مسالك الأفهام - ج15

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج15

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 327

شرعا. وقيل: يضمن، لمباشرته الاتلاف. وهو أشبه. فإن قلنا لا يضمن، فلا بحث. وإن قلنا يضمن، فهو يضمن في ماله.

إذا كان الطبيب حاذقا، أي: ماهرا في الصناعة والعلاج علما وعملا - والمراد: كونه عالما بما يحتاج إليه ذلك المرض المعالج بحسب ما قرر له في فنه - فعالج فاتفق التلف نفسا أو طرفا، ففي الضمان قولان، اصحهما وأشهرهما: نعم. ذهب إليه الشيخان (1) والاتباع (2) والمصنف - رحمه الله -وغيرهم (3). وجعلوه شبيه عمد. أما الضمان فلحصول التلف المستند إلى فعل الطبيب. وأما إنه شبيه عمد فلتحقق القصد إلى الفعل دون القتل. وقال ابن إدريس (4): لا يضمن، للاصل، ولسقوطه بإذنه، ولانه فعل سائغ شرعا فلا يستعقب ضمانا. وأجيب: بأن أصالة البرأة لا تتم مع دليل الشغل. والاذن في العلاج لا في الاتلاف. ولا منافاة بين الجواز وبين الضمان، كالضارب للتأديب. وقد روى السكوني عن الصادق عليه السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام) (5). وهي شاهد، وإن ضعف طريقها. قال المصنف - رحمه الله - في النكت: (الاصحاب متفقون على أن الطبيب

(هامش)

(1) المقنعة: 734 - 735، النهاية: 734. (2) المراسم: 235، غنية النزوع: 402، المهذب 2: 499، الوسيلة: 430، إصباح الشيعة: 491. (3) الكافي في الفقه: 392، الجامع للشرائع: 586، إرشاد الاذهان 2: 222، إيضاح الفوائد 4: 655 - 656، اللمعة الدمشقية: 180. (4) السرائر 3: 373. (5) التهذيب 10: 234 ح 928، الوسائل 19: 195 ب (24) من أبواب موجبات الضمان ح 2. (*)

ص 328

وهل يبرأ بالابراء قبل العلاج؟ قيل: نعم، لرواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: من تطبب أو تبيطر، فليأخذ البرأة من وليه، وإلا فهو ضامن). ولان العلاج مما تمس الحاجة إليه، فلو لم يشرع الابراء تعذر العلاج.وقيل: لا يبرأ، لانه إسقاط الحق قبل ثبوته.

 يضمن ما يتلف بعلاجه، والعمل على هذا الاصل لا على هذه الرواية، لان الاكثرين يطرحون ما ينفرد به السكوني) (1). وهذا يدل على دعوى الاجماع على الحكم، وعدم الالتفات إلى فتوى ابن إدريس بخلافه. وكذا ادعى ابن زهرة (2) الاجماع. قوله: (وهل يبرأ بالابراء... إلخ). إذا قلنا بضمان الطبيب فهل يسقط بإبراء المعالج قبل العلاج؟ فيه قولان: أحدهما - وهو المشهور بين الاصحاب -: نعم. ذهب إليه الشيخ (3) وأتباعه (4)، وأبو الصلاح (5)، والمصنف في النافع (6)، والعلامة (7) في أحد قوليه، والشهيد في اللمعة (8)، لمسيس الحاجة إلى ذلك، فإنه لا غنى عن العلاج، فإذا

(هامش)

(1) النهاية ونكتها 3: 421. (2) غنية النزوع: 402. (3) النهاية: 762. (4) المهذب 2: 499، غنية النزوع: 410، إصباح الشيعة: 496. (5) الكافي في الفقه: 402. (6) المختصر النافع: 304. (7) لم نعثر عليه، ونسبه إليه ابن فهد في المهذب البارع 5: 262، المقتصر: 442. (8) اللمعة الدمشقية: 180. (*)

ص 329

عرف البيطار والطبيب أنه لا مخلص له من الضمان توقف في العلاج مع الضرورة إليه، فوجب أن يشرع الابراء دفعا (1) لضرورة (2) الحاجة. ولرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: من تطبب أو تبيطر فليأخذ البرأة من وليه، وإلا فهو له ضامن) (3). وإنما ذكر الولي لانه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع الابراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرأ منه. وفيه نظر، فإن الحاجة لا تكفي في شرعية الحكم بمجردها، مع قيام الادلة على خلافه. وضعف الخبر واضح. مع أنا نقول بموجبه، فإن البرأة حقيقة لا تكون إلا بعد ثبوت الحق، لانها إسقاط ما في الذمة من الحق. وينبه عليه أخذها من الولي، إذ لا حق له قبل الجناية، وقد لا يصير إليه بتقدير عدم بلوغها القتل إذا أدت إلى الضمان، ومن ثم ذهب ابن إدريس (4) إلى عدم صحتها قبله. وتوقف المصنف - رحمه الله - هنا باقتصاره على نقل القولين. وكذلك العلامة في الارشاد (5). ورجح في القواعد (6) الضمان، ومال إليه في التحرير (7). وهو الوجه.

(هامش)

(1) في (ث، خ، ط): طلبا. (2) في (د): للضرورة والحاجة. (3) الكافي 9: 364 ح 1، التهذيب 10: 234 ح 925، الوسائل 19: 194 ب (24) من أبواب موجبات الضمان ح 1. (4) السرائر 3: 373. (5) إرشاد الاذهان 2: 222. (6) قواعد الاحكام 2: 313. (7) تحرير الاحكام 2: 262. (*)

ص 330

الثانية: النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه أو بحركته، قيل: يضمن الدية في ماله، وقيل: في مال العاقلة، وهو أشبه. الثالثة: إذا أعنف بزوجته، جماعا، في قبل أو دبر، أو ضما، فماتت، ضمن الدية. وكذا الزوجة. وفي النهاية: إن كانا مأمونين، لم يكن عليهما شي. والرواية ضعيفة.

قوله: (النائم إذا أتلف نفسا... إلخ). كون فعل النائم من باب الخطاء المحض يلزم (1) العاقلة هو الموافق للقواعد السابقة، لعدم قصده إلى الفعل ولا إلى القتل، بل هو أولى من خطاء معه أصل القصد. والقول الاول للشيخ (2)، جعلا لفعله من باب الاسباب لا الجنايات بالمباشرة، من حيث ارتفاع اختياره بالنوم. والاصح الاول. قوله: (إذا أعنف بزوجته... إلخ). وجه الضمان: حصول تلف نفس معصومة من فعله فيكون مضمونا. وليس قاصدا للقتل، لانه الفرض، فلا يكون عمدا. وأصل الفعل مقصود، فيكون الخطاء في القصد خاصة، وهو يقتضي كونه شبيه عمد، فتلزمه الدية في ماله. ولصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه: (سئل عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنها ماتت من عنفه، قال: الدية كاملة، ولا يقتل الرجل) (3). وهذا هو الاصح.

(هامش)

(1) في (ص): ويلزم. (2) النهاية: 758. (3) التهذيب 10: 210 ح 828، الوسائل 19: 201 ب (31) من أبواب موجبات الضمان ح 1. (*)

ص 331

الرابعة: من حمل على رأسه متاعا فكسره، أو أصاب به إنسانا، ضمن جنايته في ماله.

والشيخ - رحمه الله - استند في التفصيل بالتهمة وعدمها إلى مرسلة يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن رجل أعنف على امرأته أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الاخر، قال: لا شي عليهما إذا كانا مأمونين، فإن كانا متهمين ألزمتهما اليمين بالله أنهما لم يريدا القتل) (1). وضعف الرواية بالارسال وجهالة بعض الروات يمنع من العمل بمقتضاها، مع مخالفتها للاصل. قوله: (من حمل على رأسه متاعا... إلخ). الاصل في هذه المسألة رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه، قال: هو ضامن) (2). وفي طريق الرواية سهل بن زياد، وهو ضعيف. وهي بإطلاقها مخالفة للقواعد، لانه إنما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى الفعل وخطئه في القصد، فلو لم يقصد الفعل كان خطاء محضا كما تقرر. وأما المتاع المحمول فيعتبر في ضمانه لو كان لغيره التفريط إذا كان أمينا عليه، كغيره من الاموال.

(هامش)

(1) الكافي 7: 374 ح 12، التهذيب 10: 210 ح 827، الاستبصار 4: 279 ح 1058، الوسائل 19: 202 الباب المتقدم ح 4. (2) الكافي 7: 350 ح 5، الفقيه 3: 163 ح 719، التهذيب 10: 230 ح 909، الوسائل 19: 182 ب (10) من أبواب موجبات الضمان. (*)

ص 332

الخامسة: من صاح ببالغ فمات، فلا دية. أما لو كان مريضا أو مجنونا أو طفلا، أو اغتفل البالغ الكامل، وفاجأه بالصيحة، لزم الضمان. ولو قيل بالتسوية في الضمان، كان حسنا، لانه سبب الاتلاف ظاهرا. قال الشيخ: والدية على العاقلة. وفيه إشكال، من حيث قصد الصائح إلى الاخافة، فهو عمد الخطاء. وكذا البحث لو شهر سيفه في وجه إنسان.

قوله: (من صاح ببالغ... إلخ). الصياح كغيره من الافعال الصادرة عن الانسان يرجع فيها إلى القواعد المقررة، فإن كان ببالغ لا على حين غفلة منه فليس له أثر عادة في القتل، فإن اتفق معه فلا ضمان به، بل هو موت اتفاقي كما يشهد به الوجدان، إلا أن يعلم استناده إليه بوجه من الوجوه العارضة، فتلزمه الدية في ماله، لانه شبيه عمد. وأما الصياح بالصبي والمجنون والمريض أو الصحيح على حين غفلة فإنه من أسباب الضرر غالبا، فيلزم الصائح الدية في ماله، لقصده إلى الفعل، حيث لا يكون قاصدا للقتل، ولا هو مما يقتل غالبا، بناء على الغالب. وقال الشيخ - رحمه الله - في المبسوط (1): إن ديته على العاقلة، جعلا له من باب الاسباب. وهو ضعيف، لظهور كونه مستندا إلى فعله المقصود، والخطاء في قصد القتل. ولان تضمين الغير جناية غيره على خلاف الاصل، فلا يصار إليه بدون دليل صالح.

(هامش)

(1) المبسوط 7: 158. (*)

ص 333

أما لو فر، فألقى نفسه في بئر أو على سقف، قال الشيخ: لا ضمان، لانه ألجأه إلى الهرب لا إلى الوقوع، فهو المباشر لاهلاك نفسه،فيسقط حكم التسبيب. وكذا لو صادفه في هربه سبع فأكله. ولو كان المطلوب أعمى، ضمن الطالب ديته، لانه سبب ملجئ. وكذا لو كان مبصرا، ووقع في بئر لا يعلمها، أو انخسف به السقف، أو اضطره إلى مضيق فافترسه الاسد، لانه يفترس في المضيق غالبا.

قوله: (أما لو فر فألقى نفسه... إلخ). ما تقدم حكم ما لو مات من الصيحة أو عندها على ما فصل، أما لو لم يمت كذلك، لكنه فر خوفا فألقى نفسه في بئر ونحوه، أو صادفه سبع في طريقه فافترسه، فإن الشيخ - رحمه الله - في المبسوط (1) حكم بعدم الضمان، فارقا في الوقوع في البئر ومن السقف بين الاعمى وغيره، فأوجب الضمان لو كان المطلوب أعمى، وفي مصادفة السبع لم يفرق بينهما وأسقط الضمان. واحتج على الاول بأنه إنما ألجأه إلى الهرب لا إلى الوقوع، فإنه ألقى نفسه باختياره، فهو من باب اجتماع المباشر والسبب غير الملجئ، كالحافر والدافع، فإن الضمان على الدافع. واحتج على الثاني بأن السبع له قصد واختيار، فهو مباشر حقيقة، وذلك السبب غير ملجئ إلى افتراسه، فكان أقوى. والمصنف - رحمه الله - اقتصر على نقل القول فيه مؤذنا بالتوقف فيه أو رده، من حيث إنه لولا الاخافة لم يحصل الهرب المقتضي للتلف. وكونه باختياره

(هامش)

(1) المبسوط 7: 159. (*)

ص 334

السادسة: إذا صدمه فمات المصدوم، فديته في مال الصادم. أما الصادم لو مات فهدر، إذا كان المصدوم في ملكه، أو في موضع مباح، أو [في] طريق واسع. ولو كان في طريق المسلمين ضيق، قيل: يضمن المصدوم ديته، لانه فرط بوقوفه في موضع ليس له الوقوف فيه، كما إذا جلس في الطريق الضيق وعثر به إنسان.

ممنوع، إذ لا مندوحة إلا بالهرب، غايته أنه اختار طريقا على طريق بمرجح أو بغير مرجح، مع امتناع خلو الواقع منهما. هذا إذا كانت الطرق متساوية في العطب. أما لو ترجح أحدهما في السلامة فسلك الاخر باختياره، اتجه قول الشيخ. ولو كانت الاخافة قد رفعت قصده أصلا، فالضمان أوجه مطلقا، لضعف المباشر حينئذ. ونصر (1) شيخنا الشهيد (2) قول الشيخ بأن الهارب إما أن يكون مختارا أو مكرها، فإن كان مختارا فلا ضمان قطعا، وإن كان مكرها فغايته أن يكون مثل مسألة: اقتل نفسك وإلا قتلتك، فقتل نفسه، فإنه لا ضمان، إذ لا معنى للخلاص عن الهلاك بالهلاك.وفيه نظر، لان المكره هنا على تقديره غير مباشر للقتل فاعتبر السبب، بخلاف القاتل نفسه، فإنه يرجح فيه المباشر على السبب، فافترقا. قوله: (إذا صدمه فمات المصدوم... إلخ).

(هامش)

(1) في (د): وفصل، وفي (ث، ط) وإحدى الحجريتين: ونص. (2) غاية المراد: 395. (*)

ص 335

هذا إذا كان لاعن قصد. ولو كان قاصدا وله مندوحة، فدمه هدر، وعليه ضمان المصدوم. السابعة: إذا اصطدم حران فماتا، فلورثة كل واحد منهما نصف ديته، ويسقط النصف وهو قدر نصيبه، لان كل واحد منهما تلف بفعله وفعل غيره. ويستوي في ذلك الفارسان والراجلان والفارس والراجل. وعلى كل واحد منهما نصف قيمة فرس الاخر إن تلف بالتصادم، ويقع التقاص في الدية. وإن قصد القتل، فهو عمد. أما لو كانا صبيين والركوب منهما، فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة الاخر. ولو أركبهما وليهما، فالضمان على عاقلة الصبيين،

القول بضمان المصدوم دية الصادم على تقدير وقوفه في الطريق الضيق للشيخ في المبسوط (1)، محتجا بأن وقوفه سبب في إتلافه، والمباشر ضعيف، لغروره. وشبهه بما لو جلس في طريق فعثر به إنسان آخر فماتا، فعلى عاقلة الجالس كمال دية العاثر. والمصنف - رحمه الله - توقف فيه حيث اقتصر على نقله قولا. ووجهه أنه لم يتلف الصادم مباشرة ولا تسبيبا، وإنما حصل التلف بفعل الصادم، والوقوف من مرافق الشي فلا يستعقب ضمانا. ورد بأن فعل الصادم غير معتبر، والمتلف في الحقيقة هو الواقف. والوقوف إنما يكون من المرافق إذا ساغ، كالوقوف في الطريق الواسع. قوله: (إذا اصطدم حران فماتا... إلخ).

(هامش)

(1) المبسوط 7: 167. (*)

ص 336

لان له ذلك. ولو أركبهما أجنبي، فضمان دية كل [منهما] بتمامها على المركب.

إذا اصطدم اثنان فلا يخلو: إما أن يكونا حرين، أو عبدين، أو بالتفريق. ثم إما أن يكونا راكبين، أو ماشيين، أو بالتفريق. وعلى التقادير التسعة: إما أن يموتا، أو [يموت] (1) أحدهما، أو يحصل بذلك جناية بغير الموت. ثم إما أن يقصدا التصادم أو أحدهما، أو لا يقصداه، بأن كانا في ظلمة أو أعميين. وعلى تقدير القصد: إما أن يكون الاصطدام مما يقتل غالبا، أو لا. والمصنف - رحمه الله - أشار إلى حكم بعض صور [هذه] (2) المسألة. ونحن نشير إلى سائرها فنقول: إذا اصطدم حران ماشيان فوقعا وماتا، فكل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه، فهو شريك في القتلين، فيكون فعله هدرا في حق نفسه، مضمونا في حق صاحبه، كما لو جرح نفسه وجرحه غيره ومات من الجراحة، فإنه يسقط نصف الدية، ويجب على ذلك الغير نصفها. وذهب بعض (3) العامة إلى أنه يجب لكل واحد منهما على الاخر كمال ديته. ثم إن لم يقصد الاصطدام، بأن اتفق ذلك في طريقه (4)، أو كانا أعميين، أو مدبرين فاصطدما من خلف، أو كان كل واحد منهما غافلا عن الاخر، فهو خطاء

(هامش)

(1) من الحجريتين. (2) من (ث، ط، م). (3) المبسوط للسرخسي 26: 190، الحاوي الكبير 12: 323، الكافي للقرطبي 2: 1125، اللباب في شرح الكتاب 3: 168، حلية العلماء 7: 530، بدائع الصنائع 7: 273، بداية المجتهد 2: 417 - 418، رحمة الامة: 273، المغني لابن قدامة 10: 354 - 355. (4) في (ت) والحجريتين: طريق. (*)

ص 337

محض يجب على عاقلة كل منهما نصف ديته. وإن تعمد الاصطدام فالقتل الحاصل شبيه عمد، لان الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت. ولو فرض قصدهما القتل، أو كان مما يقتل غالبا، فهو عمد محض. ولو كانا راكبين فحكم الدية كما بيناه. ولو تلفت الدابتان ففي تركة كل واحد نصف قيمة دابة الاخر، لاشتراكهما في إتلاف الدابتين. وأوجب بعض (1) العامة تمام القيمة كالدية. ولا مجال لتحمل العاقلة هنا. وقد يقع التقاص هنا. ولو غلبت الدابتان وجرى الاصطدام والراكبان مغلوبان، ففيه وجهان: أحدهما: أن هلاكهما وهلاك الدابتين حينئذ مهدران، لانه لاصنع ولا اختيار للراكبين فيما جرى، فصار كالهلاك بالافة السماوية.والثانية: أن الحكم كما لو لم يكونا مغلوبين، لان الركوب كان بالاختيار، والركوب لا يتقاعد في التسبيب عن حفر البئر، ولذلك كان الراكب في عهدة ما تتلفه الدابة. ولا فرق في اصطدام الراكبين بين أن يتفق جنس المركوبين أو يختلف الجنس والقوة، بأن يكون أحدهما راكبا بعيرا أو فرسا والاخر بغلا أو حمارا. ولا في الراجلين بين أن يتفق سيرهما قوة وضعفا أو يختلف، بأن كان أحدهما يعدو والاخر يمشي. ولا بين أن يكونا مقبلين أو مدبرين، كما إذا أجريت الدابتان فاصطدمتا من خلف، أو أحدهما مقبلا والاخر مدبرا، لان الاصطدام والحركة المؤثرة إذا وجدت منهما جميعا اكتفي به، ولم ينظر إلى مقادير المؤثرة وتفاوت

(هامش)

(1) الحاوي الكبير 12: 323، المغني لابن قدامة 10: 354. (*)

ص 338

الاثر، كالجراحة الواحدة والجراحات. نعم، لو كانت إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها مع قوة الدابة الاخرى، فلا يناط بحركتها حكم، كغرز الابرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة. ولا فرق بين أن يقع المصطدمان منكبين أو مستلقيين أو بالتفريق. وقال أبو حنيفة (1): إنما يجب الضمان إذا وقعا مستلقيين، وأما إذا وقعا منكبين فإنهما مهدران، لان الانكباب إنما يحصل بفعل المنكب لا بفعل الاخر. ولو وقع أحدهما منكبا والاخر مستلقيا فالمنكب هدر، وضمان المستلقي على عاقلة المنكب. ولو اصطدم ماش وراكب - لطول الماشي - وهلكا فالحكم كما بيناه. وفي معنى التصادم ما لو تجاذبا حبلا فانقطع وسقطا وماتا. وأبو حنيفة (2) عكس الحكم السابق هنا، فقال: إن وقعا منكبين فعلى عاقلة كل [واحد] (3) منهما تمام دية الاخر. وإن وقعا مستلقيين فهما مهدران، لان انكباب كل واحد منهما هنا يكون بفعل الاخر، والاستلقاء يكون بفعله لا بفعل الاخر، نقيض ما سبق. وظاهر الحال أن الامر غير منضبط، وأن كل واحدة من الحالتين قد يكون بفعله وقد لا يكون. هذا إذا كان المتجاذبان مالكين للحبل أو غاصبين، أما لو كان أحدهما

(هامش)

(1) لم نجده في مصادر الفقه منسوبا إلى أبي حنيفة. نعم، نقلوا عن ابن القاص أن المنكبين مهدران، وعن المزني الحكم الثاني، أي: لو وقع أحدهما منكبا والاخر مستلقيا، راجع حلية العلما 7: 530 - 531، روضة الطالبين 7: 185. (2) المبسوط للسرخسي 26: 191، تبيين الحقائق 6: 151. (3) من (م). (*)

ص 339

ولو كانا عبدين بالغين سقطت جنايتهما، لان نصيب كل [واحد] منهما هدر، وما على صاحبه فات بتلفه، ولا يضمن المولى.

مالكا والاخر يظلمه فدم الظالم هدر. وهذا كله حكم البالغين العاقلين. أما إذا اصطدم صبيان أو مجنونان أو بالتفريق، فإن ركبا بأنفسهما فالحكم كذلك، إلا أن الضمان هنا على العاقلة مطلقا، لان عمد الصبي خطاء. وإن أركبهما من لا ولاية له عليهما ولا إذن، لم يهدر شي من ديتهما ولا قيمة الدابتين، ولا شي على الصبيين ولا على العاقلتين، بل إن كان المركب واحدا فعليه قيمة الدابتين ودية الصبيين. وفي محلها (1) ما علم من التفصيل. وإن أركب ذا واحد وذا واحد، فعلى كل واحد نصف قيمة كل واحدة من الدابتين، لان الذي أركبه متعديا أتلف النصفين فضمنه. ويجب على كل واحد نصف دية الراكب. وفي محلها ما ذكر. وإن أركبهما وليهما لمصلحتهما فلا ضمان عليه، إذ لا تقصير، وكان كما لو ركبا بأنفسهما. ومع عدم المصلحة، ككون الدابة جموحة، فلا إشكال في ضمان الولي كالاجنبي. قوله: (ولو كانا عبدين... إلخ). ما تقدم حكم تصادم الحرين، فأما إذا كانا عبدين، فإن مات أحدهما وجب نصف قيمته متعلقا برقبة الحي. وإن ماتا معا فهما مهدران، لان جناية العبد تتعلق برقبته، فإذا فاتت الرقبة فات محل التعلق. ولا فرق بين أن يختلف

(هامش)

(1) في (ث): محلهما. (*)

ص 340

القيمتان أو يتفقا. ولو اصطدم حران، فمات أحدهما، فعلى ما قلنا [ه]، يضمن الباقي نصف دية التالف. وعلى رواية عن أبي الحسن موسى عليه السلام: يضمن الباقي دية الميت. والرواية شاذة.

ولو كان المصطدمان حرا وعبدا لزم كل واحد حكمه. فإن مات العبد فنصفه هدر، ويجب نصف قيمته، ويكون على الحر كقيمة الفرس. وإن مات الحر وجب نصف ديته يتعلق برقبة العبد. وإن ماتا معا وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر، ويتعلق به نصف دية الحر. وما تعلق برقبة العبد إذا فات (1) يتعلق ببدلها، كما أن العبد الجاني الذي تعلق الارش برقبته إذا قتل انتقل إلى قيمته. ثم إن تساويا تقاصا، بناء على أن نقد (2) البلد الذي تجب فيه القيمة أحد أفراد الدية. ولو كان نصف القيمة أكثر وأوجبناها فللسيد أخذ الزيادة من تركة الحر، وإلا فلا. وإن كان نصف الدية أكثر فالزيادة مهدرة، لانه لا محل يتعلق به. قوله: (ولو اصطدم حران... إلخ).هذه المسألة بعض أقسام السابقة، وحكمها يعلم منها. وإنما أعادها لينبه على الرواية (3) التي وردت في حكمها تخالف ما تقتضيه القواعد في حكم المسألة. والرواية مع شذوذها في طريقها جهالة، فهي مطرحة. مع أنها لا تدل على تصادم الحرين، بل ظاهرها أن ضامن الدية صدم الميت، فلا تخالف

(هامش)

(1) في (ت، د): مات. (2) في (خ): بعض البدل، وفي (م): قدر البدل. (3) الكافي 7: 368 ح 9، التهذيب 10: 310 ح 1158، الوسائل 19: 195 ب (25) من أبواب موجبات الضمان. (*)

ص 341

الاصول. ولو تصادم حاملان، سقط نصف دية كل واحدة، ويثبت نصف الدية للاخرى. أما الجنين، فيثبت في مال كل واحدة، نصف دية الجنين. الثامنة: إذا مر بين الرماة، فأصابه سهم، فالدية على عاقلة الرامي. ولو ثبت أنه قال: حذار، لم يضمن، لما روي (1): أن صبيا دق رباعية صاحبه بخطره، فرفع [ذلك] إلى علي عليه السلام، فأقام بينة أنه

قوله: (ولو تصادم حاملان... إلخ). من مسائل الاصطدام اصطدام المرأتين، وهو كاصطدام الرجلين. ولو اصطدمت حاملان فماتتا وألقتا الجنين، وجب في تركة كل واحدة أربع كفارات: كفارة لنفسها، وكفارة لجنينها، وثالثة لصاحبتها، ورابعة لجنينها، لانهما اشتركتا في إهلاك الاربعة، وسيأتي (2) أن الكفارة تجب مع الاشتراك على كل واحد من الشريكين كملا كما تجب على المنفرد، وكذلك تجب على قاتل نفسه. ويجب على كل واحدة نصف غرة لجنينها، ونصف [دية] (3) غرة (4) لجنين الاخرى، أو نصف دية الجنين مع القصد إلى الاصطدام، وإلا فعلى العاقلة. وأماالدية فيجب نصفها ويهدر نصفها كما مر. قوله: (إذا مر بين الرماة... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 292 ح 7، الفقيه 4: 75 ح 231، التهذيب 10: 207 ح 819، الوسائل 19: 50 ب (26) من أبواب القصاص في النفس. (2) في ص: 506. (3) من (أ، ث، ط). (4) الغرة: العبد أو الامة. وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وجعل في الجنين غرة، عبدا أو أمة. لسان العرب 5: 18 - 19. (*)

ص 342

قال: حذار، فدرأ عنه القصاص، وقال: قد أعذر من حذر. ولو كان مع المار صبي، فقربه من طريق السهم لا قصدا فأصابه، فالضمان على من قربه، لا على الرامي، لانه عرضه للتلف. وفيه تردد.

إنما ينتفي الضمان عن الرامي مع التحذير حيث يسمع المرمي ويمكنه الحذر، فلو لم يسمع أو لم يمكنه فالدية على عاقلة الرامي، لانه خطاء محض. والمراد بالمار المصاحب للصبي: البالغ، ليتوجه الحكم عليه بالضمان. فلو كان صبيا مثله فالضمان على عاقلته حيث يكون البالغ ضامنا. والمراد بالضمان على الرامي حيث يفرض الضمان بسبب الرمي، وإلا فهو على عاقلته، لانه غير قاصد للشخص، وإلا لاقتص منه. والحكم بضمان المقرب للشيخ (1) والقاضي (2)، نظرا إلى عدم قصد الرامي، فكان كالممسك والمقرب كالذابح. والمصنف - رحمه الله - تردد في ذلك. ومنشؤه مما ذكر، ومن حيث إن المقرب عرضه للتلف فهو سبب، والمباشر ضعيف للغرور، ومن أن الرامي هو المباشر حقيقة، والسبب لا يعلم الاصابة، فجرى مجرى الدافع غيره في بئر لا يعلمها.ومعنى قوله عليه السلام: (قد أعذر من حذر) أي: صار ذا عذر. قاله الجوهري (3). وفي نهاية ابن الاثير: (يقال: أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية من العذر، وقد يكون (أعذر) بمعنى: عذر) (4).

(هامش)

(1) المبسوط 7: 189. (2) المهذب 2: 508 - 509. (3) الصحاح 2: 740. (4) النهاية 3: 197. (*)

ص 343

 التاسعة: روى السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام: أن عليا عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام. والرواية مناسبة للمذهب. العاشرة: لو وقع من علو على غيره فقتله: فإن قصد [قتله] وكان الوقوع [مما] يقتل غالبا، فهو قاتل عمدا. وإن كان لا يقتل غالبا، فهو شبيه بالعمد، يلزمه الدية في ماله. وإن وقع مضطرا إلى الوقوع، أو قصد الوقوع لغير ذلك، فهو خطاء محض، والدية فيه على العاقلة. أما لو ألقاه الهواء أو زلق، فلا ضمان، والواقع هدر على التقديرات. ولو دفعه دافع، فدية المدفوع لو مات على الدافع. أما دية الاسفل، فالاصل أنها على الدافع أيضا. وفي النهاية: ديته على الواقع، ويرجع بها على الدافع. وهي رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام.

قوله: (روى السكوني... إلخ). قد تقدم (2) أن الطبيب ونحوه يضمن في ماله وإن كان حاذقا، لان فعلهشبيه عمد. وهذه الرواية تدل على ذلك وإن ضعف طريقها، فتكون شاهدا وإن لم تكن دليلا. قوله: (لو وقع من علو... إلخ). إذا وقع من علو على غيره فقتله، فإما أن يقصد الوقوع عليه، أو لا يقصده،

(هامش)

 (1) التهذيب 10: 234 ح 928، الوسائل 19: 195 ب (24) من أبواب موجبات الضمان ح 2. (2) في ص: 326 - 327. (*)

ص 344

أو يضطر إليه بهواء ونحوه. وعلى التقادير: إما أن يكون الوقوع مما يقتل غالبا، أو لا يكون. وعلى تقدير القصد: إما أن يقصد قتله أو لا. فإن قصد الوقوع عليه باختياره، وكان مما يقتل غالبا، أو قصد القتل، فهو عامد يقاد بالمقتول إن سلم، وتؤخذ الدية من تركته إن مات أيضا، بناء على أخذها من مال العامد إذا مات. وإن قصد الوقوع دون القتل، ولم يكن مما يقتل غالبا فاتفق به، فهو شبيه عمد تثبت فيه الدية في ماله. وإن لم يقصده، بأن قصد الوقوع لا عليه، فهو خطاء محض يحال ضمانه على عاقلته. وإن اضطر إلى الوقوع لم يكن القتل من فعله أصلا، فلا ضمان عليه ولا على عاقلته. وهذا كله مقتضى القواعد السابقة. ويدل على القسم الاخير رواية عبيد بن زرارة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على رجل من فوق البيت فمات إحدهما، قال: ليس على الاعلى شي، ولا على الاسفل شي) (1). وعلى جميع هذه التقديرات فالواقع هدر، لان قتله لم يستند إلى أحد يحال عليه الضمان. ولو كان وقوعه بدفع غيره ممن يحال عليه، فالقول في ضمان المدفوع كما مر، فيقتل به الدافع إن قصده، وكان (2) مما يقتل غالبا، أو قصد القتل، وتلزمه ديته في ماله إن لم يكن كذلك مع قصده الفعل، وإلا كان خطاء محضا.

(هامش)

(1) الكافي 7: 289 ح 3، التهذيب 10: 211 ح 835، الوسائل 19: 41 ب (20) من أبواب قصاص النفس ح 3. (2) في (ت، د، م): أو كان.(*)

ص 345

الحادية عشرة: روى أبو جميلة (1)، عن سعد الاسكاف، عن الاصبغ قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في جارية ركبت أخرى، فنخستها (2) ثالثة، فقمصت (3) المركوبة، فصرعت الراكبة فماتت: إن ديتها نصفان، على الناخسة والمنخوسة. وأبو جميلة ضعيف، فلا استناد

هذا حكم المدفوع. أما الاسفل ففي من يضمنه منهما قولان: أحدهما - وهو الذي اختاره المصنف والعلامة (4) وجماعة (5) -: أنه الدافع أيضا، لانه السبب القوي، والمباشر ضعيف بالالجاء أو منتف. والثاني: قول الشيخ في النهاية (6): إن دية الاسفل على الذي وقع عليه، ويرجع بها على الذي دفعه. ومستنده صحيحة (7) عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل دفع رجلا على رجل فقتله، فقال: الدية على الذي وقع على الرجل فقتله لاولياء المقتول، قال: ويرجع المدفوع على الذي دفعه، قال: وإن أصاب المدفوع شي فهو على الدافع أيضا) (8). قوله: (روى أبو جميلة... إلخ).

(هامش)

(1) الفقيه 4: 125 ح 439، التهذيب 10: 241 ح 960، الوسائل 19: 178 ب (7) من أبواب موجبات الضمان ح 1. (2، 3) نخس الدابة ينخسها: غرز جنبها بعود أو نحوه. والقامصة: النافرة الضاربة برجلها. لسان العرب 6: 228، 7: 83. (4) قواعد الاحكام 2: 313، تحرير الاحكام 2: 263، إرشاد الاذهان 2: 224. (5) المقنعة: 742، الكافي في الفقه: 395، السرائر 3: 366، كشف الرموز 2: 640، اللمعة الدمشقية: 180، المقتصر: 443. (6) النهاية: 758.(7) في (خ، ط): رواية. (8) الكافي 7: 288 ح 2، الفقيه 4: 79 ح 249، الوسائل 19: 177 ب (5) من أبواب موجبات الضمان ح 2.(*)

ص 346

 إلى نقله. وفي المقنعة: على الناخسة والقامصة ثلثا الدية، ويسقط الثلث لركوبها عبثا. وهذا وجه حسن. وخرج متأخر وجها ثالثا، فأوجب الدية على الناخسة، إن كانت ملجئة للقامصة، وإن لم تكن ملجئة، فالدية على القامصة. وهو وجه أيضا، غير أن المشهور بين الاصحاب هو الاول.

هذه الرواية مشهورة في هذا الباب، وعمل بمضمونها الشيخ (1) وأتباعه (2)، مع أنها ضعيفة السند جدا، فإن أبا جميلة - وهو المفضل بن صالح - كان يضع الحديث حتى إنه أقر به، فلا عبرة بما يرويه. وفي الطريق أيضا ضعف من جهات أخر. ومع ذلك تخالف القواعد المتفق عليها من أن القتل إذا استند إلى جماعة يكون أثره موزعا عليهم، والراكبة من الجملة. وما نسبه المصنف - رحمه الله - إلى المفيد ذكره في الارشاد (3) رواية، وأفتى بمضمونها في المقنعة (4). واستحسنه المصنف - رحمه الله - والعلامة في المختلف (5). وهو أوفق بالاصول من الرواية المشهورة. والتخريج المتأخر لابن إدريس (6)، محتجا عليه بأنه مع الالجاء يصير فعل المكره مستندا إلى مكرهه، ومع عدمه لا أثر للمكره. واختاره العلامة (7)، ومال

(هامش)

 (1) النهاية: 763. (2) المهذب 2: 499. (3) الارشاد للمفيد (طبعة النجف الاشرف): 105. (4) المقنعة: 750. (5) المختلف: 797. (6) السرائر 3: 374. (7) إرشاد الاذهان 2: 224.(*)

ص 347

ومن اللواحق

مسائل:

الاولى: من دعا غيره، فأخرجه من منزله ليلا، فهو له ضامن حتى يرجع إليه. فإن عدم، فهو ضامن لديته. وإن وجد مقتولا، وادعى قتله على غيره، وأقام بينة، فقد برئ. وإن عدم البينة، ففي القود تردد، والاصح أن لا قود، وعليه الدية في ماله. وإن وجد ميتا، ففي لزوم الدية تردد، ولعل الاشبه أنه لا يضمن.

إليه المصنف - رحمه الله - هنا. وهو أوجه الاقوال. واعترض عليه الشهيد في الشرح (1) بأن الاكراه على القتل لا يسقط الضمان. وبأن الحكم بوجوب الدية أيضا لا يتم، لان القموص ربما كان يقتل غالبا، فيجب القصاص. وأجاب بأن الاكراه الذي لا يسقط الضمان ما يبقى معه قصد المكره إلى الفعل، والمفروض هنا الالجاء، وهو يرفع القصد، ويصير [هنا] (2) كالالة، ومن ثم وجب القصاص على الدافع دون الواقع إذا قتل بوقوعه آخر حيث بلغ الدفع الالجاء، والقموص لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته فضلا عن كونه مما يقتل غالبا، فمن ثم أطلقه. ولو فرض أنه يوجب القتل في بعض الموارد لقلنا بإيجابه القصاص، لكنه نادر، فلم يلتفت إليه، وصح إطلاق الحكم بدونه. قوله: (من دعا غيره... إلخ).

(هامش)

 (1) غاية المراد: 396. (2) من (ت). (*)

ص 348

الاصل في هذه المسألة رواية عبد الله بن ميمون عن الصادق عليه السلام: (إذا دعا الرجل أخاه بليل فهو له ضامن حتى يرجع إلى بيته) (1). ورواية عمرو بن أبي المقدام قال: (كنت شاهدا عند البيت الحرام ورجل ينادي بأبي جعفر وهو يطوف ويقول: يا أمير المؤمنين إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إلي، والله ما أدري ما صنعا به؟!فقال لهما أبو جعفر: ما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين كلمناه ثم رجع إلى منزله. فقال لهما: وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان. فوافياه من الغد صلاة العصر، وحضرته. فقال لجعفر بن محمد عليه السلام وهو قابض على يده: يا جعفر اقض بينهم. فقال: يا أمير المؤمنين اقض بينهم أنت. فقال له: بحقي عليك إلا قضيت بينهم. قال: فخرج جعفر عليه السلام فطرح له مصلى قصب، فجلس عليه، ثم جاء الخصماء فجلسوا قدامه، فسألهم عن الدعوى، فأجابوا بمثل ما أجابوا به. فقال جعفر عليه السلام: يا غلام اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن، إلا أن يقيم البينة أنه قد رده إلى منزله. يا غلام نح هذا فاضرب عنقه. فقال: يابن رسول الله والله ما أنا قتلته، ولكني أمسكته ثم جاء هذا

(هامش)

(1) التهذيب 10: 222 ح 869، الوسائل 19: 206 ب (36) من أبواب موجبات الضمان. (*)

ص 349

 فوجأه (1) فقتله. فقال: يا غلام نح هذا واضرب عنق الاخر. فقال: يابن رسول الله والله ما عذبته، ولكن قتلته بضربة واحدة. فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالاخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن، ووقع على رأسه: يحبس عمره، ويضرب كل سنة خمسين جلدة) (2). إذا تقرر ذلك، فإطلاق هاتين الروايتين يقتضي عدم الفرق بين أن يوجد مقتولا أو ميتا أو يشتبه حاله في ضمان المخرج له. وظاهر الرواية الثانية أن الضمان بالقود. وأما الاولى فإن مطلقه أعم منه ومن الدية. وكذا صدر الثانية. وعمل بمضمونها جماعة (3) من الاصحاب منهم سلا ر (4) وابن حمزة (5)، ما لم يدع قتله على غيره فتجب الدية. والشيخ (6) - رحمه الله - حكم بالدية، لانه أقل محتملات الضمان، مع الشك في جواز القتل، فينتفي للشبهة. وجاز استناد الحكم بالقتل في الثانية إلى إقراره، وأمر الغلام أولا به لاستخراج ما فعلاه تهديدا وحيلة على الاقرار الصحيح. والمصنف - رحمه الله - رجح فيما لو وجد ميتا عدم الضمان. وهو اختيار

(هامش)

(1) وجأه باليد والسكين: ضربه. لسان العرب 1: 190. (2) الكافي 7: 287 ح 3، الفقيه 4: 86 ح 279، التهذيب 10: 221 ح 868، الوسائل 19: 36 ب (18) من أبواب قصاص النفس ح 1. (3) المقنعة: 746، الجامع للشرائع: 583 - 584، المختلف: 798، اللمعة الدمشقية: 181. (4) المراسم: 241. (5) الوسيلة: 454. (6) النهاية: 756 - 757. (*)

ص 350

الثانية: إذا أعادت الظئر الولد، فأنكره أهله، صدقت، ما لم يثبت كذبها، فتلزمها الدية، أو إحضاره بعينه، أو من يحتمل أنه هو. ولو استأجرت أخرى، ودفعته بغير إذن أهله، فجهل خبره، ضمن الدية.

ابن إدريس (1)، لاصالة البرأة إلى أن يثبت السبب الموجب لشغلها، ولم يثبت، لانه لم يوجد به أثر القتل ولا لوث، وبتقديره فيلزمه حكمه لا ثبوت الدية أو القود مطلقا. والحق أن النص قاصر عن إفادة الحكم من حيث السند، فإن فيه من لا يثبت عدالته، والمشترك بين الثقة وغيره، مع مخالفته للاصل من ضمان الحر باليد. فينبغي الاقتصار بالضمان على موضع الوفاق، وذلك فيما إذا وجد مقتولا ولا لوث، وإلا ثبت موجب ما أقسم عليه الولي من عمد أو خطاء، ومع عدم قسامته يقسم المدعى عليه. ومن يعتمد الاخبار يلزمه الحكم بضمانه مطلقا إلى أن يرجع، لدلالتها على ذلك، ثم يحتمل كونه بالقود وبالدية. ولو كان إخراجه بالتماسه ففي الضمان وجهان، من عموم النص، وانتفاء التهمة، مع أصالة البرأة. ولعله أجود. ولو تعدد الداعي اشتركوا في الضمان، كما تقتضيه الرواية، ويوافقه الاصل، كما أن المدعو لو تعدد ضمن الجميع على الوجه الذي ذكر. قوله: (إذا أعادت الظئر الولد... إلخ). وجه تصديقها في الاول كونها أمينة، فيقبل قولها على ما في يدها. ولصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن رجل استأجر

(هامش)

(1) السرائر 3: 364 - 365. (*)

ص 351

الثالثة: لو انقلبت الظئر فقتلته، لزمها الدية في مالها، إن طلبت بالمظأرة الفخر. ولو كان للضرورة، فديته على عاقلتها.

ظئرا فدفع إليها، فغابت بالولد سنين ثم جأت بالولد، وزعمت أمه أنها لا تعرفه، وزعم أهلها أنهم لا يعرفونه، قال: ليس لهم ذلك فليقبلوه، فإنما الظئر مأمونة) (1). ولو ثبت كذبها، إما لقصور سن من أحضرته عن الولد المطلوب قطعا، أو زيادته كذلك، أو غير ذلك، لزمها الدية حتى تحضره أو من يحتمله، لانها لا تدعي موته وقد تسلمته فيكون في ضمانها. ولو ادعت الموت فلا ضمان. وحيث تحضر من يحتمله يقبل وإن كذبت سابقا، لانها أمينة ما لم يعلم كذبها. ويدل على الحكم الثاني صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن رجل استأجر ظئرا فأعطاها ولده فكان عندها، فانطلقت الظئر فاستأجرت أخرى، فغابت الظئر بالولد فلا يدرى ما صنع به؟ قال: الديةكاملة) (2). قوله: (لو انقلبت الظئر... إلخ). مستند التفصيل روايات كثيرة، منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (أيما ظئر قوم قتلت صبيا لهم وهي نائمة فانقلبت عليه فقتلته، فإن عليها الدية كاملة من مالها خاصة، إن كانت إنما ظأرت طلبا للعز والفخر،

(هامش)

(1) الفقيه 4: 119 ح 416، التهذيب 10: 222 ح 870، الوسائل 19: 199 ب (29) من أبواب موجبات الضمان ح 2. (2) الفقيه 4: 78 ح 243، التهذيب 10: 222 ح 871، الوسائل 19: 199 الباب المتقدم ح 3. (*)

ص 352

 الرابعة: روى عبد الله بن (1) طلحة، عن أبي عبد الله عليه السلام: في لص دخل على امرأة، فجمع الثياب ووطئها [قهرا]، فثار ولدها فقتله اللص، وحمل الثياب ليخرج، فحملت [هي عليه] فقتلته؟ فقال: يضمن مواليه دية الغلام، وعليهم فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها، وليس عليها في قتله شي. ووجه الدية فوات محل القصاص، لانها قتلته دفعا عن المال، فلم يقع قصاصا.

وإن كانت إنما ظأرت من الفقر فإن الدية على عاقلتها) (2). ومثلها رواية (3) عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عنه عليه السلام، ورواية (4)سليمان بن خالد عن الرضا عليه السلام. وفي سند هذه الروايات ضعف وجهالة يمنع من العمل بمضمونها، مع مخالفتها للاصل من أن فعل النائم خطاء محض، لعدم القصد فيه إلى الفعل أصلا. وطلب الفخر لا يخرج الفعل عن وصفه بالخطاء وغيره. فكان القول بوجوب ديته على عاقلتها مطلقا أقوى. وهو خيرة أكثر (5) المتأخرين. قوله: (روى عبد الله بن طلحة... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 293 ح 12، الفقيه 4: 121 ح 422، التهذيب 10: 208 ح 823، الوسائل 19: 45 ب (23) من أبواب قصاص النفس ح 2. (2) الكافي 7: 370 ح 2، التهذيب 10: 222 ح 872، الوسائل 19: 199 الباب المتقدم ح 1. (3) الفقيه 4: 119 ح 412، التهذيب 10: 222 ح 873، الوسائل 19: 199 الباب المتقدم ذيل ح 1. (4) التهذيب 10: 223 ح 874، الوسائل 19: 199 الباب المتقدم ذيل ح 1، وفي المصادر: الحسين بن خالد. (5) قواعد الاحكام 2: 313، إيضاح الفوائد 4: 656 - 657. (*)

ص 353

وإيجاب المال دليل على أن مهر المثل في مثل هذا لا يتقدر بخمسين دينارا، بل بمهر أمثالها ما بلغ. وتنزل هذه الرواية على أن مهر أمثال القاتلة هذا القدر.

قد جرت عادة الفقهاء بذكر هذه المسألة وما بعدها منسوبة إلى الرواية، نظرا إلى خفاء مدركها، ومخالفتها للاصول ظاهرا، وتوقف تنزيلها عليها علىالتأويل. مع أن الروايات كلها ليست من الصحيح، فليس إلى تكلف ردها إلى الاصول ضرورة. وقد سئل المصنف - رحمه الله - عن السبب في ذكرها مروية كذلك، فأجاب (2) بستة أوجه: الاول: ليس على المصنف اعتراض فيما يتخيره من الايراد، فلا يلزم بيان اللمية، لان التصنيف تابع للاقتراح. الثاني: لعله رأى في موضع تلخيص العبارة أنهض بالمقصود، فاقتصر عليه. الثالث: قد لا يكون مضمون الرواية اختياره، فيوردها ضبطا للفتوى بالرواية. الرابع: قد تكون فائدة الرواية غير معلومة، لبعدها عن شبه الاصول، فيورد الرواية بيانا لعلة الحكم. الخامس: قد تكون الفتوى معلومة من فحوى الرواية لا من منطوقها، فلو اقتصر على إيراد الفتوى لم يدر السامع من أين نقلها، فيورد الرواية ليهتدي على منتزع الحكم.

(هامش)

(2) انظر النهاية ونكتها 3: 402، ولم يذكر الوجه السادس، ولعل الشارح (قده) استنبطه من الوجه الخامس. (*)

ص 354

السادس: أن ينبه على المستند، ليعرف هل هو حجة في نفسه أو ليس بحجة؟ قال: (وليس هذه الوجوه مجتمعة، بل قد تنفرد). إذا تقرر ذلك، فهذه الرواية تنافي بظاهرها الاصول المقررة من وجوه: الاول: أن قتل العمد يوجب القود، فلم يضمن الولي دية الغلام مع سقوط محل القود؟! وأجاب المصنف - رحمه الله - عنه بمنع كون الواجب القود مطلقا، بل مع إمكانه، وإلا فقد تقدم (1) الكلام في أن محل القود إذا فات وجبت الدية، إن لم نقل إن موجب العمد ابتداء أحد الامرين. الثاني: الواجب في الوط مكرها مهر المثل، فلم حكم بأربعة آلاف درهم، خصوصا على القول بأن مهر المثل لا يتجاوز السنة؟! وأجاب المصنف - رحمه الله - عنه باختيار كون موجبه مهر المثل، ومنع تقديره بالسنة مطلقا، بل حيث يجعل الحكم إلى الزوجة في تعيين المهر في عقد النكاح، لا فيما يشبه الجناية، تغليبا للمالية. وحينئذ فيحمل على أن مهر مثل هذه المرأة كان ذلك القدر. الثالث: الواجب على السارق قطع اليد مع الشرائط، فلم يطل دمه؟! وأجاب - رحمه الله - بأن اللص محارب، والمرأة قتلته دفعا عن المال،

(هامش)

(1) في ص: 260. (*)

ص 355

وروي عنه (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام: في امرأة أدخلت ليلة البناء صديقا إلى حجلتها، فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق، فاقتتلا فقتله الزوج، فقتلته هي؟ فقال عليه السلام: تضمن دية الصديق، وتقتل بالزوج. وفي تضمين دية الصديق تردد، أقربه أن دمه هدر.

وإذا لم يمكن تخليص المال إلا بقتله يباح قتله، ويكون دمه هدرا. وقد تقدم (2) البحث فيه. وهو مروي (3) في هذه المسألة بخصوصها. الرابع: قتلها له كان بعد قتل ابنها، فلم لا يقع قصاصا؟! وأجاب - رحمه الله - بأنها قصدت قتله دفعا (4)، ليوافق الاصول. ولو فرض قتلها له قودا بابنها لجاز أيضا، ولا شي على أولياء (5) المقتول، أو قتلته لغير ذلك من الوجوه التي لا يجوز قتله قيدت به. ونبه بذلك كله على خلاف ابن إدريس (6) - رحمه الله - حيث جعلها مخالفة للادلة وأصول المذهب، بناء على ما أشرنا إليه في الايرادات الاربعة، مع أن حال الراوي مجهول. قوله: (وروي عنه... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 293 ح 13، الفقيه 4: 122 ح 426، التهذيب 10: 209 ح 824، الوسائل 19: 45 ب (23) من أبواب القصاص في النفس ح 3، ص: 193 ب (21) من أبواب موجبات الضمان. (2) في ص: (3) الفقيه 4: 89 ح 287، التهذيب 10: 154 ح 618، الوسائل 19: 308 ب (13) من أبواب العاقلة. (4) في (ت، ث، م): دفاعا. (5) كذا في (خ، ط)، وفي سائر النسخ: على أوليائه. (6) السرائر 3: 362. (*)

ص 356

البحث في سند هذه الرواية كالاولى. وكذا حكمها. ونزل ضمانها لدية الصديق على كونها سببا لتلفه (1)، لغرورها إياه. والمصنف - رحمه الله - قوى أن دمه هدر. وعلل بأن للزوج قتل من يجده في داره للزنا، سواء هم بقتل الزوج أم لم يهم به، لما مر (2). ويشكل بأن دخوله أعم من قصد الزنا، فلا يدل عليه. ولو سلم منعنا الحكم بجواز قتل من يريده مطلقا. والشهيد (3) - رحمه الله - قوى أن دمه هدر مع علمه بالحال. وفيه الاشكال السابق وزيادة. والوجه أن الحكم المذكور في الرواية - مع ضعف سندها - وقع مخالفا للاصول، فلا يتعدى الواقعة. ولعله عليه السلام علم بموجب ذلك. والمراد بالبناء بالزوجة الدخول عليها. قال في الصحاح: (يقال: بنى على أهله بناء، أي: زفها. والعامة تقول: بنى بأهله، وهو خطاء. والاصل فيه: أن الداخل بأهله يضرب عليها قبة ليلة دخوله بها، فقيل لكل داخل بأهله: بان) (4). وفي نهاية ابن الاثير: (البناء واحد الابنية التي تسكنها العرب في الصحراء، ومنها الطراف، والخباء، والبناء، والقبة، والمضرب) (5).والحجلة - بفتح الجيم - واحدة حجال العروس، وهي بيت يزين بالثياب

(هامش)

(1) في (د): لقتله. (2) في ج 14: 397. (3) اللمعة الدمشقية: 181. (4) الصحاح 6: 2286. (5) النهاية 1: 158.(*)

ص 357

الخامسة: روى محمد بن (1) قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، عن علي عليه السلام: في أربعة شربوا المسكر، فجرح اثنان، وقتل اثنان؟ فقضى دية المقتولين على المجروحين، بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية. وفي رواية السكوني (2)، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه جعل دية المقتولين على قبائل الاربعة، وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين. ومن المحتمل أن يكون [علي] عليه السلام قد اطلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم.

والاسرة والستور. قاله الجوهري (3). وقال المصنف في النكت: (هي الستر والخيمة التي تضرب للنساء في السفر) (4). قوله: (روى محمد بن قيس... إلخ). الرواية الاولى مع ضعف طريقها، واشتراك محمد بن قيس بين الثقة والضعيف، قد عمل بمضمونها كثير من الاصحاب. وفيها مع ذلك أن الاجتماع المذكور والاقتتال لا يستلزم كون القاتل هو المجروح وبالعكس، فينبغي أن يخص حكمها بواقعتها. نعم، يمكن الحكم بكون ذلك لوثا يثبت القتل بالقسامة، من عمد أو خطاء وقتل وجرح.

(هامش)

 (1) الكافي 7: 284 ح 5، التهذيب 10: 240 ح 956، الوسائل 19: 172 ب (1) من أبواب موجبات الضمان ح 1. (2) الفقيه 4: 87 ح 280، التهذيب 10: 240 ح 955، الوسائل 19: 173 الباب المتقدم ح 2. (3) الصحاح 4: 1667. (4) النهاية ونكتها 3: 404. (*)

ص 358

 وأورد عليها شيخنا الشهيد - رحمه الله - في الشرح (1) بأنه إذا حكم بأن المجروحين قاتلان فلم لا يستقد منهما؟! وبأن الحكم بأخذ دية الجرح وإهدار الدية لو ماتا مشكل أيضا. وكذا في الحكم بوجوب الدية في جراحتهما، لان موجب العمد القصاص. وجوابه: أن القتل وقع منهما حال السكر فلا يكون عمدا، بل يوجب الدية خاصة، وفرض الجرح غير قاتل كما هو ظاهر الرواية. ووجوب دية الجرح لوقوعه أيضا من السكران كالقتل، أو لفوات محل القصاص. وأما الرواية الثانية فأضعف سندا. والحق فيهما أنه حكم خاص في واقعة فلا يتعدى، لان الفعل لا عموم له. هذا على تقدير الاعتناء بهما. وقال المصنف - رحمه الله -: (هذا الاختلاف في حكاية الواقعة أحدث توقيفا) (2). وقال ابن إدريس: (مقتضى أصول المذهب أن القاتلين يقتلان بالمقتولين، فإن اصطلح الجميع على أخذ الدية أخذت كملا من غير نقصان، لان في إبطال القود إبطال القولين، وأما في نقصان الدية فذلك عند من خير بين القصاص وأخذ الدية، وذلك مخالف لمذهب أهل البيت عليهم السلام) (3). ويشكل إثبات القتل على القاتلين بما ذكرناه سابقا. ويمنع منافاة التخيير

(هامش)

 (1) غاية المراد: 399. (2) النهاية ونكتها 3: 424. (3) السرائر 3: 374.(*)

ص 359

 السادسة: روى السكوني (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام، ومحمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، عن علي عليه السلام: في ستة غلمان كانوا في الفرات، فغرق واحد، فشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه، وشهد الثلاثة على الاثنين، فقضى بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين، وخمسين على الثلاثة. وهذه الرواية متروكة بين الاصحاب، فإن صح نقلها كانت حكما في واقعة، فلا تعدى، لاحتمال ما يوجب الاختصاص.

البحث الثاني: في الاسباب

وضابطها: ما لولاه لما حصل التلف، لكن علة التلف غيره، كحفر البئر، ونصب السكين، وإلقاء الحجر، فإن التلف عنده بسبب العثار.

بين القصاص وأخذ الدية لمذهب أهل البيت عليهم السلام. وقد تقدم (2) البحث فيه، وما ورد فيه من الاخبار، وذهاب قوم إليه من علمائنا الاخيار. قوله: (روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام... إلخ). الكلام في سند هاتين الروايتين كما سبق. وفي الحكم مخالفة للاصل، من حيث قبول شهادة المشهود عليه على الشاهد في تلك الواقعة. والموافق للاصل من الحكم أن شهادة السابقين بها إن كانت مع استدعاء الولي وعدالتهم قبلت، ثم لا تقبل شهادة الاخرين للتهمة، وإن كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهم مطلقا، ويكون ذلك لوثا يمكن إثباته بالقسامة. قوله: (في الاسباب وضابطها... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 284 ح 6، التهذيب 10: 239 ح 953، الوسائل 19: 174 ب (2) من أبواب موجبات الضمان. (2) في ص: 224 - 227. (*)

ص 360

ولنفرض لصورها مسائل: الاولى: لو وضع حجرا في ملكه أو مكان مباح، لم يضمن دية العاثر. ولو كان في ملك غيره، أو في طريق مسلوك، ضمن في ماله.

الواجب في إهلاك النفس وما دونها كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبيب إليه حيث لا يجامع المباشرة، وإلا قدمت كما مر (1)، وسيأتي (2) أيضا. وقد تقدم في باب الغصب (3) البحث عن السبب، واختلاف تعريف المصنف إياه ثم وهنا، وأن هذا التعريف أقرب إلى معناه. لكن اختلف كلام المصنف في جعل حفر البئر سببا وعدمه، ففي الغصب (4) جعله من جملة السبب، وسيأتي (5) أيضا ما يفيده، وهنا لم يجعله سببا. والاظهر أن كل واحد من الحفر ووضع الحجر ونصب السكين تصدق عليه السببية، لكن ما ينسب إليه التلف عرفا يخص بالعلة، والباقي بالسببية. ثم إن اتحد السبب مع فقد المباشر فالضمان منسوب إليه. وإن تعدد فالحوالة بالضمان على السبب المتقدم في التأثير لا في العدوان، كوضع الحجر بالنسبة إلى التردي في البئر، وكالتردي مع وضع السكين في قعر البئر، فإن العثار سابق على الوقوع، والوقوع سابق على إصابة السكين، وإن كان وضع الحجر متأخرا عن حفر البئر. هذا كله مع تساويهما في العدوان، وإلا فالضمان على المتعدي. وسيأتي (6) تمام البحث فيه. قوله: (لو وضع حجرا في ملكه... إلخ).

(هامش)

(1) راجع ج 12: 164. (2) في ص: 380. (3، 4) راجع ج 12: 162 - 163. (5) في ص: 381. (*)

ص 361

وكذا لو نصب سكينا، فمات العاثر بها. وكذا لو حفر بئرا أو ألقى حجرا. ولو حفر في ملك غيره، فرضي المالك، سقط الضمان عن الحافر. ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين، قيل: لا يضمن، لان الحفر لذلك سائغ. وهو حسن.

لما ذكر أن الحفر ووضع الحجر ونصب السكين من أسباب الضمان فيالجملة، أشار هنا إلى أنه متى يكون عدوانا لينسب إليه الضمان؟ وذلك يفرض في مواضع. أحدها: أن يفعل ذلك في ملك نفسه، فلا عدوان، حتى لو دخل فيه داخل بإذنه وتردى فيه أو عثر به لم يجب ضمانه، إذا عرفه المالك أن هناك بئرا وشبهه، أو كانت مكشوفة والداخل يتمكن من التحرز. فأما إذا لم يعرفه والداخل أعمى، أو الموضع مظلم، اتجه الضمان، كما لو دعا غيره إلى طعام مسموم فأكله. وفي رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لو أن رجلا حفر بئرا في داره ثم دخل رجل فوقع فيها، لم يكن عليه شي ولا ضمان، ولكن ليغطها) (1). الثاني: أن يفعل ذلك في مباح، كما لو حفر بئرا في موات أو وضع حجرا، فلا ضمان أيضا، لانه جائز كالحفر في الملك. وعلى ذلك [كله] (2) يحمل قوله صلى الله عليه وآله: (البئر جبار) (3).

