الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 82

ظلمكم في الدنيا، وهل هذه حرف بمنزلة لام العلة أو ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ، فإنه إذا قيل: ضربته إذ أساء، وأريد [بإذ] الوقت اقتضى ظاهر الحال أن الاساءة سبب الضرب ؟ قولان، وإنما يرتفع السؤال على القول الاول، فإنه لو قيل: (لن ينفعكم اليوم وقت ظلمكم الاشتراك في العذاب) لم يكن التعليل مستفادا، لاختلاف زمنى الفعلين، ويبقى إشكال في الآية، وهو أن إذ لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين، ولا تكون ظرفا لينفع، لانه لا يعمل في ظرفين، ولا لمشتركون، لان معمول خبر الاحرف الخمسة لا يتقدم عليها ولان معمول الصلة لا يتقدم على الموصول، ولان اشتراكهم في الآخرة لا في زمن ظلمهم. ومما حملوه على التعليل (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم) (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف) وقوله: 120 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم * إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر [ص 363 و 517 و 600] وقول الاعشى: 121 - إن محلا وإن مرتحلا * وإن في السفر إذ مضوا مهلا [ص 239 و 609 و 631] أي إن لنا حلولا في الدنيا وإن لنا ارتحالا عنها إلى الآخرة، وإن في الجماعة الذين ماتوا قبلنا إمهالا لنا، لانهم مضوا قبلنا وبقينا بعدهم، وإنما يصح ذلك كله على القول بأن إذ التعليلية حرف كما قدمنا. والجمهور لا يثبتون هذا القسم، وقال أبو الفتح: راجعت أبا على مرارا في قوله تعالى: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) الآية، مستشكلا إبدال إذ من اليوم، فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان، وأنهما في حكم الله تعالى سواء، فكأن اليوم ماض، أو كأن إذ مستقبلة انتهى.

ص 83

وقيل: المعنى إذ ثبت ظلمكم. وقيل: التقدير بعد إذ ظلمتم، وعليهما أيضا فإذ بدل من اليوم، وليس هذا التقدير مخالفا لما قلناه في (بعد إذ هديتنا)، لان المدعى هناك أنها لا يستغنى عن معناها كما يجوز الاستغناء عن يوم في يومئذ، لانها لا تحذف الدليل، وإذا لم تقدر إذ تعليلا فيجوز أن تكون أن وصلتها تعليلا، والفاعل مستتر راجع إلى قولهم (يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين) أو إلى القرين، ويشهد لهما قراءة بعضهم (إنكم) بالكسر على الاستئناف. والرابع: أن تكون للمفاجأة، نص على ذلك سيبويه، وهى الواقعة بعد بينا أو بينما كقوله: 122 - استقدر الله خيرا وارضين به * فبينما العسر إذ دارت مياسير وهل هي ظرف مكان أو زمان، أو حرف بمعنى المفاجأة، أو حرف توكيد، أي زائد ؟ أقوال، وعلى القول بالظرفية فقال ابن جنى: عاملها الفعل الذى بعدها، لانها غير مضافة إليه، وعامل (بينا وبينما) محذوف يفسره الفعل المذكور، وقال الشلوبين: إذ مضافة إلى الجملة، فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا وبينما، لان المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله، وإنما عاملها محذوف يدل عليه الكلام، وإذ بدل منهما، وقيل: العامل ما يلى بين بناء على أنها مكفوفة عن الاضافة إليه كما يعمل تالى اسم الشرط فيه، وقيل: بين خبر لمحذوف، وتقدير قولك (بينما أنا قائم إذ جاء زيد) بين أوقات قيامى مجئ زيد، ثم حذف المبتدأ مدلولا عليه بجاء زيد، وقيل: مبتدأ، وإذ خبره، والمعنى حين أنا قائم حين جاء زيد. وذكر لاذ معنيان آخران، أحدهما: التوكيد، وذلك بأن تحمل على الزيادة، قاله أبو عبيدة، وتبعه ابن قتيبة، وحملا عليه آيات منها (وإذ قال ربك للملائكة) والثانى: التحقيق كقد، وحملت عليه الآية، وليس القولان بشيء، واختار ابن الشجرى أنها تقع زائدة بعد بينا وبينما خاصة، قال: لانك إذا قلت (بينما أنا

ص 84

جالس إذ جاء زيد) فقدرتها غير زائدة أعملت فيها الخبر، وهى مضافة إلى جملة جاء زيد، وهذا الفعل هو الناصب لبين، فيعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف، اه‍. وقد مضى كلام النحويين في توجيه ذلك، وعلى القول بالتحقيق في الآية، فالجملة معترضة بين الفعل والفاعل. مسألة - تلزم إذ الاضافة إلى جملة، إما اسمية نحو (واذكروا إذ أنتم قليل) أو فعلية فعلها ماض لفظا ومعنى نحو (وإذ قال ربك للملائكة) (وإذ ابتلى إبراهيم ربه) (وإذ غدوت من أهلك) أو فعلية فعلها ماض معنى لا لفظا نحو (وإذ يرفع إبراهيم القواعد) (وإذ يمكر بك الذين كفروا) (وإذ تقول للذى أنعم الله عليه) وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) الاولى ظرف لنصره، والثانية بدل منها، والثالثة قيل بدل ثان وقيل ظرف لثاني اثنين، وفيهما وفى إبدال الثانية نظر، لان الزمن الثاني والثالث غير الاول فكيف يبدلان منه ؟ ثم لا يعرف أن البدل يتكرر إلا في بدل الاضراب، وهو ضعيف لا يحمل عليه التنزيل، ومعنى (ثانى اثنين) واحد من اثنين، فكيف يعمل في الظرف وليس فيه معنى فعل ؟ وقد يجاب بأن تقارب الازمنة ينزلها منزلة المتحدة، أشار إلى ذلك أبو الفتح في المحتسب، والظرف يتعلق بوهم الفعل وأيسر روائحه. وقد يحذف أحد شطرى الجملة فيظن من لا خبرة له أنها أضيفت إلى المفرد كقوله: 123 - هل ترجعن ليال قد مضين لنا * والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا ؟ والتقدير: إذ ذاك كذلك، وقال الاخطل: 124 - كانت منازل ألاف عهدتهم * إذ نحن إذ ذاك دون الناس إخوانا

ص 85

ألاف - بضم الهمزة - جمع آلف بالمد مثل كافر وكفار، ونحن وذاك مبتدآن حذف خبراهما، والتقدير: عهدتهم إخوانا إذ نحن متآلفون، إذ ذاك كائن، ولا تكون إذ الثانية خبرا عن نحن، لانه زمان ونحن اسم عين، بل هي ظرف للخبر المقدر، وإذ الاولى ظرف لعهدتهم، ودون: إما ظرف له أو للخبر المقدر أو لحال من إخوانا محذوفة، أي متصافين دون الناس، ولا يمنع ذلك تنكير صاحب الحال، لتأخره، فهو كقوله: 125 - لمية موحشا طلل * [يلوح كأنه خلل [ص 436 و 659] ولا كونه اسم عين، لان دون ظرف مكان لا زمان، والمشار إليه بذلك التجاوز المفهوم من الكلام. وقالت الخنساء: 126 - كأن لم يكونوا حمى يتقى * إذ الناس إذ ذاك من عزبز إذ الاولى ظرف ليتقى، أو لحمى، أو ليكونوا إن قلنا إن لكان الناقصة مصدرا، والثانية ظرف لبز، ومن: مبتدأ موصول لا شرط، لان بز عامل في إذ الثانية، ولا يعمل ما في حيز الشرط فيما قبله عند البصريين وبز: خبر من، والجملة خبر الناس، والعائد محذوف، أي من عز منهم، كقولهم (السمن منوان بدرهم) ولا تكون إذ الاولى ظرفا لبز، لانه جزء الجملة التى أضيفت إذ الاولى إليها، ولا يعمل شيء من المضاف إليه في المضاف، ولا إذ الثانية بدلا من الاولى، لانها إنما تكمل بما أضيفت إليه، ولا يتبع اسم حتى يكمل، ولا [تكون] خبرا عن الناس، لانها زمان والناس اسم عين، وذاك: مبتدأ محذوف الخبر، أي كائن، وعلى ذلك فقس. وقد تحذف الجملة كلها للعلم، ويعوض عنها التنوين، وتكسر الذال لالتقاء. الساكنين، نحو (ويومئذ يفرح المؤمنون) وزعم الاخفش أن إذ في ذلك معربة

ص 86

لزوال افتقارها إلى الجملة، وإن الكسرة إعراب، لان اليوم مضاف إليها، رد بأن بناءها لوضعها على حرفين، وبأن الافتقار باق في المعنى كالموصول تحذف صلته لدليل، قال: 127 - نحن الاولى فاجمع جمو * عك ثم وجههم إلينا [ص 625] أي نحن الاولى عرفوا، وبأن العوض ينزل منزلة المعوض عنه، فكأن المضاف إليه مذكور، وبقوله: 128 - نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعافية وأنت إذ صحيح فأجاب عن هذا بأن الاصل حينئذ، ثم حذف المضاف وبقى الجر كقراءة بعضهم (والله يريد الآخرة) أي ثواب الآخرة. تنبيه - أضيفت (إذ) إلى الجملة الاسمية، فاحتملت الظرفية والتعليلية في قول المتنبي: 129 - أمن ازديارك في الدجى الرقباء * حيث إذ كنت من الظلام ضياء وشرحه: أن أمن فعل ماض، فهو مفتوح الآخر، لا مكسوره على أنه حرف جر كما توهم شخص ادعى الادب في زماننا وأصر على ذلك، والازديار أبلغ من الزيارة كما أن الاكتساب أبلغ من الكسب، لان الافتعال للتصرف، والدال بدل عن التاء، وفى: متعلقة به، لا بأمن، لان المعنى أنهم أمنوا دائما أن تزوري في الدجى، وإذ: إما تعليل أو ظرف مبدل من محل في الدجى، وضياء: مبتدأ خبره حيث، وابتدئ بالنكرة لتقدم خبرها عليها ظرفا، ولانها موصوفة في المعنى، لان من الظلام صفة لها في الاصل، فلما قدمت عليها صارت حالا منها، ومن للبدل، وهى متعلقة بمحذوف، وكان تامة، وهى وفاعلها خفض بإضافة حيث، والمعنى: إذ الضياء حاصل في كل موضع حصلت فيه بدلا من الظلام

ص 87

(إذ ما): أداة شرط تجزم فعلين

وهى حرف عند سيبويه بمنزلة إن الشرطية، وظرف عند المبرد وابن السراج والفارسي، وعملها الجزم قليل، لا ضرورة، خلافا لبعضهم.

(إذا) على وجهين: أحدهما: أن تكون للمفاجأة، فتختص بالجمل الاسمية، ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال، نحو (خرجت فإذا الاسد بالباب) ومنه (فإذا هي حية تسعى) (إذا لهم مكر). وهى حرف عند الاخفش، ويرجحه قولهم (خرجت فإذا إن زيدا بالباب) بكسر إن، لان إن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وظرف مكان عند المبرد، وظرف زمان عند الزجاج، واختار الاول ابن مالك، والثانى ابن عصفور، والثالث الزمخشري، وزعم أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة، قال في قوله تعالى: (ثم إذا دعاكم دعوة) الآية: إن التقدير إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت، ولا يعرف هذا لغيره، وإنما ناصبها عندهم الخبر المذكور في نحو (خرجت فإذا زيد جالس) أو المقدر في نحو (فإذا الاسد) أي حاضر، وإذا قدرت أنها الخبر فعاملها مستقر أو استقر. ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحا به نحو (فإذا هي حية تسعى) (فإذا هي شاخصة) (فإذا هم خامدون) (فإذا هي بيضاء) (فإذا هم بالساهرة). وإذا قيل (خرجت فإذا الاسد) صح كونها عند المبرد خبرا، أي فبالحضرة الاسد، ولم يصح عند الزجاج، لان الزمان لا يخبر به عن الجثة، ولا عند الاخفش لان الحرف لا يخبر به ولا عنه، فإن قلت (فإذا القتال) صحت خبريتها عند غير الاخفش. وتقول (خرجت فإذا زيد جالس) أو (جالسا) فالرفع على الخبرية، وإذا

ص 88

نصب به، والنصب على الحالية والخبر إذا إن قيل بأنها مكان، وإلا فهو محذوف. نعم يجوز أن تقدرها خبرا عن الجثة مع قولنا إنها زمان إذا قدرت حذف مضاف كأن تقدر في نحو (خرجت فإذا الاسد) فإذا حضور الاسد. مسألة - قالت العرب (قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي) وقالوا أيضا (فإذا هو إياها) وهذا هو الوجه الذى أنكره سيبويه لما سأله الكسائي، وكان من خبرهما أن سيبويه قدم على البرامكة، فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما، فجعل لذلك يوما، فلما حضر سيبويه تقدم إليه الفراء وخلف، فسأله خلف عن مسألة فأجاب فيها، فقال له: أخطأت، ثم سأله ثانية وثالثة، وهو يجيبه، ويقول له: أخطأت، فقال [له سيبويه]: هذا سوء أدب، فأقبل عليه الفراء فقال له: إن في هذا الرجل حدة وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال (هؤلاء أبون ومررت بأبين) كيف تقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت، فأجابه، فقال: أعد النظر، فقال: لست أكلمكما حتى يحضر صاحبكما، فحضر الكسائي فقال له [الكسائي]: تسألني أو أسألك ؟ فقال له سيبويه: سل أنت، فسأله عن هذا المثال فقال سيبويه (فإذا هو هي) ولا يجوز النصب، وسأله عن أمثال ذلك نحو (خرجت فإذا عبد الله القائم، أو القائم) فقال له: كل ذلك بالرفع، فقال الكسائي: العرب ترفع كل ذلك وتنصب، فقال يحيى: قد اختلفتما، وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما ؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك، قد سمع منهم أهل البلدين، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: أنصفت، فأحضروا، فوافقوا الكسائي، فاستكان سيبويه، فأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم، فخرج إلى فارس، فأقام بها حتى مات، ولم يعد إلى البصرة، فيقال: إن العرب قد أرشوا على ذلك، أو إنهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد، ويقال: إنهم قالوا: القول قول الكسائي، ولم ينطقوا بالنصب، وإن سيبويه قال ليحيى: مرهم أن ينطقوا بذلك، فإن ألسنتهم

ص 89

لا تطوع به، ولقد أحسن الامام الاديب أبو الحسن حازم بن محمد الانصاري [القرطاجنى] إذ قال في منظومته في النحو حاكيا هذه الواقعة والمسألة: والعرب قد تحذف الاخبار بعد إذا * إذا عنت فجأة الامر الذى دهما وربما نصبوا للحال بعد إذا * وربما رفعوا من بعدها، ربما فإن توالى ضميران اكتسى بهما * وجه الحقيقة من إشكاله غمما لذاك أعيت على الافهام مسألة * أهدت إلى سيبويه الحتف والغمما قد كانت العقرب العوجاء أحسبها * قدما أشد من الزنبور وقع حما وفى الجواب عليها هل (إذا هو هي) * أو هل (إذا هو إياها) قد اختصما وخطأ ابن زياد وابن حمزة في * ما قال فيها أبا بشر، وقد ظلما وغاظ عمرا على في حكومته * يا ليته لم يكن في أمره حكما كغيظ عمرو عليا في حكومته * يا ليته لم يكن في أمره حكما وفجع ابن زياد كل منتخب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما

ص 90

كفجعة ابن زياد كل منتخب * من أهله إذا غدا منه يفيض دما وأصبحت بعده الانقاس باكية * في كل طرس كدمع سح وانسجما وليس يخلو امرؤ من حاسد أضم * لولا التنافس في الدنيا لما أضما والغبن في العلم أشجى محنة علمت * وأبرح الناس شجوا عالم هضما وقوله (وربما نصبوا - إلخ) أي وربما نصبوا على الحال بعد أن رفعوا ما بعد إذا على الابتداء، فيقولون (فإذا زيد جالسا). وقوله (ربما) في آخر البيت بالتخفيف توكيد لربما في أوله بالتشديد. وغمما في آخر البيت الثالث بفتح الغين كناية عن الاشكال والخفاء، وغمما في آخر البيت الرابع بضمها جمع غمة. وابن زياد: هو الفراء، واسمه يحيى، وابن حمزة هو الكسائي، واسمه على، وأبو بشر: سيبويه، واسمه عمرو، وألف (ظلما) للتثنية إن بنيته للفاعل، وللاطلاق إن بنيته للمفعول، وعمرو وعلى الاولان: سيبويه والكسائي، والآخران: ابن العاص وابن أبى طالب رضى الله عنهما، وحكما الاول اسم، والثانى فعل، أو بالعكس دفعا للايطاء، وزياد الاول: والد الفراء، والثانى زياد بن أبيه، وابنه المشار إليه هو ابن مرجانة المرسل في قتلة الحسين رضى الله عنه، وأضم كغضب وزنا ومعنى، وإعجام الضاد، والوصف منه أضم كفرح، وهضم: مبنى للمفعول، أي لم يوف حقه. وأما سؤال الفراء فجوابه أن أبون جمع أب، وأب فعل بفتحتين، وأصله أبو،

ص 91

فإذا بنينا مثله من أوى أو من وأى قلنا أوى كهوى، أو قلنا وأى كهوى أيضا، ثم تجمعه بالواو والنون فتحذف الالف كما تحذف ألف مصطفى، وتبقى الفتحة دليلا عليها فتقول: أوون أو وأون رفعا، وأوين أو وأين جرا ونصبا، كما تقول في جمع عصا وقفا اسم رجل عصون وقفون وعصين وقفين، وليس هذا مما يخفى على سيبويه ولا على أصاغر الطلبة، ولكنه كما قال أبو عثمان المازنى: دخلت بغداد فألقيت على مسائل فكنت أجيب فيها على مذهبي، ويخطئونني على مذاهبهم، اه‍ وهكذا اتفق لسيبويه رحمه الله تعالى. وأما سؤال الكسائي فجوابه ما قاله سيبويه، وهو (فإذا هو هي) هذا هو وجه الكلام، مثل (فإذا هي بيضاء) (فإذا هي حية) وأما (فإذا هو إياها) إن ثبت فخارج عن القياس واستعمال الفحصاء، كالجزم بلن والنصب بلم والجر بلعل وسيبويه وأصحابه لا يلتفتون لمثل ذلك، وإن تكلم بعض العرب به. وقد ذكر في توجيهه أمور: أحدها لابي بكر بن الخياط، وهو أن (إذا) ظرف فيه معنى وجدت ورأيت، فجاز له أن ينصب المفعول [كما ينصبه وجدت ورأيت]، وهو مع ذلك ظرف مخبر به (1) عن الاسم بعده، انتهى. وهذا خطأ، لان المعاني لا تنصب المفاعيل الصحيحة، وإنما تعمل في الظروف والاحوال، ولانها تحتاج على زعمه إلى فاعل وإلى مفعول آخر، فكان حقها أن تنصب ما يليها. والثانى: أن ضمير النصب استعير في مكان ضمير الرفع، قاله ابن مالك، ويشهد له قراءة الحسن (إياك تعبد) ببناء الفعل للمفعول، ولكنه لا يتأتى فيما أجازوه من قولك (فإذا زيد القائم) بالنصب، فينبغي أن يوجه هذا على أنه نعت مقطوع، أو حال على زيادة أل، وليس ذلك مما ينقاس، ومن جوز تعريف الحال أو زعم أن

(هامش)

(1) في نسخة (يخبر به). (*)

ص 92

إذا تعمل عمل وجدت، وأنها رفعت عبد الله بناء على أن الظرف يعمل وإن لم يعتمد، فقد أخطأ، لان وجد ينصب الاسمين، ولان مجئ الحال بلفظ المعرفة قليل، وهو قابل للتأويل. والثالث: أنه مفعول به، والاصل فإذا هو يساويها، أو فإذا هو يشابهها، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، وهذا الوجه لابن مالك أيضا، ونظيره قراءة على رضى الله عنه (لئن أكله الذئب ونحن عصبة) بالنصب أي نوجد عصبة أو نرى عصبة، وأما قوله تعالى (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم) إذا قيل: إن التقدير يقولون ما نعبدهم، فإنما حسنه أن إضمار القول مستسهل عندهم. والرابع: أنه مفعول مطلق، والاصل: فإذا هو يلسع لسعتها، ثم حذف الفعل كما تقول (ما زيد إلا شرب الابل) ثم حذف المضاف، نقله الشلوبين في حواشى المفصل عن الاعلم، وقال: هو أشبه ما وجه به النصب. الخامس: أنه منصوب على الحال من الضمير في الخبر المحذوف، والاصل: فإذا هو ثابت مثلها ثم حذف المضاف فانفصل الضمير وانتصب في اللفظ على الحال على سبيل النيابة، كما قالوا (قضية ولا أبا حسن لها) على إضمار مثل، قاله ابن الحاجب في أماليه، وهو وجه غريب، أعنى انتصاب الضمير على الحال، وهو مبنى على إجازة الخليل (له صوت صوت الحمار) بالرفع صفة لصوت، بتقدير مثل، وأما سيبويه فقال: هذا قبيح ضعيف، وممن قال بالجواز ابن مالك، قال: إذا كان المضاف إلى معرفة كلمة (مثل) جاز أن تخلفها المعرفة في التنكير، فتقول (مررت برجل زهير) بالخفض صفة للنكرة، و (هذا زيد زهيرا) بالنصب على الحال، ومنه قولهم (تفرقوا أيادى سبا) و (أيدى سبا) وإنما سكنت إلياء مع أنهما منصوبان لثقلهما بالتركيب والاعلال كما في معد يكرب وقال قلا. والثانى من وجهى إذا: أن تكون لغير مفاجأة، فالغالب أن تكون ظرفا

ص 93

للمستقبل مضمنة معنى الشرط، وتختص بالدخول على الجملة الفعلية، عكس الفجائية، وقد اجتمعا في قوله تعالى (ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذا أنتم تخرجون) وقوله تعالى: (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) ويكون الفعل بعدها ماضيا كثيرا، ومضارعا دون ذلك، وقد اجتمعا في قول أبى ذؤيب: 130 - والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى قليل تقنع وإنما دخلت الشرطية على الاسم في نحو (إذا السماء انشقت) لانه فاعل بفعل محذوف على شريطة التفسير، لا مبتدأ خلافا للاخفش، وأما قوله: 131 - إذا باهلي تحته حنظلية * له ولد منها فذاك المذرع فالتقدير: إذا كان باهلي، وقيل: حنظلية فاعل باستقر محذوفا، وباهلي: فاعل بمحذوف يفسره العامل في حنظلية، ويرده أن فيه حذف المفسر ومفسره جميعا، ويسهله أن الظرف يدل على المفسر، فكأنه لم يحذف. ولا تعمل إذا الجزم إلا في ضرورة كقوله: 132 - استغن ما أغناك ربك بالغنى * وإذا تصبك خصاصة فتجمل (1) [ص 96 و 698] قيل: وقد تخرج عن كل من الظرفية، والاستقبال، ومعنى الشرط، وفى كل من هذه فصل.

(هامش)

(1) يروى (فتجمل) بالجيم، وبالحاء المهملة، وسينشده المؤلف مرة أخرى قريبا (ص 96) [*)

ص 94

الفصل الاول في خروجها عن الظرفية زعم أبو الحسن في (حتى إذا جاءوها) أن إذا جر بحتى، وزعم أبو الفتح في (إذا وقعت الواقعة) الآية فيمن نصب (خافضة رافعة) أن إذا الاولى مبتدأ، والثانية خبر، والمنصوبين حالان، وكذا جملة (ليس) ومعموليها، والمعنى وقت وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين هو وقت رج الارض، وقال قوم في (أخطب ما يكون الامير قائما): إن الاصل أخطب أوقات أكوان الامير إذا كان قائما، أي وقت قيامه، ثم حذفت الاوقات ونابت ما المصدرية عنها، ثم حذف الخبر المرفوع، وهو إذا، وتبعها كان التامة وفاعلها في الحذف، ثم نابت الحال عن الخبر، ولو كانت (إذا) على هذا التقدير في موضع نصب لاستحال المعنى كما يستحيل إذا قلت (أخطب أوقات أكوان الامير يوم الجمعة) إذا نصبت اليوم، لان الزمان لا يكون محلا للزمان. وقالوا في قول الحماسي: 133 - وبعد غد يا لهف قلبى من غد * إذا راح أصحابي ولست برائح إن إذا في موضع جر بدلا من غد. وزعم ابن مالك أنها وقعت مفعولا في قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضى الله عنها: (إنى لاعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت على غضبى). والجمهور على أن (إذا) لا تخرج عن الظرفية، وأن حتى في نحو (حتى إذا جاءوها) حرف ابتداء دخل على الجملة بأسرها، ولا عمل له، وأما (إذا وقعت الواقعة) فإذا الثانية بدل من الاولى، والاولى ظرف، وجوابها محذوف لفهم المعنى، وحسنه طول الكلام، وتقديره بعد إذا الثانية، أي انقسمتم أقساما (1)،

(هامش)

(1) في نسخة (انقسمتم انقساما) وما أثبتناه أدق. (*)

ص 95

وكنتم أزواجا ثلاثة، وأما (إذا) في البيت فظرف للهف، وأما التى في المثال ففى موضع نصب، لانا لا نقدر زمانا مضافا إلى ما يكون، إذ لا موجب لهذا التقدير، وأما الحديث فإذا ظرف لمحذوف، وهو معمول (1) أعلم، وتقديره شأنك ونحوه، كما تعلق إذ بالحديث في (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه). الفصل الثاني في خروجها عن الاستقبال وذلك على وجهين: أحدهما: أن تجئ للماضي كما تجئ (2) إذ للمستقبل في قول بعضهم، وذلك كقوله تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا) (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) وقوله: 134 - وندمان يزيد الكأس طيبا * سقيت إذا تغورت النجوم والثانى: أن تجئ للحال، وذلك بعد القسم، نحو (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى) قيل: لانها لو كانت للاستقبال لم تكن ظرفا لفعل القسم، لانه إنشاء لا إخبار عن قسم يأتي، لان قسم الله سبحانه قديم، ولا لكون محذوف هو حال من والليل والنجم، لان الحال والاستقبال متنافيان، وإذا بطل هذان الوجهان تعين أنه ظرف لاحدهما على أن المراد به الحال، اه‍. والصحيح أنه لا يصح التعليق بأقسم الانشائى، لان القديم لا زمان له، لا حال ولا غيره، بل هو سابق على الزمان، وأنه لا يمتنع التعليق بكائنا مع بقاء إذا على الاستقبال، بدليل صحة مجئ الحال المقدرة باتفاق، ك‍ (مررت برجل معه

(هامش)

(1) في النسخة (وهو مفعول أعلم) (2) في نسخة (كما جاءت). (*)

ص 96

صقر صائدا به غدا) أي مقدرا الصيد به غدا، كذا يقدرون، وأوضح منه أن يقال: مريدا به الصيد غدا، كما فسر قمتم في (إذا قمتم إلى الصلاة) بأردتم. مسألة - في ناصب إذا مذهبان، أحدهما: أنه شرطها، وهو قول المحققين، فتكون بمنزلة متى وحيثما وأيان، وقول أبى البقاء إنه مردود بأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف غير وارد، لان إذا عند هؤلاء غير مضافة، كما يقوله الجميع إذا جزمت كقوله: * وإذا تصبك خصاصة فتحمل (1) * [132] والثانى: أنه ما في جوابها من فعل أو شبهه، وهو قول الاكثرين، ويرد عليهم أمور: أحدها: أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين تربط بينهما الاداة، وعلى قولهم تصير الجملتان واحدة، لان الظرف عندهم من جملة الجواب والمعمول داخل في جملة عامله. والثانى: أنه ممتنع في قول زهير: 135 - بدا لى أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابقا شيءا إذا كان جائيا [ص 288 و 460 و 476 و 478 و 551 و 678] لان الجواب محذوف، وتقديره إذا كان جائيا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال: لا أسبق شيءا وقت مجيئه، لان الشيء إنما يسبق قبل مجيئه، وهذا لازم لهم أيضا إن أجابوا بأنها غير شرطية وأنها معمولة لما قبلها وهو سابق، وأما على القول الاول فهى شرطية محذوفة الجواب وعاملها إما خبر كان أو نفس كان إن قلنا بدلالتها على الحدث والثالث: أنه يلزمهم في نحو (إذا جئتني اليوم أكرمتك غدا) أن يعمل أكرمتك في ظرفين متضادين، وذلك باطل عقلا، إذ الحدث الواحد المعين لا يقع بتمامه في زمانين، وقصدا، إذ المراد وقوع الاكرام في الغد لا في اليوم.

(هامش)

(1) يروى قوله (فتحمل) بالحاء المهملة، وبالجيم. (*)

ص 97

فإن قلت: فما ناصب اليوم على القول الاول ؟ وكيف يعمل العامل الواحد في ظرفي زمان. ؟ قلنا: لم يتضادا كما في الوجه السابق، وعمل العامل في ظرفي زمان يجوز إذا كان أحدهما أعم من الآخر نحو (آتيك يوم الجمعة سحر)، وليس بدلا، لجواز (سير عليه يوم الجمعة سحر) برفع الاول ونصب الثاني، ونص عليه سيبويه، وأنشد للفرزدق: 136 - متى تردن يوما سفار تجد بها * أديهم يرمى المستجيز المعورا فيوما يمتنع أن يكون بدلا من متى، لعدم اقتران بحرف الشرط، ولهذا يمتنع في اليوم في المثال أن يكون بدلا من إذا، ويمتنع أن يكون ظرفا لتجد، لئلا ينفصل ترد من معموله وهو سفار بالأجنبي، فتعين أنه ظرف ثان لترد. والرابع: أن الجواب ورد مقرونا بإذا الفجائية نحو (ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذا أنتم تخرجون) وبالحرف الناسخ نحو (إذا جئتني اليوم فإنى أكرمك) وكل منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله، وورد أيضا والصالح فيه للعمل صفة كقوله تعالى (فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير) ولا تعمل الصفة فيما قبل الموصوف، وتخريج بعضهم هذه الآية على أن إذا مبتدأ وما بعد الفاء خبر لا يصح إلا على قول أبى الحسن ومن تابعه في جواز تصرف إذا وجواز زيادة الفاء في خبر المبتدأ، لان عسر اليوم ليس مسببا عن النقر، والجيد أن تخرج على حذف الجواب مدلولا عليه بعسير، أي عسر الامر، وأما قول أبى البقاء إنه يكون مدلولا عليه بذلك فإنه إشارة إلى النقر فمردود، لادائه إلى اتحاد السبب والمسبب، وذلك ممتنع، وأما نحو (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله (7 - مغنى اللبيب 1)

ص 98

ورسوله) فمؤول على إقامة السبب مقام المسبب، لاشتهار المسبب، أي فقد استحق الثواب العظيم المستقر للمهاجرين. قال أبو حيان: ورد مقرونا بما النافية نحو (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم) الآية، وما النافية لها الصدر، انتهى. وليس هذا بجواب، وإلا لاقترن بالفاء، مثل (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) وإنما الجواب محذوف، أي عمدوا إلى الحجج الباطلة. وقول بعضهم إنه جواب على إضمار الفاء مثل (إن ترك خيرا الوصية للوالدين) مردود بأن الفاء لا تحذف إلا ضرورة، كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] والوصية في الآية نائب عن فاعل كتب، وللوالدين: متعلق بها، لا خبر، والجواب محذوف، أي فليوص. وقول ابن الحاجب (إن إذا هذه غير شرطية فلا تحتاج إلى جواب، وإن عاملها ما بعد ما النافية كما عمل ما بعد لا في يوم من قوله تعالى (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين) وإن ذلك من التوسع في الظرف) مردود بثلاثة أمور: أحدها: أن مثل هذا التوسع خاص بالشعر كقوله: 137 - * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [ص 269 و 317 و 539 و 694] والثانى: أن ما لا تقاس على لا، فإن مالها الصدر مطلقا بإجماع البصريين، واختلفوا في لا، فقيل: لها الصدر مطلقا، وقيل: ليس لها الصدر مطلقا لتوسطها بين العامل والمعمول في نحو (إن لا تقم أقم) و (جاء بلا زاد) وقوله: 138 - ألا إن قرطا على آلة * ألا إننى كيده لا أكيد وقيل: إن وقعت لا في جواب (1) القسم فلها الصدر، لحلولها محل أدوات الصدر، وإلا

(هامش)

(1) في نسخة (إن وقعت في صدر جواب القسم فلها الصدر). (*)

ص 99

فلا، وهذا هو الصحيح، وعليه اعتمد سيبويه، إذ جعل انتصاب (حب العراق) في قوله: 139 - آليت حب العراق الدهر أطعمه * [والحب يأكله في القرية السوس] [ص 245 و 590 و 600] على التوسع وإسقاط الخافض وهو على، ولم يجعله من باب (زيدا ضربته) لان التقدير لا أطعمه، ولا هذه لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملا. والثالث: أن (لا) في الآية حرف ناسخ مثله في نحو (لا رجل) والحرف الناسخ لا يتقدمه معمول ما بعده، ولو لم يكن نافيا، لا يجوز (زيدا إنى أضرب) فكيف وهو حرف نفى ؟ بل أبلغ من هذا أن العامل الذى بعده مصدر، وهم يطلقون القول بأن المصدر لا يعمل فيما قبله، وإنما العامل محذوف، أي اذكر يوم، أو يعذبون يوم. ونظير ما أورده أبو حيان على الاكثرين أن يورد عليهم قوله تعالى: (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل يتبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفى خلق جديد) فيقال: لا يصح لجديد أن يعمل في إذا، لان إن ولام الابتداء يمنعان من ذلك لان لهما الصدر، وأيضا فالصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف. والجواب أيضا أن الجواب محذوف مدلول عليه بجديد، أي إذا مزقتم تجدون، لان الحرف الناسخ لا يكون في أول الجواب إلا وهو مقرون بالفاء، نحو (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) وأما (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فالجملة جواب لقسم محذوف مقدر قبل الشرط، بدليل (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) الآية، ولا يسوغ أن يقال: قدرها خالية من معنى الشرط، فتستغني عن جواب وتكون معمولة لما قبلها وهو (قال) أو (ندلكم) أو (ينبئكم) لان هذه بالافعال لم تقع في ذلك الوقت.

ص 100

الفصل الثالث في خروج إذا عن الشرطية ومثاله قوله تعالى (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وقوله تعالى (والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون) فإذا فيهما ظرف لخبر المبتدأ بعدها، ولو كانت شرطية والجملة الاسمية جوابا لاقترنت بالفاء مثل (وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) وقول بعضهم (إنه على إضمار الفاء) تقدم رده، وقول آخر (إن الضمير توكيد لا مبتدأ، وإن ما بعده الجواب) ظاهر التعسف، وقول آخر (إن جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة بعدها) تكلف من غير ضرورة. ومن ذلك إذا التى بعد القسم نحو (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى) إذ لو كانت شرطية كان ما قبلها جوابا في المعنى كما في قولك (آتيك إذا أتيتني) فيكون التقدير إذا يغشى الليل وإذا هوى النجم أقسمت. وهذا ممتنع، لوجهين: أحدهما: أن القسم الانشائى لا يقبل التعليق، لان الانشاء إيقاع، والمعلق يحتمل الوقوع وعدمه، فأما (إن جاءني فو الله لاكرمنه) فالجواب في المعنى فعل الاكرام، لانه المسبب عن الشرط، وإنما دخل القسم بينهما لمجرد التوكيد، ولا يمكن ادعاء مثل ذلك هنا، لان جواب والليل ثابت دائما، وجواب والنجم ماض مستمر الانتفاء، فلا يمكن تسببهما عن أمر مستقبل وهو فعل الشرط. والثانى: أن الجواب خبرى، فلا يدل عليه الانشاء، لتباين حقيقتهما. (أيمن) المختص بالقسم، اسم لا حرف، خلافا للزجاج والرمانى، مفرد مشتق من اليمن [وهو البركة] وهمزته وصل، لا جمع يمين وهمزته قطع، خلافا

ص 101

للكوفيين، ويرده جواز كسر همزته، وفتح ميمه، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو أفلس وأكلب، وقول نصيب: 140 - فقال فريق القوم لما نشدتهم: * نعم، وفريق: ليمن الله ما ندرى فحذف ألفها في الدرج، ويلزمه الرفع بالابتداء، وحذف الخبر، وإضافته إلى اسم الله سبحانه وتعالى: خلافا لابن درستويه في إجازة جره بحرف القسم، ولابن مالك في جواز إضافته إلى الكعبة ولكاف الضمير، وجوز ابن عصفور كونه خبرا والمحذوف مبتدأ، أي قسمي أيمن الله.

حرف الباء

الباء المفردة

حرف جر لاربعة عشر معنى: أولها: الالصاق، قيل: وهو معنى لا يفارقها، فلهذا اقتصر عليه سيبويه، ثم الالصاق حقيقي ك‍ (أمسكت بزيد) إذا قبضت على شيء من جسمه أو على ما يحبسه من يد أو ثوب ونحوه، ولو قلت (أمسكته) احتمل ذلك وأن تكون منعته من التصرف، ومجازي نحو (مررت بزيد) أي ألصقت مرورى بمكان يقرب من زيد، وعن الاخفش أن المعنى مررت على زيد، بدليل (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) وأقول: إن كلا من الالصاق والاستعلاء إنما يكون حقيقيا إذا كان مفضيا إلى نفس المجرور ك‍ (أمسكت بزيد، وصعدت على السطح) فإن أفضى إلى ما يقرب منه فمجاز ك‍ (مررت بزيد) في تأويل الجماعة، وكقوله: 141 - تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق (ص 143)

ص 102

فإذا استوى التقدير ان في المجازية، فالاكثر استعمالا أولى بالتخريج عليه، ك‍ (مررت بزيد، ومررت عليه) وإن كان قد جاء كما في (لتمرون عليهم) (يمرون عليها). 142 - ولقد أمر على اللئيم يسبنى * [فمضيت ثمة قلت: لا يعنينى] [ص 429 و 645] إلا أن (مررت به) أكثر، فكان أولى بتقديره أصلا، ويتخرج على هذا الخلاف خلاف في المقدر في قوله: 143 - تمرون الديار ولم تعوجوا * [كلامكم على إذا حرام] [ص 473] أهو الباء أم على ؟ الثاني: التعدية، وتسمى باء النقل أيضا، وهى المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر، تقول في ذهب زيد: ذهبت بزيد، وأذهبته، ومنه (ذهب الله بنورهم) وقرئ (أذهب الله نورهم) وهى بمعنى القراءة المشهورة، وقول المبرد والسهيلى (إن بين التعديتين فرقا، وإنك إذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا له في الذهاب) مردود بالآية، وأما قوله تعالى: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) فيحتمل أن الفاعل ضمير البرق. ولان الهمزة والباء متعاقبتان لم يجز أقمت بزيد، وأما (تنبت بالدهن) فيمن ضم أوله وكسر ثالثه، فخرج على زيادة الباء، أو على أنها للمصاحبة، فالظرف حال من الفاعل، أي مصاحبة للدهن، أو المفعول، أي تنبت الثمر مصاحبا للدهن، أو أن أنبت يأتي بمعنى ثبت كقول زهير: 144 - رأيت ذوى الحاجات حول بيوتهم * قطينا لها حتى إذا أنبت البقل ومن وردوها مع المتعدى قوله تعالى: (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض) وصككت الحجر بالحجر، والاصل دفع بعض الناس بعضا، وصك الحجر بالحجر. [ص 429 و 645]

ص 103

الثالث: الاستعانة، وهى الداخلة على آلة الفعل، نحو (كتبت بالقلم) و (نجرت بالقدوم) قيل: ومنه [باء] البسملة، لان الفعل لا يتأتى على الوجه الاكمل إلا بها. الرابع: السببية، نحو (إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) (فكلا أخذنا بذنبه) ومنه: لقيت بزيد الاسد، أي بسبب لقائي إياه، وقوله: 145 - قد سقيت آبالهم بالنار * [والنار قد تسفى من الاوار] أي أنها بسبب ما وسمت به من أسماء أصحابها يخلى بينها وبين الماء. الخامس: المصاحبة، نحو (اهبط بسلام) أي معه (وقد دخلوا بالكفر) الآية. وقد اختلف في الباء من قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك) فقيل: للمصاحبة، والحمد مضاف إلى المفعول، أي فسبحه حامدا له، أي نزهه عما لا يليق به، وأثبت له ما يليق به، وقيل: للاستعانة، والحمد مضاف إلى الفاعل، أي سبحه بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تنزيه بمحمود، ألا ترى أن تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصفات. واختلف في (سبحانك اللهم وبحمدك) فقيل: جملة واحدة على أن الواو زائدة، وقيل: جملتان على أنها عاطفة، ومتعلق الباء محذوف، أي وبحمدك سبحتك، وقال الخطابى: المعنى وبمعونتك التى هي نعمة توجب على حمدك سبحتك، لا بحولى وقوتى، يريد أنه مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، وقال ابن الشجرى في (فتستجيبون بحمده): هو كقولك (أجبته بالتلبية) أي فتجيبونه بالثناء، إذ الحمد الثناء، أو الباء للمصاحبة متعلقة بحال محذوفة، أي معلنين بحمده، والوجهان في (فسبح بحمد ربك).

ص 104

والسادس: الظرفية نحو (ولقد نصركم الله ببدر) (نجيناهم بسحر) والسابع: البدل، كقول الحماسي: 146 - فليت لى بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الاغارة فرسانا وركبانا (1) وانتصاب (الاغارة) على أنه مفعول لاجله. والثامن: المقابلة، وهى الداخلة على الاعواض، نحو (اشتريته بألف) و (كافأت إحسانه بضعف) وقولهم (هذا بذاك) ومنه (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وإنما لم نقدرها باء السببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) لان المعطى بعوض قد يعطى مجانا، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب، وقد تبين أنه لا تعارض بين الحديث والآية، لاختلاف محملى الباءين جمعا بين الادلة. والتاسع: المجاوزة كعن، فقيل: تختص بالسؤال، نحو (فاسأل به خبيرا) بدليل (يسألون عن أنبائكم) وقيل: لا تختص به، بدليل قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) (ويوم تشقق السماء بالغمام) وجعل الزمخشري هذه الباء بمنزلتها في (شققت السنام بالشفرة) على أن الغمام جعل كالآلة التى يشق بها، قال: ونظيره (السماء منفطر به) وتأول البصريون (فاسأل به خبير) على أن الباء للسببية، وزعموا أنها لا تكون بمعنى عن أصلا، وفيه بعد، لانه لا يقتضى قولك (سألت بسببه) أن المجرور هو المسئول عنه. العاشر: الاستعلاء، نحو (من إن تأمنه بقنطار) الآية، بدليل (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) ونحو (وإذا مروا بهم يتغامزون) بدليل (وإنكم لتمرون عليهم) وقد مضى البحث فيه، وقوله:

(هامش)

(1) انظر الشاهد رقم 20

ص 105

147 - * أرب يبول الثعلبان برأسه ؟ * بدليل تمامه: * لقد هان من بالت عليه الثعالب * الحادى عشر: التبعيض، أثبت ذلك الاصمعي والفارسي والقتبى وابن مالك، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه (عينا يشرب بها عباد الله) وقوله: 148 - شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نئيج [ص 111 و 335] وقوله: 149 - [فلثمت فاها آخذا بقرونها] * شرب النزيف ببرد ماء الحشرج قيل: ومنه (وامسحوا برؤسكم) والظاهر أن الباء فيهن للالصاق، وقيل: هي في آية الوضوء للاستعانة، وإن في الكلام حذفا وقلبا، فإن (مسح) يتعدى إلى المزال عنه بنفسه، وإلى المزيل بالباء، فالاصل امسحوا رؤسكم بالماء، ونظيره بيت الكتاب: 150 - كنواح ريش حمامة نجدية * ومسحت باللثتين عصف الاثمد يقول: إن لثاتك تضرب إلى سمرة، فكأنك مسحتها بمسحوق الاثمد، فقلب معمولي مسح، وقيل في شربن: إنه ضمن معنى روين، ويصح ذلك في (يشرب بها) ونحوه، وقال الزمخشري في (يشرب بها): المعنى يشرب بها الخمر كما تقول (شربت الماء بالعسل). الثاني عشر: القسم، وهو أصل أحرفه، ولذلك خصت بجواز ذكر الفعل معه

ص 106

نحو (أقسم بالله لتفعلن) ودخولها على الضمير نحو (بك لافعلن) واستعالها في القسم الاستعطافي نحو (بالله هل قام زيد) أي أسألك بالله مستحلفا. الثالث عشر: الغاية، نحو (وقد أحسن بى) أي إلى، وقيل: ضمن أحسن معنى لطف. الرابع عشر: التوكيد وهى الزائدة، وزيادتها في ستة مواضع. أحدها: الفاعل، وزيادتها فيه: واجبة، وغالبة، وضرورة. فالواجبة في نحو (أحسن بزيد) في قول الجمهور: إن الاصل أحسن زيد بمعنى ذا حسن، ثم غيرت صيغة الخبر إلى الطلب، وزيدت الباء إصلاحا للفظ، وأما إذا قيل بأنه أمر لفظا ومعنى وإن فيه ضمير المخاطب مستترا فالباء معدية مثلها في (امرر بزيد). والغالبة في فاعل كفى، نحو (كفى بالله شهيدا) وقال الزجاج: دخلت لتضمن كفى معنى اكتف، وهو من الحسن بمكان، ويصححه قولهم (اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه) أي ليتق وليفعل، بدليل جزم (يثب) ويوجبه قولهم (كفى بهند) بترك التاء، فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب، بدليل (وما تسقط من ورقة وما تخرج من ثمرة) فإن عورض بقولك (أحسن بهند) فالتاء لا تلحق صيغ الامر، وإن كان معناها الخبر، وقال ابن السراج: الفاعل ضمير الاكتفاء، وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر، وهو قول الفارسى والرمانى، أجازا (مرورى بزيد حسن وهو بعمر وقبيح) وأجاز الكوفيون إعماله في الظرف وغيره، ومنع جمهور البصريين إعماله مطلقا، قالوا ومن مجئ فاعل كفى هذه مجردا عن الباء قول سحيم: 151 - [عميرة ودع إن تجهزت غازيا] * كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا

ص 107

ووجه ذلك - على ما اخترناه - أنه لم يستعمل كفى [هنا] بمعنى اكتف. ولا تزاد الباء في فاعل كفى التى بمعنى أجزأ وأغنى، ولا التى بمعنى وقى، والاولى متعدية لواحد كقوله: 152 - قليل منك يكفيني، ولكن * قليلك لا يقال له قليل [ص 675] والثانية متعدية لاثنين كقوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال) (فسيكفيكهم الله) ووقع في شعر المتنبي زيادة الباء في فاعل كفى المتعدية لواحد، قال: 153 - كفى ثعلا فخرا بأنك منهم * ودهر لان أمسيت من أهله أهل ولم أرمن انتقد عليه ذلك، فهذا إما لسهو عن شرط الزيادة، أو لجعلهم هذه الزيادة من قبيل الضرورة كما سيأتي، أو لتقدير الفاعل غير مجرور بالباء، وثعل: رهط الممدوح وهم بطن من طيئ، وصرفه للضرورة إذ فيه العدل والعلمية كعمر، ودهر: مرفوع عند ابن جنى بتقدير: وليفخر دهر، وأهل: صفة له بمعنى مستحق، واللام متعلقة بأهل، وجوز ابن الشجرى في دهر ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون مبتدأ حذف خبره، أي يفتخر بك، وصح الابتداء بالنكرة لانه قد وصف بأهل، والثانى كونه معطوفا على فاعل كفى، أي أنهم فخروا بكونه منهم وفخروا بزمانه لنضارة أيامه). وهذا وجه لا حذف فيه، والثالث أن تجره بعد أن ترفع فخرا، على تقدير كونه فاعل كفى والباء متعلقة بفخر، لا زائدة، وحينئذ تجر الدهر بالعطف، وتقدر أهلا خبرا لهو محذوفا، وزعم المعرى أن الصواب نصب دهر بالعطف على ثعلا، أي وكفى دهرا هو أهل لان أمسيت من أهله أنه أهل لكونك من أهله، ولا يخفى ما فيه من التعسف وشرحه أنه عطف على المفعول المتقدم، وهو ثعلا، والفاعل المتأخر وهو (أنك منهم) منصوبا ومرفوعا وهما دهرا وأن ومعمولاها وما تعلق بخبرها، ثم حذف المرفوع

ص 108

المعطوف اكتفاء بدلالة المعنى، وزعم الربعي أن النصب بالعطف على اسم أن وأن (أهل) عطف على خبرها، ولا معنى للبيت على تقديره. والضرورة كقوله: 154 - ألم يأتيك والانباء تنمى * بما لاقت لبون بنى زياد [ص 387] وقوله: 155 - مهما لى الليلة مهما ليه * أودى بنعلى وسرباليه [ص 332] وقال ابن الضائع في الاول: إن الباء متعلقة بتنمى، وإن فاعل يأتي مضمر، فالمسألة من باب الاعمال. وقال ابن الحاجب في الثاني: الباء معدية كما تقول (ذهب بنعلى) ولم يتعرض لشرح الفاعل، وعلام يعود إذا قدر ضميرا في (أودى) ؟ ويصح أن يكون التقدير: أودى هو، أي مود، أي ذهب ذاهب، كما جاء في الحديث (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) أي ولا يشرب هو، أي الشارب، إذ ليس المراد ولا يشرب الزانى. والثانى مما تزاد فيه الباء: المفعول، نحو (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (وهزى إليك بجذع النخلة) (فليمدد بسبب إلى السماء) (ومن يرد فيه بإلحاد) (فطفق مسحا بالسوق) أي يمسح السوق مسحا، ويجوز أن يكون صفة: أي مسحا واقعا بالسوق، وقوله: 156 - [نحن بنو ضبة أصحاب الفلج] * نضرب بالسيف وفرجو بالفرج الشاهد في الثانية، فأما الاولى فللاستعانة، وقوله:

ص 109

[هن الحرائر لا ربات أخمرة] * سود المحاجر لا يقرأن بالسور [32] وقيل: ضمن تلقوا معنى تفضوا، ويريد معنى يهم، ونرجو معنى نطمع، ويقرأن معنى يرقين ويتبركن، وأنه يقال (قرأت بالسورة) على هذا المعنى، ولا يقال (قرأت بكتابك) لفوات معنى التبرك فيه، قاله السهيلي، وقيل: المراد لا تلقو أنفسكم إلى التهلكة بأيديكم، فحذف المفعول به، والباء للآلة كما في قولك (كتبت بالقلم) أو المراد بسبب أيديكم، كما يقال: لا تفسد أمرك برأيك. وكثرت زيادتها في مفعول (عرفت) ونحوه، وقلت في مفعول ما يتعدى إلى اثنين كقوله: 157 - تبلت فؤادك في المنام خريدة * تسقى الضجيع ببارد بسام وقد زيدت في مفعول كفى المتعدية لواحد، ومنه الحديث (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع). وقوله: 158 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا (1) [ص 328 و 329] وقيل: إنها هي في البيت زائدة في الفاعل، وحب: بدل اشتمال على المحل، وقال المتنبي 159 - كفى بجسمى نحولا أننى رجل * لو لا مخاطبتي إياك لم ترنى [ص 667] والثالث: المبتدأ، وذلك في قولهم (بحسبك درهم) و (خرجت فإذا بزيد) و (كيف بك إذا كان كذا) ومنه عند سيبويه (بأيكم المفتون) وقال أبو الحسن

(هامش)

(1) الرواية برفع (غيرنا) وهو خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة من، والتقدير: الذى هو غيرنا.

ص 110

بأيكم متعلق باستقرار محذوف مخبر به عن المفتون، ثم اختلف، فقيل: المفتون مصدر بمعنى الفتنة، وقيل: الباء ظرفية، أي في أي طائفة منكم المفتون. تنبيه - من الغريب أنها زيدت فيما أصله المبتدأ وهو اسم ليس، بشرط أن يتأخر إلى موضع الخبر كقراءة بعضهم (ليس البر بأن تولوا) بنصب البر، وقوله: 160 - أليس عجيبا بأن الفتى * يصاب ببعض الذى في يديه والرابع: الخبر، وهو ضربان: غير موجب فينقاس نحو (ليس زيد بقائم) (وما الله بغافل) وقولهم (لا خير بخير بعده النار) إذا لم تحمل على الظرفية، وموجب فيتوقف على السماع، وهو قول الاخفش ومن تابعه، وجعلوا منه قوله تعالى (جزاء سيئة بمثلها) وقول الحماسي: 161 - [فلا تطمع، أبيت اللعن، فيها] * ومنعكها بشيء يستطاع والاولى تعليق (بمثلها) باستقرار محذوف هو الخبر، وبشيء بمنعكها والمعنى ومنعكها بشيء ما يستطاع، وقال ابن مالك في (بحسبك زيد) إن زيدا مبتدأ مؤخر، لانه معرفة وحسب نكرة. والخامس: الحال المنفى عاملها، كقوله: 163 - فما رجعت بخائبة ركاب * حكيم بن المسيب منتهاها وقوله: 163 - [كائن دعيت إلى بأساء داهمة] * فما انبعثت بمزءود ولا وكل ذكر ذلك ابن مالك، وخالفه أبو حيان، وخرج البيتين على أن التقدير بحاجة خائبة، وبشخص مزءود أي مذعور، ويريد بالمزءود نفسه، على حد قولهم (رأيت

ص 111

منه أسدا) وهذا التخريج ظاهر في البيت الاول دون الثاني، لان صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها، ولهذا قيل في (وما ربك بظلام للعبيد) إن فعالا ليس للمبالغة بل للنسب كقوله: 164 - [وليس بذى رمح فيطعننى به] * وليس بذى سيف وليس بنبال أي وما ربك بذى ظلم، لان الله لا يظلم الناس شيءا، ولا يقال لقيت منه أسدا أو بحرا أو نحو ذلك إلا عند قصد المبالغة في الوصف بالاقدام أو الكرم. والسادس: التوكيد بالنفس والعين، وجعل منه بعضهم قوله تعالى (يتربصن بانفسهن) وفيه نظر، إذ حق الضمير المرفوع المتصل المؤكد بالنفس أو بالعين أن يؤكد أولا بالمنفصل نحو (قمتم أنتم أنفسكم) ولان التوكيد هنا ضائع، إذ المأمورات بالتربص لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن، بخلاف قولك (زارني الخليفة نفسه) وإنما ذكر الانفس هنا لزيادة البعث على التربص، لاشعاره بما يستنكفن منه من طموح أنفسهن إلى الرجال. تنبيه - مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم إما مؤول تأويلا يقبله اللفظ، كما قيل في (ولاصلبنكم في جذوع النخل): إن (في) ليست بمعنى على، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء، وإما على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، كما ضمن بعضهم شربن في قوله * شربن بماء البحر * [148] معنى روين، وأحسن في (وقد أحسن بى) معنى لطف، وإما على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى، وهذا الاخير هو محمل الباب كله عند [أكثر] الكوفيين وبعض المتأخرين، ولا يجعلون ذلك شاذا ومذهبهم أقل تعسفا. * (بجل) * على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم، وهى على وجهين: اسم

ص 112

فعل بمعنى يكفى، واسم مرادف لحسب، ويقال على الاول (بجلنى) وهو نادر، وعلى الثاني (بجلى) قال: 165 - [ألا إننى أشربت أسود حالكا] * ألا بجلى من ذا الشراب ألا بجل

(بل)  

حرف إضراب، فإن تلاها بجملة كان معنى الاضراب إما الابطال نحو (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه، بل عباد مكرمون) أي بل هم عباد، ونحو (أم يقولون به جنة، بل جاءهم بالحق) وإما الانتقال من غرض إلى آخر، ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه، ومثاله (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى، بل تؤثرون الحياة الدنيا) ونحو (ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون، بل قلوبهم في غمرة) وهى في ذلك كله حرف ابتداء، لا عاطفة، على الصحيح ومن دخولها على الجملة قوله: 166 - بل بلد مل ء الفجاج قتمه * [لا يشترى كتانه وجهرمه] إذ التقدير بل رب بلد موصوف بهذا الوصف قطعته، ووهم بعضهم فزعم أنها تستعمل جارة وإن تلاها مفرد فهى عاطفة، ثم إن تقدمها أمر أو إيجاب (كاضرب زيدا بل عمرا، وقام زيد بل عمرو) فهى تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، فلا يحكم عليه بشيء، وإثبات الحكم لما بعدها، وإن تقدمها نفى أو نهى فهى لتقرير ما قبلها على حالته، وجعل ضده لما بعده، نحو (ما قام زيد بل عمرو، ولا يقم زيد بل عمرو) وأجاز المبرد وعبد الوارث أن تكون ناقلة معنى النفى والنهى إلى ما بعدها وعلى قولهما فيصح (ما زيد قائما بل قاعدا، وبل قاعد) ويختلف المعنى، ومنع الكوفيون أن يعطف بها بعد غير النفى وشبهه، قال هشام: محال (ضربت زيدا بل إياك) أهو ومنعهم ذلك مع سعة روايتهم دليل على قلته.

ص 113

وتزاد قبلها (لا) لتوكيد الاضراب بعد الايجاب، كقوله: 167 - وجهك البدر، لا، بل الشمس لو لم * يقض للشمس كسفه أو أفول ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفى، ومنع ابن درستويه زيادتها بعد النفى، وليس بشيء، لقوله: 168 - وما هجرتك، لا، بل زادني شغفا * هجر وبعد تراخى لا إلى أجل

(بلى)  

حرف جواب أصلى الالف، وقال جماعة: الاصل بل، والالف زائدة، وبعض هؤلاء يقول: إنها للتأنيث، بدليل إمالتها. وتختص بالنفى، وتفيد إبطاله. سواء كان مجردا نحو (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى) أم مقرونا بالاستفهام، حقيقيا كان نحو (أليس زيد بقائم) فتقول: بلى، أو توبيخيا نحو (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى) (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى) أو تقريريا نحو (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) (ألست بربكم قالوا بلى) أجروا النفى مع التقرير مجرى النفى المجرد في رده ببلى، ولذلك قال ابن عباس وغيره: لو قالوا نعم لكفروا، ووجهه أن نعم تصديق للمخبر بنفى أو إيجاب ولذلك قال جماعة من الفقهاء: لو قال (أليس لى عليك ألف) فقال (بلى) لزمته، ولو قال (نعم) لم تلزمه، وقال آخرون: تلزمه فيهما، وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا اللغة، ونازع السهيلي وغيره في المحكى عن ابن عباس وغيره في الآية مستمسكين بأن الاستفهام التقريرى خبر موجب، ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله تعالى (أفلا تبصرون أم أنا خير) لانها لا تقع بعد الايجاب، وإذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الايجاب تصديق [له]، انتهى. [8 - مغنى اللبيب 1]

صفح 114

ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها [عن] الايجاب، وذلك متفق عليه، ولكن وقع في كتب الحديث ما يقتضى أنها يجاب بها الاستفهام [المجرد]، ففى صحيح البخاري في كتاب الايمان أنه عليه الصلاة والسلام قال لاصحابه (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟) قالوا: بلى، وفى صحيح مسلم في كتاب الهبة (أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟) قال: بلى، قال (فلا إذن) وفيه أيضا أنه قال (أنت الذى لقيتني بمكة ؟) فقال له المجيب: بلى، وليس لهؤلاء أن يحتجوا بذلك، لانه قليل فلا يتخرج عليه التنزيل. واعلم أن تسمية الاستفهام في الآية تقريرا عبارة جماعة، ومرادهم أنه تقرير بما بعد النفى كما مر في صدر الكتاب، وفى الموضع بحث أوسع من هذا في باب النون.

(بيد) 

ويقال: ميد، بالميم، وهو اسم ملازم للاضافة إلى أن وصلتها، وله معنيان: أحدهما: غير، إلا أنه لا يقع مرفوعا ولا مجرورا، بل منصوبا، ولا يقع صفة ولا استثناء متصلا، وإنما يستثنى به في الانقطاع خاصة، ومنه الحديث (نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا) وفى مسند الشافعي رضى الله عنهم (بائد أنهم) وفى الصحاح (بيد بمعنى غير، يقال: إنه كثير المال بيد أنه بخيل) اه‍، وفى المحكم أن هذا المثال حكاه ابن السكيت، وأن بعضهم فسرها فيه بمعنى على، وأن تفسيرها بغير أعلى. والثانى: أن تكون بمعنى من أجل، ومنه الحديث (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنى من قريش واسترضعت في بنى سعد بن بكر) وقال ابن مالك وغيره: إنها هنا بمعنى غير، على حد قوله: 169 - ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب

ص 115

وأنشد أبو عبيدة على مجيئها بمعنى من أجل قوله: 170 عمدا فعلت ذاك بيد أنى * أخاف إن هلكت أن ترنى وقوله ترنى: من الرنين، وهو الصوت

(بله) 

على ثلاثة أوجه: اسم لدع، ومصدر بمعنى الترك، واسم مرادف لكيف، وما بعدها منصوب على الاول، ومخفوض على الثاني، ومرفوع على الثالث، وفتحها بناء على الاول والثالث، وإعراب على الثاني، وقد روى بالاوجه الثلاثة قوله يصف السيوف: 171 - تذر الجماجم ضاحيا هاماتها * بله الاكف كأنها لم تخلق وإنكار أبى على أن يرتفع ما بعدها مردود بحكاية أبى الحسن وقطرب له، وإذا قيل (بله الزيدين، أو المسلمين، أو أحمد، أو الهندات) احتملت المصدرية واسم الفعل. ومن الغريب أن في البخاري في تفسير ألم السجدة: يقول الله تعالى (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ذخرا من بله ما اطلعتم عليه) (1). واستعملت معربة مجرورة بمن خارجة عن المعاني الثلاثة، وفسرها بعضهم بغير، وهو ظاهر، وبهذا يتقوى من يعدها في ألفاظ الاستثناء.

حرف التاء

التاء المفردة 

محركة في أوائل الاسماء، ومحركة في أواخرها، ومحركة في أواخر الافعال، ومسكنة في أواخرها. فالمحركة في أوائل الاسماء حرف جر معناه القسم، وتختص بالتعجب، وباسم الله تعالى، وربما قالوا (تربى) و (ترب الكعبة) و (تالرحمن) قال الزمخشري

(هامش)

(1) انظر صحيح البخاري (6 / 116 السلطانية) ثم انظر فتح الباري (8 / 396 بولاق) (*)

ص 116

في (وتالله لاكيدن أصنامكم): الباء أصل حروف القسم، والواو بدل منها، والتاء بدل من الواو، وفيها زيادة معنى التعجب، كأنه تعجب من تسهيل الكيد على يده وتأتيه مع عتو نمروذ وقهره، ه‍ والمحركة في أواخرها حرف خطاب نحو أنت وأنت. والمحركة في أواخر الافعال ضمير نحو قمت وقمت وقمت، ووهم ابن خروف فقال في قولهم في النسب (كنتى): إن التاء هنا علامة كالواو في (أكلوني البراغيث) ولم يثبت في كلامهم أن هذه التاء تكون علامة. ومن غريب أمر التاء الاسمية أنها جردت عن الخطاب، والتزم فيها التذكير والافراد في (أرأيتكما) و (أرأيتكم) و (أرأيتك) و (أرأيتك) و (أرأيتكن) إذ لو قالوا (أرأيتما كما) جمعوا بين خطابين، وإذا امتنعوا من اجتماعهما في (يا غلامكم) فلم يقولوه كما قالوا (يا غلامنا) و (يا غلامهم) - مع أن الغلام طار عليه الخطاب بسبب النداء، وإنه خطاب لاثنين لا لواحد، فهذا أجدر، وإنما جاز (واغلامكيه) لان المندوب ليس بمخاطب في الحقيقة، ويأتى تمام القول في (أرأيتك) في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. والتاء الساكنة في أواخر الافعال حرف وضع علامة للتأنيث كقامت، وزعم الجلولى أنها اسم، وهو خرق لاجماعهم، وعليه فيأتى في الظاهر بعدها أن يكون بدلا، أو مبتدأ، والجملة قبله خبر، ويرده أن البدل صالح للاستغناء به عن المبدل منه، وأن عود الضمير على ما هو بدل منه نحو (اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم) قيل، وأن تقدم الخبر الواقع جملة قليل أيضا، كقوله: 172 - إلى ملك ما أمه من محارب * أبوه، ولا كانت كليب تصاهره وربما وصلت هذه التاء بثم ورب، والاكثر تحريكها معهما بالفتح.

ص 117

حرف الثاء

(ثم)  

ويقال فيها: فم، كقولهم في جدث: جدف - حرف عطف يقتضى ثلاثة أمور: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة، وفى كل منها خلاف. فأما التشريك فزعم الاخفش والكوفيون أنه قد يتخلف، وذلك بأن تقع زائدة، فلا تكون عاطفة البتة، وحملو على ذلك قوله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم) وقول زهير: 173 - أرانى إذا أصبحت ذاهوى * فثم إذا أمسيت أمسيت غاديا وخرجت الآية على تقدير الجواب، والبيت على زيادة الفاء. وأما الترتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه، تمسكا بقوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة، ثم جعل منها زوجها) (وبدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه) (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون، ثم آتينا موسى الكتاب) وقول الشاعر 174 - إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده والجواب عن الآية الاولى من خمسة أوجه: أحدها: أن العطف على محذوف، أي من نفس واحدة، أنشأها، ثم جعل منها زوجها. الثاني: أن العطف على (واحدة) على تنويلها بالفعل، أي من نفس توحدت، أي انفردت، ثم جعل منها زوجها.

ص 118

الثالث: أن الذرية أخرجت من ظهر آدم عليه السلام كالذر، ثم خلقت حواء من قصيراه. الرابع: أن خلق حواء من آدم لما لم تجر العادة بمثله جئ بثم إيذانا بترتبه وتراخيه في الاعجاب وظهور القدرة، لا لترتيب الزمان وتراخيه. الخامس: أن (ثم) لترتيب الاخبار لا لترتيب الحكم، وأنه يقال (بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب) أي ثم أخبرك أن الذى صنعته أمس أعجب. والاجوبة السابقة أنفع من هذا الجواب، لانها تصحح الترتيب والمهلة، وهذا يصحح الترتيب فقط، إذ لا تراخى بين الاخبارين، ولكن الجواب الاخير أعم، لانه يصح أن يجاب به عن الآية الاخيرة والبيت. وقد أجيب عن الآية الثانية أيضا بأن (سواه) عطف على الجملة الاولى، لا الثانية. وأجاب ابن عصفور عن البيت بأن المراد أن الجد أتاه السؤدد من قبل الاب، والاب من قبل الابن، كما قال ابن الرومي: 175 - قالوا: أبو الصقر من شيبان، قلت لهم: * كلا لعمري، ولكن منه شيبان وكم أب قد علا بابن ذرى حسب * كما علت برسول الله عدنان وأما المهملة فزعم الفراء أنها [قد] تتخلف، بدليل قولك: (أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب) لان ثم في ذلك لترتيب الاخبار، ولا تراخى بين الاخبارين، وجعل منه ابن مالك (ثم آتينا موسى الكتاب) الآية، وقد مر البحث في ذلك، والظاهر أنها واقعة موقع الفاء في قوله:

ص 119

176 - كهز الردينى تحت العجاج * جرى في الانابيب ثم اضطرب إذ الهز متى جرى في أنابيب الرمح يعقبه الاضطراب، ولم يتراخ عنه. مسألة - أجرى الكوفيون ثم مجرى الفاء والواو، في جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط، واستدل لهم بقراءة الحسن (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) بنصب (يدرك) وأجراها ابن مالك مجراهما بعد الطلب، فأجاز في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذى لا يجرى ثم يغتسل منه) ثلاثة أوجه: الرفع بتقدير ثم هو يغتسل، وبه جاءت الرواية، والجزم بالعطف على موضع فعل النهى، والنصب قال: بإعطاء ثم حكم واو الجمع، فتوهم تلميذه الامام أبو زكريا النووي رحمه الله أن المراد إعطاؤها حكمها في إفادة معنى الجمع، فقال: لا يجوز النصب، لانه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بينهما، دون إفراد أحدهما، وهذا لم يقله أحد، بل البول منهى عنه، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا، انتهى. وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النصب، لا في المعية أيضا، ثم ما أورده إنما جاء من قبل المفهوم، لا المنطوق، وقد قام دليل آخر على عدم إرادته، ونظيره إجازة الزجاج والزمخشري في (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق) كون (تكتموا) مجزوما، وكونه منصوبا مع أن النصب معناه النهى عن الجمع. تنبيه - قال الطبري في قوله تعالى (أثم إذا ما وقع آمنتم به): معناه أهنالك، وليست ثم التى تأتى للعطف، انتهى. وهذا وهم، اشتبه عليه ثم المضمومة الثاء بالمفتوحتها. (ثم) بالفتح - اسم يشار به إلى المكان البعيد، نحو (وأزلفنا ثم الآخرين) وهو ظرف لا يتصرف، فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى: (وإذا رأيت ثم رأيت) ولا يتقدمه حرف التنبيه [ولا يتأخر عنه كاف الخطاب]

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج1

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب