ص 466
العاشرة: كل موضع قلنا: فيه الارش أو الحكومة، فهما واحد. والمعنى: أنه يقوم صحيحا
أن لو كان مملوكا، ويقوم مع الجناية، وينسب إلى القيمة، ويؤخذ من الدية بحسابه. وإن
كان المجني عليه مملوكا، أخذ مولاه قدر النقصان.
قد تقدم ما يدل على هذا التفصيل من
النصوص في كتاب القصاص (1). ونبه بالتسوية بين الرجل والمرأة في ذلك على خلاف بعضهم
(2)، حيث فرق بينهما في ذلك، وحكم فيما إذا جنت المرأة على مثلها فيما لا تبلغ ديته
الثلث كالاصبع، فإن دية مجموع أصابع اليد من المرأة لا تبلغ ثلث دية الرجل، فإن
ديتها مائتان وخمسون دينارا، وذلك يقتضي التوزيع على الخمس، فيكون في كل واحدة
خمسون، خرج منه ما إذا كان الجاني رجلا للنص، فتبقى المرأة على الاصل، مع أصالة
برأة الذمة من الزائد. وفي القواعد (3) استشكل الحكم هنا، مما ذكر، ومن إطلاق النص
بتساوي دية الرجل والمرأة فيما لا تبلغ ديته الثلث الشامل لموضع النزاع. قوله: (كل
موضع قلنا فيه الارش... إلخ).المقصود أن الحكومة جز من الدية نسبتها إليه نسبة ما
تنقصه الجناية من قيمة المجني عليه بتقدير التقويم. وذلك بأن يقدر المجني عليه
بصفاته التي هو عليها لو كان عبدا، وينظركم تنقص الجناية من قيمته؟ فإن قوم بمائة
دون الجناية، وبتسعين بعد الجناية، فالتفاوت عشر، فيجب عشر الدية. ووجه ذلك بأن
الجملة مضمونة بالدية، فتضمن الاجزاء بجز من الدية.
(هامش)
(1) في ص: 110. (2) انظر إيضاح الفوائد 4: 715. (3) قواعد الاحكام 2: 334. (*)
ص 467
فإذا قدر الشارع جزا من الدية اتبعناه. وإذا لم يقدر اجتهدنا في معرفته، ونظرنا في
النقصان، لان الاصل أن يجب بالجناية قدر النقصان، فيقدر كذلك ليعرف قدر النقصان، ثم
يعود إلى الدية، فتكون الجملة مضمونة بها. وهذا، كما أنا ننظر في نقصان القيمة إذا
أردنا أن نعرف أرش العيب، ثم نعود إلى الثمن، لان المبيع مضمون بالثمن. ولوقوع
الحاجة في معرفة الحكومة إلى تقدير الرق قالوا: إن العبد أصل للحر في الجنايات التي
لا يتقدر أرشها، كما أن الحر أصل للعبد في الجنايات التي يتقدر أرشها، حيث يجعل
جراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته. والمراد بالدية التي يرجع إليها في النسبة
دية النفس، لانا نقوم النفس أولا فنعتبر النقصان من ديتها. وذهب بعض (1) الشافعية
إلى أن المعتبر دية العضو الذي وردت الجناية عليه، فلو نقص عشر القيمة بالجناية على
اليد فالواجب عشر دية اليد. ثم الجناية إما أن ترد على عضو له دية مقدرة، أو على ما
ليس له ذلك.ففي الاول، إن نقص الارش عن دية ذلك العضو فالحكم كما ذكر. وإن ساواه أو
زاد عنه فمقتضى إطلاق المصنف - رحمه الله - وغيره ثبوته مطلقا. ولو قيل بأنه ينقص
منه شيئا لئلا تساوي الجناية على العضو مع بقائه زواله رأسا، كان وجها، لان العضو
مضمون بالدية المقدرة لو فات، فلا يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة مع بقائه. وفي
الثاني، يعتبر نقصانه عن دية النفس كما ذكر.
(هامش)
(1) روضة الطالبين 7: 164 - 165. (*)
ص 468
الحادية عشرة: من لا ولي له، فالامام [عليه السلام] ولي دمه، يقتص إن قتل عمدا. وهل
له العفو؟ الاصح: لا. وكذا لو قتل خطاء، فله استيفاء الدية، وليس له العفو.
النظر
الرابع في اللواحق

وهي أربع:
الاولى: في الجنين

ودية جنين المسلم الحر مائة دينار،
إذا تم ولم تلجه الروح، ذكرا كان أو أنثى.
قوله: (من لا ولي له... إلخ). عدم جواز
عفو الامام عن القصاص والدية - حيث يكون هو الولي - هو المشهور بين الاصحاب، حتى
كاد يكون إجماعا. والمستند صحيحة أبي ولا د عن الصادق عليه السلام: (في الرجل يقتل
وليس له ولي إلا الامام، أنه ليس للامام أن يعفو، وله أن يقتل أو يأخذ الدية) (1).
وهي تتناول العمد والخطاء. وذهب ابن إدريس (2) إلى جواز عفوه عن القصاص والدية
كغيره من الاولياء، بل هو أولى بالعفو. لكن الرواية الصحيحة مع عدم المعارض النقلي
تعين المصير إلى ما عليه معظم الاصحاب. قوله: (ودية جنين المسلم الحر... إلخ).
(هامش)
(1) التهذيب 10: 178 ح 696، الوسائل 19: 93 ب (60) من أبواب القصاص في النفس ح
2.(2) السرائر 3: 336. (*)
ص 469
المشهور بين الاصحاب أن دية جنين الحر المسلم بعد تمام خلقته وقبل ولوج الروح فيه
مائة دينار. ذهب إلى ذلك الشيخان (1) والاتباع (2) وابن إدريس (3) وجملة المتأخرين
(4)، لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام، إلى أن قال: (فإذا تم الجنين
كان له مائة دينار) (5). وغيرها من الاخبار. وذهب ابن الجنيد (6) إلى أن دية الجنين
مطلقا غرة - عبدا كان أو أمة - قيمتها نصف عشر الدية. وهو مذهب الجمهور (7)، وبه
وردت رواياتهم عن النبي صلى الله عليه وآله. وفيها: (أن امرأتين من هذيل رمت
إحداهما الاخرى فطرحت جنينها، فقضى رسول الله بغرة عبد أو وليدة، فقال بعضهم: كيف
فدى من لا شرب ولا أكل، ولا صاح ولا استهل، ومثل ذلك يطل؟! فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله: إن هذا من إخوان الكهان، وروى أسجعا كسجع الجاهلية) (8).
(هامش)
(1) المقنعة: 763، النهاية: 778. (2) المراسم: 242، المهذب 2: 509، غنية النزوع:
415، إصباح الشيعة: 501 - 502. (3) السرائر 3: 416. (4) الجامع للشرائع: 602، قواعد
الاحكام 2: 336، اللمعة الدمشقية: 187. (5) الكافي 7: 343 ح 2، التهذيب 10: 281 ح
1099، الوسائل 19: 169 ب (21) من أبواب ديات النفس. وفي المصادر: عن عبد الله بن
مسكان. (6) حكاه عنه العلامة في المختلف: 813. (7) اللباب في شرح الكتاب 3: 170،
بداية المجتهد 2: 415، شرح فتح القدير 9: 232، المغني لابن قدامة 9: 540 - 542،
حلية العلماء 7: 544 - 545، روضة الطالبين 7: 225. (8) مسند أحمد 2: 535، صحيح مسلم
3: 1309 - 1310 ح 36، سنن النسائي 8: 48 - 49، سنن البيهقي 8: 113 و114. (*)
ص 470
ورواه الاصحاب عن الصادق (1) عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله حكم بذلك.
وحملها الشيخ (2) على ما إذا لم يتم خلقته، جمعا بين الاخبار، مع أن في بعضها ما
ينافي هذا الحمل. والمراد بالغرة عبد أو أمة. يقال: غرة عبد أو أمة، على الاضافة،
ويروى على البدل. والغرة الخيار. ولا فرق في الجنين بين الذكر والانثى، لعموم
الاخبار، وبه صرح الشيخ في الخلاف (3). وفرق في المبسوط (4)، فأوجب في الذكر عشر
ديته، وفي الانثى عشر ديتها. واعتبار قيمة الغرة بنصف عشر الدية - كما ذكره ابن
الجنيد - موجود فيصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام: (قلت: إن الغرة تكون
بمائة دينار وتكون بعشرة دنانير، فقال: بخمسين) (5). ونقل في الغريبين عن الفقهاء
أن: (الغرة من العبيد الذي يكون ثمنه عشر الدية) (6). وهو مناسب للمشهور من وجوب
مائة دينار، وإن خالفه في عين الواجب.
(هامش)
(1) الكافي 7: 344 ح 7، التهذيب 10: 286 ح 1109 و1111، الاستبصار 4: 300 ح 1126 -
1128، الوسائل 19: 243 ب (20) من أبواب ديات الاعضاء ح 3، 4. (2) تهذيب الاحكام 10:
287 ذيل ح 1112، الاستبصار 4: 301 ذيل ح 1129. (3) الخلاف 5: 293 مسألة (124). (4)
المبسوط 7: 194. (5) الكافي 7: 346 ح 13، الفقيه 4: 109 ح 368، التهذيب 10: 287 ح
1114، الوسائل 19: 244 ب (20) من أبواب ديات الاعضاء ح 7. (6) الغريبين: 695 مخطوط.
(*)
ص 471
ولو كان ذميا، فعشر دية أبيه. وفي رواية السكوني (1)، عن جعفر عن علي عليهما
السلام، عشر دية أمه. والعمل على الاول. أما المملوك فعشر قيمة أمه المملوكة. ولو
كان الحمل زائدا عن واحد، فلكل واحد دية، ولا كفارة على الجاني. ولو ولجت فيه
الروح، فدية كاملة للذكر، ونصف للانثى. ولا تجب إلا مع تيقن الحياة. ولا اعتبار
بالسكون بعد الحركة، لاحتمال كونها عن ريح. وتجب الكفارة هنا مع مباشرة الجناية.
قوله: (ولو كان ذميا فعشر دية أبيه... إلخ). وجه الاول: أن الواجب في جنين الحر
المسلم مائة دينار، وهي عشر دية الاب. والرواية المذكورة ضعيفة السند بالسكوني.
وحملها العلامة (2) على ما إذا كانت أمه مسلمة جمعا. وهو بعيد. قوله: (أما المملوك
فعشر قيمة أمه... إلخ). هذا هو المشهور بين الاصحاب، ورواه السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (في جنين الامة عشر ثمنها) (3). وذهب الشيخ في المبسوط (4) إلى أن
ديته عشر قيمة الاب للذكر، وعشر قيمة الام للانثى. وهو أوفق بما تقرر لجنين الحر
والذمي.
(هامش)
(1) التهذيب 10: 288 ح 1122، الوسائل 19: 166 ب (18) من أبواب ديات النفس ح 3.(2)
قواعد الاحكام 2: 336. (4) التهذيب 10: 288 ح 1121، الوسائل 19: 245 ب (21) من
أبواب ديات الاعضاء ح 2. (5) راجع المبسوط 7: 197، وفيه: عشر قيمة الجنين إن كان
ذكرا وعشر قيمته إن كان أنثى، وانظر ص: 205 أيضا. وللاستزادة راجع مفتاح الكرامة
10: 506 - 507. (*)
ص 472
وفصل ابن الجنيد (1)، فأوجب نصف عشر قيمتها إذا ألقت ميتا، وإن ألقته حيا ثم مات
فعشر قيمتها، لرواية ابن سنان عن الصادق عليه السلام: (في رجل قتل جنين أمة لقوم في
بطنها، فقال: إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة الامة، وإن
ضربها فألقته حيا فمات فإن عليه عشر قيمة الامة) (2). هذا إذا كانت أمه أمة ليمكن
اعتبار عشر قيمتها. فلو كانت حرة وهو رقيق على وجه يصح، بأن كانا رقيقين فأعتقت بعد
حملها به وقبل الوضع، أو شرط مولى أبيه رقية الولد من حرة وجوزناه، ففي اعتبار قيمة
أبيه، أو أمه بتقدير كونها أمة، أو ما لم تزد عن قيمة أبيه، أوجه، من أن الاصل في
دية الجنين التبعية لدية الاب، خرج منه ما إذا كانت [ابن] (3) أمة بالنص فيبقى غيره
على الاصل، ومن عموم النص باعتبار دية جنين الامة بقيمة الام، فتقدر أمة حيث لا
تكون أمة حقيقة، وتقييده بعدم الزيادة عن قيمة الاب لانه الاصل فلا يتجاوزه، كما لا
يتجاوز [بقيمة] (4) العبد دية الحر. وهذا اختيار العلامة في التحرير (5)، والاول
اختياره في القواعد (6).
(هامش)
(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 813. (2) الفقيه 4: 110 ح 370، الوسائل 19: 245 ب
(21) من أبواب ديات الاعضاء ذيل ح 1. (3) من الحجريتين. (4) من (م). (5) تحرير
الاحكام 2: 277. (6) قواعد الاحكام 2: 336. (*)
ص 473
ولو لم يتم خلقته، ففي ديته قولان: أحدهما: غرة، ذكره في المبسوط (1)، وفي موضع آخر
من الخلاف (2)، وفي كتابي الاخبار (3). والاخر - وهو الاشهر -: توزيع الدية على
مراتب التنقل، ففيه: عظما ثمانون، ومضغة ستون، وعلقة أربعون.ويتعلق بكل واحدة من
هذه أمور ثلاثة: وجوب الدية، وانقضاء العدة.
قوله: (ولو لم يتم خلقته... إلخ). قد
عرفت اختلاف الاخبار في دية الجنين، وأن كثيرا (4) منها أطلق فيه كون الدية غرة.
وفي بعضها ما يدل على خلافه، كصحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام
عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة؟ فقال: عليه عشرون دينارا. قلت: فيضربها فتطرح
العلقة؟ قال: أربعون دينارا. قلت: فيضربها فتطرح المضغة؟ قال: عليه ستون دينارا.
قلت: فيضربها فتطرحه وقد صار له عظم؟ فقال: عليه الدية كاملة. وبهذا قضى أمير
المؤمنين عليه السلام.
(هامش)
(1) المبسوط 4: 125. (2) الخلاف 4: 113 مسألة (126). (3) التهذيب 10: 287 ذيل ح
1112، الاستبصار 4: 301 ذيل ح 1129. (4) راجع الوسائل 19: 242 ب (20) من أبواب ديات
الاعضاء. (*)
ص 474
قلت: وما صفة خلقة النطفة التي تعرف بها؟ قال: النطفة تكون بيضاء مثل النخامة
الغليظة، فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما، ثم تصير إلى علقة. قلت: فما صفة
خلقة العلقة التي تعرف بها؟ قال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة، تمكث في
الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما، ثم تصير مضغة. قلت: فما صفة خلقة المضغة
وخلقتها التي تعرف بها؟ قال: هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشبكة، ثم تصير إلى
عظم. قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ قال: إذا كان عظما شق له السمع والبصر،
ورتبت جوارحه، فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة) (1). وفي معناه أخبار كثيرة (2).
واختلف الاصحاب حينئذ بسبب اختلاف الاخبار، والاكثر (3) على التفصيل الذي اختاره
المصنف، لان روايته أصح في طريق الاصحاب وأكثر. مع أن في كل منهما منعا ظاهرا، بل
بعض كل منهما صحيح، وبعضه ضعيف الطريق. وجمع الشيخ (4) بينهما بحمل الغرة على ما
قبل تمام الخلقة. وليس
(هامش)
(1) الكافي 7: 345 ح 10، التهذيب 10: 283 ح 1103، الوسائل 19: 238 ب (19) من
أبوابديات الاعضاء ح 4. (2) راجع الوسائل 19: 237 الباب المتقدم. (3) الخلاف 5: 292
مسألة (122)، السرائر 3: 416، اللمعة الدمشقية: 187. (4) التهذيب 10: 287 ذيل ح
1112، الاستبصار 4: 301 ذيل ح 1129. (*)
ص 475
وصيرورة الامة أم ولد. ولو قيل: ما الفائدة، وهي تخرج بموت الولد عن حكم المستولدة؟
قلنا: الفائدة هي التسلط على إبطال التصرفات السابقة، التي يمنع منها الاستيلاد.
أما النطفة: فلا يتعلق بها إلا الدية، وهي عشرون دينارا بعد إلقائها في الرحم. وقال
في النهاية: تصير بذلك في حكم المستولدة. وهو بعيد.
بواضح، لتصريح كثير من الاخبار
- كالذي ذكرناه - بالتفصيل المنافي للغرة. وربما قيل بالتخيير بين الغرة وما ذكر،
جمعا بين الاخبار. وهو حسن، إلا أن التخيير بين الغرة التي لا تختلف قيمتها كثيرا -
خصوصا مع تقديرها بخمسين دينارا - وبين المراتب المختلفة المقدار جدا لا يخلو من
بعد، ولكنه أسهل من اطراح بعضها. قوله: (وصيرورة الامة... إلخ). نبه بذلك على أن
حكم الاستيلاد لا ينحصر في انعتاق أم الولد، وتحريم التصرف فيها بعد الولادة بما
يخرج عن الملك، ليتوهم انتفاء الفائدة في كونها أم ولد بإسقاطها، لان موت الولد
يخرجها عن حكم المستولدة عند الاصحاب فالاسقاط أولى. ووجه عدم الانحصار: أن بطلان
التصرفات كما يتحقق في الواقعة بعد الولادة، يتحقق في الواقعة بعد انعقاد الولد وإن
لم تضعه، بمعنى أنه لو باع الجارية ثم ظهر بها حمل من المولى زمان البيع بوضع الميت
أو نحو العلقة كان باطلا، ونحو ذلك من الفوائد. قوله: (أما النطفة - إلى قوله - وهو
بعيد).
ص 476
قال بعض الاصحاب: وفيما بين كل مرتبة بحساب ذلك. وفسره واحد: بأن النطفة تمكث عشرين
يوما، ثم تصير علقة. وكذا ما بين العلقة والمضغة، فيكون لكل يوم دينار. ونحن نطالبه
بصحة ما ادعاه الاول، ثم [نطالبه] بالدلالة على أنتفسيره مراد. على أن المروي في
المكث بين النطفة والعلقة: أربعون يوما. وكذا بين العلقة والمضغة. روى ذلك: سعيد بن
المسيب عن علي بن الحسين عليه السلام، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، وأبو
جرير القمي عن موسى عليه السلام. أما العشرون، فلم نقف بها على رواية. ولو سلمنا
المكث الذي ذكره، من أين [لنا] أن التفاوت في الدية مقسوم على الايام؟ غايته
الاحتمال، وليس كل محتمل واقعا. مع أنه يحتمل أن تكون الاشارة
القول المذكور للشيخ
في باب أمهات الاولاد من النهاية (1)، بناء على أن الاستيلاد مبني على التغليب
كالعتق، ولهذا اعتد بالعلقة والمضغة، والنطفة بعد استقرارها واستعدادها للصورة
الانسانية تشبه العلقة. واستبعده المصنف - رحمه الله - من حيث إن الاستيلاد حكم
شرعي فيتوقف على سبب متحقق، ولا يتحقق في كون النطفة ولدا، فتبقى الامة على ما كانت
عليه من حكم الاصل، ولبعد تسمية النطفة ولدا. وهو ظاهر كلامه في المبسوط (2). قوله:
(قال بعض الاصحاب... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية: 546. (2) راجع المبسوط 6: 186، وج 7: 194، فقد ذكر أربع حالات ليس
منها النطفة. (*)
ص 477
بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني، عن الصادق عليه السلام: (أن لكل قطرة تظهر في
النطفة دينارين). وكذا كل ما صار في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد دينارين. وهذه
الاخبار وإن توقفت فيها، لاضطراب النقل أو لضعف الناقل، فكذا أتوقف عن التفسير الذي
مر بخيال ذلك القائل.
المراد ببعض الاصحاب القائل بذلك الشيخ، فإنه قال ذلك في
النهاية (1). واختلف الاصحاب في تفسيرها، فقال الفاضل ابن إدريس - رحمه الله -: (في
النطفة بعد وضعها في الرحم إلى عشرين يوما عشرون دينارا، ثم بعد العشرين يوما لكل
يوم دينار إلى أربعين يوما، ففيه أربعون دينارا دية العلقة، ثم تصير مضغة ففيها
ستون) (2). وكذلك إلى المائة، وما بين ذلك بحسابه. قال المصنف - رحمه الله -: و(نحن
نطالبه بصحة ما ادعاه الاول - أعني:الشيخ رحمه الله - ثم بالدلالة على أن تفسيره
مراد)، فإن المروي (3) في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوما، وكذا بين العلقة
والمضغة. وقد تقدمت (4) رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام الدالة على
ذلك، وهي صحيحة. وأما رواية سعيد بن المسيب فقد رواها الحسن بن محبوب، عن عبد الله
بن غالب، عن أبيه، عن سعيد قال: (سألت علي بن الحسين عليهما السلام عن رجل ضرب
امرأة حاملا برجله فطرحت ما في بطنها ميتا؟ فقال: إن كان نطفة فإن عليه عشرين
دينارا.
(هامش)
(1) النهاية: 778. (2) السرائر 3: 416. (3) الوسائل 19: 240 ب (19) من أبواب ديات
الاعضاء ح 8 و9. (4) راجع ص: 473. (*)
ص 478
قلت: فما حد النطفة؟ قال: هي التي وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوما. قال: فإن
طرحته علقة فإن عليه أربعين دينارا. قلت: فما حد العلقة؟ قال: هي التي إذا وقعت في
الرحم فاستقرت فيه ثمانين يوما. قال: وإن طرحته وهي مضغة فإن عليه ستين دينارا.
قلت: فما حد المضغة؟ قال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مائة وعشرين يوما.
قال: فإن طرحته وهي نسمة مخلقة، له عظم ولحم مرتب الجوارح، قد نفخ فيه روح العقل،
فإن عليه دية كاملة. قلت له: أرأيت تحوله في بطنها من حال إلى حال أبروح كان ذلك أم
بغير روح؟ قال: بروح غذاء الحياة القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء،
ولولا أنه كان فيه روح غذاء الحياة ما تحول من حال بعد حال فيالرحم، وما كان إذن
على من قتله دية وهو في تلك الحال) (1). ورواية أبي جرير القمي قال: (سألت العبد
الصالح عليه السلام عن النطفة ما فيها من الدية، وما في العلقة، وما يقر في
الارحام؟ قال: إنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق، يكون نطفة أربعين يوما، ثم
يكون علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ففي النطفة أربعون دينارا، وفي العلقة
ستون دينارا، وفي
(هامش)
(1) الكافي 7: 347 ح 15، التهذيب 10: 281 ح 1101، الوسائل 19: 240 ب (19) من أبواب
ديات الاعضاء ح 8. (*)
ص 479
المضغة ثمانون دينارا، فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مائة دينار، قال الله تعالى:
(ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) (1). قال المصنف - رحمه الله -:
(وهذه الاخبار وإن توقفت فيها لاضطراب النقل أو لضعف الناقل، فكذا أتوقف عن التفسير
الذي مر بخيال ذلك القائل). وعنى باضطراب النقل أن بعض (2) هذه الروايات دل على أن
دية الجنين إذا صار كاملا دية الكامل وإن لم تلجه الروح، وبعضها (3) على أن ديته
مائة دينار، وأن الكاملة موقوفة على ولوج الروح. ثم في بعضها (4) دية العظم ثمانون،
وفي بعضها (5) لم يذكر هذه المرتبة. وأما ضعف الناقل، فحال سعيد بن المسيب في
الخلاف لاهل البيت عليهم السلام في الاحكام الشرعية وأقواله المشهورة فيها واضح.
وأما رواية محمد بن مسلم فقد ذكرنا أنها صحيحة السند. ورواية أبي جرير من الحسن.
فالتوقف فيها من هذا الوجه ليس بحسن، إلا أنها لا تدل على الحالات المذكورة. ومع
ذلك فالمكث عشرين يوما لم نقف فيه على رواية. وعلى تقدير تسليمه لا يلزم توزيع
الدية على الايام كما ادعاه. قال - رحمه الله -: ويحتمل أن يكون مراد الشيخ بذلك
الاشارة إلى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق عليه السلام.
(هامش)
(1) التهذيب 10: 282 ح 1102، الوسائل 19: 241 الباب المتقدم ح 9. والاية في سورة
المؤمنون: 14. (2) الوسائل 19: 238 الباب المتقدم ح 4. (3) الوسائل 19: 241 الباب
المتقدم ح 9 و10. (4) الوسائل 19: 241 الباب المتقدم ح 10. (5) الوسائل 19: 238
الباب المتقدم ح 2. (*)
ص 480
ولو قتلت المرأة، فمات معها [جنين]، فدية للمرأة، ونصف الديتين للجنين، إن جهل
حاله. ولو علم ذكرا فديته، أو أنثى فديتها. وقيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة، لانه
مشكل. ولا إشكال مع وجود ما يصار إليه من النقل المشهور. ولو ألقت المرأة حملها
مباشرة أو تسبيبا، فعليها دية ما ألقته. ولا نصيب لها من هذه الدية. ولو أفزعها
مفزع فألقته، فالدية على المفزع. ويرث دية الجنين من يرث المال، الاقرب فالاقرب.
ودية أعضائه وجراحته، بنسبة ديته.
وقال في النكت (1): الذي يتغلب أنه لم يرد
الايام، بل يريد ما رواه يونس الشيباني قال: (قلت لابي عبد الله عليه السلام: فإن
خرجت في النطفة قطرة دم؟ قال: القطرة عشر النطفة فيها اثنان وعشرون دينارا. قلت:
فإن قطرت قطرتين؟ قال: أربعة وعشرون دينارا. قلت: فإن قطرت ثلاث؟ قال: ستة وعشرون
دينارا. قلت: فأربع؟ قال: ثمانية وعشرون دينارا، وفي خمس ثلاثون، وما زاد على النصف
فعلى حساب ذلك حتى تصير علقة، فإذا صارت علقة ففيها أربعون) (2) الحديث. وهذا
الحديث أيضا في سنده جهالة، فالاستناد إليه مشكل. قوله: (ولو قتلت المرأة... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية ونكتها 3: 458. (2) الكافي 7: 345 ح 11، الفقيه 4: 108 ح 365، التهذيب
10: 283 ح 1105، الوسائل 19: 239 ب (19) من أبواب ديات الاعضاء ح 5. (*)
ص 481
ومن أفزع مجامعا فعزل، فعلى المفزع عشرة دنانير.
الحكم بوجوب نصف الديتين هو
المشهور بين الاصحاب، ذهب إليه الشيخان (1) والاتباع (2)، بل ادعى عليه في الخلاف
(3) الاجماع. والمستند ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قضى بذلك في رواية
(4) طويلة في سندها ضعف. ورواية عبد الله بن مسكان عن الصادق عليه السلام قال: (وإن
قتلت المرأة وهي حبلى، فلم يدر أذكر كان ولدها أو أنثى؟ فديته للولد نصفين: نصف دية
الذكر ونصف دية الانثى، وديتها كاملة) (5). وفي طريق الرواية محمد بن عيسى، عن يونس
أو غيره، عن عبد الله بن مسكان. وقد عرفت مرارا ضعف هذا الطريق. وأيضا فعبدالله بن
مسكان لم يثبت روايته عن الصادق عليه السلام بغير واسطة. وقال النجاشي (6): إنه قيل
ذلك، ولم يثبت. وذهب ابن إدريس (7) إلى القرعة، للاجماع على أنها لكل أمر مشكل.
وأجاب المصنف - رحمه الله - بأنه لا إشكال مع وجود ما يصار إليه من النقل المشهور.
(هامش)
(1) المقنعة: 762، النهاية: 778. (2) المهذب 2: 510، الوسيلة: 456. (3) الخلاف 5:
294 مسألة (125). (4) الكافي 7: 342 ح 1، الفقيه 4: 54 ح 194، التهذيب 10: 285 ح
1107، الوسائل 19: 237 ب (19) من أبواب ديات الاعضاء ح 1. (5) الكافي 7: 343 ح 2،
التهذيب 10: 281 ح 1099، الوسائل 19: 169 ب (21) من أبواب ديات النفس. (6) رجال
النجاشي: 214 رقم (559). (7) السرائر 3: 417. (*)
ص 482
وبالغ العلامة في المختلف، وتمالا على ابن إدريس في ذلك، وقال: (إن الروايتين وردتا
في الصحيح، وإذا كانت الروايات متطابقة على ذلك، وأكثر الاصحاب قد صاروا إليها، فأي
مشكل بعد ذلك في هذا الحكم حتى يرجع إليها ويعدل عن النقل وعمل الاصحاب؟! ولو
استعملت القرعة في ذلك لاستعملت في جميع الاحكام، لانا إذا تركنا النصوص بقيت مشكلة
هل التحريم ثابت أم لا؟ وكذا باقي الاحكام). قال: (وهذا في غاية السقوط) (1). وأنت
لا يخفى عليك ما في هذه المبالغة، لظهور ضعف الروايتين، وإرسال الثانية على الوجه
الذي أشرنا إليه، حتى لو حصل الشك في لقاء ابن مسكان للصادق عليه السلام لكفى ذلك
في عدم الحكم بالاتصال. وفي رواية التهذيب (2) ما يشعر بعدم الاتصال أيضا، لانه
قال: (عن عبد الله بن مسكان، ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام). فأشار بقوله:
(ذكره) إلى ما أشرنا إليه على اصطلاح أهل الحديث. وإذا كانت الروايتان ضعيفتين لا
يحصل نقل يعتمد عليه في ذلك، فيقع الاشكال الموجب للقرعة.وبهذا يفرق بين هذه
المسألة وغيرها من الاحكام التي قيل فيها بالقرعة، فإنه لا يلزم من اطراح ما هذا
شأنه اطراح جميع النقل الوارد بالاحكام والرجوع إلى القرعة. نعم، لو ثبت الاجماع
الذي ادعاه الشيخ (3) كان هو المستند، وامتنع القول بالقرعة بعده، لكن دونه خرط
القتاد. وقد عرفت ما في هذه الدعوى من المجازفة، خصوصا دعوى الشيخ في الخلاف، فقد
وقفناك في كل باب من أبواب
(هامش)
(1) المختلف: 814. (2) التهذيب 10: 281 ح 1099. (3) راجع الصفحة السابقة هامش (3).
(*)
ص 483
ولو عزل المجامع اختيارا عن الحرة ولم تأذن، قيل: يلزمه عشرة دنانير. وفيه تردد،
أشبهه أنه لا يجب. أما العزل عن الامة فجائز، ولا دية وإن كرهت. وتعتبر قيمة الامة
المجهضة، عند الجناية لا وقت الالقاء.
الفقه على دعواه ذلك، مع مخالفته له في غيره
من كتبه. هذا كله على تقدير العمل بالنقل وإن كان بطريق الاحاد. وأما على قاعدة ابن
إدريس (1) والمرتضى (2) - رحمه الله - فلا أثر عندهما لصحة النقل حيث لا يكون
متواترا، فعذره في العدول إلى القرعة واضح. وأما العامل بخبر الواحد، فإن توقف على
صحته أو حسنه أو ثقته لم يمكنه العمل بهذين الخبرين، إلا أن يجعل الشهرة جابرة
للضعف، أو يقول بثقة محمد بن عيسى وإن روى عن يونس، وفي المقامين خلاف مشهور بين
علماء الرجال، فليعتمد الفقيه على ما يقتضيه نظره في ذلك. والله أعلم. قوله: (ولو
عزل المجامع اختيارا... إلخ). القول بوجوب الدية على المجامع للشيخين (3) وجماعة
(4)، استنادا إلى ما روي (5) صحيحا عن علي عليه السلام من وجوبها على من أفزع
مجامعا فعزل. وهو استدلال بغير موضع النزاع.
(هامش)
(1) السرائر 1: 51. (2) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 528. (3) المقنعة: 763،
النهاية: 779. (4) الكافي في الفقه: 392، المهذب 2: 510 - 511، الوسيلة: 456، قواعد
الاحكام 2: 25، التنقيح الرائع 4: 522. (5) الكافي 7: 342 ح 1، الفقيه 4: 54 ح 194،
التهذيب 10: 296 ح 1148، الوسائل 19: 238 ب (19) من أبواب ديات الاعضاء ح 1. ولفظ
الرواية في التهذيب فقط يوافق المتن هنا. (*)
ص 484
فروع لو ضرب النصرانية حاملا، فأسلمت وألقته، لزم الجاني دية جنين المسلم، لان
الجناية وقعت مضمونة، فالاعتبار بها حال الاستقرار. ولو ضرب الحربية، فأسلمت
وألقته، لم يضمن، لان الجناية لم تقع مضمونة. فلم يضمن سرايتها. ولو كانت أمة،
فأعتقت وألقته، قال الشيخ: للمولى أقل الامرين من عشر قيمتها وقت الجناية أو الدية،
لان عشر القيمة إن كان أقل، فالزيادة بالحرية، فلا يستحقها المولى، فتكون لوارث
الجنين. وإن كانت دية الجنين أقل، كان له الدية، لان حقه نقص بالعتق. وما ذكره بناء
على القول بالغرة، أو على جواز أن تكون دية جنين الامة أكثر من دية جنين الحرة.
وكلا التقديرين ممنوع. فإذا له عشر قيمة أمه يوم الجناية على التقديرين.
والاصح عدم
الوجوب، للاصل، وجواز العزل على أصح القولين أيضا، فلا يتعقبه ضمان. وقد تقدم البحث
في ذلك في النكاح (1)، وأن بعض الاصحاب أوجب على العازل دية النطفة وإن جاز العزل.
وهو ضعيف جدا. قوله: (لو ضرب النصرانية حاملا... إلخ). إذا جنى على ذمية حبلى تحت
ذمي فأسلمت، أو أسلم الذمي فتبعه الولد ثم أجهضت، وجب على الجاني دية جنين مسلم،
لان الاعتبار في قدر الضمان بالاعلى حيث وقعت الجناية مضمونة، كما لو ضرب ذميا
فأسلم ثم سرت الجناية
(هامش)
(1) في ج 7: 64. (*)
ص 485
على نفسه، فإنه يجب له دية المسلم كما تقدم (1). وهذا بخلاف ما إذا جنى على حربية
فأسلمت ثم أجهضت، فإنه لا ضمان أصلا، لانه لم يكن مضمونا (2) في الابتداء، كما لو
جرح حربيا فأسلم ثم سرت إليه. وذهب بعض (3) العامة إلى وجوب دية كاملة هنا اعتبارا
بحالة الاجهاض، فإن الجناية حينئذ تتحقق. ولو كان المضروب أمة فأعتقت ثم أجهضت ضمن
دية الحرة كالاولى، لما ذكر فيها من التعليل. ثم ما الذي يستحقه المولى من ذلك؟ فيه
قولان: أحدهما - وهو الذي ذهب إليه الشيخ في المبسوط (4) -: أن المستحق الاقل من
عشر قيمة الامة ومن دية الجنين، لانه إن كانت الدية أقل فلا واجب غيرها، وإن كان
العشر أقل فهو المستحق للسيد وما زاد زاد بالحرية. وهذا القول لا يتم إلا بأحد
أمرين: إما القول بوجوب الغرة للجنين مطلقا، فيمكن كون قيمة الغرة أكثر من الدية.
والشيخ - رحمه الله - وإن كان يقول به على بعض الوجوه، لكن في المبسوط (5) جعل دية
الجنين الحر مائة دينار، فلا يتم البناء. وإما القول بجواز أن تكون دية جنين الامة
أزيد من دية جنين الحرة إذا
(هامش)
(1) في ص: 147. (2) في (ث، د، ط، م): معصوما.(3) روضة الطالبين 7: 220. (4) المبسوط
7: 198. (5) المبسوط 7: 193. (*)
ص 486
ولو ضرب حاملا خطاء فألقت، وقال الولي: كان حيا، فاعترف الجاني، ضمن العاقلة دية
الجنين غير الحي، وضمن المعترف ما زاد، لان العاقلة لا تضمن إقرارا.
زادت قيمة الام
(1) عن دية الحرة، وأنه لا يلزم من رد قيمة الام (2) إلى دية الحرة رد دية جنينها
إلى دية جنين الحرة. وكلاهما ممنوع عند المصنف، فلهذا اختار القول الثاني في
المسألة، وهو وجوب عشر قيمة أمه يوم الجناية مطلقا، والزائد بالحرية لورثة الجنين.
ولبعض الشافعية (3) وجه ثالث، وهو أنه لا يستحق المولى بحكم الملك شيئا، لان
الاجهاض وقع في حال الحرية، وما يجب إنما يجب بالاجهاض، فأشبه ما إذا حفر بئرا
فتردى فيها حر كان رقيقا عند الحفر، فإنه لا يستحق السيد من الضمان شيئا. والفرق
بين الامرين واضح، فإن الحفر لا تأثير له في البدن قبل الوقوع، بخلاف الضرب. قوله:
(ولو ضرب حاملا خطاء... إلخ). وجه عدم ضمان العاقلة دية الحي - مضافا إلى ما ذكره
المصنف رحمه اللهمن أنها لا تضمن إقرارا -: أن الاصل عدم حياة الجنين، لان حياته
حادثة والاصل في الحادث عدم وجوده في وقت يحصل الشك فيه، فالمتيقن عليهم دية جنين
غير حي، والزائد ثبت باعتراف الجاني فلا يلزم العاقلة، لما ذكر من أنها لا تضمن
إقرارا.
(هامش)
(1) في (أ): الامة. (2) في (خ): الامة. (3) روضة الطالبين 7: 220 - 221. (*)
ص 487
ولو أنكر وأقام كل واحد بينة، قدمنا بينة الولي، لانها تتضمن زيادة. ولو ضربها
فألقته، فمات عند سقوطه، فالضارب قاتل يقتل إن كان عمدا، ويضمن الدية في ماله إن
كان شبيها، ويضمنها العاقلة إن كان خطاء. وكذا لو بقي ضمنا ومات، أو وقع صحيحا وكان
ممن لا يعيش مثله. وتلزمه الكفارة في كل واحدة من هذه الحالات. ولو ألقته حيا فقتله
آخر، فإن كانت حياته مستقرة، فالثاني قاتل، ولا ضمان على الاول ويعزر. وإن لم تكن
مستقرة، فالاول قاتل، والثاني اثم يعزر لخطائه.
قوله: (ولو أنكر وأقام... إلخ). وهي
الحياة التي قد تخفى على بينة الضارب، لجواز بنائها على الاصل، فيكون المثبت مقدما
على النافي. قوله: (ولو ضربها فألقته... إلخ).ضابط الحكم بالقصاص أو الدية في
الجميع تيقن حياته بعد الانفصال، سواء كانت مستقرة أم لا، وموته من الجناية، لصدق
إزهاق الروح المحترمة، خلافا لبعض (1) العامة حيث حكم بأنه إذا لم يتوقع أن يعيش لا
يكمل فيه الدية. قوله: (ولو ألقته حيا فقتله آخر... إلخ). لا فرق في ضمان النفس
بالقصاص والدية بين أن يكون حياة المجني عليه مستقرة وعدمه، حيث لا يكون ذلك
بجناية. وإنما يعتبر ذلك لو كان عدم استقرارها مستندا إلى جناية، فإنه حينئذ يقدم
السابق، لانه القاتل حقيقة، والثاني آثم لفعله المحرم، فيعزر عليه كما في فاعل كل
محرم.
(هامش)
(1) مختصر المزني: 250، حلية العلماء 7: 547، روضة الطالبين 7: 217. (*)
ص 488
ولو جهل حاله حين ولادته، قال الشيخ (1): سقط القود للاحتمال، وعليه الدية. ولو
وطئها ذمي ومسلم لشبهة في طهر واحد، فسقط بالجناية، أقرع بين الواطئين، وألزم
الجاني بنسبة دية من ألحق به. ولو ضربها، فألقت عضوا كاليد، فإن ماتت، لزمه ديتها
ودية الحمل. ولو ألقت أربع أيد، فدية جنين واحد، لاحتمال أن يكون ذلك لواحد. ولو
ألقت العضو، ثم ألقت الجنين ميتا، دخلت دية العضو في ديته. وكذا لو ألقته حيا فمات.
ولو سقط وحياته مستقرة، ضمن دية اليد حسب. ولو تأخر
ولا إشكال في ضمان الثاني لو
كان حياته مستقرة بعد وضعه بجناية الاول، لان الثاني هو القاتل، ويعزر الاول
لجنايته التي لم يترتب عليها المال. قوله: (ولو جهل حاله... إلخ). وجه سقوط القود
أصالة عدم الحياة. والمراد بالدية دية جنين ميت، لان ذلك هو المتيقن. ونسبة هذا
القول إلى الشيخ يؤذن برده أو التردد فيه. ولا وجهله، إلا أن يريد الشيخ بالدية
الكاملة للحي، فيشكل ذلك بأصالة عدم الحياة الدافعة للقود على تقدير التعمد، فكذلك
الدية. وفي القواعد (2) جزم بالحكم كذلك من غير أن ينسبه إلى الشيخ، وأطلق وجوب
الدية. وينبغي أن يراد بها ما ذكرناه. قوله: (ولو ضربها فألقت عضوا... إلخ).
(هامش)
(1) المبسوط: 203. (2) قواعد الاحكام 2: 338. (*)
ص 489
سقوطه، فإن شهد أهل المعرفة أنها يد حي، فنصف ديته، وإلا فنصف المائة. مسألتان:
الاولى: دية الجنين إن كان عمدا أو شبيه العمد، ففي مال الجاني. وإن كان خطاء، فعلى
العاقلة، وتستأدى في ثلاث سنين.
إذا ألقت المرأة بالجناية عليها يدا أو رجلا وماتت
ولم ينفصل الجنين بتمامه، وجبت دية الجنين مضافا إلى ما يجب بالجناية عليها من قود
أو دية، لان العلم قد حصل بوجود الجنين، وشهادة الظاهر بأن عضوه بان بالجناية. ولو
ألقت يدين أو رجلين فلا إشكال في وجوب تمام ديته. ولو ألقت من الايدي أو الارجل
أربعا أو ثلاثا لم يجب إلا دية واحدة، لاصالة عدم الزائد عن واحد، ويمكن كون الجميع
لواحد، بعضها أصلية وبعضها زائدة، وإن كان بعيدا، إلا أنه يؤيده الاصل. ولو ألقت
رأسين فكذلك، لامكان كونهما لواحد. وقد تقدم (1) في الميراث ما يدل عليه. وقد روي
(2) أن امرأة ولدت ولدا له رأسان، وكان إذا بكى بكى بهما، وإذا سكن سكن بهما. ولو
ألقت بدنين، فإن كانا تامين فهما اثنان. وإن أمكن كونهما على حقو واحد فكالرأسين،
لاصالة عدم الزائد. ولو ألقت بالجناية عضوا من يد أو رجل، ثم ألقت جنينا، فله
حالتان: إحداهما: أن يكون الجنين بعد ذلك العضو، فإن كان ميتا لم يجب إلا دية
(هامش)
(1) في ج 13: 258. (2) الكافي 7: 159 ح 1، الفقيه 4: 240 ح 764، التهذيب 9: 358 ح
1278، الوسائل 17: 581 ب (5) من أبواب ميراث الخنثى ح 1 مع اختلاف في بعض اللفظ.
(*)
ص 490
الثانية: في قطع رأس الميت المسلم الحر مائة [دينار]. وفي قطع جوارحه بحساب ديته.
وكذا في شجاجه وجراحه. ولا يرث وارثه منها شيئا، بل تصرف في وجوه القرب عنه، عملا
بالرواية. وقال علم الهدىرحمه الله: تكون لبيت المال.
واحدة، ويقدر العضو مبانا منه
بالجناية، فتدخل ديته في دية النفس. وكذا لو انفصل حيا ثم مات بالجناية. وإن عاش
فدية العضو حسب. ولو تأخر سقوط الجنين عن العضو، وشككنا في حياته حالة انفصال العضو
منه وعدمها، احتمل الاقتصار على نصف المائة، لاصالة عدم الحياة حينئذ، ولانه
المتيقن. وكذا لو أوجبنا الغرة لكماله وجب هنا نصفها. واختار المصنف - رحمه الله -
وجماعة (1) مراجعة القوابل وأهل المعرفة (2)، فإن أخبروا بأنها يد من لم تخلق فيه
الحياة فالواجب [فيه] (3) نصف دية الجنين، وإن قالوا إنها يد من خلقت فيه الحياة
فنصف الدية. وهذا حسن مع إمكان الحكم بذلك، وإلا فالاصل البرأة من الزائد. ثم على
تقدير الحكم بجناية فالاشكال واقع في ذكوريته وأنوثيته، والمتيقن نصف دية الانثى،
فإن انفصل ذكرا أكمل، ولو استمر الاشتباه - بأن ماتت - فالحكم كما سبق (4) من
القرعة أو نصف الديتين. قوله: (في قطع رأس الميت المسلم الحر... إلخ).
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 338. (2) في (ط): الخبرة. (3) من (أ). (4) راجع ص: 480 - 481.
(*)
ص 491
هذا الحكم هو المشهور بين الاصحاب. ومستنده أخبار [كثيرة] (1) منها حسنة سليمان بن
خالد قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: إنا روينا عن أبي عبد الله عليه
السلام حديثا أحب أن أسمعه منك! قال: وما هو؟ قلت: بلغني أنه قال في رجل قطع رأس
رجل ميت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله حرم من المسلم ميتا ما
حرم منه حيا، فمن فعل بميت ما يكون في ذلك اجتياح نفس الحي فعليه الدية. فقال: صدق
أبو عبد الله عليه السلام، هكذا قال رسول الله صلى الله عليهوآله. قلت: من قطع رأس
رجل ميت، أو شق بطنه، أو فعل به ما يكون في ذلك الفعل اجتياح نفس الحي، فعليه دية
النفس كاملة؟ فقال: لا، ثم أشار إلي بإصبعه الخنصر فقال: أليس لهذه دية؟ قلت: بلى.
قال: فتراه دية نفس؟ قلت: لا. قال: صدقت. قلت: وما دية هذا إذا قطع رأسه وهو ميت؟
قال: ديته دية الجنين في بطن أمه قبل أن تنشاء فيه الروح، وذلك مائة دينار.
(هامش)
(1) من الحجريتين. (*)
ص 492
قال: فسكت وسرني ما أجابني به. فقال: لم لا تستوف مسألتك؟ فقلت: ما عندي فيها أكثر
مما أجبتني به، إلا أن يكون شي لا أعرفه. فقال: دية الجنين إذا ضربت أمه فسقط من
بطنها قبل أن تنشاء فيه الروح مائة دينار، وهي لورثته، وإن دية هذا إذا قطع رأسه أو
شق بطنه فليس هي لورثته، إنما هي له دون الورثة. فقلت: وما الفرق بينهما؟ فقال: إن
الجنين مستقبل مرجو نفعه، وإن هذا قد مضى وذهبت منفعته، فلما مثل به بعد موته صارت
ديته بتلك المثلة له لا لغيره، يحج بها عنه أو يفعل بها من أبواب البر والخير من
صدقة أو غيرها. قلت: فإن أراد رجل أن يحفر له بئرا ليغسله في الحفيرة، فسدر (1)
الرجل فيما يحفر بين يديه، فمالت مسحاته في يده فأصابت بطنه فشقته، فما عليه؟ فقال:
إن كان هكذا فهو خطاء، وإنما عليه الكفارة: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو
صدقة على ستين مسكينا، لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وآله) (2).وإطلاق هذه
الرواية وغيرها يدل على عدم الفرق في ذلك بين الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر
والانثى. ومقتضى آخرها أن الخاطئ لا شي
(هامش)
(1) سدر بصره: لم يكد يبصر. والسدر بالتحريك: كالدوار، وهو كثيرا ما يعرض لراكب
البحر. لسان العرب 4: 355. (2) الكافي 7: 349 ح 4، الفقيه 4: 117 ح 404، التهذيب
10: 273 ح 1073، الاستبصار 4: 298 ح 1121، الوسائل 19: 247 ب (24) من أبواب ديات
الاعضاء ح 2. (*)
ص 493
عليه من الدية، وإن كان إطلاقها الاول يقتضي عدم الفرق أيضا بين العمد وغيره. ويؤيد
الاخير أن هذا الحكم على خلاف الاصل فينبغي أن يقتصر فيه على موضع اليقين، خصوصا
فيما يوجب الدية على العاقلة. والحكم مختص بالمسلم، فلو كان ذميا احتمل عدم وجوب
شي، ووجوب عشر ديته، كما ينبه عليه إلحاقه بالجنين التام. ولو كان عبدا فعشر قيمته.
ودلت الرواية أيضا على صرف الدية في وجوه البر عن الميت. والمرتضى (1) - رحمه الله
- أوجب جعلها في بيت المال. والعمل بالمروي أظهر. ولو كان عليه دين فقضاء دينه أهم
من وجوه البر عنه، خصوصا مع قوله في الرواية: (إنما هي له دون الورثة). وفي مقابلة
القول المشهور بوجوب مائة دينار لقطع رأس الميت قول ابن بابويه (2) بوجوب دية كاملة
لمن فعل به فعلا يوجب قتله لو كان حيا، لرواية عبد الله بن مسكان عن الصادق عليه
السلام: (في رجل قطع رأس الميت، قال: عليه الدية، لان حرمته ميتا كحرمته حيا) (3).
فحملها الصدوق على ما إذا أرادقتله في حياته، فإنه يلزمه الدية، وإذا لم يرد قتله
في الحياة كان عليه مائة دينار. وحملها الشيخ (4) على إرادة دية الجنين، وهو مائة
دينار. وهذا أجود، مع أن في طريق الرواية محمد بن سنان، فهي ضعيفة.
(هامش)
(1) الانتصار: 272. (2) الفقيه 4: 117 ذيل ح 406. (3) الفقيه 4: 117 ح 406، التهذيب
10: 273 ح 1072، الاستبصار 4: 297 ح 1120، الوسائل 19: 249 ب (24) من أبواب ديات
الاعضاء ح 6. (4) التهذيب 10: 273 ذيل ح 1072، الاستبصار 4: 298 ذيل ح 1120. (*)
ص 494
الثانية: في الجناية على الحيوان

وهي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساما ثلاثة:
الاول: ما يؤكل كالغنم والبقر والابل، فمن أتلف شيئا منها بالذكاة، لزمه التفاوت
بين كونه حيا وذكيا. وهل لمالكه دفعه والمطالبة بقيمته؟ قيل: نعم. وهو اختيار
الشيخين (1) رحمهما الله [تعالى]، نظرا إلى إتلاف أهم منافعه. وقيل: لا، لانه إتلاف
لبعض منافعه، فيضمن التالف. وهو أشبه. ولو أتلفه لا بالذكاة، لزمه قيمته يوم
إتلافه. ولو بقي فيه ما ينتفع به، كالصوف والشعر والوبر والريش، فهو للمالك، يوضع
من قيمته. ولو قطع بعض أعضائه، أو كسر شيئا من عظامه، فللمالك الارش. الثاني: ما لا
يؤكل وتصح ذكاته كالنمر والاسد والفهد، فإن أتلفه بالذكاة ضمن الارش، لان له قيمة
بعد التذكية. وكذا في قطع جوارحه وكسر عظامه، مع استقرار حياته. وإن أتلفه لا
بالذكاة، ضمن قيمته حيا.
قوله: (في الجناية على الحيوان... إلخ). القول بتحتم أرشه
وعدم جواز دفعه إلى مالكه لابن إدريس (2)، لتحقق ماليته بعد الجناية، وأصالة برأة
الذمة مما زاد عن الارش. وهذا أقوى. وضعف قول الشيخين ظاهر، لان فوات أهم المنافع
لا يقتضي رفع ماليته
(هامش)
(1) المقنعة: 769، النهاية: 780. (2) السرائر 3: 420. (*)
ص 495
الثالث: ما لا يقع عليه الذكاة ففي كلب الصيد أربعون درهما. ومن الناس من خصه
بالسلوقي، وقوفا على صورة الرواية. وفي رواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام
في كلب الصيد أنه يقوم. وكذا كلب الغنم، وكلب الحائط. والاول أشهر.
رأسا حتى يلزم
بتمام القيمة. قوله: (ففي كلب الصيد... إلخ). الخلاف في هذا الكلب وقع في موضعين:
أحدهما: هل هو كلب الصيد مطلقا، والمراد به المعلم، سواء كان سلوقيا أم لا، أم هو
مخصوص بالسلوقي؟ فالاكثر (1) على الاول، والشيخان (2) علىالثاني، لوروده في
الروايات، كرواية الوليد بن صبيح عن الصادق عليه السلام قال: (دية الكلب السلوقي
أربعون درهما، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك أن يديه لبني خزيمة) (3).
ورواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: (دية الكلب السلوقي أربعون درهما)
(4). والسلوقي منسوب إلى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة. والاولون حملوه على
المعلم مطلقا، للمشابهة.
(هامش)
(1) المقنع: 534، المراسم: 243، إصباح الشيعة: 510، السرائر 3: 421، الجامع
للشرائع: 604، كشف الرموز 2: 679، تحرير الاحكام 2: 279، اللمعة الدمشقية: 188،
المقتصر: 466. (2) المقنعة: 769، النهاية: 780. (3) الكافي 7: 368 ح 5، التهذيب 10:
309 ح 1154، وفيهما: لبني جذيمة، الوسائل 19: 167 ب (19) من أبواب ديات النفس ح 1.
(4) الكافي 7: 368 ح 6، التهذيب 10: 310 ح 1155، الوسائل 19: 167 الباب المتقدم ح
2. (*)
ص 496
وفي طريق الروايتين ضعف، الاولى بإبراهيم بن عبد الحميد، والثانية بعلي بن أبي
حمزة، فإنهما واقفيان. والثاني: في تقدير موجب قتله، فالمشهور أنه أربعون درهما،
وهو المذكور في الروايتين. وقال ابن الجنيد: (فيه قيمته، ولا يتجاوز به أربعين
درهما) (1). واستحسنه في المختلف (2). ووجه بأمرين: أحدهما: عدم ثبوت التقدير
المذكور، لضعف مستنده، مع كون الكلب المذكور مملوكا فيكون فيه القيمة. لكن هذا
التعليل لا يطابق التقدير بعدم زيادة القيمة على أربعين درهما، بل مقتضاه وجوب
القيمة كيف كانت. والثاني: رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال
أمير المؤمنين عليه السلام فيمن قتل كلب الصيد: إنه يقومه، وكذلك البازي، وكذلك كلب
الغنم، وكذلك كلب الحائط) (3). والمستند ضعيف أيضا، إلا أنه موافق للاصل، وغير مقيد
بالاربعين. فلو قيل بوجوب القيمة مطلقا كذلك (4) كان أجود، إلا أن المشهور
خلافه.ولو اعتبرت هذه النصوص، كما تقتضيه قاعدة كثير من الاصحاب، لكان
(هامش)
(1، 2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 815. (3) الكافي 7: 368 ح 7، التهذيب 10: 310
ح 1156، الوسائل 19: 167 ب (19) من أبواب ديات النفس ح 3. (4) في (ث، د، ط، م):
لذلك. (*)
ص 497
وفي كلب الغنم كبش. وقيل: عشرون درهما. وهي رواية ابن فضال عن بعض أصحابه، عن أبي
عبد الله عليه السلام، مع شهرتها. لكن الاول أصح طريقا.
لازمها وجوب أربعين درهما
للسلوقي خاصة، والقيمة لغيره من كلاب الصيد مطلقا، جمعا بين الاخبار. ثم يمكن على
هذا أن يقال: مع تجاوز قيمة غير السلوقي الاربعين لا يزاد عن الاربعين كما ذكره ابن
الجنيد، نظرا إلى أن السلوقي أعلى قيمة وأهم في نظر الشارع، فتقدير قيمته شرعا
بالاربعين لا أزيد يقتضي عدم زيادة غيره بطريق أولى. والظاهر على هذا أن ابن الجنيد
حاول بما اختاره الجمع بين النصوص، فأوجب القيمة عملا برواية السكوني، وقيدها بعدم
تجاوز الاربعين التفاتا إلى الروايات الاخر. قوله: (وفي كلب الغنم... إلخ). القول
بوجوب الكبش للاكثر (1). ومستنده رواية أبي بصير السابقة (2). وبالعشرين درهما
للشيخين (3) وابن إدريس (4) وجماعة (5)، استنادا إلى رواية (6) ابن فضال عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام. وفيها الضعف والارسال. ومنه يظهر أن قول
المصنف - رحمه الله - أن الاول أصح طريقا لا يخلو من تجوز، لاشتراكهما في الضعف،
وغايته أن تكون الثانية أضعف لا أن
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 339، اللمعة الدمشقية: 188. (2) راجع ص: 495 هامش (4). (3)
المقنعة: 769، النهاية: 780. (4) السرائر 3: 421. (5) المقنع: 534، المراسم: 243،
المهذب 2: 512، الوسيلة: 428، إصباح الشيعة: 510، الجامع للشرائع: 604.(6) الفقيه
4: 126 ح 442، الوسائل 19: 167 ب (19) من أبواب ديات النفس ح 4. (*)
ص 498
وقيل: في كلب الحائط عشرون درهما. ولا أعرف المستند. وفي كلب الزرع قفيز من بر.
تكون الاولى أصح، لعدم اشتراكهما في أصل الصحة حتى تفضل الاولى عليها. وناهيك بضعف
علي بن أبي حمزة البطائني، فكيف توصف روايته بمسمى الصحة فضلا عن الرجحان؟! وفي
المسألة قول ثالث بوجوب القيمة مطلقا، لضعف موجب التقدير فيهما. وهو أقعد، لكنه
خلاف المشهور. قوله: (وقيل: في كلب الحائط... إلخ). القول المذكور للشيخين (1)
والاكثر (2) حتى ابن إدريس (3). وليس له مستند ظاهر، ومن ثم قيل بوجوب القيمة عملا
بالاصل، مع تأيده برواية السكوني السابقة (4). قوله: (وفي كلب الزرع... إلخ).
مستنده رواية أبي بصير السابقة (5)، وقد عرفت حالها. والمرجع في الطعام إلى ما يطلق
عليه اسمه عرفا. وخصه جماعة (6) بالحنطة. وهو أجود (7). وذهب جماعة (8) إلى عدم
وجوب شي بقتله، لعدم دليل يقتضيه.
(هامش)
(1) المقنعة: 769، النهاية: 780. (2) المراسم: 243، المهذب 2: 512، الوسيلة: 428،
إصباح الشيعة: 510، الجامع للشرائع: 604، تحرير الاحكام 2: 279، اللمعة الدمشقية:
188، المقتصر: 466. (3) السرائر 3: 421. (4) راجع ص: 496 هامش (3). (5) راجع ص: 495
هامش (4). (6) قواعد الاحكام 2: 339 - 340. (7) في (د): أحوط.(8) المقنعة: 769،
المراسم: 243. (*)
ص 499
ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها. ولا يضمن قاتلها شيئا. أما ما يملكه الذمي
كالخنزير، فهو يضمن بقيمته عند مستحليه. وفي الجناية على أطرافه الارش. مسائل:
الاولى: لو أتلف لذمي خمرا أو آلة لهو، ضمنها المتلف، ولو كان مسلما. ويشترط في
الضمان الاستتار. ولو أظهرهما الذمي، لم يضمن المتلف. ولو كان ذلك لمسلم، لم يضمن
الجاني على التقديرات.
وقال الصدوق: (فيه زبيل من تراب على القاتل أن يعطي، وعلى
صاحب الكلب أن يقبله) (1). قوله: (ولا قيمة لما عدا ذلك... إلخ). يدخل في ذلك كلب
الدار والجرو القابل للتعليم. ووجه عدم وجوب شي للجميع عدم المقتضي له، وعدم قيمة
للكلب حيث لا يرد فيها مقدر. ويشكل على القول بأنها مملوكة، فإن لها حينئذ قيمة في
الجملة. وقال ابن الجنيد: (في كلب الدار زبيل من تراب) (2)، لرواية أبي بصير
السابقة (3). وسماه كلب الاهل. والمراد به ما يتخذ لحراسة أهله في البوادي، وقد
يتخذه أهل الحضر لذلك. قوله: (لو أتلف لذمي... إلخ).
(هامش)
(1) المقنع: 534. (2) حكاه عنه العلامة في المختلف: 815. (3) راجع ص: 495 هامش (4).
(*)
ص 500
الثانية: إذا جنت الماشية على الزرع ليلا، ضمن صاحبها. ولو كان نهارا لم يضمن.
ومستند ذلك رواية السكوني، وفيه ضعف. والاقرب اشتراط التفريط في موضع الضمان، ليلا
كان أو نهارا.
لانه مقر على ذلك مع استتاره. ومقتضى الوفاء له ضمان ما يتلف عليه
منه بقيمته، لتعذر الحكم بالمثل. والمعتبر القيمة عند مستحليه، إما بشهادة عدلين قد
أسلما وعرفا الحال، أو مطلعين على قيمته عندهم. قوله: (إذا جنت الماشية...
إلخ).القول بضمان جنايتها ليلا لا نهارا للاكثر، ومنهم الشيخان (1) والاتباع (2).
ورواه ابن الجنيد (3) عن النبي صلى الله عليه وآله: (أن على أهل الاموال حفظها
نهارا، وعلى أهل الماشية ما أفسدت مواشيهم بالليل) (4) حكم به في قضية ناقة البراء
بن عازب لما دخلت حائطا فأفسدته. وهو رواية السكوني عن جعفر عليه السلام عن أبيه
قال: (كان علي عليه السلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا، ويقول: على صاحب الزرع
حفظه، وكان يضمن ما أفسدته ليلا) (5). وذهب المتأخرون - كابن إدريس (6)، والمصنف
رحمه الله، ومن تأخر (7)
(هامش)
(1) المقنعة: 770، النهاية: 781. (2) المهذب 2: 512، الوسيلة: 428، غنية النزوع:
410 - 411، إصباح الشيعة: 496. (3) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 412. (4) مسند
أحمد 4: 295، سنن أبي داود 3: 298 ح 3569 - 3570، سنن ابن ماجة 2: 781 ح 2332، سنن
الدارقطني 3: 155 ح 217 - 219. (5) التهذيب 10: 310 ح 1159، الوسائل 19: 208 ب (40)
من أبواب موجبات الضمان ح 1. (6) السرائر 3: 424 - 425. (7) الجامع للشرائع: 604 -
605، قواعد الاحكام 2: 340، إيضاح الفوائد 4: 732، التنقيح الرائع 4: 528، المقتصر:
467. (*)
ص 501
الثالثة: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه قضى في بعير بين أربعة، عقله
أحدهم، فوقع في بئر فانكسر: أن على الشركاء حصته، لانه حفظ، وضيع الباقون.
عنه -
إلى اعتبار التفريط وعدمه، سواء كان الافساد ليلا أم نهارا، لضعف مستند التفصيل.
وقال الشهيد - رحمه الله - في الشرح: (والحق أن العمل في هذه ليسعلى هذه الرواية،
بل إجماع الاصحاب، ولما كان الغالب حفظ الدابة ليلا وحفظ الزرع نهارا أخرج الحكم
عليه، وليس في حكم المتأخرين رد لقول القدماء، وإنما القدماء تبعوا عبارة الاحاديث،
والمراد هو التفريط، فلا ينبغي أن يكون الخلاف هنا إلا في مجرد العبارة عن الضابط،
وأما المعنى فلا خلاف فيه) (1) انتهى. وهذا البحث ليس بواضح، وظاهر أن الخلاف
معنوي، لان مقتضى التفصيل أن ما جنته البهائم نهارا غير مضمون على أربابها، سواء
فرط في حفظها أم لا، لان على صاحب الزرع حفظه نهارا، وأن ما جنته ليلا مضمون مطلقا،
وأن الحفظ متعلق بمالك البهائم. ولو فرض عدم تفريطه في حفظها فإن جنايتها ليلا
مضمونة، نظرا إلى تعليق الحكم على الليل والنهار، لا على التفريط وعدمه، فحمل ذلك
على التفريط وعدمه خلاف مدلول اللفظ. وكيف كان، فالرجوع إلى التفريط وعدمه هو
الاظهر. قوله: (روي عن أمير المؤمنين عليه السلام... إلخ). هذه الرواية رواها محمد
بن قيس (2) عن الباقر عليه السلام أن عليا
(هامش)
(1) غاية المراد: 412. (2) التهذيب 10: 231 ح 910، الوسائل 19: 207 ب (39) من أبواب
موجبات الضمان ح 1. (*)
ص 502
الرابعة: دية الكلاب الثلاثة مقدرة على القاتل. أما لو غصب أحدها وتلف في يد
الغاصب، ضمن قيمته السوقية ولو زادت عن المقدر.
عليه السلام قضى بذلك. وقد عرفت ضعف
الطريق باشتراك محمد بن قيس الراوي. وهو مشكل على إطلاقه، لان مجرد وقوعه أعم من
كونه بتفريطهم، بل (1) من تفريط العاقل، ومن ثم أوردها المصنف كغيره (2) بلفظ
الرواية. قال المصنف - رحمه الله - في النكت (3): إن صحت هذه الرواية فهي حكاية في
واقعة، ولا عموم للوقائع، فلعله عقله وسلمه إليهم ففرطوا، أو غير ذلك، أما اطراد
الحكم على ظاهر الواقعة فلا. والاقوى ضمان المفرط منهم دونغيره. قوله: (دية الكلاب
الثلاثة... إلخ). لما كان الغاصب مؤاخذا بأشق الاحوال، وجانب المالية مرعي في حقه،
اعتبر في ضمانه لهذه الكلاب قيمتها وإن زادت عن المقدر، كما يضمن قيمة العبد وإن
زادت عن دية الحر، بخلاف غيره. وينبغي على هذا أن يضمن أكثر الامرين من المقدر
الشرعي والقيمة، لان المقدر إذا كان أزيد من القيمة وضمنه غير الغاصب فهو أولى
بضمانه، فلا يناسب الحكم بإطلاق ضمانه القيمة مطلقا.
(هامش)
(*)
ص 503
الثالثة: في كفارة القتل

تجب كفارة الجمع بقتل العمد، والمرتبة بقتل الخطاء، مع
المباشرة لا مع التسبيب. فلو طرح حجرا، أو حفر بئرا، أو نصب سكينا، في غير ملكه،
فعثر عاثر فهلك بها، ضمن الدية دون الكفارة. وتجب بقتل المسلم، ذكرا كان أو أنثى،
حرا أو عبدا. وكذا تجب بقتل الصبي والمجنون، وعلى المولى بقتله عبده. ولا تجب بقتل
الكافر، ذميا كان أو معاهدا، استنادا إلى البرأة الاصلية. ولو قتل مسلما في دار
الحرب، مع العلم بإسلامه ولا ضرورة، فعليه القود والكفارة.
والمراد بالثلاثة ما عدا
كلب الحائط، بناء على ما أسلفه (1) من عدم وقوفه على مستند ديته المقدرة.قوله: (تجب
كفارة الجمع... إلخ). لا خلاف بين المسلمين في أن كفارة قتل الخطاء مرتبة. وهي
المنصوصة في القرآن، قال تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطاء فتحرير رقبة) إلى قوله: (توبة
من الله) (2). وألحق به القتل عمدا بالنص والاجماع. وهي عند الاصحاب كفارة جمع
بالنص. فمنه صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل عن
المؤمن يقتل المؤمن متعمدا أله توبة؟ فقال: إن كان قتل لايمانه فلا توبة له.
(هامش)
(1) في ص: 498. (2) النساء: 92. (*)
ص 504
وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أسباب الدنيا، فإن توبته أن يقاد منه. وإن لم يكن علم
به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه
أعطاهم الدية، وأعتق نسمة، وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستين مسكينا، توبة إلى الله
عز وجل) (1). ولم يذكر في كفارة قتل الخطاء الاطعام في الاية (2)، ومذهب الاصحاب
ثبوته مرتبا على فقد الامرين بالنص (3). وبعض (4) العامة أثبته بالقياس على غيرها،
ونفاه آخرون (5) لذلك. إذا تقرر ذلك، فمذهب الاصحاب أنها لا تجب إلا مع مباشرة
القتل دون التسبيب. وهو مذهب بعض (6) العامة. ومنهم (7) من أوجبها بالمباشرة
والتسبيب، كما يستويان في وجوب الضمان. وإنما تجب بقتل المسلم، صغيرا كان أم كبيرا،
ذكرا كان أم أنثى، حرا أم مملوكا، للقاتل وغيره، عملا بالعموم (8). ولا تجب بقتل
الكافر وإن كان ذميا أو معاهدا.
(هامش)
(1) الكافي 7: 276 ح 2، الفقيه 4: 69 ح 208، التهذيب 10: 165 ح 659، الوسائل 19: 19
ب (9) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (2) النساء: 92. (3) التهذيب 10: 164 ح 654،
الوسائل 19: 22 ب (10) من أبواب القصاص في النفس ح 4. (4) الحاوي الكبير 13: 68 -
69، حلية العلماء 7: 614، كفاية الاخيار 2: 109. (5) اللباب في شرح الكتاب 3: 171،
الحاوي الكبير 13: 68 - 69، الكافي للقرطبي 2: 1108، الوجيز للغزالي 2: 158، روضة
الطالبين 7: 228، كفاية الاخيار 2: 109. (6) حلية العلماء 7: 611، الحاوي الكبير
13: 62 - 63، بدائع الصنائع 7: 274. (7) الحاوي الكبير 13: 62 - 63، حلية العلماء
7: 611، روضة الطالبين 7: 228. (8) راجع الوسائل 19: 19 ب (9) من أبواب القصاص في
النفس. (*)