ص 505
ولو ظنه كافرا، فلا دية، وعليه الكفارة. ولو كان أسيرا، قال الشيخ: ضمن الدية
والكفارة، لانه لا قدرة للاسير على التخلص. وفيه تردد.
وإطلاق النص (1) يقتضي عدم
الفرق في القاتل بين كونه مكلفا وغيره، فتجب على الصبي والمجنون بقتل المسلم، وإن
لم تجب عليهما الكفارة في غيره. فيخرج العتق والاطعام من مالهما كما يخرج غيرها (2)
من الحقوق. ولا يصام عنهما، ولا يجزي صومهما قبل التكليف، فإذا كملا خوطبا به. ولو
ماتا قبله أخرجت الاجرة من مالهما. وفي المسألة وجه بعدم وجوب الكفارة عليهما، بناء
على أنها تكليفوليسا من أهله. وهو ممنوع. قوله: (ولو ظنه كافرا... إلخ). إذا قتل
مسلما في دار الحرب وجبت الكفارة بكل حال، قال تعالى: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو
مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) (3). قالوا: المعنى فيه: وإن كان في قوم عدو لكم مع كونه
مؤمنا. وأما القصاص أو الدية، فإن ظنه القاتل كافرا لكونه على زي أهل الشرك فلا
قصاص قطعا. ولا كفارة (4) عندنا، للاصل، وإباحة الفعل ظاهرا، إلا أن يكون المقتول
أسيرا، فقد قال الشيخ (5) - رحمه الله - بوجوب الدية كالكفارة، محتجا
(هامش)
(1) النساء: 92، وانظر الوسائل 19: 19 الباب المتقدم. (2) في الحجريتين: غيرهما.
(3) النساء: 92. (4) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل الصحيح: ولا دية، لا
سيما بملاحظة قوله في أول التعليقة: وجبت الكفارة بكل حال، وكذا قوله: وأما القصاص
أو الدية. (5) الخلاف 5: 321 مسألة (5). (*)
ص 506
ولو اشترك جماعة في قتل واحد، فعلى كل واحد كفارة. وإذا قبل من العامد الدية، وجبت
الكفارة قطعا. ولو قتل قودا، هل تجب في ماله؟ قال في المبسوط: لا تجب. وفيه إشكال
ينشاء من كون الجناية سببا.
بعموم قوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطاء... فدية مسلمة
إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) (1) وهذا مؤمن فيجبان معا بقتله، عمل الظاهر الاية،
وقوله صلى الله عليه وآله: (في النفس المؤمنة مائة من الابل) (2). وزاد في المبسوط
(3) الاستدلال بأن الاسير غير مختار في كونه هناك، فلا تقصير منه، بخلاف غيره، فتجب
له الدية. وينبغي أن تكون الدية في بيت المال، لئلا يرغب المسلم عن قتل الكافر خوفا
من ذلك. قوله: (ولو اشترك جماعة... إلخ). هذا مذهب الاصحاب. ووجه بأن الكفارة لا
تتبعض، ولهذا لا تنقسم على الاطراف، وما لا يتبعض إذا اشترك الجماعة في سببه وجب
على كل واحد بكماله. وبأن فيها معنى العبادة، والعبادة الواحدة لا تتوزع على
الجماعة. وللشافعية (4) وجه بوجوب كفارة واحدة على الجميع، لانه قتل واحد. قوله:
(ولو قتل قودا هل تجب... إلخ). وجه ما اختاره الشيخ (5) أنها شرعت لتكفير المذنب
(6) مما ارتكبه، فإذا سلم
(هامش)
(1) النساء: 92. (2) عوالي اللئالي 1: 236 ح 146، سنن الدارمي 2: 193، سنن النسائي
8: 58 - 60، سنن البيهقي 8: 73. (3، 4) المبسوط 7: 246. (5) الحاوي الكبير 13: 68،
روضة الطالبين 7: 229، كفاية الاخيار 2: 109. (6) فيما لدينا من النسخ الخطية:
الذنب، والصحيح ما أثبتناه. (*)
ص 507
الرابعة: في العاقلة

والنظر في: تعيين المحل، وكيفية التقسيط، وبيان اللواحق. أما
المحل: فهو: العصبة، والمعتق، وضامن الجريرة، والامام. وضابط العصبة: من يتقرب
بالاب، كالاخوة وأولادهم، والعمومة وأولادهم. ولا يشترط كونهم من أهل الارث في
الحال. وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل. وفي هذا الاطلاق وهم، فإن الدية
يرثها الذكور والاناث، والزوج
نفسه واقتص منه فقد أعطى الحق، فيكتفى به كفارة. وقد
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (القتل كفارة) (1). فعلى هذا إنما يجب
إخراج الكفارة إذا لم يقتص منه، بأن مات أو عفي عنه أو أخذت منه الدية. والمصنف -
رحمه الله - استشكل في ذلك، من حيث إن القتل سبب للكفارة، وقد وجد فيوجد المسبب،
ويستصحب وجوبه، لاصالة عدم المسقط. ولان حقوق الله تعالى الواجبة في المال لا تسقط
بالموت. وهذا هو الاظهر. وهو مذهب الشيخ أيضا في الخلاف (2)، محتجا بإجماع الفرقة
وأخبارهم. قوله: (وضابط العصبة... إلخ).
(هامش)
(1) رواه بهذا اللفظ العسقلاني في تلخيص الحبير 4: 38 ح 1719، وروي بلفظ: من أتى
منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارته، انظر صحيح البخاري 9: 198، صحيح مسلم 3: 1333 ح 41
- 43. (2) راجع الخلاف 5: 322 مسألة (6)، فقد أطلق وجوب الكفارة في قتل العمد، سواء
أقيد من القاتل أم لا. (*)
ص 508
والزوجة، ومن يتقرب بالام على أحد القولين، ويختص بها الاقرب فالاقرب، كما تورث
الاموال. وليس كذا العقل، فإنه يختص الذكور من العصبة، دون من يتقرب بالام، ودون
الزوج والزوجة.
الاصل في وجوب دية قتل الخطاء على العاقلة - قبل إجماع المسلمين -
ما روي من حكم النبي (1) صلى الله عليه وآله بذلك. قال العلماء - رحمهم الله -:
وتغريم غير الجاني خارج عن الاقيسة الظاهرة، إلا أن القبائل في الجاهلية كانوا
يقومون بنصرة من جنى منهم، ويمنعون أولياء القتيل من أن يدركوا بثأرهم ويأخذوا من
الجاني حقهم، فجعل الشرع بدل تلك النصرة بذل المال حيث لا يكون الجاني متعمدا آثما.
وربما شبه إعانة الاقارب بتحمل الدية بإعانة الاجانب الذين عزموا لاصلاح ذات البين،
بصرف سهم من الزكاة إليهم. وأجلت على العاقلة نظرا لهم، ليتحملوا ما تحملوا في مدة
الاجل، فلا يشق عليهم أداؤه. إذا تقرر ذلك، فالمراد بالعاقلة من تقرب بالاب من
الاخوة والاعماموأولادهما، وإن لم يكونوا ورثة في الحال. هذا هو المشهور بين
الاصحاب. والقول بكونهم الذين يرثون دية العاقل لو قتل للشيخ في النهاية (2). ورده
المصنف - رحمه الله - بأنه غير مانع، فإن الزوجين والاناث (3) يرثون من الدية
وليسوا بعصبة، وكذا من يتقرب بالام على الخلاف الذي سبق (4) غير مرة، فإن
(هامش)
(1) صحيح البخاري 9: 15، سنن ابن ماجة 2: 879 ح 2633 - 2634، سنن أبي داود 4: 192 ح
4574. (2) النهاية: 737. (3) في (أ، ط): والاباء. (4) في ج 13: 43. (*)
ص 509
ومن الاصحاب من خص به الاقرب ممن يرث بالتسمية. ومع عدمه، يشترك في العقل بين من
تقرب بالام، مع من تقرب بالاب أثلاثا. وهو استناد إلى رواية سلمة بن كهيل، عن أمير
المؤمنين عليه السلام. وفي سلمة ضعف.
أراد الحكم مطلقا فهو وهم، لانه لا يقول بما
دل عليه بإطلاقه. وفي المسألة أقوال أخر. ومستند الجميع غير نقي. وستأتي الاشارة
إلى بعضه. قوله: (ومن الاصحاب من خص... إلخ). القائل بذلك من الاصحاب ابن الجنيد
(1) رحمه الله. والمستند رواية سلمة بن كهيل قال: (أتي أمير المؤمنين عليه السلام
برجل من أهل الموصل قد قتل رجلا خطاء، فكتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عامله
بها في كتابه: اسئل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممن ولد بها
وأصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك، ثم انظر فإن كان هناك رجل يرثه له سهم في
الكتاب لا يحجبه أحد من قرابته فألزمه الدية، وخذها منه في ثلاث سنين. وإن لم يكن
له من قرابته أحد له سهم في الكتاب، وكانوا قرابته سواء في النسب، ففض الدية على
قرابته من قبل أبيه، وعلى قرابته من قبل أمه، من الرجال الذكور المسلمين، ثم اجعل
على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية، واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية) (2)
الحديث.
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 787. (2) الكافي 7: 364 ح 2، الفقيه 4: 105 ح
356، التهذيب 10: 171 ح 675، الوسائل 19: 300 ب (2) من أبواب العاقلة ح 1. (*)
ص 510
وهل يدخل الاباء والاولاد في العقل؟ قال في المبسوط (1) والخلاف (2): لا. والاقرب
دخولهما، لانهما أدنى قومه. ولا يشركهم القاتل في الضمان. ولا تعقل المرأة، ولا
الصبي، ولا المجنون، وإن ورثوا من الدية. ولا يتحمل الفقير شيئا. ويعتبر فقره عند
المطالبة، وهو حول الحول.
والرواية ضعيفة السند، فإن سلمة بن كهيل بتري مذموم.
قوله: (وهل يدخل الاباء... إلخ). ما اختاره الشيخ - رحمه الله - من عدم دخولهما في
العقل هو المشهور بين الاصحاب، بل احتج عليه في الخلاف بإجماعنا، وبعدم الدليل على
اعتبار الوالدين والاولاد، وبأصل البرأة، وبرواية ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه
وآله قال: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، لا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه،
ولا ابن بجريرة أبيه) (3). قال: (وهو نص). وبرواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة:
(أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فقتلت إحداهما الاخرى، ولكل زوج وولد، فبرأ رسول الله
صلى الله عليه وآله الزوج والولد، وجعل الدية على العاقلة) (4). والمصنف - رحمه
الله - اختار دخولهما، لانهما أدنى قومه. وفي رواية سلمة بن كهيل ما يدل عليه.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 173. (2) الخلاف 5: 277 مسألة (98). (3) مجمع الزوائد 6: 283، سنن
النسائي 7: 127، وفيهما: لا يؤخذ الرجل بجريرة أخيه ولا بجريرة أبيه. (4) سنن أبي
داود 4: 192 ح 4575 - 4576، سنن النسائي 8: 48. (*)
ص 511
ولا يدخل في العقل أهل الديوان، ولا أهل البلد، إذا لم يكونوا عصبة. وفي رواية سلمة
ما يدل على إلزام أهل بلد القاتل، مع فقد القرابة، ولو قتل في غيره. وهو مطرح.
ويقدم من يتقرب بالابوين، على من انفرد بالاب. ويعقل المولى من أعلى، ولا يعقل من
أسفل.
وأجيب عما ذكره الشيخ من الاجماع بمنعه، كيف وهو في النهاية (1) مخالف؟!
والخبران عاميان. مع إمكان حمل الاول على العمد، والولد في الثاني على الانثى.
والمسألة موضع توقف، من حيث عدم الدليل الصالح من الجانبين. قوله: (ولا يدخل في
العقل... إلخ). المراد بأهل الديوان: الذين رتبهم الامام للجهاد، وأدر لهم أرزاقا،
وجعلهم تحت راية أمير يصدرون عن رأيه. وعند أبي حنيفة (2) أنه يتحمل بعضهم عن بعض
وإن لم يكن بينهم قرابة، ويتقدمون على الاقارب، اتباعا لما ورد من قضاء عمر. لنا:
أن النبي صلى الله عليه وآله قضى بالدية على العاقلة (3)، ولم يكن في عهده ديوان
ولا في عهد أبي بكر، وإنما وضعه عمر حين كثر الناس واحتاج إلى ضبط الاسماء
والارزاق، فلا يترك ما استقر في عهد رسول الله بما أحدث بعده. وحمل قضاء عمر بذلك
على أنه كان في الاقارب من أهل الديوان.
(هامش)
(1) النهاية: 737. (2) اللباب في شرح الكتاب 3: 178، المبسوط للسرخسي 27: 125،
بدائع الصنائع 7: 255 - 256. (3) راجع ص: 508 هامش (1). (*)
ص 512
وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد قطعا. وهل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف: نعم،
ومنع في غيره. وهو المروي، غير أن في الرواية ضعفا. وتضمن العاقلة دية الخطاء في
ثلاث سنين، كل سنة عند انسلاخها ثلاثا، تامة كانت الدية أو ناقصة، كدية المرأة ودية
الذمي.
وأما دخول أهل البلد في العقل مع عدم القرابة فهو في رواية سلمة السابقة
(1)، فقال في آخرها: (وإن لم يكن له قرابة من قبل أمه، ولا قرابة من قبل أبيه، ففض
الدية على أهل الموصل ممن ولد بها ونشاء، ولا تدخلن فيهم غيرهم من أهل البلد)
الحديث. وقد عرفت ضعفه. قوله: (وتحمل العاقلة... إلخ). اختلف قول الشيخ وغيره من
الاصحاب في تحمل العاقلة ما دونالموضحة، فذهب الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3)
وابن إدريس (4) إليه، بل ادعى ابن إدريس الاجماع عليه، لعموم (5) الادلة على التحمل
من غير تفصيل. وذهب جماعة - منهم الشيخ في النهاية (6)، وابن الجنيد (7)، وأبو
الصلاح (8)،
(هامش)
(1) راجع ص: 509 هامش (2). (2) راجع المبسوط 7: 178، فقد حكى عن الاصحاب عدم تحمل
ما دون الموضحة، ونقل قولا ثانيا بتحمل القليل والكثير، ولم يرجح أحدهما، وأحال
التفصيل على كتابه الخلاف. نعم، نسب التحمل إلى ظاهر مبسوطه الشهيد في غاية المراد:
404. (3) الخلاف 5: 283 مسألة (106). (4) السرائر 3: 334. (5) راجع ص: 508 هامش
(1). (6) النهاية: 737. (7) حكاه عنه العلامة في المختلف: 787. (8) الكافي في
الفقه: 395 - 396. (*)
ص 513
أما الارش، فقد قال في المبسوط: يستأدى في سنة واحدة عند انسلاخها، إذا كان ثلث
الدية فما دون، لان العاقلة لا تعقل حالا. وفيه إشكال ينشاء من احتمال تخصيص
التأجيل بالدية لا بالارش. قال: ولو كان دون الثلثين، حل الثلث الاول عند انسلاخ
الحول، والباقي عند انسلاخ الثاني. ولو كان أكثر من الدية كقطع يدين وقلع عينين،
وكان لاثنين، حل لكل واحد عند انسلاخ الحول ثلث الدية. وإن كان لواحد، حل له ثلث،
لكل جناية سدس الدية. وفي هذا كله الاشكال الاول.
وابن (1) البراج في أحد قوليه،
والعلامة (2) في أحد قوليه - إلى عدم التحمل، لاصالة إيجاب العقوبة على مباشر
الجناية، وحوالتها على غيره خلاف الاصل، حكم به في الموضحة فما فوقها بالاجماع
وندوره، فلا يتعدى إلى غيره، وبخصوص (3) موثقة أبي مريم عن الباقر عليه السلام قال:
(قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا يحمل على العاقلة إلا الموضحة فصاعدا، وما
دون السمحاق وأجرة الطبيب سواء). (4) ولعل هذا أجود. قوله: (أما الارش... إلخ). هذا
كله قول الشيخ في المبسوط (5). ومحصله: إلحاق الارش بالدية في التأجيل، لكل سنة ثلث
الدية. فما كان فيه ثلث فما دون يتأجل إلى سنة، وما زاد
(هامش)
(1) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 404. (2) المختلف: 787. (3) في (د): ولخصوص.
(4) الكافي 7: 365 ح 4، التهذيب 10: 170 ح 669، الوسائل 19: 303 ب (5) من أبواب
العاقلة ح 1. (5) المبسوط 7: 176. (*)
ص 514
ولا تعقل العاقلة، إقرارا، ولا صلحا، ولا جناية عمد، مع وجود القاتل، ولو كانت
موجبة للدية، كقتل الاب ولده، أو المسلم الذمي، أو الحر المملوك.
عنه يتأجل الزائد
منه إلى سنتين، إلا أن يتجاوز الثلثين، فيتأجل الزائد عنهما إلى ثلاث سنين، إلى آخر
ما ذكره من التفصيل. ووافقه العلامة في القواعد (1). والمصنف - رحمه الله - استشكل
جميع هذه المسائل، من حيث إن المتيقن تأجيل الدية، فتعديه إلى الارش يحتاج إلى
الدليل، وليس بظاهر. وعذره في الاشكال واضح. قوله: (ولا تعقل العاقلة... إلخ). لا
فرق في العمد بين كونه محضا وشبيه عمد عند الاصحاب. ومستند الجميع رواية أبي بصير
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا تضمن العاقلة عمدا، ولا إقرارا، ولا صلحا) (2).
ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تحمل العاقلة عمدا ولا اعترافا)
(3). وحيث لا يتحمل الاقرار يلزم موجبه المقر، إذ لا سبيل إلى تعطيل دم المسلم، وقد
تعذر التحمل. ولان الاصل في الجناية لزومها للجاني، فإذا لم تحمل العاقلة هنا رجع
إلى الاصل. ولبعض (4) العامة قول بعدم لزوم شي بهذا الاقرار، لانه واقع في حق الغير
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 344. (2) الكافي 7: 366 ح 5، الفقيه 4: 107 ح 360، التهذيب
10: 170 ح 670، الاستبصار 4: 261 ح 983، الوسائل 19: 302 ب (3) من أبواب العاقلة ح
1. (3) سنن البيهقي 8: 104، تلخيص الحبير 4: 31 ذيل ح 1715. (4) الكافي للقرطبي 2:
1107، المغني لابن قدامة 9: 505 - 506، روضة الطالبين 7: 207. (*)
ص 515
ولو جنى على نفسه خطاء، قتلا أو جرحا، طل، ولم تضمنه العاقلة.
لا في حق المقر، فلا
يسمع، بناء على القول بأن الدية تجب ابتداء على العاقلة لاعلى وجه التحمل عن
القاتل. ونبه بقوله: (مع وجود القاتل) على خلاف بعضهم (1)، حيث حكم بوجوبها مع هربه
على العاقلة إذا لم يكن له مال، لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، وقد
سأله عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: (إن كان له مال
أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الاقرب فالاقرب، فإنه لا يطل دم امر مسلم) (2). وقد
تقدم (3) البحث في ذلك. والعامة (4) لم يفرقوا بين الخطاء المحض وعمد الخطاء في
حمله على العاقلة، استنادا إلى حديث المرأتين (5) وأن فعلهما كان شبيه العمد وحكم
صلى الله عليه وآله بحمله على العاقلة. وهو قول لبعض (6) اصحابنا، لكن الاشهر
خلافه. قوله: (ولو جنى على نفسه... إلخ). نبه بذلك على خلاف بعض (7) العامة، حيث
أوجب ديته على النفس على
(هامش)
(1) الكافي في الفقه: 395، النهاية: 736، الجامع للشرائع: 574، المختلف: 786. (2)
الكافي 7: 365 ح 3، الفقيه 4: 124 ح 430، التهذيب 10: 170 ح 671، الاستبصار 4: 261
ح 985، الوسائل 19: 302 ب (4) من أبواب العاقلة ح 1. (3) في ص: 260. (4) اللباب في
شرح الكتاب 3: 152 - 153، الحاوي الكبير 12: 340 - 341، حلية العلماء 7: 590،
المغني لابن قدامة 9: 497 - 498، روضة الطالبين 7: 200. (5) راجع ص: 510 هامش (4).
(6) الكافي في الفقه: 396. (7) الحاوي الكبير 12: 357 - 358، حلية العلماء 7: 592،
المغني لابن قدامة 9: 510. (*)
ص 516
وجناية الذمي في ماله، وإن كانت خطاء، دون عاقلته. ومع عجزه عن الدية فعاقلته
الامام، لانه يؤدي إليه ضريبته. ولا يعقل مولى المملوك جنايته، قنا كان أو مدبرا أو
مكاتبا أو مستولدة، على الاشبه.
عاقلته لورثته، وفي الطرف له. ويضعف بأن الدية تجب
للمقتول والمقطوع، بدليل قضاء دينه وتنفيذ وصاياه منها. ولا يجب للانسان بجنايته في
حق نفسه شي، كما لو أتلف ماله. وضمان العاقلة على خلاف الاصل، فيقتصر به على مورد
النص والاجماع، ومحله الجناية على الغير. قوله: (وجناية الذمي في ماله... إلخ). نبه
بقوله: (لانه يؤدي إليه ضريبته) على أنه كالمملوك الذي يؤدي الضريبة إلى مولاه، فلا
تعقله العاقلة، لانها لا تعقل عبدا، وإنما يعقله الامام. مع أن مقتضى التعليل عدمه،
لانه ليس مملوكا محضا. والحق الاستناد إلى النص، وهو صحيحة أبي ولا د عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: (ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة، إنما
يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت على إمام المسلمين، لانهم يؤدون إليه
الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده. قال: وهم مماليك الامام، فمن أسلم منهم
فهو حر) (1). قوله: (ولا يعقل مولى المملوك... إلخ). بمعنى أن جنايته تتعلق برقبته،
ولا يلزم المولى مطلقا. وقد تقدم (2) البحث فيه.
(هامش)
(1) الكافي 7: 364 ح 1، الفقيه 4: 106 ح 357، الوسائل 19: 300 ب (1) من أبواب
العاقلة ح 1. (2) في ص: 117. (*)
ص 517
وضامن الجريرة يعقل، ولا يعقل عنه المضمون. ولا يجتمع مع عصبة، ولا معتق، لان عقده
مشروط بجهالة النسب وعدم المولى. نعم، لا يضمن الامام مع وجوده ويسره، على الاشبه.
أما كيفية التقسيط: فإن الدية تجب ابتداء على العاقلة، لا يرجع بها على الجاني، على
الاصح.
والخلاف في أم الولد، فقد قال الشيخ في المبسوط (1): جنايتها على سيدها،
لمنعه من بيعها بالاستيلاد، فأشبه عتق الجاني، ولرواية مسمع عن الصادق عليه السلام:
(أن جنايتها في حقوق الناس على سيدها) (2). وهو ضعيف كالرواية. وقد تقدم البحث فيه.
قوله: (وضامن الجريرة... إلخ). من حيث إنه مضمون، أما لو دار الضمان من الجانبين
عقل كل منهما الاخر، من حيث إنه ضامن لا من حيث إنه مضمون. قوله: (أما كيفية
التقسيط... إلخ). اختلف في أن الدية هل تجب ابتداء على الجاني ويتحملها عنه
العاقلة، أم تجب عليهم ابتداء؟ فالاظهر في المذهب والمدلول عليه في النصوص (3)
الثاني. ووجه الاول: أن الاصل في الضمان كونه على المتلف، فيكون العدول عنه
(هامش)
(1) المبسوط 7: 160. (2) الكافي 7: 306 ح 17، التهذيب 10: 196 ح 779، الوسائل 19:
76 ب (43) من أبواب القصاص في النفس. (3) راجع الوسائل 19: 300 ب (2) من أبواب
العاقلة وغيره. (*)
ص 518
وفي كمية التقسيط قولان: أحدهما: على الغني عشرة قراريط، وعلى الفقير خمسة قراريط،
اقتصارا على المتفق. والاخر: يقسطها الامام على ما يراه، بحسب أحوال العاقلة. وهو
أشبه.
تحملا. وعليه يتفرع ما إذا لم تف العاقلة بالدية، فإنه يرجع بها أو بباقيها
على القاتل على الاول. وهو اختيار الشيخ في النهاية (1) وجماعة (2). والاصح أنه لا
يدخل في الضمان مطلقا. قوله: (وفي كمية التقسيط... إلخ). القولان للشيخ في كل واحد
من المبسوط (3) والخلاف (4). واحتج للاول بأنه المتفق عليه، وما زاد عنه مختلف فيه،
والاصل برأة الذمة من الزائد.والمتوسط هنا في معنى الفقير، لان المراد منه من ليس
بغني. واختار المصنف والعلامة (5) في أحد قوليه الثاني، لاصالة عدم التقدير، وعدم
وجود دليل صالح له. ولانه دين وجب على العاقلة عند أجله، فيجب أداؤه كغيره من
الديون. ولان التقديرات تتوقف على النص، ولا يجري فيها القياس عند كثير ممن قال به،
فعند المانع منه - كأصحابنا - أولى. وهذا هو الاظهر.
(هامش)
(1) النهاية: 737. (2) قواعد الاحكام 2: 345. (3) المبسوط 7: 174 و178. (4) الخلاف
5: 279 مسألة (100)، وص: 282 مسألة (105). (5) تحرير الاحكام 2: 280. (*)
ص 519
وهل يجمع بين القريب والبعيد؟ فيه قولان: أشبههما الترتيب في التوزيع. وهل تؤخذ من
الموالي مع وجود العصبة؟ الاشبه: نعم، مع زيادة الدية عن العصبة. ولو اتسعت، أخذت
من عصبة المولى. ولو زادت فعلى مولى المولى، ثم عصبة مولى المولى. ولو زادت الدية
عن العاقلة أجمع، قال الشيخ: يؤخذ الزائد من الامام، حتى لو كانت الدية دينارا وله
أخ، أخذ منه عشرة قراريط، والباقي من بيت المال. والاشبه إلزام الاخ بالجميع، إن لم
تكن عاقلة سواه، لان ضمان الامام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن الدية.
قوله: (وهل
يجمع بين القريب... إلخ). القول بفض الدية على القريب والبعيد مطلقا للشيخ (1) -
رحمه الله -، نظرا إلى عموم الادلة (2) بوجوبها على العاقلة المتناول للجميع.
والاشبه عند المصنف وأكثر المحققين (3) الترتيب في التوزيع، فيقدم الاقرب فالاقرب.
ولا يعدل إلى البعيد إلا مع عجز القريب عن الاتمام بحسب نظر الامام، أو نقصانه عن
القدر المعتبر حيث يحكم بالتقدير. فيبداء بالاخوة إن لم نقل بدخول الاب والولد، ثم
بأولادهم، ثم بالاعمام، ثم بأولادهم على ترتيب الارث. قوله: (وهل تؤخذ من
الموالي... إلخ). هذا متفرع على القولين السابقين، فإنا إن اعتبرنا القريب والبعيد
في درجة
(هامش)
(1) المبسوط 7: 178. (2) راجع الوسائل 19: 300 ب (2) من أبواب العاقلة وغيره. (3)
قواعد الاحكام 2: 344، اللمعة الدمشقية: 188. (*)
ص 520
واحدة أخذ هنا من المنعم مع وجود العصبة، لانه من جملة العاقلة، وإن تأخرت عن عصوبة
النسب كما في الميراث. وإن قلنا بمراعاة الاقرب فالاقرب، فإن لم يعجز النسب عن
الدية لم ينتقل إلى الموالي. وإن عجز أو لم يكمل القدر حيث اعتبرنا التقدير تحمل
معتقه، فإن فضل عنه شي تحمل عصبته، ثم معتق المعتق، ثم عصبته، وهكذا. فإن فقد من له
نعمة الولا على الجاني وعصباته تحمل معتق الاب، ثم عصباته، ثم معتق معتق الاب، ثم
عصباته، كما ذكرناه في الجاني. فإن لم يوجد من له نعمة الولا على الاب تحمل معتق
الجد، لان ضمانهمشروط بعدمه كالامام، ثم عصباته كذلك، وهكذا. والوجه الاخر الذي
أشار إليه المصنف بالخلاف: أنه لا تؤخذ من الموالي إلا مع فقد العصبة النسب [لان
ضمانه مشروط بعدمه كالامام] (1). وأما على تقدير زيادة الدية عن العاقلة أجمع ما
عدا الامام، ففي أخذ الزائد من الامام قولان: أحدهما - وهو الذي اختاره الشيخ (2)
وجماعة (3) -: أنه يؤخذ الباقي منه، بل الجميع لو لم تكن عاقلة، لان الامام يرثه
بالولا فيكون كغيره من الوارثين، ولرواية سلمة بن كهيل السابقة، فإنه قال في آخرها:
(وإن لم يكن له قرابة فرده إلي مع رسولي، فأنا وليه والمؤدي عنه، ولا يطل دم امر
مسلم) (4). ومقتضى ذلك
(هامش)
(1) من (أ) وإحدى الحجريتين. (2) المبسوط 7: 147، وفيه: أن الباقي في بيت المال.
(3) قواعد الاحكام 2: 345. (4) راجع ص: 509 هامش (2). (*)
ص 521
أن الامام يؤدي ذلك من ماله لا من بيت مال المسلمين. وقيل: بل من بيت مال المسلمين،
بناء على صرف ميراث من لا وارث له إليه عند فقد الاولى (1) [النسيب] (2). والاظهر
الاول. والثاني - وهو الذي اختاره المصنف -: أنه لا يؤخذ من الامام شي مع وجود
العاقلة النسب، لان ضمانه مشروط بعدمه. وفيه نظر. وقوله نقلا عن الشيخ: (حتى لو
كانت الدية دينارا، وله أخ أخذ منه عشرة قراريط، والباقي من بيت المال. والاشبه
إلزام الاخ بالجميع إن لم تكن عاقلة سواه، لان ضمان الامام مشروط بعدم العاقلة)
مبني على تقدير التقسيط كما هو رأي الشيخ، وعلى ضمان العاقلة دية ما عدا الموضحة،
ليمكن فرض كون الدية دينارا، وكلاهما ممنوع، كما تقدم (3). وفي قوله: (والباقي من
بيت المال) دلالة على أن مراده بكون الباقي على الامام أنه يؤديه من بيت المال.
وبهذا المراد صرح في المبسوط (4). وربما حمل قوله: (بيت المال) على بيت مال الامام،
لما ذكرناه من كون الامام هو الوارث، فيكون من العاقلة. وهو بعيد. والاولى أن يريد
به بيت مال المسلمين، لانه الظاهر. مع أنه في الاستبصار (5) جعل ميراث السائبة لبيت
المال، محتجا برواية سليمان بن خالد
(هامش)
(1) في (ث، ط): الاولياء، وفي إحدى الحجريتين: أولياء. (2) من الحجريتين. (3) في ص:
512. (4) راجع الصفحة السابقة هامش (2). (5) الاستبصار 4: 200 ذيل ح 749. (*)
ص 522
ولو زادت العاقلة عن الدية، لم يختص بها البعض. وقال الشيخ: يخص الامام بالعقل من
شاء، لان التوزيع بالحصص يشق. والاول أنسب بالعدل. ولو غاب بعض العاقلة، لم يخص بها
الحاضر.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن مملوك أعتق سائبة؟ قال: يوالي
من شاء، وعلى من يوالي جريرته، وله ميراثه. قلت: فإن مكث حتى يموت؟ قال: يجعل
ميراثه في بيت مال المسلمين) (1). وحملوه أيضا على بيت مال الامام. وهو بعيد. قوله:
(ولو زادت العاقلة... إلخ). القولان للشيخ. فالاول في الخلاف (2)، محتجا بأن الدية
فرضت على العاقلة كلهم، فمن خص بها قوما دون قوم فعليه الدلالة. والثاني: قوله في
المبسوط (3)، محتجا بما أشار إليه المصنف - رحمه الله - من مشقة التوزيع. والاظهر
الاول. وهذا الخلاف مبني على تقدير التوزيع، ليفرض زيادة عدد العاقلة عن قدر ما يخص
الواحد منهم. وعلى القول الاخر يسقط البحث. قوله: (ولو غاب... إلخ). لاشتراك الجميع
في العصوبة والميراث. وخالف في ذلك بعض (4) العامة، فحكم باختصاص الحاضر بها،
(هامش)
(1) الكافي 7: 172 ح 8، التهذيب 9: 395 ح 1409، الاستبصار 4: 199 ح 746، الوسائل
17: 553 ب (4) من أبواب ضمان الجريرة ح 8. (2) الخلاف 5: 286 مسألة (110). (3)
المبسوط 7: 180. (4) الحاوي الكبير 12: 364، روضة الطالبين 7: 210، حلية العلماء 7:
600. (*)
ص 523
وابتداء زمان التأجيل من حين الموت. وفي الطرف من حين الجناية، لا من وقت الاندمال.
وفي السراية من وقت الاندمال، لانموجبها لا يستقر بدونه. ولا يقف ضرب الاجل على حكم
الحاكم.
لاختصاصهم بقرب الدار، كما يقدم المختصون بقرب القرابة. ولان التحمل نوع
نصرة، وهو إنما يتأتى للحاضرين. وضعفه ظاهر، للفرق الواضح بين قرب النسب وقرب
الدار، ولو كان كذلك لافترق الحاضرون بالقرب والبعد أيضا. ووجه التحمل: النص
والاجماع المتعلق بالعاقلة لا من حيث النصرة، ومن ثم حمل من لم يصلح لها منهم.
قوله: (وابتداء زمان التأجيل... إلخ). لما كانت الدية مالا يحل بانقضاء الاجل، وجب
أن يكون ابتداؤه من وقت وجوبه، كسائر الديون المؤجلة. ووقت الوجوب في دية النفس وقت
الزهوق، سواء قتل بجراحة مدففة أم بسراية، من قطع عضو أو جراحة أخرى. وأما ما دون
النفس، فإن لم تسر الجناية فابتداء المدة من وقت الجناية أيضا، لان الوجوب يتعلق
بها وبالاندمال يتبين استقرارها، فلا يعتبر الاندمال وإن أوقفنا المطالبة بالدية
عليه، لان التوقف بالمطالبة على تقديره ليتبين منتهى الجراحة، وابتداء المدة ليس
وقت طلب، فلا تلزمه (1) المطالبة. فإذا انقضت السنة والجراحة باقية فالحكم في
مطالبة العاقلة كالجاني إذا كان عامدا ونحوه. وإن سرت من عضو إلى غيره، كما إذا قطع
إصبعه فسرى إلى الكف، ففيه وجهان:
(هامش)
(1) في (ث، د، م): يلازمه. (*)
ص 524
وإذا حال الحول على موسر، توجهت مطالبته. ولو مات لم يسقط ما لزمه، ويثبت في تركته.
ولو كانت العاقلة في بلد آخر، كوتب حاكمه بصورة الواقعة ليوزعها، كما لو كان القاتل
هناك.
أحدهما - وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله -: أن الابتداء من وقت الاندمال،
لان الجراحة لم تقف على محلها، بل سرت، فتعتبر المدة من نهاية أثرها، لانهالا تستقر
بدونه. والثاني: أن ابتدأه من وقت سقوط الكف في المثال، لانه نهاية الجناية، وقطع
الاصبع مع السراية كقطع الكف ابتداء. والاشهر الاول. ونبه بقوله: (ولا يقف الاجل
على حكم الحاكم) على خلاف بعض العامة (1)، فجعل ابتداء الاجل من حين المرافعة إلى
الحاكم، وآخرين (2) جعلوا أوله من وقت حكم الحاكم بالدية على العاقلة، حتى لو مضت
ثلاث سنين ثم ترافعوا يفتتح الحاكم ضرب المدة، محتجا بأن هذه مدة تناط بالاجتهاد،
فلا تبتداء بدون الحكم. قوله: (وإذا حال الحول... إلخ). لاستقرار الوجوب عليه بحول
الحول، فلا يسقط بالموت كغيره من الديون، خلافا لبعض (3) العامة حيث حكم بسقوطه عنه
لو مات قبل الاداء مطلقا.
(هامش)
(1) في (خ): الشافعية، وانظر الوجيز للغزالي 2: 155، روضة الطالبين 7: 210. (2) في
(ت): وآخرون، وانظر المبسوط للسرخسي 27: 130 - 131، الحاوي الكبير 12: 348، حلية
العلماء 7: 602. (3) الحاوي الكبير 12: 352، حلية العلماء 7: 602. (*)
ص 525
ولو لم يكن عاقلة، أو عجزت عن الدية، أخذت من الجاني. ولو لم يكن له مال، أخذت من
الامام. وقيل: مع فقر العاقلة أو عدمها، تؤخذ من الامام دون القاتل. والاول مروي.
ودية الخطاء شبيه العمد، في مال الجاني، فإن مات أو هرب، قيل: تؤخذ من الاقرب إليه،
ممن يرث ديته. فإن لم يكن فمن بيت المال. ومن الاصحاب من قصرها على الجاني، وتوقع
مع فقره يسره. والاول أظهر.
قوله: (ولو لم يكن عاقلة... إلخ). القولان للشيخ (1) -
رحمه الله -، إلا أنه جعل الوجوب على بيت مال المسلمين لاعلى الامام. والمصنف -
رحمه الله - جعل الاول منهما مرويا. وليس في الروايات ما يدل عليه صريحا، وإنما دلت
على الثاني، كرواية سلمة بن كهيل السابقة (2)، ورواية يونس بن عبد الرحمن المرسلة
عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: (في الرجل إذا قتل رجلا خطاء، فمات قبل أن يخرج
إلى أولياء المقتول من الدية، أن الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي
من بيت المال) (3). وفي رواية أبي ولا د أن: (جناية المقتول كانت على الامام، فكذلك
تكون ديته لامام المسلمين) (4). وهذا هو الاظهر. وقد تقدم (5) البحث فيه عن قريب.
قوله: (ودية الخطاء... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية: 737. (2) راجع ص: 509 هامش (2). (3) التهذيب 10: 172 ح 676، الوسائل
19: 304 ب (6) من أبواب العاقلة. (4) التهذيب 10: 178 ح 696، الوسائل 19: 93 ب (60)
من أبواب القصاص في النفس ح 2. (5) في ص: 519 - 521. (*)
ص 526
وأما اللواحقفمسائل: الاولى: لا يعقل الا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل، ولا
يكفي كونه من القبيلة، لان العلم بانتسابه إلى الاب، لا يستلزم العلم بكيفية
الانتساب. والعقل مبني على التعصيب، خصوصا على القول بتقديم الاولى.
القول الاول
للشيخ (1) والاكثر (2). ومستنده الاخبار (3) الدالة على أن قاتل العمد مع هربه أو
موته تؤخذ دية جنايته من عاقلته، وهذا من أفراده. وقد تقدم (4) البحث في ذلك في
القصاص. والقول الثاني لابن (5) إدريس، استنادا إلى أن دية عمد الخطاء على الجاني
دون العاقلة، فلا ينتقل إليهم بموته وهربه، عملا بالاصل، ورد الاخبار الدالة عليه
على أصله. والاظهر الاول، لصحيحة البزنطي (6) عن أبي جعفر عليه السلام، مؤيدة
بغيرها [عن الرضا عليه السلام] (7) وإن ضعف طريقها. قوله: (لا يعقل إلا من عرف
كيفية... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية: 738. (2) الجامع للشرائع: 574. (3) راجع الوسائل 19: 302 ب (4) من
أبواب العاقلة. (4) في ص: 260. (5) السرائر 3: 335. (6) التهذيب 10: 170 ح 672،
الوسائل 19: 303 ب (4) من أبواب العاقلة ح 3. (7) من (ث) والحجريتين، ولم نجد في
الباب رواية عن الرضا عليه السلام. (*)
ص 527
الثانية: لو أقر بنسب مجهول، ألحقناه به. فلو ادعاه الاخر وأقام البينة، قضينا له
[بالنسب]، وأبطلنا الاول. فلو ادعاه ثالث، وأقام البينة أنه ولد على فراشه، قضي له
بالنسب، لاختصاصه بالسبب. الثالثة: لو قتل الاب ولده عمدا، دفعت الدية منه إلى
الوارث، ولا نصيب للاب. ولو لم يكن وارث، فهي للامام. ولو قتله خطاء، فالدية على
العاقلة. ويرثها الوارث. وفي توريث الاب هنا قولان. ولو لم يكن وارث سوى العاقلة،
فإن قلنا: الاب لا يرث، فلا دية. وإن قلنا: يرث، ففي أخذه من العاقلة تردد. وكذا
البحث لو قتل الولد أباه خطاء.
لان المعتبر في التحمل كونه من العاقلة، وهي مختصة
بالعصبة بالنسبة إلى النسب، والقبيلة أعم من العصبة، فلا يلزم من وجود الاعم وجود
الاخص، كما لا يخفى. قوله: (لو أقر بنسب مجهول... إلخ). لان ذا البينة مقدم على ذي
اليد. ومع إقامة الثالث بينة بولادته على فراشه، يبنى على تقديم الخارج مع تعارض
البينتين مطلقا أو مع تسببها، فإن قلنا بأحدهما قدم الثالث أيضا لذلك. وهو الذي
اعتمده المصنف - رحمه الله - هنا وفيما سبق (1). قوله: (لو قتل الاب ولده عمدا...
إلخ). لا شبهة في عدم استحقاق الاب القاتل عمدا في الدية ولا غيرها مما تركه
(هامش)
(1) في ج 11: 125. (*)
ص 528
الرابعة: لا يضمن العاقلة عبدا ولا بهيمة ولا إتلاف مال، ويختص بضمان الجناية على
الادمي حسب.
الولد، لان القاتل عمدا لا يرث مطلقا. وأما على تقدير قتله خطاء، ففي
مشاركته للورثة في التركة مطلقا، أو في الدية، أو منعه مطلقا، أقوال تقدم (1) البحث
فيها في الميراث. وإنما أعادها هنا لانه على تقدير القول بإرثه من الدية هل يأخذها
من العاقلة أم لا؟ والاصح العدم. قوله: (لا يضمن العاقلة... إلخ). معنى عدم عقلها
العبد أنه لو جنى على غيره جناية توجب الدية على العاقلة لو كان حرا لا يتعلق
بعاقلته، بل برقبته، كما لو جنى عمدا. هذا هو المشهور بين الاصحاب ومنصوصهم. وفيه
قول نادر بضمانهم جناية العبد كالحر، عملا بالعموم. وهو ضعيف. وكذا لا يعقل عاقلة
الانسان ما تجنيه بهيمته جناية مضمونة، بل يكون على المالك. وكذا لا يعقل العصبة
قتل البهيمة خطاء، بل هي كسائر ما يتلفه من الاموال. وأما جنايته على العبد خطاء
فمقتضى قوله: (ويختص بضمان الجناية على الادمي حسب) أنها تضمن كما تضمن جنايته على
الحر. وهو أحد القولين في المسألة. وقيل: لا تضمن الجناية عليه أيضا، بل إنما تعقل
الديات، والمأخوذ عنالعبيد قيمة لادية، كسائر قيم الاموال المتلفة. وبهذا قطع في
التحرير (2)، وجعله
(هامش)
(1) في ج 13: 36 - 38. (2) تحرير الاحكام 2: 280. (*)
ص 529
الخامسة: لورمى طائرا وهو ذمي، ثم أسلم، فقتل السهم مسلما، لم يعقل عنه عصبته من
الذمة، لما بيناه، ولانه أصاب وهو مسلم، ولا عصبته المسلمون، لانه رمى وهو ذمي.
وتضمن الدية في ماله. وكذا لو رمى مسلم طائرا، ثم ارتد فأصاب مسلما، قال الشيخ: لم
يعقل عنه المسلمون من عصبته، ولا الكفار. ولو قيل: يعقل [عنه] عصبته المسلمون، كان
حسنا، لان ميراثه لهم على الاصح. [خاتمة] وحيث أتينا بما قصدناه، ووفينا بما
وعدناه، فلنحمد الله الذي جعلنا عند تبدد الاهواء وتعدد الاراء، من المتمسكين بمذهب
أعظم العلماء استحقاقا للعلا، وأكرم النجباء إعراقا في شرف الامهات والاباء،
المنتزعين من مشكاة الضياء، المتفرعين عن خاتم الانبياء وسيد الاوصياء.
تفسيرا
لقوله صلى الله عليه وآله: (لا تعقل العاقلة عبدا) (1). والاجود الاول. والظاهر من
الحديث أنها لا تعقل ما يجنيه العبد على غيره، كما لا يعقله مولاه أيضا، بل يتعلق
برقبته. قوله: (لو رمى طائرا... إلخ).
(هامش)
(1) لم نجده مسندا إلى النبي صلى الله عليه وآله. نعم، روي مرفوعا إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله عن عمر وابن عباس والشعبي، راجع غريب الحديث للهروي 2: 430، سنن
الدارقطني 3: 177 ح 276 - 277، سنن البيهقي 8: 104، نصب الراية 4: 379، تلخيص
الحبير 4: 31 ذيل ح 1715. (*)
ص 530
أظهر عظماء الانام فهما وبيانا، وأكثر علماء الإسلام علما وعرفانا، المخصوصين
بالبنوة من منصب النبوة، المختارين للامامة من فروع صاحب الاخوة. الذين أمر الله
سبحانه بمودتهم، وحث رسوله صلى الله عليه وآله على التمسك بهم، والعمل بسنتهم.
هنا
مسألتان: إحداهما: إذا رمى الذمي صيدا (1) فأسلم ثم أصاب إنسانا، فالدية في ماله،
لا تضرب على عاقلته الذميين ولا المسلمين. أما الذميون فلما تقدم (2) من الحكم
بأنهم لا يتعاقلون بالنص، ولانهم لم يكونوا عاقلة عند الاصابة. وأما المسلمون
فلانهم لم يكونوا عاقلته عند الرمي، وإنما يتحمل من يكون عاقلته في الحالتين. وعند
العامة (3) أن الكافر يعقله مثله، ولكنهم وافقونا (4) هنا على حكم المسألة، لما
ذكرناه من التعليل. وفرعوا على ذلك ما لو رمى وهو يهودي صيدا ثم تنصر ثم أصاب السهم
إنسانا، فإن قلنا إنه يقر على ما انتقل إليه فالدية على عاقلته، على أي دين كان،
لان الكفر ملة واحدة. وإن قلنا لا يقر عليه فهو مرتد لا عاقلة له، فتكون الدية في
ماله. الثانية: لو رمى طائرا وهو مسلم ثم ارتد ثم أصاب مسلما، ففي عقل المسلمين من
عصبته قولان:
(هامش)
(1) في (خ): طائرا. (2) في ص: 516. (3، 4) انظر المغني لابن قدامة 9: 508 - 509،
روضة الطالبين 7: 205 و203. (*)
ص 531
حتى قرنهم بالكتاب المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديهولا من خلفه، تنزيل من
حكيم حميد.
أحدهما: العدم. ذهب إليه الشيخ في المبسوط (1)، نظرا إلى أنه أصاب في
حال الردة، والمرتد لا يعقله المسلم كما لا يعقل الذمي. والثاني: نعم. وهو الذي
استحسنه المصنف - رحمه الله - لان المسلم وارث المرتد على الاصح، فيكون عقله عليه.
وأما الكفار فلا يعقلونه، لانه رمى وهو مسلم، ولان ميراثه ليس لهم، ولانهم لا
يعقلون الذمي عندنا، فالمرتد أولى. وهذا الخلاف يجري على القول بأن المسلم لا يعقل
المرتد، نظرا إلى رميه وهو مسلم. أما لو قلنا بأنه يعقله فهنا أولى، نظرا إلى
ابتداء الجناية حالة الإسلام.