أحدكم بمهر امرأته بأكثر من أربعمائة درهم إلا أديته - أو قال عاقبته - فقامت إليه
امرأة فقالت يا عمر يقول الله في كتابه (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم
إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) فرضي الله سبحانه لنا قنطارا وتعاقب أنت من
تجاوز أربعمائة درهم فينا فقال عند ذلك عمر (الناس كلهم أفقه من عمر حتى المخدرات
استغفر الله من ذلك (1) روى أولياؤه أنه مر على صبيان يلعبون فقال ما رأينا
(هامش)
= لهلك عمر، وكيف لم يحتج بهذا الخبر هو لنفسه في المقامات التي احتاج إلى الاحتجاج
فيها وكيف لم يقل أبو بكر لطلحة لما قال له ما تقول لربك إذا وليت علينا فظا غليظا
أقول له وليت من شهد الرسول بأن الحق ينطق على لسانه، وليس لأحد أن يدعي في
الامتناع من الاحتجاج بذلك سببا مانعا كما ندعيه في ترك أمير المؤمنين عليه السلام
الاحتجاج بذلك بالنص لأنا قد بينا فيما تقدم أن لتركه عليه السلام ذلك سببا ظاهرا
وهو تآمر القوم عليه وانبساط أيديهم وأن الخوف والتقية واجبان ممن له السلطان ولا
تقية على عمر وأبي بكر من أحد لأن السلطان كان فيهما ولهما والتقية منهما لا
عليهما، على أن هذا الخبر لو كان صحيحا في سنده ومعناه لوجب على من ادعى أنه يوجب
الإمامة أن يبين كيفية إيجابه لذلك ولا يقتصر على الدعوى المحصنة. الكاتب (1)
أوردهبطرق عديدة العلامة المفسر المحدث الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي
المتوفى سنة 1162 في كشف الخلفاء ج 2 ص 117 من طبع مصر، ولمن يلفظ (كل أحد علم - أو
أفقه - من عمر) وذكر أن عمر قال ذلك في قصة المرأة الت ي اعترضته في المهر، ثم ذكر
القصة بطرق عديدة ثم قال رواه أبو يعلى في مسنده الكبير عن مسروق والبيهقي في
شعبه وأخرجه عبد الرزاق عن أبي العجفاء السلمي. الكاتب (*)
ص 47
خيرا منذ فارقناكم فقال له صبي منهم مه يا عمر أتقول هذا وقد رأيت رسول الله وهو
الخير كله فأخذ عمر ترابا ووضعه فوق فيه وقال كل الناس أعقل من عمر حتى الصبيان،
فأين السكينة التي تنطق على لسان عمر سبحان الله ما أعظم جهلهم وأبين كذبهم وأوضح
محالهم.
الجواب عن روايتهم أن الشيطان كان لا يأمر بالمعاصي أيام عمر
وأعجب من هذا روايتهم أن الشيطان كان لا يأمر بالمعاصي أيام عمر خوفا أن
ينهى عنها فلا يعود فيها أحد أو تتخذ سنة فهل يكون في الجهل أفظع من جهل من يستحسن
رواية مثل هذا أن يكون الشيطان لم يخف من نهي الله ونهي رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) عن المعاصي وهما
يناديان في الكتاب والسنة بالنهي عنها والوعيد عليها ويخاف من نهي عمر عنها أتظنون
أن أحدا لم يزن في عهد عمر ولا شرب خمرا ولا ارتكب شيئا من المعاصي فلم جعل عمر
بزعمكم في شرب الخمر الحد ثمانين جلدة وتجاوز فيه حد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم من الأربعين إلى الثمانين فزعم أولياؤه أن الناس كانوا يبالغون في شربها ففعل
ذلك عمر ليرتدعوا عنها، أفترى أن شرب الخمر لم يكن من المعاصي أو لم يكن ذلك من
تزيين الشيطان والله عز وجليقول (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء
في الخمر والميسر) الآية، فجعل الخمر من حبائل الشيطان فما أقل تمييزهم وفهمهم طهر
الله الأرض منهم.
الجواب عن روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر
وأقبح من هذا كله روايتهم لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر، فتعالى
الله جل ذكره عن أفك الآفكين والويل لهم، إن عمر كان رجلا يعبد الأوثان من قبل بعث
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسنين كثيرة ويسعى في عداوة رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) ومكروهه وكان يظن الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان جائزا أن يبعثه الله نبيا في تلك الحال وقد علم ذو الفهم أن لا عقل
أنقص ولا أقل ولا أوضع من عقل من يعبد غير الله من دون الله سيما من يعبد حجرا
منحوتا أو خشبا منجورا.
ص 48
الجواب عن روايتهم أن عمر نادى في المدينة يا سارية الجبل وهو بنهاوند
ومثله في الكذب والمحال وفظيع المقال روايتهم أن عمر نادى في المدينة يا سارية
الجبل وهو بنهاوند فسمع سارية وهو بنهاوند صوته حين وقعت عليه الهزيمة وعلى أصحابه
وهو يقول يا سارية الجبل يا سارية الجبل فهذه معجزة من أجل معجزات الرسل والأنبياء
عليهم السلام لو ظهرت منهم ولم يجد مثلها لأحد منهم ولعمري لو ظهرت منهم ما
استبعدنا ذلك ولا استعظمناه منهم ولكنها عند كثير من الناس من المحاولات ولو رويت،
ومن كان في محل من يأتي بمثل هذه المعجزة من المحال أن لا يأتي باية دونها ومثلها
وفوقها، فلما لم يجد القوم نظيرا لها من المعجزات ولا ما هو دونها ووجدنا أيضا مع
ذلك أولياؤه إذا طولبوا بالاقرار أنه قد كان له أو لمن تقدم من صاحبه الذي هو عندهم
أفضل منه معجزة أنكروا أن تكون المعجزات إلا للرسل وكان هذا كله دالا على إبطال
تخرصهم، على أنا قد رأينا جماعة من فقهاء أصحاب الحديث ينكرون صحة هذا الخبر
ويبطلونه ويطعنون على الراوي له وفي هذا كفاية لمن فهم ونظر.
الجواب عن روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إلي بعمر بن
الخطاب أو بأبي جهل بن هشام
وأظهر من هذا الخبر
كذبا وأبين منه محالا ما رووه تخرصا وافتراء أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بزعمهم اللهم اعز
الإسلام بأعز الرجلين إليك بعمر أو بأبي جهل بن هشام، فسبحان الله ما أجسرهم على
الله بما يتخرصون من الكذب والافتراء عليه وعلى رسوله وهل يجوز عند أهل النظر والفهم
أن يكون رسول الله ص الذي جعله حجة بينه وبين خلقه يقوم فيهم مقامه فيوجب لمن
اتبعه النعيم المقيم ولمن عصاه العذاب الأليم بمحل من هذا الجهل حتى يسأل الله
سبحانه أن يعز الإسلام وهو دينه الذي ارتضاه لعباده المؤمنين بأحد رجلين معاديين
لله ورسوله متظاهرين بالكفر والالحاد والعتو والعناد وبعبادة الأوثان والعداة
لأولياء الرحمن أليس قد أوجب من تخرص هذا الخبر أن يكون عمر أجل منزلة في العز
المنيع والقدر الرفيع عند الله من رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان لم يعز دينه برسوله
ص 49
وأعزه بعمر ثم هم يزعمون مع ذلك أن أبا بكر كان أفضل منه وقد أسلم من قبله بسنين
كثيرة فلم يعز الله به الدين حتى أعزه بعمر، أفليس يلزم في حق النظر أن يكون من أعز
الله به الذين أفضل ممن لم يعزه به قاتلهم الله أنى يؤفكون.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن تولوها أبا بكر تجدوه قوياً في دين
الله ضعيفاً في نفسه وإن تولوها عمر ....
وهذا سبيل في التخرص
والافتراء كسبيل روايتهم: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن تولوها أبا
بكر تجدوه قويا في دين الله ضعيفا في نفسه وإن تولوها عمر تجدوه قويا في دين الله
قويا في نفسه (1) فانظروا يا أهل الفهم هل يكون في الجهل أبين من جهل من زعم أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهد لرجل بقوة في الدين وقوة في نفسه وأخبر عن آخر بزعمهم بقوة في
الدين وضعف في نفسه ثم هم مع ذلك يزعمون أن من كان قويا في الدين ضعيفا في نفسه
أفضل ممن هو قوي في الدين قوي في نفسه إلا يعلم ذو الفهم أن من كان قويا في الحالين
أفضل ممن كان قويا في حال واحد ثم هم أيضا
(هامش)
(1) قال الشريف الجليل علم الهدى السيد المرتضى في الشافي ص 245 وشيخ الطائفة الشيخ
الطوسي في تلخيص الشافي ص 420 أما ما روى من قوله وإن وليتم عمر تجدوه قويا في أمر
الله قويا في بدنه فهذا لو ثبت لدل على صلاحه للإمامة لكون دون ثبوته خرط العتاد؟
فإنه خبر واحد لا يقطع على صحته، وأقوى ما يبطله عدول أبي بكر عن ذكره والاحتجاج به
لما أراد النص على عمر فعوتب على ذلك وقيل له ما تقول لربك، إذ وليت علينا فظا
غليظا ولو كان صحيحا لكان يحتج به ويقول وليت عليكم من شهد النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) بأنه قوي في
أمر الله قوي في بدنه، على أن ظاهر هذا الخبر يقتضى تفضيل عمر على أبي بكر والاجماع
بخلاف ذلك لأن القوة في الجسم فضل قال الله تعالى إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة
في العلم والجسم فكيف يعارض ما علمناه من عدوله عن توليته بهذا الخبر المردود
والمدفوع الكاتب (*)
ص 50
يروون عن عمر أنه قال (وددت أني شعرة في صدر أبي بكر ما أردت حالا في الخبر إلا
وجدت أن أبا بكر قد سبقني إليها ولقد كنت أبادر إذا أمر رسول الله بشيء من افعال
الخير طمعا في أن أسبق أبا بكر إليه فأجده قد سبقني إلى ذلك) فإن كان هذا الخبر
صحيحا فالأول باطل لأن من كان يجهد ويتعمد السبق إلى خصلة من خصال الخير فيجد غيره
قد سبقه إليه فالسابق بغير تكلف أقوى في نفسه ودينه جميعا ممن يتكلف فلا يسبق، فليس
نجد بحمد الله ومنه من أخبارهم إلا ومعه خبرا آخر ينقضه ويبطله، وهذا لعمري سبيل
الباطل تنضاد أخباره وتختلف تمثيلاته حتى لا يثبت له أصل ولا يتم له فصل عند ذوي
الفهم والتمييز، وإن كان سبقهما وتسابقهما إلى أفعال الخير نزعمهم عند نزل هذه
الآية إذ قال (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) فأجمعت الأمة أنهما
وجماعة من المهاجرين والأنصار تخلفوا عن مناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذلك غير علي ابن أبي
طالب عليه السلام، هذا ما ما يلزمهم أيضا في قول عمر أنه كان يتعمد في مسابقة أبي
بكر لأنه كان رجلا حسودا لا خيرا في الدين وكان يحسد أبا بكر على سبقه ويجهد أن
يتقدمه بزعمهم في السبق فلا يتهيأ له وقد رووا جميعا أن الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) قال إن الخلود
في النار، ومع ذلك فيقال لهم أخبرونا عن هذا الرجل الذي زعمتم أن الله عز وجل أعز
الإسلام به هل تجدون له مقاما في شيء من المغازي ومجاهدة المشركين ومبارزة الأبطال
من الكفار أو كشف في ذلك كربة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو عن المسلمين أو أقام في شيء من
ذلك مقام المحمودين فلا تجدون إلى ذلك سبيلا بل تجدون هزيمته وفراره في كثير من
المواطن التي كان فيها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ظاهرا ذلك مشهودا في أخبار أوليائه. ودون
ما شرحناه من فساد هذه الأخبار المتخرصة كفاية ومقنع ونهاية.
ص 51
الجواب عن روايتهم عن ابن مسعود أنه قال لما قتل عمر: ذهب تسعة أعشار العلم
ومثل روايتهم عن ابن مسعود أنه قال لما قتل عمر (ذهب تسعة أعشار
العلم) فما هو بمستنكر من ابن مسعود أن يقول هذا فيه وقد جعله معلما لأهل العراق
بشرائع الإسلام بزعمه بأجرة حرام من مال حرام فاستطاب ابن مسعود ذلك فأكله مسارعا
فيه وإليه على ما تقدم من شرحنا في قصص المهاجرين والأنصار والمعلمين والمصلين
والمؤذنين، وسواء عندنا قاله ابن مسعود في عمر أو قاله في نفسه فلا لمديحه ولا لذمه
عندنا من المحل ما نشتغل به ولا ننظر فيه إذ كان ممن استحل أن يأخذ على تعلم الدين
الأجرة الحرام من المال الحرام المأخوذ من الناس ظلما وجورا من أبواب الخراج
المخالفة لدين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدود شريعته. وليس هذه الرواية عن ابن وأشكاله بأعظم
ولا أفظع من روايتهم إن شاعرا كان عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشار إلى الشاعر بالسكوت فسكت
حتى خرج عمر ثم استعاده النشيد فعاد عمر فأسكته فلما خرج استنشده حتى فعل ثلاث مرات
كلما جاء عمر بالسكوت وإذا خرج استنشده، قال الشاعر يا رسول الله من هذا الذي إذا
جاء اسكتني وإذا خرج استنشدني فقال هذا عمر بن الخطاب وهو رجل يكره الباطل، وهذه
الرواية مع منافاتها من مناقبه السامية عندهم فلم يتخوفوا في تخرصهم أن ينسبوا رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى محبة الباطل واستدعائه استماعه ونزهوا عمر عنه وعن سماعه فهل يستحسن
رواية مثل هذا من يؤمن بالله ورسوله، فهل يروي هذا من لهم قلوب يفقهون بها أو أعين
يبصرون بها أو آذان يسمعون بها زادهم الله عما إلى عماهم وضلالا وعجل تطهير البلاد
وأرواح العباد منهم.
الجواب عن روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر عشرة بالجنة منهم عمر
ومن تخرصهم أنهم رووا أنهم رووا أن عشرة في الجنة منهم عمر بن
الخطاب، إذ كان من خالف كتاب الله وغير سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قدمناه ذكره في باب
بدعه يكون في الجنة فجائز القائل غدا أن يقول أن فرعون وهامان أيضا في الجنة.
ص 52
الجواب عن روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى قصراً في الجنة لعمر فلم يدخله غيره على عمر
ومثل روايتهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رأيت قصرا في الجنة من ذهب
فأعجبني فقلت لمن هذا القصر قيل لفتى من قريش قلت من هو قيل عمر بن الخطاب فما
منعني من دخوله إلا ما أعرف من غيرتك فيا سبحان الله إلا ينظر ذو الفهم في عجائب ما
يأتون من محالاتهم، فهل أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قصرا رآه لغيره مما لم ير لنفسه مثله،
فإن قالوا إنه ليس لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله في الجنة كفروا بغير خلاف وإن قالوا أيضا
أنه مثل قصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساووا بين منزلة رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) ومنزلة عمر، وقال هذا كافر
بالله وبرسوله فإن الله لم يجعل منازل أنبيائه ورسله كمنزلة محمد صلى الله عليه
وآله وسلم فكيف يجعل ذلك لعمر، وإن قالوا أن قصر رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) في الجنة أفضل منه
وأجل فما الذي أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قصر عمر وما كان حاجته إلى دخوله وله أفضل منه
وأعلى درجة وأرفع منزلة، قبحهم الله وقبح ما يأتون به من فضائحهم وتخرصهم لئن قالوا
أن عمر كان غيورا فقد أخرجته غيرته هذه إلى فساد شريعة الله وتغيير سنة رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) ومعاقبة من يقتدي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك إذ قال متعتان كانتا عهد رسول الله
وعهد أبي بكر حلالا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء، فلو أنهم
ممن يسمع أو يعقل لما استحلوا رواية مثل هذه المتخرصات من الأحاديث المنكرات لكنهم
كما قال الله عز وجل صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أن أهل الجنة ليتراؤن في عليين كما يتراءى
الكوكب
ومثل روايتهم أن الرسول ص
قال إن أهل الجنة ليتراؤن في عليين كما يترائ الكوكب الدري لأهل الأرض وإن أبا بكر
وعمر لمنهم ولعمري أن الخبر في ترائي أهل عليين من أهل الجنة لصحيح ولكن الزيادة
فيه من الكلام المختلق يعلمه من هو ذو فهم، وما الحال الذي أوجب ذكر هذين دون
غيرهما فإن كان لغيرهما من الصحابة تلك المنزلة فهذا ليس من العدل أن يذكر رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) بعض أهل تلك المنزلة ويمسك عن ذكر
ص 53
الباقين من غير علة وهم حضور عنده كحضور ممن ذكرهم أو يوحنون تلك المنزلة لهما دون
غيرهما فيكذبون على رسول الله إذ قال أن أبا بكر وعمر لمنهم وأن قوله لمنهم يوجب أن
يكونا هما هناك كغيرهما وما يوجب أن يكونا هما أحق بتلك المنزلة من غيرهما من أصحاب
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا كان كذلك فقد ظلم رسول الله أهل تلك المنزلة من غيرهما من أصحابه
إذ ذكر هذين بزعمهم ولم يذكر الباقين، ومن يظن هذا وشبهه برسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) أو يقصد في
مذهبه إلى ما يدعو إلى تكذيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الظلم فهو كافر بالله خارج عن كل
دين لله.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أن الله جعل لعثمان نورين
وأما ما رووا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بزعمهم أن الله جعل لعثمان نورين فليس
يخلو الحال في ذلك من أن يكون جعل الله له النورين في الدنيا وفي الآخرة أم جعل له
نورا في الدنيا ونورا في الآخرة، فإن قالوا أنه جعل له في الدنيا نورا وفي الآخرة
نورا قيل لهم أوليس كل مؤمن كذلك فإن كذبوه فقد كذبهم قول الله عز وجل حيث يقول:
أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وقوله: ومن لم يجعل
الله له نورا فماله من نور وقوله: والذين آمنوا به يعني رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)
وعززوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك، وقال في نور الآخرة يوم ترى
المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من
تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات
للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا الآية،
وقال: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم
الآية، فإن قالوا إن لكل مؤمن كذلك قيل لهم فما فضل عثمان على غيره في هذه
المنزلة وما الفائدة في هذا القول من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كان عثمان مؤمنا فسبيله في
النور كسبيل سائر المؤمنين في الدنيا والآخرة ولا فضيلة له في ذلك ولا فائدة ترد
ص 54
بذكره في ذلك ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحكم من أن يقول قولا لا فائدة فيه، فإن قالوا أراد
بذلك إظهار إيمان عثمان ومنزلته في الدين قيل لهم أو ليس قد كان هناك من الصحابة من
هو مثل عثمان ومن هو أفضل منه مثل أبي بكر وعمر بزعمكم فما باله خص عثمان بهذا
الذكر ثم منع الباقين أيقولون أنه حاباه دونهم فليس هذا من صفة الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) ولا من
صفة الحكماء أو يقولون أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ظلم الباقين حين لم يذكرهم بإظهار الإيمان
كما ذكر من هو مثلهم في الدين والإيمان فقائل هذا كافر وإن قالوا أن النورين جعلهما
له في الدنيا والآخرة قيل لهم أوليس أبو بكر وعمر عندكم أفضل من عثمان فلا بد من أن
يقولوا نعم إذ كان هذا أصلهم فيقال لهم فهل جعل الله لهما نورين لكل واحد منهما فإن
قالوا نعم فقل لهم فلم ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عثمان بهذه الحال ولم يذكرهما ولم يسمها
ذا النورين وهل هذا منكم إلا تخرص وافتراء، فإن قالوا إن الله لم يجعل لهما نورين
كما جعل لعثمان قيل لهم فمن جعل الله له نورين يجب أن يكون أفضل ممن جعل الله له
نورا واحدا فإن منعوا ذلك بأن جهلهم وظهرت فضيحتهم وإن أجازوا خرجوا عن أصولهم
وفارقوا مذهبهم إذ كان من قولهم إن أبا بكر وعمر كانا أفضل من عثمان، ومن اضطر في
مذهبه إلى مفارقة أصله والمقام على فضيحته فكفى له بذلك خزيا. وما ما رووا من تزويج
عثمان من الابنتين فقد شرحنا من قصتهما متقدما في ذكر غلط هند بن أبي هند التميمي
في نسبهم وما دخل عليهم من الشبهة فيما بين خديجة وبين أختها هالة ما فيه كفاية لمن
فهم.
الجواب عن روايتهم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعثمان: لو كانت عندي ثالثةما عدوناك
وأما ما احتجوا به من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان لو كانت عندي
ثالثة ما عدوناك، فلو علموا ما عليهم في ذلك لأقصروا عن ذكره وذلك أنه إن كان تزويج
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرا لمن زوجه ففي رده عن التزويج ذم ونقص على رده، وقد أجمعوا في
روايتهم أن أبا بكر
ص 55
خطب فاطمة عليها السلام فرده عن تزويجها ثم خطبها عمر فرده كذلك فإن قالوا أنه لم
ير أبا بكر وعمر موضعا للتزويج ببناته ورأى عثمان موضعا لذلك وأهلا له ففي حق النظر
أن يكون عثمان أفضل منهما فإن أجازوا فضل عثمان عليهما بانت فضيحتهم في مذهبهم
المكوس؟، وإن قالوا أن تزويج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعه أبا بكر وعمر من ذلك لا يوجب فضلا
لعثمان عليهما ولا ذما لهما في ردهما، قيل لهم فذلك أيضا لا يوجب لعثمان فضلا على
غيره بهذا التزويج، وفي هذا كفاية لأولي الألباب.
الجواب عن روايتهم أن عثمان جهز جيش العسرة بمال عظيم من عنده
وأما روايتهم أن عثمان جهز جيش
العسرة بمال عظيم من عنده ففي تحقيق نقض روايتهم وما أنزل الله في كتابه من قصة جيش
العسرة ما يدل على خلاف ما ادعوه في ذلك. إن جيش العسرة هو الجيش الذي خرج به رسول
الله صلى الله عليه وآله في غزاة تبوك وكان الجيش يومئذ مع رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) خمسة
وعشرين ألفا غير الاتباع، وقد وجدنا في روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) استدعي من الناس
تقوية من لا قوة له من المسلمين فقال عثمان علي مائة راحلة فساق إلى رسول الله (
ص) مائة راحلة ففرقها على قوم المسلمين ثم استدعى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) التقوية من الأقوام
فقال عثمان وعلي مائة راحلة أخرى فساقها إليه ففرقها كذلك ثم لم يذكر له رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من ذلك فإذا سلمنا لهم روايتهم في هذا فلا حجة لهم علينا بعد ذلك، وإذا صح
لعثمان دفع مائتي راحلة في جيش العسرة فإنما يجوز أن يكون المائتا راحلة لمائتي رجل
أو أربعمائة رجل كم هم من خمسة وعشرين ألفا فلا يجوز أن يقولوا جهز جيش العسرة من
ماله، وهذا الذي ذكرناه من المائتي راحلة جميع ما كان منه في ذلك على تقدير تسليم
روايتهم وقد أنزل الله سبحانه في سورة التوبة يصف قوما جاؤا إلى رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) في
جيش
ص 56
العسرة يسألونه أن يحملهم ويقويهم بما يستعينون على الجهاد ولم يكن عند رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) شيء مما يقويهم به فرخص لهم في التخلف عنه إذ لم يجد ما يقويهم وتلك حال ضرورة
فانصرفوا عنه يبكون أسفا منهم على الجهاد وما يفوتهم منه لضعفهم فوصفهم الله عز وجل
في كتابه فسموا الباكين فقال سبحانه ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على
الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله
غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا
وأعينهم تفيض من الدمع حزنا إلا يجدون ما ينفقون وقد علم جميع أهل الأثر أن عثمان
كان أكثر الصحابة يومئذ مالا فما باله لا يجهز أولئك الضعفاء الذين كانوا راغبين في
الجهاد وقد كان يمكنه ذلك أفلا ترى إلى فساد كل ما يدعونه وكيف يرشد الله أولياؤه
المؤمنين إلى معرفته وكشف باطله وإظهار تخرصهم ولله المنة على أوليائه فيما أرشدهم
إليه من هدايته. ومثله من كذبهم في روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بزعمهم من يشتري
بئر رومة وله الجنة فاشتراها عثمان من ماله وجعلها للسبيل، أفرأيت لو سلمنا لهم
اشتراءه لبئر رومة من أين لهم صحة ما ادعوه من ضمان رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) له الجنة على ذلك
وخصومهم يمنعونهم من ذلك، وإذا وجدت أفعال عثمان مخالفة لأفعال من يستحق الجنة كان
محالا أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جهل معرفة ذلك حتى يضمن له الجنة وهو غير مستحق لها. وقد
وجدنا من أفعاله وبدعه وتعطيله لحدود الله وما أوجبه الله في دينه ما قد شرحناه
متقدما في باب بدعه ما يدلنا ومن كان من ذوي الفهم على أن ما ادعوه من ضمان رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له بالجنة باطل وزور وبهتان وتخرض وافتراء ولسنا مع ذلك بزعمهم نمنع عن
شراء بئر رومة ولا عن أكثر منها إذا كان غير نافع لمن لم يعمل عملا صالحا ويمهد
مهادا راجحا والله لا يصلح
ص 57
عمل المفسدين، ولو كان لما ادعوه أصل وصحة لكان الله قد ذكر ذلك في كتابه العزيز
ومدحه به بما يزول معه الشك والشبهة كما مدح صاحب أقراص الشعير الذي أطعم المسكين
واليتيم والأسير وكان ذلك دون ثمن بئر رومة فلما علم الله أن ذلك اليسير من أقراص
الشعير التي أطعم بها المسكين فعلها أمير المؤمنين عليه السلام خالصا لوجه الله
أنزل فيها سورة مفردة وهي (هل أتى على الإنسان) تشهد لهم بالجنة وأن ذلك كان منهم
لوجه الله خالصا مخلصا فقال عز وجل يحكي ما كان في صدورهم ونياتهم ثنا عليهم (إنما
نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) ثم قال (فوقاكم الله شر ذلك اليوم
ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) ولو كان عثمان أيضا اشترى بئر
رومة لوجه الله كما زعم أولياؤه وضمن له (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك الجنة لكان قد ذكر في كتابه
العزيز كذكر أقراص الشعير، وفي هذا كفاية لمن فهم ووقف على تخرصهم وافترائهم وباطل
دعواهم.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما على ابن عثمان ما أتى بعدها ...
ومثل روايتهم أن عثمان حمل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دنانير كثيرة فجعل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يقلبها بيده ويقول ما على ابن عثمان ما أتى بعدها وهذا لا يخلو الحال فيه من أن
يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما على ابن عثمان ما أتى بعدها يريد بذلك ما عليه من افعال
الخير فهذا لكل إنسان وكل ما أتى بشيء من أفعال الخير فذلك له لا عليه، وهذا قول لا
فائدة فيه وإن قالوا أنه أراد الأفعال السيئة فقد أوجبوا أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) قد أباح
لعثمانما حرمه الله للمسلمين في الشريعة وكفى بهذا لقائله خزيا، وإن قالوا أنه إنما
قال ذلك لأنه علم أنه لا يأتي بشيء من الأفعال السيئة فما فائدة قوله (ما عليه ما
أتى بعدها) وهو لا يأتي بشيء من ذلك، فسبحان الله ما أجهلهم وأقل تمييزهم ومعرفتهم
وأكثر تخرصهم وافترائهم.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في عثمان استحي ممن تستحي منه الملائكة
ومن تخرصهم وافترائهم على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) روايتهم أن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يوما جالسا في منزله مكشوف الفخذ وأصحابه يدخلون عليه
ص 58
فلا يغطيها وممن دخل عليه بزعمهم أبو بكر وعمر فلم يغط فخذه فلما دخل عثمان غطاها
فقيل له في ذلك فقال ألا استحي ممن تستحي منه الملائكة فما أقل تخوفهم من كذبهم
وتخرصهم أو ليس قد رووا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الركبة عورة أو قال من العورة فكيف يجوز
أن يقول ذلك ثم يدع فخذه مكشوفا بين أيدي الناس وهي فوق الركبة فنسبوا إلى الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يبدي عورته للناس، وهذا من افعال الجهلاء والسفهاء دون أفعال الحكماء قبحهم
الله وقبح ما يأتون به، ثم لو صح لهم ذلك لكان فيه هتكهم في إيجابهم تفضيل عثمان
على أبي بكر وعمر لأنهما دخلا عليه ولم يستحي منهما واستحيى من عثمان فهو إذا أفضل
منهما وأجل منزلة وأعظم، وكذلك دل بقوله أن الملائكة تستحي من عثمان ولا تستحي
منهما على أنه أفضل منها وأجل وأرفع درجة ففي كثير مما يروونه في تخرصاتهم من
الفضائح ما يرغب ذا الفهم عن مجالستهم ومجاورتهم فضلا عن الدخول في مذهبهم ومع ذلك
فيقال لهم خبرونا عن الملائكة أي حال أوجبت عليهم أن يستحيوا من عثمان هل جنت
الملائكة عليه جناية فهي تستحي مما ارتكبته منه أو هل أحسن عثمان على الملائكة أفضل
عليهم بنعمة أو بدفع مضرة أو استجلاب منفعة وما شاكل هذا من وجوه الفضل والأنعام
فأوجبت الملائكة على نفسها بذلك تعظيم عثمان والاستحياء منه إجلالا له لجميل فعله
بهم لقد ضلوا ضلالا بعيدا.
الجواب عن روايتهم أن عمر سراج أهل الجنة في الجنة
ومثل هذا التخرص والافتراء ما رووا أن عمر سراج أهل الجنة
في الجنة، ولم نجد الله عز وجل ذكر في شيء من كتابه أنه جعل لأهل الجنة سراجا إنا
أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) فجعل الله رسوله
سراجا للمؤمنين في هدايتهم وإرشادهم وتعليمهم فإن كانوا أرادوا بقولهم في عمر أنه
سراج أهل الجنة بمعنى أن يعلمهم
ص 59
ويهديهم ويرشدهم قيل لهم أن أهل الجنة لا تكليف عليهم ولا جهل فيهم فلا حاجة لهم
إلى تعليم ولا إلى إرشاد، ولو كانوا محتاجين إلى ذلك لكان أنبياؤهم ورسلهم أحق بذلك
من عمر إلا أن يقولوا أن عمر في الجنة أعلم وأفضل من الأنبياء فيحق عليهم اللعنة من
الله ورسوله والملائكة وجميع عباده، ولعمري أن هذا الخبر يوجب عليهم هذا القول
ويلزمهم أن يقولوا إن عمر أفضل من جميع الخلق والأنبياء والرسل والملائكة إذ كان
الله جعل رسوله سراجا لأهل الدنيا وجعل عمر سراجا لأهل الجنة وسراج أهل الجنة أجل
وأفضل وأرفع وأعظم منزلة من سراج أهل الدنيا ولم يبق بعد الهداية والارشاد في معنى
السراج إلا الضياء من المصباح من النار والشمس والقمر والنجوم وما شاكل ذلك مما
يستضاء به في الظلمة أو نضارة الوجه وحسنه فيبتهج به من يراه، ولا وجه آخر نعرف في
معنى السراج غير هذه الوجوه، فإن زعموا أنه أراد بذلك ضياء أهل الجنة فما في الجنة
ظلمة فيحتاجون إلى ضياء سراج فيها يستضيئون به، وهذا قول جاهل غافل غوي، وإن قالوا
أراد بذلك حسن الوجه ونضارته قيل لهم وجه عمر أحسن في الجنة وأنضر من وجوه الأنبياء
والمرسلين، فإن قالوا أن وجه عمر أحسن كفروا، وإن قالوا وجوه الأنبياء والمرسلين
أحسن قيل لهم قد استغنوا بحسن وجوه أنبيائهم ورسلهم عن وجه عمر ما يدل على أنه كان
أقبح الناس وجها وأشنعهم منظرا، هذا مع ما يلزمهم في هذا الخبر من تفضل عمر على أبي
بكر إذ كان عمر سراجا لأبي بكر في الجنة بزعمهم أنه سراج أهل الجنة وأبو بكر عندهم
من أهل الجنة، ويلزمهم أيضا أن يجعلوه أفضل من الأنبياء والمرسلين إذا كانوا من أهل
الجنة وعمر وسراجهم ومن توهم هذا أو ظنه فقد حق عليه غضب الله وسخطه واستحق أليم
عذابه وشديد عقابه.
ص 60
الجواب عما زعموا أن أفضل الناس من بعد رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
وأما ما زعموا من قولهم أن أفضل الناس من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر وعمر وعثمان
وعلي، ومنهم من يقول ثم عمر ثم عثمان ثم علي فزعموا أن أبا بكر أفضل من عمر وعمر
أفضل من عثمان وعثمان أفضل من علي، ثم بعضهم ساوى بين علي وعثمان، ثم يشهدون للعشرة بالجنة
وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن ابن عوف الزهري
وأبو عبيدة بن الجراح (1) فيقال لهم إن الله جل اسمه قد أخبر أن الجنة لأهل الطاعة
وأهل الطاعة هم الطائعون لرسوله العاملون بأمره المتبعون لسنته بقوله تعالى (ومن يطع
الرسول فقد أطاع الله) وقوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
وإذا كان ذلك كذلك ثم وجدنا قوما قد خرجوا في كثير من أفعالهم عن سنن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)
وقصدوا مخالفته وعصوا أمره وابتدعوا في دينه ما لم يأذن الله به ولا رسوله مع قول
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. فقد صح عندنا بطلان
شهادتهم له بالجنة وإيجابهم لهم التزكية وقد وجدنا تسعة من هؤلاء العشرة الذين
يزعمون أنهم من أهل
(هامش)
(1) وقد ألف علماوهم الدين يتولونهم مؤلفات عديدة في مناقب العشرة فهذا العلامة
الحافظ محب الدين أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري شيخ الحرم المكي المولود بمكة
في جمادى الآخرة سنة 615 والمتوفى جمادى الآخرة سنة 694 الذي قال فيه الذهبي
الفقيه: الزاهد المحدث كان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز. قد ألف كتابا ضخما في
فضائلهم في مجلدين سماه الرياض النضرة في مناقب العشرة وقد طبع بمصر سنة 1327
أور فيه ما دب ودرج وكال لأوليائه من الفضائل والمناقب كيلا جزافا وفيه الكثير من
المخازي والمخرفات ما يضحك الثكلى فارجع إليه إن شئت فسترى العجائب والغرائب من هذا
العلامة الحافظ. الكاتب (*)
ص 61
الجنة قد أحدث كل واحد منهم ما يخالف شريعة الله وأحكام دينه من فرائضه وسننرسوله،
وذلك مثل ما شرحناه من بدع الثلاثة وما قد ارتكبوه من المسلمين وأحدثوه من الفساد
في الدين فطرقوا به سبل الضلالة ومناهج الجور لكل من اقتفى آثارهم من بعدهم وسلك
سبيلهم،
مخازي طلحة والزبير وقتل الزبير
وأما الستة الباقون من التسعة فمنهم طلحة والزبير اللذان ارتكبا من رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هتك حريمه ما لا يرتكبه منه كافر ولا مشرك بقصدهما إخراج حرمته يسيران
بها بين العساكر في البراري والفلوات غير مبالين في ذلك ولا متحرجين مع ما قد أجمع
أهل الخبر عليه من الرواية أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلم طلحة والزبير وأعلم عائشة
زوجته أنهم سيقاتلون عليا صلوات الله عليه ظالمين له فلم يردهم ذلك من قول رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن محاربتهم عليا عليه السلام إلا ظلما واعتداء وعن سفك ما سفك منهم من
الدماء وتلك الدماء كلها في عنقيهما وعنق عائشة جميعا، وقد زعم الجهال منهم أن
الزبير قتل تائبا قتله عمر بن جرموز اغتيالا في رجوعه إلى مكة تائبا فقال لهم أهل
الدين والتمييز أن ذلك من الزبير لم تكن توبة له لأنه أورد الذين جلبهم للحرب مورد
الحرب (1) وقذف بهم مناهج الضلالة وحرضهم على محاربة صاحب الحق ودعاهم إلى ذلك
فكانت تربته أن يقوم في القوم مناديا بظلمه واعتدائه ويعلم من كان معه على رأيه هذا
بالظلم ليرجعوا برجوعه ثم يصير بعد ذلك إلى إمامه علي بن أبي طالب عليه الصلاة
والسلام فيضع يده بيده وينصرف بين أمره ونهيه فلما لم يفعل ذلك كان ممن حقت عليهم
كلمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من
خذله) وكان الزبير في أول أمره محاربا له ومعاديا
(هامش) (1) الحرب هنا بفتح الراء
المهملة بمعنى الهلاك، ولعمري أي هلاك أوردهم للزبير مورده فكم نفوس هلكت ودماء
أريقت في حرب البصرة وفتنة الجمل الكاتب (*)
ص 62
وفي آخره خاذلا فقد حقت عليه الدعوة بالعداوة والخذلان جميعا من الله ورسوله ومن
حقت عليه دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فالنار أولى به من الجنة
قتل طلحة بن عبيد الله
وأما طلحة بن عبيد الله
فإنه قُتل في معركة الحرب قتله مروان ابن الحكم وزعم أنه بقتله طلب دم عثمان فإن
طلحة كان ممن حضر في دار عثمان، فقتلا جميعا طلحة والزبير محاربين خاذلين مع ما قد
سمعناه من دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعداوة من الله والخذلان لفاعل ذلك، وليس يخلو حالهما
في ذلك أن يكونا استهانا بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعداوة الله أو أن يكونا قد رأى أن
دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) غير مجابة، ولا وجه ثالث لهما يوجب تأويله في دعوة الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك
ومن قصد الوجهين أو واحدا منهما فقد خرج من دين الله وشريعة الإسلام. هذا مع ما
يلزمهما من عقوبة ما قصدا له من الأذى الذي أدخلاه على رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) بإخراجهما
زوجته من بيتها ومن سترها وما ضربه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحجاب لأنه من المحال أن يخرجا
زوجته من بيتها ومن سترها إلى مواطن الحرب وتصفح وجوه الرجال في مواقف الصفوف
والعساكر إلا وهما قد ادخلا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأذى العظيم بذلك والله يقول إن
الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا هذا
وقد سمعنا الله يأمر نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاستقرار في بيوتهن بقوله يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا
معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى فاستخفا جميعا بأمر الله
في ذلك وحملاها على مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أمرت به ونهيت عنه وكان الواجب عليهما
فيما يلزمهما من طاعة الله وحق رسوله أن لو أرادتعائشة الخروج معهما واستدعت ذلك
منهما أن يمنعاها من ذلك ويلزماها بيتها صيانة لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وينهياها عن
مخالفة
ص 63
كتاب الله ولكنهما صانا حرمهما في منزلهما وأخرجا حرمة رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) وعصيانا في
ذلك كله لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت هي مشاركة لهما فيما استحقاه على ذلك من أليم
العقوبة إذ أطاعتهما في معصية الله وهتك سترها الذي أسبله الله عليها ورسوله (صلى
الله عليه وآله وسلم)
فلينظر الناظر بحق في هذا الذي شرحناه وبيناه هل هو من فعل من يجوز أن يشهد له
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنة كلا بلا شهادته لهو بالنار أقرب من شهادته لهم بالجنة عند ذوي
الفهم.
مخازي سعد بن أبي وقاص
وأما سعد بن أبي وقاص فرجل يروي عنه الخاص والعام أنه قال سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في علي من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر
من نصره واخذل من خذله وأنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي مع الحق والحق مع
علي يدور معه حيثما دار لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وهذا وجد عنه في رواية جميع
أصحاب الحديث حتى قد أودعوه كتابا لهم يعرف بكتاب السنة، ثم رووا عنه بعد هذا كله
أن عليا عليه السلام دعاه إلى نصرته والخروج معه في حروبه فامتنع عليا وقال له إن
أعطيتني سيفا يعرف المؤمن من الكافر فيقتل الكافر وينبو عن المؤمن خرجت معك، وقد
جعل أصحاب الحديث من الحشوية هذا من مناقبه في ورعه بزعمهم، وهذا قول من لا يؤمن
بالله ولا برسوله لأنه لم يعرف المؤمن بالله ولا برسوله بزعمه فقد شهد أنه قد سمع
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في علي عليه السلام ما قد رواه وليس يخلو حال سعد في خذلانه
لعلي عليه السلام بقعوده عنه أن يكون استحق بهذا القول من رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم اللعنة ولم يتخوف من مخالفته أو أن يكون ظن في نفسه أن دعوة الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) غير مستجابة في ذلك ولا موجبة، ومن ظن هذا وقصد الوجه الأول
فقد خرج من كل دين الله جل اسمه، ولا وجه آخر يتأول في هذا المعنى بعد هذين الوجهين
وكذلك أيضا حاله فيما شهد به من قوله أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ص 64
يقول علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار لا يخلو في ذلك من أن يكون
كذب على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) من كذب علي عامدا متعمدا فليتبؤ مقعده
من النار، أو يكون الراوون عن سعد هذا الخبر كذبوا على سعد فإن أقروا بالكذب على
سعد لزمهم أيضا كذبهم فيما رووا عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الشهادة للعشرة بالجنة وفي
غيره من جميع رواياتهم حتى لا يصححوا عن سلفهم شيئا من الرواية، وكفى بهذا خزيا عند
من فهم أو أن يكون سعد لم يصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما قاله من ذلك ومن لم يصدق رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إخباره كفره بغير خلاف أو أن يكون سعد سمع بذلك وتيقنه أنه كما قال
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فتهاون بالحق وعانده ومن تهاون بالحق وعانده فقد كفره الحق ومن كره
الحق كان ممن قال الله فيه - ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم - لأن
جميع ما أنزل الله في كتابه وبعث به رسوله فهو الحق لقوله - هو الذي أرسل رسوله
بالهدى ودين الحق - وقوله - وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وقوله - إنا أرسلناه بالحق
بشيرا ونذيرا - ومن كان هذه صفته كان إلى صفات الكفر أقرب منه إلى صفات الإيمان
وكانت الشهادة له بالنار أحرى من الشهادة له بالجنة.
مخازي سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل العدوي
وأما سعيد فإنه مات ولم تكن
العداوة منه قد ظهرت لأمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيت الرسول عليهم السلام
بعناد ظاهر إلا أنه قد روي عن طريق أهل البيت عليهم السلام أنه كان من أصحاب العقبة
الذين جلسوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينفروا به ناقته في عقبة هو شيء فإن كان ما رووا من
من ذلك حقا فكفى به خزيا ومقتا وإن كان باطلا فسبيله كسبيل غيره من المسلمين إن كان
قد عمل خيرا فخير وإن كان عمل شرا فجزاؤه جهنم وأما عبد الرحمن بن عوف الزهري فرجل
قد أجمع الخاص والعام أنه كان أحد الستة الذين جعل عمر الشورى بينهم وفي وقت وفاته
قال للخمسة
ص 65
إني أهب لكم نصيبي ونصيب ابن عمي سعد بن أبي وقاص على أن أكون المختار للإمام منكم
ففعلوا ذلك فاستعرض الأربعة الباقين وهم علي وعثمان وطلحة والزبير فاختار من
الأربعة عليا وعثمان فلما أراد أن يختار واحدا من الاثنينقال لعلي عليه السلام إن
اخترتك لهذا الأمر تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فقال علي عليه السلام بل أسير فيكم
بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتركه وصار إلى عثمان فقال إن اخترتك تسير فينا بسيرة
أبي بكر وعمر فقال نعم فاختاره وبايع له، فانظروا إلى هذا الحال وما طالب به عبد
الرحمن بن عوف وما كان جواب علي عليه السلام في ذلك فإن كانت سيرة أبي بكر وعمر على
كتاب الله وسنة نبيه فما معنى ذهابه إلى سيرة أبي بكر وعمر، وإن كانت سيرة أبي بكر
وعمر بخلاف كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكفى بذلك خزيا لمن طلبه، ولعمري لقد كانت
كذلك بما قدمنا ذكره من بدعهما، ثم رووا عنه بعد هذا كله أنه جرى بينه وبين عثمان
جدال من مدة من بيعته فقال له عثمان يا منافق فقال له عبد الرحمن ما ظننت أني أعيش
إلى زمان تقول لي فيه يا عثمان يا منافق ثم حلف أنه لا يكلمه ما عاش فبقي مهاجرا له
طول حياته حتى مات (1) هذا مع ما رووا جميعا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا يحل لمؤمن أن
يهجر أخاه المؤمن أكثر من ثلاثة أيام فإن كان عثمان مؤمنا فقد خالف عبد الرحمن قول
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مهاجرته لعثمان سنين حتى مات على ذلك من غير توبة منه ومن قصد
مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عامدا متعمدا فقد تهاون بقول الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) واستخف بحقه ومن جرى على
ذلك كانت النار مأواه، مع ما يلزمهم من قول عثمان لعبد الرحمن يا منافق لأنه
(هامش)
(1) ومن الغريب ما ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة في ترجمة عبد الرحمن أنه مات
وصلى عليه عثمان وكان أوصى بذلك، ليت شعري كيف يوصي أن يصلي عليه عثمان وهو عدوه
الألد، وابن حجر في الإصابة يروي صلاة الزبير بن العوام عليه الكاتب (*)
ص 66
لا يخلو الحال في ذلك من أن يكون عثمان صادقا فيما قاله لعبد الرحمن أو يكون كاذبا
فإن قالوا كاذبا فقد قال الله في كتابه (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات
الله) وكفى بهذا خزيا ومقتا، وإن قالوا كان صادقا فعبد الرحمن كان منافقا بشهادة
عثمان عليه وتصديقهم لعثمان بشهادته بذلك والله يقول (إن المنافقين في الدرك الأسفل
من النار) وكفى بهذا خزيا.
مخازي أبي عبيدة بن الجراح
وأما أبو عبيدة الجراح فالرواية عن أهل البيت عليهم
السلام أنه كان أمين القوم الذين تحالفوا في الكعبة الشريفة أنه إن مات محمد أو قتل
لا يصيروا هذا الأمر إلى أهل بيته من بعده وكتبوا بينهم صحيفة بذلك ثم جعلوا أبا
عبيدة بينهم أمينا على تلك الصحيفة، وهي الصحيفة التي روت العامة أن أمير المؤمنين
عليه السلام دخل على عمر وهو مسجى فقال ما أبالي أن ألقى بصحيفة هذا المسجى (1)
وكان عمر كاتب الصحيفة، فلما أودعوه الصحيفة خرجوا من الكعبة الشريفة ودخلوا المسجد
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه جالسا فنظر إلى أبي عبيدة فقال هذا أمين
هذه الأمة على باطلها يعني أمين النفر الذين كتبوا الصحيفة فروت العامة ما يدل على
هذا المعنى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو عبيدة أمين هذه الأمة فقيل لهم إن الأمين لا
يخلو من أحد الوجهين إما أن يكون أمينا لقوم على وديعة أو معاملة أو توسط أو مشاكل
ذلك، وما أن يكون أمينا عليهم وليس في القوم ثقة وأمين غيره أو يكون فيهم أمين
غيره، فإن قلتم أن الصحابة ليس فيهم
(هامش)
(1) الذي رواه المحب الطبري في الرياض
النضرة ج 2 ص 77 مرسلا عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام بلفظ، قال لما غسل عمر
وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي عليه السلام فقال والله ما على الأرض رجل أحب إلي
أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى بالثوب (ثم قال) خرجه في الصفوة وابن السمان في
الموافقة وعد صاحب الرياض النضرة وغيره من أوليائه. الكاتب (*)
ص 67
أمين غير أبي عبيدة فكفى بهذا القول خزيا لقائله، إن قالوا كان أمينهم على كل شيء
كان لهم عنده قلنا لهم عرفونا ذلك أي شيء فكانوا في ذلك صما بكما عميا فقيل لهم قلة
معرفتكم بذلك ووجود جهلكم به دليل على صحة خبر أهل البيت عليهم السلام، وهذا الحال
من جهلكم يوجب التهمة لأبي عبيدة ومن كان بهذه الصفة كان بعيدا من الشهادة له
بالجنة فهل ترون فيما شرحناه من أحوال هذه للتسعة حالا يوجب لهم ما ادعاه أهل
الغفلة وما تخرصوا فيهم أهل الضلالة كلا إن الله لا يصلح عمل المفسدين.
الجواب عما رووا من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما
شئتم فقد ....
وأما ما
رووا من تخرصهم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال بزعمهم أن الله اطلع على أهل
بدر فقال اعملوا ما شئتم من أعمال الشر أو قال اعملواما شئتم من أعمال الخير والبر
فإن قالوا أراد أعمال الخير والبر قيل لهم هذا غير مستنكر أن يكون الله قد غفر لهم
ما كان منهم من كراهية الجهاد في هذه المواطن كما أخبر عنهم في قوله كما أخرجك
ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون إلى آخر القصة فهذه أحوال كلها
مذمومة من أهل بدر فجائز أن يكون الله قد غفر لهم من بعد بأفعال جميلة ظهرت منهم ثم
قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استأنفوا عمل الخير بالطاعة وحسن العمل والتسليم، وإن كان هذا
فيهم كذلك فليس هذا حالا يوجب لأهل بدر كلهم النجاة بل يوجب لمن استأنف منهم أعمال
الخير بالسارعة إلى الطاعة والانقياد بالرضا والتسليم إلى ما قد وعدهم الله من
المغفرة والعفو عن الدين وصفهم فيه بالأعمال المذمومة ومن قصر في ذلك وجرى إلى خلاف
ما يرتضيه الله منه حمله من بعد معانيه مما يلزم غيره من المسلمين وإن قالوا أنه
أراد بقوله اعملوا ما شئتم من الأعمال السيئة كان قائل هذا جاهلا متخرصا لأن هذا
يوجب إباحة المحارم لأهل بدر والتحليل لهم ما حرمه الله على غيرهم في الشريعة من
الزنى والربا وشرب الخمر وقتل النفس التي
ص 68
حرم الله قتلها وما شانه ذلك من المحرمات من أكل الميتة والدم ولحم الخنزير إلى غير
ذلك من المحرمات في الدين لأن في خبرهم أنه قال لهم اعملوا ما شئتم من الأعمال
السيئة دليلا على أنه قد جعل الاختيار إليهم في ذلك إن شاؤا قللوا وإن شاؤا كثروا،
وكفى بهذا المذهب لمن اعتقده وجادلعليه خزيا وفضيحة ومقتا، وإن قالوا أن الله قد
علم أنهم لا يأتون بشيء من ذلك، قيل لهم إن كان هذا كما وصفتم فقوله اعملوا ما شئتم
وهم لا يعملون لا معنى له ولا فائدة فيه، وليس هذا من قول الحكيم ولا فهم عليم، وإن
قالوا إنما أراد بذلك إظهار جلالة منزلتهم للناس وتبيين فضيلتهم بتحليل المحارم
والاباحة للمحظورات فيجعل للجاهل سبيلا إلى الدخول في ذلك أو في شيء منه، قيل لهم
هذا ما لا يستقيم عند ذوي عقل ولا فهم، مع ما يقال لهما كيف يصح ما يقولون أن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد علم أنهم لا يأتون بما يذم منهم وقد رووا أن الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) قال للزبير
إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له، فلو كان قد أباح لهم ما زعمتم لكان قوله (صلى الله
عليه وآله وسلم) للزبير
تقاتل عليا وأنت ظالم له ظلما من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واعتداء على الزبير إذ كان الله بزعمهم
علم أنهم لا يأتون بما يذم منهم، وقد رووا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أباح لهم ما شاؤا من
الخير والشر ومن أباح الله له ذلك فليس هو بظالم في كل ما فعل ومن قال إنه ظالم فهو
الظالم على إيجابكم هذا الفظيع من المقال الظاهر من هذا المحال، ومن زعم أن الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) ظالم في باب من الأبواب كفر بغير خلاف وقد وجدنا الزبير قد أقر من كتاب الله
على نفسه وعلى من كان معه بروايتكم ذلك عنه بما يضاهي قول الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) له ستقاتل
عليا وأنت ظالم له فقد رويتم عنه بأجمعكم أنه قال يوم الجمل بالبصرة ما زلنا نقرأ
هذه الآية وما ندري ما أراد بها حتى علمنا الآن أنا المقصود بها وهي قول الله عز
وجل (واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة) وقد كان طلحة والزبير من
البدريين عظيمي
ص 69
المنزلة عندكم وقد تقلدا من سفك الدماء بينهما وبين أمير المؤمنين صلوات الله
عليهوآله في يوم حرب الجمل مع عائشة ما لا تقوم به الجبال ولا تنهض به السموات
والارضون إذ كانا السبب في سفك تلك الدماء بينها. وبين أمير المؤمنين عليه السلام
مع شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم بالظلم في تلك الحالة ومن شهد عليه الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) بالظلم
كان محالا أن يكون ممن أباح الله له ما وصفه أهل الغفلة لأهل بدر، وفي هذا كفاية
لمن فهم من الدلالة على تخرصهم وافترائهم على الله وعلى رسوله غير الحق.
الجواب عما زعموا من تأويل قول الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين
والأنصار) أن أبا بكر وعمر كانا من المهاجرين
وأما ما
زعموا من تأويل قول الله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وزعموا
أن أبا بكر وعمر كانا من المهاجرين فقد قالوا هذا زورا وتخرصوا أفكا فإن المهاجرين
الأولين هم الذين هاجروا الهجرة الأولى وهي الهجرة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) في حصاره بمكة
حين حاصر قريش بني هاشم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شعب عبد المطلب أربع سنين والأمة مجمعة
أن أبا بكر وعمر لم يكونا معهم في المواطن فكيف يدعون لهما أنهما من المهاجرين
الأولين، وأما الأولون فهم السبعون الذين جاؤا إلى مكة فبايعوا رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) في
منزل عبد المطلب ليلا في عقبة مكة وهم العقبيون المعروفون بإجماع أهل الأثر، وأما
شهادة الله لهم بالرضا ولمن اتبعهم بإحسان وما وعدهم الله من الخلود في الجنة فقد
يمكن أن يكون ذلك منه خصوصا من قول عز وجل وإن كان مخرج الكلام العموم فهذا في كتاب
الله موجود من خطاب الخصوص وهو عموم ومن خطاب العموم وهو خصوص لمن استقام منهم دون
من لم يستقم والنظر به يدلنا على أن الله عز وجل إنما رضي عمن استقام في طاعته وإن
الجنة أعدها لمن سارع إلى مرضاته وتجنب معاصيه ومن خرج من هذا الحال كان محالا أن
يستحق الرضا من الله فما لهم في هذا الحال حجة والحمد لله.
الجواب عن تأويلهم قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
ومثل هذا قوله (لقد رضي
الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)
ص 70
وذلك أن هذا الرضا أيضا إن كان عن شيء تقدم منهم فرضي عنهم في ذلك حين تابوا منه
ورجعوا عنه فهذا بإجماع قول الناس نزل في عام الحديبية حين وقعت الهدنة بين رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين قريش فأنكر ذلك جماعة من الصحابة وكان يومئذ معه ألف وسبعمائة رجل
فخالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره حين أعطى قريش ما التمسوه من الهدنة فقالوا لرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) لا نرضى بهذا الصلح ولا نعطي الدية في ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل فأخذ
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذلك بيد علي عليه السلام فجلسا تحت الشجرة ونزل القوم الذين
خالفوه فأخذ المسلمون السلاح فحملوا على قريش حملة رجل واحد فحملت عليهم قريش
فانهزموا من بين أيديهم يقع بعضهم على بعض في الهزيمة وتبعتهم قريش فأمر رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذلك عليا عليه السلام أن يلقي قريش فيردها فقام علي عليه السلام في وجوه
قريش فصاح بهم فارتعدوا وقالوا جاء علي بأمر، ثم قالوا يا علي هل بدا لابن عمك فيما
أعطانا من الهدنة فقال لا فهل بدا لكم أنتم قالوا لا قال فانصرفوا فرجعت قريش وسار
وفد منهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتبوا كتاب الهدنة والصلح بشرطها وندم أصحاب الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) على ما كان منهم من الخلاف على رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) فاعتذروا إليه فأقبل الرسول ص
يوبخهم بذكر المواطن التي هربوا فيها وأسلموا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في معارك الحرب فقال ألستم
الذين أنزل الله فيكم يوم بدر كذا ثم الذين كان منكم كذا وكذا حتى عدد عليهم
المواطن التي كان منهم فيها الفشل والفضيحة والهزيمة فاعتذروا عند ذلك وأظهروا
التوبة والاعتراف بالذنب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا تعودوا إلا
البيعة فقد نقضتم ما كان لي في أعناقكم بخلافكم علي فبايعوه عند ذلك تحت الشجرة
وبايعهم بيعة الرضوان عنهم من ذلك الخلاف وتلك الخطيئة في ذلك الموطن من الحديبية
وكان هذا رضوانا من شيء معلوم بعد سخط وقع عليهم فيه فأنزل الله عند ذلك يعرفهم أنه
قد
ص 71
رضي عنهم من ذلك الخلاف فقال تعالى (لقد رضي الله من المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة) ثم قال ما دلنا به على أن فيهم من ثبت وفيهم من نكث فقال (
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على
نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) فدلنا هذا القول من الله على
ما وصفناه من نكث بعضهم ووفاء آخرين منهم وذلك أن الله لو علم أنهم لم ينكثوا جميعا
ولا واحد منهم لما كان يقول سبحانه وتعالى (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) إذ كان لا
فائدة فيه والله أحكم من أن يقول قولا لا فائدة فيه فلما قال ذلك علم أن منهم من
نكث في وقته ومنهم من وفى به، ولعمري أن من وفى منهم بشروط تلك البيعة فإن الرضا له
واقع ومن نكث منهم فعليه السخط وقد وجدنا من أبي بكر وعمر خاصة النكث ومن جماعة
كثيرة من الرؤساء الذين بايعوا تحت الشجرة على أن لا يفروا ولا ينهزموا بل يثبتوا
للموت في الحرب حتى يقتلوا أو يغلبوا كما رووا جميعا عن جابر بن عبد الله الأنصاري
أنه قال بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الموت ثم وجدناهم بعد ذلك وفي عقب تلك السنة
قصدوا بلاد خيبر فدفعرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية إلى أبي بكر فانصرف
بها منهزما فدفعها إلى عمر فانصرف بها منهزما وكان أول النكث منهما من بعد بيعة
الرضوان ثم تكامل النكث من أكثرهم يوم خيبر بعد فتح مكة فانصرفوا كلهم وكانوا تحت
الراية يومئذ اثنى عشر ألفا فلم يثبت منهم إلا ثمانون رجلا مع رسول الله ص تحت
الراية، وإذا كانت بيعتهم تحت الشجرة المسماة ببيعة الرضوان أن لا يفروا ولا
ينهزموا ثم فروا وانهزموا أفليس قد نكثوا بيعة الرضوان وخرجوا من الرضوان فدل أمرهم
في ذلك على أنهم بخلاف ما يدعيه أهل الغفلة فيهم.
الجواب عن تأويلهم في قول الله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به)، وأنه نزل في أبي
بكر
وأما تأويلهم في قول الله تعالى
(والذي جاء بالصدق وصدق به) وأنهم يزعمون أنه أبو بكر فهذا من تخرصهم وزورهم
وبهتانهم لأن أبا بكر أسلم
ص 72
من بعد قوم أسلموا منهم أمير المؤمنين علي عليه السلام وجعفر أخوه وخديجة بنت خويلد
وزيد بن حارثة فلو كان هذا نزل في أول من صدق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان أول مصدق به قبل
أبي بكر أحق بهذا الاسم ولكنا نقول إن هذا مقصود به كل مصدق به تقدم أو تأخر وليس
لأحد في هذا خاصة فضيلة دون غيره من المصدقين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما جاء به من عند
الله جل اسمه وإنما أخبر الله سبحانه أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جاءهم بالصدق ثم قال فمن صدق
به فهم المتقون، ألا تسمع قوله الموافق قولنا حيث يقول (والذي جاء بالصدق وصدق به
أولئك هم المتقون) وهذا حال يوجبه النظر لمن تقدم وتأخر من جميع المصدقين فإن كان
أبو بكر ممن صدق فهو واحد منالصديقين. وأما دعواهم أن الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم سماه صديقا فما وجدنا في شيء من الأخبار أن أبا بكر ادعاه لنفسه وإنما هو شيء
تخرصه أولياؤه ممن أراد تزيين أمره من بعده وتعظيمه في قلوب العامة 1 فلو كان
هذا كما وصفوا لكان أبو بكر ادعاه لنفسه وقاله في المواطن التي كان يؤدي فيها
(هامش)
1 قال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله في تلخيص الشافي ص 434 أما
ادعاؤهم أنه عليه السلام كان يسميه صديقا فدون صحته خرط الفتاد وليس يقدر أحد على
أن يروي عنه عليه السلام في ذلك خبرا معروفا وإنما معولهم على الشهرة والظهور وليس
في ذلك دلالة على الصحة لأنه قد يتقربإلى ولاة الأمر وملاك الحل والعقد في الألقاب
والسمات والصفات وغير ذلك ما يبلغ من الشهرة أقصاها وينتهي إلى أن يغلب على الأسماء
والكنى ولا يقع التعريف إلا به ومع ذلك فلا يكون صادرا عن حجة ولا منبئا عن صحة ولو
قيل لمدعي ذلك أشر إلى الحال التي لقبه فيها النبي عليه السلام بالصديق والمقام
الذي قام بذلك لعجز عن إيراد شيء مقنع الكاتب (*)
ص 73
كما رووا جميعا أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في مواطن على المنبر وغيره أنا
الصديق الأكبر فلم ينكر ذلك منه أحد بل أذعن له كل من سمعه وصدقه في ذلك، ولسنا
نعرف في هذا الاسم لأحد ادعاه لنفسه غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام.
الجواب عن تأويلهم قوله تعالى: (فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى ... أنه نزل في
أبي بكر
وأما ما ادعوه تخرصا وافتراء من قول الله عز وجل (فأما من أعطى واتقى وصدق
بالحسنى) إلى قوله (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) فزعموا أن هذا نزل في
أبي بكر، فسبحان الله ما أجهلهم وأقل تخوفهم (1) أليس قد روى علماؤهم وأصحاب حديثهم
مع موافقة أهل البيت عليهم السلام على ذلك أن هذا نزل في رجل من الأنصار كان له
نخلة في حائط دار رجل آخر من الأنصار فكان صاحب الحائط يتأذى بتلك النخلة وصبيانه
يترددون إلى النخلة فتأذى صاحب الدار وشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فدعا رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب النخلة فقال له تجعل هذه النخلة لأخيك هذا يعني صاحب الدار وأضمن لك نخلة
في الجنة فقال يا رسول الله أنا محتاج إلى نخلتي في العاجل فلم يفعل فسمع ذلك رجل
آخر من الأنصار فأقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله أتضمن لي هذه النخلة في
الجنة حتى أشتري هذه النخلة وأجعلها لصاحب الدار قال نعم فقال لصاحب النخلة إنها
لرجل نعرف حائط نخلي في موضع كذا في المدينة قال نعم - يعني بستانا
(هامش)
(1) قال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله في تلخيص الشافي ص 428 أما قوله (فأما
من أعطى واتقى) فإنها عامة في كل من أعطى وصدق فحملها على التخصص بلا دليل اقتراح
لأن قائله لا يجد فرقا بينه وبين من خصها بغير من ذكروه، على أنهم رووا عن عبد الله
بن عباس وأنس ابن مالك وغيرهما أنها نزلت في أبي الدحداح الأنصاري هو الذي صدق
بالحسنى وسمرةبن جندب هو الذي بخل واستغنى، وإذا تكافأت الروايتان سقطتا وبقيت
الآية على عمومها. (*)
ص 74
كان له قال - فكيف هو قال لم أجد في المدينة مثله قال هو لك بهذه النخلة واجعلها لي
قال قد فعلت فدفع إليه البستان وأخذ منه تلك النخلة فجعلها لصاحب الدار فقطعها من
حائطه وضمن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نخلة في الجنة فأنزل الله تعالى فيهما فقال في صاحب
البستان (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) يعني بالحسنى الجنة حين ضمن له رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النخلة فيها، وشاهد ذلك أن الحسنى هي الجنة ما رووه جميعا عن أمير
المؤمنين عليه السلام أنه قال في تفسير قوله عز وجل (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)
قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى الله سبحانه قال الله (فسنيسره لليسرى) ثم قال
في صاحب النخلة التي بخل بها ولم يصدق بضمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النخلة في الجنة (وأما
من بخل واستغنى) يعني بخل بالنخلة واستغنى عند نفسه بالبستان الذي أخذه عوض نخلته
(وكذب بالحسنى) يعني كذب بالجنة حتى لم يثق بكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) (فسنيسره للعسرى
وما يغني عنه ماله إذا تردى إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى) ثم قصد جماعة
المسلمين بذلك فأنذرهم فقال فأنذركم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي
كذبوتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ترغيبا في فعل الخير، أفلا ترى أن
التفسير في هذا كله بخلاف ما يدعيه ويتخرصه أهل الجهل (1) وأما ما رووا عن عمر من
قوله حين أسلم، لا يعبد الله سرا بعد هذا اليوم، لعمري لقد كان ذلك منه غير مدفوع،
ولكن لو علموا ما عليهم وعلى صاحبهم فيه ما أقروا به ولجحدوه ولكن الله قد أعمى
قلوبهم وختم على سمعهم وعلى أبصارهم فهم كما قال الله عز وجل (أم تحسب أن أكثرهم
(هامش)
(1) أورد هذا التفسير للآية الواحدي في أسباب النزول ص 334 بسنده إلىالحكم بن أبان
عن عكرمة عن ابن عباس، ومثله السيوطي في أسباب النزول وقال أخرجه الحكم بن أبان عن
عكرمة عن ابن عباس. (*)
ص 75
يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وذلك أن أهل الفهم والمعرفة
قد علموا أن عمر لم يكن أشجع قلبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أعز عشيرة فبأي حال يعهد
في عمر أنه منع من عبادة الله سرا حين أسلم لشجاعته أم لعظمة قدره وعز عشيرته ولم
يكن في قريش أخل من عشيرته ولا أقل عزا من أهل بيته ولا في نفسه من الرؤساء
المطاعين في قريش والعرب، فلما بطل الوجهان اللذان فيهما يقدر ذلك ثبت الرواية في
ذلك عن أهل البيت عليهم السلام، فنقول إن سل عمر سيفه يوم أسلخ وقوله لا يعبد الله
سرا بعد اليوم كان ذلك خطأ منه في قول العلماء من أوليائه وكان ذلك كفرا منه في قول
آخرين، أما بيان خطأه فإن الأمة مجمعة على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان
ينهى أصحابه عن قتال قريش ويأمرهم بالصبر على الأذى طول مقامه بمكة فلما اشتد الأذى
بأصحابه الذين أسلموا معه شكوا ذلك إليه مرة بعد أخرى وسألوه أن يطلق لهم دفع الأذى
عن أنفسهم وإلا فلا صبر لهم على ذلك فلم يطلق لهم ذلك وولى عليهم جعفر بن أبي طالب
- ع - وأمرهم بالخروج معه إلى بلاد الحبشة إلى النجاشي ليقيموا بها فلما أسلم عمر
وسل سيفه على تلك الحالة منعه رسول الله صلى الله وآله وسلم وأعلمه أنه لم يؤمر
بحرب وأمره بغمد سيفه والرضا بما هو عليه من الصبر على الأذى وهذا بإجماع أهل
الرواية من نهيه لعمر من ذلك، فدل هذا على أنه كان منه خطأ في قول أوليائه ولم يكن
حقا ولا لله فيه رضا إذ كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينهى عن حق ولا يكره ما لله فيه رضا
وكلما ينهى عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعله خطأ وجهل وهو لله ولرسوله غير رضا بل كان ذلك
دليلا على جهله وقلة فهمه، وأما قول أهل البيت عليهم السلام في ذلك فإنهم قالوا إن
عمر كان معاضدا لأبي جهل في قصد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالأذى الشديد وكان عمر يحرض على
قتلرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم تكن قريش تجد إلى ذلك سبيلا لاستعمال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) الصبر
إلى الأذى وكفه لأصحابه عن منابذتهم
ص 76
(قالوا) فلما رأى عمر ذلك واطأ أبا جهل على أن يظهر الإسلام والدخول في دين رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يحملهم على المنابذة ولتجد قريش إلى قتله سبيلا عند وقوع المنابذة
فصار عمر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلمه أنه قد رغب في دينه والدخول في الإسلام وأظهر
ذلك ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بالنا نعبد الله سرا وقال للذين قد كانوا قد أسلموا
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرجوا حتى نقاتل المشركين وسل سيفه وقال من تعرض لنا ضربناه
بسيوفنا وقدر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتبعه على ذلك فإذا رأت قريشا سيفا مسلولا وجدوا
السبيل إلى سل السيوف فيكون ذلك سببا لقتل الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان على من سل سيفه فقد
وجد عدوه إلى سل سيفه أيضا بحذائه سبيلا فلما فعل عمر ذلك قال له رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم)
إن كنت يا عمر جئت راغبا في الإسلام فارض بما رضيبه إخوانك من المسلمين من الصبر
على الأذى والكف عن المنابذة فإني لم أومر بشيء من هذا حتى يقدر الله سبحانه ما
يشاء وإن كنت جئت طالبا غير الدين فلسنا من أصحابك، فلما لم يجد عمر الفرصة فيما
قصد له صار متحيرا مداهنا يخاف أن لا يكون للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دولة فيهلك معه إن أظهر
لقريش الرغبة في الدين ويخاف أيضا أن يكون للرسول دولة من بعد فلا يكون له من دولته
نصيب فيبقى عند ذلك مداهنا للجميع (قال) ومن الدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) لما
حوصر في شعب عبد المطلب مع بني هاشم لم يحاصر معه عمر ولا أبو بكر واصطلحا جميعا
على المداهنة والانتظار، فسل سيفه في تلك الحالة من أعظم الكفر لأنه كان حيلة منه
أراد أن ينقض بها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تدبيره ويجعل ذلك سببا لقتل الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم)
فانظروا إلى قوم يدعون ذلك فضيلة لصاحبهم وهو في قولهم خطأ وجهل وفي قول آخرين كفر
وإلحاد وعتو وعناد فهل يكون في الجهل أبين من جهل هؤلاء القوم وأقل نظرا وتميزا
يتخبطون في الظلمات ويتيهون في الضلالات لا يعرفون حقا ولا يقلعون عن باطل.
ص 77
الجواب عن روايتهم أن الله تعالى أوحى إلى رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) أن قل لأبي بكر أني راض
عنك فهل أنت عني راض
وأما روايتهم المنخرصة أن الله أوحى إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قل لأبي بكر أني عنك راض فهل
أنت عني راض، فهل يستجيز رواية مثل هذا إلا جاهل غبي غافل عمي، هل يجوز أن يسأل
الله عبدا من عبيده نبيا كان أو غيرنبي هل أنت عني راض إلا يعلم ذو الفهم أن هذا
خارج عن الحكمة داخل في الجهالة، مع ما يقال لهم في أي حال راضي عنه أفي يوم أحد
حين هرب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو في يوم خيبر حين انهزم براية رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) أو في
غزوات ذات السلاسل حين رجع عن الطريق خوفا من المشركين بعد ما ولاه رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم)
وأمره بالمسير برايته إليهم ثم ولى عليه وعلى من معه عمر ثم أنفذه بالراية فرجع عن
الطريق كرجوع أبي بكر ثم ولى عليهما وعلى من كان معهما عمرو بن العاص فسار بهما
فصلى بهما وبالجماعة التي كانت معهما حينا، وقد رووا أن عمرا كان يوليهما الحرس
بالليل ثم رجع عمرو أيضا كرجوعهما من الطريق، أمر رضي عنه يوم حنين حين هرب مع
الهاربين، أم في حال الرجل الذي بعث به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقتله فوجده بزعمه يصلي فرجع
ولم يقتله فزعم أنه رأى للصلاة حرمة فكره قتله كذلك فظن أنه قد عرف من الحق في ذلك
ما لا يعرفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ظن ذلك فقد كفر بالله ورسوله أو في ولاية الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم)
لأسامة ابن زيد عليه حين أمره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمر بالمسير معه وتحت رايته إلى الشام
فتخلفا جميعا عنه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينفذ لأمر الله ولا لأمر الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم)
وخالفاه عامدين متعمدين ثم طلبا البيعة لهما والولاية على المسلمين من غير عهدعهده
الله ولا رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك أم في كبسه لبيت فاطمة عليها السلام
بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهتك الستر عنها بخروجها خلف بعلها وقد جروه إلى مسجد رسول الله
يطالبونه بالبيعة لهما وهو يمتنع عليهما مع تسليطه لقنفذ ابن عمه على ضربها وضغط
عمر لها بين الباب والحائط حتى أسقطت ابنها محسنا أم في منعها ميراث أبيها وتركاته
ص 78
أم في قتلهالقوم الذين منعوه الزكاة وسماهم أهل الردة وسبى ذراريهم واستباح أموالهم
وأباح فروج نسائهم أو في جميع بدعه التي قدمنا ذكرها، أم في أمره لخالد بن الوليد
بقتل أمير المؤمنين عليه السلام ثم ندم حتى قال في الصلاة من قبلأن يسلم لا يفعلن
خالد ما أمرته به، فسبحان الله ما اضل هؤلاء وأجهلهم وأعظم افترائهم على الله وعلى
رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
وأما روايتهم المنكرة الشنيعة عند ذوي الفهم أن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بزعمهم قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فما في المحال أظهر من
المحال ولا أشهر منه ولا أبين تخرصا عند أهل النظر والتحصيل، وذلك أن هذا القول لا
يخلوي من أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قاله لأصحابه دون غيرهم أو قاله لغير أصحابه، فإن
قالوا أنه قاله لأصحابه وغيرهم أو قاله لأصحابه دون غيرهم قيل لهم فهل يستقيم في
الكلام الفصيح المحكم أن قاله لأصحابه أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
أما يرون محال هذا الكلام ما أبينه، وإن قالوا أنه قال لغير أصحابه. قيل لهم هل
معكم خبر بهذا معروف مجمع عليه فأوردوهف أم هو شيء تتخرصونه بقولكم واستدلالكم فغير
معقول ذلك منكم ولا مقبول لأن أصحابه هم الذين رأوه فلو كان قاله لغيرهم لكانوا قد
ذكروا ذلك الخبر وكانوا يقولون قال لجميع من أسلم غير أصحابه أصحابي كالنجوم
ولما لم يكن في نقلكم شيء من هذا التخصيص بطل ادعاؤكم مع ما يقال لهم أرأيتم لو
سلمنا لكم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد بهذا غير الصحابة كزعمكم أليس قد وجدنا الصحابة قد
تنازعوا بينهم حتى قتل بعضهم بعضا من ذلك وحارب بعضهم بعضا محاصرتهم لعثمان جميعا
فما كان من الصحابة حتى قتل بعضهم بعضا فمن ذلك محاصرتهم لعثمان حتى قتل ولم
يحاصروه إلا بنو المهاجرون والأنصار الذين هم أصحابه جميعا فما كان من الصحابة إذ
ذاك إلا محاصر أو قاتل أو خاذل، أفيقولون إن من كان محاصرا أو مقاتلا أو كان متبعا
للذين قتلوه من الصحابة أو كان متبعا للذين خذلوه من الصحابة
ص 79
كلهم كانوا في ذلك مهتدين ومن اتبع عثمان في امتناعه عليهم مما التمسوه من خلع نفسه
أو دفع مروان إليهم وغير ذلك كان أيضا مهتديا فإن منعوا إحدى الفرق من الاهتداء بأن
ظلمهم وبطل خبرهم وظهرت فضيحتهم. وإن أجازوا إهداء الفرق كلها في ذلك كله شهد
والقاتل عثمان بالهداية في قتله ولمحاصريه وخاذليه وناصريه كذلك، وكفى بذلك خزيا،
وكذلك يقال لهم في محاربة طلحة والزبير مع عائشة ومن تابعهم واقتدى بهم في محاربة
علي عليه السلام كانوا مهتدين وكذلك علي عليه السلام ومن تابعه واقتدى به في
محاربتها مهتدين، ولو أن رجلا حارب مع طلحة والزبير إلى نصف النهار ثم عاد إلى الصف
الآخر فحارب مع علي عليه السلام إلى آخر النهاركان بزعمهم في الحالين جميعا مهتديا
فإن منعوا ذلك بأن ظلمهم وانكسرت حجتهم وبطل خبرهم وإن أجازوه ظهرت فضيحتهم بتكذيب
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رووه عنه بإجماع أنه قال للزبير ستقاتل عليا وأنت ظالم له وقال
لعائشة كذلك فلو كان مهتديا في أفعاله كلها كان محالا في جميع تصرفه فقد كذبوا رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شيء من أقاويله كان خارجا من دين الله، مع ما قد
روي أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ليردن على الحوض يوم القيامة أقوام من أصحابي ثم ليختلجن (1)
دوني
(هامش)
(1) ذكر هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير وشرحه المناوي في فيض الغدير ج 5 ص
353 بلفظ: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني
فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ثم قال أخرجه
أحمد في مسنده والبخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس وعن حذيفة ثم صححه السيوطي، قال
المناوي في الشرح أختلجوا بالنباء للمفعول اي نزعوا أو جذبوا قهرا عليهم دوني
أي بالقرب مني فيقال لي أي من قبل الله تعالى (ما أحدثوا بعدك) أي بعد وفاته.
(المكاتب) (*)
ص 80
فأقول أصحابيأصحابي فيقال إنهم لم يزالوا بعدك يرجعون القهقري فأقول بعدا وسحقا
فليختاروا الآن ما شاؤوا من هذا الذي شرحناه وبيناه بتوفيق الله سبحانه إما تكذيب
أسلافهم في نقلهم الخبر أصحابي كالنجوم وإما تكذيب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم والكفر بالله في الحالين جميعا وإيجاب مفارقة مذهبهم.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: كفروا عن مساوي أصحابي
وكذلك روايتهم
(كفروا عن مساوي أصحابي) هل يجوز عندهم أن تكون لأصحابه مساو فإن قالوا لا بطل
خبرهم ولا فائدة فيه وكان قوله عبثا إذ قال كفوا عن مساويهم ولا مساوي لهم ومن نسب
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العبث كان كافرا بالله ورسوله، وإن قالوا بال كانت لهم مساو قيل
لهم فقد بطل عليكم خبركم الأول فيما رويتم أنهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وكيف
يجوز أن تكون بالمساوي هداية أم كيف يجوز أن تكون الهداية مساوي ألا ترون إلى هذه
المحالات التي توردها الحشوية ما أشنعها وأقبحها عند أهل النظر والفهم والاجماع
منهم واقع على أن سعد بن عبادة كان سيد الأنصار ومن جملة أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لم يبلغ لأبي بكر ولا لعمر ولا قال بإمامتهما بل أظهر الخلاف عليهما
والانحراف عنهما فلو اقتدى به مقتد في ترك القول بإمامتهما كان مهتديا فإن منعوا
ذلك بانت فضيحتهم في خبرهم، وإن أجازوه أباحوا الجحود لإمامة أئمتهم وكفى بذلك
خزيا.
الجواب عن روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن خير أمتي القرن الذي في عصري ثم الذين
....
وأما ما رووا إن خير أمتي القرن الذي في عصري ثم الذين يلونهم إلى آخره ثم
الذين يلونهم الأعصار (1) فنقول وبالله التوفيق هذا مخالف
(هامش)
1 هذا الحديث رواه السيوطي في الجامع الصغير في باب الخاء بوجوه مختلفة تارة بلفظ
خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث ثم يجئ قوم لا خير فيهم، وقال رواه الطبري في
الكبير عن ابن مسعود. وأخرى بلفظ خير الناس قرني الذي أنا فيه ثم الذين يلونهم
والآخرون أراذل وقال رواه = (*)
ص 81
للحقايق خارجعن العدل والحكمة وذلك إن كان فضلهم من جهة تقديم خلقهم في الأزمنة
المتقدمة لما بعدها فقد زعموا أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأمم التي
مضت قبلها وأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الأنبياء الذين تقدموا قبل عصره وكان الواجب على طرد
هذه العلة أن تكون كل أمه أفضل من التي بعدها فلما أوجبوا أن آخر الأمم ممن تقدمه
كان لا معنى لهذا الخبر في تفضيل القرن الأول على القرن الثاني من هذه الأمة بل يجب
في النظر والتمييز ما يلزم من نقل الناس من سيرة من تقدم عصرنا هذا أن يكون من تأخر
عنهم أفضل ممن تقدمهم منهم، وذلك إنا وجدنا القرن الذي كانوا في عصر الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم والقرن الذي كانوا بعدهم والقرن الثالث ممن كانوا في عصر
الفراعنة والطواغيت من ملوك بني أمية الذين كانوا يقتلون أهل البيت عليهم السلام
ويسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ويلعنونه على المنابر وأهل عصرهم
من فقهائهم وحكامهم إلى غير ذلك منهم لهم متبعون وبأفعالهم مقتدون وبإمامتهم قائلون
ولهم معينون بوجوه المعونة من حامل سلاح إلى حاكم خطيب إلى تاجر إلى غير ذلك من
صنوف الأمة وأسباب المعونة، ولسنا نجد في عصرنا هذا من كثير من أهله من ذلك شيبا بل
نجد الغالب على عصرنا هذا الرغبة عن ذلك والذم لفاعله والتنزه عن كثير منه إلا لمن
يظهر لمذهبه بينهم فيجب أن يكونوا في حق النظر أفضل من أهل ذلك العصر