ص 373
ولو بالت دابته في الطريق، قال الشيخ: يضمن لو زلق فيه إنسان. وكذا لو ألقى قمامة
المنزل المزلقة، كقشور البطيخ، أو رش الدرب بالماء. والوجه اختصاص ذلك بمن لم ير
الرش، أو لم يشاهد القمامة.
قد تقدم البحث في تأجيج النار في ملك الانسان فسرت إلى
ملك غيره في باب الغصب (1)، فليراجع ثم. ولا إشكال في الضمان على تقدير إضرامها في
ملك الغير، لانه عدوان محض، سواء قصد الاتلاف به أم لا. ثم إن قصده وكان مما يقتل
غالبا، فإن كان الهالك نائما، أو لم يمكنه الفرار، فهو عمد محض، وإلا فهو شبيه عمد.
هذا حكم الانفس. أما المال فيضمنه في ماله مطلقا كغيره. قوله: (ولو بالت دابته...
إلخ). وضع هذه الاشياء ونحوها في الطريق قد جرت العادة به على ممر الاعصار، كنصب
الميازيب. والخلاف في الضمان بما يتلف بسببها قريب من الخلاف فيها. فالشيخ (2) -
رحمه الله - جعل الارتفاق بالطريق مشروطا بسلامة العاقبة، كما تقدم. والمصنف - رحمه
الله - خص الضمان في غير بول الدابة بمن لم ير الرش والقمامة، وسكت عن حكم بول
الدابة، مقتصرا على حكايته عن الشيخ (3).
(هامش)
(1) راجع ج 12: 166. (2) المبسوط 8: 80. (3) المبسوط 7: 189. (*)
ص 374
التاسعة: لو وضع إناء على حائطه، فتلف بسقوطه نفس أو مال، لم يضمن، لانه تصرف في
ملكه من غير عدوان.
ووجه التخصيص أن من رأى ذلك يكون مباشرا وسببا (1) في إتلاف
نفسه،بخلاف غير الرائي، فإن السبب هو فاعل هذه الاشياء. والوجه الضمان حينئذ، لان
الطريق لم يوضع لذلك، فيكون وضعها مشروطا بالسلامة. ولكن يشكل الامر في بول الدابة،
لانه أمر اضطراري لا اختيار لصاحب الدابة فيه، بخلاف إلقاء هذه الاشياء ونحوها. وفي
القواعد (2) رجح عدم الضمان إلا مع الوقوف بالدابة. ثم استشكل الحكم. ووجه
الاستشكال: أن المشي بالدابة هو فائدة الاستطراق، والبول ضروري، فلا تقصير، بخلاف
الوقوف، فإن الطريق لم توضع له. ويشكل بما إذا حصل حالة البول خاصة، فإن هذا
المقدار من ضرورات السير عادة، كالمشي في غيره. قوله: (لو وضع إناء... إلخ). هذا
إذا كان مستقرا على العادة، وإلا ضمن للعدوان، بتعريضه (3) للوقوع. ومثله ما لو
وضعه على سطحه أو في (4) شجرته الموضوعة في ملكه أو مباح.
(هامش)
(1) في (د): أو سببا، وفي (خ، ط): ومسببا. (2) قواعد الاحكام 2: 316. (3) في (أ، د)
والحجريتين: بتفريطه. (4) في (د): على. (*)
ص 375
العاشرة: يجب حفظ دابته الصائلة، كالبعير المغتلم والكلب العقور. فلو أهمل، ضمن
جنايتها. ولو جهل حالها أو علم ولم يفرط، فلا ضمان. ولو جنى على الصائلة جان، [فإن
كان] للدفع لم يضمن. ولو كان لغيره ضمن. وفي ضمان جناية الهرة المملوكة تردد، قال
الشيخ (1): يضمن بالتفريط مع الضراوة. وهو بعيد، إذ لم تجر العادة بربطها. نعم،
يجوز قتلها.
قوله: (يجب حفظ دابته الصائلة... إلخ). يدل على ضمان ما يجنيه البعير
المغتلم (2) ونحوه رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن بختي
اغتلم فقتل رجلا، ما على صاحبه؟ قال: عليه الدية) (3). هذا إذا علم بحاله ففرط في
حفظه، وإلا فلا ضمان، لعدم التقصير. وفي رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله
عليه السلام: (أن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفحل أول مرة لم يضمن
صاحبه، فإذا ثنى ضمن صاحبه) (4).
(هامش)
(1) المبسوط 8: 79.(2) الغلمة: هيجان شهوة النكاح من المرأة والرجل وغيرهما، يقال:
غلم غلمة واغتلم اغتلاما. لسان العرب 12: 439. (3) التهذيب 10: 226 ح 891، الوسائل
19: 187 ب (14) من أبواب موجبات الضمان ح 3. (4) الكافي 7: 353 ح 13، التهذيب 10:
227 ح 892، الوسائل 19: 187 الباب المتقدم ح 2. (*)
ص 376
الحادية عشرة: لو هجمت دابة على أخرى، فجنت الداخلة، ضمن صاحبها. ولو جنت المدخول
عليها، كان هدرا. وينبغي تقييد الاول بتفريط المالك في الاحتفاظ.
وفيه إشارة إلى
التفصيل، لانه في أول مرة لا يعلمه المالك غالبا، وفي المرة الثانية يعلم به. وفي
حكم الثانية ما إذا طال زمان الاولى بحيث علم به، واستمر كذلك بعد العلم قادرا على
حفظه. ولا يضمن دافع الصائل عن نفسه، لان دفعه حينئذ جائز إن لم يكن واجبا، فلا
يتعقبه ضمان. ووجه التردد في ضمان جناية الهرة الضارية مما ذكر في غيرها، ومن ثبوت
الفرق، فإن العادة قاضية بحفظ الدواب وربطها، بخلاف الهرة. وأما جواز قتلها والحال
هذه فظاهرهم الاتفاق عليه، كغيرها من المؤذيات. قوله: (لو هجمت دابة على أخرى...
إلخ). التفصيل الاول بضمان جناية الداخلة دون المدخول عليها للشيخ (1) وجماعة (2)،
استنادا إلى ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن ثورا قتل حمارا على عهد النبي
صلى الله عليه وآله، فرفع ذلك إليه وهو في أناس من أصحابه منهم أبو بكر وعمر، فقال:
يا أبا بكر اقض بينهم. فقال: يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شي. فقال: يا
عمر اقض بينهم.
(هامش)
(1) النهاية: 762. (2) المقنعة: 748، المراسم: 241، المهذب 2: 497. (*)
ص 377
الثانية عشرة: من دخل دار قوم، فعقره كلبهم، ضمنوا إن دخل بإذنهم، وإلا فلا
ضمان.
فقال مثل قول أبي بكر. فقال: يا علي اقض بينهم. فقال: نعم يا رسول الله، إن
كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور، وإن كان الحمار دخل على
الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم. فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده إلى
السماء وقال: الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين) (1). والرواية ضعيفة
السند بجماعة. والتفصيل بتفريط مالك الداخل في احتفاظه فيضمن وعدمه فلا يضمن، كما
اختاره المصنف وأكثر المتأخرين (2)، قوي. أما المدخول عليها فلا ضمان بسببها مطلقا،
لعدم التقصير من مالكها. قوله: (من دخل دار قوم... إلخ). هذا الحكم بهذا التفصيل
مشهور بين الاصحاب. ومستنده أخبار كثيرة لا تخلو من ضعف في السند وإرسال. منها
رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم، فقال: لا ضمان عليهم، وإن دخل بإذنهم
ضمنوا) (3).
(هامش)
(1) الكافي 7: 352 ح 6، التهذيب 10: 229 ح 901، الوسائل 19: 191 ب (19) من أبواب
موجبات الضمان ح 1. (2) إرشاد الاذهان 2: 227، المقتصر: 447، اللمعة الدمشقية: 182.
(3) الكافي 7: 353 ح 14، التهذيب 10: 213 ح 841، الوسائل 19: 190 ب (17) من أبواب
موجبات الضمان ح 2. (*)
ص 378
الثالثة عشرة: راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها. وفيما تجنيه برأسها تردد، أقربه
الضمان، لتمكنه من مراعاته. وكذا القائد. ولو وقف بها، ضمن ما تجنيه بيديها
ورجليها. وكذا إذا ضربها فجنت، ضمن. وكذا لو ضربها غيره، ضمن الضارب. وكذا
السائقيضمن ما تجنيه. ولو ركبها رديفان، تساويا في الضمان. ولو كان صاحب الدابة
معها، ضمن دون الراكب. ولو ألقت الراكب، لم يضمنه المالك، إلا أن يكون بتنفيره.
وإطلاق النص (1) والفتوى (2) يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الكلب حاضرا في الدار عند
الدخول وعدمه، ولا بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه. قوله: (راكب الدابة يضمن ما
تجنيه... إلخ). مستند هذا التفصيل روايات كثيرة، منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام، أنه سئل عن الرجل يمر على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابته إنسانا
برجلها، قال: (ليس عليه ما أصابت برجلها، ولكن عليه ما أصابت بيدها، لان رجلها خلفه
إن ركب، وإن كان قائدها فإنه يملك بإذن الله يدها يضعها حيث يشاء) (3).
