(هامش)
(1) لقد أجحف أصحاب الحديث من أوليائهم فكانوا لهم مناقب وفضائل كيلا جزافا ورفعوهم
فوق مستوى البشر ونحتوا لهم روايات ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أفكار زور وقبلوا أحاديث كثيرة وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل صهره
ووصيه الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام فزادوا فيها ونقصوا وغيروا وبدلوا
ورووها في فضائل أوليائهم، ذلك ليرفعوا من شأنهم إلى رتبة الإمام علي (عليه السلام) الذي ورد
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضله ما ملاء الخافقين بالرغم من إخفاء أعدائه فضائله ومناقبه بكل
ما لديهم من حول وقوة، فترى ابن حجر الهيثمي في الصواعق والمحب الطبري في الرياض
النضرة وغيرهما يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضائل أوليائهم ما تمجه الاسماع ولا يتفق مع
المنطق الصحيح وكلها موضوعة مكذوبة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتضح ذلك جليا لمن تتبع إسنادها
فإن رجالها أكثرهم من أولياء بني أمية المستأجرين لهم ومن المشهورين بالنصب
والعداوة لأهل البيت النبوي ومن المطلعون فيهم عند علماء الجرح والتعديل منهم وقد
دسوا في الأحاديث أكاذيب إرضاء لشهوات أوليائهم مما لا يعد ولا يحصى، فهذا العلامة
الفقيه الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي صاحب القاموس المتوفى
سنة 826 يحدثنا في كتابه سفر السعادة (ص 142 - 143) من طبع مصر سنة 1332 ما هذا
نصه: خاتمة الكتاب في الإشارة إلى أبواب روي فيها أحاديث وليس منها شيء صحيح ولم
يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث (ثم قال) أشهر المشهورات من = (*)
ص 3
أمر بتقديم أبي بكر للصلاة في مرضه الذي توفي فيه، فاحتج بذلك
محجتهم وقال لما رضيه رسول الله لديننا رضيناه لدنيانا (ومثل) روايتهم وحجتهم في
قول الله تعالى ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله
معنا وهذه فضيلة ليست ولا لمثلها لأحد إذ سماه الله صاحبا لرسوله (صلى الله عليه
وآله وسلم) ومثل
روايتهم أن أبا بكر وعمر كانا وزيري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ومثل)
روايتهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما نفعني مال كمال أبي بكر لقد
زوجني ابنته وأنفق علي أربعين ألف دينار - أو قال درهما - ومثل روايتهم اقتدوا
باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (1)
(هامش)
= الموضوعات أن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة (وحديث) ما صب الله في صدري
شيئا إلا وصبه في صدر أبي بكر وحديث كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشتاق إلى
الجنة قبل شيبة أبي بكر وحديث أنا وأبو بكر كفرسي رهان وحديث إن الله لما
اختار الأرواح اختار روح أبي بكر، وأمثال هذه المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة
العقل (انتهى ما ذكره) وقد وافقه على ذلك كثير من الأساطين المنقبين في مؤلفاتهم
التي ألفوها في ذكر الأحاديث الموضوعة كالسيوطي في اللئالئ المصنوعة وابن الجوزي في
الموضوعات والمقدسي في تذكرة الموضوعات والشيخ محمد بن درويش الشهير بالحوت
البيروتي في شتى المطالب وغيرهم، فهلا في ذلك مقتنع لمن أنصف وتدبر يا أولي الألباب
الكاتب (1) قال العلامة المحدث الشيخ محمد بن درويش الحوت البيروتي في أسنى المطالب
ص 48: خبر اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. = (*)
ص 4
ومثل روايتهم هذان سيدا كهول أهل الجنة (1) ومثل روايتهم أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) قال
ليؤمكم أفضلكم وأعلمكم قالوا فلما اختاره المسلمون واجمعوا عليه للإمامة دل ذلك
منهم على أنه أعلمهم وأفضلهم. ومثل روايتهم أن الرسول قال لما أسري بي إلى السماء
رأيت مكتوبا على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر
الفاروق عثمان ذو النورين (2)
(هامش)
= رواه أحمد والترمذي وحسنه واعله أبو حاتم وقال البرار كابن حزم لا يصح (الكاتب)
(1) قال العلامة الخبير الشيخ محمد الحوت في أسنى المطالب ص 123 خبر سيدا كهول أهل
الجنة أبو بكر وعمر وأن أبا بكر في الجنة مثل الثريا في السماء فيه يحيى بن عنبسة
ذكره الذهبي في الضعفاء قال ابن حيان دجال يضع الحديث (2) أورد الحديث السيوطي في
اللئالئ المصنوعة ص 165 وفي سنده أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي قال السيوطي
أبو بكر وشيخه كذابان وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ص 113 عبد الرحمن بن عفان كذبه
يحيى ابن معين، وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ج 3 ص 423 من طبع حيدر آباد
عبد الرحمن بن عفان السرخسي سكن بغداد يروي عن السماع والفضل بن عياض الرقاق
والحكايات، قال ابن الجنيد سمعت يحيى بن معين وذكر أبا بكر بن عفان ختن مهدي بن حفص
فقال كذاب مكذوب رأيت له حديثا حدث به عن أبي إسحق الفزاري كذبا قلت وله خبر آخر عن
محمد بن محمد بن الصائغ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا لما أسري بي رأيت
على العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان
ذو النورين يقتل ظلما رواه الختلي في الديباج = (*)
ص 5
ومثل روايتهم أن الرسول ص قال يوم بدر حين أنزل الله لولا كتاب من الله سبق
لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو أنزل من
السماء عذاب ما نجا منا غير ابن الخطاب ومثل روايتهم أن الرسول ص قال ما
أبطأ عني الوحي إلا ظننت أنه نزل على عمر (ومثل) روايتهم أن الشيطان كان يهرب من
عمر ويخاف من حسه ومثل روايتهم أن السكينة تنطق على لسان عمر ومثل روايتهم أن
الشيطان كان لا يأمر بالمعاصي في أيام عمر كراهة أن ينهى عنها عمر فلا يعود فيها
أحد من بعد نهيه ومثل روايتهم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لو لم أبعث
فيكم لبعث عمر بن الخطاب (1) ومثل روايتهم أن عمر نادى قوما بنهاوند وهو يومئذ
بالمدينة وكان قد بعث جيشا وقدم عليه رجلا يقال له سارية إلى نهاوند فوقعت عليهم
الهزيمة بنهاوند وعمر يخطب على المنبر بالمدينة فنظر إليهم عمر فصاح يا سارية الجبل
قال سارية فسمعت صوت عمر فالتجأت مع أصحابي إلى الجبل فسلمنا (2) ومثل روايتهم أن
الرسول ص قال اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين
(هامش)
= عنه والمتهم به صاحب الترجمة انتهى ومراده بصاحب الترجمة عبد الرحمن ابن عفان
(1) قال العلامة الشيخ محمد بن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 184 خبر لو لم أبعث
لبعث عمر موضوع نص عليه الحافظ ابن حجر (2) قال العلامة الشيخ محمد بن درويش الحوت
في أسنى المطالب ص 265 خبر يا سارية الجبل هو من كلام عمر قاله على المنبر حين كشف
له عن سارية وهو نهاوند من أرض فارس، روى قصته الواحدي والبيهقي بسند ضعيف وهم في
المناقب يتوسعون الكاتب (*)
ص 6
إليك بعمر بن الخطاب أو بابي جهل بن هشام فسبقت الدعوة لعمر (1) ومثل روايتهم
عن عبد الله بن مسعود أنه قال لما مات عمر ذهب تسعة أعشار العلم (2) ومثل روايتهم
أن الله جل اسمه لم يعبد علانية حتى أسلم عمر وشهر سيفه وقال لا يعبد الله سرا بعد
اليوم ومثل روايتهم أن شاعرا كان عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينشده إذ أقبل عمر إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الشاعر أن اسكت حتى إذا خرج عمر من عنده استعاده
الرسول ص النشيد وأن عمر عاد إلى الرسول ص فأشار إلى الشاعر أن اسكت حتى فعل ذلك
ثلاث مرات فلما كان في الرابعة وخرج عمر من عنده استعاده الرسول ص النشيد فقال
الشاعر يا رسول الله من الذي إذا جاء أسكتني وإذا خرج استنشدتني فقال صلى الله عليه
وآله وسلم هذا رجل لا يحب الباطل - أو قال يكره الباطل - ومثل روايتهم أن الرسول ص
شهد لعشرة من أصحابه بالجنة منهم أبو بكر وعمر ومثل روايتهم أن رسول الله ص قال لما
أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من ذهب (وفي رواية أخرى) قصرا أبيض
فأعجبني فقلت لمن هذا القصر فقيل لي لفتى من قريش فقلت من هو قيل
(هامش)
(1) أخرج هذا الحديث الترمذي والطبراني عن ابن مسعود وأنس عن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) كما ذكره
ابن حجر الهيثمي في الصواعق ولكن ابن مسعود وأنسا حالهما في الضعف معلوم (2) ذكره
ابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 59 وقال أخرجه الطبراني والحاكم عن ابن مسعود ولكن
بلفظ لو أن علم يوضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم
ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم (الكاتب) (*)
ص 7
عمر بن الخطاب فما منعني أن أدخله إلا ما أعرفه من غيرتك يا عمر فبكى عمر عند ذلك
وقال وعلى مثلك يغار يا رسول الله (1) ومثل روايتهم أن أهل الجنة ليتراؤن في عليين
كما يتراءى الكوكب الدري لأهل الأرض وإن أبا بكر وعمر لمنهم (2) ومثل روايتهم أن
عثمان كان أقرب الناس مجلسا من رسول الله ص بحيث تمس ركبتاه ركبتيه، فلما توفيت
زوجته رقية بنت رسول الله - ص جلس في طرق البساط فمر به عمر فقال مالك يا بن عفان
نزلت عن مجلسك فقال اليوم انقطع صهري فعرفت نفسي فدعاه رسول الله صلى الله عليه
وآله فزوجه زينب أخت رقية بنت رسول الله ص فعاد إلى مجلسه فلما توفيت زينب قال رسول
الله ص لو كانت لنا ثالثة لزوجناكها - أو قال ما عدوناك (ومثل) روايتهم أن عثمان
جهزه جيش العسرة بمال عظيم من ماله (3)
(هامش)
1 ذكره ابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 59 بتغيير يسير وقال أخرجه أحمد والترمذي
وابن حبان في صحيحه عن أنس، وأحمد والشيخان عن جابر، وأحمد عن بريدة وعن معاذ أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الحديث قلت يلوح على هذا الحديث آثار
الوضع كما لا يخفى على أولي البصيرة (الكاتب) 2 ذكر هذا الحديث المقدسي في
تذكرة الموضوعات ص 27 بلفظ إن أهل الجنة ليرون أهل عليين وإن أبا بكر وعمر منهم
وأنعما، ثم قال فيه مجاهد بن سعيد ضعيف، وذكره أيضا ابن حجر في الصواعق ص 46 بلفظ
إن النبي ص قال إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الدري
في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما، وقال رواه ابن عساكر عن ابن عمر وعن
أبي هريرة قلت وحال ابن عمر وأبي هريرة معلوم فلا يعتمد على ما يرويان الكاتب 3
روى ذلك المحب الطبري في الرياض النضرة عند ترجمته لعثمان = (*)
ص 8
ومثل روايتهم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال من يشتري بئر رومة وله الجنة
فاشتراها عثمان من ماله وجعلها للناس سبيلا (1) ومثل روايتهم أن عثمان حمل إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم دنانير كثيرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقلبها بيده ويقول ما على ابن عفان ما فعل بعد هذا (2) ومثل روايتهم أن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان يوما جالسا في حجرته فدخل عليه جماعة من أصحابه وفيهم أبو
بكر وعمر ورسول الله
(هامش)
= وابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة في ترجمته أيضا عن عبد الرحمن الجناب وعن
عبد الرحمن بن سمرة وقال أخرجه الترمذي والحاكم وصححه وذكره أيضا البغوي في مصابيح
السنة في ترجمته (1) رواه ابن حجر في الصواعق عن أبي هريرة وقال أخرجه الحاكم ورواه
أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة عن بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه وقال إن عثمان
اشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ورواه أيضا البغوي في المصابيح (2) قال ابن حجر
الهيثمي في الصواعق ص 65 أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن جناب قال شهدت النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم)
وهو يحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان يا رسول الله على مائة بعير بأحلاسها
وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان يا رسول الله علي مائتا بعير
بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان يا رسول الله علي
ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وهو يقول ما على
عثمان ما فعل بعد هذه، وروي أيضا عن عبد الرحمن بن سمرة أن عثمان جاء إلى النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)
بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره رسول الله يقلبها ويقول ما ضر عثمان
ما عمل بعد اليوم، ورواه أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة مثل ذلك الكاتب (*)
ص 9
مكشوف الفخذ لم يغط فخذه حتى دخل عثمان فغطى فخذه فقيل يا رسول الله صلى الله عليك
وآلك لم ذلك فقال ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة (1) ومثل روايتهم أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال عمر سراج أهل الجنة في الجنة (2)
(هامش)
(1) ذكر هذا الحديث كل من ابن حجر في الصواعق والمحب الطبري في الرياض النضرة
والبغوي في مصابيح السنة في مناقب عثمان وقالوا أخرجه الشيخان وأحمد وأبو حاتم
ورزين كلهم عن عائشة بنت أبي بكر. ليت شعر ما الذي رأت من عثمان - إن كان ما روت
فيه صحيحا - حين حرضت على قتله يوم الدار قائلة بملأ فيها اقتلوا نعثلا قتل الله
نعثلا فلقد غير سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفلا كان الأحرى بها أن تقتدي بالنبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) فتستحي ممن
تستحي منه الملائكة، فهل من المعقول أن يعتمد على مثل هذه الروايات الغريبة فاحكم
وأنصف (2) ذكر هذه الحديث ابن حجر في الصواعق ص 58 وقال أخرجه البزار عن ابن عمر
وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وابن عساكر عن الصعب بن جثامة، وذكره أيضا المحب
الطبري في الرياض النضرة في ترجمة عمر (ثم قال) ومعنى ذلك والله أعلم أن الجنة هم
المؤمنون وكانوا قبل إسلام عمر في ظلمة ظلم الكفار من قريش فلما أسلم عمر أنقذهم من
ظلمهم وأظهر شعار الإسلام فإن فائدة السراج ضوءه في الظلمة والجنة لا ظلمة فيها
فكان معناه ما ذكرناه (انتهى بحروفه) ولعمري أن هذا التفسير مما يضحك الثكلى لو كان
الحديث صحيحا ولكنه من الموضوعات فلا يحتاج إلى التجشم في تفسيره بالتافهات فقد قال
العلامة الخبير الشيخ محمد بن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 144 إن خبر عمر بن
الخطاب سراج أهل الجنة، فيه عمر الواقدي وهو مالك وساقط عند المحدثين الكاتب (*)
ص 10
ومثل روايتهم أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر
وعثمان ثم علي، فزعموا أن أبا بكر أفضل من عمر وعثمان غيره وأن عمر أفضل من عثمان
بعد أبي بكر، ثم منهم من ساوى بين عثمان وعلي عليه السلام ومنهم من فضل عثمان على
علي عليه السلام ويشهدون للعشرة أنهم من أهل الجنة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومثل روايتهم أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما
شئتم فقد غفرت لكم ومثل روايتهم في قول الله عز وجل والسابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات
تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم قالوا أبو بكر وعمر من
المهاجرين والأنصار الأولين (1) ومثل روايتهم في تأويل قول الله عز وجل (لقد رضي
الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) قالوا العشرة ممن بايعوا تحت الشجرة وممن
رضي الله عنهم وهم أهل الجنة ومثل روايتهم في قول الله عز وجل (والذي جاء بالصدق
وصدق به) أن ذلك كان أبا بكر سماه الله صديقا ومثل روايتهم في تأويل قول الله عز
وجل (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) إلى قوله وسيجنبها الأتقى
الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف
يرضى قالوا هذا أبو بكر
(هامش)
(1) ذكر ابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 139 اثنتي عشرة آية من آيات القرآن المجيد
وقال إنها نزلت في أبي بكر فاقرأ واعجب فإن أكثرها نزلت في فضل الإمام أمير
المؤمنين عليه السلام على ما ذكره ثقات المفسرين (*)
ص 11
ومثل روايتهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أوحى الله سبحانه إلي أن قل
لأبي بكر أني عنك راض فهل أنت عني راض (1)
الجواب على احتجاجهم بأحاديث الفضائل للثلاثة
(وكان الجواب) عن ذلك وبالله المستعان
وعليه التوفيق، إن القوم قد رووا ذلك وهم ينقلونه بينهم، ومن ناصح نفسه وصح له
تمييزه ونظر وتدبر في حقايق ما يروونه لم يشتبه عليه باطل جميع هذا وشبهه إذ كان كل
باب منه فيه من أدلة الفساد ما لا يخفى على ذي فهم ونظر وتمييز وصحة فكر، والواجب
على طالب النجاة أن يقصد في تحقيق الآثار وصحة الأخبار إلى معرفة الشواهد والعلامات
والدلائل الواضحات التي يتحقق معها الحق ويبطل بها الباطل، فأول ما نبدأ به من
القول في ذلك أنه قد علم ذو الفهم أن الآثار منقولة عن الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم في أيامه وأيام من كان بعده من وجهين في الإمامة لا ثالث لهما (أحدهما) طرق
أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم (والثاني) طرق الحشوية من أصحاب الحديث، فمن ادعى
من جميع الأمة ممن تقدم في الأعصار السالفة غير هذين الوجهين فهو متخرص كذاب ضال
مضل فاسد المعرفة داحض الحجة، وإذا كان ذلك كذلك فيعلم ذو الفهم أن ما كان يرويه
الحشوية من طرق أهل البيت وشيعتهم ولم
(هامش)
(1) قال ابن حجر في الصواعق ص 44 أخرج البغوي وابن عساكر عن ابن عمر قال كنت عند
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل عليه
جبرئيل فقال يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فقال يا
جبرئيل أنفق ماله علي قبل الفتح قال فإن الله يقرأ عليه السلام ويقول قل له أراض
أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكر أسخط على ربي راض أنا عن ربي راض أنا عن
ربي راض ثم قال ابن حجر وسنده غريب ضعيف جدا ثم قال أبو نعيم عن أبي هريرة وابن
مسعود مثله وسندهما ضعيف أيضا وابن عساكر نحوه من حديث ابن عباس الكاتب (*)
ص 12
يرو ذلك أهل البيت وشيعتهم فلا حجة للحشوية ومن تابعهم في ذلك على مخالفيهم، وكذلك
إذا رووا أهل البيت وشيعتهم آثارا من طرقهم وعن رجالهم المتصلين عن رجل من الحشوية
ولم يرو ذلك الحشوية فلا حجة لشيعة أهل البيت في ذلك على الحشوية وإن كانت الرواية
في نفسها كثيرة صحيحة محقة، وهذا هو وجه النصفة والنصيحة فإذا أجمعوا على رواية من
طريقيهم المتضادين المختلفين فتكون تلك الرواية مما لا يشك في صحتها وعليها الفقهاء
من الفريقين المعول في الاحتجاج والنظر عليهم، وإذا اختلفوا في رواية فروى كل فريق
منهم من طريقه ضد ما رواه الفريق الآخر كان المعول في ذلك عند أهل النظر على الفحص
عن الأسباب المتضادة بشواهد الكتاب ودلالات الأخبار المجمع عليها فأيهما ثبت وجوبه
من المتضادين لزمت حجته وأيهما وجدت شواهده باطلة بطلت حجته ومهما لم توجد شواهد
تحققه ولا علامات تبطله كان سبيله الوقوف فيها فلا يلزم الخصم فيها حجة يطالب فيها
بواجب ثم يجب النظر بعد ذلك في معرفة الفريقين من نقلة الأخبار من أهل البيت عليهم
السلام ومن الحشوية أيهما أولى بالاتباع عند وقوع التنازع والاختلافات فأيهما ثبت
صدقة وصحت تزكيته من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمر منه باتباعه منهما وجب قبول آثاره واطراح ما
خالفها أو ضادها، وقد أجمعوا جميعا على الرواية في تزكية أهل البيت عليهم السلام
وإشارة الرسول إليهم بالهدى والعبد من الضلالة والأمر منه باتباعهم والكينونة معهم
فقال عليه السلام (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن
تمسكتم بهما فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وقد
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أهل بيته عليهم السلام مع القرآن
والقرآن مع أهل بيته عليهم السلام، وهذه دلالة الصحة على إن أهل بيته عليهم السلام
معدن العلم إذ كان علموا ما يحتاج إليه في كتاب الله تعالى ولم يقل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم إنهم قرناء القرآن
ص 13
إلا بعد علمهم به ثم شهدوا بإزالة عمن تبعهم وتمسك بهم وإذا زالت الضلالة عنهم وعمن
تبعهم وتمسك بهم كانوا غير مفارقين للهدى وأن يكونوا كذلك حتى يكونوا قد حووا جميع
العلوم هي خارجة من كل ضلالة، وإذا كان ذلك كذلك واختلفت الحشوية وأهل البيت عليهم
السلام في الروايات وتضادا في التحقيقات كان الاتباع لمن شهد الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) لهم بإزالة
الضلالة عن المتمسك بهم أولى واجدر، وهذه الروايات التي رويناها من مناقبهم
وفضائلهم فهو شيء تفردوا بنقله دون مخالفيهم من نقله طرق أهل العلم من أهل البيت
عليهم السلام وشيعتهم، بل هؤلاء قدروا فيهم ضدها وأنكروا روايتهم هذه التي تخرصوها
فلو أنصفونا وجروا معنا في ميدان النظر وحقائق التمييز كانت الحجة عنا ساقطة في
جميع ذلك ولما احتججنا إلى شرح فسادها وإظهار باطلها إذ كانوا نقلوها دون غيرهم،
ولعمري لو اقتصرنا على هذه الحجة لكان فيها كفاية ومقنع ونهاية مع ما قد شرحناه من
بدع القوم وتغييرهم وتبديلهم لدين الله عز وجل وحدوده ولعبادته ولكن من مذهبنا
الاستقصاء في الشرح والبيان وإيضاح للبرهان علينا ولنا (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى
من حي عن بينة) و(الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا
أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
الجواب عن الروايات تقديم أبي بكر للصلاة
فنقول في ذلك وبالله نهتدي (أما ما رووا) من التقديم لأبي بكر في الصلاة فروايتهم
في ذلك عن بلال عن عائشة فلو كنا ممن يميل إلى إبطال الأحاديث من جهة ناقليها دون
شواهد وعلامات لإبطالها لكان في إبطال هذا الخبر أوكد مقال وذلك أن الحشوية يزعمون
أن الحديث يثبت لهم من جهة ناقليه ويفسد عندهم كذلك من جهة ناقليه على قدر تزكيتهم
الناقل وانحرافهم عنه من غير نظر في معانيه ولا طلب لشواهد تصديقه وعلامات باطلة،
وهذه حالة لا يرضاها إلا قليل البصيرة ناقص التمييز والمعرفة زائل الفهم، فأما نحن
فلا نعول على ذلك
ص 14
ولا يقتصر عليه دون الشواهد والعلامات والدلائل الواضحات الدالة على تحقيقها أو
بطلانها إذ كان من يظن به أمثالنا الصدق قد يجوز أن يكذب بحال من الأحوال الحقيقية
وكذلك من يظن به أمثالنا الكذب يجوز أن يصدق بحال يقوم له في ذلك، فلهذا أو شبهه لم
يثق بإطراح خبر ولا بحقيقة من عدو ولا ولي حتى يعلم صحته أو بطلانه بالشواهد
اللائحة والأعلام الواضحة، واتبعنا في ذلك تأديب الله عز وجل من قائل إذ يقول (أفلا
يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) وقال (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه
اختلافا كثيرا) فأمر الله أن يتدبروا لكتابه ليتحقق حقه ويزول الخلاف فيه وعنه،
وإذا كان جمع أبواب الحق ووجوهه متفقة متسقة كان جمع أبواب الباطل وسبله متضادة
مختلفة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيكذب علي فأعرضوا ما تحدثوا به
عني على كتاب ربي فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فانبذوه وأخبر أن
كتاب الله مع أهل بيته مقرونا بهم لا يفارقهم ولا يفارقونه فدل ذلك على أنهم علماؤه
فوجب الرجوع إلى أهل بيته (عليه السلام) في تحقيق الأشياء إذ كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أمرنا أن نحقق أخباره بكتاب الله ولسنا نحيط بكتاب الله علما ولا شك في
إحاطة أهل بيت رسول الله (عليه السلام) بعلمه إذ قرنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به
فأوجبنا عند ذلك في كل ما نقل إلينا من أخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النظر والتمييز ليتحقق
لنا حقها ويتضح لنا باطلها ولو عولنا في ذلك على ما تذهب إليه الحشوية في الأخبار
لقلنا أن بلالا مولى أبي بكر وعائشة ابنته ويجوز أن يتهم بلال في الميل إلى مولاه
وتتهم عائشة في الميل إلى أبيها ويبطل الحديث من هذه الجهة لكن هذه الحالة لا
نرضاها لأنفسنا فنقول في فساد هذا الخبر وبالله التوفيق. إن أول ما يدل على فساده
أنهم مختلفون في روايتهم (فمنهم من روى أن أبا بكر صلى بالناس أياما في حياة الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) في علته (ومنهم) يقول إنه قدمه لصلاة واحدة وهي
ص 15
الصلاة التي توفي عقبها وقالوا لما كبر أبو بكر في المحراب خرج رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بين علي (عليه السلام) والفضل بن العباس ورجلاه تخطان في الأرض ضعفا من العلة
فدخل المحراب وصلى بالناس في روايتهم قاعدا ثم اختلفوا أيضا فقالوا إنه أزال أبا
بكر عن المحراب وأقامه بينه وبين الصف الأول فكان أبو بكر يصلي بصلاة الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم)
والناس يصلون بصلاة أبي بكر. وفي قول آخر بقي معه في المحراب يصليان جميعا، فلما
اختلفوا في هذه الرواية هذا الاختلاف الذي شرحناه وهي عندهم من أفضل مناقب صاحبهم
التي بها بزعمهم استحق الإمامة عندهم كان اختلافهم فيها دليلا على إبطال ما ادعوه
من تقديم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له ولو قدمه كما زعموا ما اختلفوا فيه على هذا الحال كما لم
يختلفوا في تقديم عتاب بن أسيد للصلاة بالناس بمكة حين فتحها الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) ومحال أن
يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدم رجلا للصلاة في مسجده فيجهل له أولياؤه حتى لا يدرون هل صلى
أم لم يصل أو هل أزاله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المحراب إن لم يزله. فهذا أحد الدلائل على
إبطال ما يدعونه من هذه الرواية وقد أجمعوا مع ذلك في روايتهم أن الرسول ص خرج حين
كبر أبو بكر في المحراب في آخر صلاة صلاها رسول الله ص وهي صلاة العصر التي توفي
عقبها قبل أن تغرب الشمس. فنقول إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدمه
للصلاة على زعمهم وبدعواهم ثم خرج بعد ذلك فأزاله عن الصلاة بالناس وصلى هو بهم فإن
الحال لا يخلوا في هذا من أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قدمه للصلاة بوحي
من الله أو برأي قد رآه من نفسه فإن كان قدمه للصلاة بوحي من الله ثم خرج فمنعه من
الصلاة بالناس فقد عصى الله بمخالفته الله فيما أمره من تقديم أبي بكر للصلاة
بالناس، وقائل هذا كافر بلا خلاف، وإن كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قدمه برأي رآه من نفسه فليس
يخلو حاله في إزالته من أن يكون برأي منه أو بوحي من الله، فإن كان أزاله
ص 16
برأيه كما فيه فدفعه الأخير ناسخ للأول فقد عزله عن فضل قد كان أهله. وقبحأن يعزله
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن فضل قد كان أهله (1) بزعم أوليائه إلا وقد
علم أنه غير مستحق لذلك الفضل، وإن كان أخوه؟ بوحي من الله كان سبيله في ذلك كسبيله
فيما بعثه بسورة براءة ليقرأها على الناس بمكة من بعد الفتح ومن بعد رجوعه من غزاة
تبوك فلما سار أبو بكر بالسورة نحو مكة بعث خلفه عليا (عليه السلام) فاسترجعها منه ورده إلى
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقدم علي على السلام بالسورة إلى مكة فقرأها على أهل مكة ورجع أبو بكر
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله هل نزل في شيء استوجب
استرجاعي وأخذ السورة مني فقال يا أبا بكر إن الله أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا أنا
أو رجل مني وإن عليا مني وأنا منه. وهذا مما لا خلاف فيه بين الأمة فإن صحت لهم
رواية تقديمه في الصلاة فسبيله فيما وصفناه في إزالته عنها كسبيله بأداء سورة
براءة. فهذا حال يهدم كل فضيلة لأبي بكر من دون أن ينسب ويثبت له فضيلة لكن أولياؤه
(صم بكم عمي فهم لا يعقلون) وأما ما اختلفوا فيه من وقوف أبي بكر بالمحراب مع رسول
الله ص أو خلفه فإنا نقول في ذلك لو كان أبو بكر قام مع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في المحراب محاذيا له لوجب مشاركته للرسول ص في الإمامة ولوجب
أن يكون سنة مستعملة في الإسلام وغير مطرحة فيصلي بالناس إمامان في محراب واحد إذ
ليس كان معهم نهي من الرسول ص عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد
فعله في آخر أفعاله التي لم ينسخها شيء من بعدها ولم ينه الرسول عنها. فلما كنا نجد
أولياءه مجمعين على منع الشركة من أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
الإمامة
(هامش)
(1) أهله هنا وفيما قبله بصيغة الفعل الماضي وبفتح الهاء المشددة الكاتب (*)
ص 17
ووجدناهم مجمعين على منع إمامين يصليان بالناس في محراب واحد بطل قول من يزعم أن
أبا بكر قام مع رسول الله ص في المحراب محاذيا له. وثبت قول من قال إنه أقامه
خارجا عنه بينه وبين الصف ولعمري لقد فعل ذلك به، ولو ميز أولياؤه هذه المنزلة
لعلموا أن إقامته له في ذلك المقام دليل على أنه قد أنزله منزلة لا دين له إذ كانت
الأمة مجمعة على أنه لا يجوز أن يصلي رجل جماعة فيقوم فرادى صفا وحده وإنه من فعل
ذلك وقد عقد صلاته بنية الجماعة فلا صلاة له ومن لا صلاة له فلا دين له فلما قام
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحبهم فرادى بينه وبين الصف كان قد أقامه مقام من لا صلاة له ومن لا
صلاة فلا دين له، أم كفى بهذا المقام خزيا لصاحبه ودليلا لمن فهم ما شرحناه وبيناه
وهذا المقام أجل منقبة لصاحبهم عندهم وقد شرحنا ما عليهم وما على صاحبهم عندهم فيه،
وكان قول أبي بكر (وددت أني سألت رسول الله عن هذا الأمر لمن هو فكان لا ينازع فيه)
دالا على أنه لم يكن له فيه حق يعرفه إذ لم يعرف هو لمن ولو كان له فيه حق لعرفه
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (علي مني وأنا من علي) دل على أن منزلة
علي في دين الإسلام باثبات الحجة لله على الناس منزلة الرسول في ذلك بعد وفاته وفي
التأدية عنه في حياته، وهذا تحقيق قوله صلى الله عليه وآله وسلم (علي مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) فلما كان رسول الله ص نبيا إماما وكان هارون
نبيا إماما مع موسى (عليه السلام) فاستثناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنع اسم
النبوة في علي (عليه السلام) يثبت له الإمامة ضرورة إذ لم يستثن بها الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) كما استثنى
بالنبوة. وقد شرحنا من معنى هذا الخبر في كتاب الأوصياء ما فيه كفاية لمن فهم. فهذه
فضيلة صاحبهم التي يعولون بزعمهم قد أوضحنا ما عليه فيها وأن التقدمة لم تكن من قبل
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو صحت أيضا لهم من قبل الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) عند الضرورة لعلة وثبت عند ذلك
إيمانه وتطيره لكان ذلك مما لم يوجب ولايه لأحد
ص 18
على المسلمين ولو كان ذلك مما يوجب ولاية لأحد لكان عتاب بن أسيد أحق بالخلافة منه
إذ كان رسول الله ص قد قدمه يصلي بالناس حين فتح رسول الله ص مكة ورسول
الله ص مقيم بمكة وأبو بكر معه يصلي خلف عتاب فقدمه رسول الله ص يصلي
بالناس في المسجد الحرام من غير علة ولا ضرورة دعته إلى ذلك وهذا بإجماع الأمة فكان
رسول الله ص يصلي بالناس الظهر والعصر وعتاب بن أسيد يصلي بالناس الثلاث
الصلوات بإجماع. وكان بإجماع أن المسجد الحرام أفضل من مسجد المدينة ومكة أفضل من
المدينة. ويلزم في النظر أن من قدمه رسول الله ص في الموطن الأفضل من غير علة
أفضل ممن قدمه في مسجد هو دونه في الفضل من ضرورة العلة، فإن زعم جاهل أن مسجد
المدينة هو مسجد رسول ص دونالمسجد الحرام والخلافة لرسول الله ص فالمقدم في
مسجده أولى من المقدم في غير مسجده قيل له هذا جهل وعمى فإن كان رسول الله ص
حيث صلى من البلاد فهو مسجده وموطنه وهو الحاكم فيه دون غيره والأمر له وإليه وشاهد
ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم جعلت في الأرض مسجدا وطهورا. فجميع الأرض مسجد
لرسول الله ص وهذا ما لا يحتج به ذو فهم وأما رواية أهل البيت عليهم السلام 1
في تقديمه للصلاة فإنهم رووا بأن بدلا صار إلى باب رسول الله ص فنادى الصلاة
وكان قد أغمي على
(هامش)
(1) وقد حرفت ولعبت يد التغيير بهذه الرواية في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من
الصحاح بما يوافق رغبتهم وميلهم ومن تصفح الصحاح الستة ير العجائب والغرائب من
التحريفات والتغييرات الشائعة التي يرجع بعضها إلى مؤلفيها وأكثرها إلى لجنة
التحريف والتغيير في مطابع مصر وغير مصر من البلاد التي لا يروق لأهلها إحقاق الحق
وإبطال الباطل لا سيما في الأحاديث الواردة في فضائل ومناقب أهل البيت النبوي ع
الكاتب (*)
ص 19
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورأسه في حجر علي عليه السلام فقالت عائشة لبلال مر الناس أن يقدموا
أبا بكر ليصلي بهم فإن رسول الله مشغول بنفسه فظن بلال أن ذلك عن رسول الله ص فقال
للناس قدموا أبا بكر فيصلي بكم فتقدم أبو بكر فلما كبر أفاق رسول الله ص من
غشوته فسمع صوته قال لعلي عليه السلام ما هذا قالت عائشة أمرت بلالا يأمر الناس
بتقديم أبي بكر يصلي بهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أسندوني أما إنكن كصويحبات يوسف فخرج بين ميمونة
زوجته وبين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى باب الحجرة فاستقبله الفضل بن العباس فرد
ميمونة وأخذ الفضل بن العباس بعضده فجاء إلى المحراب بين الفضل وعلي عليه السلام
(1) وأقام أبا بكر خلفه بين المحراب وبين
(هامش)
(1) في صحيح البخاري في كتاب الصلاة باب حد المريض أن يشهد الجماعة فخرج النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم)
يهادي بين رجلين وفي صحيح مسلم في كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر،
والرواية عن عائشة وفيها (فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد
المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود فأخبرت عبد الله
بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم
عائشة قال قلت لا قال ابن عباس هو علي عليه السلام) وفي رواية أخرى لمسلم فخرج ويد
له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر وهو يخط برجليه في الأرض فقال عبيد الله
فحدثت به ابن عباس فقال أتدري من الرجل الذي لم تسم عائشة هو علي عليه السلام وفي
رواية أخرى لمسلم فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض وأورد روايات أخرى لم
يذكر فيها كيفية خروجه ولا غرابة من عائشة حيث لم تسم الرجل الذي خرج النبي ص
معتمدا عليه فكيف تسمي عليا عليه السلام وعداوتها له ظاهرة وحسدها له لا ينكر فكم
عارضته بمحضر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي ينتهرها، وقضاياها معه عليه السلام بعد وفاة
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سيما في حرب = (*)
ص 20
الصف وكان يسمع الناس التكبير إذا كبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كسبيل من
يسمع الناس التكبير يوم الجمعة وصلى بالناس قاعدا وأما ما زعمت العامة في الرواية
من أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم قدموا أبا بكر فقالت عائشة إن أبا بكر رقيق
القلب ولعله لا يتهيأ له أن يصلي بهم فليقدموا عمر فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله أبى الله ورسوله إلا تقديم أبي بكر أما إنكن كصويحبات يوسف فهو شيء لا معنى له
لأن هذا شيء لا يشبه فعل يوسف وإنما مثل رسول الله ص بقوله في رواية أهل البيت
عليهم السلام أما إنكن كصويحبات يوسف لكذبهن على يوسف كذلك أيضا كان قولها لبلال
قدموا أبا بكر فليصل بالناس فإن رسول الله مشغول بنفسه دليل على الكذب على رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فلو كان ما رواه حقا لكان ذلك طعنا على عائشة إذ
عارضت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره ومن عارض الرسول في أمره فقد ظن أنه أعلم منه بما
عارضه فيه ومن ظن ذلك فقد كفر بلا خلاف، فليقدموا لعائشة إن شاؤا في الحالين من
روايتهمورواية أهل البيت عليهم السلام ثم ليذموا بأهله إن شاؤا فيما وصفناه في
مقامه في تلك الصلاة إذ كان مقام من لا صلاة له وكل ذلك عليهم لا لهم والحمد لله رب
العالمين وأما قول جهالهم لما رضيه رسول الله لديننا رضيناه لدنيانا بزعمهم فهذا
جهل واختلاط، وتخبط وإفراط، وذلك أن القوم إن كانوا إنما أقاموا أبا بكر لدنياهم
فقد يلزم في حق النظر أن يكون أبو بكر وكيلا لهم في دنياهم وإذا قالوا أن أبا بكر
كان وكيلا لمن أقامه لزم في حق النظر وحكم الإسلام أن يكون الناس مخيرين في اقامته
لدنياهم وإزالته عن دنياهم وليس على كل الناس فرض أن يقيموا لدنياهم وكيلا بل ذلك
إليهم إن شاؤا أقاموا ذلك وإن شاؤا لم يقيموا، وإذا كان ذلك كذلك واختاره قوم
أقاموه وكيلا
(هامش)
= البصرة أخزى وأشنع سامح الله أمنا عائشة وعاملها بعدله (الكاتب) (*)
ص 21
لدنياهم كما زعموا فليس على جميع الناس واجبا أن يقبلوا ذلك فمن شاء أن يقيمه أقامه
ومن شاء أن يمتنع امتنع من ذلك، فإن امتنعوا من ذلك تركوا علتهم التي أصلوها بزعمهم
أنهم رضوا لدنياهم من رضيه رسول الله لدينهم ومن ترك علته وخرج عن أصله الذي عليه
معوله ومذهبه فقد لزمه عند جميع أهل النظر مفارقة مذهبه والدحوض لحجته وكفى بذلك
خزيا لمن أقام عليه، وإن هم أجازوا الاختيار من الناس لإقامته فمن شاء أقامه لدنياه
ومن شاء لم يقمه لزمهم في حكم النظر أن يكون القوم الذين أقاموه لدنياهم آمرين
ناهين له له في كل أحواله ولا أمر له عليهم ولا طاعة إذ كل دين وشريعة وملةومعقول
يوجب أن كل من كان له وكيل في دنياه فطاعته وأمره ونهيه لازم لموكله ولا طاعة
للوكيل ولا أمر له معه ولا نهي، وإذا كان ذلك كذلك فقد أخرجوا أبا بكر من حدود
الإمامة وهم لا يعلمون ومع ذلك فقد الزموا أبا بكر الظلم والتعدي بل الكفر في قتله
الذين منعوه زكاتهم وسبي ذراريهم (1) وأبا فروج حريمهم فبأمر من فعل ذلك ومن الذي
أوجب له ذلك منهم وإنما هو بزعمهم وكيل لمن رضيه لدنياه فإن القوم لم يرضوه لدنياهم
وكيلا وليس ذلك عليهم بواجب في الدين ولا في أحكام العقول لأن كل إنسان مخير إن شاء
أقام وكيلا وإن شاء قام هو بنفسه دون غيره، هذا مع ما يلزمهم في حق النظر على أصل
علتهم هذه أن يكون كل من قدمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة بقوم في
مصر من الأمصار وقبيلة من القبائل فقد رضيه لدينهم، ويجب على كل قوم أن يرضوا
لدنياهم من رضيه رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم لدينهم فيرضى أهل مكة من أقامه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة بهم لدنياهم وكذلك أهل الطائف وأهل
(هامش)
(1) هو مالك بن نويرة فقد قتله خالد بن الوليد بأمر أبي بكر وقتل أصحابه وسبي
ذراريهم وأباح فروج نسائهم فنكح خالد زوجة مالك من ليلته انظر ص 9 من (الكتاب) (*)
ص 22
اليمن وكل بلد فتحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرضون لدنياهم من قدمه صلى
عليه وآله وسلم للصلاة بهم، وكذلك جميع البوادي والقبائل والقرى والسرايا وذلك أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما أقام أبا بكر على دعواهم للصلاة باهل المدينة دون غيرهم من سائر
النواحي فكان لأهل المدينة خاصة وارتضاه رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم بزعمهم كما ارتضى لأهل مكة
صاحبهم المصلي بهم من قبله وكما يرتضي لأهل كل مصر وكل قبيلة وليس لأهل المدينة أن
يتحكموا على غيرهم برأيهم فكل قوم فلهم أن يختاروا لأنفسهم صاحبهم كما لأهل المدينة
ذلك. فإن طالب أهل المدينة أهل مكة الدخول معهم والرضا بصاحبهم قال أهل مكة لأهل
المدينة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزعمكم اختار صاحبكم للصلاة بكم دون
غيركم ولم يختره لنا فرضيه لكم وكذلك اختار لنا رجلا غيره فرضيه لنا كما رضي صاحبكم
لكم فنحن نختار صاحبنا كما اخترتم أنتم صاحبكم إذ كنا نحن وأنتم مختارين في هذا
الأمر من غير أمر من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معكم ولا معنا في ذلك فقد تساوينا في الاختيار فإن
منعوا ذلك بأن ظلمهم وظهرت فضيحتهم وانكسرت حجتهم وخرجوا عن أصلهم وتركوا علتهم وإن
اختاروه كثرت الخلفاء والأئمة في جميع الأمصار وكفى بهذا المذهب خزيا لمن أقام عليه
وناضل عنه بعد هذا البيان عند من فهم.
الجواب عن حجتهم بقوله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار ..)
وأما ما احتجوا به من قول الله تعالى (ثاني
اثنين إذ هما في الغار) وإن ذلك أبو بكر الذي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) في الغار ومن
قال إنهم كانوا خمسة ليس كما قال الله تعالى (ثاني اثنين إذ هما في الغار) وما نجد
لأبي بكر في هذا الحال فضيلة على غيره لأنه صحب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك الحال فلم يدفع
بصحبته للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ضيما ولا حارب عنه عدوا ولا وجدنا في الآية مديحا بفضل أكثر من
خروجه معه وذكر حجته له وقد أخبرنا الله جل اسمه في كتابه أن الصحبة قد تكون للكافر
مع المؤمن حيث يقول(قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم
ص 23
من نطفة ثم سواك رجلا) الآية فما في الآية فما في الصحبة منقبة تعد فضيلة (1) وليس
لمن نظر لنفسه فاتبع سبيل ربه طالبا لخلاصه في الهرب ببدنه منه على غيره فأي حال
أوجب المنة لأبي بكر على غيره في صحبة الرسول
(هامش)
(1) قال السيد الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في الشافي (ص 221) في رده لقاضي
القضاة حيث جعل قصة الغار فضيلة لأبي بكر (ما نصه) أما قوله أنه كان صاحبه في الغار
فإنا متى اعتبرنا قصة الغار لم نجد فيها لأبي بكر فضلا بل وجدناه منهيا والنهي من
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتوجه إلا إلى قبيح، ونحن نبين ما يقتضيه سيقراء الأية، أما قوله
تعالى (ثاني اثنين) فليس فيه أكثر من إخبار عن عدد وقد يكون ثانيا لغيره من لا
يشركه في إيمان ولا فضل، ثم قال (إذ يقول لصاحبه) وليس في التسمية بالصحبة فضللأنها
قد تحصل من الولي والعدو والمؤمن والكافر قال الله تعالى مخبرا عن مؤمن وكافر
اصطحبا (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك
رجلا) ثم قال (لا تحزن) فنهاه عن الاستمرار على حزن وقع منه بلا خلاف لأن الرواية
وردت بأنه جزع ونشج بالبكاء، وإنما ذكرنا ذلك لئلا يقولوا إنما نهاه عما لا يقع
منه، وظاهر نهيه صلى الله عليه وآله وسلم يدل على قبح الفعل وإنما يحمل النهي في
بعض المواضع على التشجيع والتسكين؟ بدلالة توجب العدل وعن الظاهر، وهذا يدل على
وقوع المعصية من الرجل في الحال، وأما قوله تعالى (إن الله معنا) فمعناه أنه عالم
بحالنا كما قال تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم
ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم إنما كانوا) فليس في ذلك أيضا فضل، وقد قيل
إن لفظة معنا تختص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده دون من كان معه وقد يستعمل الواحد العظيم هذه
اللفظة في العبارة عن نفسه كما قال تعالى إنا أرسلنا نوحا، وإنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون ثم قال فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها = (*)
ص 24
لي الغار وإنما كان هاربا ببدنه طالبا بذلك النجاة لنفسه دون أن يكون ذلك منفعة
لغيره، فإن كان مؤنسا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جهلوا في هذا لأن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن مستوحشا
والله مؤنسه أفضل أنسا من أبي بكر وغيره، وملائكة ربه نازلة من آناء الليل وأطراف
النهار كما قال الله عز وجل (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بروح القدس وأيده بجنود
لم تروها) يعني الملائكة، وكما قال جل اسمه مخبرا عن الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) (يقول لصاحبه لا
تحزن إن الله معنا) فمن يأنس بالله وملائكته كان محالا أن يأنس بغيرهم ولو كان أيضا
ذلك كذلك لكان ثوبه له دون غيره ولم تكن فيه منفعة لسواء فتكون له فضيلة على غيره،
ولقد كانت المنة لله ولرسوله عليه ذلك إذ قبله صاحبا وهداه بزعمهم ثم نقول في ذلك
بعد هذا كله إن الله قد أخبرنا في قصته وقصة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما دلك على تهمته في
إيمانه لأنه قال جل من قائل، ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن
الله معنا. ثم قال فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها، فأخبر أنه أنزل
السكينة عليه دون أبي بكر ولم يذكر أبا بكر في السكينة كما أخبرنا في موطن آخر أنه
أنزل السكينة على الرسول وعلى المؤمنين حيث يقول في سورة التوبة، لقد نصركم الله في
مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما
رحبت ثم وليتم مدبرين
(هامش)
= وإنزال السكينة إنما كان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدلالة قوله (وأيده بجنود لم تروها) وهم
الملائكة وبدلالة أن الهاء من أول الآية إلى آخرها كناية عن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) ولم تنزل
السكينة على النبي في غير هذا المقام إلا عمت من كان معه من المؤمنين قال الله
تعالى في يوم حنين فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وقال تعالى إذ
جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى
المؤمنين، وفي اختصاص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار بالسكينة دون من كان معه ما فيه.
(الكاتب) (*)
ص 25
ثم أنزل الله سكينه على رسوله وعلى المؤمنين، ألا ترى أنه ذكر السكينة للمؤمنين في
هذا الموضع إذ كانوا حضورا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يذكر أبا بكر
في حال كونه مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار فأنزل السكينة على الرسول ولم يذكره كما ذكر
المؤمنين في هذا الموضع من حنين فكان ذلك موجبا للتهمة في إيمانه وانتقاما للذي وجد
للطعن عليه بذلك سبيلا لأنه يقول لو كان مؤمنا لكان قد ذكره في إنزال السكينة على
الرسول معه في الغار كما ذكر غيره من المؤمنين يوم حنين وهم الذين ثبتوا مع علي
عليه السلام تحت الراية وكانوا يومئذ ثمانية لم ينهزموا مع المنهزمين، وبإجماع أن
أبا بكر وعمر لم يكونا في الثابتين وكانا من المنهزمين، وقال أيضا قوم من أهل النظر
أن أبا بكر بصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار لم تصح له هجرة، قالوا وذلك لأن الله
يقول ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله قالوا وهجرة رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) إلى
الله وهجرة المؤمنين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن هاجر إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وجب أن تكون
هجرته إليه بعد هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هجرته ولما كان أبو بكر خرج لخروج رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجز أن يكون شريكا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هجرته إلى الله تعالى لأن أبا بكر كان
مستعيذا برسول الله ص والرسول واسطة بينه وبين الله فيكون الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) مستعيذا به
كما إن أبا بكر مستعيذابالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما كان أبو بكر مستعيذا بالرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجز أن
يكون شريك الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هجرته والهجرة إلى الرسول لا تكون إلا من بعد هجرة الرسول
فلا يجوز أن يكون فيه معه فيكون شريكه والشركة له في ذلك غير جائزة بإجماع ولا يجوز
أن يكون قبله فيكون ذلك غير مهاجر إلى الله وإلى الرسول فلما كان أبي بكر على ما
وصفناه من كينونته مع الرسول ص في حال هجرة الرسول ص بطل أن يكون مهاجرا
إلى الرسول وثبتت له الصحبة فقط وقد ذكرنا في حال
ص 26
الصحبة أنها تكون لمؤمن مع كافر ما فيه كفاية لمن فهم وفي هذا إخراجه من كل خبر ذكر
الله به المهاجرين في كتابه إذ لم يكن منهم فانظروا يا أهل النظر إلى ما عليهم وعلى
صاحبهم في هذه المواطن التي هي أجل مناقب صاحبهم وأعظم فضائله عندهم وبها يصولون
وعليها يعولون، وهكذا لعمري سيل أهل الباطل ينقض عمري باطلهم والله عليهم من كل جهة
راموا إثبات حجة منها لباطلهم ولله المنة على أوليائه بما بصرهم من نور هدايته.
الجواب عن روايتهم أن أبا بكر وعمر وزيرا رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)
وأما ما زعموا من قولهم أن أبا بكر وعمر وزراء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلسنا نعرف الوزارة في
اللغة إلا المعونة لا غير فمعونة رسول الله ص لا تكون إلا من جهتين لا ثالث
لهما، في المعونة في التأدية والابلاغ إلى الناس من دين الله الذي جاء به من عنده
كما قال عز وجل ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا أخاه هارون وزيرا وكان هارون
عليه السلام مؤديا معه رسالات الله ومعينا له على دين الله، والوجه الثاني هو
المعونة بمجاهدة الكفار ومحاربتهم ولا نعرف في معونة الرسول وجها ثالثا وذلك أن في
الوزارة لسائر الناس غير الرسل ما يكون معه الرأي والمشورة والتدبير وهذا حال لا
يضن لأحد مع الرسل لأن الرسل لا يستعملون آرائهم وتدبيرهم دون تدبير الله تعالى
وأمرهم وإنما هم يصدرون عن أمر الله ونهيه وتدبيره في وجوه تصرفاتهم من حرب إلى سلم
إلى تقدم إلى تأخر إلى غير ذلك (1) ومنكان الله مدبره ومختارا له في تصرفاته كان
مستغنيا عن مشاورة رعيته
(هامش)
1 قال السيد الشريف المرتضى رحمه الله في الشافي ص 222 في رده على قاضي القضاة
ما نصه أن النبي ص لا يستشير أحدا لحاجة منه إلى رأيه وفقر إلى تعليمه وتوقيفه
لأنه ص الكامل الراجح المعصوم المؤيد بالملائكة وإنما كانت مشاورته أصحابه
ليعلمهم كيف يعملون في أمورهم، وقد قيل فعل ذلك ليستخرج دخائلهم وضمائرهم فلا تضل
في المشاورة الكاتب (*)
ص 27
وتدبيرهم معه وهذا مما لا يجوز أن يظنه ذو فهم في رسول ولا نبي ولا حجة لله على
عباده، وقد جهل قوم من أهل الغفلة في تأويل قول الله عز وجل وشاورهم في الأمر
فظنوا أن ذلك لحاجة بالرسول إلى مشاورتهم، كلا ما يظن هذا إلا جاهل عند أهل المعرفة
والبصيرة بل لعله نقصان كان فيهم أمر رسول الله ص أن يشاورهم ليتألفهم بذلك كما جعل
للمؤلفة قلوبهم نصيبا من الصدقات لعلم الله سبحانه بما في ذلك من إصلاح التدبير
الذي يجهله المخلوقون، وفي ابتداء الآية ما يدل ذا فهم على أن ذلك كذلك من التأليف،
ألا تسمع قول الله تعالى حيث يقول فما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب
لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله
إن الله يحب المتوكلين.
وقوله إنهم كانوا ينفضون من حوله لو كان فظا عليهم دليل على
نفضانهم وقوله (فاعف عنهم واستغفر لهم) دليل على أنهم فعلوا ما لا يرضي الله ولا
رسوله منهم فأمره بذلك عند تألفهم، ومن كان بهذه الصفة بطل أن يكون مدبرا للرسول ص
ومشيرا عليه بما يعمل به، فكيف يكون ذلك منهم والله مخبر عن أهل بدر وهم أجل
الصحابة وأرفعهم درجة وهي أجل موطن غزاها المسلمون كما أخرجك ربك من بيتك بالحق
وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك بالحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت
وهم ينظرون إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين إنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون
لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل
ولو كره المجرمون افترقوا إلى هذه الأحوال التي وصفها الله من أهل بدر كيف كانت
كلها مضادة لمراد الله جل ذكره في تدبيره فمحال عند ذوي الفهم أن يكون الرسول
يستشير مثل هؤلاء ومن هو دونهم من الصحابة في العلم والمعرفة في تدبير يعمل عليه،
فلما بطل ذلك ثبت أن أمره بمشاورتهم ليتألفهم بها لتطيب بها أنفسهم وليسكنوا إليه
ويثبتوا معه
ص 28
وعنده ويستبصروا في الدين على الإمام في وقت بعد وقت، وثبت عند ذلك أن معونة الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) ووزارته لا تكون إلا من هذين الوجهين التأدية والمجاهدة وما منهما من كان له في
هذين الوجهين أثر محمود معروف مشهور مذكور كمقام غيرهما فيهما (أما وجه التأدية)
ففي خبر سورة براءة وما قد أجمع عليه أهل الأثر من العامة والخاصة ما فيه كفاية
لأولي الألباب وذوي الأفهام حين بعثه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بسورة براءة إلى مكة ليقرأها عليهم
فلما فصل من حضرته بعث خلفه بعلي عليه السلام فاسترجعها منه وتقدم بها إلى مكة
أورده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال هل نزل في شيء استوجب ردي من الوجه الذي أنفذتني فيه فقال إن
الله أوحى إلي أنه لا يبلغ عني إلا أنا ورجل مني وإن عليا مني وأنا منه، فهذه
المنزلة من الوزارة في التأدية ليس لأحد من الصحابة إلا لعلي عليه السلام دون غيره
فكان علي عليه السلام هو أحق بوزارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعونته في التأدية دون جميع
الناس وشاهد ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة علي مني كمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا
نبي بعدي، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه جعل هارون وزيرا لموسى بقوله تعالى
(وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا) فبطل أن يكون أبو بكر وعمر وزيريه في وجه التأدية
(وأما وجه المجاهدة) في حروب المشركين فليس يختلف أهل الأثر في أن أبا بكر وعمر قد
انهزما في مواطن كثيرة من مواطن الحروب والجهاد مثل هزيمتهما يوم أحد، ومثل
هزيمتهما يوم خيبر حين دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية إلى أبي بكر وأمره بالمسير إلى حصن
خيبر فرجع منها منهزما ثم دفعها إلى عمر فرجع بها منهزما كذلك فغضب الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم فقال ما بال أقوام أدفع إليهم رايتي فيرجعون بها منهزمين يجبنون
أصحابهم وأصحابهم يجبنونهم أما والله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فقال أهل النظر في ذلك
ص 29
قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا يدل على أنهما لم يكونا يحبان الله ورسوله ولا يحبهما الله
ورسوله إذ كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حكيما لا يقول قولا إلا لفائدة فيه
ودلالة على مواقع الحق وطرق الصدق، ومثل هزيمتهما حيث بعثهما إلى بلاد طي التي تسمى
غزات ذات السلاسل، ومثل هزيمتهما يوم حنين وهذا كله بإجماع أهل الأثر وليس نعرف
خبرا واحدا عنهما أنهما برزا لقرن ولا بارزا شجاعا ولا قارعا باطلا من مبارزي
المشركين، وقد كان غيرهما من جماعة المسلمين أحسن حالا منهما في مواطن الحروب
ومعارك المقارعة، فبطل عليهما أيضا هذا الوجه الآخر من أن يكون لهما منه وزارة وكان
غيرهما من مجاهدي المهاجرين والأنصار أحق بهذا الاسم منهما عند ذوي الفهم.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما نفعتي مال كمال أبي بكر
وأما ما
رووا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم قال ما نفعني مال كمال أبي بكر
لقد زوجني ابنته وأنفق علي أربعين ألفا ففي هذه الرواية ما هو صحيح وما هو باطل
وذلك أن تزويج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنة أبي بكر صحيح لا خلاف فيه، وأما إنفاق المال (1)
فما يكون عند ذوي الفهم من الكذب شيء أوضح ولا أظهر منه لأن من أنفق هذا المال
(هامش)
(1) أورد رواية إنفاق المال على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة المحب الطبري في الرياض
النضرة في فضائل أبي بكر وأسندها تارة على عائشة وأخرى إلى أختها أسماء بنت أبي
بكر، ولعمري أنهما إن لم ينتجا فضيلة إلى أبيهما المشفق عليهما فمن أحرى بذلك فاقرأ
وأعجب، وقال السيد الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في الشافي ص 221 ما هذا نصه:
وقد بين أصحابنا في الكلام على نفقة أبي بكر وادعاء يساره تارة أنه كان مملقا غير
موسر، ودلوا على ذلك من حاله بأشياء، منها أنه كان يعلم الناس ويأخذالأجرة على
تعليمه وليس هذا صنع الموسرين، ومنه أنه كان يخيط الثياب ويبيعها، ومنها أن أباه
كان معروفا بالمسكنة والفقر وأنه كان = (*)
ص 30
العظيم على رجل محال أن لا يعرف موطنه وموضعه وحيث أنفقه ولسنا نعرف أن لرسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) موطنا غير مكة والمدينة، فإن زعموا أن أبا بكر أنفق هذا المال بمكة قبل الهجرة
قيل لهم على ما أنفق هذا المال وقيم صرفه أكان لرسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) من الحشم بمكة
والعيال ما أنفق عليهم هذا المال كله من مدة ما أسلم أبو بكر إلى وقت هجرته فهذا
بين المحال، أم يقولون أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جهز الجيوش بمكة بهذا المال فتظهر فضائحهم إذ
كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإجماع لم يشهر سيفا بمكة ولم يؤمر به ولا يأمر به ولا أطلق لأصحابه
محاربة أحد من المشركين بها وإنما كان أسلم معه إذ ذاك أربعون رجلا فلما اشتد عليهم
الأذى من قريش وشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولى عليهم جعفر بن أبي طالب وأخرجهم معه
إلى أرض النجاشي ملك الحبشة وكانوا هناك إلى أن هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وفتح كثيرا من
فتوحه فقدموا عليه بعد سنتين من الهجرة، ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) يشاهده الخاص
والعام أعني قريش بعد تزويجه بخديجة وكانت خديجة باقية عنده إلى سنة الهجرة لا
يحتاج مع مالها إلى مال غيرها حتى لقد كان من استظهاره بذلك أن ضم علي بن أبي طالب
عليه السلام إلى نفسه تخفيفا بذلك في المؤنة على أبي طالب رضي الله عنه وذلك أنه
أصاب قريشا جدب وكبش؟ عيال أبي طالب فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأعمامه هلموا نخفف على أبي
طالب من عياله فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا وأخذ حمزة جعفر وأخذ العباس عقيلا، وما
وجدنا في شيء من الأخبار أن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد تزويجه
(هامش)
= ينادي في كل يوم على مائدة عبد الله بن جدعان يأجر طفيف فلو كان أبو بكر غنيا
لكفى أباه، وبعد فلو سلمنا لهم يساره وإنفاقه على ما يدعون لكان غير دال على الغرض
الذي يجرون إليه لأن المعتبر في الانفاق بالمقاصد؟ والنيات فمن أين لهم أن عرض أبي
بكر فيه كان محمودا، وهذا مما لا يد فيه من الرجوع إلى غير ظاهر الانفاق الكاتب
ص 31
بخديجة احتاج إلى أحد من الناس فإن أهل الأثر مجمعون على أن خديجة أيسر قريش
وأكثرهم مالا وتجارة، وقد أجمعوا في الرواية أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال في
غير موضع والله لقد صليت قبل كل أحد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع سنين، وقد أجبر على أن
أبا بكر أسلم بعد سبع سنين من إظهار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الدعوة وبقي رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة
ثلاث عشرة سنة بعد إظهار نبوته إلى أن هاجر إلى المدينة. فجميع ما بقي رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة بعد إسلام أبي بكر ست سنين، فيا معشر من فهم هل تجزون أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) لو
كان له خمسون نفسا من العيال مع كثرة مال خديجة ينفق في ست سنين أربعين ألف دينار
أو أربعين ألف درهم، ألا تنظرون بيان هذا المحال وفساد هذا المقال، فإن قالوا أنه
أنفقه عليه بالمدينة بعد الهجرة فقد علم أهل الآثار أن أبا بكر ورد المدينة وهو
محتاج إلى مواساة الأنصار في الدور والمال وفتح الله بعد الهجرة على رسوله ص من
غنائم الكفار وبلدانهم ما كان بذلك أغنى العرب لو اقتنى منه عقدة ومع هذا فإنما
أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة عشر سنين إلى أن قبض، وقد رووا أن رسول الله ص كان
في ضيافة الأنصار يتداولون ضيافته وأنه كان في أوقات كثيرة يشد الحجر من المجاعة
على بطنه ويطوي الأيام الثلاثة والسبعة والأكثر لم تطعم فيهن طعاما إلى أن فتح الله
عليه البلدان، فمن يدفع إليه رجل واحد أربعين ألف دينار يكون بالحال الذي وصفناه في
مدة عشر سنين، فيا سبحان الله ما أعظم تخرصهم على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ولقد رووا جميعا
أن الله عز وجل لما قال يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي
نجواكم صدقة فقد قعد المهاجرون والأنصار عن مناجاته غير علي عليه السلام فإنه قال
كان معي دينار واحد فبعته بعشرة دراهم فجعلت أتصدق منها بدرهم بعد درهم ثم أناجي
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة بعد أخرى حتى تصدقت بالدراهم كلها في عشر مرات وما
ص 32
فعل ذلك بإجماع غيره ثم نسخ الله تعالى تلك الآية بقوله أأشفقتم أن تقدموا بين
يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوة وآتوا الزكاة
وأطيعوا الله الآية، والاجماع واقع على أن أبا بكر كان فيمن تخلف عن المناجاة
بسبب الصدقة، فمن لم تسمح نفسه بصدقة درهم لمناجاة الرسول ص واختار التخلف عن
مناجاته بسبب درهم واحد يخل به فكيف ينفق أربعين ألف دينار أو أربعين ألف درهم، فقد
جاؤا بالإفك ظلما وقالوا زورا، ومع ذلك فالاجماع واقع من الخاص والعام أن عليا عليه
السلام أطعم مسكينا ويتيما وأسيرا أقراصا من شعير يبلغ ثمنها في أيام القحط والجدب
والغلاء ربع درهم فأنزل الله تعالى في ذلك سورة - هل أتى - إلى آخرها 1 ومن
أنفق أربعين ألف درهم أو دينار لم يكن
(هامش)
1 قال الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في الشافي ص 220 ما نصه: ولو كان
إنفاق أبي بكر صحيحا لوجب أن يكون وجوهه معروفة كما كانت نفقة عثمان في تجهيز جيش
العسرة وغيره معروفة لا يقدر على إنكارها منكر ولا يرتاب في جهاتها؟ مرتاب، وكما
كانت جهات نفقات أمير المؤمنين عليه السلام معروفة ينقلها الموافق والمخالف، فمن
ذلك أنه عليه السلام كان يقوم بما يحتاج النبي ص مدة اقامته بالشعب إليه ويتمحله
وقد روي أنه أجر نفسه من يهودي وصرف أجره إلى بعض ما كان يحتاج إليه النبي وإنفاق
أمير المؤمنين عليه السلام مع الاقتار والإقلال أفضل وأرفع من إنفاق أبي بكر لو ثبت
مع الغنى والسمعة ومن ذلك تقديمه الصدقة بين يدي النوى ونزول القرآن بذلك بلا خلاف
بين أهل العلم. وإنه عليه السلام كان يطعم المسكين واليتيم والأسير حتى نزلت في ذلك
سورة هل أتى على الإنسان، وفيه نزل وفي معنى نفقته ورد قوله - الذين ينفقون أموالهم
بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون - ولما
تصدق بخاتمه وهو راكع نزل فيه قوله تعالى (إنما وليكم = (*)
ص 33
الله عز وجل ذكره ينزل فيه آية من كتابه يشكر على ذلك كما أنزل الله تعالى في أصحاب
الأقراص من الشعير إلا أن يكون سبيله في ذلك كما قال في الذين ينفقون أموالهم
رئاء الناس ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر الآية، وفيما شرحنا مما يدعونه من هذا
الباب كفاية لأولي الألباب.
الجواب عن روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر
وأما ما رووا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بزعمهم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فهو ظاهر المحال عند ذوي النظر
وذلك إنا وجدنا روايتهم في مخاصمة أبي بكر وعمر الأنصار في وقت البيعة حين أرادت
الأنصار البيعة لسعد بن عبادة فما وجدناهما قالا شيئا من ذلك ولا ادعياه على
الأنصار 1 ولو كان هذا صحيحا كما زعم المتخرصون
(هامش)
= الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وهذه
جهات لا تدفع ولا تجهل فأين نفقات أبي بكر والشاهد عليها إن كانت صحيحة الكاتب
1 قال الشيخ الجليل شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي الغروي المتوفى سنة 460
في تلخيص الشافي للسيد المرتضى رحمه الله ص 389 طبع ايران ما نصه: قوله اقتدوا
بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، لا يصح الاحتجاج به لأنه خبر واحد لا يوجب العلم
ومسألة الإمامة مسألة علمية لا يجوز الرجوع إلى مثله فيها وأيضا فإنه مطعون على
رواية مذكور ذلك في الكتب لأنه رواه عبد الملك بن عمير اللخمي وكان فاسقا جريا على
الله وهو الذي قتل عبد الله بن يقطر رسول الحسين بن علي عليه السلام إلى مسلم ابن
عقيل حين رمى به ابن زياد من فوق القصر وبه رمق فأجهز عليه فلما عوتب على ذلك قال
إنما أردت أن أريحه استهزاء بالقتل وقلة مبالاة وكان يتولى القضاء لبني أمية وكان
مروانيا شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام ومن هذه صورته لا تقبل
روايته، ولو تجاوزنا = (*)
ص 34
لكان لهما فيه أعظم الحجة على الأنصار فلم يكونا يحتاجان إلى الاحتجاج عليهم بعترة
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقومه وما شاكل ذلك وكانا يقولان يا معشر الأنصار قد أمركم رسول الله
وخبركم بالاقتداء بنا فليس لكم مخالفة رسول الله فلما لم يذكرا ذلك بشيء من
احتجاجهما دل على بطلان ما تخرصوه من هذا الخبر، ثم نقول بعد هذا كله ليس يخلو قول
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اقتدوا بالذين من بعدي، من أن يكون أراد به الإمامة والخلافة أو أن يكون
أراد به ما رويا منه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن قالوا أراد
(هامش)
= عن ذلك وسلمنا لم تكن روايته فيها حجة ودلالة من وجوه ذكرها أصحابنا (أحدها) إن
الاقتداء بالرجلين مستحيل لأنهما يختلفان في كثير من أحكامهما وأفعالهما واتباع
المختلفين متعذر غير ممكن، ولأنه يقتضي عصمتهما والمنع من جواز الخطأ عليهما وليس
هذا بقول أحد فيهما لأن إيجاب الاقتداء بمن ليس بمعصوم إيجاب لما لا يؤمن كونه
قبيحا ومتى قالوا نقتدي بما نعلم حسنه بطل اختصاصهما بذلك (ومنها) أنه لو كان قبيحا
لاحتج به أبو بكر لنفسه في السقيفة ولما جاز أن يعدل عنه إلى روايته أن الأئمة من
قريش ولا خفاه على أحد في أن الاحتجاج بخبر الاقتداء أقطع للشغب وأحض للحجة وأشبه
بالحال سيما والتقية عنه زائلة ووجوه الاحتجاج له معرضة، ولوجب أيضا أن يحتج به أبو
بكر على طلحة لما نازعه فيما رواه من النص على عمر وأظهر الانكار لفعله فكان
احتجاجه في تلك الحال بالخبر مقتضيلنص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمر ودعائه الناس إلى
الاقتداء به والاتباع له أولى وأليق من قوله (أقول يا رب وليت عليهم خير أهلك)
وأيضا لو كان هذا صحيحا لكان حاجزا لمخالفة الرجلين وموجبا لموافقتهما في جميع
أقوالهما وأفعالهما وقد رأينا كثيرا من الصحابة قد خالفهما في كثير من أحكامها
وذهبوا إلى غيرها ما يذهبان إليه وأظهروا ذلك فيجب أن يكونوا بذلك عصاة مخالفين لنص
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان يجب أيضا أن ينبه الرجلان = (*)
ص 35
ما رويا عن لرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقال لهم أو ليس قد روى غيرهما من ذلك أكثر مما رويا منه عن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يجدون إلى دفع ذلك سبيلا فيقال لهم قد لزمكم أن تقتدوا برواية
غيرهما كما تقتدون بروايتهما أو تطرحوا رواية غيرهما، فإن قالوا نطرح رواية غيرهما
وجب عليهم تكذيب جميع من رووا عنه معالم دينهم من رجالهم ومشايخهمالذين على نقلهم
يعولون في أصولهم فأول ما يلزمهم في ذلك اطراح هذا الخبر وإبطاله من روايتهم
(اقتدوا بالذين من بعدي) لأن هذا الخبر نقل عن غيرهما وكفى بهذا لمن يضطر مذهبه إلى
مثله خزيا، وإن قالوا لا يجوز الاقتداء برواية غيرهما في ذلك كسبيل الاقتداء
بروايتهما قيل لهم فأي فضل لهما في هذه المنزلة إذ كان غيرهما قد ساواهما فيها،
وهذا ما لا فائدة فيه ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحكم من أن يقول قولا أو يأمر أمرا لا فائدة
فيه، فإن قالوا إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد بذلك ما يحدثانه في الدين من بعده كذبهم ما
أجمعوا عليه من قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
ولم يقل إلا محدثة فلان وفلان دون غيرهما، ولزم أن يكون جميع من أحدث في الدين بعد
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا لم يأت به كتاب ولا سنة رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) فهو مبتدع ضال مضل. وهذا ما
لا محيص لهم منه مع ما يكذبهم في ذلك أيضا كتاب الله حيث يقول اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ومحال عند ذوي الفهم أن يكون
بعد هذا
(هامش)
= من خالفهما وأظهر خلافهما ما مقتضى هذا الخبر ويذكراهم بأن خلافهم محظور ممنوع،
على أن ذلك لو اقتضى النص بالإمامة على ما ظنوا لوجب أن يكون ما رووه عنه صلى الله
عليه وآله وسلم من قوله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم موجبا لإمامة الكل
وإذا لم يكن هذا الخبر موجبا للإمامة فكذلك الآخر. الكاتب (*)
ص 36
الكمال والتمام من الله نقصان. إذ لو كان ذلك كذلك لزم تكذيب هذا من الله سبحانه
وعظم شأنه إذ قال اليوم أكملت لكم دينكم ولم يكمل وقائل هذا ومعتقده كافر راد
على الله. وإن قالوا أراد به الإمامة من بعده، قيل لهم أفتقولون إن أبا بكر وعمر
كانا إمامين في عصر واحد معا، فإن قالوا ذلك كذبهم الخبر في استخلاف أبي بكر لعمر
وقت وفاته ولن يقوله من يعقل وإن قالوا صار أحدهما إماما بعد الآخر وهو قولهم قيل
لهم فقد بطل الآن عليكم هذا الخبر إذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان أفصح
العرب ولا يجوز أن يقول قولا محكم ولا غير مستقيم وذلك أن أبا بكر إن كان إماما بعد
الرسول ص ثم كان عمر بعد أبي بكر بطل أن يقال كان عمر إماما بعد الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) فإن
قالوا إن إمامته كانت من بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كانت قد تقدمته إمامة غيره قيل
لهم أوليس كانت إمامة عثمان بعد عمر وهذا كله من بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) أفتوجبون
الاقتداء بإمامة عثمان وعلي عليه السلام كما توجبون الاقتداء بإمامة أبي بكر وعمر
أو تدفعون ذلك فإن دفعوه وجبت عليهم البراءة من إمامة عثمانوعلي عليه السلام وفي
ذلك الدخول في كلمة الخوارج والالتحاق بالبراءة والخروج من جملة ما عليه فقهاء
أصحاب الحديث والأثر وكفى بذلك خزيا لصاحبه وفضيحة وإن قالوا بل نقتدي بعثمان وعلي
كسبيل الاقتداء بأبي بكر وعمر قيل لهم قد أطلتم الآن حديثكم وأفسدتم خبركم ونقضتم
قولكم وتركتم أصلكم وما فائدتكم في هذا الخبر وقد أوجبتم الاقتداء بغيرهما
كالاقتداء بهما ممن لم يأمر الرسول ص بالاقتداء بهم بعده كأمره بالاقتداء بهما
فكيفما قصدوا ليصلحوا باطلهم ففيه فضيحتهم وإن احتجوا في الاقتداء بعثمان وعلي
بالخبر المتخرص (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) قيل لهم فالآن حين ساويتم
بين أبي بكر وعمر وبين الصحابة في الاقتداء فلا فضيلة لهما على غيرهما في هذه
المنزلة وفائدة
ص 37
- اقتدوا بالذين من بعدي - مع ذلك ساقطة إذ كان قد أمرنا بالاقتداء بغيرهما أيضا
كذلك، ونحن نذكر فساد خبر - أصحابي كالنجوم - في موضعه إن شاء الله وبالله التوفيق.
الجواب عن روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة
وأما ما رووا من أنهما سيدا كهول أهل الجنة فقد رووا حديثا آخر أبطلوا به هذه
الرواية عند من فهم 1 وذلك أنهم رووا بإجماع منهم
(هامش)
1 قال شيخ الطائفة الشيخ الجليل الفقيه محمد بن الحسن الطوسي الغروي رحمه الله
في تلخيص الشافي ص 429 ما نصه: أما الخبر الذي يتضمن أنهما سيدا كهول أهل الجنة،
فمن تأمل أصل هذا الخبر بعين إنصاف علم أنه موضوع في أيام بني أمية معارضة لما روي
من قوله - ص - في الحسن والحسين عليهما السلام أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما
خير منهما، وهذا الخبر الذي ادعوه يروونه عن عبيد الله بن عمر وحال عبيد الله في
الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام معروف وهو أيضا كالجار إلى نفسه، على أنه لا
يخلوا من أن يريد بقوله سيدا كهول أهل الجنة أنهما سيدا كهول من هو في الجنة أو
يراد أنهما سيدا من يدخل الجنة من كهول الدنيا، فإن كان الأول فذلك باطل لأن رسول
الله ص قد وقفنا وأجمعت الأمة على أن جميع أهل الجنة جرد مرد وأنه لا يدخلها كهل
وإن كان الثاني فذلك دافع ومناقض للحديث المجمع على روايته من قوله - ص - في الحسن
والحسين عليهما السلام أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما لأن هذا الخبر
يقتضي أنهما سيدا كل من يدخل الجنة إذ كان لا يدخلها إلا شباب فأبو بكر وعمر وكل
كهل في الدنيا داخلون في جملة من يكونان عليهما السلام سيديه والخبر الذي رووه
يقتضي أن أبا بكر وعمر سيداهما من حيث كانا سيدي الكهول في الدنيا وهما عليهما
السلام من جملة من كان كهلا في الدنيا (فإن قيل) لم يرد بقوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) سيدا شباب أهل
الجنة ما ظننتم وإنما أراد أنهما سيدا من يدخل = (*)
ص 38
ومن غيرهمأن الرسول - ص - قال - أهل الجنة يدخلون الجنة جردا مردا مكحلين - فإذا
كانوا كذلك فلا كهول هناك ليكونا سيدهم، ولو كان هناك أيضا كهول كما زعموا في
تخرصهم هل كانت إمامة أبي بكر وعمر ورياستهما على الكهول دون الشبان والمشايخ أو
كانت على الجميع، فإن قالوا أنها كانت على الكهول دون غيرهم بانت فضيحتهم، وإن
قالوا على الجميع، قيل لهم فالسيد في كلام العرب هو الرئيس وليس رياسة أجل وهما
سيدا الجميع فلا فائدة في قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هما سيدا كهول أهل الجنة، ولعمري لو كان
ذلك منه صحيحا بخستهما حقهما إذ قال هما سيدا الكهول، فالمشايخ والشبان بزعمهم
خارجون، فهذا ما لا يشتغل به ذو فهم.
الجواب عن روايتهم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ليؤمكم أفضلكم وأعلمكم
وأما ما احتجوا به في فضل أبي بكر وعلمه من
روايتهم عن الرسول
(هامش)
= الجنة من شباب الدنيا كما قلنا في قوله سيدا كهول أهل الجنة (قلنا) المناقضة بن
الخبرين بعد ثابتة لأنه إذا أراد أنهما سيدا كل شباب في الدنيا من أهل الجنة فقد عم
بذلك جميع من كان في الدنيا من أهل الجنة من الشباب والكهول والشيوخ لأن الكل كانوا
شبابا فقد تناولهم القول في غيرهما أنهما سيدا كهول أهل الجنة فقد جعلهما بهذا
القول سيدين لمن جعلهما بالقول الأول سيديهما لأن أبا بكر وعمر إذا كانا شابين فقد
دخلا فيمن يسودهما الحسن والحسين عليهما السلام بالخبر المروي والحسن والحسين
(عليهما السلام)
إذا بلغا سن التكهل فقد دخلا فيم يسودهما أبو بكر وعمر بالخبر وإذا كانت هذه صورة
الخبرين وجب العمل على الظاهر وفي الرواية المتفق عليها واطراح الآخر وذلك موجب
لفضل الحسن والحسين عليهما السلاموأبيهما صلوات الله عليه على جميع الخلق. الكاتب
(*)
ص 39
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال بزعمهم (ليؤمكم أفضلكم وليؤمكم أعلمكم) وأنهم قد
أجمعوا على تقديم أبي بكر وإمامته بزعمهم لما أجمع عليه الصحابة أنه أعلمهم وأفضلهم
إذ كان إجماعهم لا يجوز أن يكون باطلا (فأقول) وبالله أستعين أن الذي تخرصوا فيه
على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله بزعمهم ليؤمكم أعلمهم وأفضلكم لا يخلوا أن يكون أراد بذلك
الإمامة في جميع الدين أو أراد به الصلوة دون غيرها وقد علمنا أن كل أهل بلد
يحتاجون إلى من يصلي بهم ولا يجوز أن يصلي جميع أهل البلاد بإمام واحد بل لا يمكن
ذلك لأهل بلد واحد حتى يكون لأهل كل محلة من يصلي بهم، وإذا كان ذلك كذلك فقد لزم
الأمة أن يختاروا في كل بلد أعلمهم وأفضلهم للصلاة بهم وإذا لزمهم ذلك فقد يجوز أن
يكون في بلد رجل واحد هو أعلمهم وأفضلهم فيمتنع عليهم أن يصلي بهم وإذا امتنع عليهم
ذلك الفاضل فما يصنعون يقدمون غيره أم يهملون الصلوة جماعة ولا يجمعون صلاتهم، فإن
قالوا يهملون الصلوة جماعة فقد قصدوا تعطيل سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) في جميع الصلوات
ونسبوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أنه استن سنة فضل ثم بعثهم بهذا القولعلى تعطيلها، وقائل هذا
جاهل، وإن قالوا أنهم يقدمون غير الفاضل إذا امتنع عليهم الفاضل، قيل لهم فقد
ألزمتم الأمة جميعا خلاف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا جاز عندكم خلاف الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحد
فما في قوله من الفائدة إذا أجزتم تقديم غير الفاضل، وهل يخلو قول الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) من أن
يكون لأهل المدينة دون غيرهم أو هو لازم لجميع الناس في سائر البلدان، فإن قالوا
لأهل المدينة خاصة كان على مدعي ذلك إقامة البينة والدليل عليه بخبر مجمع عليه عن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا، وإن قالوا بل هو لجميع الناس، فقيل لهم نجد
جميع فقهائهم وعلمائهم في جميع الأمصار يقدمون للصلاة من هو دونهم في العلم والفضل
عندهم، فإما أن تشهدوا على فقهائكم وعلمائكم بمخالفة الرسول
ص 40
(صلى الله عليه وآله وسلم) عامدين متعمدين ومن كان في هذه الصفة كان كل من أتبعه واقتدى به في مذهبه سبيله
في الخلاف على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كسبيله، وفي الخلاف على الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) تعمد الكفر بالله
والخروج من الدين، وكفى بهذا المذهب لصاحبه خزيا وفضيحة ومقتا. وإما أن ترجعوا إلى
قولنا في تكذيب هذا الخبر وإنه ليس من قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان فيه تكلف ما لا يطاق
والله لا يكلف العباد ولا رسوله ما لا يطيقون، وذلك أنه لو كان في بلد واحد عشرة من
العلماء لكان على أهل ذلك البلد أن يميزوا بين العشرة حتى يختاروا للصلاة بهم
أعلمهم وأفضلهم وهذا ما لا تهتدي العامة إليه أبدا لأن العامة لا تبلغ منازل العلم
فتعلم إذا اختلف العلماء منهم من أعلمهم وأفضلهم لأن الفاضل منهم عند اختلافهم من
كان معه الحق في الاختلاف فلو بلغت العامة معرفة الحق مع من هو منهم إذا اختلفوا
لكان العامة عند ذلك أعلم منهم وأفضل، وهذا قول جاهل غير عليم سفيه غير حكيم وإن
قالوا أن قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليؤمكم أعلمكم وأفضلكم معناه الإمامة في جميع الدين فقد
علمنا أن الإمامة في الدين لا تكون إلا لرجل واحد على جميع أهل الأمصار من بلدان
المسلمين وهذا مما لا خلاف فيه، وإذا كان ذلك كذلك لزم حق النظر أن يجتمع جميع أهل
البلدان في كل عصر وزمان حتى يمتحنوا جميعهم فيعلموا أعلمهم وأفضلهم فيختاروه
للصلاة وهذا مما لا تطيقه الخلق وهو تكليف ما لا يطاق تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا، ومع ذلك فلو أطاقه الخلف لزمهم تجهيل المهاجرين والأنصار جميعا عند إيجاب
هذا الخبر وكذلك أن الإجماع واقع على المهاجرين والأنصار لم يجتمعوا لامتحان
جميعهمحين ولوا أبا بكر أمرهم حتى علموا أن ليس فيهم أعلم من أبي بكر وإنما وقعت
البيعة عقيب اختلاف وضجة وتنازع بين المهاجرين والأنصار كل منهم يذكر أنه أحق
بالأمر من غيره ومع هذا كله وجدنا أبا بكر قد أقر على نفسه بغير خلاف بجهل كثير من
العلم وأنه ضل عنه أحكام
ص 41
كثيرة من أبواب الشريعة وأنه لم يكن يحفظ القرآن وذلك مثل قوله إنكم أن تكلفوني ما
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم به لعجزت عنه فإن الرسول يأتيه الوحي من الله وكان موفقا
مسددا وأني أقول من عند نفسي فإن أصبت فمن الله ورسوله وإن أخطأت فمن نفسي ومن كان
يقول من عند نفسه والله سبحانه يقول (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)
وقال (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقال (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى
ورحمة) فإذا كان قد أكمل الدين ولم يفرط في الكتاب من شيء ونزل الكتاب تبيانا لكل
شيء فقد جمع العلم في كمال الدين والكتاب المبين، ثم لا يخلو ما كان يقوله من عند
نفسه من أن يكون من الدين أو من غير الدين فإن كان من الدين فقد يجب بزعمكم الله
بعث رسوله بشريعة ناقصة ودين غير كامل حتى أتم ذلك أبو بكر من عنده بخطأ أو بصواب
وقائل هذا كافر بالله تعالى ورسوله، ومع ما يلزم من تكذيب الله تعالى في قوله
(اليوم أكملت لكم دينكم) وهذا القول من أبي بكر يوجب أن الله لم يكمل الدين كما
أخبر إذ احتاج أن يقول فيه من عند نفسه ومن كان كذلك فقد كذب الله سبحانه في أخباره
ومن كذب الله مات كافرا بغير خلاف، أو أن يكون يقول إنه أكمل الدين كما أخبر ولم
يحط أبو بكر بعلمه وكان غيره أعلم منه وفي هذا نقض لحجتهم أنه كان أعلمهم، وإن
قالوا أن الذي كان يقوله أبو بكر من عند نفسه ليس هو من الدين قيل لهم فما حاجتنا
إلى شيء ليس هو من الدين وإذا لم يكن من الدين فهو من البدع وكل بدعة ضلالة وكل
ضلالة في النار وكفى بهذا لصاحبه خزيا. ومن ذلك إقرارهعلى نفسه بالجهل أنه لما أراد
جمع القرآن طلب على ذلك شهودا فدل بذلك على أنه لم يعرف القرآن ولو كان عارفا به
لما احتاج إلى شهود عليه ولا إلى جمعه من عند غيره ومن لم يعرف تنزيل القرآن كان
محالا أن يعرف تأويله ومن لم يعرف التنزيل ولا التأويل فهو
ص 42
جاهل بأحكام الإسلام، ومثل قوله وددت أني كنت سألت رسول الله عن الكلالة ما هي وعن
الجد ما له من الميراث وعن هذا الأمر لمن هو فكان لا ينازع فيه، فهذا قول جاهل
بأحكام الشريعة وتأويل القرآن المبين وقد اختلفوا في أحكام الكلالة وأهل المواريث
من الجد وغيره اختلافا ظاهرا موجودا يدل من فهم على جهلهم بأحكام الشريعة، وأما أمر
عمر فلا يجهله الصبيان ولا النسوان في إقراره على نفسه بالجهل والتخلف عن معرفة
الأحكام وحدود الدين كقوله في غير موطن (لولا علي لهلك عمر) و(لولا معاذ لهلك عمر)
(1) هذا مع ما روايتهم ما لا يختلفون فيه من حاجتهما جميعا إلى علي ابن أبي طالب
عليه السلام في غير حكم تحيرا فيه وكفى بهذه الأحوال منهما جهلا بالدين. وأما الفضل
فقد رووا جميعا أن أبا بكر قال وليكم ولست بخيركم وعلي فيكم (2) فأقر أبو بكر على
نفسه بغير خلاف أنه ليس بخيرهم وأولياؤه
(هامش)
(1) أما قوله لولا علي لهلك عمر فقد اعترف فيه الفريقان وأن عمر قال هذه المقالة في
مواطن كثيرة ومنكر ذلك مكابر جاحد للحق وأما قوله لولا معاذ لهلك عمر فقد أورده ابن
حجر العسقلاني في الإصابة عند ترجمة معاذ ابن جبل فراجع. (2) قال شيخ الطائفة
الطوسي محمد بن الحسن رحمه الله في تلخيص الشافي (415) روي عن عمر أنه قال مختارا
وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني وإن اعوججت فقوموني فإن لي شيطانا يغتريني
فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم ودلالته من وجهين أحدهما أن هذه
صفة من ليس بمعصوم ولا يأمن الغلط على نفسه ومن يحتاج إلى تقويم رعيته إذا واقع
المعصية وقد بينا أن الإمام لا بد أن يكون معصوما والوجه الآخر أن هذه صفة من لا
يملك نفسه ولا يضبط غضبه ومن هو في نهاية الطيش والحدة والخرق والعجلة ولا خلاف أن
الإمام يجب أن يكون منزها عن = (*)
ص 43
كذبوا ولا محيص لهم عن أحد الوجهين وقد شرحنا وبينا وأوضحنا من فساد هذا الخبر الذي
زعمه أهل الغفلة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بزعمهم قال (ليؤمكم أعلمكم وأفضلكم) وأنه ليس من حكم
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأمر بذلك ما فيه كفاية لأولي الألباب إذا كان الأعلم والأفضل من أمة
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم به منهم وأعرف. فإذا كان ذلك كذلك وجب أن يختاروا هو لهم الأفضل
والأعلم فيقيمه عليهم ولا يكلفهم اختيار ما لا تبلغه عقولهم ولا تكمل له أفهامهم
ولا تتفق عليه آراؤهم ولا تجتمع عليه أهواؤهم إذ جعل الاختيار في ذلك إليهم مع
إجماع علماء العامة وفقهائهم على تجويزهم تقديم من غيره أعلم منه وأفضل. ومن أدل
الدليل على إبطال هذا الخبر خروجه عن شريعة الإسلام بقصدهم وإجماعهم على مخالفة
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عامدين متعمدين وهذا ما لا محيص لهم منه، والحمد لله رب العالمين على ما
من به علينا من هدايته.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إني رأيت مكتوباً على ساق العرش لا إله
إلا الله محمد رسول الله .....
وأما ما رووا من أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بزعمهم إني رأيت مكتوبا
على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو
النورين، فسبحان الله ما أعظم هذا التخرص وأفظع هذه الرواية وأقبحها عبد ذي فهم أن
يكون جل اسمه يكتب اسمه واسم رسوله الطاهر المطهر الذي لم يعصه طرفة عين أبدا في
دقيقة ولا جليلة على عرشه ويكتب معه أسماء من كانوا على عبادة الأوثان والكفر
بالرحمن أكثر أعمارهم، هل هذا إلامن تخرص الملحدين وتزيين الشياطين، والويل كل
الويل
(هامش)
= هذه الأوصاف وليس لهم أن يقولوا أن ذلك فيه على سبيل الخشية والاشفاق وذلك أن
مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك ألا ترى أنه قال إن لي شيطانا يعتريني وهذا قول من قد
عرف عادته ولو كان على سبيل الاشفاق والخوف لكان؟ يقول إني لا آمن من كذا وإني
لمشفق منه. الكاتب (*)
ص 44
لمن استجاز مثل هذا الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
الجواب عن روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم بدر: لو نزل العذاب ما نجا منا إلا ابن
الخطاب
وأما ما
رووا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال بزعمهم يوم بدر بد لو نزلنا علينا
العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب، فما عند ذوي الفهم أجهل وأضل وأعمى قلبا ممن استجاز
رواية هذا واستحسن نقله منهم إذ لو كان ذلك لأوجب هلاك الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) بالعدا ونجاة ابن
الخطاب الذي كان يقول (لولا علي لهلك عمر) (ولو لا معاذ لهلك عمر) فكيف يسلم من
الهلكة من كان بزعمهم لا يسلم من الهلاك دونه، ومع هذا فمن قولهم المنكوس أن أبا
بكر أفضل من عمر وقد أوجبوا إهلاكه لو نزل العذاب ونجاة عمر، فالذي كان ينجو ويسلم
من العذاب لو نزل يجب أن يكون أفضل ممن كان يهلك به، وهذا الخبر يوجب أن عمر أفضل
من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وجميع الخلق فلما كان أولياؤهما مخالفين لهم في تفضيل أبي
بكر عليه كانوا قد صرحوا بتكذيب علمائهم المتخرصين لهم هذا الخبر وما يشاكله من
أخبار الملحدين، ولا يبعد الله إلا من ظلم وقال ما لا يعلم ومثله في ظاهر الحال
وفظيع المقال ما رووا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بزعمهم ما أبطأعني الوحي إلا ظننته سينزل
على عمر فهل رووا أو سمعوا أن الله عز وجل عزل نبيا من أنبيائه عن نبوته أو رسولا
عن رسالته أم هل يجوز أن يجعل الله عبدا من عباده نبيا بعد عبادة الأوثان وسجوده من
دون الله للأصنام أكثر عمره. وهل كان يبلغ من جهل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه ما كان يتوقع من
العزل من الله عن النبوة وتصيره عبدة الأصنام أنبياء ورسلا أشهد أن قائل هذا
ومعتقده ومستحسن روايته كافر بالله وخارج من كل دين ومستحق لأليم عذاب الله.
الجواب عن روايتهم أن الشيطان كان يهاب من عمر ويهرب منه ويخاف من حسه
ومثله
في الكذب الواضح ما رووا أن الشيطان كان يهاب من عمر ويهرب منه ويخاف من حسه (1)
وفي زمان عبادته وعكوفه على الأوثان
(هامش)
1 روى هذا الحديث وأمثاله المحب الطبري في الرياض النضرة = (*)
ص 45
وكفره بالرحمن لم يكن ذلك كله من تزيين الشيطان، فأول ما يلزمهم في هذا الخبر تكذيب
الله عز وجل ومن كذب الله كفر بالاجماع وذلك أن الله تعالى يقول في قصتهم يوم أحد
حين انهزموا وتركوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما
استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) فلم لم يهب عمر حين استزله معهم حتى هرب في جملة
الهاربين ولم يخف الشيطان حسه ولم يهرب منه وهو يعدو في الجبل هاربا كما روى
أولياؤه عنه أنه قال (رأيتني يوم أحد وأنا أعدو في الجبل منهزما مثل أروى (1) ومثل
هذا لا يشتغل بالنظر فيه والاستماع له ذو فهم.
الجواب عن روايتهم أن السكينة تنطق على لسان عمر
ومثله في الكذب والمحال روايتهم أن
السكينة تنطق على لسان عمر (2) فهل يظن ذو فهم من كانت السكينة تنطق على لسان يخطئ
ويزل حتى ينادي على نفسه لولا فلان لهلك فلان، وأنه قال على المنبر يوما لا
يتجاوزن
(هامش)