ص 243
وأبلغت وقلت حقا، فلا يرغم الله إلا آنافهما. فرققت لعثمان وعلمت أنه إنما أراد
بذلك رضاي وأنه أقرب منهما رحما وأكف عنا منهما، ح وإن كان لا عذر له ولا حجة
بتأميره علينا وادعائه حقنا.
ص 244
(15) من احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام حول أبي بكر وعمر وعثمان

وصف رجال
الحرب أبان عن سليم، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول قبل وقعة صفين: إن
هؤلاء القوم لن ينيبوا إلى الحق ولا إلى كلمة سواء بيننا وبينهم حتى يرموا بالعساكر
تتبعها العساكر، وحتى يردفوا بالكتائب تتبعها الكتائب، وحتى يجر ببلادهم الخميس
تتبعها الخميس، وحتى تشن الغارات عليهم من كل فج عميق، وحتى يلقاهم قوم صدق صبر لا
يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله. الصحبة
الصادقون مع رسول الله صلى الله عليه وآله والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله
عليه وآله نقتل آبائنا وأبنائنا وأخوالنا وأعمامنا وأهل بيوتاتنا، ثم لا يزيدنا ذلك
إلا إيمانا وتسليما وجدا في طاعة الله واستقلالا بمبارزة الأقران. وإن كان الرجل
منا والرجل من عدونا ليتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه
كأس الموت. فمرة لنا من عدونا ومره لعدونا منا. فلما رآنا الله صدقا وصبرا أنزل
الكتاب بحسن الثناء علينا والرضا عنا وأنزل علينا النصر.
فرار أبي بكر وعمر في
الحروب وسوء أدبهما عند الصلح
ولست أقول: إن كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه
وآله كذلك، ولكن أعظمهم وجلهم وعامتهم كانوا كذلك. ولقد كانت معنا بطانة لا تألونا
خبالا. قال الله عز وجل: (قد بدت
ص 245
البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر (1). ولقد كان منهم بعض من تفضله أنت
وأصحابك - يا ابن قيس - فارين، فلا رمى بسهم ولا ضرب بسيف ولا طعن برمح (2). إذا
كان الموت والنزال لاذ وتوارى واعتل، ولاذ كما تلوذ النعجة العوراء لا تدفع يد
لامس، وإذا لقي العدو فر ومنح العدو دبره جبنا ولؤما (3)، وإذا كان عند الرخاء
والغنيمة تكلم، كما قال الله: سلقوكم بألسنة حداد
(هامش)
(1) سورة آل عمران: الآية 118. وقوله لا تألونا خبالا أي لا تقصرون في فساد
الأمور. (2) روي في البحار: ج 29
ص 564
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام الذي قال فيه: يا معشر المجاهدين المهاجرين
والأنصار أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة؟ إلا كانت يوم
الأبواء إذ تكاثفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف؟ أم هلا خشيا فتنة
الإسلام يوم ابن عبد ود وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه؟ ولم لم يشفقا على
الدين وأهله يوم بواط إذ اسود لون الأفق، واعوج عظم العنق، وانحل سيل الغرق؟ ولم لم
يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير، والمنايا تسير، والأسد تزأر؟ وهلا بادرا يوم
العشيرة إذ الأسنان تصطك، والأذان تستك، والدروع تهتك؟ وهلا كانت مبادرتهما يوم
بدر، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد بالصناديد ترتدي، والأرض من دماء
الأبطال ترتوي؟ ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية، والرعابيب ترعب، والأوداج
تشخب، والصدور تخضب؟ أم هلا بادرا يوم ذات الليوث، وقد أبيح المتولب، واصطلم الشقب،
وادلهم الكوكب؟ ولم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الكدر، والعيون تدمع، والمنية
تلمع، والصفائح تنزع. ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه وآله كلها على هذا النسق،
وقرعهما بأنهما في هذه المواقف كلها كانا من النظارة والخوالف والقاعدين، فكيف
بادرا الفتنة بزعمهما يوم السقيفة وقد توطأ الإسلام بسيفه، واستقر قراره، وزال
حذاره. (3) روي في البحار: ج 20ص 228: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عمر بن
الخطاب في يوم الخندق أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر
سهما. فقال ضرار: ويلك يا بن صهاك، أرمي في مبارزة؟ والله لئن رميتني لا تركت عدويا
بمكة إلا قتلته. فانهزم عنه عمر ومر نحوه ضرار وضرب بالقناة على رأسه، ثم قال:
احفظها يا عمر، فإني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه. فكان عمر يحفظ له ذلك بعد
ما ولي، وولاه وروي في البحار: ج 21
ص 11
ح 7 عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سعد بن معاذ
براية الأنصار إلى خيبر فرجع منهزما. ثم بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين فأتي
بسعد جريحا، وجاء عمر يجبن أصحابه ويجبنونه. (*)
ص 246
أشحة على الخير).(1) فلا يزال قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله في ضرب عنق
الرجل الذي ليس يريد رسول الله صلى الله عليه وآله قتله، فأبى عليه. (2) ولقد نظر
رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وعليه السلاح تام،
(هامش)
(1). سورة الأحزاب: الآية 19. (2). روي في البحار: ج 19
ص 271
عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لما كان يوم بدر وأسرت الأسارى قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: ما ترون في هؤلاء القوم؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، هم
الذين كذبوك وأخرجوك فاقتلهم وروي في البحار: ج 21
ص 94
و121، وصحيح البخاري: ج 5ص 9، وج 8ص 54، والكشاف للزمخشري: ج 4ص 511، وتاريخ
اليعقوبي: ج 2ص 58: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتجهز لفتح مكة، فأتى حاطب
بن أبي بلتعة إلى سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام وهي تريد مكة، فكتب معها
كتابا إلى أهل مكة... وكتب في الكتاب: (من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول
الله يريدكم فخذوا حذركم). فخرجت سارة. ونزل جبرئيل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله
بما فعل. فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام... فرجعوا بالكتاب
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب؟
قال: نعم. قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت
ولا غششتك منذ صحبتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله
بمكة من يمنع عشيرته وكنت عزيزا فيهم - أي غريبا - وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت
على أهلي فأردت أ ن أتخذ عندهم يدا. وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا
يغني عنهم شيئا. فصدقه رسول الله صلى الله عليه وآله وعذره. فقام عمر بن الخطاب
وقال: دعني - يا رسول الله - أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: (وما يدريك يا عمر، لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم، فقال لهم: اعملوا ما
شئتم فقد غفرت لكم). وروي في البحار: ج 21
ص 103
عند ذكر فتح مكة أنه لما أجار العباس أبا سفيان وأتى به إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله دخل عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه
بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه وروي في البحار: ج 19
ص 241
و271 و277 و281، ج 21
ص 158
و173، ودلائل النبوة للبيهقي: ج 3ص 140: أن ابن الأكوع كان عينا على النبي صلى الله
عليه وآله أيام الفتح وأسر يوم حنين. فمر به عمر بن الخطاب، فلما رآه أقبل على رجل
من الأنصار وقال: هذا عدو الله الذي كان علينا عينا، ها هو أسير فاقتله. فضرب
الأنصاري عنقه، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فكره ذلك وقال: ألم آمركم أن لا
تقتلوا أسيرا؟ وقتل بعده جميل بن معمر بن زهير وهو أسير، فبعث رسول الله صلى الله
عليه وآله إلى الأنصار وهو مغضب فقال: ما حملكم على قتله = (*)
ص 247
فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال - يكنيه -: (أبا فلان، اليوم يومك) فقال
الأشعث: ما أعلمني بمن تعني إن ذلك يفر منه الشيطان(1) قال عليه السلام: يا بن قيس،
لا آمن الله روعة الشيطان إذ قال إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن عاقبة أمر
أصحابه ثم قال: ولو كنا - حين كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وتصيبنا الشدائد
والأذى والبأس - فعلنا كما تفعلون اليوم لما قام لله دين ولا أعز الله الإسلام.
وأيم الله لتحتلبنها دما وندما وحسرة، فاحفظوا ما أقول لكم واذكروه. فليسلطن عليكم
شراركم والأدعياء منكم والطلقاء والطرداء والمنافقون، فليقتلنكم ثم لتدعن الله فلا
يستجيب لكم ولا يرفع البلاء عنكم حتى تتوبوا وترجعوا فإن تتوبوا وترجعوا يستنقذكم
الله من فتنتهم وضلالتهم كما استنقذكم من شركم وجهالتكم. التعجب من استخلاف أبي بكر
وعمر وعثمان على الأمة ألا إن العجب كل العجب من جهال هذه الأمة وضلالها وقادتها
وساقتها إلى النار لأنهم قد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عودا وبدءا:
(ما ولت أمة رجلا قط أمرها وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا
إلى ما تركوا)، فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن ولا يدعي أن له
علما بكتاب الله ولا سنة نبيه. وقد علموا يقينا أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه
وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله،
(هامش)
= وقد جاءكم الرسول أن لا تقتلوا أسيرا؟ فقالوا: إنما قتلناه بقول عمر. فأعرض رسول
الله صلى الله عليه وآله حتى كلمه عمير بن وهب في الصفح عن ذلك. وروي في صحيح
البخاري: ج 8ص 52: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم جاء عبد الله التميمي من
ذي الخويصرة فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن
الخطاب: دعني أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله: دعه.(1). يريد بذلك عمر، وقد
اختلقوا له حديثا: (إن الشيطان يفر منه). راجع الغدير: ج 5
ص 311
وج 8
ص 64
و94. وراجع الحديث 10 من هذا الكتاب. (*)
ص 248
وأقضاهم بحكم الله. وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلى الله عليه
وآله ولا عناء معه في جميع مشاهده، فلا رمى بسهم ولا طعن برمح ولا ضرب بسيف جبنا
ولؤما ورغبة في البقاء. وقد علموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قاتل بنفسه فقتل
أبي بن خلف وقتل مسجع بن عوف.(1) وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء وأحقهم بذلك. (2)
وقد علموا يقينا أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح
الحصون غيري، ولا نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله شديدة قط ولا كربة أمر ولا
ضيق ومستصعب من الأمر إلا قال: (أين أخي علي، أين سيفي، أين رمحي، أين المفرج غمي
عن وجهي)، فيقدمني، فأتقدم فأفديه بنفسي ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه. ولله عز
وجل ولرسوله بذلك المن والطول حيث خصني بذلك ووفقني له. لم يكن لأبي بكر وعمر أي
سابقة في الدين وإن بعض من سميت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن ولا فتح
ولا نصر غير مرة واحدة، ثم فر ومنح عدوه دبره ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه وقد فر
مرارا (3)
(هامش)
(1). روي في البحار: ج 18
ص 68
و69 و74 و95: أن أبي بن خلف قال للنبي صلى الله عليه وآله بمكة: إني أعلف العوراء -
يعني فرسا له - أقتلك عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لكن أنا إن شاء
الله. فلقي يوم أحد، فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وآله الحربة من الحارث
بن الصمة، فمشى إليه فطعن وانصرف. فرجع إلى قريش وهو يقول: قتلني محمد. قالوا: ما
بك بأس قال: إنه قال لي بمكة: (إني أقتلك) ولو بصق علي لقتلني. فمات بشرف. وقصة
مسجع لم أعثر عليه. (2). في البحار: ج 16ص 117: ومن أسمائه صلى الله عليه وآله
(القتال)، (سيفه على عاتقه)، سمي بذلك لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القراع ودؤوبه
في ذات الله وعدم إحجامه. ولذلك قال علي عليه السلام: (كنا إذا احمر البأس اتقيناه
برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن أحد أقرب إلى العدو منه). وذلك مشهور من
فعله يوم أحد إذ ذهب القوم في سمع الأرض وبصرها، ويوم حنين إذ ولوا مدبرين. (3).
روي في البحار: ج 20
ص 107
ح 24: أنه لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وآله انصرف إليهم بوجهه
وهو يقول: (أنا محمد...). فالتفت إليه أبو بكر وعمر فقالا: الآن يسخر بنا أيضا وقد
هزمنا وأورد في البحار: ج 21
ص 70
انهزامهما في غزوة ذات السلاسل. (*)
ص 249
فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وتغير وأمر ونهى. ولقد نادى ابن عبد ود - يوم
الخندق - باسمه، فحاد عنه ولاذ بأصحابه(1) حتى تبسم رسول الله صلى الله عليه وآله
مما رآى به من الرعب وقال صلى الله عليه وآله: (أين حبيبي علي؟ تقدم يا حبيبي يا
علي). عبادتهما الأصنام بعد الإسلام وهو القائل يوم الخندق لأصحابه الأربعة - أصحاب
الكتاب والرأي -: (والله إن ندفع محمدا إليهم برمته نسلم من ذلك، حين جاء العدو من
فوقنا ومن تحتنا) كما قال الله تعالى: (وزلزلوا زلزالا شديدا)، (وظنوا بالله
الظنونا)، (وقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا).
(2) فقال له صاحبه: (لا، ولكن نتخذ صنما عظيما نعبده لأنا لا نأمن أن يظفر ابن أبي
كبشة فيكون هلاكنا ولكن يكون هذا الصنم لنا ذخرا فإن ظفرت قريش أظهرنا عبادة هذا
الصنم (3) وأعلمناهم أنا لن نفارق ديننا، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنا مقيمين
على عباد ة هذا الصنم سرا). فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه
وآله بذلك، ثم خبر به رسول الله صلى الله عليه وآله بعد قتلي ابن عبد ود. فدعاهما
فقال: (كم صنم عبدتما في الجاهلية)؟ فقالا: يا محمد، لا تعيرنا بما مضى في
الجاهلية. فقال صلى الله عليه وآله لهما: (فكم صنم تعبدان يومكما هذا)؟ فقالا:
والذي بعثك بالحق نبيا ما نعبد إلا الله منذ أظهرنا من دينك ما أظهرنا.
(هامش)
(1). روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط)ص 336: إن عمرو بن عبد ود رآى بيد عمر بن
الخطاب (يوم الخندق) قوسا فقال: يا بن صهاك، واللات لئن نقل عن يدك سهم لأقطعنها
فتناثر النبل من يده ورجع القهقرى. (2). سورة الأحزاب: الآيات 10 و11 و12، وفي
المصحف هكذا: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب
الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. وإذ
يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). (3). قد
أورد قصة عبادتهما للصنم المرندي في (مجمع النورين):
ص 229
عن كتاب المحتضر. (*)
ص 250
فقال: يا علي، خذ هذا السيف، فانطلق إلى موضع كذا وكذا فاستخرج الصنم الذي يعبدانه
فاهشمه. فإن حال بينك وبينه أحد فاضرب عنقه. فانكبا على رسول الله صلى الله عليه
وآله فقالا: استرنا سترك الله. فقلت أنا لهما: (اضمنا لله ولرسوله أن لا تعبدا إلا
الله ولا تشركا به شيئا). فعاهدا رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك. وانطلقت
حتى استخرجت الصنم من موضعه وكسرت وجهه ويديه وجذمت رجليه، ثم انصرفت إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله. فوالله لقد عرفت ذلك في وجههما علي حتى ماتا مخاصمة أبي بكر
وعمر للأنصار بحجة علي عليه السلام ثم انطلق هو وأصحابه - حين قبض رسول الله صلى
الله عليه وآله - فخاصموا الأنصار بحقي. فإن كانوا صدقوا واحتجوا بحق (أنهم أولى من
الأنصار لأنهم من قريش ورسول الله صلى الله عليه وآله من قريش)، فمن كان أولى برسول
الله صلى الله عليه وآله كان أولى بالأمر، وإنما ظلموني حقي، وإن كانوا احتجوا
بباطل فقد ظلموا الأنصار حقهم، والله يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقنا وحمل الناس على
رقابنا. ابتلاء الأمة بحب مضليها وقصورها عن لعنهم والعجب لما قد أشربت قلوب هذه
الأمة من حبهم وحب من صدهم عن سبيل ربهم وردهم عن دينهم والله، لو أن هذه الأمة
قامت على أرجلها على التراب ووضعت الرماد على رؤوسها وتضرعت إلى الله ودعت إلى يوم
القيامة على من أضلهم وصدهم عن سبيل الله ودعاهم إلى النار وعرضهم لسخط ربهم وأوجب
عليهم عذابه - بما أجرموا إليهم - لكانوا مقصرين في ذلك. ما منع أمير المؤمنين عليه
السلام عن إعلان الحقائق وذلك أن المحق الصادق والعالم بالله ورسوله يتخوف إن غير
شيئا من بدعهم
ص 251
وسننهم وأحداثهم، وعادته العامة، ومتى فعل شاقوه وخالفوه وتبرؤا منه وخذلوه وتفرقوا
عن حقه، وإن أخذ ببدعهم وأقر بها وزينها ودان بها أحبته وشرفته وفضلته. والله لو
ناديت في عسكري هذا بالحق الذي أنزل الله على نبيه وأظهرته ودعوت إليه وشرحته
وفسرته - على ما سمعت من نبي الله صلى الله عليه وآله فيه - ما بقي فيه إلا أقله
وأذله وأرذله ولاستوحشوا منه ولتفرقوا عني. ولولا ما عاهد رسول الله صلى الله عليه
وآله إلي وسمعته منه وتقدم إلي فيه لفعلت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله قد
قال: (يا أخي، كل ما اضطر إليه العبد فقد أحله الله له وأباحه إياه)، وسمعته يقول:
(إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له). ثم أقبل عليه السلام علي فقال:
أدفعهم بالراح دفعا عني * ثلثان من حي وثلث مني فإن عوضني ربي فأعذرني ابتلاء أمير
المؤمنين عليه السلام بأخابث الناس وقال علي عليه السلام للحكمين - حين بعثهما -:
(أحكما بكتاب الله وسنة نبيه وإن كان فيهما حز حلقي، فإنه من قادها إلى هؤلاء فإن
نيتهم أخبثت). فقال له رجل من الأنصار: ما هذا الانتشار الذي بلغني عنك؟ ما كان أحد
من الأمة أضبط للأمر منك، فما هذا الاختلاف والانتشار؟ فقال علي بن أبي طالب عليه
السلام: أنا صاحبك الذي تعرف، إلا أني قد بليت بأخابث من خلق الله، أريدهم على
الأمر فيأبون، فإن تابعتهم على ما يريدون تفرقوا عني
ص 252
(16) نبوءات نبي الله عيسى عليه السلام عن الرسول والأئمة عليهم السلام

والأئمة
المضلين أبان عن سليم: قال: أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام، فنزل
العسكر قريبا من دير نصراني. فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن
الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده، حتى أتى أمير المؤمنين عليه السلام فسلم عليه
بالخلافة. فقال له علي عليه السلام: مرحبا يا أخي شمعون بن حمون، كيف حالك رحمك
الله؟ فقال: بخير يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووصي رسول رب العالمين. إني من
نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلام، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي
عيسى بن مريم. وكان من أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلام الاثني عشر وأحبهم إليه
وآثرهم عنده وإليه أوصى عيسى بن مريم عليه السلام وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم
يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا. النبي
والأئمة الاثني عشر عليهم السلام في كتب عيسى عليه السلام وتلك الكتب عندي إملاء
عيسى بن مريم وخط أبينا بيده، وفيها كل شيء يفعل الناس من بعده ملك ملك، وكم يملك
وما يكون في زمان كل ملك منهم، حتى يبعث الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن
إبراهيم خليل الرحمن من أرض تدعى (تهامة) من قرية يقال لها (مكة)، يقال له (أحمد)،
الأنجل العينين، المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج - يعني
العمامة - له اثنا عشر اسما.
ص 253
ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى
أمته من بعده من الفرقة والاختلاف. وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل
الله عيسى بن مريم من السماء. فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلا(1) من ولد إسماعيل بن
إبراهيم خليل الله، هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله. وإن الله ولي من
والاهم وعدو من عاداهم. من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل. طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم
لله معصية. مكتوبة فيه أسمائهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم واحدا بعد
واحد، وكم رجل منهم يستسر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له
الناس حتى ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام على آخرهم. فيصلي عيسى خلفه ويقول:
(إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم)، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه في الصف
الأول. أولهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم. نص ما
في كتب عيسى عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد رسول الله واسمه محمد وياسين
وطه ون والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي، وهو نبي الله وخليل الله وحبيب
الله وصفيه وأمينه وخيرته. يرى تقلبه في الساجدين - يعني في أصلاب النبيين - ويكلمه
برحمته فيذكر إذا ذكر. وهو أكرم خلق الله على الله وأحبهم إلى الله، لم يخلق الله
خلقا - ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، من آدم فمن سواه - خيرا عند الله ولا أحب إلى
الله منه، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفعه في كل من شفع فيه. وباسمه جرى
القلم في اللوح المحفوظ في أم الكتاب وبذكره، محمد رسول الله. ثم أخوه صاحب اللواء
يوم القيامة يوم الحشر الأكبر، وأخوه ووصيه ووزيره،
(هامش)
(1). هم النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام. (*)
ص 254
وخليفته في أمته، وأحب خلق الله إلى الله بعده علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن بعده.
ثم أحد عشر إماما من ولد أول الاثني عشر، اثنان سميا ابني هارون شبر وشبير وتسعة من
ولد أصغرهما وهو الحسين، واحدا بعد واحد، آخرهم الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه).(1)
فيه تسمية كل من يملك منهم ومن يستسر بدينه ومن يظهر. فأول من يظهر منهم يملأ جميع
بلاد الله قسطا وعدلا، ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان
كلها. فلما بعث النبي - وأبي حي - صدق به وآمن به وشهد أنه رسول الله، وكان شيخا
كبيرا ولم يكن به شخوص. فمات أبي وقال لي: (إن وصي محمد وخليفته - الذي اسمه في هذا
الكتاب ونعته - سيمر بك إذا مضى ثلاثة أئمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار
المسمين بأسمائهم وقبائلهم فلان وفلان وفلان ونعتهم وكم يملك كل واحد منهم، فإذا مر
بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه فإن الجهاد معه كالجهاد مع محمد، والموالي له
كالموالي لمحمد والمعادي له كالمعادي لمحمد). الأخبار عن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر
الغاصبين في كتب عيسى عليه السلام وفي هذا الكتاب - يا أمير المؤمنين - إن اثني عشر
إماما من قريش من قومه يعادون أهل بيته ويمنعونهم حقهم ويقتلونهم ويطردونهم
ويحرمونهم ويتبرؤون منهم ويخيفونهم، مسمون واحدا بعد واحد بأسمائهم ونعوتهم، وكم
يملك كل رجل منهم وما يملك، وما يلقى منهم ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف
والبلاء. وكيف يديلكم الله منهم ومن أوليائهم وأنصارهم وما يلقون من الذل والحرب
والبلاء والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت.
(هامش)
(1). هنا آخر النص الذي ينقله من كتاب الراهب. (*)
ص 255
الراهب يبايع أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك
أبايعك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أنك خليفة
رسول الله في أمته ووصيه وشاهده على خلقه وحجته في أرضه، وإن الإسلام دين الله وإني
أبرء من كل دين خالف دين الإسلام، فإنه دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه،
وإنه دين عيسى بن مريم ومن كان قبله من أنبياء الله ورسله، وهو الذي دان به من مضى
من آبائي. وإني أتولاك وأتولى أوليائك، وأبرء من عدوك وأتولى الأحد عشر الأئمة من
ولدك وأبرء من عدوهم وممن خالفهم وبرء منهم وادعى حقهم وظلمهم من الأولين والآخرين.
ثم تناول يده وبايعه. ثم قال له أمير المؤمنين عليه السلام: ناولني كتابك، فناوله
إياه. فقال علي عليه السلام لرجل من أصحابه: قم مع هذا الرجل فانظر ترجمانا يفهم
كلامه، فلينسخه لك بالعربية مفسرا. فأتاه مكتوبا بالعربية. فلما أتاه به قال لابنه
الحسن عليه السلام: يا بني، ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك. فأتاه به، فقال: أنت يا
بني اقرأه، وانظر أنت يا فلان - الذي تستجهل - في نسخة هذا الكتاب، فإنه خطي بيدي
وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله علي. فقرأه فما خالف حرفا واحدا ليس فيه تقديم
ولا تأخير، كأنه إملاء رجل واحد على رجلين فحمد الله أمير المؤمنين عليه السلام
وأثنى عليه وقال: (الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الأمة ولم تفترق، والحمد لله
الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمل ذكري عنده وعند أوليائه إذ صغر وخمل ذكر
أولياء الشيطان وحزبه). ففرح بذلك من حضر عند أمير المؤمنين عليه السلام من شيعته
وشكر، وساء ذلك كثيرا ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.
ص 256
(17) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام محذرا من الفتن

أبان عن سليم بن قيس قال: صعد
أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، أنا
الذي فقأت(1) عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري. وأيم الله لو لم أكن فيكم لما
قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان. وأيم الله لولا أن تتكلموا وتدعوا
العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مستبصرا
في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه. ثم قال عليه السلام: سلوني عما شئتم قبل أن
تفقدوني، فوالله إني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض. أنا يعسوب المؤمنين وأول
السابقين وإمام المتقين وخاتم الوصيين ووارث النبيين وخليفة رب العالمين. أنا ديان
الناس يوم القيامة وقسيم الله بين أهل الجنة والنار، وأنا الصديق الأكبر والفاروق
الذي أفرق بين الحق والباطل، وإن عندي علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، وما من
آية نزلت إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت. أيها الناس، إنه وشيك أن
تفقدوني، إني مفارقكم وإني ميت أو مقتول. ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها؟ يعني
لحيته من دم رأسه. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألوني من فئة تبلغ ثلاثمائة
فما فوقها فيما
(هامش)
(1). أي قلعت. (*)
ص 257
بينكم وبين قيام الساعة إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها(1)، وبخراب العرصات
متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة. فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين،
أخبرنا عن البلايا. فقال عليه السلام: إذا سأل سائل فليعقل وإذا سئل مسئول فليلبث.
إن من ورائكم أمورا ملتجة مجلجلة (2) وبلاء مكلحا مبلحا. (3) والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة، لو قد فقدتموني ونزلت عزائم الأمور وحقائق البلاء لقد أطرق كثير من
السائلين واشتغل كثير من المسؤولين. وذلك إذا ظهرت حربكم ونصلت عن ناب وقامت عن ساق
وصارت الدنيا بلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية الأبرار. فقام رجل فقال: يا أمير
المؤمنين، حدثنا عن الفتن. فقال عليه السلام: إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت
أسفرت. وإن الفتن لها موج كموج البحر وإعصار كإعصار الريح، تصيب بلدا وتخطئ الآخر.
فانظروا أقواما كانوا أصحاب الرايات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتؤجروا وتعذروا. فتنة
بني أمية أخوف الفتن ألا إن أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بني أمية. إنها فتنة
عمياء صماء مطبقة مظلمة، عمت فتنتها وخصت بليتها. أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ
البلاء من عمي عنها. أهل باطلها ظاهرون على أهل حقها، يملؤون الأرض بدعا وظلما
وجورا. وأول من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاصم
الجبارين.
(هامش)
(1). تشبيه بالراعي إذا نعق بغنمه أي صاح بها وزجرها. (2). أي مضطربة مرددة. (3).
أي مفزعة معجزة. (*)
ص 258
ألا إنكم ستجدون بني أمية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها
وتضرب برجليها وتمنع درها. وأيم الله، لا تزال فتنتهم حتى لا تكون نصرة أحدكم لنفسه
إلا كنصرة العبد السوء لسيده، إذا غاب سبه وإذا حضر أطاعه. وأيم الله لو شردوكم تحت
كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم. فتن ما بعد بني أمية فقال الرجل: فهل من جماعة -
يا أمير المؤمنين - بعد ذلك؟ قال عليه السلام: إنها ستكونون جماعة شتى، عطاؤكم
وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة. قال: قال واحد: كيف تختلف القلوب؟ قال عليه
السلام: هكذا - وشبك بين أصابعه - ثم قال: يقتل هذا هذا وهذا هذا، هرجا هرجا ويبقى
طغام جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى. نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها
بدعاة. قال: فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: انظروا أهل
بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن
يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم
الأعداء. يفرج الله عن الفتن بالإمام المهدي عليه السلام قال: فما يكون بعد ذلك يا
أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من
بيته. ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم
إلا السيف، هرجا هرجا، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى تود قريش بالدنيا وما
فيها أن يروني مقاما واحدا فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما
يرد عليهم حتى يقولوا: (ما هذا من قريش، لو
ص 259
كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا) يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه
ويطحنهم طحن الرحى. (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين
خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا).(1) أهل البيت عليهم السلام هم الملجأ في
الفتن أما بعد، فإنه لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها. ألا وإن
لطحنها روقا وإن روقها حدها وعلى الله فلها. ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي
أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا. معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق ومن خذلها
محق ومن لزمها لحق. إنا أهل بيت من علم الله علمنا، ومن حكم الله الصادق قيلنا، ومن
قول الصادق سمعنا. فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا
أو بما شاء. نحن أفق الإسلام، بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب. والله لولا أن
تستعجلوا ويتأخر الحق لنبأتكم بما يكون في شباب العرب والموالي، فلا تسألوا أهل بيت
محمد العلم قبل إبانه، ولا تسألوهم المال على العسر فتبخلوهم، فإنه ليس منهم البخل.
وكونوا أحلاس البيوت، ولا تكونوا عجلا بذرا. كونوا من أهل الحق تعرفوا به وتتعارفوا
عليه، فإن الله خلق الخلق بقدرته وجعل بينهم الفضائل بعلمه وجعل منهم عبادا اختارهم
لنفسه ليحتج بهم على خلقه. فجعل علامة من أكرم منهم طاعته وعلامة من أهان منهم
معصيته. وجعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن والخلد الذي لا يورع
أهله، وجعل عقوبة أهل معصيته نارا تأجج لغضبه، (وما ظلمهم
(هامش)
(1). سورة الأحزاب: الآية 62. وفي المتن: وأخذوا. (*)
ص 260
الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).(1) يا أيها الناس، إنا أهل بيت بنا ميز الله
الكذب، وبنا يفرج الله الزمان الكلب وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم وبنا يفتح
الله وبنا يختم الله. فاعتبروا بنا وبعدونا وبهدانا وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم
وميتتنا وميتتهم، يموتون بالدال والقرح والدبيلة، ونموت بالبطن والقتل والشهادة.
بلاء آل محمد عليهم السلام في الفتن ثم التفت عليه السلام إلى بنيه فقال: يا بني،
ليبر صغاركم كباركم، وليرحم كبار كم صغاركم، ولا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة
الجهال الذين لا يعطون في الله اليقين، كبيض بيض في داح. (2) ألا ويح للفراخ فراخ
آل محمد من خليفة يستخلف، جبار (3) عتريف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف بعدي. أما
والله، لقد علمت تبليغ الرسالات وتنجيز العدات وتمام الكلمات وفتحت لي الأسباب
وعلمت الأنساب وأجري لي السحاب، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شيئ فات ولم يفتني
ما سبقني ولم يشركني أحد فيما أشهدني ربي يوم يقوم الأشهاد. وبي يتم الله موعده
ويكمل كلماته، وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الإسلام الذي ارتضاه
لنفسه، كل ذلك من من الله به علي وأذل به منكبي. وليس إمام إلا وهو عارف بأهل
ولايته، وذلك قول الله عز وجل: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد). (4) ثم نزل، صلى الله
عليه وآله الطاهرين الأخيار وسلم تسليما كثيرا.
(هامش)
(1). سورة النحل: الآية 33. (2). الداح نقش يلوح به للصبيان يعللون به. (3).
العتريف بمعنى الخبيث الفاجر. وفي (د): الغطريف، بمعنى المتكبر. (4). سورة الرعد:
الآية 7. (*)
ص 261
(18)* 1 * تأثير الميل إلى الدنيا في علم الإنسان ودينه

قال سليم بن قيس: سمعت أبا
الحسن عليه السلام يحدثني ويقول: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: منهومان لا
يشبعان: منهوم في الدنيا لا يشبع منها، ومنهوم في العلم لا يشبع منه. فمن اقتصر من
الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب ويراجع.
ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا، ومن أراد به الدنيا هلك وهو حظه. والعلماء
عالمان: عالم عمل بعلمه فهو ناج، وعالم تارك لعلمه فهو هالك. إن أهل النار ليتأذون
من نتن ريح العالم التارك لعلمه. وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى
الله فاستجاب له، فأطاع الله فدخل الجنة وعصى الله الداعي فأدخل النار بتركه علمه
واتباعه هواه وعصيانه لله. إنما هما اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع
الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة. إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن
الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم ولا
تكونوا من أبناء الدنيا، فإنما اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
ص 262
كيف تبدأ الفتن وإنما ابتداء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها
حكم الله، يتولى فيها رجال رجالا ويتبرء رجال من رجال. ألا إن الحق لو خلص لم يكن
فيه اختلاف وإن الباطل لو خلص لم يخف على ذي حجى، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث
فيمزجان فيحسبان معا، فهنالك استولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم منا
الحسنى. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو
فيها الوليد ويزيد(1) فيها الكبير، يجري الناس عليها فيتخذونها سنة، فإذا غير منها
شيئ قيل: (إن الناس قد أتوا منكرا) ثم يشتد البلاء وتسبى الذرية وتدقهم الفتن كما
تدق النار الحطب وكما تدق الرحى بثفالها (2)، يتفقه الناس لغير الدين ويتعلمون لغير
العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة. * 2 * كلام أمير المؤمنين عليه السلام عن بدع
أبي بكر وعمر وعثمان ثم أقبل عليه السلام بوجهه على ناس من أهل بيته وشيعته فقال:
والله لقد عملت الأئمة قبلي بأمور عظيمة خالفت فيها رسول الله صلى الله عليه وآله
متعمدين، لو حملت الناس على تركها وتحويلها عن موضعها إلى ما كانت تجري عليه على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي، حتى لا يبقى في عسكري غيري وقليل
من شيعتي الذين إنما عرفوا فضلي وإمامتي من
(هامش)
(1). أي ينمو. (2). الثفال: حجر الرحى الأسفل. (*)
ص 263
كتاب الله وسنة نبيه لا من غيرهما أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته
إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة
عليها السلام، ورددت صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده إلى ما كان، وأمضيت
قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله لأهلها ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى
ورثته وهدمتها من المسجد(1)، ورددت قضايا من قضى من كان قبلي بجور، ورددت ما قسم من
أرض خيبر (2)، ومحوت ديوان الأعطية (3) وأعطيت كما كان يعطي رسول الله (ص). (صلى
الله عليه وآله
(هامش)
(1). راجع الحديث 14 من هذا الكتاب. وقوله (رددت قضايا من قضى...)، القضى والقضاء
بمعنى واحد. (2) روى ابن شبة في تاريخ المدينة المنورة: ج 1
ص 185
وأحمد في مسنده: ج 6ص 330: أنه لما أخرج عمر اليهود من خيبر ركب في المهاجرين
والأنصار وخرج معه جبار بن صخر بن خنساء - وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد
بن ثابت، فهما قسما خيبر بين أهلها على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها. فكانت
مما قسم عمر من وادي القرى لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن أبي سلمة وعامر بن
ربيعة وعمرو بن سراقة والأشيم وبني جعفر ولابن عبد الله بن حجش وعبد الله بن الأرقم
وغيرهم، لكل إنسان حظر، والحظر القطعة من النخيل أو الإبل أو غيره. وعن ابن عباس:
قسمت خيبر على ألف سهم: خمسمائة وثمانين سهما للذين شهدوا الحديبية، ألف وخمسمائة
وأربعين رجلا والذين كانوا مع جعفر بأرض الحبشة أربعون رجلا وكان معهم يومئذ مائتا
فرس أو نحوها فأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما. (3). روي في البحار: ج 8 طبع قديم
ص 288
عن ابن أبي الحديد بأسناده: أن عمر استشار الصحابة بمن يبدء في القسم والفريضة؟
فقالوا: ابدء بنفسك. فقال: بل أبدء بآل رسول الله وذوي قرابته. فبدء بالعباس قال
ابن الجوزي: قد وقع الاتفاق على أنه لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له. روى أنه فرض له
خمسة عشر ألفا، وروى أنه فرض له اثني عشر ألفا وهو الأصح. ثم فرض لزوجات رسول الله
صلى الله عليه وآله لكل واحدة عشرة آلاف. وفضل عائشة عليهن بألفين... ثم فرض
للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف، ولمن شهدها من الأنصار لكل واحد
أربعة آلاف. وقد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو
غيرهم من القبائل خمسة آلاف. ثم فرض لمن شهد أحدا وما بعدها إلى الحديبية أربعة
آلاف، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف. ثم فرض لكل من شهد
المشاهد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ألفين وخمسمائة وألفين وألفا وخمسمائة
وألفا واحدا إلى مائتين وهم أهل هجر. ومات عمر على ذلك. فأما ما اعتمده في النساء
فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة، ونساء من بعد بدر إلى = (*)
ص 264
ولم أجعله دولة بين الأغنياء، وسبيت ذراري بني تغلب(1)، وأمرت الناس أن لا يجمعوا
في شهر رمضان إلا في فريضة، لنادى بعض الناس من أهل العسكر - ممن يقاتل معي -: (يا
أهل الإسلام) وقالوا: (غيرت سنة عمر، نهيتنا أن نصلي في شهر رمضان تطوعا) حتى خفت
أن يثوروا في ناحية عسكري. (2)
(هامش)
= إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ونساء من بعد ذلك على ثلاثمائة ثلاثمائة،
وجعل نساء أهل القادسية على مائتين، ثم سوى بين النساء بعد ذلك. وكان ذلك في سنة 20
للهجرة. راجع تاريخ اليعقوبي: ج 2
ص 153
وكتاب الخراج لأبي يوسف: ج 1ص 43.(1). روي في البحار: ج 8 (طبع قديم)
ص 287
عن الإمام الصادق عليه السلام: أن بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا من قبول
الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا. فخشي أن يلحقوا
بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة، فرضوا بذلك. قال
المجلسي: فهؤلاء ليسوا بأهل ذمة لمنع الجزية وقد جعل الله الجزية على أهل الذمة
ليكونوا أذلاء صاغرين وليس في أحد من الزكاة صغار وذل. فكان عليه أن يقاتلهم ويسبي
ذراريهم لو أصروا على الاستنكاف والاستكبار. (2). روى العلامة الأميني في الغدير: ج
5
ص 31
عن السيوطي وغيره: أن أول من سن التراويح عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة وأن أول من
جمع الناس على التراويح عمر وأن إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات
عمر. و(التراويح) عشرون ركعة يصلونها جماعة في ليالي شهر رمضان. روي في البحار: ج 8
طبع قديم
ص 284
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان
من النافلة في جماعة بدعة...). ثم روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح
في المسجد. فقال: ما هذا؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع. فقال: بدعة
ونعمت البدعة روى الشيخ الطوسي في التهذيب: ج 3
ص 70
ح 227 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة
أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس: (لا صلاة في شهر رمضان في المساجد
جماعة). فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه
السلام. فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه السلام صاحوا: واعمراه واعمراه
فلما رجع الحسن عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: ما هذا الصوت؟
فقال: يا أمير المؤمنين، الناس يصيحون: واعمراه، واعمراه فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: قل لهم: صلوا روي في البحار: ج 96
ص 385
ح 5 أنه لما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة أتاه الناس فقالوا: اجعل لنا
إماما منا في رمضان. فقال: لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه. فلما أمسوا جعلوا يقولون:
(ابكوا في رمضان، وارمضاناه) فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين،
ضج الناس وكرهوا قولك. فقال = (*)
ص 265
بؤسي لما لقيت من هذه الأمة بعد نبيها من الفرقة وطاعة أئمة الضلال والدعاة إلى
النار. ولم أعط سهم ذوي القربى منهم إلا لمن أمر الله بإعطائه الذين قال الله: (إن
كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)(1)، فنحن
الذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كل هؤلاء منا خاصة (2)
لأنه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا وأكرم الله نبيه صلى الله عليه وآله وأكرمنا
أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس. (3)
(هامش)
= عند ذلك: دعوهم وما يريدون. ليصلي بهم من شاءوا. ثم قال: (فمن يتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).(1). سورة الأنفال: الآية 41. (2).
في الكافي والتهذيب: نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه
ونبيه فقال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين)، منا خاصة. (3). من قوله (ورددت من قضى من كان قبلي بجور...)
إلى آخر الحديث في روضة الكافي زيادة مهمة هكذا: (... ورددت قضايا من الجور قضى
بها، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن، واستقبلت بهن الحكم في
الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت دواوين
العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة
بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز
وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح
فيه من الأبواب وفتحت ما سد منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت
بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم
الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن
كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممن كان رسول
الله أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على
أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها،
ورددت أهل نجران إلى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وآله، إذا لتفرقوا عني. والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في
شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن جماعتهم في النوافل - كتاب سليم بن قيس - تحقيق
محمد باقر الأنصاريص 265: بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: (يا أهل
الإسلام، غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا) ولقد خفت أن يثوروا في
ناحية جانب عسكري. ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى
النار. وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى = (*)
ص 266
[...]
(هامش)
= الذي قال الله عز وجل: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان
يوم التقى الجمعان)، فنحن والله عني بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال
تعالى: (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل - فينا خاصة -
كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) و(ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
واتقوا الله - في ظلم آل محمد - إن الله شديد العقاب) لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى
أغنانا الله به ووصى به نبيه صلى الله عليه وآله، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة
نصيبا، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس. فكذبوا الله
وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا. ما لقي
أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا، والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم). ولا بأس بالإشارة إلى ذكر تفصيل بعض ما أشار عليه
السلام إليه من البدع: قوله عليه السلام: (وألقيت المساحة)، روي في البحار: ج 8
(طبع قديم)
ص 284
أن عمر وضع الخراج على أرض السواد وأمر بمساحة أرضها، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة
دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة
أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين. وكان الفرض في الأراضي المفتوحة عنوة أن يخرج
خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة. قوله عليه السلام:
(أنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل)، قال ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط)ص
393: إن عمر صرف الأخماس عن أهلها فجعلها في الكراع والسلاح ومنع الخمس منهم حين
كثره واستعظم ما رآى من كثرته أن يدفعه إلى أهله وقوله عليه السلام: (سويت بين
المناكح) إشارة إلى ما سيجئ في الحديث 23 من أن عمر سن أن تنكح العرب في الأعاجم
ولا ينكحوهم. وقوله عليه السلام (حرمت المسح على الخفين)، روي في البحار: ج 8 طبع
قديم
ص 287
عن أبي جعفر عليه السلام قال: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
وفيهم علي عليه السلام وقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة
فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام:
قبل المائدة أو بعدها؟ (أي قبل نزول سورة المائدة أو بعدها؟) فقال: لا أدري. فقال
علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت مائدة قبل أن يقبض بشهرين أو
ثلاثة. وقوله عليه السلام (وحددت على النبيذ)، روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6
ص 257
عن عدة طرق: أن عمر كان يشرب النبيذ الشديد وكان يقول: إنا نشرب هذا الشراب الشديد
لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا = (*)
ص 267
[....]
(هامش)
= أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شيئ فليمزجه بالماء وقوله عليه السلام (وأمرت
بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم
ص 287
عن ابن حزم في كتاب المحلى قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على
الجنائز. فقالوا: أكبر النبي صلى الله عليه وآله سبعا وخمسا وأربعا. فجمعهم عمر على
أربع تكبيرات. وأورده في الغدير: ج 6ص 244. وقوله عليه السلام: (وألزمت الناس الجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم)، إشارة إلى إسقاط عمر للبسملة عن أول السور، فقد روى ابن
شهرآشوب في المثالب (مخطوط)ص 381: أن عمر حذف بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن ومن
الصلاة وقال: ليس في القرآن إلا مرة واحدة وقوله عليه السلام (الطلاق على السنة)،
روي في البحار: ج 8 طبع قديم
ص 287
أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين
من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر
كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. وأورده العلامة الأميني في
الغدير: ج 6ص 178. وقوله عليه السلام (رددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها
وشرائعها ومواضعها)، إشارة إلى البدع التي أحدث فيها كالمسح على الخفين ومسح الرأس
والأذنين وغسل الرجلين، وكترك الصلاة لمن لم يجد الماء للغسل، ومثل وضع اليمين على
الشمال في الصلاة وإسقاط البسملة وقول (آمين) بعد الحمد وكتأخير صلاة الصبح حتى
تغيب النجوم وتأخير صلاة المغرب حتى تطلع النجوم وغير ذلك. وقوله عليه السلام (رددت
أهل نجران إلى مواضعهم)، روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط)
ص 393
والطبري في وقائع سنة 20: أن عمر أجلى أهل نجران وخيبر عن ديارهم وقال: لا يجتمع
دينان في جزيرة العرب وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وآله عليه أن يكفوا عملها ولهم
نصف الثمن وكتب لهم كتابا بذمتهم وهو معهم إلى يومنا هذا. وقوله عليه السلام (رددت
سائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله)، روى ابن شهرآشوب في
المثالب (مخطوط)
ص 393
عن كتاب آداب الوزراء: أن عمر كان يأخذ من جميع أهل الذمة فيما اتجروا فيه كل سنة
العشر ومرتين إن اتجروا مرتين ومن لم يتجر أربعة دنانير أو أربعين درهما. والفقهاء
أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ من كل حالم دينارا ولم ينقل أحد من أهل
الأثر خبرا أن النبي صلى الله عليه وآله جعلهم في الجزية طبقات. وقد جعلهم عمر
طبقات ثلاث فأخذ من الأغنياء خمسة دنانير إلى مائة درهم ومن الأوساط خمسين درهما
ونحو هذا ومن الفقراء دينارا واحدا. (*)
ص 268
(19) أحاديث عن فتنة أبي بكر وعمر

أبان عن سليم قال: شهدت أبا ذر مرض مرضا على عهد
عمر في إمارته، فدخل عليه عمر يعوده وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان
والمقداد، وقد أوصى أبو ذر إلى علي عليه السلام وكتب وأشهد. فلما خرج عمر قال رجل
من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار: ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر؟ قال:
قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا حقا. أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن
أربعون رجلا من العرب وأربعون رجلا من العجم، فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة
المؤمنين، فينا هذا القائم الذي سميته (أمير المؤمنين). ولا أحد من العرب ولا من
الموالي العجم راجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا هذا وصويحبه الذي استخلفه،
فإنهما قالا: (أحق من الله ورسوله)؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: اللهم
نعم، حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك فأمرتكم به. قال سليم: فقلت: يا أبا الحسن
وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد، أتقولون كما قال أبو ذر؟ قالوا: نعم، صدق. قلت: أربعة
عدول، ولو لم يحدثني غير واحد ما شككت في صدقه ولكن أربعتكم أشد لنفسي وبصيرتي.
قلت: أصلحك الله، أتسمون الثمانين من العرب والموالي؟ فسماهم سلمان رجلا رجلا. فقال
علي عليه السلام وأبو ذر والمقداد: (صدق سلمان) رحمة الله ومغفرته عليه وعليهم.
ص 269
فكان ممن سمى(1): أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ومعاذ وسالم والخمسة من أصحاب الشورى،
وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة والباقي من أصحاب العقبة (2) وأبي بن كعب وأبو ذر
والمقداد، وبقية جلهم وأعظمهم من أهل بدر وأعظمهم من الأنصار، فيهم أبو الهيثم بن
التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد. قال سليم: فأظن أني قد
لقيت عامتهم فسألتهم وخلوت بهم رجلا رجلا، فمنهم من سكت عني فلم يجبني بشيئ وكتمني،
ومنهم من حدثني ثم قال: أصابتنا فتنة أخذت بقلوبنا وأسماعنا وأبصارنا وذلك لما ادعى
أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد ذلك: (إنا أهل بيت أكرمنا
الله واختار لنا الآخرة على الدنيا وإن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة
والخلافة). فاحتج بذلك أبو بكر على علي عليه السلام حين جيئ به للبيعة، وصدقه وشهد
له أربعة كانوا عندنا خيارا غير متهمين: أبو عبيدة وسالم وعمر ومعاذ، وظننا أنهم قد
صدقوا. الصحيفة الملعونة والمعاهدة في الكعبة فلما بايع علي عليه السلام أخبرنا (3)
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما قاله، وأخبر أن هؤلاء الخمسة كتبوا بينهم
كتابا تعاهدوا فيه وتعاقدوا في ظل الكعبة: (إن مات محمد أو قتل أن يتظاهروا على علي
عليه السلام فيزووا عنه هذا الأمر)، واستشهد أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد
والزبير، وشهدوا بعد ما وجبت في أعناقنا لأبي بكر بيعته الملعونة الضالة. فعلمنا أن
عليا عليه السلام لم يكن ليروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله باطلا، وشهد له
الأخيار من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.
(هامش)
(1). أي من سماهم أبو ذر من الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالتسليم على
علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. (2). راجع الحديث 20 من هذا الكتاب. (3). قائل هذا
الكلام هو البعض الذي لقيهم سليم لا أبو ذر، فلا يشتبه. (*)
ص 270
ندامة الصحابة لتقصيرهم في حق أمير المؤمنين عليه السلام فقال جل من قال هذه
المقالة: إنا تدبرنا الأمر بعد ذلك فذكرنا قول النبي صلى الله عليه وآله - ونحن
نسمع -: (إن الله يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم وإن الجنة تشتاق إليهم). فقلنا:
من هم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: (أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي
وولي كل مؤمن بعدي علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد بن الأسود).
وإنا نستغفر الله ونتوب إليه مما ركبناه ومما أتيناه. وقد سمعنا رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول قولا لم نعلم تأويله ومعناه إلا خيرا. قال صلى الله عليه وآله:
ليردن علي الحوض أقوام ممن صحبني ومن أهل المكانة مني والمنزلة عندي، حتى إذا وقفوا
على مراتبهم ورأوني اختلسوا دوني وأخذ بهم ذات الشمال. فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي
فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى
منذ فارقتهم. ولعمرنا، لو أنا - حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله - سلمنا
الأمر إلى علي عليه السلام وأطعناه وتابعناه وبايعناه لرشدنا واهتدينا ووفقنا، ولكن
الله قضى الاختلاف والفرقة والبلاء، فلا بد من أن يكون ما علم الله وقضى وقدر.
ص 271
(20) أصحاب الصحيفة وأصحاب العقبة

سليم بن قيس قال: شهدت أبا ذر بالربذة حين سيره
عثمان(1) وأوصى إلى علي عليه السلام في أهله وماله، فقال له قائل: لو كنت أوصيت إلى
أمير المؤمنين عثمان. فقال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام، سلمنا عليه بإمرة المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله بأمر الله. قال لنا: (سلموا على أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل
مؤمن بعدي بإمرة المؤمنين، فإنه زر الأرض الذي تسكن إليه ولو فقدتموه أنكرتم الأرض
وأهلها). فرأيت عجل هذه الأمة وسامريها راجعا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال:
حق من الله ورسوله؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: (حق من الله ورسوله،
أمرني الله بذلك). فلما سلمنا عليه أقبلا على أصحابهما معاذ وسالم وأبي عبيدة - حين
خرجا من بيت علي عليه السلام من بعد ما سلمنا عليه - فقالا لهم: ما بال هذا الرجل،
ما زال يرفع خسيسة
(هامش)
(1). روي في البحار: ج 8 طبع قديم
ص 305
ما ملخصه: أن عثمان قال لأبي ذر: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي، الحق بالشام.
فأخرجه إليها. فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فكتب معاوية إلى عثمان
فيه. فكتب عثمان إلى معاوية: (أما بعد فاحمل جندبا على أغلظ مركب وأوعره). فوجه به
مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب حتى قدم به المدينة
وقد سقط لحم فخذيه من الجهد. فلما قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان: أن الحق بأي
أرض شئت. قال: بمكة؟ قال: لا. قال: فبيت المقدس؟ قال: لا. قال: فبأحد المصرين؟ قال:
لا، ولكني مسيرك إلى الربذة. فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات. (*)
ص 272
ابن عمه وقال أحدهما: إنه ليحسن أمر ابن عمه وقال الجميع: ما لنا عنده خير ما بقي
علي قال: فقلت: يا أبا ذر، هذا التسليم بعد حجة الوداع أو قبلها؟ فقال: أما
التسليمة الأولى فقبل حجة الوداع، وأما التسليمة الأخرى فبعد حجة الوداع. قلت:
فمعاقدة هؤلاء الخمسة متى كانت؟ قال: في حجة الوداع. قلت: أخبرني - أصلحك الله عن
الاثني عشر أصحاب العقبة المتلثمين الذين أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله
عليه وآله الناقة، ومتى كان ذلك؟ قال: بغدير خم مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله
من حجة الوداع. قلت: أصلحك الله، تعرفهم؟ قال: أي والله، كلهم. قلت: من أين تعرفهم
وقد أسرهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حذيفة؟ قال: عمار بن ياسر كان قائدا
وحذيفة كان سائقا، فأمر حذيفة بالكتمان ولم يأمر بذلك عمارا. قلت: تسميهم لي؟ قال:
خمسة أصحاب الصحيفة، وخمسة أصحاب الشورى وعمرو بن العاص ومعاوية.(1) عمار وحذيفة في
فتنة السقيفة قلت: أصلحك الله، كيف تردد عمار وحذيفة في أمرهم بعد رسول الله صلى
الله عليه وآله حين رأياهم؟ قال: إنهم أظهروا التوبة والندامة بعد ذلك، وادعى عجلهم
منزلة وشهد لهم سامريهم والثلاثة معهم بأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول ذلك، فقالوا: لعل هذا أمر حدث بعد الأول، فشكا فيمن شك منهم إلا أنهما تابا
وعرفا وسلما.
(هامش)
(1). فهم: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة،
وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص.
راجع الحديث 4 من هذا الكتاب. (*)
|