(هامش)
(1) الوسائل 19: 190 ب (17) من أبواب موجبات الضمان ح 2، 3. (2) النهاية: 762،
المهذب 2: 497، السرائر 3: 372، قواعد الاحكام 2: 316، اللمعة الدمشقية: 182. (3)
الكافي 7: 351 ح 3، الفقيه 4: 115 ح 397، التهذيب 10: 225 ح 888، الاستبصار 4: 284
ح 1074، الوسائل 19: 184 ب (13) من أبواب موجبات الضمان ح 3. (*)
ص 379
وكذا لو قال: مزق ثوبك وعلي ضمانه، أو اجرح نفسك، لانه ضمان ما لم يجب، ولا ضرورة
فيه. ولو قال عند الخوف: ألق متاعك وعلي ضمانه مع ركبان السفينة، فامتنعوا، فإن
قال: أردت التساوي، قبل، ولزمه بحصته. والركبان إن رضوا، لزمهم الضمان، [وإلا فلا].
ولو قال: وقد أذنوا لي، فأنكروا بعد الالقاء، صدقوا مع اليمين، وضمن هو الجميع.
هذه
الصورة تذكر في هذا الموضع لتعلقها بحال السفينة التي جرى (1) الكلام في اصطدامها،
وإلا فلا اختصاص لها بالباب، وقد تذكر في كتاب الضمان لمناسبة بعض أفرادها له.
والمقصود: أن السفينة إذا أشرفت على الغرق يجوز إلقاء بعض أمتعتها في البحر، وقد
يجب رجاء نجاة الراكبين إذا خفت. ويجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي الروح. ولا
يجوز إلقاء الحيوان إذا حصل الغرض بغيره. وإذا مست الحاجة إلى إلقاء الحيوان قدمت
الدواب لابقاء الادميين. والعبيد كالاحرار. وإذا قصر من لزمه الالقاء فلم يلق حتى
غرقت السفينة فعليه الاثم لا الضمان، كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك.
ولا يجوز إلقاء المال في البحر من غير خوف، لانه إضاعة للمال. إذا تقرر ذلك، فلو
ألقى متاع نفسه، أو متاع غيره بإذنه رجاء السلامة، فلا ضمان على أحد. ولو ألقى متاع
غيره بغير إذنه وجب الضمان، لانه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه إلى
الاتلاف، فصار كما إذا أكل المضطر طعام
(هامش)
(1) راجع ص: 366. (*)
ص 384
الغير، وليس كما إذا صالت عليه بهيمة فأتلفها دفعا.وذهب بعض (1) العامة إلى أنه لا
ضمان على الملقي هنا. والفرق بين إلقاء متاع نفسه لتخليص غيره من الغرق، وإطعام
المضطر قهرا، حيث يرجع عليه بقيمة الطعام دون المتاع: أن ملقي المتاع إن كان يشمله
الخوف - بأن كان بين (2) ركاب السفينة المشرفة على الغرق - فهو ساع في تخليص نفسه
مؤدي (3) واجب عليه، وإن حصل بذلك تخليص غيره، فلا يرجع على غيره، بخلاف صاحب
الطعام مع المضطر. وإن كان صاحب المتاع على الشط أو في زورق لا خوف عليه، فالفرق أن
المطعم مخلص لا محالة ودافع للتلف الذي يفضي إليه الجوع، وملقي المتاع غير دافع
لخطر الغرق، بل احتمال الغرق قائم على تقدير الالقاء، وإن كان أضعف منه بدونه.
وبعضهم أجرى الوجهين فيما إذا ألقى المتاع ولا خوف عليه. ولو قال لغيره: ألق متاعك
في البحر وعلي ضمانه، أو على أني ضامن، أو على أني أضمن قيمته، فألقاه، فعلى
الملتمس الضمان، لانه التماس إتلاف بعوض له فيه غرض صحيح، فصار كما لو قال: أعتق
عبدك وعلي (4) كذا، فأعتق. وليس هذا على حقيقة الضمان وإن سمي به، وإنما هو بذل مال
لتخليص عن الهلاك، فهو كما لو قال: أطلق هذا الاسير ولك علي كذا، فأطلقه. ولو اقتصر
على قوله: ألقه في البحر، ولم يقل: وعلي ضمانه، لم يضمن.
(هامش)
(1) لم نعثر عليه. (2) في (أ) والحجريتين: من. (3) في (د): مؤد واجبا.(4) كذا في
(أ، خ، د)، وفي سائر النسخ: على. (*)
ص 385
والفرق بينه وبين قوله (أد ديني) فأداه، حيث يرجع عليه: أن أداء دينه ينفعه لا
محالة، وإلقاء المتاع قد يفضي إلى النجاة وقد لا يفضي إليها، فلا يضمن إلا مع
التصريح به. ويعتبر قيمة الملقى حين الالقاء، لانه وقت الضمان. ويحتمل اعتبارها قبل
هيجان الامواج، لان المال لا قيمة له في تلك الحالة. ثم الضمان إنما يجب على
الملتمس بشرطين: أحدهما: أن يكون الالتماس عند خوف الغرق. فأما في غير حال الخوف
فلا يقتضي الالتماس الضمان، سواء قال: على أني ضامن، أم لم يقل، كما لو قال: اهدم
دارك أو مزق ثوبك أو اجرح نفسك، ففعل. هذا هو الاظهر في الحكم، بل ادعى عليه الشيخ
في المبسوط (1) الاجماع. ولكن المصنف - رحمه الله - تردد في الحكم عند عدم الخوف.
ووجه التردد: من عدم الفائدة، والاجماع المدعى، وكون الضمان على خلاف الاصل، وإنما
ترك العمل به مع الخوف للمصلحة فيبقى الباقي. ومن عموم (2) الامر بالوفاء بالعقود،
وهو عام إلا ما خصه الدليل، ولا مخصص هنا. وهو ضعيف، لوجود المخصص. والثاني: أن لا
يختص فائدة الالقاء بصاحب المتاع. فلو اختص به بطل، ولم يحل له أخذه، لانه فعل ما
هو واجب عليه لمصلحة نفسه، فلا يستحق بهعوضا، كما لو قال للمضطر: كل طعامك وأنا
ضامن، فأكل، فإنه لا يرجع على
(هامش)
(1) المبسوط 7: 171. (2) المائدة: 1. (*)
ص 386
الملتمس. ويحتمل هنا الضمان، وهو الذي يقتضيه إطلاق كلام المصنف - رحمه الله - لانه
قد ضمن، والاصل الصحة. وجوابه كما سبق. واعلم أن فائدة التخليص بإلقاء المتاع تفرض
على وجوه: أحدها: أن يختص بصاحب المتاع، كما إذا كان في السفينة المشرفة راكب
ومتاعه، فقال له غيره من الشط أو من سفينة أخرى بقربها: ألق متاعك في البحر وعلي
ضمانه، فألقى، لم يجب الضمان كما تقرر. وثانيها: أن يختص بالملتمس، بأن أشرفت
سفينته على الغرق وفيها متاع لغيره وهو خارج منها، فقال له: ألق (1) متاعك في البحر
وعلي ضمانه، فيجب الضمان إذا ألقى. ولا فرق بين أن تحصل السلامة أو لا تحصل، حتى
إذا هلك الملتمس يكون الضمان في تركته، لان المصحح رجاء الخلاص، وهو غرض صحيح عقلا
وشرعا. وثالثها: أن يختص بغيرهما، بأن كان الملتمس وصاحب المتاع خارجين من السفينة،
وفيها جماعة مشرفون على الغرق، فيجب الضمان على الملتمس أيضا، لان تخليص من فيها
غرض صحيح. ورابعها: أن يرجع فائدة التخليص إلى ملقي المتاع وغيره، والملتمس خارج من
السفينة. وفيما يجب وجهان: أصحهما: أنه يجب جميع الضمان، لان فيه تخليص غير مالك
المتاع، وهو يكفي مقصدا (2) للالزام (3).
(هامش)
(1) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل الصحيح: القي، كما لا يخفى. (2) في (م):
قصدا. (3) كذا في (خ، م)، وفي سائر النسخ: الالتزام. (*)
ص 387
والثاني: أنه يقسط المال الملقى على مالكه وعلى سائر من فيها، فيسقط قسط المالك
ويجب الباقي. فلو كان معه واحد وجب نصف الضمان، أو اثنان فالثلث، وهكذا، بناء على
عدم صحة الضمان لمصلحة المالك، وقد تقدم.وخامسها: أن يكون في الالقاء تخليص الملتمس
وغيره، بأن كان الملتمس بعض الركبان من بعض، فيجب الضمان على الملتمس، لان له غرض
تخليصه وتخليص غيره. ويجي الاحتمال في سقوط حصة المالك. وهو ضعيف. ومن فروع الباب
ما لو قال: ألق متاعك وعلي ضمانه مع ركبان السفينة، أو: وأنا وركبان السفينة
ضامنون، ونحو ذلك، فإن قال: كل منا ضامن للجميع ونحوه فعليه ضمان الجميع. ولو قال:
كل واحد بالحصة، لزمه ما يخصه. وإن أطلق رجع إليه في قصد أحد الامرين. فإن رضوا
بذلك لزمهم كما ذكر. وإن امتنعوا أو (1) أنكروا لزمه بحسب ما ضمن. وإن قال: قد
أذنوا لي في الضمان، فأنكروا، فإن كان قبل الالقاء ضمن حصته حيث يكون الضمان للحصة
لا غير بغير إشكال، لان التقصير من المالك حيث لم يتوثق بالاشهاد عليهم. وإن كان
إنكارهم بعد الالقاء فقد قطع المصنف - رحمه الله - بضمان الملتمس الجميع. وهو يتم
مع إرادة ضمان كل واحد الجميع بغير إشكال. ووجهه مع إرادة التخلص [له] (2): أنه قد
غر المالك حيث أخبره بضمانهم، فيرجع عليه عند فواته منهم، كما لو قدم طعام المغصوب
منه إلى المالك.
(هامش)
(1) في (ث، م): وأنكروا. (2) من الحجريتين. (*)
ص 388
ومن لواحق
هذا الباب
مسائل الزبية:
فلو وقع واحد في زبية الاسد، فتعلق بثان، وتعلق
الثاني بثالث، والثالث برابع، فافترسهم، فيه روايتان. إحداهما: رواية محمد بن قيس
(1)، عن أبي جعفر عليه السلام،
وفيه قول آخر بضمان حصته خاصة، لاستناد التفريط إلى
المالك حيث لم يتوثق لنفسه، ومن الجائز كون الملتمس صادقا في خبره، فكونه غارا
مطلقا ممنوع. وهذا متجه. واعلم أن المتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه، حتى لو لفظه
البحر على الساحل أو اتفق الظفر به فهو لمالكه، ويسترد الضامن المبذول إن لم تنقص
قيمة المتاع. ولو نقص لزمه من المبذول بنسبة النقص. وهل للمالك أن يمسك ما أخذ ويرد
بدله؟ فيه وجهان تقدم (2) مثلهما في المغصوب إذا رد الغاصب بدله لتعذرالعين ثم
وجدت، وأولى بلزوم المعاوضة هنا. قوله: (مسائل الزبية). الزبية هي بضم الزاي حفيرة
تحفر للاسد. قيل: سميت بذلك لانهم كانوا يحفرونها في موضع عال، والرابية التي لا
يعلوها الماء تسمى الزبية، ومنه المثل [السائر] (3): بلغ السيل الزبى. قوله: (فلو
وقع واحد... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 286 ح 3، التهذيب 10: 239 ح 951، الوسائل 19: 176 ب (4) من أبواب
موجبات الضمان ح 2. (2) في ج 12: 200. (3) من إحدى الحجريتين. (*)
ص 389
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام: في الاول فريسة الاسد، وغرم أهله ثلث الدية
للثاني، وغرم الثاني لاهل الثالث ثلثي الدية، وغرم الثالث لاهل الرابع الدية كاملة.
والثانية: رواية مسمع (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام أن عليا عليه السلام قضى:
أن للاول ربع الدية، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية كاملة،
وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا. والاخيرة ضعيفة الطريق إلى مسمع، فهي إذن ساقطة.
والاولى مشهورة، لكنها حكم في واقعة. ويمكن أن يقال: على الاول الدية للثاني،
لاستقلاله بإتلافه، وعلى الثاني دية الثالث، وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى.
فإن قلنا بالتشريك بين مباشر الامساك والمشارك في الجذب، كان على الاول دية ونصف
وثلث، وعلى الثاني نصف وثلث، وعلى الثالث ثلث دية لا غير.
هذه الواقعة مشهورة في
كتب الخاصة والعامة (2) من قضاء علي عليه السلام. وفيها عنه عليه السلام روايتان
مختلفتان من طرق الاصحاب، وهما اللتان ذكرهما المصنف رحمه الله. وفي طريق كل واحدة
منهما ضعف. فالاولى باشتراك محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السلام بين الثقة
وغيره. والثانية بجماعة منهم سهل بن زياد، وهو عامي، وابن شمون وهو غال، والاصم وهو
ضعيف.
(هامش)
(1) الكافي 7: 286 ح 2، التهذيب 10: 239 ح 952، الوسائل 19: 175 الباب المتقدم ح 1.
(2) مسند أحمد 1: 77 و128 و152، سنن البيهقي 8: 111، تلخيص الحبير 4: 30 ح 1712.
(*)
ص 390
والمشهور في رواية الجمهور (1) عن علي عليه السلام يوافق الرواية الثانية. وطعنوا
في طريقها أيضا. ونقل في المبسوط (2) عنهم أنهم رووا عنه عليه السلام أن للثاني
ثلثي الدية، لانه هلك فوقه اثنان، فيكون رواية ثالثة. والمصنف - رحمه الله - هنا
اطرح الرواية الثانية لضعفها، وقصر الاولى على واقعتها من غير رد لها، حيث إنها
مشهورة بين الاصحاب. وعمل بمضمونها جماعة (3) منهم، ومال إلى العمل بها في النكت
(4). ووجهوها: بأن الاول لم يقتله أحد، والثاني قتله الاول، وقتل هو الثالث
والرابع، فقسطت الدية على الثلاثة، فاستحق منها بحسب ما جني عليه، وسقطبحسب ما
جناه، والثالث قتله اثنان وقتل هو واحدا، فاستحق ثلثي الدية كذلك، والرابع قتله
الثلاثة، فاستحق تمام الدية. وهذا توجيه ضعيف، فإنه لا يلزم من قتله لغيره سقوط حقه
عن قاتله. وربما قيل: بأن دية الرابع على الثلاثة بالسوية، لاشتراكهم في سببية
قتله، وإنما نسبها إلى الثالث لانه استحق على من قتله ثلثي الدية، فيضيف إليهما
ثلثا آخر ويدفعه إلى أولياء الرابع، كما أن الثاني استحق على الاول ثلثا، فأضاف
إليه ثلثا آخر ودفعه إلى أولياء الثالث. وهذا مع مخالفته للظاهر لا يتم في الاخرين،
لاستلزامه كون دية الثالث على الاولين ودية الثاني على الاول، إذ لا مدخل لقتله من
بعده في إسقاط حقه كما مر.
(هامش)
(1) انظر الهامش (2) في الصفحة السابقة. (2) المبسوط 7: 192. (3) المقنعة: 750،
النهاية: 763 - 764، الوسيلة: 455. (4) النهاية ونكتها 3: 426. (*)
ص 391
ووجهت الثانية: بأن الاول مات بالوقوع في الزبية ووقوع الثلاثة فوقه، ووقوعهم نتيجة
فعله، فلم يتعلق به (1) ضمان، فيسقط ثلاثة أرباع الدية، لكون ثلاثة أرباع السبب من
فعله، ويجب له ربع الدية على الحافر بتقدير كون حفره وقع عدوانا. وموت الثاني بجذب
الاول ووقوع الاثنين فوقه، ووقوعهما من نتيجة فعله، فوجب ثلث الدية. وموت الثالث من
جذب الثاني ووقوع الرابع فوقه، وذلك من فعله، فوجب النصف. وباتفاق الروايات والاوجه
تجب دية الرابع بكمالها، لانه لم يتسبب بشي. وإنما يحصل الاختلاف فيمن يجب عليه.
ويبقى فيها - مع ضعفها - إيجاب الدية على العاقلة، مع أن القتل إما عمد أو شبهه،
وكلاهما يمنع تعلق العاقلة به عندنا. نعم، يجري على مذهب العامة (2)، لانهم يوجبون
دية شبيه العمد على العاقلة كالخطاء المحض. وحيث يطرح الخبران لما ذكر فما وجهه
المصنف أخيرا هو الوجه،لاستقلال كل واحد بإتلاف من أمسكه. هذا إذا لم نقل بالتشريك
بين المباشر للامساك والمشارك (3) في الجذب، بل قلنا بتقديم المباشر. ولو قلنا
بالتشريك، لان لكل فعلا، كان على الاول دية الثاني، لاستقلاله بإتلافه، ونصف دية
الثالث، لانه تلف بجذبه وجذب الاول، وثلث دية الرابع، لانه تلف بجذب الثلاثة إياه.
وعلى الثاني نصف دية الثالث وثلث دية الرابع، لما ذكر. وعلى الثالث ثلث دية لا غير.
(هامش)
(1) في (خ): بهم. (2) اللباب في شرح الكتاب 3: 152، الحاوي الكبير 12: 212، المغني
لابن قدامة 9: 492، روضة الطالبين 7: 120. (3) في (ت) والحجريتين: والمباشر. (*)
ص 392
ولو جذب إنسان غيره إلى بئر، فوقع المجذوب، فمات الجاذب بوقوعه عليه، فالجاذب هدر.
ولو مات المجذوب، ضمنه الجاذب، لاستقلاله بإتلافه. ولو ماتا، فالاول هدر، وعليه دية
الثاني في ماله. ولو جذب الثاني ثالثا، فماتوا بوقوع كل [واحد] منهم على صاحبه،
فالاول مات بفعله وفعل الثاني، فيسقط نصف ديته، ويضمن الثاني النصف. والثاني مات
بجذبه الثالث عليه وجذب الاول، فيضمن الاول نصف ديته، ولا ضمان على الثالث. وللثالث
الدية. فإن رجحنا المباشرة، فديته على الثاني. وإن شركنا بين القابض والجاذب،
فالدية على الاول والثاني نصفين.
قوله: (ولو جذب إنسان... إلخ). إذا وقع في البئر
واحد بعد واحد فهلكوا أو بعضهم، فإما أن يكون وقوع الثاني بجذب الاول أو بغير جذبه.
فهنا حالتان اقتصر المصنف - رحمه الله - على الثانية (1) منهما. الاولى: أن يقع من
غير أن يجذبه الاول. فإن مات الاول فالثاني ضامن،لانه أتلفه بفعله (2) ووقوعه عليه،
فكان كما لو رماه بحجر فقتله. وما الذي يلزمه؟ ينظر إن تعمد إلقاء نفسه عليه، ومثله
يقتل مثله غالبا، فعليه القصاص. وإن تعمده لكن لا يقتل مثله غالبا، ولا قصده، فهو
شبيه عمد. وإن لم يتعمد وتردى في البئر بغير اختياره، أو لم يعلم بوقوع الاول، فهو
خطاء محض.
(هامش)
(1) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل الصحيح: على الاولى، كما لا يخفى على
المتأمل. (2) في (ث، د): بثقله. (*)
ص 393
ثم هل يجب على الثاني كمال الدية أو نصفها؟ وجهان، من استناد موت الاول إلى وقوع
الثاني عليه، لان المفروض كون الوقوع في البئر لا يقتل عادة. وهو الذي اختاره في
القواعد (1). ومن استناد موته إلى سببين، وهما: الوقوع في البئر ووقوع الثاني عليه،
فيلزمه نصف الدية، ويكون النصف الاخر على الحافر إن كان الحفر عدوانا، وإلا فهو
مهدر. وهذا إذا كان الوقوع له أثر في الهلاك. أما لو وصل الاول إلى البئر ولم ينصدم
(2)، ثم وقع عليه الثاني، تعلق بوقوعه كمال الدية. وإن مات الثاني، فإن تعمد إلقاء
نفسه [فمات] (3) فيها، أو لم يكن الحفر عدوانا، فهو هدر، وإلا تعلق الضمان بالحافر.
وإن ماتا معا فالحكم في حق كل واحد على ما بيناه. وعليه يتفرع ما لو وقع ثلاثة
فصاعدا. الحالة الثانية: أن يقع الثاني في البئر بجذب الاول، بأن يزلق على طرف
البئر فجذب غيره فوقع ووقع المجذوب فوقه فماتا. فالثاني هلك بجذب الاول، فكأنه أخذه
فألقاه في البئر، إلا أنه قصد الاستمساك والتحرز عن الوقوع، فكان شبيه عمد. وأما
الاول، فإن كان الحفر عدوانا ففيه وجهان: أحدهما: أنه مهدر [و] (4) لا يتعلق شي من
ضمانه بحافر البئر، لان الحفر
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 317. (2) في (د، م): ينعدم. (3) من (أ، ث، ط).(4) من (م)
والحجريتين. (*)
ص 394
سبب والذي وجد منه - وهو جذب الثاني - مباشرة، فصار كما إذا حفر بئرا عدوانا وطرح
فيها آخر نفسه، فإنه لا يجب على الحافر ضمانه. والثاني: أنه يجب نصف ديته على
الحافر، ويهدر النصف، لهلاكه بالسببين. وابتداء السقوط لم يكن بفعله، والجذب وجد
بعد ذلك. وبهذا يخالف ما إذا طرح نفسه في البئر قصدا، فإنه أحدث سبب الهلاك
باختياره. وإن لم يكن الحفر عدوانا فالاول مهدر بغير إشكال. ولو جذب الثاني ثالثا
وماتوا جميعا، فالاول فيه وجهان: أحدهما: أنه يهدر نصف ديته، لجذبه الثاني، ويجب
نصفها على الثاني، لجذبه الثالث، فإنه مات بفعلهما. وهذا مبني على أن الحفر لا أثر
له مع الجذب، وهو الذي اقتصر المصنف عليه. والثاني: أنه مات بثلاثة أسباب: صدمة
البئر، وثقل الثاني والثالث كما مر، فيهدر لما حصل بفعله - وهو ثقل الثاني - ثلث
الدية. وينظر بعد ذلك، إن كان الحفر عدوانا فثلثها على حافر البئر، وثلثها على
الثاني، لجذبه الثالث. وإن لم يكن الحفر عدوانا أهدر ثلث آخر، ووجب الثلث على
الثاني. وأما الثاني، فإنه مات بجذب الاول، وإلقائه إياه في البئر، وبثقل الثالث،
وثقل الثالث حصل بفعله، فيهدر نصف ديته، ويجب نصفها على الاول. ولا أثر للحفر في
حقه إذا جذب وألقي فيها. وأما الثالث، فإنه لم يوجد منه ما يؤثر في هلاكه، فيجب
تمام ديته. وعلى من يجب؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه على الثاني، لانه الذي جذبه وأوقعه
في البئر.
ص 395
ولو جذب الثالث رابعا، فمات بعض على بعض، فللاول ثلثا الدية، لانه مات بجذبه الثاني
عليه، وبجذب الثاني الثالث عليه، وبجذب الثالث الرابع، فيسقط ما قابل فعله، ويبقى
الثلثان على الثاني والثالث، ولا ضمان على الرابع.وللثاني ثلثا الدية أيضا، لانه
مات بجذب الاول، وبجذبه الثالث [وهو فعل نفسه]، وبجذب الثالث الرابع عليه، فيسقط ما
قابل فعله، ويجب الثلثان على الاول والثالث. وللثالث ثلثا الدية أيضا، لانه مات
بجذبه الرابع، وبجذب الثاني والاول له. أما الرابع فليس عليه شي، وله الدية كاملة.
فإن رجحنا المباشرة فديته عليه. وإن شركنا، كانت ديته أثلاثا بين الاول والثاني
والثالث.
البئر، وتوزع الدية على الثلاثة، وأحدها بفعله، فيسقط ما قابل فعله وهو جذبه
الثاني، ويجب ثلث على الثاني، لجذبه الثالث، وثلث على الثالث، لجذبه الرابع، ولا شي
على الرابع، لعدم تعديه. ويجب للثاني أيضا ثلثا الدية، لموته بثلاثة أسباب: جذب
الاول إياه وثقل الثالث والرابع، فيهدر ثلث ديته في مقابلة فعله، ويجب ثلثها على
الاول، والثلث على الثالث. وللثالث ثلثا الدية أيضا، لموته بثلاثة أسباب، أحدها
بفعله وهو جذبه الرابع، فيسقط منها ما قابله، ويجب ثلثا ديته على الاول والثاني،
لان الاول جذب الثاني، والثاني جذب الثالث، فكأنهما شاركاه في إهلاك نفسه. وهذا
مبني على عدم اعتبار الحفر، لان أفعالهم مباشرة، فيقدم على الحفر الذي هو السبب.
والثاني: أن يعتبر معها صدمة البئر، فتجعل الاسباب أربعة، ويهدر ربع دية الاول،
لجذبه الثاني، ويجب الربع على الحافر إن كان الحفر عدوانا، ويهدر إن لميكن عدوانا،
والربع على الثاني، لجذبه الثالث، والربع على الثالث، لجذبه الرابع. وأما الثاني
فلا أثر للحفر في حقه، وقد مات بجذب الاول إياه وبفعل (1) الثالث والرابع، فيهدر
ثلث ديته، ويجب ثلثها على الاول، والثلث على الثالث. وأما الثالث فقد مات بجذب
الثاني إياه وبثقل الرابع، فيهدر نصف ديته، ويجب نصفها على الثاني. والثالث: وجوب
الديات بحسب ما روي في واقعة الزبية. والاظهر هو الاول.
(هامش)
(1) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل الصحيح: وبثقل. (*)
ص 397
النظر الثالث
في الجناية على الاطراف

والمقاصد ثلاثة:
المقصد
الاول في ديات الاعضاء

وكل
ما لا تقدير فيه، ففيه الارش.
والتقدير في ثمانية عشر:
الاول: الشعر
وفي شعر الرأس
الدية. وكذا في شعر اللحية. فإن نبتا، فقد قيل: في اللحية ثلث الدية. والرواية
ضعيفة. والاشبه فيه وفي شعر الرأس الارش إن نبت. وقال المفيد رحمه الله: في شعر
الرأس إن لم ينبت مائة دينار. ولا أعلم المستند. أما شعر المرأة ففيه ديتها. ولو
نبت ففيه مهرها.
قوله: (وفي شعر الرأس الدية... إلخ). المشهور بين الاصحاب أن في
شعر الرأس إن لم ينبت الدية. وكذا في شعر اللحية إذا كانت لرجل. وبه روايات، منها
حسنة سليمان بن خالد قال: (قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل دخل الحمام فصب صاحب
الحمام عليه ماء حارا، فامتعط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت أبدا، قال: عليه الدية)
(1).
(هامش)
(1) الفقيه 4: 111 ح 379، التهذيب 10: 250 ح 992، الوسائل 19: 261 ب (37) من أبواب
ديات الاعضاء ذيل ح 2. (*)
ص 398
وروى مسمع (1) عنه عليه السلام مثله، إلا أنه قال: (فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت، قال:
عليه الدية كاملة). ولم يذكر شعر اللحية. وفي رواية أخرى له عنه عليه السلام: (أن
أمير المؤمنين عليه السلام قضى في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت
فثلث الدية) (2). وفي الاستدلال بهما نظر، لدلالة الاولى على وجوب الدية لهما معا،
لا لكل واحد الذي هو المدعى. والثانية نفسها ضعيفة السند جدا، فلا تصلح سندا. وقال
المفيد (3): في كل منهما إذا لم ينبت مائة دينار. وذكر أن به رواية، ولم يثبت. وفي
المختلف ما يشعر بالتوقف في الحكم وأنه محل الاشكال، لانه قال عقيب رواية سليمان بن
خالد: (وهذه الرواية عندي حسنة يتعين العمل بها، ولانه واحد في الانسان، فيدخل تحت
حكم ما في الانسان منه واحد، ويمكنمنع الوحدة) (4). وأنت قد عرفت أن الرواية وإن
كانت حسنة إلا أنها لا تدل على المطلوب. ومنع الوحدة واضح، لان الواحد هو جملة
الشعر على الانسان لا على بعض أعضائه.
(هامش)
(1) لم نجد الرواية عن مسمع في مصادر الحديث، ولعله من سهو قلمه الشريف (قدس سره).
نعم، رواها الكليني عن علي بن خالد في الكافي 7: 316 ح 24، والشيخ عن علي بن حديد
في التهذيب 10: 250 ح 991، وانظر الوسائل 19: 261 ب (37) من أبواب ديات الاعضاء ح
2. (2) الكافي 7: 316 ح 23، التهذيب 10: 250 ح 990، الوسائل 19: 260 الباب المتقدم
ح 1. (3) المقنعة: 756. (4) المختلف: 801. (*)
ص 399
وفي الحاجبين خمس مائة دينار، وفي كل واحد نصف ذلك، وما أصيب منه فعلى الحساب.
وأما
إذا نبت كل منهما ففيه أقوال: أحدها - وهو الذي اختاره المصنف -: الارش، لانه
الواجب حيث لا يثبت له تقدير شرعا. وثانيها: أن في اللحية ثلث الدية، وفي شعر الرأس
مائة دينار. وهو قول الشيخ في النهاية (1). والمستند رواية مسمع السابقة. وفيها
قصور في السند والدلالة، فلذلك كان الاصح الارش. ولو كان المقطوع شعر رأس المرأة،
فإن لم يعد فكالرجل، بل أولى. وإن عاد ففيه مهر نسائها على المشهور، لرواية عبد
الله بن سنان قال: (قلت لابيعبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما على رجل وثب على
امرأة فحلق رأسها؟ قال: يضرب ضربا وجيعا، ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها،
فإن نبت أخذ منه مهر نسائها، وإن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة. قلت: فكيف صار مهر
نسائها إن نبت شعرها؟ فقال: يابن سنان إن شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال،
فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملا) (2). وفي طريق الرواية جهالة، ولكن المشهور
العمل بمضمونها. وابن (3) الجنيد سوى بين شعر رأسها وبين اللحية في وجوب ثلث الدية
مع عود الشعر. قوله: (وفي الحاجبين... إلخ).
(هامش)
(1) راجع النهاية: 768 و764، ولكنه حكم في شعر الرأس بالارش. (2) الكافي 7: 261 ح
10، التهذيب 10: 262 ح 1036، الوسائل 19: 255 ب (30) من أبواب ديات الاعضاء ح 1.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 801. (*)
ص 400
وفي الاهداب تردد. قال في المبسوط (1) والخلاف (2): الدية إن لم ينبت. وفيها مع
الاجفان ديتان. والاقرب السقوط حالة الانضمام، والارش حالة الانفراد.
هذا هو
المشهور بين الاصحاب، بل ادعى ابن إدريس (3) عليه الاجماع. ومستنده غير معلوم.
والاجماع ممنوع. وظاهرهم عدم الفرق بين أن ينبت وعدمه. وقيل: فيهما مع النبات
الحكومة. وهو الاصح. وقيل: ربع الدية. ويظهر من المبسوط أن حكمهما حكم شعر الرأس
واللحية في وجوبالدية فيهما كاملة، لانه قال: (فأما اللحية وشعر الرأس والحاجبين
فإنه يجب فيها عندنا الدية) (4). ويؤيده الحديث العام، أعني: (كل ما في البدن منه
اثنان) (5). وقال سلا ر: (روي فيهما إذا لم ينبتا مائة دينار) (6). قوله: (وفي
الاهداب تردد... إلخ). الاهداب - بالدال المهملة والمعجمة -: شعر الاجفان. وفيها
أقوال: أحدها: الدية كاملة إذا قلعت منفردة مع عدم نباتها. وهو مذهب الشيخ وابن
حمزة (7)، والعلامة في القواعد (8)، للحديث العام (9).
(هامش)
(1) المبسوط 7: 130. (2) الخلاف 5: 197 مسألة (67). (3) السرائر 3: 378.(4) المبسوط
7: 153. (5) الفقيه 4: 100 ح 332، التهذيب 10: 258 ح 1020، الوسائل 19: 217 ب (1)
من أبواب ديات الاعضاء ح 12. (6) المراسم: 245. (7) الوسيلة: 442. (8) قواعد
الاحكام 2: 324. (9) انظر الوسائل 19: 217 ب (1) من أبواب ديات الاعضاء ح 12. (*)
ص 401
وما عدا ذلك من الشعر لا تقدير فيه، استنادا إلى البرأة الاصلية.
الثاني: العينان
وفيهما الدية. وفي كل واحدة نصف الدية. ويستوي الصحيحة والعمشاء والحولا والجاحظة.
والثاني: نصف الدية. وهو مذهب القاضي (1). والثالث: الارش حالة الانفراد عن الاجفان
والسقوط حالة الاجتماع، كشعر الساعدين وغيره. قاله ابن إدريس (2). واختاره المصنف
والعلامة في المختلف (3) والتحرير (4). وهو الاصح، لعدم دليل صالح يدل على التعيين،
فيرجع إلى العموم. والحديث العام على تقدير تسليمه ممنوع الدلالة، لان الشعر
المذكور ليس مما في البدن منه اثنان، كما تقدمت الاشارة إليه. قوله: (وما عدا ذلك
من الشعر... إلخ). لو قيل بجريان هذا الدليل في جميع الشعور كان وجها، لضعف الدليل
المخرج عن حكم الاصل في الجميع كما عرفت. وهو مذهب أكثر (5) العامة. ومنهم (6) من
وافق على وجوب الدية فيما سبق.
(هامش)
(1) المهذب 2: 476. (2) السرائر 3: 378 - 379. (3) المختلف: 802. (4) تحرير الاحكام
2: 274. (5) الحاوي الكبير 12: 300، الكافي للقرطبي 2: 1112، بداية المجتهد 2: 422،
روضة الطالبين 7: 134. (6) اللباب في شرح الكتاب 3: 155، المغني لابن قدامة 9: 593
- 594 و598، تبيين الحقائق 6: 129. (*)
ص 402
وفي الاجفان الدية. وفي تقدير كل جفن خلاف، قال في المبسوط: في كل واحد ربع الدية.
وفي الخلاف: في الاعلى ثلثا الدية، وفي الاسفل الثلث. وفي موضع آخر: في الاعلى ثلث
الدية، وفي الاسفل النصف. وينقص على هذا التقدير سدس الدية، والقول بهذا كثير. وفي
الجناية على بعضها بحساب ديتها.ولو قلعت مع العينين، لم تتداخل ديتاهما.
قوله: (وفي
الاجفان... إلخ). اختلف الاصحاب في دية الاجفان على أقوال ثلاثة، وكلها للشيخ.
أحدها: أن فيها الدية، وفي كل واحد منها ربع. ذهب إليه الشيخ في المبسوط (1)، وابن
أبي (2) عقيل، والعلامة في المختلف (3). والمصنف - رحمه الله - اقتصر على الحكم
بوجوب الدية للجميع، ولم يرجح الحكم في البعض. ومستند هذا القول صحيحة هشام بن سالم
قال: (كل ما كان في الانسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية) (4).
والظاهر أنه روى عن الامام، لانه ثقة. وفي حسنة عبد الله (5) بن سنان عن الصادق
عليه السلام كذلك. وفيهما منع الدلالة، لان الاجفان ليس مما في الانسان منه اثنان،
إلا بتكلف أن جفني كل عين كواحد، وهو مجرد عناية. مع أن الاولى مقطوعة،
(هامش)
(1) المبسوط 7: 130. (2) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 413. (3) المختلف: 802.
(4) الفقيه 4: 100 ح 332، التهذيب 10: 258 ح 1020، الوسائل 19: 217 ب (1) من أبواب
ديات الاعضاء ح 12. (5) الكافي 7: 315 ح 22، التهذيب 10: 250 ح 989، الوسائل 19:
213 ب (1) من أبواب ديات الاعضاء ح 1. (*)
ص 403
والظن بكونها موصولة إلى الامام غير كاف في الاعتماد عليها. وثانيها: أن في الاعلى
ثلث دية العين، وفي الاسفل نصفها، ويسقط سدس الدية. ذهب إلى ذلك ابن الجنيد (1)،
والمفيد (2)، والشيخ في النهاية (3)، وأتباع (4) الشيخين. ومستنده رواية ظريف بن
ناصح عن الصادق عليه السلام في كتابه المشهور في الديات. قال: (أفتى أمير المؤمنين
عليه السلام بأن في شعر الجفن الاعلى ثلث دية العين، وفي الاسفل نصف ديتها إذا
شترا) (5). وفي طريق الكتاب ضعف وجهالة، وإن كان مشهورا بين الاصحاب. وثالثها: أن
في الاعلى الثلثين، وفي الاسفل الثلث. ذهب إليه الشيخ في الخلاف (6) محتجا بالاجماع
والاخبار. وتبعه ابن إدريس (7) لشبهة الاجماع، مع أنه قد قال في الكتاب (8) المذكور
بالقول الثاني أيضا كما أشار إليه المصنف، فضلاعن قوله في الكتابين (9) الاخرين.
وهذه الدعوى مجازفة محضة لا يعتمد عليها في الاجماع. وكيف كان، فالاظهر هو القول
الاول.
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 802. (2) المقنعة: 755. (3) النهاية: 764. (4)
الكافي في الفقه: 396، المراسم: 245، الوسيلة: 447، غنية النزوع: 416، إصباح
الشيعة: 503. (5) الكافي 7: 330 ح 2، الفقيه 4: 57 ح 194، التهذيب 10: 258 ح 1019،
الوسائل 19: 218 ب (2) من أبواب ديات الاعضاء ح 3. (6) الخلاف 5: 236 مسألة (24).
(7) السرائر 3: 378. (8) لم نجده في الخلاف، وللاستزادة انظر مفتاح الكرامة 10:
386. (9) انظر الهامش (1) في الصفحة السابقة والهامش (3) هنا. (*)
ص 404
وفي العين الصحيحة من الاعور الدية كاملة، إذا كان العور خلقة أو بآفة من الله. ولو
استحق ديتها، كان في الصحيحة نصف الدية خمس مائة دينار. أما العوراء ففي خسفها
روايتان، إحداهما: ربع الدية، وهي متروكة، والاخرى: ثلث الدية، وهي مشهورة، سواء
كانت خلقة أو بجناية جان. ووهم هنا واهم، فتوق زللـه.
في الاجماع. وكيف كان، فالاظهر
هو القول الاول. قوله: (وفي العين الصحيحة من الاعور... إلخ). أجمع المسلمون على أن
في العينين معا الدية، وفي إحداهما من الصحيح نصف الدية، لانها مما في البدن منه
اثنان، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (في العينين الدية) (1). وفي
خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله: (في العين خمسون من الابل) (2). وهذا يشمل عين
الاعور وغيرها. لكن روى أصحابنا روايات (3) متعددة عن الائمة عليهم السلام أن في
عين الاعور الدية كاملة إذا لم يكن استحق دية الاخرى. والمعنى فيه: أنه يكون قدأذهب
جميع بصره، فعليه الدية لذلك. وعلى تقدير استحقاقه دية الاخرى تكون الاخرى بمنزلة
الموجودة، لانه أخذ عوضها أو استحقه، فتكون دية الصحيحة على أصلها بنصف دية كاملة.
ووافقنا بعض (4) العامة على وجوب دية كاملة لعين الاعور. وبقي
(هامش)
(1) سنن البيهقي 8: 86، تلخيص الحبير 4: 27 ذيل ح 1708. (2) مصنف عبد الرزاق 9: 326
ح 17408، تلخيص الحبير 4: 27 ذيل ح 1708. (3) راجع الوسائل 19: 252 ب (27) من أبواب
ديات الاعضاء. (4) المحلى لابن حزم 10: 419، الكافي للقرطبي 2: 1112، المغني لابن
قدامة 9: 590. (*)
ص 405
آخرون (1) على الاصل. فهذا حكم الصحيحة. وأما العوراء التي لا تبصر ففي الجناية
عليها بخسفها روايتان: إحداهما: صحيحة بريد بن معاوية عن الباقر عليه السلام أنه
قال: (في لسان الاخرس وعين الاعور وذكر الخصي الحر وأنثييه ثلث الدية) (2). ومثلها
صحيحة أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال: (سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل
أخرس، فقال: إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه ثلث الدية، وإن كان ذهب به وجع أو آفة
بعد ما كان يتكلم، فإن على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه. قال: وكذلك القضاء في
العينين والجوارح. قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام) (3). وإلى هذا ذهب
الاكثر (4)، ومنهم الشيخ (5) وأتباعه (6) والمصنف والعلامة (7). والثانية: رواية
عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 12: 249، حلية العلماء 7: 559، روضة الطالبين 7: 134. (2) الكافي
7: 318 ح 6، الفقيه 4: 98 ح 325، التهذيب 10: 270 ح 1062، الوسائل 19: 256 ب(31) من
أبواب ديات الاعضاء ح 1. (3) الكافي 7: 318 ح 7، الفقيه 4: 111 ح 376، التهذيب 10:
270 ح 1063، الوسائل 19: 256 الباب المتقدم ح 2. (4) الكافي في الفقه: 396، وحكاه
العلامة عن ابن الجنيد في المختلف: 803، السرائر 3: 381، الجامع للشرائع: 593، كشف
الرموز 2: 653، إيضاح الفوائد 4: 687، اللمعة الدمشقية: 183، المهذب البارع 5: 311،
المقتصر: 450. (5) النهاية: 765 - 766. (6) الوسيلة: 446، غنية النزوع: 416، إصباح
الشيعة: 503. (7) المختلف: 803. (*)
ص 406
فقأ عين رجل ذاهبة وهي قائمة، قال: عليه ربع دية العين) (1). وبمضمونها عمل المفيد
(2) وسلا ر (3). وهي ضعيفة السند بأبي جميلة المفضل بن صالح، وعبد الله بن سليمان
مجهول الحال. فالعمل بالصحيح متعين. مع أن هذا الراوي روى أيضا بهذا الاسناد عن عبد
الله بن أبي جعفر عن أبي عبد الله عليه السلام: (في العين العوراء تكون قائمة
فتخسف، قال: قضى فيها علي بن أبي طالب عليه السلام نصف الدية في العين الصحيحة)
(4). وهي مع مشاركتها للسابقة في الضعف وزيادة لم يعمل بمضمونها أحد من الاصحاب.
ولا فرق على القولين بين أن يكون العور خلقة أو بجناية جان، لانه عضو أشل، وإنما
التفصيل في صحيحته كما تقدم. وفصل ابن إدريس هنا فقال: (في العين العوراء الدية
كاملة إذا كانت خلقة، أو قد ذهبت بآفة من الله تعالى، وإن كانت قد ذهبت وأخذت
ديتها، أو استحق الدية وإن لم يأخذها، كان فيها ثلث الدية. وهو اختيار شيخنا أبي
جعفرفي مبسوطه (5) ومسائل خلافه (6). وذهب في نهايته (7) إلى أن فيها نصف الدية.
والاول الذي اخترناه هو الاظهر الذي يقتضيه أصول مذهبنا، ولان الاصل برأة
(هامش)
(1) الكافي 7: 318 ح 8، التهذيب 10: 270 ح 1061، الوسائل 19: 255 ب (29) من أبواب
ديات الاعضاء ح 2. (2) المقنعة: 760. (3) المراسم: 244. (4) الكافي 7: 318 ح 5،
التهذيب 10: 270 ح 1060، الوسائل 19: 254 الباب المتقدم ح 1. (5، 6) لم نجد هذا
التفصيل في المبسوط والخلاف، بل فيهما أن في الحالتين الدية كاملة أو نصفها، راجع
المبسوط 7: 146، الخلاف 5: 251 مسألة (57). (7) النهاية: 765. (*)
ص 407
الذمة مما زاد على الثلث، فمن ادعى زيادة عليه يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه من
كتاب ولا سنة، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار الاحاد) (1). وقال أيضا: (في العين
القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة، وكذلك في العين العوراء التي أخذت ديتها، أو
استحقها صاحبها ولم يأخذها، ثلث ديتها صحيحة على ما بيناه، وشيخنا أبو جعفر في
نهايته فرق بينهما، بأن قال: إذا قلع العين العوراء التي أخذت ديتها، أو استحقت
الدية ولم يؤخذ نصف الدية، يعني: ديتها، فإن خسف بها ولم يقلعها ثلث ديتها. والاولى
عندي أن في القلع والخسف ثلث ديتها، فأما إذا كانت عوراء والعور من الله تعالى فلا
خلاف بين أصحابنا أن فيها ديتها كاملة خمسمائة دينار) (2). انتهى كلامه. وهذا هو
الوهم الذي أشار إليه المصنف، وأمر بالتوقي من زلله. ووهمه في هذه العبارة نشاء من
عدم فهمه كلام الشيخ في النهاية، حيث قال فيها: (وفي العين العوراء الدية كاملة إذا
كانت خلقة، أو قد ذهبت بآفة من جهة الله تعالى، فإن كانت قد ذهبت وأخذ ديتها، أو
استحق الدية وإن لم يأخذها، كان فيها نصف الدية) (3). فهذه عبارة الشيخ في النهاية.
وأراد - رحمه الله - بالعين العوراء الصحيحة التي قد ذهبت أختها، واتبع في ذلك لفظ
الرواية، حيث قال في رواية العلا: (وفي العين العوراء الدية) (4). وإنما أطلق عليها
اسم العوراء مع كونها صحيحة لان ما لا أخ له يقال له: أعور، لغة، ومنه قول أبي طالب
لابي لهب لما اعترض
(هامش)
(1، 2) السرائر 3: 380 - 382. (3) النهاية: 765. (4) التهذيب 10: 247 ح 977،
الوسائل 19: 216 ب (1) من أبواب ديات الاعضاء ح 11. (*)
ص 408
الثالث: الانف
وفيه الدية كاملة إذا استؤصل. وكذا لو قطع مارنه، وهو ما لان منه.
وكذا لو كسر ففسد. ولو جبر على غير عيب فمائة دينار. وفي شلله ثلثا ديته. وفي
الروثة - وهي الحاجز بين المنخرين - نصف الدية. وقال ابن بابويه: هي مجتمع المارن.
وقال أهل اللغة: هي طرف المارن.
على النبي صلى الله عليه وآله: (يا أعور ما أنت
وهذا) ولم يكن أبو لهب أعور، ولكن لم يكن له أخ من أبيه وأمه (1). وزلل ابن إدريس
اتفق في كلام الشيخ من وجوه: الاول: إيجابه في العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة،
وعنى (2) بالعوراء المعيبة. وكذا إذا كانت قد ذهبت بآفة. وهو خلاف الاجماع، ولانها
عضو أشل فيها ثلث دية الصحيح كما في نظائره. الثاني: توهمه أن مراد الشيخ في
النهاية ذلك، وبناؤه الحكم عليه. وهو لا يليق بالفقيه الذي يأخذ بالاستدلال، خصوصا
مثل ابن إدريس الذي لا يعتمد الاخبار غالبا كما علم من حاله. الثالث: نقله عن
المبسوط والخلاف أنهما موافقان لما قاله. وليس فيهما ما يدل على موافقته أصلا،
وإنما فيهما حكم الصحيحة التي لا أخت لها. ولا حاجة بنا إلى نقلها (3)، لانه معلوم
مشهور. قوله: (وفي الروثة... إلخ).
(هامش)
(1) انظر النهاية لابن الاثير 3: 319. (2) في (ث، ط، ل، م): وعنى بها العوراء....
(3) في (ث، م): نقلهما. (*)
ص 409
وفي أحد المنخرين نصف الدية، لانه إذهاب نصف المنفعة. وهو اختياره في المبسوط. وفي
رواية غياث، عن أبي جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، عن علي عليه السلام:
ثلث الدية. وكذا في رواية عبد الرحمن العرزمي، عن جعفر، عن أبيه عليهم السلام. وفي
الرواية ضعف، غير أن العمل بمضمونها أشبه. [ولو قطع فذهب شمه فديتان].
المشهور أن
دية الروثة نصف الدية. والمستند كتاب ظريف (1). وفيه قول آخر إنه الثلث. ولم نقف
على مستنده. وعللوه بأن في المارن الدية، وهو مشتمل على ثلاثة أجزاء: المنخرين
والروثة، فتقسم الدية عليها، لاصالة البرأة من الزائد. واختلفوا في تفسير الروثة،
ففي كتاب ظريف الذي هو مستند الحكم بالنصف أن روثة الانف طرفه. وهو الموافق لكلام
أهل اللغة. قال في الصحاح: (الروثة طرف الارنبة) (2). وقال المصنف إنها الحاجز بين
المنخرين. ونقل عن ابن بابويه (3) أنها مجمع المارن والانف. قوله: (وفي أحد
المنخرين نصف الدية... إلخ). القول بالنصف للشيخ (4)، استنادا إلى الرواية (5)
العامة بأن ما في الانسان منه اثنان ففي كل واحد نصف الدية.
(هامش)
(1) الكافي 7: 331 ذيل ح 2، الفقيه 4: 57 ذيل ح 194، الوسائل 19: 221 ب (4) من
أبوابديات الاعضاء ح 1. (2) الصحاح 1: 284. (3) الفقيه 4: 57 ذيل ح 194. (4)
المبسوط 7: 131. (5) راجع ص: 402 هامش (4). (*)
ص 410
الرابع: الاذنان
وفيهما الدية. وفي كل واحدة نصف الدية. وفي بعضها بحساب ديتها. وفي
شحمتها ثلث ديتها، على رواية فيها ضعف، لكن تؤيدها الشهرة. قال بعض الاصحاب: وفي
خرمها ثلث ديتها. وفسره واحد بخرم الشحمة، وبثلث دية الشحمة.
واختار المصنف
والعلامة (1) والاكثر (2) الثلث، عملا بالروايتين (3) الدالتين عليه وإن ضعف
طريقهما، لتأيدهما بالشهرة، وبأن الانف الموجب للدية يشتمل على حاجز ومنخرين،
ولاصالة البرأة من الزائد. وهو أولى. قوله: (وفي شحمتها... إلخ). الرواية المذكورة
رواها مسمع (4) عن أبي عبد الله عليه السلام أن عليا عليه السلام قضى في شحمة الاذن
ثلث دية الاذن. وفي طريقها سهل بن زياد وابن شمون وعبد الله الاصم، وهم في غاية
الضعف كما أشرنا (5) إليه سابقا. لكن المصنف - رحمه الله - جعل ضعفها
منجبرابالشهرة، فلذا عمل بمضمونها كالاكثر. قوله: (وفي خرمها... إلخ).
(هامش)
(1) المختلف: 819، قواعد الاحكام 2: 324. (2) كشف الرموز 2: 653 - 654، إيضاح
الفوائد 4: 689، اللمعة الدمشقية: 183. (3) التهذيب 10: 261 ح 1034، وص: 275 ح
1074، الوسائل 19: 267 ب (43) من أبواب ديات الاعضاء ح 1 و2. (4) الكافي 7: 333 ح
5، التهذيب 10: 256 ح 1013، الوسائل 19: 223 ب (7) من أبواب ديات الاعضاء ح 2. (5)
راجع ص: 398. (*)
ص 411
الخامس: الشفتان
وفيهما الدية إجماعا. وفي تقدير دية كل واحدة خلاف. قال في
المبسوط: في العليا الثلث، وفي السفلى الثلثان. وهو خيرة المفيد. وفي الخلاف (1):
في العليا أربع مائة، وفي السفلى ستمائة. وهي رواية أبي جميلة عن أبان، عن أبي عبد
الله [عليه السلام]. وذكره ظريف في كتابه أيضا. وفي أبي جميلة ضعف. وقال ابن بابويه
- وهو مأثور عن ظريف أيضا -: في العليا نصف الدية، وفي السفلى الثلثان. وهو نادر.
وفيه مع ندوره زيادة لامعنى لها. وقال ابن أبي عقيل: هما سواء في الدية، استنادا
إلى قولهم عليهم السلام: (كل ما في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية). وهذا حسن. وفي
قطع بعضها بنسبة مساحتها.
المفسر بذلك هو ابن إدريس (2)، مع احتمال إرادة [دية] (3)
الاذن، وثلث دية الاذن، أو ما هو أعم. وهذا اللفظ ذكره الشيخ (4)، وتبعه الجماعة
(5)، ولا سند له يرجع إليه في تفسيره. قوله: (وفي تقدير دية كل واحدة... إلخ).
(هامش)
(1) الخلاف 5: 238 مسألة (30). (2) السرائر 3: 382. (3) من الحجريتين. (4) النهاية:
766. (5) قواعد الاحكام 2: 325، اللمعة الدمشقية: 183. (*)
ص 412
وحد الشفة السفلى عرضا: ما تجافى عن اللثة مع طول الفم. والعليا: ما تجافى عن اللثة
متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم. وليس حاشية الشدقين منهما.
اختلف الاصحاب في
دية كل واحدة من الشفتين على انفرادها، بعد اتفاقهم على أن في المجموع منهما الدية
كاملة، على أقوال منشؤها اختلاف الاخبار. أحدها: التسوية بينهما في وجوب نصف الدية
لكل واحدة. ذهب إليه الحسن بن أبي عقيل (1)، واستحسنه المصنف والعلامة في القواعد
(2) والتحرير (3)، لصحيحة هشام المقطوعة، قال: (كل ما في الانسان منه اثنان ففيهما
الدية، وفي أحدهما نصف الدية) (4). وحسنة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام
قال: (ما كان في الجسدمنه اثنان ففيه نصف الدية) (5). ويؤيده رواية سماعة عن الصادق
عليه السلام قال: (الشفتان العليا والسفلى سواء في المقدار) (6). وثانيها: أن في
العليا الثلث، وفي السفلى الثلثين. ذهب إليه
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 804. (2) قواعد الاحكام 2: 325. (3) تحرير
الاحكام 2: 272. (4) تقدم ذكر مصادرها في ص: 402 هامش (4). (5) الكافي 7: 315 ح 22،
التهذيب 10: 250 ح 989، الوسائل 19: 213 ب (1) من أبواب ديات الاعضاء ح 1. (6)
التهذيب 10: 246 ح 975، الاستبصار 4: 288 ح 1088، الوسائل 19: 216 الباب المتقدم ح
10. (*)
ص 413
المفيد (1)، والشيخ في المبسوط (2)، وسلا ر (3)، وأبو الصلاح (4). وذكروا أن بذلك
روايات. واحتجوا أيضا بكثرة منفعة السفلى، فإنها تمسك الطعام والشراب، وترد اللعاب،
ولزيادة الشين بذهابها، فيناسبها زيادة الدية. ولا يخفى ضعف التمسك. وثالثها: أن في
العليا خمسي الدية أربعمائة دينار، وفي السفلى ثلاثة أخماس الدية ستمائة دينار. ذهب
إليه الصدوق (5)، والشيخ في النهاية (6)، واختاره العلامة في المختلف (7)، لرواية
أبي جميلة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في السفلى ستة
آلاف، وفي العليا أربعة آلاف، لان السفلىتمسك الماء) (8). والمراد بالعدد الدراهم.
والرواية ضعيفة بأبي جميلة. والمصنف نقله أيضا عن كتاب ظريف (9).
(هامش)
(1) المقنعة: 755. (2) المبسوط 7: 132. (3) المراسم: 244. (4) الكافي في الفقه:
398. (5) المقنع: 511. (6) النهاية: 766. (7) المختلف: 804. (8) الكافي 7: 312 ح 5،
الفقيه 4: 99 ح 330، التهذيب 10: 246 ح 974، الوسائل 19: 222 ب (5) من أبواب ديات
الاعضاء ح 2. (9) لم نجد هذا التفصيل في كتاب ظريف المروي مقطعا في مصادر الحديث،
ولعل المحقق (قدس سره) أراد أن تفضيل الشفة السفلى على العليا مذكور في كتاب ظريف،
انظر الكافي 7: 331 - 332، الفقيه 4: 58 ذيل ح 194، التهذيب 10: 299 ذيل ح 1148،
الوسائل 19: 222 ب (5) من أبواب ديات الاعضاء ذيل ح 1. (*)
ص 414
ولو تقلصت، قال الشيخ (1): فيه ديتها. والاقرب الحكومة. ولو استرختا فثلثا الدية.
وطريقه - مع تسليمه - ضعيف. ورابعها: أن في العليا النصف، وفي السفلى الثلثين.
اختاره ابن الجنيد (2). ونقله المصنف عن ابن بابويه (3). وهو في كتاب ظريف أيضا.
وقال فيه: (إن أمير المؤمنين عليه السلام فضلها، لانها تمسك الطعام مع الاسنان)
(4). وفيه - معندوره، وضعف سنده - زيادة لا وجه لها. والاظهر هو الاول. قوله: (ولو
تقلصت... إلخ). وجه ما قربه المصنف من ثبوت الحكومة وجود العيب بسبب الجناية، مع
عدم ثبوت مقدر لها شرعا، وهو موجب لها. ووجه كلام الشيخ بأن مع التقلص تزول المنفعة
المخلوقة لاجلها والجمال، فيجري وجودها مجرى عدمها. ورد بمنع ذلك. وعورض ببطلان بطش
اليد. وربما احتمل وجوب ثلث ديتها، لصيرورتها حينئذ عضوا أشل. ويضعف بأن الشلل يحدث
استرخاء، وهو يقابل التقلص، أو يراد به عدم الاحساس، كما قال الجوهري (5): إن الشلل
فساد العضو.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 132. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 804. (3) لم نعثر عليه. (4)
انظر الهامش (9) في الصفحة السابقة. (5) الصحاح 5: 1737. (*)
ص 415
السادس: اللسان
وفي استئصال الصحيح الدية. وفي لسان الاخرس ثلث الدية. وفيما قطع من
لسان الاخرس بحسابه مساحة. أما الصحيح فيعتبر بحروف المعجم، وهي ثمانية وعشرون
حرفا.وفي رواية: تسعة وعشرون حرفا. وهي مطرحة. وتبسط الدية على الحروف بالسوية.
ويؤخذ نصيب ما يعدم منها. وتتساوى اللسنية وغيرها، ثقيلها وخفيفها. ولو ذهبت أجمع،
وجبت الدية كاملة. ولو صار سريع النطق، أو ازداد سرعة، أو كان ثقيلا فزاد ثقلا، فلا
تقدير [فيه]، وفيه الحكومة. وكذا لو نقص، فصار ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح.
قوله:
(أما الصحيح فيعتبر بحروف المعجم... إلخ). المشهور بين الاصحاب اعتبار لسان الصحيح
بحروف المعجم، وأنها ثمانية وعشرون حرفا. [وتبسط الدية على الحروف بالسوية] (1).
وفي اعتباره بالحروف في الجملة روايات كثيرة، وإطلاقها منزل على ما هو المعهود
منها، وهو ثمانية وعشرون. وفي رواية السكوني (2) تصريح بكونها ثمانية وعشرين.
والرواية المتضمنة لكونها تسعة وعشرين هي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت
(هامش)
(1) من الحجريتين. (2) التهذيب 10: 263 ح 1042، الاستبصار 4: 293 ح 1107، الوسائل
19: 275 ب (2) من أبواب ديات المنافع ح 6. (*)
ص 416
ولا اعتبار بقدر المقطوع من الصحيح، بل الاعتبار بما يذهب من الحروف. فلو قطع نصفه،
فذهب ربع الحروف، فربع الدية. وكذا لو قطع ربع لسانه، فذهب نصف كلامه، فنصف الدية.
ولو جنى آخر، اعتبر بما بقي، وأخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الاول.
عليه حروف المعجم،
فما لم يفصح به منها يؤدى بقدر ذلك من الدية، وهي تسعة وعشرون حرفا) (1). ولم
يبينها، والظاهر أنه جعل الالف حرفا والهمزة حرفا آخر، كما ذكره بعض أهل [اللغة]
(2) العربية. وإنما جعلها المصنف مطرحة - مع صحتها - نظرا إلى تضمنها خلاف المعروف
من الحروف المذكورة لغة وعرفا. ونبه بقوله: (وتبسط الدية على الحروف بالسوية) على
الرد على ما روي في بعض (3) الاخبار من بسط الدية عليها بحسب حروف الجمل، فيجعل
للالف واحد وللباء اثنان وللجيم ثلاثة وللدال أربعة، إلى الاخر. والرواية المتضمنة
لذلك - مع ضعف طريقها - لا تطابق الدية، لانه إن أريد بالعدد المذكور الدراهم لا
يبلغ المجموع الدية، وإن أريد به الدنانير يزيد عن الدية أضعافا مضاعفة. قوله: (ولا
اعتبار... إلخ).
(هامش)
(1) التهذيب 10: 263 ح 1040، الاستبصار 4: 292 ح 1105، الوسائل 19: 274 ب (2) من
أبواب ديات المنافع ح 5. (2) من (ث، خ، ط). (3) التهذيب 10: 263 ح 1043، الاستبصار
4: 293 ح 1108، الوسائل 19: 275 الباب المتقدم ح 7. (*)
ص 417
ولو أعدم واحد كلامه، ثم قطعه آخر، كان على الاول الدية، وعلى الثاني الثلث. ولو
قطع لسان الطفل، كان فيه الدية، لان الاصل السلامة. أما لو بلغ حدا، ينطق مثله ولم
ينطق، ففيه ثلث الدية، لغلبة الظن بالافة. ولو نطق بعد ذلك، تبينا الصحة، واعتبر
بعد ذلك بالحروف، وألزم الجاني ما نقص عن الجميع، فإن كان بقدر ما أخذ وإلا تمم له.
ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقه عند الجناية، صدق مع القسامة، لتعذر البينة.وفي رواية:
يضرب لسانه بإبرة، فإن خرج الدم أسود صدق، وإن خرج أحمر كذب.
وجه اعتبار البعض
بالحروف مطلقا إطلاق النصوص (1) باعتبار الدية بالذاهب منها بعضا وكلا، فلا عبرة
حينئذ بجسم اللسان. وقيل: مع قطع البعض يعتبر أكثر الامرين من الذاهب من اللسان ومن
الحروف، لان اللسان عضو متحد في الانسان فيه الدية من غير اعتبار الحروف، كما أن
النطق بالحروف منفعة متحدة فيها الدية من غير اعتبار اللسان، فإذا كان الذاهب من
اللسان أكثر من الحروف وجب دية الزائد من حيث اللسان، وبالعكس. وهذا أظهر. قوله:
(ولو ادعى الصحيح... إلخ). وجه الرجوع إلى القسامة تعذر إقامة البينة على ذلك مع
حصول الظن المستند إلى الامارة لصدقه، فيكون لوثا.
(هامش)
(1) راجع الوسائل 19: 273 ب (2) من أبواب ديات المنافع. (*)
ص 418
ولو جني على لسانه فذهب كلامه، ثم عاد، هل تستعاد الدية؟ قال في المبسوط: نعم، لانه
لو ذهب لما عاد. وقال في الخلاف: لا. وهو الاشبه.
والرواية المشار إليها رواها علي
بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن الوليد، عن محمد بن الفرات، عن الاصبغ بن نباتة
قال: (سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه
لا يبصر شيئا، وأنه لا يشم الرائحة، وأنه قد ذهب لسانه. فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: إن صدق فله ثلاث ديات. فقيل: يا أمير المؤمنين فكيف يعلم أنه صادق؟ قال:
أما ما ادعى أنه لا يشم رائحة فإنه يدنا منه الحراق، فإن كان كما يقول وإلا نحى
رأسه ودمعت عينه.وأما ما ادعاه في عينه، فإنه يقابل بعينه عين الشمس، فإن كان كاذبا
لم يتمالك حتى يغمض عينه، وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين. وأما ما ادعاه في لسانه،
فإنه يضرب على لسانه بالابرة، فإن خرج الدم أحمر فقد كذب، وإن خرج أسود فقد صدق)
(1). والرواية ضعيفة السند بمحمد بن الوليد، فإنه فطحي، وابن الفرات ضعيف جدا غال،
ولم يدرك الاصبغ، فتكون مع الضعف مرسلة. هذا، مع قطع النظر عن الاصبغ. قوله: (ولو
جني على لسانه... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 323 ح 7، التهذيب 10: 268 ح 1053، الوسائل 19: 279 ب (4) من أبواب
ديات المنافع ح 1. (*)
ص 419
أما لو قلع سن المثغر، فأخذ ديتها وعادت، لم تستعد ديتها، لان الثانية غير الاولى.
وكذا لو اتفق أنه قطع لسانه فأنبته الله [تعالى]، لان العادة لم تقض بعوده، فيكون
هبة. ولو كان للسان طرفان، فأذهب أحدهما، اعتبر بالحروف، فإن نطق بالجميع فلا دية،
وفيه الارش، لانه زيادة.
وجه ما اختاره المصنف من عدم الاستعادة - كما ذهب إليه
الشيخ في الخلاف (1) - تحقق استحقاق الدية بالجناية الموجبة لاذهاب الكلام، فأخذها
منه يحتاج إلى دليل، إذ الاصل بقاء الاستحقاق. واستحسنه في التحرير (2). وفي
المختلف (3) وافق الشيخ في المبسوط (4)، لانه لما نطق بعد أن لم ينطق علم أنه لم
يذهب كلامه، إذ لو ذهب لما عاد، لان انقطاعه بالشلل والشلل لايزول. قال: وليس كذلك
لو نبت اللسان، لانا نعلم أنه هبة، بخلاف النطق، فإن زواله لم يكن معلوما، وقد ظهر
خلاف ماحكم به. وقال في القواعد: (إن حكم بأن الذهاب أولا ليس بدائم استعيد، وإلا
فلا) (5). ومرجعه إلى الرجوع إلى أهل الخبرة في ذلك، وأنه مع الشك لا يستعاد.
والاول لا يخلو من قوة. قوله: (أما لو قلع سن المثغر... إلخ).
(هامش)
(1) الخلاف 5: 242 مسألة (37). (2) تحرير الاحكام 2: 270. (3) المختلف: 805. (4)
المبسوط 7: 136. (5) قواعد الاحكام 2: 326. (*)