ص 213
(12) خطبة أمير المؤمنين (ع) في السنة الأخيرة من عمره المبارك

أبان عن
سليم قال: كنا جلوسا حول أمير المؤمنين عليه السلام وعنده جماعة من أصحابه، فقال له
قائل: يا أمير المؤمنين، لو استنفرت الناس. فقام وخطب فقال: ألا إني قد استنفرتكم
فلم تنفروا ونصحتكم فلم تقبلوا، ودعوتكم فلم تسمعوا. فأنتم شهود كغياب وأحياء
كأموات وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الشافية الكافية وأحثكم
على الجهاد لأهل الجور، فما آتي على آخر كلامي حتى أراكم متفرقين حلقا شتى،
تتناشدون الأشعار وتضربون الأمثال وتسألون عن سعر التمر واللبن تبت أيديكم، لقد
سئمتم الحرب والاستعداد لها، وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأباطيل
والأضاليل والأعاليل. ويحكم، أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر
دارهم إلا ذلوا. وأيم الله ما أظن أن تفعلوا حتى يفعلوا ثم وددت أني قد رأيتهم
فلقيت الله على بصيرتي ويقيني واسترحت من مقاساتكم ومن ممارستكم. فما أنتم إلا كإبل
جمة ضل راعيها، فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب. كأني بكم والله فيما أرى، لو قد
حمس الوغى واستحر الموت قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة
عن ولدها لا تمنع يد لامس.
ص 214
لما ذا لم يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ما فعل عثمان من السكوت؟ قال الأشعث بن
قيس الكندي: فهلا فعلت كما فعل ابن عفان؟ فقال علي عليه السلام: يا عرف النار(1)،
أو كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت؟ أنا عائذ بالله من شر ما تقول، يا بن قيس،
والله إن الذي فعل ابن عفان لمخزاة لمن لا دين له ولا الحق في يده، فكيف أفعل ذلك
وأنا على بينة من ربي وحجته في يدي والحق معي؟ والله إن امرء مكن عدوه من نفسه حتى
يجز لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه وهو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره وضعيف
ما ضمت عليه جوانح صدره. فكن أنت ذلك يا بن قيس فأما أنا فدون - والله - أن أعطي
بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام وتطيح منه الكف والمعصم ويفعل الله بعد ما
يشاء. ويلك يا بن قيس، المؤمن يموت بكل موتة غير أنه لا يقتل نفسه، فمن قدر على حقن
دمه ثم خلا بينه وبين قاتله فهو قاتل نفسه. ويلك يا بن قيس، إن هذه الأمة تفترق على
ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة منها في الجنة واثنتان وسبعون في النار. وشرها
وأبغضها إلى الله وأبعدها منه السامرة الذين يقولون: (لا قتال)، وكذبوا. قد أمر
الله عز وجل بقتال هؤلاء الباغين في كتابه وسنة نبيه وكذلك المارقة. لما ذا لم يقم
أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف في قضايا السقيفة فقال الأشعث بن قيس - وغضب من
قوله -: فما يمنعك يا بن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب
وأخو بني أمية بعدهما، أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لم تخطبنا خطبة - منذ كنت قدمت
العراق - إلا وقد قلت فيها قبل
(هامش)
(1). خطاب إلى الأشعث بن قيس. روي في البحار: ج 41
ص 306
أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يسمي أشعثا (عنق النار) فسئل عن ذلك فقال: إن
الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدود من السماء فتحرقه وقت وفاته،
فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء. فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه
كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور. (*)
ص 215
أن تنزل عن منبرك: (والله إني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض الله
محمدا صلى الله عليه وآله). فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟ فقال له علي عليه
السلام: يا بن قيس، قلت فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية للقاء
ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني
من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وعهده إلي. أخبرني رسول الله صلى الله
عليه وآله بما الأمة صانعة بي بعده، فلم أك بما صنعوا - حين عاينته - بأعلم مني ولا
أشد يقينا مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله أشد يقينا مني
بما عاينت وشهدت. فقلت: يا رسول الله، فما تعهد إلي إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت
أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على
إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا. وأخبرني صلى الله عليه وآله أن الأمة ستخذلني
وتبايع غيري وتتبع غيري. وأخبرني صلى الله عليه وآله أني منه بمنزلة هارون من موسى،
وأن الأمة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه، إذ قال له موسى:
(يا هارون، ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال يا بن أم إن القوم
استضعفوني وكادوا يقتلونني)، وقال: (يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيت
أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي).(1) وإنما يعني: إن موسى أمر هارون -
حين استخلفه عليهم - إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده
ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. وإني خشيت أن يقول لي ذلك أخي رسول الله صلى الله عليه
وآله: (لم فرقت بين الأمة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا أن تكف يدك
وتحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك)؟
(هامش)
(1). سورة الأعراف: الآية 150. (*)
ص 216
إقدام أمير المؤمنين عليه السلام لمحاربة أبي بكر وعمر فلما قبض رسول الله صلى الله
عليه وآله مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول الله صلى الله عليه وآله
بغسله ودفنه. ثم شغلت بالقرآن، فآليت على نفسي أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمعه في
كتاب، ففعلت. ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين، فلم أدع أحدا من أهل بدر
وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي.
فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، ولم
يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم أحد، وأما جعفر
فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين: العباس وعقيل، وكانا
قريبي العهد بكفر. فأكرهوني وقهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: (يا بن أم، إن
القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول الله صلى
الله عليه وآله حجة قوية. قال عليه السلام: فقال الأشعث: كذلك صنع عثمان، استغاث
بالناس ودعاهم إلى نصرته فلم يجد أعوانا فكف يده حتى قتل مظلوما. قال عليه السلام:
ويلك يا بن قيس، إن القوم - حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني - لو قالوا لي:
(نقتلك البتة) لامتنعت من قتلهم إياي ولو لم أجد غير نفسي وحدي، ولكن قالوا: (إن
بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك وفضلناك وإن لم تفعل قتلناك). فلما لم أجد أحدا
بايعتهم، وبيعتي إياهم لا يحق لهم باطلا ولا يوجب لهم حقا. فلو كان عثمان - حين قال
له الناس: (اخلعها ونكف عنك) - خلعها لم يقتلوه، ولكنه قال: (لا أخلعها). قالوا:
(فإنا قاتلوك)، فكف يده عنهم حتى قتلوه. ولعمري لخلعه إياها كان خيرا له، لأنه
أخذها بغير حق ولم يكن له فيها نصيب وادعى ما ليس له وتناول حق غيره.
ص 217
عثمان أعان على قتل نفسه ويلك يا بن قيس، إن عثمان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما
أن يكون دعا الناس إلى نصرته فلم ينصروه، وإما أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه
فنهاهم عن نصرته، فلم يكن يحل له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماما هاديا مهتديا
لم يحدث حدثا ولم يؤو محدثا. وبئس ما صنع حين نهاهم وبئس ما صنعوا حين أطاعوه وإما
أن يكون جوره وسوء سريرته قضى أنهم لم يروه أهلا لنصرته لجوره وحكمه بخلاف الكتاب
والسنة. وقد كان مع عثمان - من أهل بيته ومواليه وأصحابه - أكثر من أربعة آلاف رجل،
ولو شاء أن يمتنع بهم لفعل. فلم نهاهم عن نصرته؟ ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم
تتمة أربعين رجلا مطيعين لي لجاهدتهم، وأما يوم بويع عمر وعثمان فلا، لأني قد كنت
بايعت ومثلي لا ينكث بيعته. مواقف أمير المؤمنين عليه السلام في الحروب ويلك يا بن
قيس، كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان إذ وجدت أعوانا؟ هل رأيت مني فشلا أو تأخرا أو
جبنا أو تقصيرا في وقعتي يوم البصرة وهم حول جملهم. الملعون من معه، الملعون من قتل
حوله، الملعون من رجع بعده لا تائبا ولا مستغفرا، فإنهم قتلوا أنصاري ونكثوا بيعتي
ومثلوا بعاملي وبغوا علي. وسرت إليهم في اثني عشر ألفا وهم نيف على عشرين ومائة
ألف، فنصرني الله عليهم وقتلهم بأيدينا وشفى صدور قوم مؤمنين. وكيف رأيت - يا بن
قيس - وقعتنا بصفين وما قتل الله منهم بأيدينا خمسين ألفا في صعيد واحد إلى النار.
ص 218
وكيف رأيتنا يوم النهروان، إذ لقيت المارقين وهم مستمسكون يومئذ بدين الذين ضل
سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ فقتلهم الله بأيدينا في صعيد
واحد إلى النار لم يبق منهم عشرة ولم يقتلوا من المؤمنين عشرة. ويلك يا بن قيس، هل
رأيت لي لواء رد أو راية ردت؟ إياي تعير يا بن قيس؟ وأنا صاحب رسول الله صلى الله
عليه وآله في جميع مواطنه ومشاهده والمتقدم إلى الشدائد بين يديه، لا أفر ولا أزول
ولا أعيى ولا أنحاز ولا أمنح العدو دبري، لأنه لا ينبغي للنبي ولا للوصي إذا لبس
لامته وقصد لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له. لو وجدت أربعين رجلا
مثل الأربعة يا بن قيس، هل سمعت لي بفرار قط أو نبوة؟ يا بن قيس، أما والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم - الذي عيرتني بدخولي في بيعته -
أربعين رجلا كلهم على مثل بصيرة الأربعة الذين قد وجدت لما كففت يدي ولناهضت القوم،
ولكن لم أجد خامسا فأمسكت. قال الأشعث: فمن الأربعة، يا أمير المؤمنين؟ قال عليه
السلام: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن صفية قبل نكثه بيعتي، فإنه بايعني
مرتين: أما بيعته الأولى التي وفى بها فإنه لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من
المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين
رؤوسهم عليهم السلاح، فما وفى لي ولا صدقني منهم أحد غير أربعة: سلمان وأبو ذر
والمقداد والزبير. وأما بيعته الأخرى إياي، فإنه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد ما قتل
عثمان فبايعاني طائعين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدين ناكثين مكابرين
معاندين
ص 219
خاسرين، فقتلهما الله إلى النار. وأما الثلاثة - سلمان وأبو ذر والمقداد - فثبتوا
على دين محمد صلى الله عليه وآله وعلى ملة إبراهيم حتى لحقوا بالله يرحمهم الله. يا
بن قيس، والذي فلق الحبة وبرء النسمة، لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوا وفوا لي
وأصبحوا على بابي محلقين رؤوسهم قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعته لناهضته وحاكمته
إلى الله عز وجل. ولو وجدت قبل بيعة عثمان أعوانا لناهضتهم وحاكمتهم إلى الله، فإن
ابن عوف جعلها لعثمان واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردها عليه عند موته، وأما
بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل. الشيعة، النواصب، المستضعفون فقال الأشعث:
والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت أمة محمد صلى الله عليه وآله غيرك وغير
شيعتك. فقال له علي عليه السلام: فإن الحق والله معي يا بن قيس كما أقول. وما هلك
من الأمة إلا الناصبون والناكثون والمكابرون والجاحدون والمعاندون، فأما من تمسك
بالتوحيد والإقرار بمحمد صلى الله عليه وآله والإسلام ولم يخرج من الملة ولم يظاهر
علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة وشك في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ولم يعرف
لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويتخوف عليه
ذنوبه. قال أبان: قال سليم بن قيس: فلم يبق يومئذ من شيعة علي عليه السلام أحد إلا
تهلل وجهه وفرح بمقالته، إذ شرح أمير المؤمنين عليه السلام الأمر وباح به وكشف
الغطاء وترك التقية. ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع
البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف.
ولم يبق حوله ممن أبى بيعته إلا على وجه ما بويع عليه عثمان والماضون قبله إلا رئي
ذلك في
ص 220
وجهه وضاق به أمره وكره مقالته. ثم إنه استبصر عامتهم وذهب شكهم.(1) قال أبان عن
سليم: فما شهدت يوما قط على رؤوس العامة كان أقر لأعيننا من ذلك اليوم، لما كشف
أمير المؤمنين عليه السلام للناس من الغطاء وأظهر فيه من الحق وشرح فيه من الأمر
والعاقبة وألقى فيه من التقية، وكثرت الشيعة بعد ذلك المجلس من ذلك اليوم وتكلموا،
وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله
ورسوله، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم. شهادة أمير المؤمنين عليه
السلام وذلك بعد وقعة أهل النهروان وهو يأمر بالتهيئة والمسير إلى معاوية. ثم لم
يلبث أن قتل صلوات الله عليه، قتله ابن ملجم لعنه الله غيلة وفتكا، وقد كان سيفه
مسموما قد سمه قبل ذلك. وصلى الله على سيدنا أمير المؤمنين وسلم تسليما.
(هامش)
(1). المراد أن عددا من الناس أبوا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام إلا على وجه ما
بويع أبو بكر وعمر وعثمان. وهؤلاء لما سمعوا هذه الخطبة والاحتجاج منه عليه السلام
كرهوا مقالته ورئي أثر الكراهة في وجوههم. وفي (ج) هكذا: ولم يبق أحد ممن أبى بيعته
على وجه الأرض ممن بايع عثمان، بلغه ذلك إلا ضاق صدره وكره مقالته. (*)
ص 221
(13) بيت المال في عصر عمر

عن أبان، قال سليم: كتب أبو المختار بن أبي الصعق(1) إلى
عمر بن الخطاب هذه الأبيات: ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة * فأنت أمين الله في
المال والأمر وأنت أمين الله فينا ومن يكن * أمينا لرب الناس يسلم له صدري فلا تدعن
أهل الرساتيق والقرى * يخونون مال الله في الأدم الحمر وأرسل إلى النعمان وابن معقل
* وأرسل إلى حزم وأرسل إلى بشر وأرسل إلى الحجاج واعلم حسابه * وذاك الذي في السوق
مولى بني بدر ولا تنسين التابعين كليهما * وصهر بني غزوان في القوم ذا وفر وما عاصم
فيها بصفر عيابه * ولا ابن غلاب من رماة بني نصر واستل ذاك المال دون ابن محرز *
وقد كان منه في الرساتيق ذا وقر (2) فأرسل إليهم يصدقوك ويخبروا * أحاديث هذا المال
من كان ذا فكر وقاسمهم أهلي فداؤك إنهم * سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
(هامش)
(1). أبو المختار هو يزيد بن قيس بن يزيد. (2). قوله: بصفر عيابه، الصفر بمعنى
الخالي والعياب جمع العيبة بمعنى الزنبيل من الأدم. وقوله (ابن محرز) جاء في فتوح
البلاذري: ابن محرش. (*)
ص 222
ولا تدعوني للشهادة إنني * أغيب ولكني أرى عجب الدهر أرى الخيل كالجدران والبيض
كالدمى(1) * وخطية (2) في عدة النمل والقطر ومن ريطة (3) مطوية في قرابها * ومن طي
أبراد مضاعفة صفر إذ التاجر الداري جاء بفأرة * من المسك راحت في مفارقهم تجري ننوب
إذا نابوا ونغزو إذا غزوا * فإن لهم مالا وليس لنا وفر فقال ابن غلاب المصري (4):
ألا أبلغ أبا المختار إني أتيته * ولم أك ذا قربى لديه ولا صهر وما كان عندي من
تراث ورثته * ولا صدقات من سبي ولا غدر ولكن دراك الركض في كل غارة * وصبري إذا ما
الموت كان ورا السمر بسابغة يغشى اللبان فصولها (5)* أكفكفها عني بأبيض ذي وفر حكم
عمر بمصادرة نصف أموال عماله قال سليم: فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله
أنصاف أموالهم لشعر
(هامش)
(1). الدمى جمع الدمية وهي الصور المزينة فيها حمرة. (2). جمع الخطي وهو الرمح
المنسوب إلى الخط وهو مرفأ بالبحرين. (3). الريطة: كل ثوب يشبه الملحفة. (4). ابن
غلاب هو خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال بإصبهان. (5). السابغة كناية
عن الدرع الواسعة، واللبان هو الصدر. (*)
ص 223
أبي المختار(1) ولم يغرم قنفذ العدوي شيئا - وقد كان من عماله - ورد عليه ما أخذ
منه وهو عشرون ألف درهم ولم يأخذ منه عشره ولا نصف عشره وكان من عماله الذين أغرموا
أبو هريرة - وكان على البحرين - فأحصى ماله فبلغ أربعة وعشرون ألفا، فأغرمه اثني
عشر ألفا. علة العفو عن قنفذ من مصادرة أمواله قال أبان: قال سليم: فلقيت عليا عليه
السلام فسألته عما صنع عمر، فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئا؟ قلت: لا.
قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جائت لتحول بيني وبينهم،
فماتت صلوات الله عليها وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.
(هامش)
(1). ذكر البلاذري أسماء عدد من عمال عمر بن الخطاب، شاطرهم أموالهم حتى أخذ نعلا
وترك نعلا وهم: أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي، نافع بن الحرث بن كلدة
الثقفي، الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات، جزء بن معاوية عم الأحنف كان على
سرق، بشر بن المحتفز كان على جندي سابور، ابن غلاب خالد بن الحرث كان على بيت المال
بإصبهان، عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر، سمرة بن جندب كان على سوق
الأهواز، النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة، مجاشع بن مسعود السلمي
صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها، شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على
قبض المغانم، أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رامهرمز. وهؤلاء ذكرهم أبو المختار
في شعره الذي ورد في المتن مع اختلاف في ضبط بعض الأسماء. وكان أيضا من عماله الذين
شاطرهم سعد بن أبي وقاص وكان على الكوفة، وأبو موسى الأشعري وكان على البصرة، وعمرو
بن العاص وكان على مصر، وعتبة بن أبي سفيان وكان على الطائف، وأبو هريرة وكان على
البحرين، وخالد بن الوليد. راجع الغدير: ج 6
ص 277
- 271. إثبات الهداة: ج 2
ص 369
ح 218. (*)
ص 224
(14) بدع واعتراضات أبي بكر وعمر في الدين

قال أبان عن سليم، قال: انتهيت إلى حلقة
في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر
والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة. * 1 * بدع أبي
بكر وعمر تغريم عمر لعماله فقال العباس لعلي عليه السلام: ما ترى عمر منعه من أن
يغرم قنفذا كما أغرم جميع عماله؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت
عيناه بالدموع، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة عليها السلام بالسوط، فماتت وفي
عضدها أثره كأنه الدملج. ثم قال عليه السلام: العجب مما أشربت قلوب هذه الأمة من حب
هذا الرجل وصاحبه من قبله، والتسليم له في كل شيئ أحدثه لئن كان عماله خونة وكان
هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حل له تركه، وكان له أن يأخذه كله فإنه فيئ
المسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه؟ ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ
أموالهم ولا شيئا منهم قليلا
ص 225
ولا كثيرا، وإنما أخذ أنصافها. ولو كانت في أيديهم خيانة ثم لم يقروا بها ولم تقم
عليهم البينة ما حل له أن يأخذ منهم قليلا ولا كثيرا وأعجب من ذلك إعادته إياهم إلى
أعمالهم لئن كانوا خونة ما حل له أن يستعملهم، ولئن كانوا غير خونة ما حلت له
أموالهم. أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب من ميل الناس إلى البدع ثم أقبل علي عليه
السلام على القوم فقال: العجب لقوم يرون سنة نبيهم تتبدل وتتغير شيئا شيئا وبابا
بابا ثم يرضون ولا ينكرون، بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره ثم يجيئ
قوم بعدنا، فيتبعون بدعته وجوره وأحداثه ويتخذون أحداثه سنة ودينا يتقربون بها إلى
الله في مثل: نقل مقام إبراهيم عليه السلام إلى موضعه في الجاهلية تحويله مقام
إبراهيم عليه السلام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
الموضع الذي كان فيه في الجاهلية الذي حوله منه رسول الله صلى الله عليه وآله.(1)
تغيير صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده وفي تغييره صاع رسول الله صلى الله
عليه وآله ومده، وفيهما فريضة وسنة. فما كان زيادته إلا سوء لأن المساكين - في
كفارة اليمين والظهار - بهما يعطون ما يجب من الزرع. وقد قال
(هامش)
(1). روي في البحار: ج 8 (طبع قديم)
ص 287
عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنه قال: كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم
عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي
هو فيه اليوم. فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه
إبراهيم عليه السلام. فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب فسأل الناس: من منكم
يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل: أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي
فقال: تأتيني به. فأتاه به، فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان وذكر اليعقوبي في تاريخه:
ج 2
ص 149
أن ذلك كان في سنة 17. (*)
ص 226
رسول الله صلى الله عليه وآله: (اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا). لا يحولون بينه
وبين ذلك(1)، لكنهم رضوا وقبلوا ما صنع. غصب فدك وقبضه وصاحبه فدك وهي في يد فاطمة
عليها السلام مقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله. فسألها
البينة على ما في يدها ولم يصدقها ولا صدق أم أيمن. وهو يعلم يقينا - كما نعلم -
أنها في يدها. ولم يكن يحل له أن يسألها البينة على ما في يدها ولا أن يتهمها. ثم
استحسن الناس ذلك وحمدوه وقالوا: (إنما حمله على ذلك الورع والفضل) ثم حسن قبح
فعلهما أن عدلا عنها فقالا: (نظن إن فاطمة لن تقول إلا حقا وإن عليا لم يشهد إلا
بحق، ولو كانت مع أم أيمن امرأة أخرى أمضيناها لها). فحظيا بذلك عند الجهال وما هما
ومن أمر هما أن يكونا حاكمين فيعطيان أو يمنعان؟ ولكن الأمة ابتلوا بهما فأدخلا
أنفسهما فيما لا حق لهما فيه ولا علم لهما به. وقد قالت فاطمة عليها السلام لهما -
حين أراد انتزاعها وهي في يدها -: (أليست في يدي وفيها وكيلي وقد أكلت غلتها ورسول
الله صلى الله عليه وآله حي)؟ قالا: بلى. قالت: (فلم تسألني البينة على ما في يدي)؟
قالا: لأنها فيئ المسلمين، فإن قامت بينة وإلا لم نمضها قالت لهما - والناس حولهما
يسمعون -: (أفتريدان أن تردا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وتحكما فينا خاصة
بما لم تحكما في سائر المسلمين؟ أيها الناس، اسمعوا ما ركباها. أرأيتما إن ادعيت ما
في أيدي المسلمين من أموالهم، أتسألونني البينة أم تسألونهم)؟ قالا: بل نسألك.
(هامش)
(1). أي لا يحول الناس بين عمر وفعله ذلك، بل رضوا به وقبلوه. (*)
ص 227
قالت: (فإن ادعى جميع المسلمين ما في يدي تسألونهم البينة أم تسألونني)؟ فغضب عمر
وقال: إن هذا فيئ للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلتها، فإن أقامت بينة
على ما ادعت أن رسول الله وهبها لها من بين المسلمين - وهي فيئهم وحقهم - نظرنا في
ذلك فقالت: حسبي أنشدكم بالله أيها الناس، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: (إن ابنتي سيدة نساء أهل الجنة)؟ قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله
صلى الله عليه وآله. قالت: أفسيدة نساء أهل الجنة تدعي الباطل وتأخذ ما ليس لها؟
أرأيتم لو أن أربعة شهدوا علي بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدقين علي؟ فأما أبو
بكر فسكت، وأما عمر فقال: نعم، ونوقع عليك الحد فقالت: كذبت ولؤمت، إلا أن تقر أنك
لست على دين محمد صلى الله عليه وآله. إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة
أو يقيم عليها حدا لملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله، لأن من
(أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) لا تجوز عليهم شهادة لأنهم معصومون من كل سوء
مطهرون من كل فاحشة. حدثني - يا عمر - من أهل هذه الآية، لو أن قوما شهدوا عليهم أو
على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم ويحدونهم؟ قال: نعم،
وما هم وسائر الناس في ذلك إلا سواء قالت: كذبت وكفرت، ما هم وسائر الناس في ذلك
سواء لأن الله عصمهم ونزل عصمتهم وتطهيرهم وأذهب عنهم الرجس. فمن صدق عليهم فإنما
يكذب الله ورسوله. فقال أبو بكر: أقسمت عليك - يا عمر - لما سكت مؤامرة قتل أمير
المؤمنين عليه السلام فلما أن كان الليل أرسلا إلى خالد بن الوليد فقالا: إنا نريد
أن نسر إليك أمرا
ص 228
ونحملكه لثقتنا بك. فقال: احملاني على ما شئتما، فإني طوع أيديكما. فقالا له: (إنه
لا ينفعنا ما نحن فيه من الملك والسلطان ما دام علي حيا أما سمعت ما قال لنا وما
استقبلنا به؟ ونحن لا نأمنه أن يدعو في السر فيستجيب له قوم فيناهضنا فإنه أشجع
العرب، وقد ارتكبنا منه ما رأيت وغلبناه على ملك ابن عمه ولا حق لنا فيه، وانتزعنا
فدك من امرأته. فإذا صليت بالناس صلاة الغداة فقم إلى جنبه وليكن سيفك معك، فإذا
صليت وسلمت فاضرب عنقه) قال علي عليه السلام: فصلى خالد بن الوليد بجنبي متقلدا
السيف. فقام أبو بكر في الصلاة وجعل يؤامر نفسه وندم وأسقط في يده(1) حتى كادت
الشمس أن تطلع ثم قال - قبل أن يسلم -: (لا تفعل ما أمرتك) ثم سلم فقلت لخالد: وما
ذاك؟ قال: كان قد أمرني - إذا سلم - أن أضرب عنقك قلت: أو كنت فاعلا؟ قال: إي وربي
إذا لفعلت حبس الخمس قال سليم: ثم أقبل عليه السلام على العباس وعلى من حوله، ثم
قال: ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرضه الله لنا في
القرآن؟ وقد علم الله أنهم سيظلموناه وينتزعونه منا، فقال: (إن كنتم آمنتم بالله
وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان). (2)
(هامش)
(1). أسقط في يده أي تحير. (2). سورة الأنفال: الآية 41. والعبارة في إرشاد القلوب
هكذا: وأقبل عليه السلام على من كان حوله فقال: أو ليس قد ظهر لكم رأى وحملهم علينا
أهل البيت من كل جانب ووجه لا يألون به إبعاد ا وتقاصيا وأخذ حقوقنا؟ أليس العجب
بحبسه وصاحبه عنا... (*)
ص 229
إلحاق بيت جعفر بالمسجد والعجب لهدمه منزل أخي جعفر وإلحاقه في المسجد، ولم يعط
بنيه من ثمنه قليلا ولا كثيرا. ثم لم يعب ذلك عليه الناس ولم يغيروه، فكأنما أخذ
منزل رجل من الديلم.(1) البدعة في غسل الجنابة والعجب لجهله وجهل الأمة أنه كتب إلى
جميع عماله: (أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي وليس له أن يتيمم بالصعيد
حتى يجد الماء وإن لم يجده حتى يلقى الله) ثم قبل الناس ذلك ورضوا به، وقد علم وعلم
الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمر عمارا وأمر أبا ذر أن يتيمما من
الجنابة ويصليا، وشهدا به عنده وغيرهما (2) فلم يقبل ذلك ولم يرفع به رأسا. البدعة
في إرث الجد والعجب لما خلطا قضايا مختلفة في الجد بغير علم تعسفا وجهلا وادعائهما
ما لم يعلما جرأة على الله وقلة ورع.
(هامش)
(1). (ب) و(د): ولم يعيروه فكأنما أخذ دار رجل من ترك أو كابل. روي في الغدير: ج 6
ص 262
عن طبقات ابن سعد: أنه لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما
حول المسجد من الدور إلا دور العباس بن عبد المطلب وحجرات أمهات المؤمنين. (2). روى
العلامة الأميني في الغدير: ج 6
ص 83
عن صحيح مسلم: أن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال عمر: لا تصل.
فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء،
فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال النبي صلى الله عليه وآله:
إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ فقال عمر:
إتق الله يا عمار قال: إن شئت لم أحدث به. (*)
ص 230
ادعيا أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات ولم يقض في الجد شيئا منه(1) ولم يدع
أحد يعلم (2) ما للجد من الميراث ثم تابعوهما على ذلك وصدقوهما. عتق أمهات الأولاد
وعتقه أمهات الأولاد (3) فأخذ الناس بقوله وتركوا أمر رسول الله صلى الله عليه
وآله. القضاء الباطل في ثلاثة أشخاص وما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة من سليم وبابن
وبرة. (4)
(هامش)
(1). أي من الميراث. (2). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6
ص 117
عن سنن البيهقي عن عبيدة قال: حفظت عن عمر مائة قضية في الجد قال: وقال (عمر): إني
قد قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها آلو فيه عن الحق، ولئن عشت إن شاء الله إلى
الصيف لأقضين فيها بقضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها ثم إن أبا بكر أيضا حكم في
الجد بقضايا مختلفة (راجع الغدير: ج 7ص 120)، ولذلك جاء بضمير التثنية في هذا
المورد. (3). قوله عثقه أمهات الأولاد إشارة إلى بدعة عمر حيث حكم بأن كل أمة
حبلى تعتق إذا وضعت حملها. (4). إشارة إلى تغريب نصر بن الحجاج أبي ذويب من المدينة
من غير ذنب. روي في البحار: ج 8 طبع قديمص 286: بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة
إذ سمع امرأة تهتف من خدرها: هل من سبيل إلى خمر فأشربها * أم هل سبيل إلى نصر بن
حجاج إلى آخر الأبيات. فقال: لا أرى معي رجلا تهتف به العواتق في خدورهن. علي بنصر
بن الحجاج. فأتي به وإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا. فأمر بشعره فجز، فخرجت له
وجنتان كأنهما قمر، فأمره أن يعتم، فاعتم ففتن النساء بعينيه فقال: عمر: لا والله،
لا تساكنني بأرض أنا بها فقال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: هو ما أقول لك فسيره إلى
البصرة. هذا وقد فعل مثل ذلك لك بابن عم لنصر بن الحجاج. راجع طبقات ابن سعد: ج 3ص
385. وقوله (بجعدة من سليم)، في النسخ (بجعدة بن سليم)، والصحيح ما أوردناه. روى
ابن سعد في طبقاته: ج 3ص 285: أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته فبدرت صحيفة فأخذها
فقرأها فإذا فيها: = (*)
ص 231
البدعة في الطلاق وأعجب من ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال: (إني طلقت امرأتي وأنا
غائب فوصل إليها الطلاق. ثم راجعتها وهي في عدتها وكتبت إليها فلم يصل الكتاب إليها
حتى تزوجت). فكتب له: (إن كان هذا الذي تزوجها قد دخل بها فهي امرأته، وإن كان لم
يدخل بها فهي امرأتك) وكتب له ذلك وأنا شاهد، فلم يشاورني ولم يسألني، يرى استغناءه
بعلمه عني، فأردت أن أنهاه، ثم قلت: (ما أبالي أن يفضحه الله). ثم لم يعبه الناس بل
استحسنوه واتخذوه سنة وقبلوه منه ورأوه صوابا وذلك قضاء لو قضى به مجنون نحيف سخيف
لما زاد. إسقاط أجزاء الأذان ثم تركه من الأذان (حي على خير العمل)، فاتخذوه سنة
وتابعوه على ذلك.(1)
(هامش)
= ألا أبلغ أبا حفص رسولا * فدى لك من أخي ثقة إزاري قلائصنا - هداك الله - إنا *
شغلنا عنكم زمن الحصار فما قلص وجدن معقلات * قفا سلع بمختلف البحار قلائص من بني
سعد بن بكر * وأسلم أو جهينة أو غفار يعقلهن جعدة من سليم * معيدا يبتغي سقط العذار
فقال (عمر): ادعوا لي جعدة من سليم. قال: فدعوا به، فجلد مائة معقولا، ونهاه أن
يدخل على امرأة مغيبة. وأما قوله (بابن وبرة)، فلم أظفر على مصدر يذكر قصته. ثم إن
الأشكال في فعل عمر في الموردين من جهة أنه حكم بما لم يثبت مقتضيه، فمجرد حسن
الوجه في نصر بن الحجاج لا يقتضي نفيه عن البلد ومجرد تلك الأبيات الدالة على أن
الرجل كانت تفتن النساء إليه بفعاله مع عدم ثبوته بالبينة لا يوجب حد الرجل ولا
تعزيره.(1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6
ص 213
عن الطبري عن عمر أنه قال: ثلاث كن على عهد رسول الله أنا محرمهن ومعاقب عليهن:
متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل في الأذان. وروي في إثبات الهداة: ج 2
ص 371
ح 232: أن عمر ترك حي على خير العمل وقال: خففت أن يتكل الناس عليها ويدع
غيرها. وقد روت العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قد أمر بها. (*)
ص 232
البدعة في حكم المفقود زوجها وقضيته في المفقود وأن (أجل امرأته أربع سنين، ثم
تتزوج، فإن جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق).(1) فاستحسنه الناس واتخذوه سنة
وقبلوه منه جهلا وقلة علم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه. بدعه في الأعاجم وإخراجه من
المدينة كل أعجمي. (2) وإرساله إلى عماله بالبصرة بحبل طوله خمسة أشبار وقوله: (من
أخذتموه من الأعاجم فبلغ طول هذا الحبل فاضربوا عنقه)! ورده سبايا تستر وهن حبالى!!
وإرساله بحبل في صبيان سرقوا بالبصرة وقوله: (من بلغ طول هذا الحبل فاقطعوه) (3)
وأعجب من ذلك أن كذابا رجم بكذابة فقبلها وقبلها الجهال فزعموا أن الملك ينطق على
لسانه ويلقنه (4) وإعتاقه سبايا أهل اليمن. (5)
(هامش)
(1). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 8
ص 200
ما رواه مالك أن عمر قال: (أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو، فإنها تنتظر أربع
سنين. ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا ثم تحل). وأنه إن جاء زوجها وقد تزوجت خير بين
امرأته وبين صداقها، فإن اختار الصداق كان على زوجها الآخر، وإن اختار امرأته اعتدت
حتى تحل، ثم ترجع إلى زوجها الأول وكان لها من زوجها الآخر مهرها بما استحل من
فرجها (2). ذكر المسعودي في مروج الذهب: ج 2ص 320: أن عمر كان لا يترك أحدا من
العجم يدخل المدينة. (3). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 6
ص 171
عن ابن أبي مليكة: أن عمر كتب في غلام من أهل العراق سرق، فكتب: أن اشبروه، فإن
وجدتموه ستة أشبار فاقطعوه. فشبر فوجد ستة أشبار تنقص أنملة فترك (4). قوله (رجم
بكذابة) أي ألقى كلاما كاذبا رجما بالغيب وهو ادعائه (أن الملك ينطق على لسان عمر).
راجع عن هذه المنقبة المختلقة لعمر: الغدير: ج 6ص 331، وراجع الحديث 10 من هذا
الكتاب. (5). روى الفضل بن شاذان في (الإيضاح)ص 463: أن عمر أعتق سبايا اليمن وهن
حبالى من المسلمين = (*)
ص 233
* 2 * معصية أبي بكر وعمر للرسول صلى الله عليه وآله واعتراضاتهما عليه(1) وتخلفه
وصاحبه عن جيش أسامة بن زيد مع تسليمهما عليه بالأمرة. (2) ثم أعجب من ذلك أنه قد
علم الله وعلمه الناس أنه الذي صد رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكتف الذي دعاه
به. ثم لم يضره ذلك عندهم ولم ينقصه. (3) وإنه صاحب صفية حين قال لها ما قال. فغضب
رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قال ما قال. (4)
(هامش)
= وفرق بينهن وبين من اشتراهن. وروى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط)ص 108: أن أبا
بكر أرق سبي اليمن وبيعوا، فوطئت الفروج. فلما استخلف الثاني أعتق ذلك السبي وقال:
لا أملك على عربي فأعتقهن وهن حبالى، وفرق بينهن وبين من اشتراهن. فمضين إلى بلادهن
ومعهن أولاد أيضا منهن وذلك أن أبا موسى ادعى أنه أعطاهن عهدا وحلف على ذلك فردهم
عمر إلى أرضهم حبالى وروي في البحار: ج 8 طبع قديم
ص 196
عن تقريب المعارف والخصال: أن عمر قال عند موته: أتوب إلى الله من ثلاث: من ردي
(عتقي) سبايا اليمن و....(1). قد أورد في إثبات الهداة: ج 2
ص 325
موارد كثيرة من اعتراضات عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله. (2). روي في
البحار: ج 8 طبع قديم
ص 245
بطرق كثيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم لأربع
ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة. فدعا أسامة بن زيد وولاه الجيش وأعطاه الراية ولعن
المتخلف عن جيش أسامة وكان ممن نص على أسمائهم أبو بكر وعمر. فرجعا ودخلا المدينة
ليلة وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. وتهيئوا لغصب الخلافة وما في سقيفة بني
ساعدة. وقال صلى الله عليه وآله في تلك الليلة: (دخل المدينة الليلة شر عظيم). (3).
راجع عن قصة الكتف: الحديث 11 و49. (4). روى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع
قديم
ص 200
ب 19 ح 3 عن أبي جعفر عليه السلام: إن صفية بنت = (*)
ص 234
وإنه وصاحبه اللذان كفا عن قتل الرجل الذي أمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله
بقتله، ثم أمرني بعدهما وقال النبي صلى الله عليه وآله في ذلك ما قال.(1) وأمر
النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر ينادي في الناس: (إنه من لقي الله موحدا لا يشرك
به شيئا دخل الجنة)، فرده عمر وأطاعه أبو بكر (2) وعصى رسول الله صلى الله عليه
وآله فلم تنفذ أمره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك ما قال. فمساويه
ومساوي صاحبه أكثر من أن تحصى أو تعد، ثم لم ينقصهم ذلك عند الجهال والعامة، وهما
أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم وأنفسهم، ويبغضون لهما ما لا يبغضون لرسول الله صلى
الله عليه وآله. (3)
(هامش)
= عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت فقال لها عمر: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله
صلى الله عليه وآله لا تنفعك شيئا فقالت له: هل رأيت لي قرطا يا بن اللخناء؟ ثم
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك فبكت. فخرج رسول الله صلى الله
عليه وآله فنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي
لا تنفع... وجاء مثله في مجمع الزوائد: ج 8ص 216.(1). أورد العلامة الأميني في
الغدير: ج 7
ص 216
عن أبي سعيد الخدري: أن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا
رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقال له رسول
الله صلى الله عليه وآله: إذهب إليه فاقتله. قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على
تلك الحالة كره أن يقتله، فجاء إلى رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر:
إذهب إليه فاقتله. قال: فذهب عمر فرآه على تلك الحالة التي رآه أبو بكر، فكره أن
يقتله. فرجع فقال: يا رسول الله، إني رأيته متخشعا فكرهت أن أقتله. فقال: يا علي،
إذهب فاقتله. فذهب علي عليه السلام فلم يره. فرجع فقال: يا رسول الله، إني لم أره.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: (إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم،
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في
فوقه، فاقتلوهم، هم شر البرية). وروي مثله في البحار: ج 8 طبع قديم
ص 229
و270. (2). أي رد عمر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وأطاع أبو بكر قول عمر. روى
ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج 3
ص 108
أن أبا هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إذهب فمن لقيته وراء هذا
الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة. فخرجت فكان أول من
لقيت عمر، فقال: ما هذا؟... فضرب عمر في صدري فخررت لأستي وقال: إرجع إلى رسول الله
فأجهشت بالبكاء راجعا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بالك؟ فأخبرته، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا عمر، فقال: ما حملك يا عمر على فعلت؟ (3). زاد
في إرشاد القلوب: ويتورعون ذكرهما بسوء ما لا يتورعون عن ذكر رسول الله صلى الله
عليه وآله. (*)
ص 235
إهانة عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله قال علي عليه السلام: ثم مررت بالصهاكي(1)
يوما فقال لي: (ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة) فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وآله فذكرت له ذلك. فغضب النبي صلى الله عليه وآله وخرج مغضبا فأتى المنبر،
وفزعت الأنصار فجاءت شاكة في السلاح لما رأت من غضب رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال: ما بال أقوام يعيرونني بقرابتي؟ وقد سمعوا مني ما قلت في فضلهم وتفضيل الله
إياهم وما اختصهم الله به من إذهاب الرجس عنهم وتطهير الله إياهم، وقد سمعتم ما قلت
في أفضل أهل بيتي وخيرهم مما خصه الله به وأكرمه وفضله من سبقه في الإسلام وبلاؤه
فيه وقرابته مني وأنه بمنزلة هارون من موسى، ثم تزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل
نخلة نبتت في كناسة؟ ألا إن الله خلق خلقه ففرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين.
ثم فرق الفرقة ثلاث فرق، شعوبا وقبائل وبيوتا وجعلني في خيرها شعبا وخيرها قبيلة.
ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرها بيتا، فذلك قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (2)، فحصلت (3) في أهل بيتي وعترتي وأنا وأخي علي بن أبي
طالب. ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم، ثم نظر نظرة فاختار أخي
عليا ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. فبعثني رسولا ونبيا ودليلا،
فأوحى إلي أن أتخذ عليا أخا ووليا ووصيا وخليفة في أمتي بعدي. ألا وإنه ولي كل مؤمن
بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله ومن أحبه أحبه الله ومن أبغضه
أبغضه الله. لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. رب الأرض
(هامش)
(1). المراد بالصهاكي عمر بن الخطاب باعتبار أمه الصهاك الحبشية. راجع الحديث 4 من
هذا الكتاب. (2). سورة الأحزاب: الآية 33. (3). أي فحصلت هذه الآية في هذه الأشخاص.
(*)
ص 236
بعدي وسكنها وهو كلمة الله التقوى وعروة الله الوثقى. أتريدون أن تطفؤوا نور الله
بأفواهكم؟ والله متم نوره ولو كره المشركون. ويريد أعداء الله أن يطفؤوا نور أخي،
ويأبى الله إلا أن يتم نوره. يا أيها الناس، ليبلغ مقالتي شاهدكم غائبكم. اللهم
اشهد عليهم. يا أيها الناس، إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيا
من أهل بيتي وهم خيار أمتي منهم أحد عشر إماما بعد أخي واحدا بعد واحد كلما هلك
واحد قام واحد منهم. مثلهم كمثل النجوم في السماء كلما غاب نجم طلع نجم لأنهم أئمة
هداة مهتدون، لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم بل يضر الله بذلك من كادهم
وخذلهم. فهم حجة الله في أرضه وشهداءه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى
الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي. أول
الأئمة أخي علي خيرهم، ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين، وأمهم
ابنتي فاطمة، صلوات الله عليهم. ثم من بعدهم(1) جعفر بن أبي طالب ابن عمي وأخو أخي،
وعمي حمزة بن عبد المطلب. ألا إني محمد بن عبد الله. أنا خير المرسلين والنبيين،
وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة، وعلي وبنوه الأوصياء خير الوصيين، وأهل بيتي خير
أهل بيوتات النبيين وابناي سيدا شباب أهل الجنة.
(هامش)
(1). أي ثم من بعدهم في الفضل. (*)
ص 237
أيها الناس، إن شفاعتي ليرجوها رجاءكم، أفيعجز عنها أهل بيتي؟ ما من أحد ولده جدي
عبد المطلب يلقى الله موحدا لا يشرك به شيئا إلا أدخله الجنة ولو كان فيه من الذنوب
عدد الحصى وزبد البحر. أيها الناس، عظموا أهل بيتي في حياتي ومن بعدي وأكرموهم
وفضلوهم، فإنه لا يحل لأحد أن يقوم من مجلسه لأحد إلا لأهل بيتي. إني لو أخذت بحلقة
باب الجنة ثم تجلى لي ربي تبارك وتعالى فسجدت وأذن لي بالشفاعة، لم أوثر على أهل
بيتي أحدا. أيها الناس، انسبوني من أنا؟ فقام إليه رجل من الأنصار فقال: نعوذ بالله
من غضب الله ومن غضب رسوله، أخبرنا - يا رسول الله - من الذي آذاك في أهل بيتك حتى
نضرب عنقه وليبر عترته. فقال: انسبوني، أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم
حتى انتسب إلى نزار، ثم مضى في نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله(1)، ثم قال:
إني وأهل بيتي بطينة طيبة من تحت العرش إلى آدم نكاح غير سفاح لم يخالطنا نكاح
الجاهلية. تحدي الرسول صلى الله عليه وآله لهم في أنسابهم وآخرتهم فسلوني، فوالله
لا يسألني رجل عن أبيه وعن أمه وعن نسبه إلا أخبرته به. فقام إليه رجل فقال: من
أبي؟ فقال صلى الله عليه وآله: أبوك فلان الذي تدعى إليه. فحمد الله
(هامش)
(1). روي في البحار: ج 15
ص 107
نسب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى آدم عليه السلام هكذا: محمد بن عبد الله بن
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن
فهر بن مالك بن النضر بن خزيمة بن مدركة بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد
بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت حمل بن قيذار بن
إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروغ بن هود بن أرفخشذ بن متوشلخ بن سام بن
نوح بن لمك بن إدريس بن مهلائيل بن زبارز بن قينان بن أنوش بن شيث وهو هبة الله بن
آدم. (*)
ص 238
وأثنى عليه وقال: لو نسبتني إلى غيره لرضيت وسلمت. ثم قام إليه رجل آخر فقال له: من
أبي؟ فقال: أبوك فلان - لغير أبيه الذي يدعى إليه - فارتد عن الإسلام. ثم قام إليه
رجل آخر فقال: أمن أهل الجنة أنا أم من أهل النار؟ فقال: من أهل الجنة. ثم قام رجل
آخر فقال: أمن أهل الجنة أنا أم من أهل النار؟ فقال: من أهل النار. اعتراض عمر
بإهانته لساحة رسول الله صلى الله عليه وآله القدسية ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وآله - وهو مغضب -: ما يمنع الذي عير أفضل أهل بيتي وأخي ووزيري ووارثي ووصيي
وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي أن يقوم فيسألني من أبوه وأين هو، أفي الجنة أم
في النار؟ فقام إليه عمر بن الخطاب فقال(1): أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله،
أعف عنا يا رسول الله عفا الله عنك، أقلنا أقالك الله، استرنا سترك الله، اصفح عنا
صلى الله عليك. فاستحى رسول الله صلى الله عليه وآله فكف. اعتراض عمر على رسول الله
صلى الله عليه وآله في زكاة أموال العباس قال علي عليه السلام: وهو صاحب العباس
الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله ساعيا فرجع وقال: إن العباس قد منع صدقة
ماله. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (الحمد لله الذي عافانا أهل البيت
من شر ما يلطخونا به. إن العباس لم يمنع صدقة ماله ولكنك عجلت عليه وقد عجل زكاة
سنين. ثم أتاني بعد ذلك يطلب أن أمشي معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله شافعا
ليرضى عنه، ففعلت. اعتراض عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة على
جنازة المنافق وهو صاحب عبد الله بن أبي سلول حين تقدم رسول الله صلى الله عليه
وآله ليصلي عليه فأخذ
(هامش)
(1). في الفضائل: فعند ذلك خشي الثاني على نفسه أن يذكره رسول الله صلى الله عليه
وآله ويفضحه بين الناس، فقام وقال: نعوذ بالله... (*)
ص 239
بثوبه من ورائه فمده إليه من خلفه وقال: (قد نهاك الله أن تصلي عليه ولا يحل لك أن
تصلي عليه) فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ويلك، قد آذيتني إنما صليت عليه
كرامة لابنه، وإني لأرجو أن يسلم به سبعون رجلا من بني أبيه وأهل بيته. وما يدريك
ما قلت، إنما دعوت الله عليه.(1) اعتراض عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله في
صلح الحديبية وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية (2) - حين كتب
القضية - إذ قال له: أنعطي
(هامش)
(1). روي في البحار: ج 8 طبع قديم
ص 200
أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع إلى المدينة مرض عبد الله بن أبي (وكان من
المنافقين) وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمنا. فجاء إلى النبي صلى الله عليه
وآله وأبوه يجود بنفسه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، إنك لم تأت أبي عائدا كان
ذلك عارا علينا. فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله والمنافقون عنده، فقال
ابنه عبد الله بن عبد الله: يا رسول الله، استغفر الله له. فاستغفر له. فقال عمر:
ألم ينهك الله - يا رسول الله - أن تصلي عليهم أو تستغفر لهم؟ فأعرض عنه رسول الله
صلى الله عليه وآله، وأعاد عليه، فقال له: ويلك، إني خيرت فاخترت. إن الله يقول:
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم . فلما
مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا
رسول الله، إن رأيت أن تحضر جنازته؟ فحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وقام على
قبره؟ فقال له عمر: يا رسول الله، ألم ينهك الله أن تصلي على أحد منهم مات أبدا وأن
تقوم على قبره؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ويلك وهل تدري ما قلت؟ إنما
قلت: اللهم احش قبره نارا وجوفه نارا وأصله النار . فبدا من رسول الله صلى الله
عليه وآله ما لم يكن يحب. (2). روي في البحار: ج 2
ص 334
عند ذكر كتاب الصلح الذي تصالح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسهيل بن عمرو من
جملة ما كتبوه أن سهيلا قال: (على أن لا يأتيك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا
رددته إلينا، ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك). فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد
إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من جاءهم منا
فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم، فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له
مخرجا)... فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، قد خرج من
أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: يا محمد، هذا أول ما أقاضيك
عليه أن ترده... قال أبو جندل بن سهيل: معاشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت
مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت. وكان قد عذب
عذابا شديدا. = (*)
ص 240
الدنية في ديننا؟ ثم جعل يطوف في عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله يشككهم ويحضضهم
ويقول: (أنعطي الدنية في ديننا)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (افرجوا عني،
أتريدون أن أغدر بذمتي؟ ولأفي لهم بما كتبت لهم، خذ يا سهيل بيد أبي جندل). فأخذه
فشده وثاقا في الحديد. ثم جعل الله عاقبة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
الخير والرشد والهدى والعزة والفضل. اعتراض عمر يوم غدير خم وهو صاحب يوم غدير خم
إذ قال هو وصاحبه - حين نصبني رسول الله صلى الله عليه وآله لولايتي - فقال: (ما
يألو أن يرفع خسيسته) وقال الآخر: (ما يألو رفعا بضبع ابن عمه) وقال لصاحبه - وأنا
منصوب -: (إن هذه لهي الكرامة). فقطب صاحبه في وجهه وقال: لا والله لا أسمع له ولا
أطيع أبدا ثم اتكأ عليه ثم تمطى وانصرفا، فأنزل الله فيه: (فلا صدق ولا صلى ولكن
كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى، أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى)(1)، وعيدا من
الله له وانتهارا. اعتراض عمر في مرض على عليه السلام واستهزاءه وهو الذي دخل علي
مع رسول الله صلى الله عليه وآله يعودني في رهط من أصحابه، حين غمزه صاحبه فقام
وقال: يا رسول الله، إنك قد كنت عهدت إلينا في علي عهدا وإني لأراه لما به فإن هلك
فإلى من؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إجلس، فأعادها ثلاث مرات، فأقبل
عليهما رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إيه، والله إنه لا يموت في مرضه هذا.
والله لا يموت حتى تملياه غيظا وتوسعاه غدرا وظلما، ثم تجداه صابرا قواما. ولا يموت
حتى يلقى منكما هنات وهنات، ولا يموت إلا شهيدا مقتولا.
(هامش)
= فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك
ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم
على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم.(1). سورة القيامة: الآيات 31 - 35. (*)
ص 241
* 3 * إتمام الحجة على أبي بكر وعمر وعثمان في خلافة علي عليه السلام وأعظم من ذلك
كله أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع ثمانين رجلا، أربعين من العرب وأربعين من
العجم - وهما فيهم - فسلموا علي بإمرة المؤمنين. ثم قال: (إني أشهدكم أن عليا أخي
ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي ووصيي في أهلي وولي كل مؤمن بعدي، فاسمعوا له
وأطيعوا)، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو
عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل ورهط من الأنصار. ثم قال: (إني أشهد الله عليكم).
الانتخاب أو الانتصاب أو الشورى ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال: سبحان
الله، مما أشربت قلوب هذه الأمة من بليتهما وفتنتهما، من عجلها وسامريها. إنهم
أقروا وادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وأنه أمر بالشورى
وقال من قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وإن نبي الله قال:
(إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت بين النبوة والخلافة)، وقد قال لأولئك
الثمانين رجلا: (سلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين) وأشهدهم على ما أشهدهم
عليه. والعجب أنهم أقروا ثم ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا
وأنهم أمروا بالشورى، ثم أقروا أنهم لم يشاوروا في أبي بكر وأن بيعته كانت فلتة.
وأي ذنب أعظم من الفلتة. ثم استخلف أبو بكر عمر ولم يقتد برسول الله صلى الله عليه
وآله فيدعهم بغير استخلاف فقيل له في ذلك، فقال: (أدع أمة محمد كالنعل الخلق، أدعهم
بغير أحد أستخلف عليهم)؟ طعنا منه على رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبة عن رأيه
ص 242
ثم صنع عمر شيئا ثالثا. لم يدعهم على ما ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم
يستخلف ولا استخلف كما استخلف أبو بكر، وجاء بشيء ثالث وجعلها شورى بين ستة نفر
وأخرج منها جميع العرب. ثم حظى بذلك عند العامة، فجعلهم مع ما أشربت قلوبهم من
الفتنة والضلالة أقراني ثم بايع ابن عوف عثمان فبايعوه، وقد سمعوا من رسول الله صلى
الله عليه وآله في عثمان ما قد سمعوا من لعنه إياه في غير موطن.(1) أبو بكر وعمر
أسوء حالا من عثمان فعثمان على ما كان عليه خير منهما. ولقد قال منذ أيام قولا رققت
له وأعجبتني مقالته. بينما أنا قاعد عنده في بيته إذ أتته عائشة وحفصة تطلبان
ميراثهما من ضياع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمواله التي بيده، فقال: (لا والله
ولا كرامة لكما ولا نعمت عنه ولكن أجيز شهادتكما على أنفسكما. فإنكما شهدتما عند
أبويكما أنكما سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (النبي لا يورث، ما
ترك فهو صدقة). ثم لقنتما أعرابيا جلفا يبول على عقبيه ويتطهر ببوله (مالك بن أوس
بن الحدثان) فشهد معكما، ولم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من
المهاجرين ولا من الأنصار أحد شهد بذلك غيركما وغير أعرابي. أما والله، ما أشك أنه
قد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وكذبتما عليه معه. ولكني أجيز شهادتكما
على أنفسكما فاذهبا فلا حق لكما. فانصرفتا من عنده تلعنانه وتشتمانه. فقال: ارجعا،
أليس قد شهدتما بذلك عند أبي بكر؟ قالتا: نعم. قال: فإن شهدتما بحق فلا حق لكما،
وإن كنتما شهدتما بباطل فعليكما وعلى من أجاز شهادتكما على أهل هذا البيت لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين. قال عليه السلام: ثم نظر إلي فتبسم ثم قال: يا أبا الحسن،
أشفيتك منهما؟ قلت: نعم، والله
(هامش)
(1). راجع عن لعن عثمان: الحديث 4 من هذا الكتاب. (*)
|