(هامش)

(1) الكافي 7: 350 ح 6، التهذيب 10: 230 ح 906، الوسائل 19: 180 ب (8) من أبواب موجبات الضمان ح 4. (2) من الحجريتين. (3) الكافي 7: 377 ح 20، التهذيب 10: 225 ح 884، الوسائل 19: 202 ب (32) من أبواب موجبات الضمان ح 2.(*)

ص 362

الثانية: لو بنى مسجدا في الطريق، قيل: إن كان بإذن الامام [عليه السلام]، لم يضمن ما يتلف بسببه. والاقرب استبعاد الفرض.

الثالث: أن يحفر في ملك غيره أو يضع الحجر وشبهه، فإن كان بإذن المالك فهو كما لو فعل ذلك في ملك نفسه. وإن فعل بغير إذن المالك تعلق به الضمان، لكونه عدوانا. ولو رضي المالك بالفعل بعد وقوعه فكالاذن فيه قبله، لزوال العدوان برضاه. ولو كان الفعل في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذن الشريك تعلق به الضمان أيضا، لانه لا يجوز الحفر في الملك المشترك. الرابع: أن يحفر في شارع، فينظر إن كان ضيقا يتضرر الناس بالبئر وجب ضمان ما هلك بها. وإن كان لا يتضرر بها، لسعة الشارع وانعطاف موضع البئر، فينظر أيضا إن كان الحفر للمصلحة العامة، كالحفر للاستقاء والحفر لماء المطر، ففي الضمان قولان: أظهرهما: أنه لا ضمان، لما فيه من المصلحة العامة. والثاني: الضمان. والجواز مشروط بالسلامة، لسبق استحقاق الاستطراق. وربما فرق بين إذن الامام فيه وعدمه، فيضمن مع عدم إذنه مطلقا، بخلاف ما إذا أذن، لانه النائب عن عامة المسلمين والنظر لهم. وإن حفر لغرض نفسه وجب الضمان، لانه لا يختص الاحاد بشيء من طرق المسلمين. وربما احتمل التفصيل بوقوعه بإذن الامام وعدمه. قوله: (لو بنى مسجدا... إلخ).

ص 363

الثالثة: لو سلم ولده لمعلم السباحة فغرق بالتفريط، ضمنه في ماله، لانه تلف بسببه. ولو كان بالغا رشيدا، لم يضمن، لان التفريط منه.

حكم البناء في الطريق حكم الحفر في الضمان (1) وعدمه، لكن لو كان المبني مسجدا بحيث لا يتضرر به المارة، لكون الطريق واسعا زيادة عما يحتاج إليه المارة أو عن المقدر شرعا، فيعثر به إنسان أو بهيمة، أو سقط جداره عليه أو على مال فأهلكه، ففي ضمانه وجهان، من الشك في كون ذلك عدوانا، وكون الفعل على تقدير جوازه مشروطا بالضمان. وقيل: إن كان بناؤه بإذن الامام لم يضمن ما يتلف بسببه، وإلا ضمن. والمصنف - رحمه الله - استبعد الفرض، وهو كون الامام يأذن في بناء مسجد في الطريق. وهذا الاستبعاد في محله إن فرض في موضع يضر بالمارة، أما في المتسع كما ذكرناه فلا بعد فيه. وقد جوز جماعة منهم الشهيد في الدروس (2) إحياء الزائد عن المقدر شرعا، فجعله مسجدا لمصلحة المسلمين عامة أولى. فإن اتفق إذن الامام له في ذلك لم يضمن كما قيل، وإلا فالضمان قوي إن لم نجوز إحياء الزائد. قوله: (لو سلم ولده... إلخ). وجه الضمان مع التفريط واضح، لكونه سببا في تلفه. ولان حفظه واجب عليه، فإذا فرط فيه ضمنه، لانه لا يستقل بحفظ نفسه من الماء الذي أوقعه فيه. وأما كونه في ماله فلانه شبيه عمد، لقصده إلى الفعل دون القتل. والتقييد بالتفريط يؤذن بأنه لا يضمن بدونه. وأطلق جماعة (3) ضمانه

(هامش)

(1) في (ث، خ، ط، م): الضمان مطلقا لكن....(2) الدروس الشرعية 3: 60 - 61. (3) إرشاد الاذهان 2: 226، اللمعة الدمشقية: 181.(*)

ص 364

الرابعة: لو رمى عشرة بالمنجنيق، فقتل الحجر أحدهم، سقط نصيبه من الدية، لمشاركته، وضمن الباقون تسعة أعشار الدية. وتتعلق الجناية بمن يمد الحبال، دون من أمسك الخشب أو ساعد بغير المد. ولو قصدوا أجنبيا بالرمي، كان عمدا موجبا للقصاص. ولو لم يقصدوه، كان خطاء. وفي النهاية (1): إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة، فوقع على أحدهم، ضمن الاخران ديته، لان كل واحد ضامن لصاحبه. وفي الرواية بعد. والاشبه الاول.

مطلقا، لما روي (2) من ضمان الصانع وإن اجتهد وكان حاذقا. وفي التحرير (3) توقف في الضمان على تقدير عدم التفريط. وله وجه. وفي حكم تسليم الولد غيره ممن له الولاية عليه. ولو كان المسلم غير ولي، أو تسلمه السباح بنفسه، ضمن مطلقا. وفي حكم الصبي المجنون، دون البالغ العاقل، لانه في يد نفسه. قوله: (لو رمى عشرة بالمنجنيق... إلخ). إذا عاد حجر المنجنيق على الرامين فقتل واحدا منهم، فقد مات ذلكالواحد بفعله وفعل شركائه، كما في صورة الاصطدام. فإن كانوا عشرة أهدر عشر ديته، وعلى كل واحد من الباقين عشر الدية. ولو قتل اثنين فصاعدا فكذلك. ولو قتل العشرة أهدر العشر من دية كل واحد، ووجب في مال كل واحد من الباقين عشر الدية.

(هامش)

 (1) النهاية: 764. (2) لاحظ الوسائل 13: 271 ب (29) من أبواب أحكام الاجارة. (3) تحرير الاحكام 2: 265. (*)

ص 365

ولو أصاب الحجر غيرهم، نظر إن لم يقصدوا واحدا بعينه، أو أصاب غير من قصدوه، كما إذا عاد الحجر وقتل بعض النظارة، فهو خطاء يوجب الدية على العاقلة. وإن قصدوا شخصا أو جماعة بأعيانهم، فقد جزم المصنف - رحمه الله - والعلامة (1) بوجوب القصاص، لقصدهم إلى فعل ما يقتل غالبا. وهو يتم مع تصور تحقق هذا القصد في المنجنيق، بأن كان المقصود في موضع مقابل بحيث يعلم الرامي أنه إذا سدد الحجر أتى عليه. ولو لم يتفق ذلك فهو شبيه عمد. ولا يخفى أن الفعل لا ينسب إلى ممسك الخشب وصاحب المنجنيق وواضع الحجر، ونحوهم ممن يساعد بغير المد. وفي معنى الاشتراك في المنجنيق اشتراك جماعة في هدم حائط فوقع على أحدهم. ومستند ما ذكره الشيخ في النهاية من ثبوت دية المقتول على الباقين خاصة رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر، فوقع على واحد منهم فمات، فضمن الباقين ديته، لان كل واحد منهم ضامن صاحبه) (2). وفي طريق الرواية ضعف يمنع من العمل بها، مع مخالفتها للقواعد الشرعية.

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 267. (2) الكافي 7: 284 ح 8، الفقيه 4: 118 ح 410، التهذيب 10: 241 ح 958، الوسائل 19: 175 ب (3) من أبواب موجبات الضمان.(*)

ص 366

الخامسة: لو اصطدمت سفينتان بتفريط القيمين وهما مالكان، فلكل منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه. وكذا لو اصطدم الحمالان، فأتلفا أو أتلف أحدهما. ولو كانا غير مالكين، ضمن كل [واحد] منهما، نصف السفينتين وما فيهما، لان التلف منهما، والضمان في أموالهما، سواء كان التالفمالا أو نفوسا. ولو لم يفرطا، بأن غلبتهما الرياح، فلا ضمان. ولا يضمن صاحب السفينة الواقفة، إذا وقعت عليها أخرى، ويضمن صاحب الواقعة لو فرط.

قوله: (لو اصطدمت سفينتان... إلخ). من مسائل الاصطدام ما إذا اصطدمت سفينتان وغرقتا بما فيهما، وكان ينبغي ذكرها مع تلك الصور السابقة (1) في الاصطدام. ومحصل حكم هذه: أن الاصطدام إما أن يكون بفعلهما أولا. فإن كان بفعلهما، نظر إن كانت السفينتان وما فيهما ملكا للملاحين المجريين لهما، فنصف قيمة كل سفينة وما فيها مهدر، ونصف قيمتها وقيمة ما فيها على صاحب السفينة الاخرى، لانهما أتلفاهما وما فيهما بالشركة. فإن هلك الملا حان أيضا فهما كالفارسين يموتان بالاصطدام. وإن كانت السفينة لهما وحملا الاموال والانفس، إما تبرعا أو بأجرة، فينظر إن تعمدا الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مفضيا إلى الهلاك، تعلق بفعلهما القصاص. وعلى كل واحد نصف قيمة ما في السفينتين من الاموال، لا يهدر منها

(هامش)

 (1) راجع ص: 334 - 341. (*)

ص 367

شي، ونصف قيمة السفينة الاخرى، ويهدر نصفها كما تقدم، ويجري القصاص في القدر الذي يشتركان فيه. وإن تعمدا الاصطدام، وكان ما تعمدا به مما لا يفضي إلى الهلاك غالبا، وقد يفضي إليه، فهذا شبيه عمد، والحكم كما بينا، إلا أنه لا يتعلق به القصاص. وإن كانت السفينتان لغير الملا حين، وكانا أجيرين للمالكين أو أمينين [لهما] (1) لم يسقط شي من ضمان السفينتين، بل على كل واحد منهما نصف قيمة كل سفينة. وكل واحد من المالكين بالخيار بين أن يأخذ جميع قيمة سفينتهمن أمينه، ثم هو يرجع بنصفها على أمين الاخر، وبين أن يأخذ نصفها منه والنصف من أمين الاخر. ولو كان المجريان عبدين تعلق الضمان برقبتهما. وإن حصل الاصطدام بغير فعلهما، فإن وجد منهما تقصير، بأن توانيا في الضبط ولم يعدلا بهما (2) عن صوب الاصطدام مع إمكانه، أو سيراهما في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن، أو لم يكملا عدتهما من الرجال والالات، وجب الضمان على ما ذكرناه. وإن لم يوجد منهما تقصير، وحصل الاصطدام بغلبة الرياح وهيجان الامواج، لم يضمنا، لانهما مغلوبان، فأشبه ما إذا حصل الهلاك بصاعقة من السماء. ومهما كان أحد الملا حين عامدا دون الاخر أو مفرطا دون الاخر خص كل واحد منهما بالحكم الذي يقتضيه حاله على ما بين. ولو كانت إحدى السفينتين مربوطة على الشط، فصدمتها السائرة فكسرتها، فالضمان على مجري السفينة مع تفريطه أو تعديه، إذ لا تقصير من الاخر ولا فعل. وكذا البحث في الحمالين.

(هامش)

(1) من (م) والحجريتين. (2) فيما لدينا من النسخ الخطية والحجريتين: يعدلانهما، مع أن النون تسقط جزما، ولعله تصحيف، والصحيح ما أثبتناه. (*)

ص 368

السادسة: لو أصلح سفينة وهي سائرة، أو أبدل لوحا فغرقت بفعله، مثل أن سمر مسمارا فقلع لوحا، أو أراد رم موضع فانهتك، فهو ضامن في ماله ما يتلف من مال أو نفس، لانه شبيه بالعمد. السابعة: لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه، إذا كان في ملكه أو مكان مباح. وكذا لو وقع إلى الطريق، فمات إنسان بغباره. ولو بناه مائلا إلى غير ملكه ضمن، كما لو بناه في غير ملكه. ولو بناه في ملكه مستويا، فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه، ضمن إن تمكن من الازالة. ولو وقع قبل التمكن، لم يضمن ما يتلف به، لعدم التعدي.

قوله: (لو أصلح سفينة... إلخ). أما ضمان الانفس فواضح، لانها تضمن بالعمد والخطاء، وما فعل مقصودله، وإنما أخطاء في قصد القتل، فيكون شبيه عمد. ولو فرض إصابة الالة غير الموضع المقصود بالاصلاح، أو انهتك غير الموضع ونحو ذلك، فهو خطاء محض. وأما ضمان المال مع عدم التفريط فمبني على ضمان الصانع وإن اجتهد. وقد تقدم (1). قوله: (لا يضمن صاحب... إلخ). الحائط المبني في ملك صاحب الجدار لا ضمان فيما يتلف بسببه مطلقا، لان له التصرف في ملكه كيف شاء. وكذا في المكان المباح. ولو كان ملاصقا للشارع، فإن بناه مستويا فسقط من غير ميل ولا استهدام،

(هامش)

(1) في ص: 363 - 364. (*)

ص 369

الثامنة: نصب الميازيب إلى الطرق جائز، وعليه عمل الناس. وهل يضمن لو وقعت فأتلفت؟ قال المفيد - رحمه الله -: لا يضمن. وقال الشيخ: يضمن، لان نصبها مشروط بالسلامة. والاول أشبه.

فلا ضمان أيضا لما يتلف به، لانه تصرف في ملكه، ولم يوجد منه تفريط. ولو بناه مائلا إلى ملكه، أو مال إليه بعد البناء وسقط، فلا ضمان أيضا، لان له أن يبني في ملكه كيف شاء. وإن بناه مائلا إلى الشارع وجب ضمان ما يتولد من سقوطه. وإن بناه مستويا ثم مال إلى الشارع وسقط، فإن لم يتمكن من الهدم والاصلاح فلا ضمان. وإن تمكن ولم يفعل ضمن، لتقصيره بترك النقض والاصلاح. وكذا القول لو سقط في الطريق فلم يرفعه حتى عثر به إنسان أو هلك مال. ولا فرق بين أن يطالبه الحاكم بالنقض وعدمه. وعند بعض (1) العامة أنه لا يضمن إلا مع مطالبته له أو إشهاده عليه فلم ينقضه. والمراد بقوله: (ولو بناه مائلا إلى غير ملكه ضمن) أنه بناه كذلك إلى ملك الجار أو الطريق. وللجار حينئذ منعه ومطالبته بالنقض. وكذا لو مال بعد الاعتدال، كما له المطالبة بإزالة أغصان شجرته إذا انتشرت إلى هواء الغير. وعن أبي حنيفة (2): إن نازع الجار وأشهد تعلق به الضمان حينئذ، وإلا فلا. ولو استهدم الجدار ولم يمل ففي مطالبته بنقضه وجهان، من أنه لم يتجاوز ملكه، ومن لحوق الضرر به كالمائل. وهذا أظهر. قوله: (نصب الميازيب... إلخ).

(هامش)

(1، 2) اللباب في شرح الكتاب 3: 167، الحاوي الكبير 12: 379، المبسوط للسرخسي 27: 9، الفتاوى الهندية 6: 36، الكافي للقرطبي 2: 1127، تبيين الحقائق للزيلعي 6: 147، المحلى لابن حزم 10: 527 - 528، المغني لابن قدامة 9: 573، رحمة الامة: 275. (*)

ص 370

وكذا إخراج الرواشن في الطرق المسلوكة، إذا لم تضر بالمارة. فلو قتلت خشبة بسقوطها، قال الشيخ: يضمن نصف الدية، لانه هلك عن مباح ومحظور. والاقرب أنه لا يضمن مع القول بالجواز. وضابطه: أن كل ما للانسان إحداثه في الطريق، لا يضمن ما يتلف بسببه. ويضمن ما ليس له إحداثه، كوضع الحجر وحفر البئر.

ظاهر الاصحاب وغيرهم الاتفاق على جواز إخراج الميازيب إلى الشوارع، لما فيه من الحاجة الظاهرة، وعليه عمل الناس قديما وحديثا من غير مخالف. ويروى أن عمر مر تحت ميزاب للعباس - رضي الله عنه - فقطرت عليه قطرات فأمر بقلعه، فخرج العباس وقال: (أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده؟! فقال عمر: والله لا ينصبه إلا من يرقى على ظهري، وانحنى للعباس حتى رقى عليه فأعاده إلى موضعه) (1). وليكن الميزاب عاليا لئلا يضر بالمارة. وإذا سقط، أو سقط منه شي فهلك به إنسان أو مال، ففي وجوب الضمان عليه قولان: أحدهما - وهو الذي اختاره الشيخ المفيد (2) وابن إدريس (3) -: أنه لا ضمان، لانه من ضرورة البناء، وللاذن في وضعه شرعا، فلا يتعقب الضمان. والثاني - وهو اختيار الشيخ في المبسوط (4) والخلاف (5) -: الضمان، لانه

(هامش)

(1) مسند أحمد 1: 210. (2) المقنعة: 749. (3) السرائر 3: 370. (4) المبسوط 7: 188 - 189. (5) الخلاف 5: 290 مسألة (119). (*)

ص 371

ارتفاق بالشارع في غير السلوك، فيكون جوازه مشروطا بالسلامة. ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام قال: (من أضر بشي من طريق المسلمين فهو له ضامن) (1). ورواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أخرج ميزابا أو كنيفا، أو أوتد وتدا، أو أوثق دابة، أو حفر بئرا في طريق المسلمين، فأصاب شيئا فعطب، فهو له ضامن) (2). وهي نص في الباب [لو صح سندا] (3). ودعوى الضرورة ممنوعة، لانه يمكنه أن يتخذ لماء السطح بئرا في داره، أو يحدر الماء على الجدار في أخدود من غير إخراج شي. وعلى هذا، فإن كان الميزاب خارجا كله، بأن كان مسمرا (4) بحذاء الحائط، تعلق به جميع الضمان. وإن كان بعضه في الجدار والبعض خارجا، فإن انكسر وسقط الخارج أو بعضه وحصل الهلاك به فكذلك. وإن انقلع من أصله ففي ضمان الجميع كالاول أو البعض قولان، من عموم الاخبار (5)، السابقة بالضمان، ومن أن التلف حصل من

(هامش)

(1) الكافي 7: 350 ح 3، الفقيه 4: 115 ح 395، التهذيب 10: 230 ح 905، الوسائل 19: 179 ب (8) من أبواب موجبات الضمان ح 2. (2) الكافي 7: 350 ح 8، التهذيب 10: 230 ح 908، الوسائل 19: 182 ب (11) من أبواب موجبات الضمان. (3) من (د) وإحدى الحجريتين. (4) كذا في (د، م)، وفي سائر النسخ: مستمرا. (5) الوسائل 19: 182 ب (11) من أبواب موجبات الضمان. (*)

ص 372

فلو أجج نارا في ملكه لم يضمن، ولو سرت إلى غيره، إلا أن تزيد عن قدر الحاجة، مع غلبة الظن بالتعدي، كما في أيام الاهوية. ولو عصفت بغتة، لم يضمن. ولو أججها في ملك غيره، ضمن الانفس والاموال في ماله، لانه عدوان مقصود. ولو قصد إتلاف الانفس، مع تعذر الفرار، كانت عمدا.

مباح مطلق ومباح مشروط بالسلامة. وهذا [هو] (1) اختيار العلامة (2) وجماعة (3). ثم في قدر الواجب حينئذ وجهان: أظهرهما: أن الواجب نصفه، توزيعا على النوعين، لان الضمان يحال على السببين من غير التفات إلى زيادة أحدهما على الاخر، كما لو ضربه كل منهما ضربة فهلك، وكان ضرب أحدهما أقوى من الاخر. والثاني: أنه يوزع على الداخل والخارج، فيجب قسط الخارج. وعليه، فهل يوزع باعتبار الوزن أو المساحة؟ وجهان. وكذا يجوز الخراج الرواشن في الشوارع إذا لم تضر بالمارة، بأن تكون رفيعة لا يتضرر بها الراكب والحامل وغيرهما. ولو أضر منع، وضمن ما تولد منه.وكذا القول في الساباط العالي. والخلاف في الضمان بما يسقط من خشبه كالميزاب، من عموم الاخبار (4)، والاذن فيها شرعا، مع القدح في دلالة الخبر الاول وسند الثاني. قوله: (فلو أجج نارا... إلخ).

(هامش)

(1) من (د) والحجريتين. (2) قواعد الاحكام 2: 315. (3) إيضاح الفوائد 4: 665 - 666. (4) الوسائل 19: 182 ب (11) من أبواب موجبات الضمان. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج15

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب