ص 423
ومعه عائشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا
ثلاثة لحاف غيره. وإذا قام رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي حط بيده اللحاف من
وسطه بيني وبين عائشة ليمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ويقوم رسول الله صلى الله عليه
وآله فيصلي. فأخذتني الحمي ليلة فأسهرتني، فسهر رسول الله صلى الله عليه وآله
لسهري. فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له. ثم يأتيني فيسألني وينظر إلي.
فلم يزل دأبه ذلك إلى أن أصبح. فلما أصبح صلى بأصحابه الغداة ثم قال: (اللهم اشف
عليا وعافه فإنه قد أسهرني الليلة لما به من الوجع)، فكأنما نشطت من عقال ما بي
قبله.(1) قال عليه السلام: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أبشر يا أخي - قال
ذلك وأصحابه يسمعون - قلت: بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداؤك. قال: إني لم
أسأل الله شيئا إلا أعطانيه، ولم أسأل لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله، وإني دعوت الله
أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألته (أن يجعلك ولي كل مؤمن من بعدي) ففعل. فقال رجلان
- أحدهما لصاحبه -: وما أراد إلى ما سأل؟ فوالله لصاع من تمر بال في شن بال خير مما
سأل ولو كان سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه أو ينزل عليه كنزا ينفقه على
أصحابه - فإن بهم حاجة - كان خيرا مما سأل. وما دعا عليا قط إلى حق ولا إلى باطل
(2) إلا أجابه. وحدث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام بهذا الحديث. (3)
(هامش)
(1). قد مر ذكر هذه القضية في الحديث 36 من هذا الكتاب. (2). قوله: (إلى باطل) على
زعم أبي بكر وعمر. فقوله: (وما دعا عليا...) من تتمة كلام أبي بكر وعمر فيما
بينهما، يريدان أن عليا عليه السلام تسليم لكل أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي الإحتجاج أورد هذه الفقرة هكذا: (وما دعا عليا قط إلى خير إلا استجابه). (3).
الظاهر أن هذه العبارة من كلام أبان الذي كان من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه
السلام. (*)
ص 424
(61) وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله لبني هاشم

سليم: قال: قلت لعبد الله
بن العباس - وجابر بن عبد الله الأنصاري إلى جنبه -: شهدت النبي صلى الله عليه وآله
عند موته؟ قال: نعم، لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله جمع كل محتلم من بني عبد
المطلب وامرأة وصبي قد عقل، فجمعهم جميعا فلم يدخل معهم غيرهم إلا الزبير فإنما
أدخله لمكان صفية، وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد. ثم قال: (إن هؤلاء الثلاثة منا
أهل البيت)، وقال: (أسامة مولانا ومنا). وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
استعمله على جيش وعقد له وفي ذلك الجيش أبو بكر وعمر، فقال كل واحد منهما: (لا
ينتهي يستعمل علينا هذا الصبي العبد) فاستأذن(1) رسول الله صلى الله عليه وآله
ليودعه ويسلم عليه، فوافق ذلك اجتماع بني هاشم فدخل معهم واستأذن أبو بكر وعمر
أسامة ليسلما على النبي صلى الله عليه وآله فأذن لهما. فلما دخل أسامة معنا - وهو
من أوسط بني هاشم (2) وكان صلى الله عليه وآله شديد الحب له - قال رسول الله صلى
الله عليه وآله لنسائه: (قمن عني فأخلينني وأهل بيتي). فقمن كلهن غير عائشة وحفصة
فنظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (اخلياني وأهل بيتي). فقامت عائشة
آخذة بيد حفصة وهي تدمر غضبا وتقول: (قد أخليناك وإياهم) فدخلتا بيتا من خشب.
(هامش)
(1). أي استأذن أسامة. (2). كناية عن أنه يعد منهم وإن لم يكن منهم نسبا. (*)
ص 425
الأخبار عن اثني عشر إمام هداية واثني عشر إمام ضلالة فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله لعلي عليه السلام: (يا أخي، أقعدني)، فأقعده علي عليه السلام وأسنده إلى نحره،
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا بني عبد المطلب، اتقوا الله واعبدوه، واعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ولا تختلفوا. إن الإسلام بني على خمسة: على الولاية
والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. فأما الولاية فلله ولرسوله وللمؤمنين الذين
يؤتون الزكاة وهم راكعون(1)، (ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم
الغالبون). (2) قال ابن عباس: وجاء سلمان والمقداد وأبو ذر، فأذن لهم رسول الله صلى
الله عليه وآله مع بني عبد المطلب. فقال سلمان: يا رسول الله، للمؤمنين عامة أو
خاصة لبعضهم؟ قال: بل خاصة لبعضهم، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه في غير آية من
القرآن. قال: من هم يا رسول الله؟ قال: أولهم وأفضلهم وخيرهم أخي هذا علي بن أبي
طالب - ووضع يده على رأس علي عليه السلام - ثم ابني هذا من بعده - ثم وضع يده على
رأس الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - من
بعده، والأوصياء تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد، حبل الله المتين
وعروته الوثقى. هم حجة الله على خلقه وشهدائه في أرضه. من أطاعهم فقد أطاع الله
وأطاعني، ومن عصاهم فقد عصى الله وعصاني، هم مع الكتاب والكتاب معهم، لا يفارقهم
ولا يفارقونه حتى يردا علي الحوض. يا بني عبد المطلب، إنكم ستلقون من بعدي من ظلمة
قريش وجهال العرب وطغاتهم تعبا وبلاء وتظاهرا منهم عليكم واستذلالا وتوثبا عليكم
وحسدا لكم وبغيا عليكم، فاصبروا حتى
(هامش)
(1). إشارة إلى قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) في سورة المائدة: الآية 55. (2). سورة المائدة:
الآية 56. (*)
ص 426
تلقوني. إنه من لقي الله - يا بني عبد المطلب - موحدا مقرا برسالتي أدخله الجنة
ويقبل ضعيف عمله ويجاوز عن سيئاته. يا بني عبد المطلب، إني رأيت على منبري اثني عشر
من قريش، كلهم ضال مضل يدعون أمتي إلى النار ويردونهم عن الصراط القهقرى: رجلان من
حيين من قريش(1) عليهما مثل إثم الأمة ومثل جميع عذابهم، وعشرة من بني أمية. رجلان
من العشرة من ولد حرب بن أمية (2) وبقيتهم من ولد أبي العاص بن أمية. ومن أهل بيتي
اثنا عشر إمام هدى كلهم يدعون إلى الجنة: علي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين
واحدا بعد واحد. إمامهم ووالدهم علي، وأنا إمام علي وإمامهم. هم مع الكتاب والكتاب
معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض. يا بني عبد المطلب، أطيعوا عليا
واتبعوه وتولوه ولا تخالفوه وابرؤوا من عدوه وآزروه وانصروه واقتدوا به ترشدوا
وتهتدوا وتسعدوا. يا بني عبد المطلب، أطيعوا عليا. إني لو قد أخذت بحلقة باب الجنة
ففتح لي فتح إلى ربي فوقعت ساجدا فقال لي: (إرفع رأسك، سل تسمع واشفع تشفع)، لم
أؤثر عليكم أحدا. قالوا: سمعنا وأطعنا يا رسول الله.
(هامش)
(1). هما أبو بكر من بني تيم وعمر من بني عدي. (2). هما معاوية ويزيد. (*)
ص 427
* 2 * إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله عن مصائب أهل بيته في آخر عمره المبارك
ثم أقبل على علي عليه السلام فقال: يا أخي: إن قريشا ستظاهر عليكم وتجتمع كلمتهم
على ظلمك وقهرك. فإن وجدت أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك. أما
إن الشهادة من وراءك، لعن الله قاتلك. ثم أقبل على ابنته فقال: إنك أول من يلحقني
من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة. وسترين بعدي ظلما وغيظا حتى تضربي ويكسر
ضلع من أضلاعك. لعن الله قاتلك ولعن الأمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم
بعلك وابنيك. وأما أنت يا حسن فإن الأمة تغدر بك، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم وإلا فكف
يدك واحقن دمك فإن الشهادة من وراءك، لعن الله قاتلك والمعين عليك، فإن الذي يقتلك
ولد زنا ابن زنا ابن ولد زنا. إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة ولم يرض لنا
الدنيا. قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن عباس(1) فقال: أما إن
أول هلاك بني أمية - بعد ما يملك منهم عشرة - على يد ولدك. فليتقوا الله وليراقبوا
في ولدي وعترتي، فإن الدنيا لم تبق لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا. دولتنا آخر
الدول، يكون مكان كل يوم يومين ومكان كل سنة سنتين. ومنا من ولدي من يملأ الأرض
قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
(هامش)
(1). الظاهر أن الخطاب إلى عباس لا ابن عباس الناقل للحديث. ولا إشكال في توجه
الخطاب إلى ابن عباس أيضا. (*)
ص 428
(62) كلمة النبي صلى الله عليه وآله عن أوصيائه الاثني عشر

سليم، قال: سمعت سلمان
يقول: قلت: يا رسول الله، إن الله لم يبعث نبيا قبلك إلا وله وصي، فمن وصيك يا نبي
الله؟ قال: يا سلمان، إنه ما أتاني من الله فيه شيئ. فمكث غير كثير، ثم قال لي: يا
سلمان، إنه قد أتاني من الله في الأمر الذي سألتني عنه. إني أشهدك يا سلمان إن علي
بن أبي طالب وصيي وأخي ووارثي ووزيري وخليفتي في أهلي وولي كل مؤمن من بعدي، يبرئ
ذمتي ويقضي ديني ويقاتل على سنتي. يا سلمان، إن الله اطلع على الأرض اطلاعة
فاختارني منهم. ثم اطلع ثانية فاختار منهم عليا أخي، وأمرني فزوجته سيدة نساء أهل
الجنة. ثم اطلع ثالثة فاختار فاطمة والأوصياء: ابني حسنا وحسينا وبقيتهم من ولد
الحسين. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه كهاتين - وجمع بين
إصبعيه المسبحتين - حتى يردوا علي الحوض واحدا بعد واحد، شهداء الله على خلقه وحجته
في أرضه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله، كلهم هاد مهدي. ونزلت هذه الآية
في وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني والأوصياء واحدا بعد واحد، ولدي وولد أخي:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).(1) أتدرون ما (الرجس)
يا سلمان؟ قلت: لا. قال: الشك،
(هامش)
(1) سورة الأحزاب: الآية 33. (*)
ص 429
لا يشكون في شيئ جاء من عند الله أبدا، مطهرون في ولادتنا وطينتنا إلى آدم، مطهرون
معصومون من كل سوء. إخباره صلى الله عليه وآله عن المهدي عليه السلام ثم ضرب بيده
على الحسين عليه السلام فقال: يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما
ملئت جورا وظلما من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي
يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه؟ قال: أبوه أفضل
منه. للأول مثل أجورهم كلهم لأن الله هداهم به. أيما داع دعا إلى هدى فله أجره ومثل
أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وأيما داع دعا إلى ضلالة فعليه وزره ومثل
أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا. يا سلمان، إن موسى سأل ربه أن يجعل له
وزيرا من أهله فجعل له أخاه هارون وزيرا. وإنني سألت ربي أن يجعل لي وزيرا من أهلي
فجعل لي أخي أشد به ظهري وأشركه في أمري. فاستجاب لي كما استجاب لموسى في هارون.
التبرك بتراب أقدام أمير المؤمنين عليه السلام يا سلمان، لولا أن تفرط أمتي في أخي
علي كإفراط النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيه مقالة يتبعون آثار قدميه في التراب
يقبلونه.
ص 430
(63) كلام لا يقوله أحد غير أمير المؤمنين عليه السلام

سليم، قال: سمعت عليا عليه
السلام يقول على منبر الكوفة: والذي فلق الحبة وبرء النسمة لأقولن كلاما لم يقله
أحد قبلي ولا يقوله أحد بعدي إلا كذاب: (أنا عبد الله وأخو رسوله. ورثت نبي الرحمة
ونكحت خير نساء الأمة وأنا خير الوصيين). فقام رجل من الخوارج فقال: (أنا عبد الله
وأخو رسول الله) فأخذته الموتة مكانه، فما انقلع عنه حتى مات.
ص 431
(64) علم أمير المؤمنين عليه السلام

قال سليم: وسمعت عليا عليه السلام يقول: (علمني
رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم، يفتح كل باب ألف). فلم أشك أنه
عليه السلام صادق، ولم أسأل عن ذلك أحدا.
ص 432
(65) إختلاف الأمة والفرقة الناجية

وقال سليم: إني لجالس أنا وعلي عليه السلام
والناس حوله، إذ أتاه رأس اليهود ورأس النصارى. فأقبل على رأس اليهود فقال: على كم
تفرقت اليهود؟ فقال: هو عندي مكتوب في كتاب. فقال علي عليه السلام: قاتل الله زعيم
قوم يسأل عن مثل هذا من أمر دينه فيقول: (هو عندي في كتاب) قال: ثم قال لرأس
النصارى: كم تفرقت النصارى؟ قال: (على كذا وكذا)، فأخطأ. فقال علي عليه السلام: لو
قلت كما قال صاحبك كان خيرا من أن تقول وتخطئ. ثم أقبل عليهما علي عليه السلام وعلى
الناس فقال: أنا والله أعلم بالتوراة من أهل التوراة، وأعلم بالإنجيل من أهل
الإنجيل، وأعلم بالقرآن من أهل القرآن. أنا أخبركم على كم تفرقوا. الفرقة الناجية
بعد الأنبياء عليهم السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تفرقت اليهود
على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصي
موسى. وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، واحدة وسبعون في النار وواحدة في
الجنة وهي التي تبعت وصي عيسى. وأمتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون
فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصيي.
ص 433
قال: ثم ضرب بيده على منكب علي عليه السلام(1)، ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث
وسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة وثنتا عشرة في النار. (2)
(هامش)
(1). الأوفق بالعبارة باعتبار أن القائل هو أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون
هكذا: قال عليه السلام: ثم ضرب بيده على منكبي ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث
والسبعين كلها تنتحل مودتك وحبك. (2). ورد هذا الحديث في الفضائل لشاذان بن جبرئيل
عن سليم بتفاوت ليس باليسير ولذا نورد هنا نص ما في الفضائل بعينه: بالأسناد يرفعه
إلى سليم بن قيس قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة والناس
حوله، إذ دخل عليه رأس اليهود ورأس النصارى، فسلما وجلسا. فقال الجماعة: بالله عليك
يا مولانا، اسألهم حتى ننظر ما يعملون. قال عليه السلام لرأس اليهود: يا أخا
اليهود. قال: لبيك. قال: على كم انقسمت أمة نبيكم؟ قال: هو عندي في كتاب مكنون.
قال: قاتل الله قوما أنت زعيمهم يسأل عن أمر دينه فيقول: (هو عندي في كتاب مكنون)
ثم التفت إلى رأس النصارى وقال له: كم انقسمت أمة نبيكم؟ قال: على كذا وكذا، فأخطأ.
فقال عليه السلام: لو قلت مثل قول صاحبك لكان خيرا لك من أن تقول وتخطئ ولا تعلم.
ثم أقبل عند ذلك وقال: أيها الناس، أنا أعلم من أهل التوراة بتوراتهم، وأعلم من أهل
الإنجيل بإنجيلهم، وأعلم من أهل القرآن بقرآنهم. أنا أعرف كم انقسمت الأمم. أخبرني
به أخي وحبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: إفترقت اليهود على
إحدى وسبعين فرقة، سبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيه.
وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون فرقة في النار وفرقة واحدة
في الجنة وهي التي اتبعت وصيه. وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون
في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيي - وضرب بيده على منكبي -. ثم قال:
اثنتان وسبعون فرقة حلت عقد الإله فيك، وواحدة في الجنة وهي التي اتخذت محبتك وهم
شيعتك. (*)
ص 434
(66) كتاب حوادث العالم عند أمير المؤمنين عليه السلام

سليم، قال: لما قتل الحسين
بن علي عليه السلام بكى ابن عباس بكاء شديدا، ثم قال: ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها
اللهم إني أشهدك أني لعلي بن أبي طالب ولي ولولده، ومن عدوه وعدوهم برئ، وإني أسلم
لأمرهم. الإخبار عن بلايا أهل البيت عليهم السلام في كتاب أمير المؤمنين عليه
السلام لقد دخلت على علي عليه السلام بذي قار، فأخرج إلي صحيفة وقال لي: يا بن
عباس، هذه صحيفة أملاها علي رسول الله صلى الله عليه وآله وخطي بيدي. فقلت: يا أمير
المؤمنين، إقرأها علي فقرأها، فإذا فيها كل شيئ كان منذ قبض رسول الله صلى الله
عليه وآله إلى مقتل الحسين عليه السلام وكيف يقتل ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد
معه. فبكى بكاء شديدا وأبكاني. فكان فيما قرأه علي: كيف يصنع به وكيف يستشهد فاطمة
وكيف يستشهد الحسن ابنه وكيف تغدر به الأمة. فلما أن قرأ كيف يقتل الحسين ومن يقتله
أكثر البكاء، ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة.(1) الأخبار عن دولة
الغاصبين في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام وكان فيها - فيما قرأ - أمر أبي بكر
وعمر وعثمان وكم يملك كل إنسان منهم، وكيف بويع علي عليه السلام، ووقعة الجمل وسير
عائشة وطلحة والزبير، ووقعة صفين ومن يقتل
(هامش)
(1). أي بقي قراءته ولم أره. (*)
ص 435
فيها، ووقعة النهروان وأمر الحكمين، وملك معاوية ومن يقتل من الشيعة، وما يصنع
الناس بالحسن، وأمر يزيد بن معاوية حتى انتهى إلى قتل الحسين. فسمعت ذلك ثم كان كل
ما قرأ(1) لم يزد ولم ينقص. فرأيت خطه أعرفه في صحيفة لم تتغير ولم تصفر. فلما أدرج
الصحيفة قلت: يا أمير المؤمنين، لو كنت قرأت علي بقية الصحيفة؟ قال عليه السلام:
لا، ولكني محدثك. ما يمنعني فيها ما نلقى من أهل بيتك وولدك (2) وهو أمر فظيع من
قتلهم لنا وعداوتهم إيانا وسوء ملكهم وشوم قدرتهم. فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك
ولكني أحدثك. أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته بيدي ففتح لي ألف باب من
العلم يفتح كل باب ألف باب - وأبو بكر وعمر ينظران إلي - وهو يشير إلى ذلك. فلما
خرجت قالا لي: ما قال لك؟ فحدثتهما بما قال. فحركا أيديهما ثم حكيا قولي، ثم وليا
يردان قولي ويخطران بأيديهما. الإخبار عن دولة بني العباس يا بن عباس، إن الحسن
يأتيك من الكوفة بكذا وكذا ألف رجل غير رجل. (3) يا بن عباس، إن ملك بني أمية إذا
زال كان أول ما يملك من بني هاشم ولدك، فيفعلون الأفاعيل. فقال ابن عباس: لأن يكون
نسختي ذلك الكتاب أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
(هامش)
(1). أي وقع كل ما قرأه من ذلك الكتاب من غير زيادة ولا نقيصة. (2). أي إن المانع
من قراءة الصحيفة كلها ما جاء فيها مما نلقى من أهل بيتك. (3). راجع الحديث 30 من
هذا الكتاب. (*)
ص 436
(67) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة بعد وقعة الجمل

قال سليم: شهدت عليا
عليه السلام حين عاد زياد بن عبيد بعد ظهوره على أهل الجمل، وإن البيت لممتلئ من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم عمار وأبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب
وجماعة من أهل بدر نحو من سبعين رجلا - وزياد في بيت عظيم شبه البهو(1) - إذ أتاه
رجل بكتاب من رجل من الشيعة بالشام: (إن معاوية استنفر الناس ودعاهم إلى الطلب بدم
عثمان، وكان فيما يحضهم به أن قال: إن عليا قتل عثمان وآوى قتلته، وإنه يطعن على
أبي بكر وعمر ويدعي أنه خليفة رسول الله وإنه أحق بالأمر منهما. فنفرت العامة
والقراء، واجتمعوا على معاوية إلا قليلا منهم). كلام أمير المؤمنين عليه السلام حول
الخلافة المغصوبة قال: فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد، ما لقيت من الأمة بعد
نبيها منذ قبض صلى الله عليه وآله. فأقام عمر وأصحابه الذين ظاهروا علي أبا بكر
فبايعوه وأنا مشغول بغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وكفنه ودفنه، وما فرغت من
ذلك حتى بايعوه وخاصموا الأنصار بحجتي وحقي. والله إنه ليعلم يقينا والذين ظاهروه
أني أحق بها من أبي بكر. فلما رأيت اجتماعهم عليه وتركهم إياي ناشدتهم الله عز وجل
وحملت فاطمة عليها السلام
(هامش)
(1). البهو: البيت الذي كانوا يقيمونه أمام البيوت أو الخيام منزلا للغرباء
والضيوف. (*)
ص 437
على حمار وأخذت بيد ابني الحسن والحسين لعلهم يرعوون(1)، فلم أدع أحدا من أهل بدر
ولا أهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا استعنتهم ودعوتهم إلى نصرتي وناشدتهم
الله حقي فلم يجيبوني ولم ينصروني. أنتم تعلمون يا معاشر من حضر من أهل بدر أني لم
أقل إلا حقا. قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين وبررت، فنستغفر الله من ذلك ونتوب إليه.
قال: وكان الناس قريبي عهد بالجاهلية فخشيت فرقة أمة محمد واختلاف كلمتهم، وذكرت ما
عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه أخبرني بما صنعوا وأمرني: إن وجدت
أعوانا جاهدتهم وإن لم أجد أعوانا كففت يدي وحقنت دمي. ثم ردها أبو بكر إلى عمر -
ووالله إنه ليعلم يقينا أني أحق بها من عمر - فكرهت الفرقة فبايعت وسمعت وأطعت. ثم
جعلني عمر سادس ستة فولى الأمر ابن عوف، فخلا بابن عفان فجعلها له على أن يردها
عليه ثم بايعه، فكرهت الفرقة والاختلاف. ثم إن عثمان غدر بابن عوف وزواها عنه، فبرء
منه ابن عوف وقام خطيبا فخلعه كما خلع نعله. ثم مات ابن عوف وأوصى أن لا يصلي عليه
عثمان، وزعم ولد ابن عوف أن عثمان سمه. ثم قتل (2)، واجتمع الناس ثلاثة أيام
يتشاورون في أمرهم. ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين.
(هامش)
(1). أي يرجعون، أو يكفون عن الجهل. (2). أي قتل عثمان. (*)
ص 438
امتحن الله المسلمين بأمهم عائشة ثم إن الزبير وطلحة أتياني يستأذناني في العمرة،
فأخذت عليهما ألا ينكثا بيعتي ولا يغدرا بي ولا يبغيا علي غائلة. ثم توجها إلى مكة
فسارا بعائشة إلى أهل مدرة (1 جهلهم قليل فقههم، فحملوهم على نكث بيعتي واستحلال
دمي. ثم ذكر عليه السلام عائشة وخروجها من بيتها وما ركبت منه. فقال عمار: (يا أمير
المؤمنين، كف عنها فإنها أمك) فترك ذكرها وأخذ في شيئ آخر، ثم عاد إلى ذكرها فقال
أشد مما قال أولا. فقال عمار: (يا أمير المؤمنين، كف عنها فإنها أمك) فأعرض عن
ذكرها ثم عاد الثالثة فقال أشد مما قال. قال: فقال عمار: (يا أمير المؤمنين، كف
عنها فإنها أمك) فقال: كلا، إني مع الله على من خالفه، وإن أمكم ابتلاكم الله بها
ليعلم أمعه تكونون أم معها؟ تناقض الغاصبين في نظرية تعيين الخليفة قال سليم: ثم
ذكر علي عليه السلام بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فقال: (لعمري لئن كان الأمر كما
يقولون، ولا والله ما هو كما يقولون)، ثم سكت. فقال له عمار: وما يقولون؟ فقال:
يقولون (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وإنهم إنما تركوا
ليتشاوروا)، ففعلوا غير ما أمروا في قوله. (2) فقد بايع القوم أبا بكر عن غير مشورة
ولا رضى من أحد، ثم أكرهوني وأصحابي على البيعة. ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة.
ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء
الستة ثم قال: (يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام)، ثم أمر الناس: (إن مضت ثلاثة أيام
ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم، وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان أن يقتلوا الاثنين).
ثم تشاوروا في ثلاثة أيام وكانت بيعتهم عن مشورة من جماعتهم وملأهم، ثم صنعوا ما
رأيتم
(هامش)
(1). المدرة بمعنى البلدة والقرية لأن بنيانها غالبا من المدر أي الطين، ولعله
تصحيف كلمة (مدينة). والمراد به البصرة. (2). أي في قوله المنسوب إليه بزعمهم. (*)
ص 439
ثم قال: إن موسى قال لهارون: (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن) إلى قوله (ولم
ترقب قولي)(1)، وأنا من نبي الله بمنزلة هارون من موسى، عهد إلي رسول الله صلى الله
عليه وآله: (إن ضلت الأمة بعده وتبعت غيري أن أجاهدهم إن وجدت أعوانا، وإن لم أجد
أعوانا أن أكف يدي وأحقن دمي)، وأخبرني بما الأمة صانعة بعده. إخبار أمير المؤمنين
عليه السلام عن صفين والنهروان فلما وجدت أعوانا بعد قتل عثمان على إقامة أمر الله
وإحياء الكتاب والسنة لم يسعني الكف، فبسطت يدي فقاتلت هؤلاء الناكثين، وأنا غدا إن
شاء الله مقاتل القاسطين بأرض الشام في موضع يقال له (صفين)، ثم أنا بعد ذلك مقاتل
المارقين بأرض من أرض العراق يقال لها (النهروان). أمرني رسول الله صلى الله عليه
وآله بقتالهم في هذه المواطن الثلاث. وكففت يدي لغير عجز ولا جبن ولا كراهية للقاء
ربي، ولكن لطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ وصيته. فلما وجدت أعوانا نظرت
فلم أجد بين السبيلين ثالثا: إما الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، أو الكفر بالله والجهود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم
والارتداد عن الإسلام. إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن قاتله وقد أخبرني رسول
الله صلى الله عليه وآله أن الشهادة من ورائي، وأن لحيتي ستخضب من دم رأسي، بل
قاتلي أشقى الأولين والآخرين، رجل أحيمر (2) يعدل عاقر الناقة ويعدل قابيل
(هامش)
(1) سورة طه: الآية 94. (2) (أحيمر) لقب قدار بن سالف عاقر ناقة ثمود أخذت هنا اسما
لابن ملجم، فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين
عليه السلام: ألا أحدثكم بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: أحيمر
ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه - ووضع يده على قرنه - حتى تبتل
منه هذه - وأخذ بلحيته -. = (*)
ص 440
قاتل أخيه هابيل وفرعون الفراعنة والذي حاج إبراهيم في ربه ورجلين من بني إسرائيل
بدلا كتابهم وغيرا سنتهم. ثم قال صلى الله عليه وآله: ورجلين من أمتي. خطايا أمة
محمد صلى الله عليه وآله عليهما ثم قال عليه السلام: إن عليهما خطايا أمة محمد. إن
كل دم سفك إلى يوم القيامة ومال يؤكل حراما وفرج يغشى حراما وحكم يجار فيه عليهما،
من غير أن ينقص من إثم من عمل به شيئ. قال عمار: يا أمير المؤمنين، سمهما لنا
فنلعنهما. قال: يا عمار، ألست تتولى رسول الله صلى الله عليه وآله وتبرء من عدوه؟
قال: بلى. قال: وتتولاني وتبرء من عدوي؟ قال: بلى. قال: حسبك يا عمار، قد برئت
منهما ولعنتهما وإن لم تعرفهما بأسمائهما. قال: يا أمير المؤمنين لو سميتهما
لأصحابك فبرءوا منهما كان أمثل من ترك ذلك. قال: رحم الله سلمان وأبا ذر والمقداد،
ما كان أعرفهم بهما وأشد برائتهم منهما ولعنتهم لهما قال: يا أمير المؤمنين جعلت
فداك، فسمهما فإنا نشهد أن نتولى من توليت ونتبرء ممن تبرأت منه. قال: يا عمار، إذا
يقتل أصحابي وتتفرق عني جماعتي وأهل عسكري وكثير ممن ترى حولي قاعدة عامة في
الولاية والبراءة يا عمار، من تولى موسى وهارون وبرئ من عدوهما فقد برئ من العجل
والسامري، ومن تولى العجل والسامري وبرئ من عدوهما فقد برئ من موسى وهارون من حيث
لا يعلم. يا عمار، ومن تولى رسول الله وأهل بيته وتولاني وتبرء من عدوي
(هامش)
= راجع مناقب ابن المغازلي:ص 9. وأورده في البحار: ج 32
ص 312
ح 276 عن الطرائف عن الفائق للخوارزمي. وأورده في الغدير: ج 6
ص 334
أيضا. (*)
ص 441
فقد برئ منهما، ومن برئ من عدوهما فقد برئ من رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث
لا يعلم.(1) محمد بن أبي بكر نجيب قومه فقال محمد بن أبي بكر: يا أمير المؤمنين، لا
تسمهما فقد عرفتهما ونشهد الله أن نتولاك ونبرء من عدوك كلهم، قريبهم وبعيدهم
وأولهم وآخرهم وحيهم وميتهم وشاهدهم وغائبهم. (2) فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
يرحمك الله يا محمد، إن لكل قوم نجيبا وشاهدا عليهم وشافعا لأماثلهم، وأفضل النجباء
النجيب من أهل السوء وإنك يا محمد لنجيب أهل بيتك. (3) تحذير رسول الله صلى الله
عليه وآله أبا بكر وعمر من غصب الخلافة أما إني سأخبرك: دعاني رسول الله صلى الله
عليه وآله وعنده سلمان وأبو ذر والمقداد، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وآله عائشة
إلى أبيها وحفصة إلى أبيها وأمر ابنته فأرسلت إلى زوجها عثمان، فدخلوا. فحمد الله
وأثنى عليه وقال: يا أبا بكر، يا عمر، يا عثمان، إني رأيت الليلة اثني عشر رجلا على
منبري يردون أمتي عن الصراط القهقرى. فاتقوا الله وسلموا الأمر لعلي بعدي ولا
تنازعوه في الخلافة، ولا تظلموه ولا تظاهروا عليه أحدا. قالوا: يا نبي الله، نعوذ
بالله من ذلك أماتنا الله قبل ذلك
(هامش)
(1). يعني أن من برء من عدو أبي بكر وعمر فقد برئ من رسول الله صلى الله عليه وآله
من حيث لا يعلم (2). روي في الإختصاص:
ص 65
عن أبي جعفر عليه السلام: إن محمد بن أبي بكر بايع عليا عليه السلام على البراءة من
أبيه. (3). روي في (الإختصاص):
ص 65
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كانت النجابة (في محمد بن أبي بكر) قد أتته من
قبل أمه أسماء بنت عميس لا من قبل أبيه. وروي في البحار: ج 22
ص 343
عن الصادق عليه السلام: أنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر. (*)
ص 442
النص على الأئمة الاثني عشر بحضور أبي بكر وعمر وعثمان قال صلى الله عليه وآله:
فإني أشهدكم جميعا ومن في البيت من رجل وامرأة: (أن علي بن أبي طالب خليفتي في
أمتي، وإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى فابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن
عليه السلام - فإذا مضى فابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم تسعة
من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد. وهم الذين عنى الله بقوله: (أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(1) آية نزلت في الأئمة إلا تلاها رسول الله صلى
الله عليه وآله. رؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله في الغاصبين فقام أبو بكر وعمر
وعثمان، وبقيت أنا وأصحابي أبو ذر وسلمان والمقداد وبقيت فاطمة والحسن والحسين،
وقمن نساءه وبناته غير فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (رأيت هؤلاء
الثلاثة وتسعة من بني أمية وفلان من التسعة من آل أبي سفيان (2) وسبعة من ولد الحكم
بن أبي العاص بن أمية يردون أمتي على أدبارها القهقرى). قال ذلك علي عليه السلام
وبيت زياد ملآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم أقبل عليهم فقال:
(اكتموا ما سمعتم إلا من مسترشد. يا زياد، اتق الله في شيعتي بعدي) فلما خرج من عند
زياد أقبل علينا فقال: (إن معاوية سيدعيه، ويقتل شيعتي، لعنه الله).
(هامش)
(1). سورة النساء: الآية 59. (2). المراد به معاوية، أي معاوية أحد التسعة من بني
أمية. (*)
ص 443
(68) إبراهيم النخعي يقر بالأئمة عليهم السلام

وفي كتاب سليم(1) عن الأعمش عن
خيثمة، قال: لما حضرت إبراهيم النخعي (2) الوفاة قال لي: (ضمني إليك)، ففعلت. فقال:
(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول
الله، وأن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وصي محمد، وأن الحسن وصي علي، وأن
الحسين وصي الحسن، وأن علي بن الحسين وصي الحسين). قال: ثم أغمي عليه فسقط، فقلت:
هي هي ثم أفاق فقال: سمعني غيرك؟ فقلت: لا. فقال: (على هذا أحيي وعليه أموت، وعليه
كان علقمة والأسود (3)، ومن لم يكن على هذا فليس على شيئ).
(هامش)
(1). هكذا في النسخ، والظاهر أنه من رواية أبان بن أبي عياش يرويها عن الأعمش. (2).
إبراهيم النخعي هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة
بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج. توفي سنة 96 بالكوفة. وكان علقمة والأسود
المذكوران في آخر هذا الحديث عمه وخاله. (3). هما تلميذا ابن مسعود. أما علقمة فهو
علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة. ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه
وآله ومات سنة 62 أو 73 بالكوفة. ولعل هذا هو الذي شهد صفين وخضب سيفه دما وأصيبت
إحدى رجليه فعرج منها. وكان فقيها في دينه قارئا لكتاب الله وهو من ثقات أمير
المؤمنين عليه السلام ومن كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم. والأسود هو الأسود بن
يزيد بن قيس النخعي من أصحاب علي عليه السلام مات في سنة 74. (*)
ص 444
(69) وصية أمير المؤمنين عليه السلام في الساعات الأخيرة

سليم بن قيس الهلالي
قال(1): شهدت وصية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه
السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدا وجميع ولده وأهل بيته ورؤساء
شيعته. النص على الأئمة عليهم السلام وتسليم ودائع الإمامة ثم دفع عليه السلام
الكتب والسلاح إليه، ثم قال: يا بني، أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أوصي
إليك وأدفع كتبي وسلاحي إليك، كما أوصى إلي رسول الله ودفع كتبه وسلاحه إلي، وأمرني
أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل على الحسين عليه السلام
فقال له: (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا) - وأخذ بيد ابن ابنه علي بن
الحسين عليه السلام وهو صغير (2) - فضمه إليه وقال له: (وأمرك رسول الله أن تدفعها
إلى ابنك محمد، فاقرأه من رسول الله السلام ومني).
(هامش)
(1). ورد هذا الحديث في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي جعفر الباقر
عليه السلام، وفي أوله هذه الزيادة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: هذه وصية أمير
المؤمنين عليه السلام وهي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان وقرأها
عليه. قال أبان: وقرأتها على علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: صدق سليم، رحمه
الله. (2). إنه عليه السلام كان ابن سنتين آنذاك. (*)
ص 445
ثم أقبل على ابنه الحسن عليه السلام فقال: يا بني، أنت ولي الأمر وولي الدم بعدي،
فإن عفوت فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تمثل. ثم قال: أكتب: نص وصية أمير
المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب: أوصى
أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. ثم إني أوصيك يا حسن
وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم، فلا تموتن إلا
وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول: (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم، وإن البغضة حالقة
الدين وفساد ذات البين)(1)، ولا قوة إلا بالله. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون
الله عليكم الحساب. والله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم ولا تضيعوا من
بحضرتكم (2)، فقد سمعت
(هامش)
(1) في الكافي: وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين. (2) في الكافي والتهذيب:
فلا تغبوا أفواههم، أي لا تكونوا تصلوهم يوما. وفي الفقيه: فلا تعر أفواههم ولا
يضيعوا بحضرتكم، أي لا ترفع أصواتهم. (*)
ص 446
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك
الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار). والله الله في القرآن، لا يسبقكم إلى العمل
به غيركم. والله الله في جيرانكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم.
والله الله في بيت ربكم، فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن يترك لم تناظروا. وإن
أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما قد سلف. والله الله في الصلاة، فإنها خير
العمل وإنها عمود دينكم. والله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب ربكم. والله الله في
شهر رمضان، فإن صيامه جنة من النار. والله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في
معيشتكم. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، فإنما يجاهد في سبيل
الله رجلان: إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه. والله الله في ذرية نبيكم، فلا يظلمن
بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم. والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم
يحدثوا حدثا ولم يؤوا محدثا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم ولعن
المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث. والله الله في النساء(1) وما ملكت أيمانكم،
لا تخافن في الله لومة لائم فيكفيكهم الله وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله. ولا
تتركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب
لكم.
(هامش)
(1). ورد هذه الفقرة في الكافي هكذا: الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإن
آخر ما تكلم به نبيكم أن قال: (أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم. الصلاة
الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم الله من آذاكم وبغي عليكم.
قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف و...). (*)
ص 447
عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والنفاق والتقاطع والتدابر
والتفرق. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن
الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم. أستودعكم الله وأقرء
عليكم السلام. ثم لم يزل يقول (لا إله إلا الله) حتى قبض عليه السلام في أول ليلة
من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين، ليلة الجمعة، سنة أربعين من
الهجرة.(1)
(هامش)
(1). زاد في التهذيب هذه العبارة في آخر الحديث: قال أبان: قرأتها على علي بن
الحسين عليه السلام، فقال علي بن الحسين عليه السلام: صدق سليم. (*)
ص 448
(70) أقل ما يجب على المؤمن لحفظ عقيدته

وعن سليم بن قيس، قال: قلت لعلي بن أبي
طالب عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ما الأمر اللازم الذي لا بد منه والأمر الذي
إذا أخذت به وسعني الشك فيما سواه؟ فقال عليه السلام: من شهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأقر بما أنزل الله وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا واجتنب
كل مسكر. الولاية والبراءة إجمالا وتفصيلا قلت: جعلت فداك، الإقرار بما جاء من
عندكم جملة أو مفسرا؟ قال: لا، بل جملة. قلت: جعلت فداك، فما المسكر؟ قال: كل شراب
إذا أكثر منه صاحبه سكر، فالجرعة منه بل القطرة حرام. قلت: جعلت فداك، ليس شيئ مما
قلت إلا وقد صح غير الولاية، أعامة لجميع بني هاشم أو خاصة لفقهائكم وعلمائكم؟
البراءة من عدوكم، من عادى جميعكم أو من عادى رجلا منكم؟(1)
(هامش)
(1). معناه: إن في مسألة (البراءة من عدوكم)، هل هذا العدو من عادى جميعكم أو يكفي
عداوته لرجل منكم؟ (*)
ص 449
فقال عليه السلام: لقد سألت - يا أخا بني هلال - فافهم. إذا أتيت بولايتنا أهل
البيت في الجملة وبرئت من أعدائنا في الجملة فقد أجزأك. فإن عرفك الله الأئمة منا
الأوصياء العلماء الفقهاء، فعرفتهم وأقررت لهم بالطاعة وأطعتهم فأنت مؤمن بالله
وأنت من أهل الجنة، فهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وإن وحدت الله وشهدت أن
محمدا رسول الله وأخذت بما ليس بين جميع أهل القبلة فيه اختلاف - مما قد أجمعوا
عليه أن الله قد أمر به ونهى عنه - وأشكل عليك موضع الأمامة والوصية والعلم والفقه،
فرددت علمه إلى الله ولم تعادهم ولم تبرء منهم ولم تنصب لهم العداوة، فأنت جاهل بما
جهلت ضال عما اهتدى إليه أهل الفضل والولاية. لله فيك المشية، إن عذبك فبذنبك وإن
تجاوز عنك فبرحمته. وأما الناصب لنا والمعادي لنا فمشرك كافر عدو لله. والعارفون
بحقنا المؤمنون بنا مؤمنون مسلمون أولياء الله.
ص 451
المستدرك من أحاديث سليم

نذكر في هذا الفصل 28 حديثا رويت في الموسوعات الحديثية
نقلا عن سليم بن قيس، وتعطي القرائن أنها كانت جزء من كتابه.
ص 452
(71) من لم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية

الصدوق في كمال الدين قال: حدثنا أبي ومحمد
بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري
جميعا عن محمد بن عيسى ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعا عن حماد بن عيسى عن
عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي: أنه سمع من سلمان ومن
أبي ذر ومن المقداد رحمة الله عليهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه
قال: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية). ثم عرضه(1) على جابر وابن عباس فقالا:
صدقوا وبروا، قد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن سلمان
قال: يا رسول الله، إنك قلت: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية)، من هذا الإمام
يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: من أوصيائي يا سلمان. فمن مات من أمتي وليس
له إمام يعرفه مات ميتة جاهلية. فإن جهله وعاداه فهو مشرك، وإن جهله ولم يعاده ولم
يوال له عدوا فهو جاهل وليس بمشرك.
(هامش)
(1). أي عرضه سليم عليهما. (*)
|