الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 45

وأما الثانية فلان المعنى على الاخبار عنهم باعتقاد الشركاء، قال الفراء: يقولون (هل لك قبلنا حق أم أنت رجل ظالم) يريدون بل أنت. ومن الثاني (أم له البنات ولكم البنون) تقديره: بل أله البنات ولكم البنون، إذ لو قدرت للاضراب المحض لزم المحال. ومن الثالث قولهم (إنها لابل أم شاء) التقدير: بل أهى شاء. وزعم أبو عبيدة أنها قد تأتى بمعنى الاستفهام المجرد، فقال في قول الاخطل: 56 - كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا إن المعنى هل رأيت. ونقل ابن الشجرى عن جميع البصريين أنها أبدا بمعنى بل والهمزة جميعا، وأن الكوفيين خالفوهم في ذلك، والذى يظهر لى قولهم، إذ المعنى في نحو (أم جعلوا لله شركاء) ليس على الاستفهام، ولانه يلزم البصريين دعوى التوكيد في نحو (أم هل تستوى الظلمات) ونحو (أم ماذا كنتم تعملون) (أم من هذا الذى هو جند لكم) وقوله: 57 - أنى جزوا عامرا سوأ بفعلهم * أم كيف يجزوننى السوأى من الحسن ؟ أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به * رئمان أنف إذا ما ضن باللبن ؟ العلوق - بفتح العين المهملة - الناقة التى علق قلبها بولدها، وذلك أنه ينحر ثم يحشى جلده تبنا ويجعل بين يديها لتشمه فتدر عليه، فهى تسكن إليه مرة، وتنفر عنه أخرى.

ص 46

وهذا البيت ينشد لمن يعد بالجميل ولا يفعله، لانطواء قلبه على ضده، وقد أنشده الكسائي في مجلس الرشيد بحضرة الاصمعي، فرفع (رئمان) فرده عليه الاصمعي، وقال: إنه بالنصب، فقال له الكسائي: اسكت، ما أنت وهذا ؟ يجوز الرفع والنصب والجر، فسكت. ووجهه أن الرفع على الابدال من (ما) والنصب بنعطى، والخفض بدل من الهاء، وصوب ابن الشجرى إنكار الاصمعي، فقال: لان رئمانها للبو بأنفها هو عطيتها إياه لا عطية لها غيره، فإذا رفع لم يبق لها عطية في البيت، لان في رفعه إخلاء تعطى من مفعوله لفظا وتقديرا، والجر أقرب إلى الصواب قليلا، وإنما حق الاعراب والمعنى النصب، وعلى الرفع فيحتاج إلى تقدير ضمير راجع إلى المبدل منه، أي رئمان أنف له. والضمير في (بفعلهم) لعامر، لان المراد به القبيلة، ومن بمعنى البدل مثلها في (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) وأنكر ذلك بعضهم، وزعم أن من متعلقة بكلمة البدل محذوفة. ونظير هذه الحكاية أن ثعلبا كان يأتي الرياشى ليسمع منه الشعر، فقال له الرياشى يوما: كيف تروى (بازل) من قوله: 58 - ما تنقم الحرب العوان منى * بازل عامين حديث سنى * لمثل هذا ولدتني أمي * [ص 682] فقال ثعلب: المثلى تقول هذا ؟ إنما أسير (1) إليك لهذه المقطعات والخرافات يروى البيت بالرفع على الاستئناف، وبالخفض على الاتباع، وبالنصب على الحال. ولا تدخل (أم) المنقطعة على مفرد، ولهذا قدروا المبتدأ في (إنها لابل أم شاء) وخرق ابن مالك في بعض كتبه إجماع النحويين، فقال: لا حاجة إلى تقدير مبتدأ، وزعم أنها تعطف المفردات كبل، وقدرها [ها] هنا ببل دون الهمزة،

(هامش)

(1) في نسخة (أصير إليك) بالصاد بدل السين، ولا بأس بها. (*)

ص 47

واستدل بقول بعضهم (إن هناك لابلا أم شاء) بالنصب، فإن صحت روايته فالاولى أن يقدر لشاء ناصب، أي أم أرى شاء تنبيه - قد ترد أم محتملة للاتصال والانقطاع: فمن ذلك قوله تعالى (قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) قال الزمخشري: يجوز في أم أن تكون معادلة بمعنى أي الامرين كائن، على سبيل التقرير، لحصول العلم بكون أحدهما، ويجوز أن تكون منقطعة، انتهى. ومن ذلك قول المتنبي: 59 - أحاد أم سداس في أحاد * لييلتنا المنوطة بالتناد ؟ [ص 654] فإن قدرتها فيه متصلة فالمعنى أنه استطال الليلة فشك أواحدة هي أم ست اجتمعت في واحدة فطلب التعيين، وهذا من تجاهل العارف كقوله: 60 - أيا شجر الخابور مالك مورقا ؟ * كأنك لم تجزع على ابن طريف وعلى هذا فيكون قد حذف الهمزة قبل (أحاد) ويكون تقديم الخبر وهو أحاد على المبتدأ وهو لييلتنا تقديما واجبا، لكونه المقصود بالاستفهام مع سداس، إذ شرط الهمزة المعادلة لام أن يليها أحد الامرين المطلوب تعيين أحدهما، وبلى أم المعادل الآخر، ليفهم السامع من أول الامر الشيء المطلوب تعيينه، تقول إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ (أزيد قائم أم عمرو) وإن شيءت (أزيد أم عمرو قائم) وإذا استفهمت عن تعيين الخبر (أقائم زيد أم قاعد) وإن شيءت (أقائم أم قاعد زيد) وإن قدرتها منقطعة فالمعنى أنه أخبر عن ليلته بأنها ليلة واحدة، ثم نظر إلى طولها فشك فجزم بأنها ست في ليلة فأضرب ! أو شك هل هي ست في ليلة أم لا فأضرب واستفهم، وعلى هذا فلا همزة مقدرة، ويكون تقديم (أحاد) ليس على الوجوب، إذ الكلام خبر، وأظهر الوجهين الاتصال، لسلامته من الاحتياج إلى تقدير مبتدأ يكون سداس خبرا عنه في وجه الانقطاع، كما لزم عند الجمهور في (إنها لابل أم شاء)

ص 48

ومن الاعتراض بجملة (أم هي سداس) بين الخبر وهو أحاد والمبتدأ وهو لييلتنا، ومن الاخبار عن الليلة الواحدة بأنها ليلة، فإن ذلك معلوم لا فائدة فيه، ولك أن تعارض الاول بأنه يلزم في الاتصال حذف همزة الاستفهام وهو قليل، بخلاف حذف المبتدأ. واعلم أن هذا البيت اشتمل على لحنات: استعمال أحاد وسداس بمعنى واحدة وست، وإنما هما بمعنى واحدة واحدة وست ست، واستعمال سداس وأكثرهم يأباه ويخص العدد المعدول بما دون الخمسة، وتصغير ليلة على لييلة، وإنما صغرتها العرب على لييلية بزيادة الياء على غير قياس، حتى قيل: إنها مبنية على ليلاة في نحو قول الشاعر: 61 - * في كل ما يوم وكل ليلاه * ومما قد يستشكل فيه أنه جمع بين متنافيين استطالة الليلة وتصغيرها، وبعضهم يثبت مجئ التصغير للتعظيم كقوله: 62 - [وكل أناس سوف تدخل بينهم] * دويهية تصفر منها الانامل [ص 136، 197، 626] الثالث: أن تقع زائدة. ذكره أبو زيد، وقال في قوله تعالى (أفلا تبصرون أم أنا خير): إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير، والزيادة ظاهرة في قول ساعدة ابن جؤية: 63 - ياليت شعرى ولا منجى من الهرم * أم هل على العيش بعد الشيب من ندم الرابع: أن تكون للتعريف، نقلت عن طيئ، وعن حمير، وأنشدوا: 64 - ذاك خليلي وذ يواصلني * يرمى ورائي بامسهم وأمسلمه وفى الحديث (ليس من امبر امصيام في امسفر) كذا رواه النمر بن تولب

ص 49

رضى الله عنه، وقيل: إن هذه اللغة مختصة بالاسماء التى لا تدغم لام التعريف في أولها نحو غلام وكتاب، بخلاف رجل وناس ولباس، وحكى لنا بعض طلبة اليمن أنه سمع في بلادهم من يقول: خذ الرمح، واركب امفرس، ولعل ذلك لغة لبعضهم. لا لجميعهم، ألا ترى إلى البيت السابق وأنها في الحديث دخلت على النوعين

(أل)  

على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسما موصولا بمعنى الذى وفروعه، وهى الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين، قيل: والصفات المشبهة، وليس بشيء، لان الصفة المشبهة للثبوت فلا تؤول بالفعل، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة باتفاق، وقيل: هي في الجميع حرف تعريف، ولو صح ذلك لمنعت من إعمال اسمى الفاعل والمفعول، كما منع منه التصغير والوصف، وقيل: موصول حرفي، وليس بشيء، لانها لا تؤول بالمصدر، وربما وصلت بظرف، أو جملة اسمية (1) أو فعلية فعلها مضارع، وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف، فالاول كقوله: 65 - من لا يزال شاكرا على المعه * فهو حر بعيشة ذات سعه والثانى كقوله: 66 - من القوم الرسول الله منهم * لهم دانت رقاب بنى معد والثالث كقوله: 67 - [يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا * إلى ربنا] صوت الحمار اليجدع والجميع خاص بالشعر، خلافا للاخفش وابن مالك في الاخير. والثانى: أن تكون حرف تعريف، وهى نوعان: عهدية، وجنسية، وكل منهما ثلاثة أقسام:

(هامش)

(1) في نسخة (أو بجملة اسمية - إلخ). (*)

ص 50

فالعهدية إما أن يكون مصحوبها معهودا ذكريا، نحو (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) ونحو (فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى) ونحو (اشتريت فرسا ثم بعت الفرس) وعبرة هذه أن يسد الضمير مسدها مع مصحوبها، أو معهودا ذهنيا، نحو (إذ هما في الغار) ونحو (إذ يبايعونك تحت الشجرة)، أو معهودا حضوريا، قال ابن عصفور: ولا تقع هذه إلا بعد أسماء الاشارة، نحو (جاءني هذا الرجل) أو أي في النداء نحو (يا أيها الرجل) أو إذا الفجائية نحو (خرجت فإذا الاسد) أو في اسم الزمان الحاضر نحو (الآن) انتهى. وفيه نظر، لانك تقول لشاتم رجل بحضرتك (لا تشتم الرجل) فهذه للحضور في غير ما ذكر، ولان التى بعد إذا ليست لتعريف شيء حاضر حالة التكلم، فلا تشبه ما الكلام فيه، ولان الصحيح في الداخلة على الآن أنها زائدة، لانها لازمة، ولا يعرف أن التى للتعريف وردت لازمة، بخلاف الزائدة، والمثال الجيد للمسألة قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم). والجنسية إما لاستغراق الافراد، وهى التى تخلفها كل حقيقة، نحو (وخلق الانسان ضعيفا) ونحو (إن الانسان لفى خسر إلا الذين آمنوا) أو لاستغراق خصائص الافراد، وهى التى تخلفها كل مجازا، نحو (زيد الرجل علما) أي الكامل في هذه الصفة، ومنه (ذلك الكتاب) أو لتعريف الماهية، وهى التى لا تخلفها كل لا حقيقة ولا مجازا، نحو (وجعلنا من الماء كل شيء حى) وقولك (والله لا أتزوج النساء)، أو (لا ألبس الثياب) ولهذا يقع الحنث بالواحد منهما، وبعضهم يقول في هذه: إنها لتعريف العهد، فإن الاجناس أمور معهودة في الاذهان متميز بعضها عن بعض، ويقسم المعهود إلى شخص وجنس. والفرق بين المعرف بأل هذه وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيد

ص 51

والمطلق، وذلك لان ذا الالف واللام يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة، لا باعتبار قيد. تنبيه - قال ابن عصفور: أجازوا في نحو (مررت بهذا الرجل) كون الرجل نعتا وكونه بيانا، مع اشتراطهم في البيان أن يكون أعرف من المبين، وفى النعت أن لا يكون أعرف من المنعوت، فكيف يكون الشيء أعرف وغير أعرف ؟. وأجاب بأنه إذا قدر بيانا قدرت أل فيه لتعريف الحضور، فهو يفيد الجنس بذاته، والحضور بدخول أل، والاشارة إنما تدل على الحضور دون الجنس، وإذا قدر نعتا قدرت أل فيه للعهد، والمعنى مررت بهذا وهو الرجل المعهود بيننا، فلا دلالة فيه على الحضور، والاشارة تدل عليه، فكانت أعرف. قال: وهذا معنى كلام سيبويه. الوجه الثالث: أن تكون زائدة، وهى نوعان: لازمة وغير لازمة. فالاولى كالتى في الاسماء الموصولة، على القول بأن تعريفها بالصلة، وكالواقعة في الاعلام، بشرط مقارنتها لنقلها كالنضر والنعمان واللات والعزى، أو لارتجالها كالسموأل، أو لغلبتها على بعض من هي له في الاصل كالبيت للكعبة والمدينة لطيبة والنجم للثريا، وهذه في الاصل لتعريف العهد. والثانية نوعان: كثيرة واقعة في الفصيح، وغيرها. فالاولى الداخلة على علم منقول من مجرد صالح لها ملموح أصله كحارث وعباس وضحاك، فتقول فيها: الحرث، والعباس، والضحاك، ويتوقف هذا النوع على السماع، ألا ترى أنه لا يقال مثل ذلك في نحو محمد ومعروف واحمد ؟. والثانية نوعان: واقعة في الشعر، وواقعة في شذوذ [من] النثر. فالاولى كالداخلة على يزيد وعمرو في قوله:

ص 52

68 - باعد أم العمرو من أسيرها * حراس أبواب على قصورها وفى قوله: 69 - رأيت الوليد بن اليزيد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كاهله فأما الداخلة على وليد في البيت فللمح الاصل، وقيل: أل في اليزيد والعمرو للتعريف، وإنهما نكرا ثم أدخلت عليهما أل، كما ينكر العلم إذا أضيف كقوله: 70 - علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم * [بأبيض ماضى الشفرتين يمان] واختلف في الداخلة على (بنات أوبر) في قوله 71 - ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * ولقد نهيتك عن بنات الاوبر [ص 220] فقيل: زائدة للضرورة، لان (ابن أوبر) علم على نوع من الكمأة، ثم جمع على (بنات أوبر) كما يقال في جمع ابن عرس (بنات عرس) ولا يقال (بنو عرس) لانه لما لا يعقل، ورده السخاوى بأنها لو كانت زائدة لكان وجودها كالعدم، فكان يخفضه بالفتحة، لان فيه العلمية والوزن، وهذا سهو منه، لان أل تقتضي أن ينجر الاسم بالكسرة ولو كانت زائدة [فيه]، لانه قد أمن فيه التنوين، وقيل: أل فيه للمح الاصل، لان (أوبر) صفة كحسن وحسين وأحمر، وقيل: للتعريف، وإن (ابن أوبر) نكرة كابن لبون، فأل فيه مثلها في قوله: 72 - وابن اللبون إذا مالز في قرن * لم يستطع صولة البزل القناعيس قاله المبرد، ويرده أنه لم يسمع ابن أوبر إلا ممنوع الصرف. والثانية كالواقعة في قولهم: (ادخلوا الاول فالاول) و (جاؤوا الجماء الغفير) وقراءة بعضهم (ليخرجن الاعز منها الاذل) بفتح الياء، لان الحال

ص 53

واجبة التنكير، فإن قدرت الاذل مفعولا مطلقا على حذف مضاف، أي خروج الاذل كما قدره الزمخشري لم يحتج إلى دعوى زيادة أل. تنبيه - كتب الرشيد ليلة إلى القاضى أبى يوسف يسأله عن قول القائل: 73 - فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وإن تخرقى يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاث، ومن يخرق أعق وأظلم فقال: ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها ؟ قال أبو يوسف: فقلت: هذه مسألة نحوية فقهية، ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيى، فأتيت الكسائي وهو في فراشه، فسألته، فقال: إن رفع ثلاثا طلقت واحدة، لانه قال (أنت طلاق) ثم أخبر أن الطلاق التام ثلاث، وإن نصبها طلقت ثلاثا، لان معناه أنت طالق ثلاثا، وما بينهما جملة معترضة، فكتبت بذلك إلى الرشيد، فأرسل إلى بجوائز، فوجهت بها إلى الكسائي، انتهى ملخصا. وأقول: إن الصواب أن كلا من الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحدة، أما الرفع فلان أل في الطلاق إما لمجاز الجنس كما تقول (زيد الرجل) أي هو الرجل المعتد به، وإما للعهد الذكرى مثلها في (فعصى فرعون الرسول) أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث، ولا تكون للجنس الحقيقي، لئلا يلزم الاخبار عن العام بالخاص كما يقال (الحيوان إنسان) وذلك باطل، إذ ليس كل حيوان إنسانا، ولا كل طلاق عزيمة ولا ثلاثا، فعلى العهدية يقع الثلاث، وعلى الجنسية يقع واحدة كما قال الكسائي، وأما النصب فلانه محتمل لان يكون على المفعول المطلق، وحينئذ يقتضى وقوع الطلاق الثلاث، إذ المعنى فأنت طالق ثلاثا، ثم اعترض بينهما بقوله: والطلاق عزيمة، ولان يكون حالا من الضمير المستتر

ص 54

في عزيمة، وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث، لان المعنى: والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا، فإنما يقع ما نواه، هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ مع قطع النظر عن شيء آخر، وأما الذى أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد: فبيني بها إن كنت غير رفيقة * وما لامرئ بعد الثلاث مقدم مسألة - أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين نيابة أل عن الضمير المضاف إليه، وخرجوا على ذلك (فإن الجنة هي المأوى) و (مررت برجل حسن الوجه) و (ضرب زيد الظهر والبطن) إذا رفع الوجه والظهر والبطن، والمانعون يقدرون هي المأوى له، والوجه منه، والظهر والبطن منه [في الامثلة] وقيد ابن مالك الجواز بغير الصلة. وقال الزمخشري في (وعلم آدم الاسماء كلها): إن الاصل أسماء المسميات، وقال أبو شامة في قوله: 74 - * بدأت ببسم الله في النظم أولا * إن الاصل في نظمى، فجوزا نيابتها عن الظاهر وعن ضمير الحاضر، والمعروف من كلامهم إنما هو التمثيل بضمير الغائب. مسألة - من الغريب أن أل تأتى للاستفهام، وذلك في حكاية قطرب (أل فعلت ؟) بمعنى هل فعلت، وهو من إبدال الخفيف ثقيلا كما في الآل عند سيبويه، لكن ذلك سهل، لانه جعل وسيلة إلى الالف التى هي أخف الحروف (أما) بالفتح والتخفيف - على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف استفتاح بمنزلة ألا، وتكثر قبل القسم كقوله: 75 - أما والذى أبكى وأضحك، والذى * أمات وأحيا والذى أمره الامر [ص 68]

ص 55

وقد تبدل همزتها هاء أو عينا قبل القسم، وكلاهما مع ثبوت الالف وحذفها، أو تحذف الالف مع ترك الابدال، وإذا وقعت أن بعد أما هذه كسرت كما تكسر بعد ألا الاستفتاحية. والثانى: أن تكون بمعنى حقا أو أحقا، على خلاف في ذلك سيأتي، وهذه تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهى حرف عند ابن خروف، وجعلها مع أن ومعموليها كلاما تركب من حرف واسم كما قاله الفارسى في (يا زيد) وقال بعضهم: [هي] اسم بمعنى حقا، وقال آخرون: هي كلمتان، الهمزة للاستفهام و (ما) اسم بمعنى شيء، وذلك الشيء حق، فالمعنى أحقا، وهذا هو الصواب، وموضع (ما) النصب على الظرفية كما انتصب (حقا) على ذلك في نحو قوله: 76 - أحقا أن جيرتنا استقلوا * [فنيتنا ونيتهم فريق] وهو قول سيبويه، وهو الصحيح، بدليل قوله: 77 - أفى الحق أنى مغرم بك هائم * [وأنك لا خل هواك ولا خمر] فأدخل عليها في، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، وقال المبرد: حقا مصدر لحق محذوفا، وأن وصلتها فاعل. وزاد المالقى لاما معنى ثالثا، وهو أن تكون حرف عرض بمنزلة ألا، فتختص بالفعل، نحو (أما نقوم) و (أما تقعد) وقد يدعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريرى مثلها في ألم وألا، وأن ما نافية، وقد تحذف هذه الهمزة كقوله: 78 - ما ترى الدهر قد أباد معدا * وأباد السراة من عدنان (أما) بالفتح والتشديد - وقد تبدل ميمها الاولى ياء، استثقالا للتضعيف، كقول عمر بن أبى ربيعة.

ص 56

79 - رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيضحى، وأيما بالعشى فيخصر وهو حرف شرط وتفصيل وتوكيد. أما أنها شرط فيدل لها لزوم الفاء (1) بعدها، نحو (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيقولون) الآية، ولو كانت الفاء للعطف لم تدخل على الخبر، إذ لا يعطف الخبر على مبتدئه، ولو كانت زائدة لصح الاستغناء عنها، ولما لم يصح ذلك وقد امتنع كونها للعطف تعين أنها فاء الجزاء فإن قلت: قد استغنى عنها في قوله: 80 - فأما القتال لا قتال لديكم * [ولكن سيرا في عراض المواكب] قلت: هو ضرورة، كقول عبد الرحمن بن حسان: 81 - من يفعل الحسنات الله يشكرها * [والشر بالشر عند الله مثلان] [ص 98، 139، 165، 236، 422، 423، 517، 636، 647] فإن قلت: قد حذفت (2) في التنزيل في قوله تعالى (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم). قلت: الاصل: فيقال لهم أكفرتم، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف، ورب شيء يصح تبعا ولا يصح استقلالا، كالحاج عن غيره يصلى عنه ركعتي الطواف، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصحيح، هذا قول الجمهور. وزعم بعض المتأخرين أن فاء جواب (أما) لا تحذف في غير الضرورة أصلا، وأن الجواب في الآية (فذوقوا العذاب) والاصل: فيقال لهم ذوقوا، فحذف القول وانتقلت الفاء إلى المقول، وأن ما بينهما اعتراض، وكذا قال في آية الجاثية (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتى تتلى عليكم) الآية، قال:

(هامش)

(1) في نسخة (فبدليل لزوم الفاء بعدها)
(2) في نسخة (فقد حذفت)

ص 57

أصله فيقال لهم ألم تكن آياتى، ثم حذف القول وتأخرت الفاء عن الهمزة. وأما التفصيل فهو غالب أحوالها كما تقدم في آية البقرة، ومن ذلك (أما السفينة فكانت لمساكين) (وأما الغلام) (وأما الجدار) الآيات، وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم، فالاول نحو (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل) أي وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا، والثانى نحو (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) أي وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، ويدل على ذلك (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) أي كل من المتشابه المحكم من عند الله، والايمان بهما واجب، وكأنه قيل: وأما الراسخون في العلم فيقولون، وهذه الآية في أما المفتوحة نظير قولك في إما المكسورة (إما أن تنطق بخير وإلا فاسكت) وسيأتى ذلك، كذا ظهر لى، وعلى هذا فالوقف على (إلا الله) وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة السابقة فتأملها. وقد تأتى لغير تفصيل أصلا، نحو (أما زيد فمنطلق). وأما التوكيد فقل من ذكره، ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري، فإنه قال: فائدة أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت (أما زيد فذهب) ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وهذا التفسير مدل بفائدتين: بيان كونه توكيدا، وأنه في معنى الشرط، انتهى ويفصل بين (أما) وبين الفاء بواحد من أمور ستة، أحدها: المبتدأ كالآيات

ص 58

السابقة، والثانى: الخبر، نحو (أما في الدار فزيد) وزعم الصفار أن الفصل به قليل، والثالث: جملة الشرط، نحو (فأما إن كان من المقربين فروح) الآيات، والرابع: اسم منصوب لفظا أو محلا بالجواب، نحو (فأما اليتيم فلا تقهر) الآيات والخامس: اسم كذلك معمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء، نحو (أما زيدا فاضربه) وقراءة بعضهم (وأما ثمود فهديناهم) بالنصب، ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لان أما نائبة عن الفعل، فكأنها فعل، والفعل لا يلى الفعل وأما نحو (زيد كان يفعل) ففى كان ضمير فاصل في التقدير، وأما (ليس خلق الله مثله) ففى ليس أيضا ضمير [لكنه ضمير] الشأن والحديث، وإذا قيل بأن ليس حرف فلا إشكال، وكذا إذا قيل فعل يشبه الحرف، ولهذا أهملها بنو تميم، إذ قالوا (ليس الطيب إلا المسك) بالرفع. والسادس: ظرف معمول لاما لما فيها من معنى الفعل الذى نابت عنه أو للفعل المحذوف، نحو (أما اليوم فإنى ذاهب، وأما في الدار فإن زيدا جالس) ولا يكون العامل ما بعد الفاء، لان خبر إن لا يتقدم عليها فكذلك معموله، هذا قول سيبويه والمازني والجمهور، وخالفهم المبرد وابن درستويه والفراء، فجعلوا العامل نفس الخبر، وتوسع الفراء فجوز في بقية أخوات إن، فإن قلت (أما اليوم فأنا جالس) احتل كون العامل أما وكونه الخبر لعدم المانع، وإن قلت (أما زيدا فإنى ضارب) لم يجز أن يكون العامل واحدا منهما، وامتنعت المسألة عند الجمهور، لان أما لا تنصب المفعول، ومعمول خبر إن لا يتقدم عليها، وأجاز ذلك المبرد ومن وافقه على تقدير إعمال الخبر. تنبيهان - الاول: أنه سمع (أما العبيد فذو عبيد) بالنصب، (وأما قريشا فأنا أفضلها) وفيه عندي دليل على أمور، أحدها: أنه لا يلزم أن يقدر مهما يكن من شيء، بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل، إذ التقدير هنا مهما ذكرت، وعلى ذلك يتخرج قولهم (أما العلم فعالم) و (أما علما فعالم) فهذا أحسن (1) مما قيل إنه مفعول مطلق

(هامش)

(1) في نسخة (فهو أحسن - إلخ).

ص 59

معمول لما بعد الفاء، أو مفعول لاجله إن كان معرفا وحال إن كان منكرا، والثانى أن أما ليست العاملة، إذ لا يعمل الحرف في المفعول به، والثالث أنه يجوز (أما زيدا فإنى أكرم) على تقدير العمل المحذوف. التنبيه الثاني: أنه ليس من أقسام أما التى في قوله تعالى (أماذا كنتم تعملون) ولا التى في قول الشاعر: أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع [ق 44 ص 437، 694] بل هي فيهما كلمتان، فالتى في الآية هي أم المنقطعة وما الاستفهامية، وأدغمت الميم في الميم للتماثل، والتى في البيت هي أن المصدرية وما المزيدة (1)، والاصل لان كنت، فحذف الجار وكان للاختصار، فانفصل الضمير، لعدم ما يتصل به، وجئ بما عوضا عن كان، وأدغمت النون في الميم للتقارب (إما) المكسورة المشددة - قد تفتح همزتها، وقد تبدل ميمها الاولى ياء، وهى مركبة عند سيبويه من إن وما، وقد تحذف ما كقوله: 82 - سقته الرواعد من صيف * وإن من خريف فلن يعد ما [ص 61] أي إما من صيف وإما من خريف، وقال المبرد والاصمعى: إن في هذا البيت شرطية، والفاء فاء الجواب، والمعنى: وإن سقته من خريف فلن يعدم الرى، وليس بشيء، لان المراد وصف هذا الوعل بالرى على كل حال، ومع الشرط لا يلزم ذلك، وقال أبو عبيدة: إن في البيت زائدة وإما عاطفة عند أكثرهم، أعنى إما الثانية في نحو قولك (جاءني إما زيد وإما عمرو) وزعم يونس والفارسي وابن كيسان أنها غير عاطفة كالاولى، ووافقهم ابن مالك، لملازمتها غالبا الواو العاطفة، ومن غير الغالب قوله: 83 - يا ليتما أمنا شالت نعامتها * أيما إلى جنة أيما إلى نار

(هامش)

(1) في نسخة (وما الزائدة). (*)

ص 60

وفيه شاهد ثان، وهو فتح الهمزة، وثالث وهو الابدال، ونقل ابن عصفور الاجماع على أن إما الثانية غير عاطفة كالاولى، قال: وإنما ذكروها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه، وزعم بعضهم أن إما عطفت الاسم على الاسم، والواو عطفت إما على إما، وعطف الحرف على الحرف غريب، ولا خلاف أن إما الاولى غير عاطفة، لاعتراضها بين العامل والمعمول في نحو (قام إما زيد وإما عمرو) وبين أحد معمولي العامل ومعموله الآخر في نحو (رأيت إما زيدا وإما عمرا) وبين المبدل منه وبدله نحو قوله تعالى (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة) فإن ما بعد الاولى بدل مما قبلها. ولاما خمسة معان: أحدها: الشك، نحو (جاءني إما زيد وإما عمرو) إذا لم تعلم الجائى منهما والثانى: الابهام، نحو (وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم). والثالث: التخيير، نحو (إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) (إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى) ووهم ابن الشجرى، فجعل من ذلك (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم). والرابع: الاباحة، نحو (تعلم إما فقها وإما نحوا) و (جالس إما الحسن وإما ابن سيرين) ونازع في ثبوت هذا المعنى لاما جماعة مع إثباتهم إياه لاو. والخامس: التفصيل، نحو (إما شاكرا وإما كفورا) وانتصابهما على هذا على الحال المقدرة، وأجاز الكوفيون كون إما هذه هي إن الشرطية وما الزائدة، قال مكى: ولا يجيز البصريون أن يلى الاسم أداة الشرط حتى يكون بعده فعل يفسره، نحو (وإن امرأة خافت) ورد عليه ابن الشجرى بأن المضمر هنا كان، فهو بمنزلة قوله:

ص 61

84 - قد قيل ذلك إن حقا وإن كذبا * [فما اعتذارك من قول إذا قيلا ؟] وهذه المعاني لاو كما سيأتي، إلا أن إما يبنى الكلام معها من أول الامر على ما جيء بها لاجله من شك وغيره، ولذلك وجب تكرارها في غير ندور، وأو يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الشك أو غيره، ولهذا لم تتكرر. وقد يستغنى عن إما الثانية بذكر ما يغنى عنها نحو (إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت) وقول المثقب العبدى: 85 - فإما أن تكون أخى بصدق * فأعرف منك غثى من سمينى (1) وإلا فاطرحني واتخذني * عدوا أتقيك وتتقينى وقد يستغنى عن الاولى لفظا كقوله: * سقته الرواعد من صيف * [82] البيت، وقد تقدم، وقوله: 86 - تلم بدار قد تقادم عهدها * وإما بأموات ألم حيالها أي إما بدار، والفراء يقيسه، فيجيز (زيد يقوم وإما يقعد) كما يجوز (أو يقعد). تنبيه - ليس من أقسام إما التى في قوله تعالى * (فإما ترين من البشر أحدا) * بل هذه إن الشرطية وما الزائدة.

(أو)

حرف عطف، ذكر له المتأخرون معاني انتهت إلى اثنى عشر. الاول: الشك، نحو * (لبثنا يوما أو بعض يوم) *. والثانى: الابهام، نحو * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * الشاهد في الاولى، وقول الشاعر:

(هامش)

(1) في نسخة (فإما أن تكون أخى بحق).

ص 62

87 - نحن أو أنتم الاولى ألفوا الحق، فبعدا للمبطلين وسحقا. والثالث: التخيير، وهى الواقعة بعد الطلب، [و] قبل ما يمتنع فيه الجمع نحو (تزوج هندا أو أختها) و (خذ من مالى دينارا أو درهما). فإن قلت: فقد مثل العلماء بآيتى الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع. قلت: لا يجوز الجمع بين الاطعام والكسوة والتحرير على أن الجميع الكفارة (1) ولا بين الصيام والصدقة والنسك على أنهن الفدية، بل تقع واحدة منهن كفارة أو فدية والباقى قربة مستقلة خارجة عن ذلك. والرابع: الاباحة: وهى الواقعة بعد الطلب وقبل ما يجوز فيه الجمع، نحو (جالس العلماء أو الزهاد) و (تعلم الفقه أو النحو) وإذا دخلت لا الناهية امتنع فعل الجميع نحو * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * إذ المعنى لا تطع أحدهما، فأيهما فعله فهو أحدهما، وتلخيصه أنها تدخل للنهى عما كان مباحا، وكذا حكم النهى الداخل على التخيير، وفاقا للسيرافى، وذكر ابن مالك أن أكثر ورود أو (للاباحة) في التشبيه نحو * (فهى كالحجارة أو أشد قسوة) * والتقدير نحو (فكان قاب قوسين أو أدنى) فلم يخصها بالمسبوقة بالطلب. والخامس: الجمع المطلق كالواو، قاله الكوفيون والاخفش والجرمي، واحتجوا بقول توبة: 88 - وقد زعمت ليلى بأنى فاجر * لنفسي تقاها أو عليها فجورها وقيل: أو فيه للابهام، وقول جرير: 89 - جاء الخلافة أو كانت له قدرا * كما أتى ربه موسى على قدر

(هامش)

(1) في نسخة (قلت: لا يجوز الجمع بين الاطعام والكسوة والتحرير اللاتى كل منهن كفارة) وكذا فيما بعده، والذى أثبتناه أظهر. (*)

ص 63

والذى رأيته في ديوان جرير (إذ كانت) وقوله: 90 - وكان سيان أن لا يسرحوا نعما * أو يسرحوه بها، واغبرت السوح أي: وكان الشأن أن لا يرعوا الابل وأن يرعوها سيان لوجود القحط، وإنما قدرنا (كان) شانية لئلا يلزم الاخبار عن النكرة بالمعرفة، وقول الراجز: 91 - إن بها أكتل أو رزاما * خوير بين ينقفان الهاما إذ لم يقل (خويربا) كما تقول (زيد أو عمرو لص) ولا تقول لصان، وأجاب الخليل عن هذا بأن (خوير بين) بتقدير (أشتم) لا نعت تابع، وقول النابغة: 92 - قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا * إلى حمامتنا أو نصفه فقد فحسبوه فالفوه كما ذكرت * ستا وستين لم تنقص ولم تزد (1) [ص 286، 308] ويقويه أنه روى (ونصفه) وقوله: 93 - قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم * ما بين ملجم مهره أو سافع ومن الغريب أن جماعة - منهم ابن مالك - ذكروا مجئ أو بمعنى الواو، ثم ذكروا أنها تجئ بمعنى (ولا) نحو * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) * وهذه هي تلك بعينها، وإنما جاءت (لا) توكيدا للنفي السابق، ومانعة من توهم تعليق النفى بالمجموع، لا بكل واحد، وذلك مستفاد من دليل خارج عن اللفظ وهو الاجماع، ونظيره قولك (لا يحل [لك] الزنا والسرقة) ولو تركت لا في التقدير لم يضر ذلك. وزعم ابن مالك أيضا أن (أو) التى للاباحة حالة محل الواو، وهذا أيضا

(هامش)

(1) في أكثر النسخ (تسعا وتسعين) ولها وجه لا بأس به. (*)

ص 64

مردود، لانه لو قيل (جالس الحسن وابن سيرين) كان المأمور به مجالستهما [معا] ولم يخرج المأمور عن العهدة بمجالسة أحدهما، هذا هو المعروف من كلام النحويين، ولكن ذكر الزمخشري عند الكلام على قوله تعالى: * (تلك عشرة كاملة) * أن الواو تأتى للاباحة، نحو (جالس الحسن وابن سيرين) وأنه إنما جئ بالفذلكة دفعا لتوهم إرادة الاباحة في * (فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) * وقلده في ذلك صاحب الايضاح البيانى، ولا تعرف هذه المقالة لنحوى. والسادس: الاضراب كبل، فعن سيبويه إجازة ذلك بشرطين: تقدم نفى أو نهى، وإعادة العامل، نحو (ما قام زيد أو ما قام عمرو) و (لا يقم زيدا أو لا يقم عمرو) ونقله عنه ابن عصفور، ويؤيده أنه قال في * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * ولو قلت أو لا تطع كفورا انقلب المعنى، يعنى أنه يصير إضرابا عن النهى الاول ونهيا عن الثاني فقط، وقال الكوفيون وأبو على وأبو الفتح وابن برهان: تأتى للاضراب مطلقا، احتجاجا بقول جرير: 94 - ماذا ترى في عيال قد برمت بهم * لم أحص عدتهم إلا بعداد ؟ كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية * لو لا رجاؤك قد قتلت أولادي [ص 27] وقراءة أبى السمال * (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) * بسكون واو (أو)، واختلف في * (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * فقال الفراء: بل يزيدون، هكذا جاء في التفسير مع صحته في العربية. وقال بعض الكوفيين: بمعنى الواو، وللبصريين فيها أقوال، قيل: للابهام، وقيل: للتخيير، أي إذا رآهم الرائى تخير بين أن يقول هم مائة ألف أو يقول هم أكثر، نقله ابن الشجرى عن سيبويه، وفى ثبوته عنه نظر، ولا يصح التخيير بين شيءين الواقع أحدهما، وقيل: هي للشك

ص 65

مصروفا إلى الرائي، ذكره ابن جنى، وهذه الاقوال - غير القول بأنها بمعنى الواو - مقولة في (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) (فهى كالحجارة أو أشد قسوة) والسابع: التقسيم، نحو (الكلمة اسم أو فعل أو حرف) ذكره ابن مالك في منظومته [الصغرى] وفى شرح الكبرى، ثم عدل عنه في التسهيل وشرحه فقال: تأتى للتفريق المجرد من الشك والابهام والتخيير، وأما هذه الثلاثة فإن مع كل منها تفريقا مصحوبا بغيره، ومثل بنحو (إن يكن غنيا أو فقيرا) (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) قال: وهذا أولى من التعبير بالتقسيم، لان استعمال الواو في التقسيم أجود نحو (الكلمة اسم وفعل وحرف) وقوله: 95 - [وننصر مولانا، ونعلم أنه] * كما الناس مجروم عليه وجارم [ص 313 و 358] ومن مجيئه بأو قوله: 96 - فقالوا: لنا ثنتان، لابد منهما * صدور رماح أشرعت أو سلاسل انتهى، ومجئ الواو في التقسيم أكثر لا يقتضى أن (أو) لا تأتى له، بل إثباته الاكثرية للواو يقتضى ثبوته بقلة لاو، وقد صرح بثبوته في البيت الثاني، وليس فيه دليل، لاحتمال أن يكون المعنى لابد من أحدهما، فحذف المضاف كما قيل في (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وغيره عدل عن العبارتين، فعبر بالتفصيل، ومثله بقوله تعالى (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) (وقالوا ساحر أو مجنون) إذ المعنى: وقالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، وقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: مجنون فأو فيهما التفصيل الاجمال في (قالوا) وتعسف ابن الشجرى فقال في الآية الاولى: إنها حذف منها مضاف وواو وجملتان

ص 66

فعليتان، وتقديره: وقال بعضهم - يعنى اليهود - كونوا هودا، وقال بعضهم - يعنى النصارى - كونوا نصارى، قال: فأقام (أو نصارى) مقام ذلك كله، وذلك دليل على شرف هذا الحرف، انتهى. والثامن: أن تكون بمعنى (إلا) في الاستثناء، وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن كقولك (لاقتلنه أو يسلم) وقوله: 97 - وكنت إذا غمزت قناة قوم * كسرت كعوبها أو تستقيما وحمل عليه بعض المحققين قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فقدر (تفرضوا) منصوبا بأن مضمرة، لا مجزوما بالعطف على (تمسوهن) لئلا يصير المعنى لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتموهن في مدة انتفاء أحد هذين الامرين، مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس لزم مهر المثل، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمى، فكيف يصح نفى الجناح عند انتفاء أحد الامرين ؟ ولان المطلقات المفروض لهن قد ذكرن ثانيا بقوله تعالى: (وإن طلقتموهن) الآية، وترك ذكر الممسوسات لما تقدم من المفهوم، ولو كان (تفرضوا) مجزوما لكانت الممسوسات والمفروض لهن مستويين في الذكر، وإذا قدرت (أو) بمعنى إلا خرجت المفروض لهن عن مشاركة الممسوسات في الذكر. وأجاب ابن الحاجب عن الاول بمنع كون المعنى مدة انتفاء أحدهما، بل مدة لم يكن واحد منهما، وذلك بنفيهما جميعا، لانه نكرة في سياق النفى الصريح، بخلاف الاول، فإنه لا ينفى إلا أحدهما. وأجاب بعضهم عن الثاني بأن ذكر المفروض لهن إنما كان لتعيين النصف لمن، لا لبيان أن لهن شيءا في الجملة. وقيل: أو بمعنى الواو، ويؤيده قول المفسرين: إنها نزلت في رجل أنصارى طلق امرأته قبل المسيس وقبل الفرض، وفيها قول آخر سيأتي.

ص 67

والتاسع: أن تكون بمعنى (إلى) وهى كالتى قبلها في انتصاب المضارع بعدها بأن مضمرة، نحو (لالزمنك أو تقضيني حقى) وقوله: 98 - لاستسهلن الصعب أو أدرك المنى * فما انقادت الآمال إلا لصابر ومن قال في (أو تفرضوا) إنه منصوب جوز هذا المعنى فيه، ويكون غاية لنفى الجناح، لا لنفى المسيس، وقيل: أو بمعنى الواو. والعاشر: التقريب، نحو (ما أدرى أسلم أو ودع) قاله الحريري وغيره. الحادى عشر: الشرطية، نحو (لاضربنه عاش أو مات) أي إن عاش بعد الضرب وإن مات، ومثلة (لآتينك أعطيتني أو حرمتنى) قاله ابن الشجرى. الثاني عشر: التبعيض، نحو (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) نقله ابن الشجرى عن بعض الكوفيين، والذى يظهر لى أنه إنما أراد معنى التفصيل السابق، فإن كل واحد مما قبل (أو) التفصيلية وما بعدها بعض لما تقدم عليهما من المجمل، ولم يرد أنها ذكرت لتفيد مجرد معنى التبعيض. تنبيه - التحقيق أن (أو) موضوعة لاحد الشيءين أو الاشياء، وهو الذى يقوله المتقدمون، وقد تخرج إلى معنى بل، وإلى معنى الواو، وأما بقية المعاني فمستفادة من غيرها، ومن العجب أنهم ذكروا أن من معاني صيغة افعل التخيير والاباحة، ومثلوه بنحو (خذ من مالى درهما أو دينارا) أو (جالس الحسن أو ابن سيرين) ثم ذكروا أن أو تفيدهما، ومثلوا بالمثالين المذكورين لذلك، ومن البين الفساد هذا المعنى العاشر، وأو فيه إنما هي للشك على زعمهم، وإنما استفيد [معنى] التقريب من إثبات اشتباه السلام بالتوديع، إذ حصول ذلك - مع تباعد ما بين الوقتين - ممتنع أو مستبعد، وينبغى لمن قال إنها تأتى للشرطية أن يقول وللعطف لانه قدر مكانها وإن، والحق أن الفعل الذى قبلها دال على معنى حرف الشرط

ص 68

كما قدره هذا القائل، وأن أو على بابها، ولكنها لما عطفت على ما فيه معنى الشرط دخل المعطوف في معنى الشرط. (ألا) بفتح الهمزة والتخفيف - على خمسة أوجه: أحدها: أن تكون للتنبيه، فتدل على تحقق ما بعدها، وتدخل على الجملتين، نحو (ألا إنهم هم السفهاء) (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) ويقول المعربون فيها: حرف استفتاح، فيبينون مكانها، ويهملون معناها، وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من الهمزة ولا، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفى أفادت التحقيق، نحو (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى ؟) قال الزمخشري: ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم، نحو (ألا إن أولياء الله) وأختها (أما) من مقدمات اليمين وطلائعه كقوله: 99 - أما والذى لا يعلم الغيب غيره * ويحيى العظام البيض وهى رميم وقوله: أما والذى أبكى وأضحك، والذى * أمات وأحيا، والذى أمره الامر [75] والثانى: التوبيخ والانكار (1)، كقوله: 100 - ألا طعان ألا فرسان عادية * لا تجشؤكم حول التنانير [ص 350] وقوله: 101 - ألا ارعواء لمن ولت شبيبته * وآذنت بمشيب بعده هرم

(هامش)

(1) ظاهر كلامه أن المفيد للتوبيخ والانكار هو (ألا) برمتها، والذى عليه الائمة أن المفيد لهما هو الهمزة وحدها، وأن (لا) باقية الدلالة على النفى. (*)

ص 69

والثالث: التمنى، كقوله: 102 - ألا عمر ولى مستطاع رجوعه * فيرأب ما أثأت يد الغفلات [ص 381] ولهذا نصب (يرأب) لانه جواب تمن مقرون بالفاء. والرابع: الاستفهام عن النفى، كقوله: ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقى الذى لاقاه أمثالى ؟ [10] وفى هذا البيت رد على من أنكر وجود هذا القسم، وهو الشلوبين. وهذه الاقسام الثلاثة مختصة بالدخول على الجملة الاسمية، وتعمل عمل (لا) التبرئة، ولكن تختص التى للتمني بأنها لا خبر لها لفظا وتقديرا (1)، وبأنها لا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، وأنها لا يجوز إلغاؤها ولو تكررت، أما الاول فلانها بمعنى أتمنى، وأتمنى لا خبر له، وأما الآخران فلانها بمنزلة ليت، وهذا كله قول سيبويه ومن وافقه، وعلى هذا فيكون قوله في البيت (مستطاع رجوعه) مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير، والجملة صفة ثانية على اللفظ، ولا يكون (مستطاع) خبرا أو نعتا على المحل و (رجوعه) مرفوع به عليهما لما بينا (2). والخامس: العرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشيء، لكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث، وتختص ألا هذه بالفعلية، نحو (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) ومنه عند الخليل قوله: 103 - ألا رجلا جزاه الله خيرا * يدل على محصلة تبيت [ص 255 و 600] والتقدير عنده (ألا تروننى رجلا هذه صفته) فحذف الفعل مدلولا عليه بالمعنى، وزعم بعضهم أنه محذوف على شريطة التفسير، أي ألا جزى الله رجلا جزاه خيرا،

(هامش)

(1) في نسخة (لفظا ولا تقديرا).
(2) في نسخة (كما بينا). (*)

ص 70

وألا على هذا للتنبيه، وقال يونس: ألا للتمني، ونون اسم (لا) للضرورة، وقول الخليل أولى، لانه لا ضرورة في إضمار الفعل، بخلاف التنوين، وإضمار الخليل أولى من إضمار غيره، لانه لم يرد أن يدعو لرجل على هذه الصفة، وإنما قصده طلبه، وأما قول ابن الحاجب في تضعيف هذا القول (إن يدل صفة لرجل فيلزم الفصل بينهما بالجملة المفسرة وهى أجنبية) فمردود بقوله تعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد) ثم الفصل بالجملة لازم وإن لم تقدر مفسرة، إذ لا تكون صفة، لانها إنشائية. (إلا) - بالكسر والتشديد - على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون للاستثناء، نحو (فشربوا منه إلا قليلا) وانتصاب ما بعدها في هذه الآية ونحوها بها على الصحيح، ونحو (ما فعلوه إلا قليل منهم) وارتفاع ما بعدها في هذه الآية ونحوها على أنه بدل بعض من كل عند البصريين ويبعده أنه لا ضمير معه في نحو (ما جاءني أحد إلا زيد) كما في [نحو] (أكلت الرغيف ثلثه) وأنه مخالف للمبدل منه في النفى والايجاب، وعلى أنه معطوف على المستثنى منه و (إلا) حرف عطف عند الكوفيين، وهى عندهم بمنزلة (لا) العاطفة في أن ما بعدها مخالف لما قبلها، لكن ذاك منفى بعد إيجاب، وهذا موجب بعد نفى، ورد بقولهم (ما قام إلا زيد) وليس شيء من أحرف العطف يلى العامل، وقد يجاب بأنه ليس تاليها في التقدير، إذ الاصل (ما قام أحد إلا زيد). الثاني: أن تكون بمنزلة غير فيوصف بها وبتاليها، جمع منكر أو شبه. فمثال الجمع المنكر (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فلا يجوز في إلا هذه أن تكون للاستثناء، من جهة المعنى، إذ التقدير حينئذ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا، وذلك يقتضى بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا. وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ، لان آلهة جمع منكر في الاثبات فلا عموم له

ص 71

فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت (قام رجال إلا زيدا) لم يصح اتفاقا، وزعم المبرد أن (إلا) في هذه الآية للاستثناء، وأن ما بعدها بدل، محتجا بأن (لو) تدل على الامتناع، وامتناع الشيء انتفاؤه، وزعم أن التفريغ بعدها جائز، وأن نحو (لو كان معنا إلا زيد) أجود كلام، ويرده أنهم لا يقولون (لو جاءني ديار أكرمته) ولا (لو جاءني من أحد أكرمته) ولو كانت بمنزلة الثاني لجاز ذلك كما يجوز (ما فيها ديار) و (ما جاءني من أحد) ولما لم يجز ذلك دل على أن الصواب قول سيبويه إن إلا وما بعدها صفة. قال الشلوبين وابن الضائغ: ولا يصح المعنى حتى تكون إلا بمعنى غير، والتى يراد بها البدل والعوض، قالا: وهذا هو المعنى في المثال الذى ذكره سيبويه توطئة للمسألة، وهو (لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) أي: رجل مكان زيد أو عوضا من زيد، انتهى. قلت: وليس كما قالا، بل الوصف في المثال وفى الآية مختلف، فهو في المثال مخصص مثله في قولك (جاء رجل موصوف بأنه غير زيد) وفى الآية مؤكد مثله في قولك (متعدد موصوف بأنه غير الواحد) وهكذا الحكم أبدا: إن طابق ما بعد إلا موصوفها فالوصف مخصص له، وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد، ولم أر من أفصح عن هذا، لكن النحويين قالوا: إذا قيل (له عندي عشرة إلا درهما) فقد أقر له بتسعة، فإن قال (إلا درهم) فقد أقر له بعشرة، وسره أن المعنى حينئذ عشرة موصوفة بأنها غير درهم، وكل عشرة فهى موصوفة بذلك، فالصفة هنا مؤكدة صالحة للاسقاط مثلها في (نفخة واحدة) (1) وتتخرج الآية على ذلك، إذا المعنى حينئذ لو كان فيهما آلهة لفسدتا، أي أن الفساد يترتب على تقدير تعدد الآلهة، وهذا هو المعنى المراد

(هامش)

(1) في نسخة (مثلها في (نعجة واحدة)) وكلتاهما صحيح. (*)

ص 72

ومثال المعرف الشبيه بالمنكر قوله: 104 - أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة * قليل بها الاصوات إلا بغامها [ص 316] فإن تعريف (الاصوات) تعريف الجنس. ومثال شبه الجمع قوله: 105 - لو كان غيرى سليمى الدهر غيره * وقع الحوادث إلا الصارم الذكر فإلا الصارم: صفة لغيري. ومقتضى ومق كلام سيبويه أنه لا يشترط كون الموصوف جمعا أو شبهه، لتمثيله ب‍ (- لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) وهو لا يجرى (لو) مجرى النفى، كما يقول المبرد. وتفارق إلا هذه غيرا من وجهين: أحدهما: أنه لا يجوز حذف موصوفها، لا يقال (جاءني إلا زيد) ويقال (جاءني غير زيد) ونظيرها في ذلك الجمل والظروف، فإنها تقع صفات، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها. والثانى: أنه لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء، فيجوز (عندي درهم إلا دانق) لانه يجوز إلا دانقا، ويمتنع (إلا جيدا)، لانه يمتنع إلا جيدا، ويجوز (درهم غير جيد) قاله جماعات، وقد يقال. إنه مخالف لقولهم في (لو كان فيهما آلهة إلا الله) الآية، ولمثال سيبويه (لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) وشرط ابن الحاجب في وقوع إلا صفة تعذر الاستثناء، وجعل من الشاذ قوله: 106 - وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان [ص 568]

ص 73

والوصف هنا مخصص لا مؤكد، كما بينت (1) من القاعدة. والثالث: أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك في اللفظ والمعنى، ذكره الاخفش والفراء وأبو عبيدة، وجعلوا منه قوله تعالى: (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) (لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء) أي ولا الذين ظلموا، ولا من ظلم، وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع. والرابع: أن تكون زائدة، قاله الاصمعي وابن جنى، وحملا عليه قوله: 107 - حراجيج ما تنفك إلا مناخة * على الخسف أو نرمى بها بلدا قفرا وابن مالك، [و] حمل عليه قوله: 108 - أرى الدهر إلا منجنونا بأهله * وما صاحب الحاجات إلا معذبا وإنما المحفوظ (وما الدهر) ثم إن صحت روايته فتخرج على أن (أرى) جواب لقسم مقدر، وحذفت (لا) كحذفها في (تالله تفتؤ) ودل على ذلك الاستثناء المفرغ، وأما بيت ذى الرمة فقيل: غلط منه، وقيل: من الرواة، وإن الرواية (آلا) بالتنوين، أي شخصا، وقيل: تنفك تامة بمعنى ما تنفصل عن التعب، أو ما تخلص منه، فنفيها نفى، ومناخة: حال، وقال جماعة كثيرة: هي ناقصة والخبر (على الخسف) و (مناخة) حال، وهذا فاسد، لبقاء الاشكال، إذ لا يقال (جاء زيد إلا راكبا). تنبيه - ليس من أقسام إلا التى في نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) وإنما هذه كلمتان إن الشرطية ولا النافية، ومن العجب أن ابن مالك على إمامته ذكرها في شرح التسهيل من أقسام إلا.

(هامش)

(1) في نسخة (لما بينت من القاعدة). (*)

ص 74

(ألا) بالفتح والتشديد

حرف تحضيض مختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض، فأما قوله: 109 - ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة * إلى، فهلا نفس ليلى شفيعها [ص 269 و 307 و 583] فالتقدير: فهلا كان هو، أي الشأن، وقيل: التقدير فهلا شفعت نفس ليلى، لان الاضمار من جنس المذكور أقيس، وشفعيها على هذا خبر لمحذوف، أي هي شفعيها تنبيه - ليس من أقسام (ألا) التى في قوله تعالى: (وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على) بل هذه كلمتان أن الناصبة ولا النافية، أو أن المفسرة [أو المخففة من الثقيلة (1)] ولا الناهية، ولا موضع لها على هذا، وعلى الاول فهى بدل من (كتاب) على أنه بمعنى مكتوب، وعلى أن الخبر بمعنى الطلب، بقرينة (وائتوني) ومثلها (ألا يسجدوا) في قراءة التشديد، ولكن أن فيها الناصبة ليس غير، و (لا) فيها محتملة للنفي، فتكون ألا بدلا من (أعمالهم) أو خبرا لمحذوف، أي: أعمالهم ألا يسجدوا، وللزيادة فتكون (ألا) مخفوضة بدل من (السبيل) أو مختلفا فيها: أمخفوضة هي أم منصوبة، وذلك على أن الاصل لئلا واللام متعلقة بيهتدون (إلى) - حرف جر، له ثمانية معان: أحدها: انتهاء الغاية الزمانية، نحو (ثم أتموا الصيام إلى الليل) والمكانية نحو (من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى) وإذا دلت قرينة على دخول ما بعدها نحو (قرأت القرآن من أوله إلى آخره) أو خروجه نحو (ثم أتموا الصيام إلى الليل) ونحو (فنظرة إلى ميسرة) عمل بها، وإلا فقيل: يدخل إن كان من الجنس، وقيل: يدخل مطلقا، وقيل: لا يدخل مطلقا، وهو الصحيح، لان

(هامش)

(1) سقط ما بين هذين المعقوفين من النسخة التى شرح عليها الدسوقي. (*)

ص 75

الاكثر مع القرينة عدم الدخول، فيجب الحمل عليه عند التردد. والثانى: المعية، وذلك إذا ضممت شيءا إلى آخر، وبه قال الكوفيون وجماعة من البصريين في (من أنصارى إلى الله) وقولهم (الذود إلى الذود إبل) والذود: من ثلاثة إلى عشرة [والمعنى إذا جمع القليل إلى مثله صار كثيرا]، ولا يجوز (إلى زيد مال) تريد مع زيد مال. والثالث: التبيين، وهى المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو (رب السجن أحب إلى). والرابع: مرادفة اللام نحو (والامر إليك) وقيل: لانتهاء الغاية، أي منته إليك، ويقولون (أحمد إليك الله سبحانه) أي أنهى حمده إليك. والخامس: موافقة في، ذكره جماعة في قوله: 110 - فلا تتركني بالوعيد كأننى * إلى الناس مطلى به القار أجرب قال ابن مالك: ويمكن أن يكون منه (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) وتأول بعضهم البيت على تعلق إلى بمحذوف، أي مطلى بالقار مضافا إلى الناس فحذف وقلب الكلام، وقال ابن عصفور: هو على تضمين مطلى معنى مبغض، قال: ولو صح مجئ إلى بمعنى في لجاز (زيد إلى الكوفة). والسادس: الابتداء، كقوله: 111 - تقول وقد عاليت بالكور فوقها: * أيسقى فلا يروى إلى ابن أحمرا ؟ أي منى. والسابع: موافقة عند، كقوله: 112 - أم لا سبيل إلى الشباب، وذكره * أشهى إلى من الرحيق السلسل ؟

ص 76

والثامن: التوكيد، وهى الزائدة، أثبت ذلك الفراء، مستدلا بقراءة بعضهم (أفئدة من الناس تهوى إليهم) بفتح الواو، وخرجت على تضمين تهوى معنى تميل، أو أن الاصل تهوى بالكسر، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا كما يقال في رضى: رضا، وفى ناصية: ناصاة، قاله ابن مالك، وفيه نظر، لان شرط هذه اللغة تحرك الياء في الاصل. (إى) بالكسر والسكون - حرف جواب بمعنى نعم، فيكون لتصديق المخبر ولاعلام المستخبر، ولوعد الطالب، فتقع بعد (قام زيد) و (هل قام زيد) و (اضرب زيدا) ونحوهن، كما تقع نعم بعدهن، وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام نحو (ويستنبؤنك أحق هو، قل إى وربى إنه لحق) ولا تقع عند الجميع إلا قبل القسم، وإذا قيل (إى والله) ثم اسقطت الواو، جاز سكون الياء وفتحها وحذفها، وعلى الاول فيلتقي ساكنان على غير حدهما. (أي) بالفتح والسكون - على وجهين: حرف لنداء البعيد أو القريب أو المتوسط، على خلاف في ذلك، قال الشاعر: 113 - ألم تسمعى أي عبد في رونق الضحى * بكاء حمامات لهن هدير وفي الحديث (أي رب) وقد تمد ألفها. وحرف تفسير، تقول (عندي عسجد أي ذهب) و (غضنفر أي أسد) وما بعدها عطف بيان على ما قبلها، أو بدل، لا عطف نسق، خلافا للكوفيين وصاحبى المستوفى والمفتاح، لانا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دائما، ولا عاطفا ملازما لعطف الشيء على مرادفه، وتقع تفسيرا للجمل أيضا، كقوله: 114 - وترمينني بالطرف، أي أنت مذنب * وتقليننى، لكن إياك لا أقلى [ص 400 و 413]

ص 77

وإذا وقعت بعد تقول وقبل فعل مسند للضمير حكى الضمير، نحو (تقول استكتمته الحديث أي سألته كتمانه) يقال ذلك بضم التاء، ولو جئت بإذا مكان أي فتحت التاء فقلت (إذا سألته) لان إذا ظرف لتقول، وقد نظم ذلك بعضهم فقال: 115 - إذا كنيت بأى فعلا تفسره * فضم تاءك فيه ضم معترف وإن تكن بإذا يوما تفسره * ففتحة التاء أمر غير مختلف (أي) بفتح الهمزة وتشديد الياء - اسم يأتي على خمسة أوجه: شرطا، نحو (أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى) (أيما الاجلين قضيت فلا عدوان على). واستفهاما، نحو (أيكم زادته هذه إيمانا) (فبأى حديث بعده يؤمنون) وقد تخفف كقوله: 116 - تنظرت نصرا والسماكين أيهما * على من الغيث استهلت مواطره وموصولا، نحو (لننزعن من كل شيعة أيهم أشد) التقدير: لننزعن الذى هو أشد، قاله سيبويه، وخالفه الكوفيون وجماعة من البصريين، لانهم يرون أن أيا الموصولة معربة دائما كالشرطية والاستفهامية، قال الزجاج: ما تبين لى أن سيبويه غلط إلا في موضعين هذا أحدهما، فإنه يسلم أنها تعرب إذا أفردت، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت ؟ وقال الجرمى: خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدا يقول (لاضربن أيهم قائم) بالضم، اه‍. وزعم هؤلاء أنها في الآية استفهامية، وأنها مبتدأ، وأشد خبر، ثم اختلفوا في مفعول ننزع، فقال الخليل: محذوف، والتقدير: لننزعن الفريق الذى (1) يقال فيهم أيهم أشد، وقال يونس: هو الجملة، وعلقت ننزع عن العمل كما في (لنعلم أي الحزبين أحصى) وقال الكسائي

(هامش)

(1) في نسخة (لننزعن الذين يقال فيهم) وما أثبتناه أدق. (*)

ص 78

والاخفش: كل شيعة، ومن زائدة، وجملة الاستفهام مستأنفة، وذلك على قولهما في جواز زيادة من في الايجاب. ويرد أقوالهم أن التعليق مختص بأفعال القلوب، وأنه لا يجوز (لاضربن الفاسق) بالرفع بتقدير الذى يقال فيه هو الفاسق، وأنه لم يثبت زيادة من في الايجاب، وقول الشاعر: 117 - إذا ما لقيت بنى مالك * فسلم على أيهم أفضل [ص 409 و 552] يروى بضم أي، وحروف الجر لا تعلق، ولا يجوز حذف المجرور ودخول الجار على معمول صلته، ولا يستأنف ما بعد الجار. وجوز الزمخشري وجماعة كونها موصولة مع أن الضمة إعراب، فقدروا متعلق النزع من كل شيعة، وكأنه قيل: لننزعن بعض كل شيعة، ثم قدر أنه سئل: من هذا البعض ؟ فقيل: هو الذى هو أشد، ثم حذف المبتدآن المكتنفان للموصول، وفيه تعسف ظاهر، ولا أعلمهم استعملوا أيا الموصولة مبتدأ، وسيأتى ذلك عن ثعلب. وزعم ابن الطراوة أن أيا مقطوعة عن الاضافة، فلذلك بنيت، وأن (هم أشد) مبتدأ وخبر، وهذا باطل برسم الضمير متصلا بأى، والاجماع على أنها إذا لم تضف كانت معربة. وزعم ثعلب أن أيا لا تكون موصولة أصلا، وقال: لم يسمع (أيهم هو فاضل جاءني) بتقدير الذى هو فاضل جاءني. والرابع: أن تكون دالة على معنى الكمال، فتقع صفة للنكرة نحو (زيد رجل أي رجل) أي كامل في صفات الرجال، وحالا للمعرفة كمررت بعبد الله أي رجل. والخامس: أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل، نحو (يا أيها الرجل) وزعم الاخفش أن أيا لا تكون وصلة، وأن أيا هذه هي الموصولة (1) حذف صدر صلتها وهو العائد، والمعنى يا من هو الرجل، ورد بأنه ليس لنا عائد يجب حذفه،

(هامش)

(1) في نسخة (وأن أيا هذه موصولة). (*)

ص 79

ولا موصول التزم كون صلته جملة اسمية، وله أن يجيب عنهما بأن (ما) في قولهم (لا سيما زيد) بالرفع كذلك. وزاد قسما، وهو: أن تكون نكرة موصوفة نحو (مررت بأى معجب لك) كما يقال: بمن معجب لك، وهذا غير مسموع. ولا تكون (أي) غير مذكور معها مضاف إليه البتة إلا في النداء والحكاية، يقال (جاءني رجل) فتقول: أي يا هذا، وجاءني رجلان، فتقول: أيان، وجاءني رجال، فتقول: أيون. تنبيه - قول أبى الطيب: 118 - أي يوم سررتني بوصال * لم ترعنى ثلاثة بصدود (1) ؟ [ص 514] ليست فيه أي موصولة، لان الموصولة لا تضاف إلا إلى المعرفة، قال أبو على في التذكرة في قوله: 119 - أرأيت أي سوالف وخدود * برزت لنا بين اللوى فزرود ؟ لا تكون أي فيه موصولة، لاضافتها إلى نكرة، انتهى. ولا شرطية، لان المعنى حينئذ: إن سررتني يوما بوصالك آمنتني ثلاثة أيام من صدودك، وهذا عكس المعنى المراد، وإنما هي للاستفهام الذى يراد به النفى، كقولك لمن ادعى أنه أكرمك: أي يوم أكرمتني ؟ والمعنى ما سررتني يوما بوصالك إلا روعتني (1) ثلاثة بصدودك، والجملة الاولى مستأنفة قدم ظرفها، لان له الصدر، والثانية إما في موضع جر صفة لوصال على حذف العائد: أي لم ترعنى بعده، كما حذف في قوله تعالى: (واتقوا يوما لا تجزى نفس) الآية، أو نصب حالا من فاعل سررتني أو مفعوله، والمعنى: أي يوم سررتني غير رائع لى أو غير مروع منك، وهى حال مقدرة مثلها في (طبتم فادخلوها خالدين) أو لا محل لها على أن تكون معطوفة على الاولى بفاء محذوفة كما قيل في (وإذا قال

(هامش)

(1) في نسخة (إلا وروعتني) بزيادة واو الحال بعد إلا، والفصيح تركها. (*)

ص 80

موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزوا ؟ قال أعوذ بالله) وكذا في بقية الاية، وفيه بعد، والمحققون في الآية على أن الجمل مستأنفة، بتقدير: فما قالوا له ؟ فما قال لهم ؟ ومن روى (ثلاثة) بالرفع لم يجز عنده كون الحال من فاعل سررتني، لخلو (ترعنى) من ضمير ذى الحال،

(إذ)

على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون اسما للزمن الماضي، ولها أربعة استعمالات. أحدها: أن تكون ظرفا، وهو الغالب، نحو (فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا). والثانى: أن تكون مفعولا به، نحو (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) والغالب على المذكورة في أوائل القصص في التنزيل أن تكون مفعولا به، بتقدير (اذكر) نحو (وإذ قال ربك للملائكة) (وإذ قلنا للملائكة) (وإذ فرقنا بكم البحر) وبعض المعربين يقول في ذلك: إنه ظرف لا ذكر محذوفا، وهذا وهم فاحش، لاقئضائه حينئذ الامر بالذكر في ذلك الوقت، مع أن الامر للاستقبال، وذلك الوقت قد مضى قبل تعلق الخطاب بالمكلفين منا، وإنما المراد ذكر الوقت نفسه لا الذكر فيه. والثالث: أن تكون بدلا من المفعول، نحو (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) فإذ: بدل اشتمال من مريم على حد البدل في (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه). وقوله تعالى: (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء) يحتمل كون إذ فيه ظرفا للنعمة وكونها بدلا منها. والرابع: أن يكون مضافا إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه نحو (يومئذ، وحينئذ) أو غير صالح له نحو قوله تعالى: (بعد إذ هديتنا) وزعم الجمهور أن إذ لا تقع إلا ظرفا أو مضافا إليها، وأنها في نحو (واذكروا إذ كنتم قليلا) ظرف لمفعول محذوف، أي: واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم

ص 81

قليلا، وفى نحو (إذ انتبذت) ظرف لمضاف إلى مفعول محذوف، أي: واذكر قصة مريم، ويؤيد هذا القول التصريح بالمفعول في (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء). ومن الغريب أن الزمخشري قال في قراءة بعضهم (لمن من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا): إنه يجوز أن يكون التقدير منه إذ بعث، وأن تكون إذ في محل رفع كإذا في قولك: أخطب ما يكون الامير إذا كان قائما، أي لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه، انتهى، فمقتضى هذا الوجه أن إذ مبتدأ، ولا نعلم بذلك قائلا، ثم تنظيره بالمثال غير مناسب، لان الكلام في إذ لا في إذا، وكان حقه أن يقول إذ كان، لانهم يقدرون في هذا المثال ونحوه إذ تارة وإذا أخرى، بحسب المعنى المراد، ثم ظاهره أن المثال يتكلم [به] هكذا، والمشهور أن حذف الخبر في ذلك واجب، وكذلك المشهور أن إذا المقدرة في المثال في موضع نصب، ولكن جوز عبد القاهر كونها في موضع رفع، تمسكا بقول بعضهم: أخطب ما يكون الامير يوم الجمعة، بالرفع، فقاس الزمخشري إذ على إذا، والمبتدأ على الخبر. والوجه الثاني: أن تكون اسما للزمن المستقبل، نحو (يومئذ تحدث أخبارها) والجمهور لا يثبتون هذا القسم، ويجعلون الآية من باب (ونفخ في الصور) أعنى من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد وقع، وقد يحتج لغيرهم بقوله تعالى: (فسوف يعلمون إذ الاغلال في أعناقهم) فإن (يعلمون) مستقبل لفظا ومعنى، لدخول حرف التنفيس عليه، وقد أعمل في إذ، فيلزم أن يكون بمنزلة إذا. والثالث: أن تكون للتعليل، نحو (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) أي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب، لاجل

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب