كتاب سليم بن قيس الهلالي

الصفحة السابقة الصفحة التالية

كتاب سليم بن قيس الهلالي

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 183

ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ. وإن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ونهيه مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وعام وخاص، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلام خاص وكلام عام، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ومن عنى به رسول الله صلى الله عليه وآله. وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الطارئ والأعرابي فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا منه. وكنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار. وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري وغيره. وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابني. وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي، فكتبتها بخطي. ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني. فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلمني تأويلها، فحفظته وأملاه علي فكتبته. وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفا واحدا. ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا، وأن يعلمني فلا أجهل، وأن يحفظني فلا أنسى. فقلت له ذات يوم: يا نبي الله، إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا مما علمتني، فلم تمليه علي وتأمرني بكتابته؟ أتتخوف علي النسيان؟ فقال: يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

ص 184

الأئمة الأحد عشر عليهم السلام شركاء أمير المؤمنين عليه السلام قلت: يا نبي الله، ومن شركائي؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذين قال في حقهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فإن (خفتم التنازع في شيئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم. قلت: يا نبي الله، ومن هم؟ قال: الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم. بهم ينصر الله أمتي وبهم يمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم. فقلت (2): يا رسول الله، سمهم لي. فقال: ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن له على اسمي، اسمه (محمد) باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد (علي) في حياتك يا أخي، فاقرأه مني السلام. ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال: سيولد لك (محمد بن علي) في حياتك فاقرأه مني السلام. ثم تكملة الاثني عشر إماما من ولدك يا أخي. فقلت: يا نبي الله، سمهم لي. فسماهم لي رجلا رجلا. منهم - والله يا أخا بني هلال - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم.

(هامش)

(1). سورة النساء: الآية 59. وتمام الآية هكذا: (فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). (2). هذه الفقرة في مختصر إثبات الرجعة هكذا: (قلت: سمهم لي يا رسول الله، قال: أنت يا علي أولهم، ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم سميك علي ابنه زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام. ثم ابنه محمد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى. ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي والمنتقم من أعدائي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم. (*)

ص 185

* 2 * تقرير الأئمة عليهم السلام لسليم في نقل هذا الحديث قال سليم: ثم لقيت الحسن والحسين صلوات الله عليهما بالمدينة(1) بعد ما قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما. فقالا: صدقت، حدثك أبونا علي عليه السلام بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما حدثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا. قال سليم: ثم لقيت علي بن الحسين عليه السلام - وعنده ابنه محمد بن علي عليه السلام - فحدثته بما سمعته من أبيه وعمه وما سمعته من علي عليه السلام. فقال علي بن الحسين عليه السلام: قد أقرأني أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله، السلام وهو مريض وأنا صبي. ثم قال محمد عليه السلام: وقد أقرأني جدي الحسين عليه السلام بعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو مريض - السلام. قال أبان: فحدثت علي بن الحسين عليه السلام بهذا الحديث كله عن سليم، فقال: صدق سليم، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني وهو غلام يختلف إلى، الكتاب (2) فقبله واقرأه من رسول الله صلى الله عليه وآله السلام. (3)

(هامش)

(1). في (د) وفي اعتقادات الصدوق: بالمدينة بعد ما ملك معاوية. (2). الكتاب بمعنى موضع التعليم. (3). روي في البحار: ج 36 ص 360 ح 230 بأسناده عن زيد بن علي قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري. فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد (يعني الإمام الباقر عليه السلام) من بعض الحجر. فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام، أقبل، فأقبل. ثم قال: أدبر، فأدبر. فقال: شمائل كشمائل رسول الله ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن = (*)

ص 186

قال أبان: فحججت بعد موت علي بن الحسين عليه السلام، فلقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا واحدا. فاغرورقت عيناه ثم قال: صدق سليم، قد أتاني بعد أن قتل جدي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عند أبي فحدثني بهذا الحديث بعينه. فقال له أبي: صدقت، قد حدثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن شهود. ثم حدثاه بما هما سمعا من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال حماد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام فبكى وقال: صدق سليم، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم.(1) * 3 * غدر الأمة بأهل بيت نبيها عليهم السلام قال أبان: ثم قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.

(هامش)

= الحسين بن علي بن أبي طالب. قال: أنت إذا الباقر. قال: فانكب عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد، إن رسول الله يقرؤك السلام. قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلى مصلاه. فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوما: يا جابر، إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام، فإنه سميي وأشبه الناس بي....(1). جاء هذه الفقرة في آخر حديث سليم في مختصر إثبات الرجعة، رواها الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عليه السلام. راجع (مختصر إثبات الرجعة) لابن شاذان، مخطوطة في مكتبة آستان قدس رقمها 7442 وطبع بأجمعه في مجلة (تراثنا) العدد 15. ثم إن حماد بن عيسى من رواة كتاب سليم بأجمعه. (*)

ص 187

السقيفة لأبي بكر وعمر فتظاهروا على علي عليه السلام، فاحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وما سمعته العامة. فقالوا: صدقت، قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن قد نسخه فقال: (إنا أهل بيت أكرمنا الله عز وجل واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة) فشهد بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها من حيث جعلها الله. واحتجوا على الأنصار بحقنا وحجتنا فعقدوها لأبي بكر. ثم ردها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها. الشورى لعثمان ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فقلدوها عبد الرحمن. ثم جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردها عليه، فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله وطعن عليه(1) في حياته وزعم ولده أن عثمان سمه فمات. حروب الجمل وصفين والنهروان ثم قام طلحة والزبير فبايعا عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين. ثم نكثا وغدرا، ثم ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة مطالبة بدم عثمان. ثم دعا معاوية طغاة أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان ونصب لنا الحرب. ثم خالفه أهل حروراء على أن يحكم بكتاب الله وسنة نبيه،

(هامش)

(1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 9ص 86: أنه لما أحدث عثمان ما أحدث، قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا. ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان. ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه. مات عبد الرحمن سنة 32. وروى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 319 عن الثقفي في تاريخه قال: كثر الكلام بين عبد الرحمن وبين عثمان حتى قال عبد الرحمن: أما والله لئن بقيت لك لأخرجنك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه، وما غررتني إلا بالله. (*)

ص 188

فلو كانا حكما بما اشترط عليهما لحكما أن عليا عليه السلام(1) أمير المؤمنين في كتاب الله وعلى لسان نبيه وفي سنته، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه. (2) النكث والغدر بالإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ثم بايعوا الحسن بن علي عليه السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثم غدروا به وأسلموه ووثبوا عليه حتى طعنوه بخنجر في فخذه وانتهبوا عسكره وعالجوا خلاخيل أمهات أولاده. فصالح معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته، وهم قليل حق قليل، حين لا يجد أعوانا. ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا. ثم غدروا به، ثم خرجوا إليه فقاتلوه حتى قتل. مظلومية الشيعة في عصر زياد وابن زياد والحجاج ثم لم نزل أهل البيت - منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله - نذل ونقصي ونحرم ونقتل ونطرد ونخاف على دمائنا وكل من يحبنا. ووجد الكاذبون لكذبهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاتهم وعمالهم في كل بلدة، يحدثون عدونا عن ولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة، ويروون عنا ما لم نقل تهجينا منهم لنا وكذبا منهم علينا وتقربا إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب. وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت الشيعة في كل بلدة قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على التهمة والظنة من ذكر حبنا والانقطاع إلينا (3).

(هامش)

(1). الضمير في (كانا حكما) راجع إلى (الحكمين). (2). في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد هيهنا زيادة هكذا: ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصب الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود. (3). في شرح نهج البلاغة هكذا: وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره. (*)

ص 189

ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه السلام. ثم جاء الحجاج فقتلهم بكل قتلة وبكل ظنة وبكل تهمة، حتى أن الرجل ليقال له (زنديق) أو (مجوسي) كان ذلك أحب إليه من أن يشار إليه أنه من (شيعة الحسين صلوات الله عليه)* 4 * تاريخ الجعل والتحريف في الأحاديث وربما رأيت الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد مضى من الولاة، لم يخلق الله منها شيئا قط، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد سمعها منه ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع. ويروون عن علي عليه السلام أشياء قبيحة، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أنهم قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور. نماذج من الأحاديث المختلقة قال: قلت له: أصلحك الله، سم لي من ذلك شيئا.(1) قال: رووا (أن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر)، و(أن عمر محدث)، و(أن الملك يلقنه)، و(أن السكينة تنطق على لسانه)، و(أن عثمان، الملائكة تستحي منه)، و(أن لي وزيرا من أهل السماء

(هامش)

(1). لقد قام العلامة الأميني في موسوعته (الغدير) بإيراد سلسلة من الموضوعات بشأن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية مشفوعا بذكر المصادر الناقلة لها من كتب القوم، وأثبت بالأدلة القاطعة أنها مما وضعته أيدي الكذابين الوضاعين. وذلك في ج 5 ص 378 - 297، ج 6 ص 96 - 87، ج 8 ص 96 - 33، ج 9  396 - 273، ج 10 ص 138 - 70، ج 11 ص 101 - 75. هذاوقد أورد في البحار: ج 49 ص 208 - 189 احتجاج الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام مع العلماء بحضور المأمون في نفس الموضوع. (*)

ص 190

ووزيرا من أهل الأرض (1)، و أن اقتدروا بالذين من بعدي ، و أثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) (2) - حتى عدد أبو جعفر عليه السلام أكثر من مائة رواية يحسبون أنها حق - فقال عليه السلام: هي والله كلها كذب وزور. قلت: أصلحك الله لم يكن منها شيئ؟ قال عليه السلام: منها موضوع ومنها محرف، فأما المحرف فإنما عنى (إن عليك نبي الله وصديقا وشهيدا) يعني عليا عليه السلام، فقبلها. (3) ومثله (4) (كيف لا يبارك لك وقد علاك نبي وصديق وشهيد) يعني عليا عليه السلام. وعامها كذب وزور وباطل. اللهم اجعل قولي قول رسول الله صلى الله عليه وآله، وقول علي عليه السلام ما اختلف فيه أمة محمد من بعده إلى أن يبعث الله المهدي عليه السلام.

(هامش)

(1). أورده في الغدير: ج 5 ص 318 هكذا: (إن الله أيدني بأربعة وزراء. قلنا: من هؤلاء الوزراء يا رسول الله؟ قال: اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: جبرئيل وميكائيل. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض - أو من أهل الدنيا -؟ قال: أبو بكر وعمر (2). روي في البحار: ج 17 ص 288 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله على جبل حراء، إذ تحرك الجبل. فقال له: (قر، فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد). فقر الجبل مجيبا لأمره ومنتهيا إلى طاعته. وأورده في الغدير: ج 9 ص 332 هكذا: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان بحراء. فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض. فركضه برجله فقال: اسكن، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد). وفسرت العامة (الشهيد) بعثمان، وفي بعض رواياتهم بأبي بكر وعمر كما في الغدير: ج 10ص 73. (3). معناه على الظاهر: فقبل حراء كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسكن. (4). لعل المعنى: ومثله في التحريف تحريفهم لمعنى الحديث. (*)

ص 191

(11)* 1 * أمير المؤمنين (ع) يقيم الحجة على المسلمين في عصر عثمان

 

أبان عن سليم قال: رأيت عليا عليه السلام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون الفقه والعلم. فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم من الفضل، مثل قوله: (الأئمة من قريش)، وقوله: (الناس تبع لقريش) و(قريش أئمة العرب)، وقوله: (لا تسبوا قريشا)، وقوله: (إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم)، وقوله: (أبغض الله من أبغض قريشا)، وقوله: (من أراد هوان قريش أهانه الله). وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم من الفضل. وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته(1) وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة (2) والذي حمته الدبر (3)، حتى لم يدعوا شيئا من فضلهم، فقال

(هامش)

(1). في الإحتجاج زيادة هكذا: وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته، و(إن العرش اهتز لموته)، وقوله صلى الله عليه وآله - لما جيئ إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس - فقال: (لمناديل سعد في الجنة أحسن منها). ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في جنازة سعد: إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها وكانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ من سريره. راجع البحار: ج 10 ص 43 وج 20ص 236. (2). هو الذي استشهد يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة يغسلون ابن أبي عامر. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة سأل زوجته عن حاله، قالت: لما كان حنظلة راغبا في الجهاد توجه إلى الحرب بدون أن يغتسل للجنابة فلذا يقال له: (غسيل الملائكة). راجع البحار: ج 20 ص 47 و58. (3). الدبر بالفتح جماعة النحل والزنابير. فسر أهل الغريب بهما في قصة عاصم بن ثابت الأنصاري المعروف = (*)

ص 192

كل حي: (منا فلان وفلان). وقالت قريش: (منا رسول الله صلى الله عليه وآله ومنا حمزة بن عبد المطلب ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة(1) وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف). فلم يدعوا أحدا من الحيين من أهل السابقة إلا سموه. وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل، منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة. فكان ممن حفظت من قريش: علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة (2) وعبد الله بن عمر والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس، ومن الأنصار (3): أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب

(هامش)

= بحمى الدبر. أصيب يوم أحد فمنعت النحل الكفار منه. روي في البحار: ج 20ص 152: أن المشركين أحاطوا بعاصم بن ثابت فقتلوه، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر لأنه قتل ابنيها يوم أحد. فحمته الدبر، فقالوا: امهلوه حتى يمسي فتذهب عنه. فبعث الله الوادي (أي السيل) فاحتمله، فسمي (حمى الدبر).(1). أبو الحارث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، صحابي كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله بعشر سنين. شهد بدرا وتوفي عائدا منها عن 63 سنة. وزيد بن حارثة هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله أميرا على سرية مؤتة من أرض الشام فقتل هناك في سنة ثمان من الهجرة. (2). هاشم بن عتبة المرقال الزهري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من الفضلاء الأخيار. كان من الأبطال، فقعت عينه يوم اليرموك. شهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين وأبلى بلاء حسنا وقتل في صفين. (3). زيد بن ثابت بن ضحاك الأشعري الخزرجي الأنصاري صحابي مات سنة 51. كان عثمانيا ولم يشهد مع علي عليه السلام شيئا من حروبه. وأبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام. شهد بدرا واحدا والعقبة وسائر المشاهد وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ممن أنكر على أبي بكر وشهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها وكان على مقدمته يوم النهروان. وأبو الهيثم مالك بن تيهان الأوسي الأنصاري، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو من الاثني عشر = (*)

ص 193

الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد بجنبه، غلام أمرد صبيح الوجه. وجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة. قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما. فأكثر القوم، وذلك من بكرة إلى حين الزوال - وعثمان في داره لا يعلم بشيئ مما هم فيه - وعلي بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته. * 2 * احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن، ما يمنعك أن تتكلم؟ قال عليه السلام: ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا. ثم قال: يا معاشر قريش، يا معاشر الأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم، أم بغيركم؟ قالوا: بل أعطانا الله ومن علينا برسول الله صلى الله عليه وآله

(هامش)

= الذين أنكروا على أبي بكر غصب الخلافة ولزم أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه بصفين. ومحمد بن مسلمة هو الذي اعتزل عن القتال مع أمير المؤمنين عليه السلام ولم يشهد شيئا من حروبه ومات بالمدينة سنة 46. وأبو مريم الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. وأبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى صحابي شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، وتحول إلى الكوفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتوفي سنة 86. أبو ليلى والد عبد الرحمن، يقال إنه استشهد بصفين. وقد مر ترجمة عبد الرحمن في مفتتح الكتاب. (*)

ص 194

وبه أدركنا ذلك كله ونلناه. فكل فضل أدركناه في دين أو دنيا فبرسول الله صلى الله عليه وآله لا بأنفسنا ولا بعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا. قال: صدقتم، يا معاشر قريش والأنصار. أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا والآخرة منا خاصة - أهل البيت - دونكم جميعا، وأنكم سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إني وأخي علي بن أبي طالب بطينة واحدة إلى آدم)؟(1) قال أهل بدر وأهل أحد وأهل السابقة والقدمة: نعم، سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: أتقرون أن ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إني وأهل بيتي كنا نورا يسعى بين يدي الله، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم. ثم لم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة بين الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط)؟ فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: فأنشدكم الله، أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة)؟ فقالوا: اللهم نعم. قال: أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى موضع مسجده فابتناه ثم بنى عشرة منازل، تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي. فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلى الله عليه وآله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ولقد نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري، وكنت أجنب في المسجد، ومنزلي ومنزل رسول الله صلى الله عليه وآله واحد في المسجد، يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله

(هامش)

(1). راجع عن بدء خلق أهل البيت عليهم السلام: البحار: ج 25. (*)

ص 195

ولي فيه أولاد؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه(1)، ثم قال صلى الله عليه وآله: (إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وأخي وابنيه)؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعاني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية، ثم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله - حين دعا أهل نجران إلى المباهلة - إنه لم يأت إلا بي وبصاحبتي وابني؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أنه دفع إلي لواء خيبر ثم قال: (لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه)؟ قالوا: اللهم نعم.

(هامش)

(1). روي في البحار: ج 39ص 23: أنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد الأبواب جاء عمر بن الخطاب فقال: إني أحب النظر إليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مررت إلى مصلاك، فائذن لي في خوخة أنظر إليك منها. فقال: قد أبى الله ذلك. فقال: فمقدار ما أضع عليه وجهي. قال: قد أبى الله ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه عيني. فقال: قد أبى الله ذلك، ولو قلت (قدر طرف إبرة) لم آذن لك. والذي نفسي بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم ولكن الله أدخلهم وأخرجكم.... (*)

ص 196

قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثني بسورة براءة ورد غيري - بعد أن كان بعثه - بوحي من الله وقال: (إن العلي الأعلى يقول: إنه لا يبلغ عنك إلا رجل منك)؟ قالوا: اللهم بلى.(1) قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تنزل به شديدة قط إلا قدمني لها ثقة بي، وأنه لم يدعني باسمي قط إلا أن يقول: (يا أخي) و(ادعوا لي أخي)؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بيني وبين جعفر وزيد في ابنة حمزة فقال: (يا علي، أما أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم. (2) قال: أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وآله في كل يوم وليلة دخلة وخلوة، إذا

(هامش)

(1). روي في البحار: ج 35 ص 295 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس. فنزل جبرئيل فقال: (لا يبلغ عنك إلا علي). فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكة. فقال أبو بكر: أسخطة؟ فقال: لا، إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك. فلما قدم علي عليه السلام مكة - وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر - قام ثم قال: إني رسول رسول الله إليكم، فقرأها عليهم: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر. وقال: (لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك. ألا من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة أشهر). راجع البحار: ج 35 ص 284 ب 9، والغدير: ج 6 ص 341 (2). في البحار: ج 20 ص 372 وصحيح البخاري: ج 3ص 168: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج من مكة بعد عمرة القضاء تبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم. فتناولها علي وقال لفاطمة عليها السلام: دونك بنت عمك، فحملتها. فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر. قال علي عليه السلام: أنا أحق بها وهي بنت عمي. وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وآله لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وقال لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك). وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي) وقال لزيد: (أنت أخونا ومولانا). (*)

ص 197

سألته أعطاني وإذا سكت ابتدأني؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله فضلني على جعفر وحمزة، فقال لفاطمة عليها السلام: (إني زوجتك خير أهلي وخير أمتي وأقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما)؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني أن أغسله، وأخبرني أن جبرئيل يعينني على غسله؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله، أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في آخر خطبة خطبكم: (أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي)؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال(1) علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله أحد من هذه الأمة؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت (والسابقون الأولون من المهاجرين

(هامش)

(1). زاد في (الإحتجاج) هنا هذه الفقرة: ثم قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله؟ قالوا: اللهم نعم. (*)

ص 198

والأنصار)(1)، (والسابقون السابقون أولئك المقربون) (2)، سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا: اللهم نعم. يوم غدير خم على لسان أمير المؤمنين عليه السلام قال: فأنشدكم، أتعلمون حيث نزلت (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (3)، وحيث نزلت (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (4)، وحيث نزلت (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) (5)، قال الناس: يا رسول الله، خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله عز وجل أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم. فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب وقال: (أيها الناس، إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس تكذبني فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني). ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: (أيها الناس، أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم)؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: (قم، يا علي). فقمت، فقال: (من كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).

(هامش)

(1). سورة التوبة: الآية 100، وتمام الآية هكذا: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم). (2). سورة الواقعة: الآية 10. (3). سورة النساء: الآية 59. (4). سورة المائدة: الآية 55. (5). سورة التوبة: الآية 16. (*)

ص 199

فقام سلمان فقال: يا رسول الله، ولاء كما ذا؟ فقال: (ولاء كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه). فأنزل الله تعالى ذكره: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).(1) فكبر النبي صلى الله عليه وآله وقال: (الله أكبر، تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي). فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله، هذه الآيات خاصة في علي؟ قال: بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله، بينهم لنا. قال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي حوضي. فقالوا كلهم: اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم: قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظه كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا. فقال علي عليه السلام: صدقتم، ليس كل الناس يستوون في الحفظ، أنشد الله من حفظ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله لما قام فأخبر به. فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول النبي صلى الله عليه وآله - وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه - وهو يقول: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي، وأمركم فيه بولايته. وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني. أيها الناس، إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم، وبالزكاة والصوم والحج

(هامش)

(1). سورة المائدة: الآية 3. (*)

ص 200

فبينتها لكم وفسرتها، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة - ووضع يده على علي بن أبي طالب عليه السلام - ثم لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي حوضي. أيها الناس، قد بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم بعدي ووليكم وهاديكم، وهو أخي علي بن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم. فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم). ثم جلسوا.(1) قال سليم: ثم قال علي عليه السلام: أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (2) فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا، ثم ألقى علينا كساء وقال: (هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمهم ما يؤلمني ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم (3)، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (أنت إلى خير، إنما نزلت في وفي أخي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة ليس معنا فيها أحد غيرهم)؟ فقالوا كلهم: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة. ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله

(هامش)

(1). أي ثم جلس زيد بن أرقم والبراء وأبو ذر والمقداد وعمار بعد شهادتهم. (2). سورة الأحزاب: الآية 33. (3). سورة الأحزاب: الآية 33. (*)

ص 201

وكونوا مع الصادقين).(1) فقال سلمان: يا رسول الله، عامة هذا أم خاصة؟ قال صلى الله عليه وآله: (أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة)؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، أتعلمون أني قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك: لم خلفتني؟ قال: (إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). (2) فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، ملة أبيهم إبراهيم؟ قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة. قال سلمان: بينهم لنا يا رسول الله؟ فقال: (أنا وأخي وأحد عشر من ولدي). قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك فقال: (يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فتمسكوا بهما لن تضلوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). فقام عمر بن الخطاب - وهو شبه المغضب - فقال: يا رسول الله، أكل أهل

(هامش)

(1). سورة التوبة: الآية 119. (2). سورة الحج: الآية: 78. (*)

ص 202

أهل بيتك؟ قال: (لا، ولكن أوصيائي منهم. أولهم أخي علي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض. شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله)؟ فقالوا كلهم: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك. وصف مجلس المناشدة ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق. قال: فلم يدع شيئا مما أنزل الله فيه خاصة أو فيه وفي أهل بيته في القرآن ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ناشدهم الله فيه. فمنه ما يقولون جميعا: (نعم) ومنه ما يسكت بعضهم ويقول بعضهم: (اللهم نعم) ويقول الذين سكتوا للذين أقروا: أنتم عندنا ثقاة، وقد حدثنا غيركم ممن نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم قال حين فرغ: اللهم اشهد عليهم. قالوا: اللهم اشهد أنا لم نقل إلا حقا وما قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد حدثنا من نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: أتقرون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني) - ووضع يده على رأسي - فقال له قائل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: (لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله)؟ فقال نحو من عشرين رجلا من أفاضل الحيين: (اللهم نعم)، وسكت بقيتهم. فقال علي عليه السلام للسكوت: ما لكم سكوت؟ فقالوا: هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاة

ص 203

في صدقهم وفضلهم وسابقتهم. فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد عليهم. فقالوا: اللهم إنا لم نشهد ولم نقل إلا ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وما حدثنا به من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله. * 3 * كلمات بين أمير المؤمنين عليه السلام وطلحة سبعة أجوبة عن حديث أبي بكر المختلق في الخلافة فقال طلحة بن عبيد الله - وكان يقال له (داهية قريش) -: فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وعمر وأصحابه الذين صدقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك حبل، فقالوا لك: (بايع)، فاحتججت بما احتججت به من الفضل والسابقة، فصدقوك جميعا. ثم ادعى أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فصدقه عمر وأبو عبيدة بن الجراح وسالم ومعاذ بن جبل؟ ثم أقبل طلحة فقال: كل الذي ذكرت وادعيت حق وما احتججت به من السابقة والفضل نحن نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الخمسة بما سمعت الجواب الأول: فضح تعاهدهم على الصحيفة الملعونة فقام عند ذلك علي عليه السلام - وغضب من مقالة طلحة - فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر

ص 204

شيئا قد كان قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عنى به(1)، وأقبل على طلحة - والناس يسمعون - فقال: يا طلحة، أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع: (إن قتل الله محمدا أو مات أن يتوازروا ويتظاهروا علي فلا أصل إلى الخلافة) الجواب الثاني: حديث الغدير وقال عليه السلام: والدليل - يا طلحة - على باطل ما شهدوا عليه قول نبي الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم: (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام؟ الجواب الثالث: حديث المنزلة وقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة)، أفلستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة؟ ولو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلى الله عليه وآله. الجواب الرابع: حديث الثقلين وقوله صلى الله عليه وآله: (إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي لا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، فينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (2)، وقال: (وزاده بسطة

(هامش)

(1). عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه: (ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى). فقال عليه السلام: عنى بها صحيفته التي في الكعبة. راجع البحار: ج 8 طبع قديمص 27. وروي في ص 22 عن حذيفة بن اليمان أنه قال: وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين عليه السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه قال: (ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى) (2). سورة يونس: الآية 35. (*)

ص 205

في العلم والجسم (1)، وقال: أو أثارة من علم إن كنتم صادقين (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم أعلم إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا)، فما الولاية غير الإمارة على الأمة؟ الجواب الخامس: حديث التسليم عن علي عليه السلام بإمرة المؤمنين والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي الحجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا الذي معك - يعني الزبير - وعلى الأمة رأسا وعلى هذين - وأشار إلى سعد وابن عوف - وعلى خليفتكم هذا الظالم - يعني عثمان -. الجواب السادس: الشورى التي أمر بها عمر وإنا معشر الشورى الستة أحياء كلنا، فلم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدق هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله؟ أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارة علينا ولا بد من أن نتشاور في غيرها لأنه أمرنا أن نتشاور في غيرها؟ وإن كانت الشورى فيها فلم أدخلني فيكم؟ فهلا أخرجني وقد قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخرج أهل بيته من الخلافة فأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب)؟ الجواب السابع: ما قال عمر عند موته ولم قال عمر - حين دعانا رجلا رجلا - لابنه عبد الله - وها هو ذا (3) - أنشدك بالله، ما قال لك حين خرجنا؟ فقال عبد الله: أما إذ ناشدتني فإنه قال: (إن بايعوا أصلع

(هامش)

)(1). سورة البقرة: الآية 247. (2). سورة الأحقاف: الآية 4. (3). كان عبد الله بن عمر حاضر المجلس كما مر في صدر الحديث فأشار عليه السلام إليه وصير الخطاب إليه. (*)

ص 206

بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم) ثم قال عليه السلام: يا بن عمر، فما قلت أنت عند ذلك؟ قال: قلت له: فما يمنعك - يا أبه - أن تستخلفه؟ قال: فما رد عليك؟ قال: رد علي شيئا أكتمه قال عليه السلام: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له. قال: ومتى أخبرك؟ قال عليه السلام: أخبرني في حياته ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رآى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام فقد رآه في اليقظة. قال له ابن عمر: فما أخبرك؟ قال عليه السلام: أنشدك الله يا بن عمر، لئن حدثتك به لتصدقني. قال: أو أسكت قال: فإنه قد قال لك - حين قلت له: (فما يمنعك أن تستخلفه؟) - قال: الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد الذي تعاهدنا عليه في الكعبة في حجة الوداع فسكت ابن عمر فقال: أسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله لما أمسكت عني قال سليم: فلقد رأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان دموعا. شورى عمر غير الشرعية ثم أقبل علي عليه السلام على طلحة والزبير وابن عوف وسعد قال: والله إن كان أولئك الخمسة كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فما يحل لكم ولايتهم، وإن كانوا صدقوا ما حل لكم - أيها الخمسة - أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيه خلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبة عنه. الخلافة والإمامة فقط للأئمة الاثني عشر عليهم السلام ثم أقبل علي عليه السلام على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به، أصدوق أنا عندكم أم كذاب؟ فقالوا: بل صديق صدوق، لا والله ما علمناك كذبت في

ص 207

جاهلية ولا إسلام. قال عليه السلام: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين، لا يبلغ(1) عنه صلى الله عليه وآله غيرنا ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا، ولم يجعل الله معنا أهل البيت لأحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا. أما رسول الله، فخاتم النبيين ليس بعده رسول ولا نبي، ختم الأنبياء برسول الله صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة، وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في الطاعة في غير آية من القرآن. والله جعل محمدا نبيا وجعلنا خلفاء من بعده في خلقه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه المنزل، ثم أمر الله جل وعز نبيه أن يبلغ ذلك أمته، فبلغهم كما أمره الله عز وجل. من هو الأحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فأيهما أحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وبمكانه، وقد سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعثني ببراءة فقال: (إنه لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني)؟ فأنشدكم الله، أسمعتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالوا: اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعثك ببراءة. قال: فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولم يصلح أن يكون المبلغ لها غيري فأيهما أحق بمجلسه ومكانه؟ الذي سماه خاصة أنه من رسول الله أو من خص من بين هذه الأمة أنه ليس من رسول الله؟ (2)

(هامش)

(1). قوله (لا يبلغ...) جواب للقسم. (2). المراد أنا أحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله أو أبو بكر الذي علم رسول الله صلى الله عليه وآله أمته في تبليغ سورة البراءة أنه خاصة ليس من رسول الله صلى الله عليه وآله. (*)

ص 208

ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله: ليبلغ الشاهد الغائب؟ فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله، ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد. - كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاريص 208: أن يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قال لنا ولسائر الناس: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب)، وقال بعرفة حين حج حجة الوداع: (رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها ثم أبلغها عني، فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل(1) عليهن قلب امرء مسلم: إخلاص العمل لله، والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم)، وقام في غير موطن فقال: (ليبلغ الشاهد الغائب)؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم ويوم عرفة في حجة الوداع ويوم قبض (2). فانظر في آخر خطبة خطبها حين قال: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي. فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين الأصبعين - وأشار بمسبحته والوسطى - فإن إحديهما قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تزلوا، ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم). وإنما أمر العامة أن يبلغوا من لقوا من العامة بإيجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وإيجاب حقهم، ولم يقل ذلك في شيئ من الأشياء غير ذلك. وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة بحجة من لا يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله جميع ما بعثه الله به غيرهم.

(هامش)

(1). روي في البحار: ج 21 ص 138 ح 33 عن الصادق عليه السلام قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يبلغه. يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب. فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة، تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم. والمراد من ذكر هذه الفقرة إيراد موارد قوله (ليبلغ الشاهد الغائب). (2). معنى الجملة: أن قوله (ليبلغ الشاهد الغائب) كان في هذه المواضع الثلاثة. (*)

ص 209

ألا ترى يا طلحة، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي - وأنتم تسمعون -: يا أخي، إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك. أنت تبرئ ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي). فلما ولى أبو بكر هل قضى عن رسول الله صلى الله عليه وآله دينه وعداته؟ فأثبتهم جميعا فقضيت دينه وعداته. وأخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري. ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر بقضاء لدينه وعداته، وإنما كان قضاي دينه وعداته هو الذي أبرء ذمته وقضى أمانته. الأئمة عليهم السلام هم مبلغوا أوامر الله إلى الناس وإنما يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله جميع ما جاء عن الله عز وجل الأئمة الذين فرض الله طاعتهم في كتابه وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. فقال طلحة: فرجت عني، ما كنت أدري ما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك حتى فسرته لي. فجزاك الله يا أبا الحسن خيرا عن جميع الأمة. * 4 * كلمة عن جمع القرآن جمع أمير المؤمنين عليه السلام للقرآن يا أبا الحسن، شيئ أريد أن أسألك عنه: رأيتك خرجت بثوب مختوم عليه فقلت: (يا أيها الناس، إني لم أزل مشغولا برسول الله صلى الله عليه وآله، بغسله وتكفينه ودفنه. ثم شغلت بكتاب الله حتى جمعته، فهذا كتاب الله مجموعا لم يسقط منه حرف)، فلم أر ذلك الكتاب الذي كتبت وألفت.

ص 210

جمع عمر وعثمان للقرآن ولقد رأيت عمر بعث إليك - حين استخلف - أن ابعث به إلي، فأبيت أن تفعل. فدعا عمر الناس، فإذا شهد اثنان على آية قرآن كتبها وما لم يشهد عليها غير رجل واحد رماها ولم يكتبه وقد قال عمر - وأنا أسمع -: (إنه قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرؤون قرآنا لا يقرأه غيرهم فذهب)، وقد جاءت شاة إلى صحيفة - وكتاب عمر يكتبون - فأكلتها وذهب ما فيها، والكاتب يومئذ عثمان فما تقولون؟(1) وسمعت عمر يقول وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عثمان: (إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة آية، والحجرات تسعون آية) فما هذا؟ وما يمنعك - يرحمك الله - أن تخرج إليهم ما قد ألفت للناس؟ وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة ومزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار. (2) فما هذا؟

(هامش)

(1). لا يخفى أن هذا كله كلام طلحة في كيفية جمع القرآن كما يوجد مثله في كتب العامة أيضا، أنظر: منتخب كنز العمال: ج 2 ص 42 و45. مسند أحمد: ج 5ص 117. كنز العمال: ج 2ص 569. الإتقان: ج 2ص 25. الدر المنثور: ج 6ص 378. وروى الفضل بن شاذان في كتاب (الإيضاح): ص 112 عن العامة: أن أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوله إلى آخره من أفواه الرجال بشهادة شاهدين وكان الرجل الواحد منهم إذا أتى بآية سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقبلا منه، وإذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها. وأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة. وأن عمر قال: لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآنا لا يقرؤه غيرهم، فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر. وأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام في تأييد القرآن الموجود فسيجئ بعد أسطر. (2). روي في البحار: ج 8 (طبع قديم)ص 308: أن عثمان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وكتب المصاحف السبعة على المشهور بين القراء، فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة وإلى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له (الإمام). (*)

ص 211

إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله للقرآن على أمير المؤمنين عليه السلام فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وآله عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وآله وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شيئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش. قال طلحة: كل شيئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام، كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك؟ قال: نعم، وسوى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب. ولو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغدا إلى يوم القيامة. ما كتب في الكتف بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: (أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين -. كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟ فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لأبي ذر: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله)، وأنا أشهد أنهما

ص 212

لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما. ثم أقبل عليه السلام على طلحة فقال: إتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا بن عوف، اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم. سند القرآن الموجود في زماننا قال طلحة: ما أراك - يا أبا الحسن - أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس؟ قال عليه السلام: يا طلحة، عمدا كففت عن جوابك. قال: فأخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال عليه السلام: بل هو قرآن كله، إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فإن فيه حجتنا وبيان أمرنا وحقنا وفرض طاعتنا. فقال طلحة: حسبي، أما إذا كان قرآنا فحسبي. ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك؟ قال عليه السلام: إلى الذي أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أدفعه إليه. قال: من هو؟ قال: وصيي وأولى الناس بالناس بعدي، ابني هذا الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين، حتى يرد آخرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه. وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم. اثنا عشر إمام ضلالة من قبائل قريش أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليهما سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، واحدا بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة، وهم الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره يردون أمته على أدبارهم القهقرى، عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم، وعليهما مثل أوزار هذه الأمة. فقالوا: يرحمك الله يا أبا الحسن وغفر لك وجزاك الله أفضل الجزاء عنا بنصحك وحسن قولك.

الصفحة السابقة الصفحة التالية

كتاب سليم بن قيس الهلالي

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب