب على الجاني مطلقا. وهذه المسألة
موجودة في بعض نسخ الكتاب دون بعض، وهي مناسبة لما قبلها، فكأن المصنف - رحمه الله
- ألحقها بالكتاب بعد نسخ الكتاب، فاختلفت النسخ لذلك. والله أعلم.
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 12: 205 - 206، روضة الطالبين 7: 109 - 110. (*)
ص 313
كتاب الديات

ص 315
كتاب الديات
والنظر في أمور أربعة:
النظر
الاول
في أقسام القتل، ومقادير الديات

القتل عمد:
وقد سلف مثاله. وشبيه العمد، مثل: أن يضرب للتأديب فيموت. وخطاء محض، مثل: أن يرمي
طائرا، فيصيب إنسانا. وضابط العمد: أن يكون عامدا في فعله وقصده. وشبيه العمد: أن
يكون عامدا في فعله، مخطئا في قصده. والخطاء المحض: أن يكون مخطئا فيهما. وكذا
الجناية على الاطراف تنقسم هذه الاقسام.
قوله: (كتاب الديات). الديات جمع دية، وهي
المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو ما دونها. وربما اختصت بالمقدر بالاصل،
وأطلق على غيره اسم الارش. وعلى التقديرين يراد من العنوان ما يشمل الامرين بالاصل
أو الاستتباع. وهاؤها عوض عن فاء الكلمة. وهي مأخوذة من الودي، وهو دفع الدية.
يقال: وديت القتيل أديه وديا. والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا
خطاء فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) (1). والاخبار الكثيرة (2). قوله:
(وضابط العمد... إلخ).
(هامش)
(1) النساء: 92. (2) الوسائل 19: 141 أبواب الديات. (*)
ص 316
ودية العمد: مائة بعير من مسان الابل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حلة، كل حلة ثوبان
من برود اليمن، أو ألف دينار، أو ألف شاة، أو عشرة آلاف درهم. وتستأدى في سنة
واحدة، من مال الجاني، مع التراضي بالدية. وهي مغلظة في: السن، والاستيفاء. وله أن
يبذل: من إبل البلد أو من غيرها، وأن يعطي من: إبله، أو إبل أدون، أو أعلى، إذا لم
تكن مراضا، وكانت بالصفة المشترطة.
المراد بالعمد في الفعل قصد الشخص المعين به،
وبالعمد في القصد أن يقصد قتله. وفي حكمه أن يكون الفعل مما يقتل غالبا وإن لم
يقصده، كما مر (1). وهكذا يجب تقييد الخطاء في قصد شبيه العمد والخطاء المحض أن لا
يقصد الفعل أصلا، أو يقصده لكن لا بالشخص المعين فيتفق وقوعه به. فالخطاء في الفعل
أيضا يحتاج إلى التقييد. قوله: (ودية العمد مائة... إلخ). فائدة دية العمد تظهر على
القول بكونه يوجب أحد الامرين: القصاص أو الدية. أما على القول بكون الواجب هو
القود، ولا تجب الدية إلا صلحا، كما هو مذهب المصنف (2) والاكثر (3)، ففائدته تظهر
مع التراضي بالدية من غير تقييد، فيتخير في أدائها من أحد الامور الستة. وإلى ذلك
أشار بقوله: (مع التراضي بالدية).
(هامش)
(1) في ص: 65. (2) شرائع الإسلام 4: 234. (3) المقنعة: 735، النهاية: 734، غنية
النزوع: 403 و405، إصباح الشيعة: 491 - 492، السرائر 3: 326، الجامع للشرائع: 571،
إرشاد الاذهان 2: 198، اللمعة الدمشقية: 178، التنقيح الرائع 4: 443، المهذب البارع
5: 249. (*)
ص 317
وهل تقبل القيمة السوقية مع وجود الابل؟ فيه تردد، والاشبه: لا. وهذه الستة أصول في
نفسها، وليس بعضها مشروطا بعدم بعض، والجاني مخير في بذل أيها شاء. ودية شبيه
العمد: ثلاث وثلاثون بنت لبون، وثلاث وثلاثون حقة، وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل.
وفي رواية: ثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وأربعون خلفة، وهي الحامل. ويضمن هذه
الدية الجاني دون العاقلة.
ويمكن فرضها بدون التراضي في قتل لا يوجب القود، كقتل
الوالد ولده، وحيث يفوت، كما لو بادر أحد الاولياء إلى قتله بالنسبة إلى حصص
الباقين، أو مات القاتل، أو كان القاتل عاقلا والمقتول مجنونا، أو كان القتل في
أشهر الحرم بالنسبة إلى وجوب ثلث الدية زيادة على ما يجب في غيره، ونحو ذلك. قوله:
(وهل تقبل القيمة السوقية... إلخ). منشأ التردد: من أن الواجب بالاصل الابل فلا
يعدل عنه إلى القيمة بغير دليل، والولي يستحق الابل فلا يلزمه قبول غيرها. وقال
الشيخ في المبسوط: (الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان منأهل الابل، وبذل القيمة قيمة
مثله، كان له ذلك، وإن قلنا ليس له ذلك كان أحوط، فأما إن كان من أهلها وطلب الولي
القيمة لم يكن له ذلك) (1). والاصح الاول. قوله: (ودية شبيه العمد... إلخ). مستند
ما اختاره المصنف - رحمه الله - من أسنان الابل وتفصيلها رواية
(هامش)
(1) المبسوط 7: 118. (*)
ص 318
أبي بصير (1) والعلا بن (2) الفضيل عن الصادق عليه السلام. واشتملت الاولى على كون
الثنية طروقة الفحل، والثانية على كونها خلفة طروقة الفحل. والخلفة - بفتح الخاء
وكسر اللام - الحامل. وفي سند الروايتين ضعف. فالاولى بعلي بن أبي حمزة. والثانية
بمحمد بن سنان، ومحمد بن عيسى عن يونس. والرواية التي أشار إليها المصنف [صحيحة]
(3) رواها عبد الله بن سنان في الصحيح قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطاء شبيه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو
الحجر: إن دية ذلك تغلظ، وهي مائة من الابل، منها أربعون خلفة بين ثنية إلى بازل
عامها، وثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون) (4). وعمل بمضمونها العلامة في المختلف (5)
والتحرير (6). وهو في غيرهما (7) على الاول. وينبغي أن يكون العمل على الصحيح.
(هامش)
(1، 2) التهذيب 10: 158 ح 633 و634، الاستبصار 4: 258 ح 973 و974، الوسائل 19: 147
ب (2) من أبواب ديات النفس ح 4، وص: 145 ب (1) ح 13. ولم تذكر في الرواية ثلاث
وثلاثون بنت لبون. وفي الجواهر (43: 19): لم نقف على شي من ذلك كما اعترف الابي
وأبو العباس. راجع كشف الرموز 2: 631 - 632، المقتصر: 438. نعم، أفتى في النهاية
بما في المتن هنا، راجع النهاية: 738. (3) من (ت، د، م). (4) الكافي 7: 281 ح 3،
الفقيه 4: 77 ح 240، التهذيب 10: 158 ح 635، الاستبصار 4: 259 ح 976، الوسائل 19:
146 ب (2) من أبواب ديات النفس ح 1. (5) المختلف: 784 - 785.(6) تحرير الاحكام 2:
268. (7) إرشاد الاذهان 2: 233، قواعد الاحكام 2: 322. (*)
ص 319
وقال المفيد رحمه الله: تستأدى في سنتين، فهي إذن مخففة عن العمد، في السن وفي
الاستيفاء. ولو اختلف في الحوامل، رجع إلى أهل المعرفة. ولو تبين الغلط، لزم
الاستدراك. ولو أزلقت بعد الاحضار قبل التسليم، لزم الابدال. وبعد الاقباض لا يلزم.
ودية الخطاء المحض: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون
حقة. وفي رواية: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس
وعشرون جذعة. وتستأدى في ثلاث سنين، سواء كانت الدية تامة، أو ناقصة، أو دية طرف.
فهي مخففة في السن والصفة والاستيفاء. وهي على العاقلة،
والمراد ببازل عامها ما فطر
نابها، أي: انشق في سنة، وذلك في السنة التاسعة، وربما بزل في الثامنة. قوله: (وقال
المفيد رحمه الله: تستأدى... إلخ). إنما نسب القول بتأديتها في سنتين إلى المفيد
(1) لعدم دليل صالح عليه من النص، وإنما الموجود في النصوص (2) تأدية دية الخطاء في
ثلاث سنين ودية العمد في سنة، فكأنه رأى تأديتها في سنتين مناسبا لكونها أخف من
العمد وأغلظ من الخطاء، فجعلها بينهما. وعلى قوله يحصل التخفيف في الاستيفاء، وإلا
فالتخفيف فيها بشي واحد، وهو السن في الابل. قوله: (ودية الخطاء المحض... إلخ).
(هامش)
(1) المقنعة: 736. (2) الوسائل 19: 150 ب (4) من أبواب ديات النفس. (*)
ص 320
لا يضمن الجاني منها شيئا. ولو قتل في الشهر الحرام، ألزم دية وثلثا، من أي الاجناس
كان، تغليظا. وهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة؟ قال الشيخان: نعم. ولا يعرف التغليظ في
الاطراف.
تربيعها (1) على الوجه الاول هو الموجود في صحيحة عبد الله بن سنان
السابقة (2)، التي لم يعمل بها المصنف في دية شبيه العمد. والرواية التي أشار
إليهاهنا بعد ذلك هي رواية العلا بن الفضيل التي عمل بمضمونها فيما سبق (3). ولو
عمل بالصحيحة في الموضعين كان أولى. وهكذا فعل جماعة (4) من الاصحاب، ولا أعلم
الوجه في ذلك. قوله: (ولو قتل في الشهر الحرام... إلخ). تغليظ الدية بالقتل في أشهر
الحرم موضع وفاق، وبه نصوص كثيرة. وأما تغليظها في الحرم فلا نص عليه، ولكن حكم به
الشيخان (5) وجماعة (6). وهو مناسب لاشتراكهما في الحرمة، وتغليظ قتل الصيد فيه
المناسب لتغليظ غيره. ولا يخفى أن مثل هذا لا يصلح لايجاب ثلث الدية بمجرده.
(هامش)
(1) في (أ) والحجريتين: ترتيبها. (2) راجع ص: 318 هامش (4). (3) راجع ص: 317 - 318.
(4) المهذب 2: 458 - 459، قواعد الاحكام 2: 322، اللمعة الدمشقية: 182 - 183. (5)
المقنعة: 743 - 744، الخلاف 5: 222 - 223 مسألة (6، 7)، المبسوط 7: 116 - 117،
النهاية: 756. (6) الكافي في الفقه: 391، المراسم: 236، المهذب 2: 516، غنية
النزوع: 414، قواعد الاحكام 2: 322، اللمعة الدمشقية: 183. (*)
ص 321
فرع
لو رمى في الحل إلى الحرم فقتل فيه، لزم التغليظ. وهل يغلظ مع العكس؟ فيه
التردد.
وعليه، فلو اجتمع على القتل كونه في أشهر الحرم والحرم، ففي تعدد التغليظ
فتجب دية وثلثان، أو يقتصر على واحد (1) وجهان، من أن كل واحد سبب تام فيه، وتعدد
السبب يقتضي تعدد المسبب، ومن أصالة عدم الزائد وصدق التغليظ بالثلث. وهذا أجود.
ونبه بقوله: (ولا يعرف التغليظ في الاطراف) على خلاف بعض (2) العامة حيث ألحقها
بالنفس في ذلك. ولا دليل عليه عندنا، ولا قائل به من أصحابنا. قوله: (لو رمى في
الحل... إلخ). هذا متفرع على قول الشيخين بالتغليظ في الحرم، وهو يتحقق بالرمي فيه
مع القتل إجماعا، سواء رمى من (3) الحل أم من (4) الحرم. ولو انعكس، بأن رمى من
الحرم فأصابه في الحل فقتله، ففي التغليظ وجهان، من عدم صدق قتله في الحرم، مضافا
إلى أصالة عدم التغليظ، ومن حصول سببه في الحرم، فيكون كالقتل فيه، ومن ثم ضمن
الصيد برميه من الحرم إلى الحل مع كونه محللا بالاصل (5)، وكان كما لو قتله في
الحرم، فكون الانسان المحترم كذلك أولى. وهذا مناسب للحكم بالتغليظ بالحرم، لكن لما
كان الاصل ضعيفا فالفرع كذلك.
(هامش)
(1) في (أ، ت): واحدة.(2) الحاوي الكبير 12: 216، بداية المجتهد 2: 418. (3، 4) في
(أ، ث، ط): في. (5) في الحجريتين: بالاصالة. (*)
ص 322
ولا يقتص من الملتجئ إلى الحرم فيه، ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج. ولو
جنى في الحرم، اقتص منه، لانتهاكه الحرمة. وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد الائمة عليهم
السلام؟ قال به في النهاية. ودية المرأة على النصف من جميع الاجناس. ودية ولد الزنا
إذا أظهر الإسلام دية المسلم. وقيل: دية الذمي. وفي مستند ذلك ضعف.
قوله: (ولا يقتص
من الملتجئ... إلخ). لا خلاف في الاحكام المذكورة بالنسبة إلى الحرم. وهو مروي في
صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام: (في الرجل يجني في غير الحرم ثم
يلجاء إلى الحرم، قال: لا يقام عليه الحد، ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع،
فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، وإن جنى في الحرم جناية أقيم
عليه الحد في الحرم، لانه لم ير للحرم حرمة) (1). وأما إلحاق مشاهد الائمة عليهم
السلام بالحرم فلا نص عليه، والاصل يقتضي عدم ثبوته، ووجوب استيفاء الحق حيث كان.
لكن ألحقها الشيخ في النهاية (2) به، وهو أعلم بالوجه، ولعدم ظهوره نسبه المصنف
إليه مقتصرا عليه. قوله: (ودية ولد الزنا... إلخ).
(هامش)
(1) الفقيه 4: 85 ح 273، التهذيب 10: 216 ح 853، الوسائل 18: 346 ب (34) من أبواب
مقدمات الحدود. (2) النهاية: 756. (*)
ص 323
ودية الذمي: ثمان مائة درهم، يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا. ودية نسائهم على
النصف. وفي بعض الروايات: دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم. وفي بعضها:
دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم. والشيخ - رحمه الله - نزلهما على من يعتاد
قتلهم، فيغلظ الامام الدية بما يراه من ذلك حسما للجرأة. ولا دية لغير أهل الذمة من
الكفار، ذوي عهد كانوا أو أهل حرب، بلغتهم الدعوة أو لم تبلغ.
القول الاول مذهب
الاكثر (1)، وهم القائلون بإسلامه، لانه حينئذ مسلم فيدخل تحت عموم المسلمين.
والقول الثاني للمرتضى (2)، مدعيا عليه الاجماع، وبأنه لا يكون مؤمنا، فهو كالذمي.
واختاره الصدوق (3). وبه روايتان مرسلتان عن الصادق (4) والكاظم (5) عليهما السلام.
ويظهر من ابن إدريس (6) عدم ثبوت دية له أصلا، لانه ليس بمسلم ولا ذمي. وهو أوفق
بأصله. والاصح الاول. قوله: (ودية الذمي ثمانمائة درهم... إلخ).
(هامش)
(1) كشف الرموز 2: 635، المختلف: 794، إيضاح الفوائد 4: 681 - 682، التنقيح الرائع
4: 467، المقتصر: 441. (2) الانتصار: 273. (3) المقنع: 520 و530. (4، 5) الفقيه 4:
114 ح 389، التهذيب 10: 315 ح 1171 - 1173، الوسائل 19: 164 ب (15) من أبواب ديات
النفس ح 1 - 3.(6) السرائر 3: 352. (*)
ص 324
ودية العبد قيمته. ولو تجاوزت دية الحر ردت إليها. وتؤخذ من مال الجاني الحر، إن
كانت الجناية عمدا أو شبيها، ومن عاقلته إن كانت خطاء. ودية أعضائه وجراحاته، مقيسة
على دية الحر. فما فيه ديته، ففي العبد قيمته، كاللسان والذكر. لكن لو جنى عليه جان
بما فيه قيمته، لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه. وكل ما فيه مقدر في الحر من
ديته، فهو في العبد كذلك من قيمته. ولو جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته، كان
لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد، وليس له دفع العبد والمطالبة بقيمته.
وما لا تقدير فيه من الحر ففيه الارش، ويصير العبد أصلا للحر فيه. ولو جنى العبد
على الحر خطاء، لم يضمنه المولى، ودفعه إن شاء، أو فداه بأرش الجناية، والخيار في
ذلك إليه، ولا يتخير المجني عليه. وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته، تخير مولاه
في دفع أرش الجناية، أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية. ويستوي في ذلك
كله، القن والمدبر، ذكرا كان أو أنثى.
القول بأن دية الذمي - من أي الفرق الثلاث
كان - ثمانمائة درهم هو الاصح رواية والاشهر فتوى. ومما دل عليه صحيحة ليث المرادي
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي، قال:
ديتهم سواء، ثمانمائة درهم) (1).
(هامش)
(1) الكافي 7: 19: 161 ب (13) من أبواب ديات النفس ح 5. (*)
ص 325
وروى سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بعث النبي صلى الله عليه
وآله خالد بن الوليد إلى البحرين، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس،
فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: إني أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى
فوديتهم ثمانمائة، وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إلي فيهم عهدا، قال: فكتب
إليه رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ديتهم مثل دية اليهود والنصارى، وقال: إنهم
أهل الكتاب) (1). والرواية الدالة على أن ديته دية المسلم رواها أبان بن تغلب في
الصحيح قال: (دية النصراني والمجوسي دية المسلم) (2). وروى زرارة عنه عليه السلام
قال: (من أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله ذمة فديته كاملة) (3). والرواية
الدالة على أن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم رواها أبو بصير بطريق ضعيف عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية
المجوسي ثمانمائة درهم) (4). والشيخ (5) - رحمه الله - جمع بين الاخبار، بحمل
الاخبار الدالة على
(هامش)
(1) الفقيه 4: 90 ح 294، التهذيب 10: 186 ح 731، الاستبصار 4: 268 ح 1013، الوسائل
19: 161 الباب المتقدم ح 7. (2) الفقيه 4: 91 ح 298، التهذيب 10: 187 ح 735،
الاستبصار 4: 269 ح 1017، الوسائل 19: 163 ب (14) من أبواب ديات النفس ح 2. (3)
الفقيه 4: 92 ح 299، التهذيب 10: 187 ح 736، الاستبصار 4: 269 ح 1018، الوسائل 19:
163 الباب المتقدم ح 3. (4) الفقيه 4: 91 ح 296، التهذيب 10: 187 ح 737، الاستبصار
4: 269 ح 1019، الوسائل 19: 163 الباب المتقدم ح 4. (5) التهذيب 10: 187 ذيل ح 737،
الاستبصار 4: 269 - 270 ذيل ح 1019. (*)
ص 326
وفي أم الولد تردد، على ما مضى. [والاقرب أنها كالقن، فإذا دفعها المالك في جنايتها
استرقها المجني عليه أو ورثته. وفي رواية:جنايتها على مولاها].
النظر الثاني
في
موجبات الضمان

والبحث، إما في: المباشرة، أو التسبيب، أو تزاحم الموجبات.
البحث الأول في
المباشرة

فضابطها: الاتلاف، لا مع القصد إليه، كمن رمى غرضا فأصاب إنسانا، وكالضرب
للتأديب فيتفق الموت منه. وتتبين هذه الجملة بمسائل: الاولى: الطبيب يضمن ما يتلف
بعلاجه إن كان قاصرا، أو عالج طفلا أو مجنونا لا بإذن الولي، أو بالغا لم يأذن. ولو
كان الطبيب عارفا، وأذن له المريض في العلاج، فآل إلى التلف، قيل: لا يضمن، لان
الضمان يسقط بالاذن، ولانه فعل سائغ
زيادة ديته عن ثمانمائة درهم على من يعتاد قتل
أهل الذمة، فإنه إذا كان كذلك فللامام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة، وأربعة آلاف
درهم أخرى، بحسب ما يراه أصلح في الحال وأردع. قوله: (وفي أم الولد تردد على ما
مضى... إلخ). في باب الاستيلاد (1). وقد تقدم البحث فيه، فلا وجه لاعادته. قوله:
(ولو كان الطبيب عارفا... إلخ).
(هامش)
(1) راجع ج 10: 531. (*)