فيها مسائل:
الاولى: في نوعها، قال الجمهور: هي حرف، وقيل: اسم، والاصل في (إذن أكرمك) إذا
جئتني أكرمك، ثم حذفت الجملة، وعوض التنوين عنها، وأضمرت أن، وعلى القول الاول،
فالصحيح أنها بسيطة، لا مركبة من إذ وأن، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة، لا أن
مضمرة بعدها. المسألة الثانية: في معناها، قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، فقال
الشلوبين: في كل موضع، وقال أبو على الفارسى: (في الاكثر، وقد تتمحض للجواب، بدليل
أنه يقال لك: أحبك، فتقول: إذن أظنك صادقا،
ص 21
إذ لا مجازاة هنا ضرورة) اه. والاكثر أن تكون جوابا لان أو لو مقدرتين أو ظاهرتين،
فالاول كقوله: 19 - لئن عاد لى عبد العزيز بمثلها * وأمكنني منها إذا لا أقيلها
وقول الحماسي: 20 - لو كنت من مازن لم تستبح إبلى * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
[ص 257] إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا فقوله (إذا لقام
بنصري) بدل من (لم تستبح) وبدل الجواب جواب، والثانى نحو أن يقال: آتيك، فتقول:
(إذن أكرمك) أي: إن أتيتني إذن أكرمك، وقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما
كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض) قال الفراء: حيث
جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة، إن لم تكن ظاهرة. المسألة الثالثة: في لفظها عند
الوقف عليها، والصحيح أن نونها تبدل ألفا، تشبيها لها بتنوين المنصوب، وقيل: يوقف
بالنون، لانها كنون لن وإن، روى عن المازنى والمبرد، وينبنى على الخلاف في الوقف
عليها خلاف في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالالف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني
والمبرد بالنون، وعن القراء إن عملت كتبت بالالف، وإلا كتبت بالنون، للفرق بينها
وبين إذا، وتبعه ابن خروف. المسألة الرابعة: في عملها، وهو نصب المضارع، بشرط
تصديرها، واستقباله، واتصالهما أو انفصالهما بالقسم أو بلا النافية، يقال: آتيك،
فتقول: (إذن أكرمك) ولو قلت (أنا إذن) قلت (أكرمك) بالرفع، لفوات التصدير، فأما
قوله:
ص 22
21 - لا تتركني فيهم شطيرا * إنى إذا أهلك أو أطيرا فمؤول على حذف خبر إن، أي إنى
لا أقدر على ذلك، ثم استأنف ما بعده، ولو قلت (إذا يا عبد الله) قلت: (أكرمك)
بالرفع، للفصل بغير ما ذكرنا، وأجاز ابن عصفور الفصل بالنداء، وابن بابشاذ الفصل
بالنداء وبالدعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، والارجح حينئذ عند الكسائي
النصب، وعند هشام الرفع، ولو قيل لك (أحبك) فقلت (إذن أظنك صادقا) رفعت، لانه حال
تنبيه - قال جماعة من النحويين: إذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان،
نحو (وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا) (فإذن لا يأتون الناس نقيرا) وقرئ شاذا
بالنصب فيهما، والتحقيق أنه إذا قيل: (إن تزرنى أزرك وإذن أحسن إليك) فإن قدرت
العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذن لوقوعها حشوا، أو على الجملتين جميعا جاز الرفع
والنصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعين النصب، لان ما بعدها مستأنف، أو لان المعطوف على
الاول أول ومثل ذلك (زيد يقوم وإذن أحسن إليه) إن عطفت على الفعلية رفعت، أو على
الاسمية فالمذهبان.
(إن) المكسورة الخفيفة: 
ترد على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون
شرطية، نحو (إن ينتهوا يغفر لهم) (وإن تعودوا نعد) وقد تقترن بلا النافية فيظن من
لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية، نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) (إلا تنفروا
يعذبكم) (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين) (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن)
وقد بلغني أن بعض من يدعى الفضل سئل في (إلا تفعلوه) فقال: ما هذا الاستثناء ؟
أمتصل أم منقطع ؟. الثاني: أن تكون نافية، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن
الكافرون
ص 23
إلا في غرور) (إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم) ومن ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا
ليؤمنن به قبل موته) أي: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، فحذف المبتدأ، وبقيت
صفته، ومثله (وإن منكم إلا واردها) وعلى الجملة الفعلية نحو (إن أردنا إلا الحسنى)
(إن يدعون من دونه إلا إناثا) (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) (إن يقولون إلا كذبا).
وقول بعضهم: لا تأتى إن النافية إلا وبعدها إلا كهذه الآيات، أو لما المشددة التى
بمعناها كقراءة بعض السبعة (إن كل نفس لما عليها حافظ) بتشديد الميم، أي ما كل نفس
إلا عليها حافظ، مردود بقوله تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا) (قل إن أدرى أقريب ما
توعدون) (وإن أدرى لعله فتنة لكم) وخرج جماعة على إن النافية قوله تعالى: (إن كنا
فاعلين)، (قل إن كان للرحمن ولد) وعلى هذا فالوقف هنا، وقوله تعالى: (ولقد مكناهم
فيما إن مكناكم فيه) أي في الذى ما مكناكم فيه، وقيل: زائدة، ويؤيد الاول (مكناهم
في الارض ما لم نمكن لكم) وكأنه إنما عدل عن ما لئلا يتكرر فيثقل اللفظ، قيل: ولهذا
لما زادوا على ما الشرطية ما قلبوا ألف ما الاولى هاء فقالوا: مهما، وقيل: بل هي في
الآية بمعنى قد، وإن من ذلك (فذكر إن نفعت الذكرى) وقيل في هذه الآية: إن التقدير
وإن لم تنفع، مثل (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد، وقيل: إنما قيل ذلك بعد أن عمهم
بالتذكير ولزمتهم الحجة، وقيل: ظاهره الشرط ومعناه ذمهم واستبعاد لنفع التذكير
فيهم، كقولك: عظ الظالمين إن سمعوا منك، تريد بذلك الاستبعاد، لا الشرط. وقد اجتمعت
الشرطية والنافية في قوله تعالى: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) الاولى
شرطية، والثانية نافية، جواب للقسم الذى أذنت به اللام الداخلة على الاولى، وجواب
الشرط محذوف وجوبا. وإذا دخلت على الجملة الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء،
وأجاز الكسائي
ص 24
والمبرد إعمالها عمل ليس، وقرأ سعيد بن جبير (إن الذين تدعون من دون الله عبادا
أمثالكم) بنون مخففة مكسورة لالتقاء الساكنين، ونصب عبادا وأمثالكم، وسمع من أهل
العالية (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) و (إن ذلك نافعك ولا ضارك) ومما يتخرج
على الاهمال الذى هو لغة الاكثرين قول بعضهم: (إن قائم) وأصله إن أنا قائم، فحذفت
همزة أنا اعتباطا، وأدغمت نون إن في نونها، وحذفت ألفها في الوصل، وسمع (إن قائما)
على الاعمال، وقول بعضهم نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم أسقطت على القياس في
التخفيف بالنقل ثم سكنت النون وأدغمت مردود، لان المحذوف لعلة كالثابت، ولهذا تقول
(هذا قاض) بالكسر لا بالرفع، لان حذف الياء لالتقاء الساكنين، فهى مقدرة الثبوت،
وحينئذ فيمتنع الادغام، لان الهمزة فاصلة في التقدير، ومثل هذا البحث في قوله
تعالى: (لكنا هو الله ربى). الثالث: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين:
فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين، لنا قراءة الحرميين وأبى بكر
(وإن كلا لما ليوفينهم) وحكاية سيبويه (إن عمرا لمنطلق) ويكثر إهمالها، نحو (وإن كل
ذلك لما متاع الحياة الدنيا) (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) وقراءة حفص (إن هذان
لساحران) وكذا قرأ ابن كثير إلا أنه شدد نون هذان، ومن ذلك (إن كل نفس لما عليها
حافظ) في قراءة من خفف لما وإن دخلت على الفعل أهملت وجوبا، والاكثر كون الفعل
ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) (وإن كادوا ليفتنونك) (وإن وجدنا أكثرهم
لفاسقين) ودونه أن يكون مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) (وإن
نظنك لمن الكاذبين) ويقاس على النوعين اتفاقا، ودون هذا أن يكون ماضيا غير ناسخ،
نحو قوله: 22 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما * جلت عليك عقوبة المتعمد
ص 25
ولا يقاس عليه خلافا للاخفش، أجاز (إن قام لانا، وإن قعد لانت) ودون هذا أن يكون
مضارعا غير ناسخ كقول بعضهم (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه) ولا يقاس عليه
إجماعا، وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة كما في هذه المسألة فاحكم عليها بأن
أصلها التشديد، وفى هذه اللام خلاف يأتي في باب اللام، إن شاء الله تعالى. الرابع:
أن تكون زائدة، كقوله: 23 - ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه * [إذن فلا رفعت سوطي إلى
يدى] وأكثر ما زيدت بعد (ما) النافية إذا دخلت على جملة فعلية كما في البيت، أو
اسمية كقوله. 24 - فما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا وفى هذه الحالة تكف
عمل (ما) الحجازية كما في البيت، وأما قوله: 25 - بنى غدانة ما إن أنتم ذهبا * ولا
صريفا ولكن أنتم الخزف في رواية من نصب ذهبا وصريفا، فخرج على أنها نافية مؤكدة
لما. وقد تزاد بعد ما الموصولة الاسمية كقوله: 26 - يرجى المرء ما إن لا براه *
وتعرض دون أدناه الخطوب [ص 679] وبعد ما المصدرية كقوله: 27 - ورج الفتى للخير ما
إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [ص 38 و 304 و 679] وبعد ألا الاستفتاحية
كقوله: 28 - ألا إن سرى ليلى فبت كئيبا * أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا وقبل مدة
الانكار، سمع سيبويه رجلا يقال له: أتخرج إن أخصبت البادية ؟ فقال: أأنا إنيه ؟
منكرا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وزعم ابن الحاجب أنها تزاد بعد لما الايجابية،
وهو سهو، وإنما تلك أن المفتوحة.
ص 26
وزيد على هذه المعاني الاربعة معنيان آخران، فزعم قطرب أنها قد تكون بمعنى قد كما
مر في (إن نفعت الذكرى) وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ، وجعلوا منه (واتقوا الله
إن كنتم مؤمنين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقوله عليه الصلاة
والسلام (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع، وقوله:
29 - أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم ؟ [ص 35 و 36]
قالوا: وليست شرطية، لان الشرط مستقبل، وهذه القصة قد مضت. وأجاب الجمهور عن قوله
تعالى (إن كنتم مؤمنين) بأنه شرط جئ به للتهييج والالهاب، كما تقول لابنك: إن كنت
ابني فلا تفعل كذا. وعن آية المشيءة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن
المستقبل، أو بأن أصل ذلك الشرط، ثم صار يذكر للتبرك، أو أن المعنى لتدخلن جميعا إن
شاء الله أن لا يموت منكم أحد قبل الدخول، وهذا الجواب لا يدفع السؤال، أو أن ذلك
من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه حين أخبرهم بالمنام، فحكى ذلك لنا،
أو من كلام الملك الذى أخبره في المنام. وأما البيت فمحمول على وجهين: أحدهما: أن
يكون على إقامة السبب مقام المسبب، والاصل أتغصب إن افتخر مفتخر بسبب حز أذنى
قتيبة، إذ الافتخار بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز. الثاني: أن يكون على معنى
التبين، أي أتغضب إن تبين في المستقبل أن أذنى قتيبة حزتا فيما مضى، كما قال الآخر:
30 - إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدى من أن تقرى به بدا أي يتبين أنى لم
تلدني لئيمة.
ص 27
قال و الخليل والمبرد: الصواب (أن أذنا) بفتح الهمزة من أن، أي لان أذنا، ثم هي عند
الخليل أن الناصبة، وعند المبرد أنها أن المخففة من الثقيلة. ويرد قول الخليل أن أن
الناصبة لايليها الاسم على إضمار الفعل، وإنما ذلك لان المكسورة، نحو (وإن أحد من
المشركين استجارك). وعلى الوجهين يتخرج قول الآخر: 31 - إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن
* عارا عليك، ورب قتل عار [ص 134 و 503] أي إن يفتخروا بسبب قتلك، أو إن يتبين أنهم
قتلوك.
(أن) المفتوحة الهمزة الساكنة النون 
على وجهين: اسم، وحرف. والاسم على
وجهين: ضمير المتكلم في قول بعضهم (أن فعلت) بسكون النون، والاكثرون على فتحها
وصلا، وعلى الاتيان بالالف وقفا، وضمير المخاطب في قولك (أنت، وأنت، وأنتما، وأنتم،
وأنتن) على قول الجمهور: إن الضمير هو أن والتاء حرف خطاب. والحرف على أربعة أوجه:
أحدها: أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، وتقع في موضعين، أحدهما: في الابتداء،
فتكون في موضع رفع نحو (وأن تصوموا خير لكم) (وأن تصبروا خير لكم) (وأن يستعففن خير
لهن) (وأن تعفوا أقرب للتقوى) وزعم الزجاج أن منه (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين
الناس) أي خير لكم، فحذف الخبر، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، وقيل في (فالله أحق
أن تخشوه): إن أحق خبر عما بعده، والجملة خبر عن اسم الله سبحانه، وفى (والله
ورسوله أحق أن يرضوه) كذلك، والظاهر فيهما أن الاصل أحق بكذا. والثانى: بعد لفظ دال
ص 28
على معنى غير اليقين، فتكون في موضع رفع نحو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم)
(وعسى أن تكرهوا شيءا) الآية، ونحو (يعجبنى أن تفعل) ونصب نحو (وما كان هذا القرآن
أن يفترى) (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (فأردت أن أعيبها) وخفض نحو (أوذينا من
قبل أن تأتينا) (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) (وأمرت لان أكون) ومحتملة لهما نحو
(والذى أطمع أن يغفر لي) أصله في أن يغفر لى، ومثله (أن تبروا) إذا قدر في أن تبروا
أو لئلا تبروا، وهل المحل بعد حذف الجار جر أو نصب ؟ فيه خلاف، وسيأتى، وقيل:
التقدير مخافة أن تبروا، واختلف في المحل من نحو (عسى زيد أن يقوم) فالمشهور أنه
نصب على الخبرية، وقيل: على المفعولية، وإن معنى (عسيت أن تفعل) قاربت أن تفعل،
ونقل عن المبرد، وقيل: نصب بإسقاط الجار أو بتضمين الفعل معنى قارب، نقله ابن مالك
عن سيبويه، وإن المعنى دنوت من أن تفعل أو قاربت أن تفعل، والتقدير الاول بعيد، إذ
لم يذكر هذا الجار في وقت، وقيل: رفع على البدل سد مسد الجزأين كما سد في قراءة
حمزة (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم) مسد المفعولين. وأن هذه
موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصرف، مضارعا كان كما مر، أو ماضيا نحو (لو لا أن من
الله علينا) (ولو لا أن ثبتناك) أو أمرا كحكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم). هذا هو
الصحيح. وقد اختلف من ذلك في أمرين: أحدهما: كون الموصولة بالماضي والامر هي
الموصولة بالمضارع، والمخالف في ذلك ابن طاهر، زعم أنها غيرها، بدليلين، أحدهما: أن
الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف، والثانى:
أنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعهما بالنصب كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد
إن الشرطية، ولا قائل به
ص 29
والجواب عن الاول أنه منتقض بنون التوكيد، فإنها تخلص المضارع للاستقبال وتدخل على
الامر باطراد واتفاق، وبأدوات الشرط فإنها أيضا تخلصه مع دخولها على الماضي باتفاق.
وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية لانها أثرت القلب
إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله، كما أنها لما أثرت التخليص إلى
الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه. الامر الثاني: كونها توصل بالامر،
والمخالف في ذلك أبو حيان، زعم أنها لا توصل به، وأن كل شيء سمع من ذلك فأن فيه
تفسيرية، واستدل بدليلين، أحدهما: أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الامر، الثاني:
أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا، لا يصح (أعجبني أن قم) ولا (كرهت أن قم) كما يصح
ذلك مع الماضي ومع المضارع. والجواب عن الاول أن فوات معنى الامرية في الموصولة
بالامر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضى والاستقبال في الموصولة بالماضي
والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، ثم إنه يسلم مصدرية أن المخففة من المشددة
مع لزوم مثل ذلك فيها في نحو (والخامسة أن غضب الله عليها) إذ لا يفهم الدعاء من
المصدر إلا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا. وعن الثاني أنه إنما امتنع ما
ذكره لانه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالانشاء، لا لما ذكر، ثم ينبغى له أن
لا يسلم مصدرية كى، لانها لا تقع فاعلا ولا مفعولا، وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل.
ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم) وأجاب عنها بأن
الباء محتملة للزيادة مثلها في قوله: 32 - [هن الحرائر لا ربات أخمرة * سود
المحاجر] لا يقرأن بالسور [ص 109 و 675]
ص 30
وهذا وهم فاحش، لان حروف الجر - زائدة كانت أو غير زائدة - لا تدخل إلا على الاسم
أو ما في تأويله. تنبيه - ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة أن بعضهم يجزم بأن، ونقله
اللحيانى عن بعض بنى صباح من ضبة، وأنشدوا عليه قوله: 33 - إذا ما غدونا قال ولدان
أهلنا * تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب وقوله: 34 - أحاذر أن تعلم بها فتردها *
فتتركها ثقلا على كما هيا وفى هذا نظر، لان عطف المنصوب عليه يدل على أنه مسكن
للضرورة، لا مجزوم. وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن محيصن (لمن أراد أن يتم
الرضاعة)، وقول الشاعر: 35 - أن تقرآن على أسماء ويحكما * منى السلام وأن لا تشعرا
أحدا [ص 697] وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل،
والصواب قول البصريين: إنها أن الناصبة أهملت حملا على (ما) أختها المصدرية، وليس
من ذلك قوله: 36 - ولا تدفنني في الفلاة، فإننى * أخاف إذا مامت أن لا أذوقها كما
زعم بعضهم، لان الخوف هنا يقين، فأن مخففة من الثقيلة. الوجه الثاني: أن تكون مخففة
من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم
قولا) (علم أن سيكون) (وحسبوا أن لا تكون) فيمن رفع تكون، وقوله: 37 - زعم الفرزدق
أن سيقتل مربعا * أبشر بطول سلامة يا مربع
ص 31
وأن هذه ثلاثية الوضع، وهى مصدرية أيضا، وتنصب الاسم وترفع الخبر، خلافا للكوفيين،
زعموا أنها لا تعمل شيءا، وشرط اسمها أن يكون ضميرا محذوفا، وربما ثبت كقوله: 38 -
فلو أنك في يوم الرخاء سألتنى * طلاقك لم أبخل وأنت صديق وهو مختص بالضرورة على
الاصح، وشرط خبرها أن يكون جملة، ولا يجوز إفراده، إلا إذا ذكر الاسم فيجوز
الامران، وقد اجتمعا في قوله: 39 - بأنك ربيع وغيث مربع * وأنك هناك تكون الثمالا
الثالث: أن تكون مفسرة بمنزلة أي، نحو (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) (ونودوا أن
تلكم الجنة) وتحتمل المصدرية بأن يقدر قبلها حرف الجر، فتكون في الاول أن الثنائية
لدخولها على الامر، وفى الثانية المخففة من الثقيلة لدخولها على الاسمية. وعن
الكوفيين إنكار أن التفسيرية البتة، وهو عندي متجه، لانه إذا قيل (كتبت إليه أن قم)
لم يكن قم نفس كتبت كما كان الذهب نفس العسجد في قولك: هذا عسجد أي ذهب، ولهذا لو
جئت بأى مكان (أن) في المثال لم تجده مقبولا في الطبع. ولها عند مثبتها شروط:
أحدها: أن تسبق بجملة، فلذلك غلط من جعل منها (وآخر دعواهم أن الحمد لله). والثانى:
أن تتأخر عنها جملة، فلا يجوز (ذكرت عسجدا أن ذهبا) بل يجب الاتيان بأى أو ترك حرف
التفسير، ولا فرق بين الجملة الفعلية كما مثلنا والاسمية نحو (كتبت إليه أن ما أنت
وهذا). والثالث: أن يكون في الجملة السابقة معنى القول كما مر، ومنه (وانطلق
ص 32
الملا منهم أن امشوا) إذ ليس المراد بالانطلاق المشى، بل انطلاق ألسنتهم بهذا
الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشى المشى المتعارف، بل الاستمرار على الشيء. وزعم
الزمخشري أن التى في قوله تعالى: (أن اتخذى من الجبال بيوتا) مفسرة، ورده أبو عبد
الله الرازي بأن قبله (وأوحى ربك إلى النحل) والوحى هنا إلهام باتفاق، وليس في
الالهام معنى القول، قال: وإنما هي مصدرية، أي باتخاذ الجبال بيوتا. والرابع: أن لا
يكون في الجملة السابقة أحرف القول، فلا يقال (قلت له أن افعل) وفى شرح الجمل
الصغير لابن عصفور أنها قد تكون مفسرة بعد صريح القول، وذكر الزمخشري في قوله تعالى
(ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله) أنه يجوز أن تكون مفسرة للقول على
تأويله بالامر، أي ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به أن اعبدوا الله، وهو حسن، وعلى هذا
فيقال في هذا الضابط: أن لا يكون فيها حروف القول إلا والقول مؤول بغيره، ولا يجوز
في الآية أن تكون مفسره لامرتني، لانه لا يصح أن يكون (اعبدوا الله ربى وربكم)
مقولا لله تعالى، فلا يصح أن يكون تفسيرا لامره، لان المفسر عين تفسيره، ولا أن
تكون مصدرية وهى وصلتها عطف بيان على الهاء في به، ولا بدلا من ما، أما الاول فلان
عطف البيان في الجوامد بمنزلة النعت في المشتقات، فكما أن الضمير لا ينعت كذلك لا
يعطف عليه عطف بيان، ووهم الزمخشري فأجاز ذلك ذهولا عن هذه النكتة، وممن نص عليها
من المتأخرين أبو محمد بن السيد وابن مالك، والقياس معهما في ذلك، وأما الثاني فلان
العبادة لا يعمل فيها فعل القول، نعم إن أول القول بالامر كما فعل الزمخشري في وجه
التفسيرية جاز، ولكنه قد فاته هذا الوجه هنا فأطلق المنع. فإن قيل: لعل امتناعه من
إجازته لان (أمر) لا يتعدى بنفسه إلى الشيء المأمور به إلا قليلا، فكذا ما أول به.
ص 33
قلنا: هذا لازم له على توجيهه التفسيرية، ويصح أن يقدر بدلا من الهاء في (به) ووهم
الزمخشري فمنع ذلك، ظنا منه أن المبدل منه في قوة الساقط فتبقى الصله بلا عائد،
والعائد موجود حسا فلا مانع. والخامس: أن لا يدخل عليها جار، فلو قلت (كتبت إليه
بأن افعل) كانت مصدرية. مسألة - إذا ولى أن الصالحة للتفسير مضارع معه لا نحو (أشرت
إليه أن لا تفعل) جاز رفعه على تقدير لا نافية، وجزمه على تقديرها ناهية، وعليهما
فأن مفسرة، ونصبه على تقدير لا نافية وأن مصدرية، فإن فقدت (لا) امتنع الجزم، وجاز
الرفع والنصب. والوجه الرابع: أن تكون زائدة، ولها أربعة مواضع: أحدها - وهو الاكثر
- أن تقع بعد لما التوقيتية نحو (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم). والثانى: أن تقع
بين لو وفعل القسم، مذكورا كقوله: 40 - فأقسم أن لو التقينا وأنتم * لكان لكم يوم
من الشر مظلم أو متروكا كقوله: 41 - أما والله أن لو كنت حرا * وما بالحر أنت ولا
العتيق هذا قول سيبويه وغيره، وفى مقرب ابن عصفور أنها في ذلك حرف جئ به لربط
الجواب بالقسم، ويبعده أن الاكثر تركها، والحروف الرابطة ليست كذلك والثالث - وهو
نادر - أن تقع بين الكاف ومخفوضها كقوله: 42 - ويوما توافينا بوجه مقسم * كأن ظبية
تعطو إلى وارق السلم في رواية من جر الظبية.
ص 34
والرابع: بعد إذا، كقوله: 43 - فأمهله حتى إذا أن كأنه * معاطى يد في لجة الماء
غامر (1) وزعم الاخفش أنها تزاد في غير ذلك، وأنها تنصب المضارع كما تجر من والباء
الزائدتان الاسم، وجعل منه (وما لنا أن لا نتوكل على الله) (وما لنا أن لا نقاتل في
سبيل الله) وقال غيره: هي في ذلك مصدرية، ثم قيل: ضمن ما لنا معنى ما منعناه، وفيه
نظر، لانه لم يثبت إعمال الجار والمجرور في المفعول به، ولان الاصل أن لا تكون لا
زائدة، والصواب قول بعضهم: إن الاصل وما لنا في أن لا نفعل كذا، وإنما لم يجز
للزائدة أن تعمل لعدم اختصاصها بالافعال، بدليل دخولها على احرف وهو لو وكأن في
البيتين (2)، وعلى الاسم وهو ظبية في البيت السابق (3) بخلاف حرف الجر الزائد، فإنه
كالحرف المعدى في الاختصاص بالاسم، فلذلك عمل فيه. مسألة - ولا معنى لان الزائدة
غير التوكيد كسائر الزوائد، قال أبو حيان: وزعم الزمخشري أنه ينجر مع التوكيد معنى
آخر، فقال في قوله تعالى (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيئ بهم): دخلت أن في هذه القصة
ولم تدخل في قصة إبراهيم في قوله تعالى (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا
سلاما) تنبيها وتأكيدا على أن الاساءة كانت تعقب المجئ، فهى مؤكدة في قصة لوط
للاتصال واللزوم، ولا كذلك في قصة ابراهيم، إذ ليس الجواب فيها كالاول، وقال
الشلوبين: لما كانت أن للسبب في (جئت أن أعطى) أي للاعطاء أفادت هنا أن الاساءة
كانت لاجل المجئ وتعقبه، وكذلك في قولهم (أما والله أن لو فعلت لفعلت) أكدت أن ما
بعد لو وهو السبب في الجواب، وهذا الذى ذكراه لا يعرفه كبراء النحويين، انتهى.
والذى رأيته في كلام الزمخشري في تفسير سورة العنكبوت مانصه: أن صلة أكدت وجود
الفعلين مرتبا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما،