الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 9

بسم الله الرحمن الرحيم

قال سيدنا ومولانا الشيخ الامام العالم العلامة جمال الدين رحلة الطالبين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام، الانصاري، قدس الله روحه، ونور ضريحه (1) أما بعد حمد الله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله، فإن أولى ما تقترحه القرائح، وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح، ما يتيسر به فهم كتاب الله المنزل، ويتضح به معنى حديث نبيه المرسل، فإنهما الوسيلة إلى السعادة الابدية، والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية، وأصل ذلك علم الاعراب، الهادى إلى صوب الصواب، وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكة زادها الله شرفا كتابا في ذلك، منورا من أرجاء قواعده كل حالك، ثم إننى أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر، ولما من الله [تعالى] على في عام ستة وخمسين بمعاودة حرم الله، والمجاورة في خير بلاد الله، شمرت عن ساعد الاجتهاد ثانيا، واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا، ووضعت هذا التصنيف، على أحسن إحكام وترصيف، وتتبعت فيه مقفلات مسائل الاعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها، وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها. فدونك كتابا تشد الرحال فيما دونه، وتقف عنده فحول الرجال ولا يعدونه، إذ كان الوضع في هذا الغرض لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله ومما حثني على وضعه أننى لما أنشأت في معناه المقدمة الصغرى المسماة ب‍ (الاعراب عن قواعد الاعراب) حسن وقعها عند أولى الالباب، وسار نفعها في جماعة الطلاب مع أن الذى أودعته فيها بالنسبة إلى ما ادخرته عنها كشذرة من عقد نحر، بل

(هامش)

(1) تختلف النسخ في هذه التقدمة، وظاهر أنها ليست من كلام المؤلف

ص 10

كقطرة من قطرات بحر، وها أنا بائح بما أسررته، مفيد لما قررته وحررته، مقرب فوائده للافهام، واضع فرائده على طرف الثمام، لينالها الطلاب بأدنى إلمام، سائل من حسن خيمه، وسلم من داء الحسد أديمه، إذا عثر على شيء طغى به القلم، أو زلت به القدم، أن يغتفر ذلك في جنب ما قربت إليه من البعيد، ورددت عليه من الشريد، وأرحته من التعب، وصيرت القاصي يناديه من كثب، وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو، وأن الصارم قد ينبو، وأن النار قد تخبو، وأن الانسان محل النسيان، وأن الحسنات يذهبن السيئات: 1 - ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلها ؟ ! * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه وينحصر في ثمانية أبواب.

الباب الاول، في تفسير المفردات وذكر أحكامها.
ا
لباب الثاني، في تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها.
الباب الثالث، في ذكر ما يتردد بين المفردات والجمل، وهو الظرف والجار والمجرور، وذكر أحكامهما.
الباب الرابع، في ذكر أحكام يكثر دورها، ويقبح بالمعرب جهلها.
الباب الخامس، في ذكر الاوجه التى يدخل على المعرب الخلل من جهتها.
الباب السادس، في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها
الباب السابع، في كيفية الاعراب
الباب الثامن، في ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية وأعلم أننى تأملت كتب الاعراب فإذا السبب الذى اقتضى طولها ثلاثة أمور، أحدها: كثرة التكرار، فإنها لم توضع لافادة القوانين الكلية، بل للكلام على الصور الجزئية. فتراهم يتكلمون على التركيب المعين بكلام، ثم حيث جاءت نظائره أعادوا

ص 11

ذلك الكلام، ألا ترى أنهم حيث مر بهم مثل الموصول في قوله تعالى: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) ذكروا أن فيه ثلاثة أوجه، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (إنك أنت السميع العليم) ذكروا فيه ثلاثة أوجه أيضا، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم) ذكروا فيه وجهين، ويكررون ذكر الخلاف فيه إذا أعرب فصلا، أله محل باعتبار ما قبله أم باعتبار ما بعده أم لا محل له ؟ والخلاف في كون المرفوع فاعلا أو مبتدأ إذا وقع بعد إذا في نحو (إذا السماء انشقت) أو إن في نحو (وإن امرأة خافت) أو الظرف في نحو (أفى الله شك) أو لو في نحو (ولو أنهم صبروا) وفى كون أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار في نحو (شهد الله أنه لا إله إلا هو) ونحو (حصرت صدورهم أن يقاتلوكم) في موضع خفض بالجار المحذوف على حد قوله: 2 - [إذا قيل أي الناس شر قبيلة ؟] * أشارت كليب بالاكف الاصابع [ص 643] أو نصب بالفعل [المذكور] على حد قوله: 2 - [لدن بهز الكف يعسل متنه] * فيه كما عسل الطريق الثعلب [ص 525 و 576] وكذلك يكررون الخلاف في جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض، وعلى الضمير المتصل المرفوع من غير وجود الفاصل، وغير ذلك مما إذا استقصى أمل القلم، وأعقب السأم، فجمعت هذه المسائل ونحوها مقررة محررة في الباب الرابع من هذا الكتاب، فعليك بمراجعته، فإنك تجد به كنزا واسعا تنفق منه، ومنهلا سائغا ترده وتصدر عنه. والامر الثاني: إيراد ما لا يتعلق بالاعراب، كالكلام في اشتقاق اسم، أهو من السمة كما يقول الكوفيون أو من السمو كما يقول البصريون ؟ والاحتجاج لكل من الفريقين، وترجيح الراجح من القولين، وكالكلام على ألفه، لم حذفت

ص 12

من البسملة خطا ؟ وعلى باء الجر ولامه، لم كسرتا لفظا ؟ وكالكلام على ألف ذا الاشارية، أزائدة هي كما يقول الكوفيون أم منقلبة عن ياء هي عين واللام ياء أخرى محذوفة كما يقول البصريون ؟ والعجب من مكى بن أبى طالب إذ أورد مثل هذا في كتابه الموضوع لبيان مشكل الاعراب مع أن هذا ليس من الاعراب في شيء، وبعضهم إذا ذكر الكلمة ذكر تكسيرها وتصغيرها، وتأنيثها وتذكيرها، وما ورد (1) فيها من اللغات، وما روى من القراآت، وإن لم ينبن على ذلك شيء من الاعراب. والثالث: إعراب الواضحات، كالمبتدأ وخبره والفاعل ونائبه، والجار والمجرور، والعاطف والمعطوف، وأكثر الناس استقصاء لذلك الحوفى. وقد تجنبت هذين الامرين وأتيت مكانهما بما يتبصر به الناظر، ويتمرن به الخاطر، من إيراد النظائر القرآنية، والشواهد الشعرية، وبعض ما اتفق في المجالس النحوية. ولما تم هذا التصنيف على الوجه الذى قصدته، وتيسر فيه من لطائف المعارف ما أردته واعتمدته، سميته ب‍ (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) وخطابي به لمن ابتدأ في تعلم الاعراب، ولمن استمسك منه بأوثق الاسباب. ومن الله تعالى أستمد الصواب، والتوفيق إلى ما يحظينى لديه بجزيل الثواب، وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخطل، والفهم من الزيغ والزلل، إنه أكرم مسئول، وأعظم مأمول.

(هامش)

(1) في نسخة (وما ذكر فيها من اللغات) (*)

ص 13

الباب الاول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها

وأعنى بالمفردات الحروف وما تضمن معناها الاسماء والظروف، فإنها المحتاجة إلى ذلك، وقد رتبتها على حروف المعجم، ليسهل تناولها، وربما ذكرت أسماء غير تلك وأفعالا، لمسيس الحاجة إلى شرحها.

(حرف الالف)

الالف المفردة:

تأتى على وجهين: أحدهما: أن تكون حرفا ينادى به القريب، كقوله:

4 - أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ***** وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملي

ونقل ابن الخباز عن شيخه أنه للمتوسط، وأن الذى للقريب (يا) وهذا خرق لاجماعهم. والثانى: أن تكون للاستفهام، وحقيقته: طلب الفهم، نحو (أزيد قائم) وقد أجيز الوجهان في قراءة الحرميين (أمن هو قانت آناء الليل) وكون الهمزة فيه للنداء هو قول الفراء، ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير (يا) ويقربه سلامته من دعوى المجاز، إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته، ومن دعوى كثرة الحذف، إذ التقدير عند جعلها للاستفهام: أمن هو قانت خير أم هذا الكافر، أي المخاطب بقوله تعالى: (قل تمتع بكفرك قليلا) فحذف شيئان: معادل الهمزة والخبر، ونظيره في حذف المعادل قول أبى ذؤيب الهذلى: 5 - دعاني إليها القلب، إنى لامره * سميع، فما أدرى أرشد طلابها [ص 43 و 628] تقديره: أم غى، ونظيره في مجئ الخبر كلمة (خير) واقعة قبل أم (أفمن يلقى

ص 14

في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) ولك أن تقول: لا حاجة إلى تقدير معادل في البيت، لصحة قولك: ما أدرى هل طلابها رشد، وامتناع أن يؤتى لهل بمعادل، وكذلك لا حاجة في الآية إلى تقدير معادل، لصحة تقدير الخبر بقولك: كمن ليس كذلك، وقد قالوا في قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت): إن التقدير: كمن ليس كذلك، أو لم يوحدوه، ويكون (وجعلوا لله شركاء) معطوفا على الخبر على التقدير الثاني، وقالوا: التقدير في قوله تعالى: (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) أي كمن ينعم في الجنة، وفى قوله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) أي كمن هداه الله، بدليل (فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء) أو التقدير: ذهبت نفسك عليهم حسرة، بدليل قوله تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وجاء في التنزيل موضع صرح فيه بهذا الخبر وحذف المبتدأ، على العكس مما نحن فيه، وهو قوله تعالى: (كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما) أي أمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الانهار كمن هو خالد في النار، وجاءا مصرحا بهما على الاصل في قوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله). والالف أصل أدوات الاستفهام، ولهذا خصت بأحكام: أحدها: جواز حذفها، سواء تقدمت على (أم) كقول عمر بن أبى ربيعة: 6 - بدالى منها معصم حين جمرت * وكف خضيب زينت ببنان فو الله ما أدرى وإن كنت داريا * بسبع رميت الجمر أم بثمان ؟ أراد أبسبع، أم لم تتقدمها كقول الكميت: 7 - طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب أراد أوذو الشيب يلعب ؟ واختلف في قول عمر بن أبى ربيعة:

ص 15

8 - ثم قالوا: تحبها ؟ قلت: بهرا * عدد الرمل والحصى والتراب فقيل: أراد أتحبها، وقيل إنه خبر، أي أنت تحبها، ومعنى (قلت بهرا) قلت أحبها حبا بهرنى بهرا، أي غلبنى غلبة، وقيل: معناه عجبا، وقال المتنبي: 9 - أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا * والبين جار على ضعفى وما عدلا أحيا: فعل مضارع، والاصل أأحيا، فحذفت همزة الاستفهام، والواو للحال، والمعنى التعجب من حياته، يقول: كيف أحيا وأقل شيء قاسيته قد قتل غيرى، والاخفش يقيس ذلك في الاختيار عند أمن اللبس، وحمل عليه قوله تعالى: (وتلك نعمة تمنها على) وقوله تعالى: (هذا ربى) في المواضع الثلاثة، والمحققون على أنه خبر، وأن مثل ذلك يقوله من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى كلامه ثم يكر عليه بالابطال بالحجة، وقرأ ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) وقال عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام: (وإن زنى وإن سرق ؟) فقال: (وإن زنى وإن سرق). الثاني: أنها ترد لطلب التصور، نحو (أزيد قائم أم عمرو) ولطلب التصديق، نحو (أزيد قائم ؟) وهل مختصة بطلب التصديق، نحو (هل قام زيد) وبقية الادوات مختصة بطلب التصور، نحو (من جاءك ؟ وما صنعت ؟ وكم مالك ؟ وأين بيتك ؟ ومتى سفرك ؟). الثالث: أنها تدخل على الاثبات كما تقدم، وعلى النفى نحو (ألم نشرح لك صدرك) (أو لما أصابتكم مصيبة) وقوله: 10 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقى الذى لاقاه أمثالى ؟ [ص 69] ذكره بعضهم، وهو منتقض بأم، فإنها تشاركها في ذلك، تقول: أقام زيد أم لم يقم ؟. الرابع: تمام التصدير، بدليلين، أحدهما: أنها لا تذكر بعد (أم) التى للاصراب كما يذكر غيرها، لا تقول: أقام زيد أم أقعد، وتقول: أم هل قعد،

ص 16

والثانى: أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو (أو لم ينظروا) (أفلم يسيروا) (أثم إذا ما وقع آمنتم به) وأخواتها تتأخر عن حروف العطف كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ؟) (فأين تذهبون) (فأنى تؤفكون) (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (فأى الفريقين) (فما لكم في المنافقين فئتين) هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالفهم جماعة أولهم الزمخشري، فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الاصلى، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التقدير في (أفلم يسيروا) (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) (أفإن مات أو قتل انقلبتم) (أفما نحن بميتين): أمكثوا فلم يسيروا في الارض، أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا، أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم، أنحن مخلدون فما نحن بميتين، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف، وأنه غير مطرد [في جميع المواضع] أما الاول فلدعوى حذف الجملة، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه، لان المتجوز فيه على قولهم أقل لفظا، مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شيء في شيء، أي أصالة الهمزة في التصدير، وأما الثاني فلانه غير ممكن في نحو (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) وقد جزم الزمخشري في مواضع بما يقوله الجماعة، منها قوله في (أفأمن أهل القرى): إنه عطف على (فأخذناهم بغتة) وقوله في (أئنا لمبعوثون أو آباؤنا) فيمن قرأ بفتح الواو: إن (آباؤنا) عطف على الضمير في (مبعوثون) وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام، وجوز الوجهين في موضع، فقال في قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون): دخلت همزة الانكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون.

ص 17

فصل قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان: أحدها: التسوية، وربما توهم أن المراد بها الهمزة الواقعة بعد كلمة (سواء) بخصوصها، وليس كذلك، بل كما تقع بعدها تقع بعد (ما أبالى) و (ما أدرى) و (ليت شعرى) ونحوهن، والطابط: أنها الهمزة الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، نحو (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) ونحو (ما أبالى أقمت أم قعدت) ألا ترى أنه يصح سواء عليهم الاستغفار وعدمه وما أبالى بقيامك وعدمه. والثانى: الانكار الابطالي، وهذه تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، نحو (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) (أفسحر هذا) (أشهدوا خلقهم) (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) (أفعيينا بالخلق الاول) ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفى ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا، لان نفى النفى إثبات، ومنه (أليس الله بكاف عبده) أي الله كاف عبده، ولهذا عطف (وضعنا) على (ألم نشرح لك صدرك) لما كان معناه شرحنا، ومثله (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى) (ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل) ولهذا أيضا كان قول جرير في عبد الملك: 11 - ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح مدحا، بل قيل: إنه أمدح بيت قالته العرب، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحا ألبتة. والثالث: الانكار التوبيخى، فيقتضى أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم، (2 - مغنى اللبيب 1)

ص 18

نحو (أتعبدون ما تنحتون) (أغير الله تدعون) (أئفكا آلهة دون الله تريدون) (أتأتون الذكران) (أتأخذونه بهتانا) وقول العجاج: 12 - أطربا وأنت قنسرى * والدهر بالانسان دوارى ؟ [ص 681] أي أتطرب وأنت شيخ كبير ؟. والرابع: التقرير، ومعناه حملك المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه، ويجب أن يليها الشيء الذى تقرره به، تقول في التقرير بالفعل: أضربت زيدا ؟ وبالفاعل: أأنت ضربت زيدا، وبالمفعول: أزيدا ضربت، كما يجب ذلك في المستفهم عنه، وقوله تعالى: (أأنت فعلت هذا) محتمل لارادة الاستفهام الحقيقي، بأن يكونوا لم يعلموا أنه الفاعل، ولارادة التقرير، بأن يكونوا قد علموا، ولا يكون استفهاما عن الفعل ولا تقريرا به، لان الهمزة لم تدخل عليه، ولانه عليه الصلاة والسلام قد أجابهم بالفاعل بقوله: (بل فعله كبيرهم هذا). فإن قلت: ما وجه حمل الزمخشري الهمزة في قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) على التقرير ؟. قلت: قد اعتذر عنه بأن مراده التقرير بما بعد النفى، لا التقرير بالنفى، والاولى أن تحمل الآية على الانكار التوبيخى أو الابطالي، أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ. امس والخ: التهكم، نحو (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا). والسادس: الامر، نحو (أأسلمتم) أي أسلموا. والسابع: التعجب، نحو (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل). والثامن: الاستبطاء، نحو (ألم يأن للذين آمنوا). وذكر بعضهم معاني أخر لا صحة لها.

ص 19

تنبيه - قد تقع الهمزة فعلا، وذلك أنهم يقولون (وأى) بمعنى وعد، ومضارعه يئى بحذف الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، كما تقول: وفى يفى، وونى ينى، والامر منه إه، بحذف اللام [للامر] وبالهاء للسكت في الوقف، وعلى ذلك يتخرج اللغز المشهور، وهو قوله: 13 - إن هند المليحة الحسناء * وأى من أضمرت لخل وفاء فإنه يقال: كيف رفع اسم إن وصفته الاولى ؟ والجواب: أن الهمزة فعل أمر، والنون للتوكيد، والاصل إين بهمزة مكسورة، وياء ساكنة للمخاطبة، ونون مشددة للتوكيد، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع النون المدغمة كما في قوله: 14 - لتقرعن على السن من ندم * إذا تذكرت يوما بعض أخلاقي وهند: منادى مثل (يوسف أعرض عن هذا) والمليحة: نعت لها على اللفظ كقوله: 15 - * يا حكم الوارث عن عبد الملك * والحسناء: إما نعت لها على الموضع كقول مادح عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: 16 - يعود الفضل منك على قريش * وتفرج عنهم الكرب الشدادا فما كعب بن مامة وابن سعدى * بأجود منك يا عمرالجوادا وإما بتقدير أمدح، وإما نعت لمفعول به محذوف، أي عدى يا هند الخلة الحسناء، وعلى الوجهين الاولين فيكون إنما أمرها بإيقاع الوعد الوفى، من غير أن يعين لها الموعود، وقوله (وأى) مصدر نوعي منصوب بفعل الامر، والاصل وأيا مثل وأى من، ومثله (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) وقوله (أضمرت) بتاء التأنيث محمول على معنى من مثل (من كانت أمك ؟).

ص 20

(آ) بالمد - حرف لنداء البعيد

وهو مسموع، لم يذكره سيبويه، وذكره غيره.

(أيا) حرف كذلك، وفى الصحاح أنه حرف لنداء القريب والبعيد، ليس وكذلك، قال الشاعر: 17 - أيا جبلى نعمان بالله خليا * نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها وقد تبدل همزتها هاء، كقوله: 18 - فأصاخ يرجو أن يكون حيا * ويقول من فرح: هيا ربا

(أجل) بسكون اللام - حرف جواب مثل نعم، فيكون تصديقا للمخبر، وإعلاما للمستخبر، ووعدا للطالب، فتقع بعد نحو (قام زيد) ونحو (أقام زيد) ونحو (أضرب زيدا) وقيد المالقى الخبر بالمثبت، والطلب بغير النهى، وقيل: لا تجيء بعد الاستفهام، وعن الاخفش هي بعد الخبر أحسن من نعم ونعم بعد الاستفهام أحسن منها، وقيل: تختص بالخبر، وهو قول الزمخشري وابن مالك وجماعة، وقال ابن خروف: أكثر ما تكون بعده.

(إذن) فيها مسائل: الاولى: في نوعها، قال الجمهور: هي حرف، وقيل: اسم، والاصل في (إذن أكرمك) إذا جئتني أكرمك، ثم حذفت الجملة، وعوض التنوين عنها، وأضمرت أن، وعلى القول الاول، فالصحيح أنها بسيطة، لا مركبة من إذ وأن، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة، لا أن مضمرة بعدها. المسألة الثانية: في معناها، قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، فقال الشلوبين: في كل موضع، وقال أبو على الفارسى: (في الاكثر، وقد تتمحض للجواب، بدليل أنه يقال لك: أحبك، فتقول: إذن أظنك صادقا،

ص 21

إذ لا مجازاة هنا ضرورة) اه‍. والاكثر أن تكون جوابا لان أو لو مقدرتين أو ظاهرتين، فالاول كقوله: 19 - لئن عاد لى عبد العزيز بمثلها * وأمكنني منها إذا لا أقيلها وقول الحماسي: 20 - لو كنت من مازن لم تستبح إبلى * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا [ص 257] إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا فقوله (إذا لقام بنصري) بدل من (لم تستبح) وبدل الجواب جواب، والثانى نحو أن يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) أي: إن أتيتني إذن أكرمك، وقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض) قال الفراء: حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة، إن لم تكن ظاهرة. المسألة الثالثة: في لفظها عند الوقف عليها، والصحيح أن نونها تبدل ألفا، تشبيها لها بتنوين المنصوب، وقيل: يوقف بالنون، لانها كنون لن وإن، روى عن المازنى والمبرد، وينبنى على الخلاف في الوقف عليها خلاف في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالالف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني والمبرد بالنون، وعن القراء إن عملت كتبت بالالف، وإلا كتبت بالنون، للفرق بينها وبين إذا، وتبعه ابن خروف. المسألة الرابعة: في عملها، وهو نصب المضارع، بشرط تصديرها، واستقباله، واتصالهما أو انفصالهما بالقسم أو بلا النافية، يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) ولو قلت (أنا إذن) قلت (أكرمك) بالرفع، لفوات التصدير، فأما قوله:

ص 22

21 - لا تتركني فيهم شطيرا * إنى إذا أهلك أو أطيرا فمؤول على حذف خبر إن، أي إنى لا أقدر على ذلك، ثم استأنف ما بعده، ولو قلت (إذا يا عبد الله) قلت: (أكرمك) بالرفع، للفصل بغير ما ذكرنا، وأجاز ابن عصفور الفصل بالنداء، وابن بابشاذ الفصل بالنداء وبالدعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، والارجح حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع، ولو قيل لك (أحبك) فقلت (إذن أظنك صادقا) رفعت، لانه حال تنبيه - قال جماعة من النحويين: إذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان، نحو (وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا) (فإذن لا يأتون الناس نقيرا) وقرئ شاذا بالنصب فيهما، والتحقيق أنه إذا قيل: (إن تزرنى أزرك وإذن أحسن إليك) فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذن لوقوعها حشوا، أو على الجملتين جميعا جاز الرفع والنصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعين النصب، لان ما بعدها مستأنف، أو لان المعطوف على الاول أول ومثل ذلك (زيد يقوم وإذن أحسن إليه) إن عطفت على الفعلية رفعت، أو على الاسمية فالمذهبان.

(إن) المكسورة الخفيفة:

ترد على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون شرطية، نحو (إن ينتهوا يغفر لهم) (وإن تعودوا نعد) وقد تقترن بلا النافية فيظن من لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية، نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) (إلا تنفروا يعذبكم) (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين) (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن) وقد بلغني أن بعض من يدعى الفضل سئل في (إلا تفعلوه) فقال: ما هذا الاستثناء ؟ أمتصل أم منقطع ؟. الثاني: أن تكون نافية، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن الكافرون

ص 23

إلا في غرور) (إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم) ومن ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، فحذف المبتدأ، وبقيت صفته، ومثله (وإن منكم إلا واردها) وعلى الجملة الفعلية نحو (إن أردنا إلا الحسنى) (إن يدعون من دونه إلا إناثا) (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) (إن يقولون إلا كذبا). وقول بعضهم: لا تأتى إن النافية إلا وبعدها إلا كهذه الآيات، أو لما المشددة التى بمعناها كقراءة بعض السبعة (إن كل نفس لما عليها حافظ) بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، مردود بقوله تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا) (قل إن أدرى أقريب ما توعدون) (وإن أدرى لعله فتنة لكم) وخرج جماعة على إن النافية قوله تعالى: (إن كنا فاعلين)، (قل إن كان للرحمن ولد) وعلى هذا فالوقف هنا، وقوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) أي في الذى ما مكناكم فيه، وقيل: زائدة، ويؤيد الاول (مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم) وكأنه إنما عدل عن ما لئلا يتكرر فيثقل اللفظ، قيل: ولهذا لما زادوا على ما الشرطية ما قلبوا ألف ما الاولى هاء فقالوا: مهما، وقيل: بل هي في الآية بمعنى قد، وإن من ذلك (فذكر إن نفعت الذكرى) وقيل في هذه الآية: إن التقدير وإن لم تنفع، مثل (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد، وقيل: إنما قيل ذلك بعد أن عمهم بالتذكير ولزمتهم الحجة، وقيل: ظاهره الشرط ومعناه ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم، كقولك: عظ الظالمين إن سمعوا منك، تريد بذلك الاستبعاد، لا الشرط. وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله تعالى: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) الاولى شرطية، والثانية نافية، جواب للقسم الذى أذنت به اللام الداخلة على الاولى، وجواب الشرط محذوف وجوبا. وإذا دخلت على الجملة الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء، وأجاز الكسائي

ص 24

والمبرد إعمالها عمل ليس، وقرأ سعيد بن جبير (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنون مخففة مكسورة لالتقاء الساكنين، ونصب عبادا وأمثالكم، وسمع من أهل العالية (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) و (إن ذلك نافعك ولا ضارك) ومما يتخرج على الاهمال الذى هو لغة الاكثرين قول بعضهم: (إن قائم) وأصله إن أنا قائم، فحذفت همزة أنا اعتباطا، وأدغمت نون إن في نونها، وحذفت ألفها في الوصل، وسمع (إن قائما) على الاعمال، وقول بعضهم نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم أسقطت على القياس في التخفيف بالنقل ثم سكنت النون وأدغمت مردود، لان المحذوف لعلة كالثابت، ولهذا تقول (هذا قاض) بالكسر لا بالرفع، لان حذف الياء لالتقاء الساكنين، فهى مقدرة الثبوت، وحينئذ فيمتنع الادغام، لان الهمزة فاصلة في التقدير، ومثل هذا البحث في قوله تعالى: (لكنا هو الله ربى). الثالث: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين: فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين، لنا قراءة الحرميين وأبى بكر (وإن كلا لما ليوفينهم) وحكاية سيبويه (إن عمرا لمنطلق) ويكثر إهمالها، نحو (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) وقراءة حفص (إن هذان لساحران) وكذا قرأ ابن كثير إلا أنه شدد نون هذان، ومن ذلك (إن كل نفس لما عليها حافظ) في قراءة من خفف لما وإن دخلت على الفعل أهملت وجوبا، والاكثر كون الفعل ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) (وإن كادوا ليفتنونك) (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ودونه أن يكون مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) (وإن نظنك لمن الكاذبين) ويقاس على النوعين اتفاقا، ودون هذا أن يكون ماضيا غير ناسخ، نحو قوله: 22 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما * جلت عليك عقوبة المتعمد

ص 25

ولا يقاس عليه خلافا للاخفش، أجاز (إن قام لانا، وإن قعد لانت) ودون هذا أن يكون مضارعا غير ناسخ كقول بعضهم (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه) ولا يقاس عليه إجماعا، وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة كما في هذه المسألة فاحكم عليها بأن أصلها التشديد، وفى هذه اللام خلاف يأتي في باب اللام، إن شاء الله تعالى. الرابع: أن تكون زائدة، كقوله: 23 - ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه * [إذن فلا رفعت سوطي إلى يدى] وأكثر ما زيدت بعد (ما) النافية إذا دخلت على جملة فعلية كما في البيت، أو اسمية كقوله. 24 - فما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا وفى هذه الحالة تكف عمل (ما) الحجازية كما في البيت، وأما قوله: 25 - بنى غدانة ما إن أنتم ذهبا * ولا صريفا ولكن أنتم الخزف في رواية من نصب ذهبا وصريفا، فخرج على أنها نافية مؤكدة لما. وقد تزاد بعد ما الموصولة الاسمية كقوله: 26 - يرجى المرء ما إن لا براه * وتعرض دون أدناه الخطوب [ص 679] وبعد ما المصدرية كقوله: 27 - ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [ص 38 و 304 و 679] وبعد ألا الاستفتاحية كقوله: 28 - ألا إن سرى ليلى فبت كئيبا * أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا وقبل مدة الانكار، سمع سيبويه رجلا يقال له: أتخرج إن أخصبت البادية ؟ فقال: أأنا إنيه ؟ منكرا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وزعم ابن الحاجب أنها تزاد بعد لما الايجابية، وهو سهو، وإنما تلك أن المفتوحة.

ص 26

وزيد على هذه المعاني الاربعة معنيان آخران، فزعم قطرب أنها قد تكون بمعنى قد كما مر في (إن نفعت الذكرى) وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ، وجعلوا منه (واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقوله عليه الصلاة والسلام (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع، وقوله: 29 - أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم ؟ [ص 35 و 36] قالوا: وليست شرطية، لان الشرط مستقبل، وهذه القصة قد مضت. وأجاب الجمهور عن قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) بأنه شرط جئ به للتهييج والالهاب، كما تقول لابنك: إن كنت ابني فلا تفعل كذا. وعن آية المشيءة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل، أو بأن أصل ذلك الشرط، ثم صار يذكر للتبرك، أو أن المعنى لتدخلن جميعا إن شاء الله أن لا يموت منكم أحد قبل الدخول، وهذا الجواب لا يدفع السؤال، أو أن ذلك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه حين أخبرهم بالمنام، فحكى ذلك لنا، أو من كلام الملك الذى أخبره في المنام. وأما البيت فمحمول على وجهين: أحدهما: أن يكون على إقامة السبب مقام المسبب، والاصل أتغصب إن افتخر مفتخر بسبب حز أذنى قتيبة، إذ الافتخار بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز. الثاني: أن يكون على معنى التبين، أي أتغضب إن تبين في المستقبل أن أذنى قتيبة حزتا فيما مضى، كما قال الآخر: 30 - إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدى من أن تقرى به بدا أي يتبين أنى لم تلدني لئيمة.

ص 27

قال و الخليل والمبرد: الصواب (أن أذنا) بفتح الهمزة من أن، أي لان أذنا، ثم هي عند الخليل أن الناصبة، وعند المبرد أنها أن المخففة من الثقيلة. ويرد قول الخليل أن أن الناصبة لايليها الاسم على إضمار الفعل، وإنما ذلك لان المكسورة، نحو (وإن أحد من المشركين استجارك). وعلى الوجهين يتخرج قول الآخر: 31 - إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن * عارا عليك، ورب قتل عار [ص 134 و 503] أي إن يفتخروا بسبب قتلك، أو إن يتبين أنهم قتلوك.

(أن) المفتوحة الهمزة الساكنة النون

على وجهين: اسم، وحرف. والاسم على وجهين: ضمير المتكلم في قول بعضهم (أن فعلت) بسكون النون، والاكثرون على فتحها وصلا، وعلى الاتيان بالالف وقفا، وضمير المخاطب في قولك (أنت، وأنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن) على قول الجمهور: إن الضمير هو أن والتاء حرف خطاب. والحرف على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، وتقع في موضعين، أحدهما: في الابتداء، فتكون في موضع رفع نحو (وأن تصوموا خير لكم) (وأن تصبروا خير لكم) (وأن يستعففن خير لهن) (وأن تعفوا أقرب للتقوى) وزعم الزجاج أن منه (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) أي خير لكم، فحذف الخبر، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، وقيل في (فالله أحق أن تخشوه): إن أحق خبر عما بعده، والجملة خبر عن اسم الله سبحانه، وفى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) كذلك، والظاهر فيهما أن الاصل أحق بكذا. والثانى: بعد لفظ دال

ص 28

على معنى غير اليقين، فتكون في موضع رفع نحو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) (وعسى أن تكرهوا شيءا) الآية، ونحو (يعجبنى أن تفعل) ونصب نحو (وما كان هذا القرآن أن يفترى) (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (فأردت أن أعيبها) وخفض نحو (أوذينا من قبل أن تأتينا) (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) (وأمرت لان أكون) ومحتملة لهما نحو (والذى أطمع أن يغفر لي) أصله في أن يغفر لى، ومثله (أن تبروا) إذا قدر في أن تبروا أو لئلا تبروا، وهل المحل بعد حذف الجار جر أو نصب ؟ فيه خلاف، وسيأتى، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، واختلف في المحل من نحو (عسى زيد أن يقوم) فالمشهور أنه نصب على الخبرية، وقيل: على المفعولية، وإن معنى (عسيت أن تفعل) قاربت أن تفعل، ونقل عن المبرد، وقيل: نصب بإسقاط الجار أو بتضمين الفعل معنى قارب، نقله ابن مالك عن سيبويه، وإن المعنى دنوت من أن تفعل أو قاربت أن تفعل، والتقدير الاول بعيد، إذ لم يذكر هذا الجار في وقت، وقيل: رفع على البدل سد مسد الجزأين كما سد في قراءة حمزة (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم) مسد المفعولين. وأن هذه موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصرف، مضارعا كان كما مر، أو ماضيا نحو (لو لا أن من الله علينا) (ولو لا أن ثبتناك) أو أمرا كحكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم). هذا هو الصحيح. وقد اختلف من ذلك في أمرين: أحدهما: كون الموصولة بالماضي والامر هي الموصولة بالمضارع، والمخالف في ذلك ابن طاهر، زعم أنها غيرها، بدليلين، أحدهما: أن الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف، والثانى: أنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعهما بالنصب كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية، ولا قائل به

ص 29

والجواب عن الاول أنه منتقض بنون التوكيد، فإنها تخلص المضارع للاستقبال وتدخل على الامر باطراد واتفاق، وبأدوات الشرط فإنها أيضا تخلصه مع دخولها على الماضي باتفاق. وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية لانها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله، كما أنها لما أثرت التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه. الامر الثاني: كونها توصل بالامر، والمخالف في ذلك أبو حيان، زعم أنها لا توصل به، وأن كل شيء سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية، واستدل بدليلين، أحدهما: أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الامر، الثاني: أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا، لا يصح (أعجبني أن قم) ولا (كرهت أن قم) كما يصح ذلك مع الماضي ومع المضارع. والجواب عن الاول أن فوات معنى الامرية في الموصولة بالامر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضى والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، ثم إنه يسلم مصدرية أن المخففة من المشددة مع لزوم مثل ذلك فيها في نحو (والخامسة أن غضب الله عليها) إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا. وعن الثاني أنه إنما امتنع ما ذكره لانه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالانشاء، لا لما ذكر، ثم ينبغى له أن لا يسلم مصدرية كى، لانها لا تقع فاعلا ولا مفعولا، وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل. ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم) وأجاب عنها بأن الباء محتملة للزيادة مثلها في قوله: 32 - [هن الحرائر لا ربات أخمرة * سود المحاجر] لا يقرأن بالسور [ص 109 و 675]

ص 30

وهذا وهم فاحش، لان حروف الجر - زائدة كانت أو غير زائدة - لا تدخل إلا على الاسم أو ما في تأويله. تنبيه - ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة أن بعضهم يجزم بأن، ونقله اللحيانى عن بعض بنى صباح من ضبة، وأنشدوا عليه قوله: 33 - إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا * تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب وقوله: 34 - أحاذر أن تعلم بها فتردها * فتتركها ثقلا على كما هيا وفى هذا نظر، لان عطف المنصوب عليه يدل على أنه مسكن للضرورة، لا مجزوم. وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن محيصن (لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وقول الشاعر: 35 - أن تقرآن على أسماء ويحكما * منى السلام وأن لا تشعرا أحدا [ص 697] وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، والصواب قول البصريين: إنها أن الناصبة أهملت حملا على (ما) أختها المصدرية، وليس من ذلك قوله: 36 - ولا تدفنني في الفلاة، فإننى * أخاف إذا مامت أن لا أذوقها كما زعم بعضهم، لان الخوف هنا يقين، فأن مخففة من الثقيلة. الوجه الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) (علم أن سيكون) (وحسبوا أن لا تكون) فيمن رفع تكون، وقوله: 37 - زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا * أبشر بطول سلامة يا مربع

ص 31

وأن هذه ثلاثية الوضع، وهى مصدرية أيضا، وتنصب الاسم وترفع الخبر، خلافا للكوفيين، زعموا أنها لا تعمل شيءا، وشرط اسمها أن يكون ضميرا محذوفا، وربما ثبت كقوله: 38 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتنى * طلاقك لم أبخل وأنت صديق وهو مختص بالضرورة على الاصح، وشرط خبرها أن يكون جملة، ولا يجوز إفراده، إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الامران، وقد اجتمعا في قوله: 39 - بأنك ربيع وغيث مربع * وأنك هناك تكون الثمالا الثالث: أن تكون مفسرة بمنزلة أي، نحو (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) (ونودوا أن تلكم الجنة) وتحتمل المصدرية بأن يقدر قبلها حرف الجر، فتكون في الاول أن الثنائية لدخولها على الامر، وفى الثانية المخففة من الثقيلة لدخولها على الاسمية. وعن الكوفيين إنكار أن التفسيرية البتة، وهو عندي متجه، لانه إذا قيل (كتبت إليه أن قم) لم يكن قم نفس كتبت كما كان الذهب نفس العسجد في قولك: هذا عسجد أي ذهب، ولهذا لو جئت بأى مكان (أن) في المثال لم تجده مقبولا في الطبع. ولها عند مثبتها شروط: أحدها: أن تسبق بجملة، فلذلك غلط من جعل منها (وآخر دعواهم أن الحمد لله). والثانى: أن تتأخر عنها جملة، فلا يجوز (ذكرت عسجدا أن ذهبا) بل يجب الاتيان بأى أو ترك حرف التفسير، ولا فرق بين الجملة الفعلية كما مثلنا والاسمية نحو (كتبت إليه أن ما أنت وهذا). والثالث: أن يكون في الجملة السابقة معنى القول كما مر، ومنه (وانطلق

ص 32

الملا منهم أن امشوا) إذ ليس المراد بالانطلاق المشى، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشى المشى المتعارف، بل الاستمرار على الشيء. وزعم الزمخشري أن التى في قوله تعالى: (أن اتخذى من الجبال بيوتا) مفسرة، ورده أبو عبد الله الرازي بأن قبله (وأوحى ربك إلى النحل) والوحى هنا إلهام باتفاق، وليس في الالهام معنى القول، قال: وإنما هي مصدرية، أي باتخاذ الجبال بيوتا. والرابع: أن لا يكون في الجملة السابقة أحرف القول، فلا يقال (قلت له أن افعل) وفى شرح الجمل الصغير لابن عصفور أنها قد تكون مفسرة بعد صريح القول، وذكر الزمخشري في قوله تعالى (ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله) أنه يجوز أن تكون مفسرة للقول على تأويله بالامر، أي ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به أن اعبدوا الله، وهو حسن، وعلى هذا فيقال في هذا الضابط: أن لا يكون فيها حروف القول إلا والقول مؤول بغيره، ولا يجوز في الآية أن تكون مفسره لامرتني، لانه لا يصح أن يكون (اعبدوا الله ربى وربكم) مقولا لله تعالى، فلا يصح أن يكون تفسيرا لامره، لان المفسر عين تفسيره، ولا أن تكون مصدرية وهى وصلتها عطف بيان على الهاء في به، ولا بدلا من ما، أما الاول فلان عطف البيان في الجوامد بمنزلة النعت في المشتقات، فكما أن الضمير لا ينعت كذلك لا يعطف عليه عطف بيان، ووهم الزمخشري فأجاز ذلك ذهولا عن هذه النكتة، وممن نص عليها من المتأخرين أبو محمد بن السيد وابن مالك، والقياس معهما في ذلك، وأما الثاني فلان العبادة لا يعمل فيها فعل القول، نعم إن أول القول بالامر كما فعل الزمخشري في وجه التفسيرية جاز، ولكنه قد فاته هذا الوجه هنا فأطلق المنع. فإن قيل: لعل امتناعه من إجازته لان (أمر) لا يتعدى بنفسه إلى الشيء المأمور به إلا قليلا، فكذا ما أول به.

ص 33

قلنا: هذا لازم له على توجيهه التفسيرية، ويصح أن يقدر بدلا من الهاء في (به) ووهم الزمخشري فمنع ذلك، ظنا منه أن المبدل منه في قوة الساقط فتبقى الصله بلا عائد، والعائد موجود حسا فلا مانع. والخامس: أن لا يدخل عليها جار، فلو قلت (كتبت إليه بأن افعل) كانت مصدرية. مسألة - إذا ولى أن الصالحة للتفسير مضارع معه لا نحو (أشرت إليه أن لا تفعل) جاز رفعه على تقدير لا نافية، وجزمه على تقديرها ناهية، وعليهما فأن مفسرة، ونصبه على تقدير لا نافية وأن مصدرية، فإن فقدت (لا) امتنع الجزم، وجاز الرفع والنصب. والوجه الرابع: أن تكون زائدة، ولها أربعة مواضع: أحدها - وهو الاكثر - أن تقع بعد لما التوقيتية نحو (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم). والثانى: أن تقع بين لو وفعل القسم، مذكورا كقوله: 40 - فأقسم أن لو التقينا وأنتم * لكان لكم يوم من الشر مظلم أو متروكا كقوله: 41 - أما والله أن لو كنت حرا * وما بالحر أنت ولا العتيق هذا قول سيبويه وغيره، وفى مقرب ابن عصفور أنها في ذلك حرف جئ به لربط الجواب بالقسم، ويبعده أن الاكثر تركها، والحروف الرابطة ليست كذلك والثالث - وهو نادر - أن تقع بين الكاف ومخفوضها كقوله: 42 - ويوما توافينا بوجه مقسم * كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم في رواية من جر الظبية.

ص 34

والرابع: بعد إذا، كقوله: 43 - فأمهله حتى إذا أن كأنه * معاطى يد في لجة الماء غامر (1) وزعم الاخفش أنها تزاد في غير ذلك، وأنها تنصب المضارع كما تجر من والباء الزائدتان الاسم، وجعل منه (وما لنا أن لا نتوكل على الله) (وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله) وقال غيره: هي في ذلك مصدرية، ثم قيل: ضمن ما لنا معنى ما منعناه، وفيه نظر، لانه لم يثبت إعمال الجار والمجرور في المفعول به، ولان الاصل أن لا تكون لا زائدة، والصواب قول بعضهم: إن الاصل وما لنا في أن لا نفعل كذا، وإنما لم يجز للزائدة أن تعمل لعدم اختصاصها بالافعال، بدليل دخولها على احرف وهو لو وكأن في البيتين (2)، وعلى الاسم وهو ظبية في البيت السابق (3) بخلاف حرف الجر الزائد، فإنه كالحرف المعدى في الاختصاص بالاسم، فلذلك عمل فيه. مسألة - ولا معنى لان الزائدة غير التوكيد كسائر الزوائد، قال أبو حيان: وزعم الزمخشري أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر، فقال في قوله تعالى (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيئ بهم): دخلت أن في هذه القصة ولم تدخل في قصة إبراهيم في قوله تعالى (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما) تنبيها وتأكيدا على أن الاساءة كانت تعقب المجئ، فهى مؤكدة في قصة لوط للاتصال واللزوم، ولا كذلك في قصة ابراهيم، إذ ليس الجواب فيها كالاول، وقال الشلوبين: لما كانت أن للسبب في (جئت أن أعطى) أي للاعطاء أفادت هنا أن الاساءة كانت لاجل المجئ وتعقبه، وكذلك في قولهم (أما والله أن لو فعلت لفعلت) أكدت أن ما بعد لو وهو السبب في الجواب، وهذا الذى ذكراه لا يعرفه كبراء النحويين، انتهى. والذى رأيته في كلام الزمخشري في تفسير سورة العنكبوت مانصه: أن صلة أكدت وجود الفعلين مرتبا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما،

(هامش)

(1) حقيقة القافية (غارف)
(2) هما الشاهدان 41 و 43
(3) هو الشاهد رقم 42

ص 35

كأنها وجدا في جزء واحد من الزمان، كأنه قيل: لما أحس بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث، انتهى. والريث: البطء، وليس في كلامه تعرض للفرق بين القصتين كما نقل عنه، ولا كلامه مخالف لكلام النحويين، لاطباقهم على أن الزائد يؤكد معنى ما جئ به لتوكيده، ولما تفيد وقوع الفعل الثاني عقب الاول وترتبه عليه، فالحرف الزائد يؤكد ذلك، ثم إن قصة الخليل التى فيها (قالوا سلاما) ليست في السورة التى فيها (سئ بهم)، بل في سورة هود، وليس فيها لما، ثم كيف يتخيل أن التحية تقع بعد المجئ ببطء ؟ وإنما يحسن اعتقادنا تأخر الجواب في سورة العنكبوت إذ الجواب فيها (قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية) ثم إن التعبير بالاساءة لحن، لان الفعل ثلاثى كما نطق به التنزيل، والصواب المساءة، وهى عبارة الزمخشري، وأما ما نقله عن الشلوبين فمعترض من وجهين: أحدهما: أن المفيد للتعليل في مثاله إنما هو لام العلة المقدرة، لا أن والثانى: أن أن في المثال مصدرية، والبحث في الزائدة. تنبيه - وقد ذكر لان معان أربعة أخر: أحدها: الشرطية كإن المكسورة، وإليه ذهب الكوفيون، ويرجحه عندي أمور أحدها: توارد المفتوحة والمكسورة على المحل الواحد، والاصل التوافق، فقرى بالوجهين قوله تعالى (أن تضل إحداهما) (ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم) (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) وقد مضى أنه روى بالوجهين قوله: * أتغضب إن أذن قتيبة حزتا * [29] الثاني: مجئ الفاء بعدها كثيرا، كقوله: 44 - أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع [ص 59، 437، 694] الثالث: عطفها على إن المكسورة في قوله:

ص 36

45 - إما أقمت وأما أنت مرتحلا * فالله يكلا ما تأتى وما تذر الرواية بكسر إن الاولى وفتح الثانية، فلو كانت المفتوحة مصدرية لزم عطف المفرد على الجملة، وتعسف ابن الحاجب في توجيه ذلك، فقال: لما كان معنى قولك (إن جئتني أكرمتك) وقولك (أكرمك لاتيانك إياى) واحدا صح عطف التعليل على الشرط في البيت، ولذلك تقول (إن جئتني وأحسنت إلى أكرمتك) ثم تقول (إن جئتني ولاحسانك إلى أكرمتك) فتجعل الجواب لهما، انتهى. وما أظن أن العرب فاهت بذلك يوما ما. المعنى الثاني: النفى كإن المكسورة أيضا، قاله بعضهم في قوله تعالى (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) وقيل: إن المعنى ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب إلا لمن تبع دينكم، وجملة القول اعتراض. والثالث: معنى إذ كما تقدم عن بعضهم في إن المكسورة، وهذا قاله بعضهم في (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) (يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا) وقوله: * أتغضب أن أذنا فتيبة حزتا * [29] والصواب أنها في ذلك كله مصدرية، وقبلها لام العله مقدرة. والرابع: أن تكون بمعنى لئلا، قيل به في (يبين الله لكم أن تضلوا) وقوله: 46 - نزلتم منزل الاضياف منا * فعجلنا القرى أن تشتمونا والصواب أنها مصدرية، والاصل كراهية أن تضلوا، ومخافة أن تشتمونا، وهو قول البصريين. وقيل: هو على إضمار لام قبل أن ولا بعدها، وفيه تعسف.

ص 37

(إن) - المكسورة المشددة

على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف توكيد، تنصب الاسم وترفع الخبر، قيل: وقد تنصبهما في لغة، كقوله: 47 - إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن * خطاك خفافا، إن حراسنا أسدا وفى الحديث (إن قعر جهنم سبعين خريفا) وقد خرج البيت على الحالية وأن الخبر محذوف، أي تلقاهم أسدا، والحديث على أن القعر مصدر (قعرت البئر) إذا بلغت قعرها، وسبعين ظرف، أي إن بلوغ قعرها يكون في سبعين عاما. وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوفا كقوله عليه الصلاة السلام: (إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) الاصل إنه أي الشأن كما قال: 48 - إن من يدخل الكنيسة يوما * يلق فيها جاذرا وظباء [ص 589] وإنما لم تجعل (من) اسمها لانها شرطية، بدليل جزمها الفعلين، والشرط له الصدر، فلا يعمل فيه ما قبله. وتخريج الكسائي الحديث على زيادة من في اسم إن يأباه غير الاخفش من البصريين، لان الكلام إيجاب، والمجرور معرفة على الاصح، والمعنى أيضا يأباه، لانهم ليسوا أشد عذابا من سائر الناس. وتخفف فتعمل قليلا، وتهمل كثيرا، وعن الكوفيين أنها لا تخفف، وأنه إذا قيل (إن زيد لمنطلق) فإن نافية، واللام بمعنى إلا، ويرده أن منهم من يعملها مع التخفيف، حكى سيبويه (إن عمرا لمنطلق) وقرأ الحرميان وأبو بكر (وإن كلا لما ليوفينهم). الثاني: أن تكون حرف جواب بمعنى نعم، خلافا لابي عبيدة، استدل المثبتون بقوله:

ص 38

49 - ويقلن: شيب قد علا * ك، وقد كبرت، فقلت: إنه [ص 649] ورد بأنا لا نسلم أن الهاء للسكت، بل هي ضمير منصوب بها، والخبر محذوف، أي إنه كذلك، والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضى الله عنه لمن قال له لعن الله ناقه حملتني إليك (إن وراكبها) أي نعم ولعن راكبها إذ لا يجوز حذف الاسم والخبر جميعا. وعن المبرد أنه حمل على ذلك. قراءة من قرأ (إن هذان لساحران) واعترض بأمرين، أحدهما: أن مجئ إن بمعنى نعم شاذ، حتى قيل: إنه لم يثبت، والثانى: أن اللام لا تدخل في خبر المبتدأ، وأجيب عن هذا بأنها لام زائدة، وليست للابتداء، أو بأنها داخلة على مبتدأ محذوف، أي لهما ساحران، أو بأنها دخلت بعد إن هذه لشبهها بإن المؤكدة لفظا كما قال: ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [27] فزاد (إن) بعد ما المصدرية لشبهها في اللفظ بما النافية، ويضعف الاول أن زيادة اللام في الخبر خاصة بالشعر، والثانى أن الجمع بين لام التوكيد وحذف المبتدأ كالجمع بين متنافيين، وقيل: اسم إن ضمير الشأن، وهذا أيضا ضعيف، لان الموضوع لتقوية الكلام لا يناسبه الحذف، والمسموع من حذفه شاذ إلا في باب أن المفتوحة إذا خففت، فاستسهلوه لوروده في كلام بنى على التخفيف، فحذف تبعا لحذف النون، ولانه لو ذكر لوحب التشديد، إذ الضمائر ترد الاشياء إلى أصولها، ألا ترى أن من يقول لد ولم يك ووالله يقول لدنك ولم يكنه وبك لافعلن، ثم يرد إشكال دخول اللام، وقيل: هذان اسمها، ثم اختلف، فقيل: جاءت على لغة بلحرث بن كعب في إجراء المثنى بالالف دائما، كقوله: 50 - [إن أباها وأبا أباها] * قد بلغا في المجد غايتاها [ص 122، 216] واختار هذا الوجه ابن مالك، وقيل: هذان مبنى لدلالته على [معنى] الاشارة،

ص 39

وإن قول الاكثرين (هذين) جرا ونصبا ليس إعرابا أيضا، واختاره ابن الحاجب، قلت: وعلى هذا فقراءة (هذان) أقيس، إذ الاصل في المبنى أن لا تختلف صيغه، مع أن فيها مناسبة لالف ساحران، وعكسه الياء في (إحدى ابنتى هاتين) فهى هنا أرجح لمناسبة ياء (ابنتى) وقيل: لما اجتمعت ألف هذا وألف الثانية في التقدير قدر بعضهم سقوط ألف التثنية فلم تقبل ألف هذا التغيير. تنبيه - تأتى (إن) فعلا ماضيا مسندا لجماعة المؤنث من الاين - وهو التعب تقول (النساء إن) أي تعبن، أو من آن بمعنى قرب، أو مسندا لغيرهن على أنه من الانين وعلى أنه مبنى للمفعول على لغة من قال في رد وحب: رد وحب، بالكسر تشبيها له بقيل وبيع، والاصل مثلا (أن زيد يوم الخميس) ثم قيل (إن يوم الخميس) أو فعل أمر للواحد من الانين، أو لجماعة الاناث من الاين أو من آن بمعنى قرب، أو للواحدة مؤكدا بالنون من وأى بمعنى وعد كقوله: * إن هند المليحة الحسناء * [13] وقد مر، ومركبة من إن النافية وأنا كقول بعضهم (إن قائم) والاصل إن أنا قائم، ففعل فيه ماضى شرحه (1) فالاقسام إذن عشرة: هذه الثمانية، والمؤكدة، والجوابية. تنبيه - في الصحاح الاين الاعياء، وقال أبو زيد: لا يبنى منه فعل، وقد خولف فيه، انتهى، فعلى قول أبى زيد يسقط بعض الاقسام.

(أن) - المفتوحة المشددة النون

على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف توكيد، تنصب الاسم وترفع الخبر، والاصح أنها فرع عن إن المكسورة، ومن هنا صح للزمخشري أن يدعى أن أنما بالفتح تفيد الحصر كإنما، وقد اجتمعتا في قوله تعالى (قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد) فالاولى لقصر الصفة [على الموصوف]، والثانية بالعكس، وقول أبى حيان (هذا شيء

(هامش)

(1) قد بينه واضحا في ص 24

ص 40

انفرد به، ولا يعرف القول بذلك إلا في إنما بالكسر) مردود بما ذكرت وقوله (إن دعوى الحصر هنا باطلة لاقتضائها أنه لم يوح إليه غير التوحيد) مردود أيضا بأنه حصر مقيد (1)، إذ الخطاب مع المشركين، فالمعنى ما أوحى إلى في أمر الربوبية إلا التوحيد، لا الاشراك، ويسمى ذلك قصر قلب، لقلب اعتقاد المخاطب، وإلا فما الذى يقول هو في نحو (وما محمد إلا رسول) ؟ فإن ما للنفي وإلا للحصر قطعا، وليست صفته عليه الصلاة والسلام منحصرة في الرسالة، ولكن لما استعظموا موته جعلوا كأنهم أثبتوا له البقاء الدائم، فجاء الحصر باعتبار ذلك، ويسمى قصر إفراد. والاصح أيضا أنها موصول حرفي مؤول مع معموليه بالمصدر، فإن كان الخبر مشتقا فالمصدر المؤول به من لفظه، فتقدير (بلغني أنك تنطلق) أو (أنك منطلق) بلغني الانطلاق، ومنه (بلغني أنك في الدار) التقدير استقرارك في الدار، لان الخبر في الحقيقة هو المحذوف من استقر أو مستقر، وإن كان جامدا قدر بالكون نحو (بلغني أن هذا زيد) تقديره بلغني كونه زيدا، لان كل خبر جامد يصح نسبته إلى المخبر عنه بلفظ الكون، تقول (هذا زيد) وإن شيءت (هذا كائن زيدا) إذ معناهما واحد، وزعم السهيلي أن الذى يؤول بالمصدر إنما هو أن الناصبة للفعل لانها أبدا مع الفعل المتصرف، وأن المشددة إنما تؤول بالحديث، قال: وهو قول سيبويه، ويؤيده أن خبرها قد يكون اسما محضا نحو (علمت أن الليث الاسد) وهذا لا يشعر بالمصدر، انتهى. وقد مضى أن هذا يقدر بالكون. وتخفف أن بالاتفاق، فيبقى عملها على الوجه الذى تقدم [شرحه] في أن الخفيفة (2) الثاني: أن تكون لغة في لعل كقول بعضهم (ائت السوق أنك تشترى لنا شيءا) وقراءة من قرأ (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) وفيها بحث سيأتي في باب اللام.

(هامش)

(1) يريد أنه قصر إضافي.
(2) انظر ص 30 السابقة

ص 41

(أم)

على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون متصلة، وهى منحصرة في نوعين، وذلك لانها إما أن تتقدم عليها همزة التسوية نحو (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) وليس منه قول زهير: 51 - وما أدرى وسوف إخال أدرى * أقوم آل حصن أم نساء [ص 139، 393، 398] لما سيأتي، أو تتقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين نحو (أزيد في الدار أم عمرو) وإنما سميت في النوعين متصلة لان ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، وتسمى أيضا معادلة، لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الاول والاستفهام في النوع الثاني. ويفترق النوعان من أربعة أوجه: أولها وثانيها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابا، لان المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب لانه خبر، وليست تلك كذلك، لان الاستفهام معها على حقيقته. والثالث والرابع: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين، ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين، وتكونان فعليتين كما تقدم، واسميتين كقوله: 52 - ولست أبالى بعد فقدي مالكا * أموتى ناء أم هو الآن وقع ومختلفتين نحو (سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) وأم الاخرى تقع بين المفردين، وذلك هو الغالب فيها، نحو (أأنتم أشد خلقا أم السماء) وبين جملتين ليستا في تأويل المفردين وتكونان أيضا فعليتين كقوله: 53 - فقمت للطيف مرتاعا فأرقني * فقلت: أهى سرت أم عادني حلم [ص 378] وذلك على الارجح في (هي) من أنها فاعل بمحذوف يفسره سرت، واسميتين كقوله:

ص 42

54 - لعمرك ما أدرى، وإن كنت داريا، * شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر الاصل (أشعيث) بالهمز في أوله والتنوين في آخره، فحذفهما للضرورة، والمعنى: ما أدرى أي النسبين هو الصحيح، ومثله بيت زهير السابق (1). والذى غلط ابن الشجرى حتى جعله من النوع الاول توهمه أن معنى الاستفهام فيه غير مقصود البتة، لمنافاته لفعل الدراية. وجوابه أن معنى قولك (علمت أزيد قائم) علمت جواب أزيد قائم، وكذلك (ما علمت). وبين المختلفتين، نحو (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) وذلك أيضا على الارجح من كون (أنتم) فاعلا. مسألة - أم المتصلة التى تستحق الجواب إنما تجاب بالتعيين، لانها سؤال عنه، فإذا قيل (أزيد عندك أم عمرو) قيل في الجواب: زيد، أو قيل: عمرو، ولا يقال (لا) ولا (نعم). فإن قلت: فقد قال ذو الرمة: 55 - قول عجوز مدرجى متروحا * على بابها من عند أهلى وغاديا: أذو زوجة بالمصر، أم ذو خصومة * أراك لها بالبصرة العام ثاويا ؟ فقلت لها: لا، إن أهلى جيرة * لا كثبة الدهنا جميعا وماليا وما كنت مذ أبصرتني في خصومة * أراجع فيها - يا ابنة القوم - قاضيا

(هامش)

(1) هو الشاهد رقم 51 (*)

ص 43

قلت: ليس قوله (لا) جوابا لسؤالها، بل رد لما توهمته من وقوع أحد الامرين: كونه ذا زوجة، وكونه ذا خصومة، ولهذا لم يكتف بقوله (لا)، إذ كان رد ما لم تلفظ به إنما يكون بالكلام التام، فلهذا قال: (إن أهلى جيرة - البيت) و (وما كنت مذ أبصرتني - البيت). مسألة - إذا عطفت بعد الهمزة بأو، فإن كانت همزة التسوية لم تجز قياسا، وقد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا (سواء كان كذا أو كذا) وهو نظير قولهم (يجب أقل الامرين من كذا أو كذا) والصواب العطف في الاول بأم، وفى الثاني بالواو، وفى الصحاح (تقول: سواء على قمت أو قعدت) انتهى. ولم يذكر غير ذلك، وهو سهو، وفى كامل الهذلى أن ابن محيصن قرأ من طريق الزعفراني (سواء عليهم أنذرتهم أو لم تنذرهم) وهذا من الشذوذ بمكان، وإن كانت همزة الاستفهام جاز قياسا، وكان الجواب بنعم أو بلا، وذلك أنه إذا قيل (أزيد عندك أو عمرو) فالمعنى أأحدهما عندك أم لا، فإن أجبت بالتعيين صح، لانه جواب وزيادة، ويقال (الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية ؟) فتعطف الاول بأو، والثانى بأم، ويجاب عندنا بقولك: أحدهما، وعند الكيسانية بابن الحنفية، ولا يجوز أن تجيب بقولك الحسن أو بقولك الحسين، لانه لم يسأل عن الافضل من الحسن وابن الحنفية ولا من الحسين وابن الحنفية، وإنما جعل واحدا منهما لا بعينه قرينا لابن الحنفية، فكأنه قال: (أأحدهما أفضل أم ابن الحنيفة ؟). مسألة - سمع حذف أم المتصلة ومعطوفها كقول الهذلى: دعاني إليها القلب إنى لامره * سميع، فما أدرى أرشد طلابها [5] تقديره أم غى، كذا قالوا، وفيه بحث كما مر (1)، وأجاز بعضهم حذف معطوفها بدونها، فقال في قوله تعالى: (أفلا تبصرون أم): إن الوقف هنا، وإن التقدير: أم تبصرون، ثم يبتدأ (أنا خير) وهذا باطل، إذ لم يسمع حذف معطوف

(هامش)

(1) أنظر ص 14 (*)

ص 44

بدون عاطفه (1) وإنما المعطوف جملة (أنا خير) ووجه المعادلة بينها وبين الجملة قبلها أن الاصل: أم تبصرون، ثم أقيمت الاسمية مقام الفعلية والسبب مقام المسبب، لانهم إذا قالوا له أنت خير كانوا عند بصراء، وهذا معنى كلام سيبويه. فإن قلت: فإنهم يقولون: أتفعل هذا أم لا، والاصل أم لا تفعل. قلت: إنما وقع الحذف بعد لا، ولم يقع بعد العاطف، وأحرف الجواب تحذف الجمل بعدها كثيرا، وتقوم هي في اللفظ مقام تلك الجمل، فكأن الجملة هنا مذكورة، لوجود ما يغنى عنها. وأجاز الزمخشري وحده حذف ما عطفت عليه أم، فقال في (أم كنتم شهداء): يجوز كون أم متصلة على أن الخطاب لليهود، وحذف معادلها، أي أتدعون على الانبياء اليهودية أم كنتم شهداء ؟ وجوز ذلك الواحدى أيضا، وقدر: أبلغكم ما تنسبون إلى يعقوب من إيصائه بنيه باليهودية أم كنتم شهداء، انتهى. الوجه الثاني: أن تكون منقطعة، وهى ثلاثة أنواع: مسبوقة بالخبر المحض، نحو (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه) ومسبوقة بهمزة لغير استفهام، نحو (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها)، إذ الهمزة في ذلك للانكار، فهى بمنزلة النفى، والمتصلة لا تقع بعده، ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة، نحو (هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور [أم جعلوا لله شركاء] ومعنى أم المنقطعة الذى لا يفارقها الاضراب، ثم تارة تكون له مجردا، وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا، أو استفهاما طلبيا. فمن الاول (هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء) أما الاولى فلان الاستفهام لا يدخل على الاستفهام،

(هامش)

(1) في نسخة (إذ لم يسمع حذف معطوفها) وهى أحسن. (*)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب