مسالك الأفهام - ج14

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 97

والوجه الثاني: أنها تنصرف عنه بذلك، لانه (1) يبرأ من المدعي، وينتزع الحاكم المال من يده. فإن أقام المدعي بينة على الاستحقاق فذاك، وإلا حفظه إلى أن يظهر مالكه. وإن أضافه إلى معلوم، فالمضاف إليه ضربان: أحدهما: أن يمتنع مخاصمته وتحليفه، كما إذا قال: هو وقف على الفقراء، أو على مسجد كذا، أو على ابني الطفل، أو هو ملك له، فتنصرف الخصومة عنه، ولا سبيل إلى تحليف الولي ولا طفله، ولا تغني إلا البينة. وإذا قضى له الحاكم بالبينة، وكان الاقرار لطفل، كتب الحاكم صورة الحال في السجل، ليكون الطفل على حجته إذا بلغ. والثاني: من لا يمتنع مخاصمته ولا تحليفه، كما إذا أضافه إلى شخص معين، فهو إما حاضر، وإما غائب. فإن كان حاضرا روجع، فإن صدق المدعى عليه انصرفت الخصومة إليه. وإن كذبه ففيه أوجه: أحدها - وهو الذي قطع به المصنف رحمه الله هنا -: أنه ينتزع منه،ويحفظه الحاكم إلى أن يظهر مالكه، لخروجه عن ملك المقر بالاقرار، وعدم ظهور مالكه بإنكار المقر له. والثاني: أنه يترك في يد المدعى عليه، إذ لا منازع له، ولعله يرجع ويدعيه. والثالث: أنه يسلم للمدعي، لخروجه عن ملك المقر، ولا منازع فيه للمدعي.

(هامش)

(1) في (ث، خ، م): لانها تبرئ. (*)

ص 98

وإن أضاف إلى غائب انصرفت عنه الخصومة أيضا، لان المال بظاهر الاقرار قد صار لغيره، ولهذا لو حضر الغائب وصدقه أخذه، وإذا كان لغيره وجب انصراف الخصومة عنه. ولا فرق بين أن يطلق ذلك، وبين أن يقول: وهو في يدي بإجارة أو إعارة أو وديعة أو غيرها. ثم إن كان للمدعي بينة أقامها، وقضي على الغائب بشرطه. وإن لم يكن له بينة أقر في يد المدعى عليه. وحيث تنصرف الخصومة عنه، وطلب المدعي إحلافه أنه لا يعلم أن العين له، ففي إجابته قولان مبنيان على أنه لو أقر له بعد ما أقر لغيره هل يغرم القيمة؟ فيه قولان مذكوران في محله (1). فإن قلنا: نعم - وهو الاظهر - فله إحلافه، فلعله يقر فيغرمه القيمة. وإن قلنا: لا، وهو أحد قولي الشيخ (2) - رحمه الله -، فإن قلنا النكول ورد اليمين كالاقرار لم يحلفه، لانه وإن أقر أو (3) نكل وحلف المدعي لا يستفيد شيئا. وإن قلنا كالبينة فله التحليف، لانه قد ينكل فيحلف المدعي، فإذا حلف وكانت العين تالفة أخذ القيمة. وحيث قلنا بوجوب القيمة، فأخذها بإقرار المدعى عليه ثانيا أو بيمين المدعي بعد نكوله، ثم سلمت له العين بالبينة أو بيمينه بعد نكول المقر له، فعليه رد القيمة، لانه إنما أخذ القيمة للحيلولة وقد زالت.

(هامش)

(1) في ج 11: 109 - 110. (2) المبسوط 8: 266. (3) في (ث، خ): ونكل. (*)

ص 99

الرابعة: إذا ادعى أنه آجره الدابة، وادعى آخر أنه أودعه إياها، تحقق التعارض مع قيام البينتين بالدعويين، وعمل بالقرعة مع تساوي البينتين في عدم الترجيح.

فروع: الاول: لو رجع الغائب وكذب المدعى عليه فالحكم كما ذكرناه فيما إذا أضاف إلى حاضر وكذبه. الثاني: لو أقام المقر له الحاضر أو الغائب بعد رجوعه البينة على الملك، لم يكن للمدعي تحليف المقر ليغرمه وإن قلنا به في الاول، لان الملك استقر بالبينة، وخرج الاقرار عن أن تكون الحيلولة به.الثالث: لو قال المدعي: هذه الدار وقف علي، وقال من هي في يده: هي ملك لفلان، وصدقه فلان وانتقلت الخصومة إليه، فإن قلنا بعدم إحلاف المقر ليغرمه القيمة فهنا أولى. وإن قلنا به ففي إحلافه هنا وجهان، من حيث إن المدعي قد اعترف [هنا] (1) بالوقف والوقف لا يعتاض عنه، ومن أنه مضمون بالقيمة عند الاتلاف، والحيلولة في الحال كالاتلاف. وهذا أقوى. قوله: (إذا ادعى أنه آجره الدابة... إلخ). المراد أن الدابة في يد المدعى عليه والمدعيان خارجان، فادعى أحدهما أنه آجرها من صاحب اليد، وادعى الاخر أنه أودعه إياها. فإن لم يقيما بينة يحكم بها لمن يصدقه المتشبث. وإن أقام كل منهما بينة بدعواه تحقق التعارض مع الاطلاق أو اتحاد التاريخين. وحينئذ فيرجع إلى الترجيح في إحدى البينتين بالعدالة أو العدد، فإن انتفى فالقرعة. ولو تقدم تاريخ إحداهما بني على الترجيح

(هامش)

(1) من (أ). (*)

ص 100

الخامسة: لو ادعى دارا في يد إنسان، وأقام بينة أنها كانت في يده أمس أو منذ شهر، قيل: لا تسمع هذه البينة. وكذا لو شهدت له بالملك أمس، لان ظاهر اليد الان الملك، فلا يدفع بالمحتمل. وفيه إشكال، ولعل الاقرب القبول. أما لو شهدت بينة المدعي أن صاحب اليد غصبه أو استأجرها منه، حكم بها، لانها شهدت بالملك وسبب يد الثاني.

به وعدمه. وقد تقدم نظيره في الملك، وسيأتي مثله في اليد. وقد كان ذكر هذه المسألة في المقصد الثاني أولى، لان الاختلاف فيها اختلاف في العقود. قوله: (لو ادعى دارا... إلخ). إذا كان في يد أحد دار وادعاها غيره، وأقام بينة على أنها كانت في يده وملكه بالامس أو منذ شهر مثلا، فقد تعارض هنا اليد الحالية والقديمة أو الملك القديم. وفي تقديم أيهما قولان للشيخ في كل واحد من المبسوط (1) والخلاف (2). أحدهما: أن القديمة منهما لا تسمع أصلا، ويقضى باليد الحالية، لان اليدظاهرها الان الملك فلا يدفعها أمر محتمل، إذ يحتمل أن يكون مع الاول بعارية ونحوها في صورة دعوى اليد، وثبوت مطلق اليد لا يستلزم ثبوت اليد الخاصة المفيدة للملك، ويحتمل في صورة دعوى الملك أن ينتقل بعد الامس إلى غيره، فكل واحد من الامرين غير متحقق الملكية (3) الان.

(هامش)

(1) المبسوط 8: 269 و299. (2) الخلاف 6: 339 مسألة (11)، وص: 345 مسألة (19). (3) في (أ، ث، خ): الملك. (*)

ص 101

واحتج في المبسوط (1) أيضا بعدم المطابقة بين الدعوى والشهادة، إذ الدعوى بالملك الحالي والشهادة بالملك القديم. ولو قيل: إن ثبوته في الماضي يوجب استصحابه إلى الان، منع بأن اليد الحاضرة الظاهرة في الملك معارضة له فلم يتم استدامته، خصوصا اليد الماضية، لانقطاعها رأسا. والثاني - وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله -: القبول، لان اليد الحاضرة إن كانت دليل الملك فالسابقة المستصحبة أو الملك الفعلي المستصحب أولى، لمشاركتهما لها في الدلالة على الملك الان وانفرادهما بالزمن السابق، فيكونان أرجح. والحكم باستصحابها أوجب المطابقة بين الدعوى والشهادة. وقد تقدم (2) البحث فيه. والفرق بين هذه والسابقة الموجب لاعادة البحث: أن المعارضة في هذه بين اليد المتحققة واليد السابقة الثابتة بالبينة أو الملك السابق كذلك، والسابقة وقع فيها التعارض بين البينتين الدالة إحداهما على اليد في الحال مع عدم ظهورها، والاخرى على الملك السابق، ولا (3) تعرض فيها للمعارضة بين اليد السابقة والحالية. وقد تأكد من إطلاقه الحكم هنا وفي السابقة بتقديم الملك القديم، بغير تقييد له بكونه إلى الان أو عدم علم المزيل، أن إضافة ذلك غير شرط. والاصح

(هامش)

(1) لم نجد هذا الاحتجاج في المبسوط، بل ذكره في الخلاف ذيل المسألة (11) راجع الهامش (2) في الصفحة السابقة.(2) في ص: 92. (3) في (أ، ث، د): فلا. (*)

ص 102

ولو قال: غصبني إياها، وقال آخر: بل أقر لي بها، وأقاما البينة قضي للمغصوب [منه]، ولم يضمن المقر، لان الحيلولة لم تحصل بإقراره، بل بالبينة.

اشتراط إضافة ما يعلم منه أن الشاهد لم يتجدد عنده علم الانتقال، لما بيناه من عدم المنافاة بين علمه بالملك (1) السابق وشهادته به مع انتقاله عن المالك الان. واعلم أن موضع الخلاف في تقديم بينة الملك واليد السابقين على اليد الحالية ما إذا لم تشهد بينة السابق بفساد اليد الحالية، بأن (2) قالت: إنه غصبها من ذي الملك أو اليد القديمين، أو بعدم (3) استحقاقها للملك، بأن شهدت أنها في يد الثاني بالاجارة من الاول أو العارية، وإلا قدمت السابقة بغير إشكال، لعدم التعارض على هذا الوجه. قوله: (ولو قال: غصبني... إلخ). إنما قدمت بينة المغصوب [منه] (4) لانها تشهد له بالملك وبسبب يد المتشبث، وأنها عادية في مجموع وقتها، فيكون إقراره للغير بها في زمن اليد إقرارا بعين مغصوبة، فلا ينفذ إقراره. ولا يغرم المدعى عليه للمقر له، لانه لم يحل بينه وبين ملكه، إنما الحائل البينة.

(هامش)

(1) في (ث، خ): علمه بالسابق. (2) كذا في (خ)، وفي سائر النسخ: فإن. (3) في (ث، خ): عدم. (4) من إحدى الحجريتين. (*)

ص 103

المقصد الثاني في الاختلاف في العقود

إذا اتفقا على استئجار دار معينة شهرا معينا، واختلفا في الاجرة، وأقام كل منهما بينة بما قدره، فإن تقدم تاريخ أحدهما عمل به، لان الثاني يكون باطلا.وإن كان التاريخ واحدا، تحقق التعارض، إذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين. وحينئذ يقرع بينهما، ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه. هذا اختيار شيخنا في المبسوط. وقال آخر: يقضى ببينة المؤجر، لان القول قول المستأجر لو لم تكن بينة، إذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر، فيكون القول قوله، ومن كان القول قوله مع عدم البينة، كانت البينة في طرف المدعي. وحينئذ نقول: هو مدع زيادة، وقد أقام البينة بها، فيجب أن تثبت. وفي القولين تردد.

قوله: (إذا اتفقا على استئجار... إلخ). إذا اتفق المؤجر والمستأجر على استئجار الدار المعينة مثلا، وعلى مدة الاجارة، واختلفا في قدر الاجرة، فادعى المؤجر أنها عشرة دنانير مثلا، وادعى المستأجر أنها خمسة، فلا يخلو إما أن لا يقيم كل واحد بينة على مدعاه، أو يقيماها، أو يقيمها أحدهما خاصة. والمصنف - رحمه الله - اقتصر على حكم الوسطى، وهو مترتب على حكم الاولى كما ستعرفه، فاحتيج إلى البحث عنهما (1)

(هامش)

(1) في (د، ط): عنها. (*)

ص 104

هنا. وأما الاخيرة فحكمها واضح، لان من أقام البينة حكم له دون الاخر. فهنا مسألتان: الاولى: أن يعد ما البينة. والمشهور بين الاصحاب تقديم قول المستأجر مع يمينه، لانه منكر للزائد الذي يدعيه المؤجر، مع اتفاقهما على ثبوت ما يدعيه المستأجر (1)، فيكون الامر بمنزلة ما لو ادعى عليه عشرة دنانير مطلقا فأقر له منها بخمسة، فإن القول قوله في نفي الزائد بغير إشكال، لانه منكر له والمؤجر مدع، فيدخلان في عموم الخبر (2). وللشيخ - رحمه الله - في المبسوط (3) قول بالتحالف وثبوت أجرة المثل. ووافقه بعض (4) المتأخرين، نظرا إلى أن كلا منهما مدع ومدعى عليه، لان العقدالمتشخص بالعشرة غير العقد المشتمل على الخمسة خاصة، فيكون كل واحد منهما مدعيا لعقد غير العقد الذي يدعيه الاخر، وهذا يوجب التحالف حيث لم يتفقا على شي ويختلفان (5) فيما زاد عنه. ويضعف بأن العقد لا نزاع بينهما فيه، ولا في استحقاق العين المؤجرة للمستأجر، ولا في استحقاق المقدار الذي يعترف به المستأجر، وإنما النزاع في القدر الزائد، فيرجع فيه إلى عموم الخبر (6). ولو كان ما ذكروه من التوجيه موجبا

(هامش)

(1) كذا في (ط) ونسخة بدل (ت)، وهو الصحيح، وفي سائر النسخ والحجريتين: المؤجر. (2) راجع الوسائل 18: 170 ب (3) من أبواب كيفية الحكم. (3) المبسوط 3: 2 65 - 266. (4) المختلف: 462. (5) كذا في (د، ط)، وفي سائر النسخ: ويختلفا. (6) راجع الوسائل 18: 170 ب (3) من أبواب كيفية الحكم. (*)

ص 105

للتحالف لورد في كل نزاع على حق مختلف المقدار، كما لو قال: أقرضتك عشرة، فقال: [لا] (1) بل خمسة، فإن عقد القرض المتضمن لاحد المقدارين غير العقد المتضمن للاخر. وكما لو قال: أبرأتني من عشرة من جملة الدين الذي علي، فقال: بل من خمسة، فإن الصيغة المشتملة على إسقاط أحدهما غير الاخرى. وهكذا القول في غيره. وهذا مما لا يقول به أحد. والحق أن التحالف إنما يرد حيث لا يتفق الخصمان على قدر ويختلفان في الزائد عنه، كما لو قال المؤجر: آجرتك الدار شهرا بدينار، فقال: بل بثوب، أو قال: آجرتك هذه الدار بعشرة، فقال: بل تلك الدار، ونحو ذلك. أما في المتنازع فالقول المشهور من تقديم قول المستأجر هو الاصح. وللشيخ في موضع من الخلاف (2) قول آخر بالقرعة، لانه أمر مشكل، وكل أمر مشكل فيه القرعة. والمقدمة الثانية مسلمة دون الاولى، لانه لا إشكال مع دخوله في عموم: (اليمين على من أنكر).ولا فرق بين وقوع النزاع قبل مضي المدة المشترطة وبعدها، لاشتراك الجميع في المقتضي. وفرق في موضع من المبسوط (3) بين وقوع النزاع قبل انقضاء المدة وبعده، وحكم بالتحالف في الاول، وتردد في الثاني بين القرعة وبين تقديم قول المستأجر، لجريانه مجرى الاختلاف في ثمن المبيع إذا كان بعد تلفه. الثانية: أن يقيما معا البينة. فإن تقدم تاريخ إحداهما على الاخرى عمل بالمتقدم وبطل المتأخر، لانه يكون عقدا على معقود عليه من المتعاقدين كما

(هامش)

(1) من الحجريتين. (2) الخلاف 3: 521 مسألة (10). (3) المبسوط 3: 266. (*)

ص 106

ولو ادعى استئجار دار، فقال المؤجر: بل آجرتك بيتا منها، قال الشيخ: يقرع بينهما. وقيل: القول قول المؤجر. والاول أشبه، لان كلا منهما مدع. ولو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ. ومع التفاوت يحكم للاقدم. لكن إن كان الاقدم بينة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته، وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الاجرة.

كان، وهو باطل. وإن اتحد التاريخان، أو كانتا مطلقتين، أو إحداهما مطلقة والاخرى مؤرخة، فإن قلنا بتقديم قول المستأجر مع عدم البينة فالبينة بينة المؤجر هنا،لان البينة من طرف من لم يكن القول قوله، كما قد علم مرارا. وهذا هو الذي اختاره ابن إدريس (1) وأكثر المتأخرين (2). وإن قلنا بالتحالف في الاول أو بالقرعة اتجه القول بالقرعة هنا. وهو الذي اختاره الشيخ - رحمه الله - في المبسوط (3)، لانها لكل أمر مشكل، ولانهما دعويان فلا ترجيح لاحداهما على الاخرى. وحينئذ فيحلف من أخرجته القرعة ويثبت مدعاه. والمصنف - رحمه الله - تردد في القولين. وقد ظهر من توجيه القولين منشأ التردد. والاصح هو الاول. قوله: (ولو ادعى استئجار... إلخ).

(هامش)

(1) راجع السرائر 2: 464، فقد أطلق القول بأن على المؤجر البينة فيما إذا اختلفا في قدر الاجرة، سواء كان لهما بينة أم لا. (2) تحرير الاحكام 2: 200. (3) المبسوط 8: 264. (*)

ص 107

ولو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن، وهي في يد البائع، قضي بالقرعة مع تساوي البينتين عدالة وعددا وتاريخا،

البحث في هذه الصورة قريب من السابقة، لان الاتفاق هنا واقع على أصل الاجارة وعلى المدة ومقدار الاجرة، وإنما الاختلاف في مقدار العين المؤجرة، مع اتفاقهما أيضا على إيجار البيت واختلافهما في الزائد، فقيل: القول قول المؤجر، لانه ينكر الزائد، كما أن القول في السابقة قول المستأجر لذلك. وقال الشيخ (1): يقرع بينهما، لما ذكر في السابقة. هذا إذا لم يقيما بينة. فلو أقاماها واتفق التاريخ، أو أطلقتا، أو إحداهما، تحقق التعارض، ورجع إلى القرعة مع انتفاء المرجح. والمصنف - رحمه الله - هنا رجح القرعة، وتردد في السابقة. والفرق بينهما بعيد. ولو اختلف تاريخ البينتين، فإن كان المتقدم تاريخ الدار بأسرها بطلت إجارة البيت، لسبق ايجاره للمستأجر. وإن كان المتقدم تاريخ بينة البيت حكم به بالاجرة المسماة، وبطل من إجارة الدار ما قابله، وصح في الباقي. فلو كان البيت يساوي نصف أجرة الدار صح في باقيها بنصف الاجرة، فيجتمع على المستأجر مجموع الاجرة للبيت ونصفها لبقية الدار. فلو كان الاتفاق على أن الاجرة عشرة، لكن ادعى المستأجر أنها أجرة الجميع، وادعى المؤجر أنها أجرة البيت، وكان المتقدم تاريخ بينة البيت، ثبت على المستأجر خمسة عشر في مقابلة المجموع، عشرة أجرة البيت ببينة المؤجر، وخمسة في مقابلة باقي الدار ببينته. قوله: (ولو ادعى كل منهما... إلخ).

(هامش)

(1) المبسوط 8: 264. (*)

ص 108

وحكم لمن يخرج اسمه مع يمينه. ولا يقبل قول البائع لاحدهما، ويلزمه إعادة الثمن على الاخر، لان قبض الثمنين ممكن، فتزدحم البينتان فيه. ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما، ويرجع كل منهما بنصف الثمن. وهل لهما أن يفسخا؟ الاقرب نعم، لتبعض المبيع قبل قبضه. ولو فسخ أحدهما كان للاخر أخذ الجميع، لعدم المزاحم. وفي لزوم ذلك له تردد، أقربه اللزوم.

إذا ادعى كل منهما شراء العين من ذي اليد وإيفاء الثمن، فإن انتفت البينة رجع إلى المالك، فإن كذبهما حلف لهما واندفعا عنه. وإن صدق أحدهما دفع إليه المبيع، وحلف للاخر. وله إحلاف الاول أيضا. وإن صدق كل واحد منهما في النصف حكم لكل منهما بما أقر به، وبقي النزاع في الباقي لكل منهما، فيحلف لهما كالسابق. وإن أقاما بينة - فهي مسألة الكتاب - فإن تقدم تاريخ إحداهما حكم له، وكان البيع الثاني باطلا، لان البائع باع مالا يملكه، ويرد الثمن، إذ لا تعارض هنا. وإن اتفقتا، أو كانتا مطلقتين، أو إحداهما مطلقة، رجع إلى الترجيح بالعدالة أو العدد. فإن انتفى أقرع بينهما، وحكم لمن أخرجته القرعة بعد يمينه للاخر. فإن نكل الخارج بالقرعة أحلف الاخر. فإن نكلا قسمت العين بينهما، ورجع كل منهما بنصف الثمن. وهل لهما الفسخ لتبعض الصفقة؟ وجهان أصحهما ذلك، لوجود المقتضي للفسخ.

ص 109

ولو ادعى اثنان أن ثالثا اشترى من كل منهما هذا المبيع، وأقام كل منهما بينة، فإن اعترف لاحدهما قضي له عليه بالثمن. وكذا إن اعترف لهما قضي عليه بالثمنين. ولو أنكر، وكان التاريخ مختلفا أو مطلقا، قضي بالثمنين جميعا، لمكان الاحتمال. ولو كان التاريخ واحدا تحقق التعارض، إذ لا يكون الملك الواحد في الوقت الواحد لاثنين، ولا يمكن إيقاع عقدين في الزمان الواحد. ويقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له. ولو امتنعا من اليمين قسم الثمن بينهما.

ووجه العدم: أن التبعض جاء من قبلهما، فإن الخارج بالقرعة لو حلف لاخذ الجميع، فكأن التبعض جاء من قبله، كما لو أن الاخر لو حلف بعد نكول الاول لاخذ الجميع، فلا خيار لهما. ولو فسخ أحدهما أخذ الاخر الجميع، لعدم المزاحم. وهل يلزمه أخذ الجميع؟ وجهان أصحهما ذلك، لوجود المقتضي، وهو قيام بينته بشرائه، وانتفاء المانع، إذ ليس هناك مانع من أخذه الجميع إلا دعوى الغريم الاخر، وقد انتفت بتركه الاخذ. ولان المقتضي للخيار تبعيض الصفقة، وقد انتفى. ووجه عدم اللزوم: أنه قد ثبت له الفسخ ابتداء، والاصل البقاء. ويضعف بأنه كان مانعا، وقد زال موجبه. هذا كله إذا كانت العين في يد البائع. ولو كانت في يد أحدهما بني على تقديم بينة الداخل أو الخارج مع تسبب البينتين. وقد تقدم (1). قوله: (ولو ادعى اثنان... إلخ).

(هامش)

(1) في ص: 84. (*)

ص 110

هذه المسألة عكس السابقة، فإنه هناك ادعى اثنان شراء ما في يده منه، وكل يطالب بالمبيع، وهاهنا ادعى اثنان بيع ما في يده منه، وكل يطالبه بالثمن. فإن أقر لهما طولب بالثمنين، لامكان صدقهما، فيؤاخذ بإقراره. وإن أقر لاحدهما طولب بالثمن الذي سماه، وحلف للاخر. وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة حلف لهما يمينين. وإن أقام أحدهما البينة قضي له، وحلف للاخر. وإن أقام كل منهما بينة، نظر إن أرختا بتاريخين مختلفين فعليه الثمنان، لامكان اجتماعهما. وإن أرختا بتاريخ واحد، بأن عينتا أول يوم معين أو زواله، فهما متعارضتان، لامتناع كون الشي الواحد ملكا في وقت واحد لهذا وحده ولهذا وحده. وحينئذ فيرجع إلى المرجح، فإن انتفى أقرع بينهما، ومن أخرجته القرعة قضي له بالثمن الذي شهد به شهوده بعد حلفه للاخر، لانه لو اعترف له بعد ذلك لزمه. فإن امتنع من اليمين أحلف الاخر وأخذ. فإن امتنعا قسم الثمن بينهما إن كان متفق الجنس والوصف. وإن كان مختلفا فلكل واحد نصف ما ادعاه من الثمن. وإن كانت البينتان مطلقتين، أو إحداهما مطلقة والاخرى مؤرخة، فالوجه أنهما كالمؤرختين بتاريخين مختلفين، فيلزمه الثمنان، لان التنافي غير معلوم، والعمل بكل واحدة من البينتين ممكن. ويحتمل كونهما حينئذ كالمؤرختين بتاريخ واحد، لانهما ربما شهدتا على البيع في وقت واحد، والاصل برأة ذمة المشتري، فلا يؤاخذ إلا باليقين.

ص 111

ولو ادعى شراء المبيع من زيد وقبض الثمن، وادعى آخر شرأهمن عمرو وقبض الثمن أيضا، وأقاما بينتين متساويتين في العدالة والعدد والتاريخ، فالتعارض متحقق، فحينئذ يقضى بالقرعة، ويحلف من خرج اسمه ويقضى له. ولو نكلا عن اليمين قسم المبيع بينهما، ورجع كل منهما على بائعه بنصف الثمن. ولهما الفسخ والرجوع بالثمنين. ولو فسخ أحدهما جاز، ولم يكن للاخر أخذ الجميع، لان النصف الاخر لم يرجع إلى بائعه.

قوله (ولو ادعى شراء المبيع... إلخ). هذه المسألة مركبة من السابقتين، فإن كلا من البائع والمشتري هنا مغاير للاخر. والمراد أن العين خارجة عن يد المتداعيين، فيحكم (1) بترجيح إحدى البينتين ثم بالقرعة. فلو كانت في يد أحدهما بني على تقديم بينة الداخل أو الخارج. ولو كانت في يدهما قسمت بينهما بعد التحالف أو النكول كما سبق. والتفريع في هذه [المسألة] (2) كما سبق، إلا أنه على تقدير القسمة بنكولهما لو اختار أحدهما فسخ العقد والاخر إجازته، لم يكن للمجيز أخذ النصف الاخر، سواء تقدم الفسخ أم تقدمت الاجازة، لان دعوى الشراء من شخصين، فالمردود يعود إلى غير من يدعي المجيز الشراء منه فكيف يأخذ؟! وحيث قلنا بثبوت الخيار على تقدير القسمة فذلك إذا لم يتعرض البينة لقبض المبيع ولا اعترف به المدعي، وإلا فإذا جرى القبض استقر العقد، وما

(هامش)

(1) في (ت): ليحكم. (2) من الحجريتين. (*)

ص 112

يحدث بعده فليس على البائع عهدته. واشترط بعضهم (1) زيادة على ما ذكره المصنف أن يقول كل واحد من المتداعيين في المسألة المفروضة: إني اشتريته من فلان وهو يملكه، لان من ادعى مالا في يد إنسان وقال: اشتريته من فلان، لم تسمع دعواه حتى يقول: وهو يملكه، ويقوم مقامه أن يقول: وتسلمته منه أو سلمه إلي، لان الظاهر أنه إنما يتصرف بالتسليم فيما يملك. وفي دعوى الشراء من صاحب اليد لا يحتاج أن يقول: وأنت تملكه، ويكتفى بأن اليد تدل على الملكية. وكذلك يشترط أن يقول الشاهد في الشهادة: اشتراه من فلان وهو يملكه، أو اشتراه وتسلمه منه أو سلمه هو إليه. وهذا القيد (2) حسن. وسيأتي (3) اختيار المصنف - رحمه الله - إياه، وكأنه تركه هنا اتكالا عليه.وفرعوا عليه أنه يجوز أن يقيم شاهدين على أنه اشترى من فلان، وآخرين على أن فلانا كان يملكه إلى أن باع منه، لحصول المطلوب من جملة الشهود. ولكن الاخيرين إن شهدا هكذا فقد شهدا على البيع والملك أيضا. وكأن المراد ما إذا أقام شهودا على أنه اشترى منه وقت كذا، وآخرين على أنه كان يملك ذلك إلى وقت كذا. ولو أقام أحد المدعيين بينة أنه اشترى الدار من فلان وكان يملكها، وأقام الاخر البينة على أنه اشتراها من مقيم البينة الاولى، حكم ببينة الثاني وإن لم يقل

(هامش)

(1) قواعد الاحكام 2: 228. (2) في (خ، ط): التوجيه. (3) في ص: 116 - 117. (*)

ص 113

ولو ادعى عبد أن مولاه أعتقه، وادعى آخر أن مولاه باعه منه، وأقاما البينة، قضي لاسبق البينتين تاريخا، فإن اتفقتا قضي بالقرعة مع اليمين. ولو امتنعا من اليمين قيل: يكون نصفه حرا، ونصفه رقا لمدعي الابتياع، ويرجع بنصف الثمن. ولو فسخ عتق كله. وهل يقوم على بائعه؟ الاقرب نعم، لشهادة البينة بمباشرة عتقه.

لمقيم (1) البينة: وأنت تملكها، كما لا يحتاج أن يقوله لصاحب اليد، لان البينة تدل على الملك كما أن اليد تدل عليه. قوله: (ولو ادعى عبد... إلخ). إذا ادعى عبد أن مولاه أعتقه، وادعى آخر أنه باعه منه بكذا، وأنكر صاحب اليد ما ادعيا به، فإما أن يكون هناك بينة أو لا. فإن لم تكن، فإما أن يكون العبد في يد المالك المدعى عليه البيع والعتق، أولا. فإن كان في يده ولا بينة، وأنكر دعواهما، حلف لهما يمينين. وإن أقر بالعتق ثبت، ولم يكن للمشتري تحليفه إن قلنا إن إتلاف البائع كالافة السماوية، لانه بالاقرار بالعتق متلف قبل القبض، فينفسخ البيع. نعم، لو ادعى تسليم الثمن حلف له.وإن أقر بالبيع قضي به، ولم يكن للعبد تحليفه، لانه لو أقر بعد ذلك بالعتق لم يقبل، ولم يلزمه غرم، فلا وجه للاحلاف. قيل: وليس معنا موضع يقر لاحد

(هامش)

(1) في (ت، د) مقيم. (*)

ص 114

المدعيين (1) ولا يحلف للاخر قولا واحدا إلا هذا. وإن كان في يد المشتري قدم قوله. ولو كان هناك بينة، فإن اختصت بأحدهما عمل بها. وإن كانت لهما، فإن تقدم تاريخ إحداهما عمل بها، لان الثاني يكون باطلا. وإن اتحد التاريخان، أو كانتا مطلقتين، أو إحداهما مطلقة والاخرى مؤرخة، قال الشيخ (2): قدمت بينة المشتري إن كان في يده، لاجتماع البينة واليد. وهو مبني على أصله من تقديم بينة ذي اليد عند التعارض. وإن كان في يد المالك الاول، أو لم يكن في يد أحدهما، تعارضتا، فيطلب الترجيح، ومع انتفائه يقضى بالقرعة مع يمين الخارج بها. والشيخ (3) - رحمه الله - حكم باليمين احتياطا. والاقوى اللزوم كغيره. فإن امتنع من اليمين حلف الاخر. فإن امتنعا قسم بينهما على القاعدة السابقة، وحكم برق نصفه وحرية نصفه. هكذا أطلقه الشيخ (4) والجماعة (5) من غير تردد. ولكن المصنف - رحمه الله - نسبه إلى القيل، مؤذنا برده (6). والمختار المشهور. قال الشيخ (7) - رحمه الله -: وللمشتري حينئذ الخيار، لتبعض الصفقة. ورد بأن التبعض جاء من قبله حيث توجهت عليه اليمين فلم يحلف.

(هامش)

(1) في (أ): المتداعيين. (2) المبسوط 8: 286. (3) المبسوط 8: 287. (4) المبسوط 8: 287. (5) تحرير الاحكام 2: 199، إيضاح الفوائد 4: 391 - 392، الدروس الشرعية 2: 106. (6) في (خ): بتردده. (7) المبسوط 8: 287. (*)

ص 115

وعلى ما اختاره الشيخ لو فسخ عتق النصف الاخر، لان البينة قامت على أنه أعتق الجميع، وإنما لم يحكم بموجبها لمزاحمة مدعي الشراء، فإذا انقطعت زحمته حكم به. وفيه وجه آخر أنه لا يعتق، لان قضية القسمة اقتصار العتق على النصف. وإن أجاز مدعي الشراء استقر ملكه على النصف، وعليه نصف الثمن.ثم إن كان المدعى عليه معسرا لم يسر العتق إليه. وإن كان موسرا فوجهان: أحدهما: أن الامر كذلك، لانه عتق محكوم به قهرا، كما إذا ورث بعض قريبه، فإنه يعتق عليه ولا يسري. والثاني: أنه يسري، لقيام البينة على أنه أعتق باختياره. وهذا هو الذي اختاره المصنف وجماعة (1). واعترض الشهيد (2) - رحمه الله - على ذلك بأن: (الواقع في نفس الامر إما العتق أو الشراء أو ليس أحدهما، وأيما كان امتنع معه التقويم على المالك والسراية. أما على تقدير العتق فلانه يكون للمجموع، ومع عتق المجموع لا بعض موجود حتى يقوم. وأما على تقدير الشراء فلانه أيضا للجميع، فلا سبب للتقويم، إذ السبب عتق البعض وهو منتف. ومنهما يظهر انتفاؤه على تقدير انتفائهما). وهذا إيراد موجه، إلا أنه يمكن أن يقال على تقدير عتقه للجميع الذي قد قامت به البينة: يجب أن لا يؤخذ من المشتري عوض النصف الذي ثبت له، وقد حكم عليه بنصف الثمن، وهو قيمة النصف غالبا، فيجب تقويمه على المالك الاول، لان الحكم بعتق شي منه يقتضيه، لانحصار دلالة البينتين في أنه لم يعتق

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 199. (2) غاية المراد: 316. (*)

ص 116

مسائل: الاولى: لو شهد للمدعي أن الدابة ملكه منذ مدة، فدلت سنها على أقل من ذلك قطعا أو أكثر، سقطت البينة، لتحقق كذبها. الثانية: إذا ادعى دابة في يد زيد، وأقام بينة أنه اشتراها من عمرو، فإن شهدت البينة بالملكية مع ذلك للبائع أو للمشتري أو بالتسليم قضي للمدعي. وإن شهدت بالشراء لا غير، قيل: لا يحكم، لان ذلك قد يفعل

بعضه ويملك بعضه على وجه مانعة الجمع، بل الواقع عتق الجميع أو ملك الجميع. وبهذا يثبت التقويم وإن كان في اعتبار قيمة النصف مغايرة لثمنه على بعض الوجوه، إلا أنه أقرب إلى الواقع من بقاء الرقية على النصف. وأيضا فإن الموجب للتقويم ينظر إلى الثابت شرعا من العتق، ولا ينظر إلى الواقع في نفس الامر، لان الاحكام الشرعية مرتبة على الظاهر، والثابت شرعا هو كون المالك قد أعتق نصفه باختياره، فيقوم عليه مع يساره. قوله: (لو شهد للمدعي... إلخ). أما على تقدير كون الدلالة قطعية فواضح، لان الكذب حينئذ قطعي. وأما على تقدير الاكثرية فالدلالة ظنية. ويشكل معارضتها للحكم الظاهر من عدالة الشاهد (1). وفي التحرير (2) اقتصر في الحكم بسقوط البينة على الدلالة القطعية. وهو أولى. قوله: (إذا ادعى دابة... إلخ).

(هامش)

(1) في (د): الشاهدين. (2) تحرير الاحكام 2: 196. (*)

ص 117

فيما ليس بملك، فلا تدفع اليد المعلومة بالمظنون. وهو قوي. وقيل: يقضى له، لان الشراء دلالة على التصرف السابق الدال على الملكية. الثالثة: الصغير المجهول النسب إذا كان في يد واحد، وادعى رقيته، قضي [له] بذلك ظاهرا. وكذا لو كان في يد اثنين. أما لو كان كبيرا وأنكر فالقول قوله، لان الاصل الحرية.

القولان للشيخ - رحمه الله - أولهما في المبسوط (1). واختاره المصنف والاكثر. والثاني في الخلاف (2). ووافقه في المختلف. (3) وتعليلهما واضح مما ذكره المصنف. وأصحهما الاول. ويمنع من كون التصرف مطلقا دالا على الملكية. واعترض العلامة على الشيخ في اكتفائه في ثبوت الملك بالتسليم، بحكمه أنه لو شهدت البينة للخارج بأن الدار كانت في يده منذ أمس أنه لا تزال اليد المتصرفة، فكيف يمكن الجمع بين ذلك وبين ترجيحه هنا بتسليم البائع إلى المشتري؟! وجوابه: أن ذلك مبني على قوله بترجيح اليد السابقة، فإن له في المسألة قولين، فلا يعترض عليه بالقول الاخر، [كما] (4) أن له في هذه المسألة قولين أيضا، فلا ينضبط الاعتراض عليه في ذلك. وقد حققناه سابقا (5). قوله: (الصغير المجهول النسب... إلخ).

(هامش)

(1) راجع المبسوط 8: 295، وفرض المسألة فيما إذا ادعى دارا في يد زيد. (2) الخلاف 6: 345 مسألة (19). (3) المختلف: 711. (4) من (خ، د)، وفي (ط): مع أن له...(5) راجع ص: 100. (*)

ص 118

ولو ادعى اثنان رقيته، فاعترف لهما، قضي عليه. وإن اعترف لاحدهما كان مملوكا له دون الاخر. الرابعة: لو ادعى كل واحد منهما أن الذبيحة له، وفي يد كل واحد بعضها، وأقام كل [واحد] منهما بينة، قيل: قضي لكل واحد بما في يد الاخر. وهو الاليق بمذهبنا. وكذا لو كان في يد كل واحد شاة، وادعى كل منهما الجميع، وأقاما بينة، قضي لكل منهما بما في يد الاخر.

احترز بمجهول النسب عن معلومه بالحرية، فإن دعوى رقيته لا تسمع، لظهور كذبها، بخلاف المجهول، فإنه وإن كان الاصل فيه الحرية إلا أن رقيته أمر ممكن، وقد ادعاه ذو اليد ولا منازع له فيحكم به. وحيث تثبت الرقية لا يلتفت إلى إنكار الصغير بعد بلوغه، لسبق الحكم برقيته. وفي حكم الصغير المجنون. أما البالغ فيعتبر تصديقه، لاستقلاله بنفسه، واعتبار قوله. ولا فرق بين تصديقه للواحد والاكثر، لاشتراك الجميع في المقتضي. وقد تقدم (1) البحث في ذلك كله في الاقرار بالنسب. قوله: (لو ادعى كل واحد... إلخ). إنما يقضى لكل واحد بما في يد الاخر على تقدير كون البعض الذي في يد كل منهما منفصلا عن الاخر، لتحقق اختصاص اليد به. أما لو كان متصلا كانت بينهما نصفين على الاشاعة، كما لو أقام المدعيان بينتين والعين في يدهما. والقضاء لكل بما في يد الاخر مبني على تقديم بينة الخارج، وهو الذي

(هامش)

(1) راجع مسالك الافهام 11: 125، ويلاحظ أنه لم يبحث هناك عن ادعاء رقية الصغير، بل عن الاقرار بنسبه. (*)

ص 119

الخامسة: لو ادعى شاة في يد عمرو وأقام بينة فتسلمها، ثم أقام الذي كانت في يده بينة أنها له، قال الشيخ: ينقض الحكم وتعاد. وهو بناء على القضاء لصاحب اليد مع التعارض. والاولى أنه لا ينقض.

أشار إليه بكونه أليق بمذهبنا. وعلى القول بتقديم بينة ذي اليد، كما هو أحد قوليالشيخ (1)، يقضى لكل منهما بما في يده. ولو تعددت الشياة واختص كل واحد بواحدة، فالحكم كما لو اختص بجز منها منفصلا. وهذا واضح. ومما يتفرع على ذلك أنه لو كان أحدهما كافرا والاخر مسلما، حكم بكون ما يقضى به للكافر ميتة وللمسلم مذكى، وإن كان كل واحد من الجزأين قد انتزعه من الاخر، عملا بظاهر اليد المعتبرة شرعا. ولا يقدح في ذلك اليد السابقة، لظهور بطلانها شرعا. قوله: (لو ادعى شاة... إلخ). إذا ادعى زيد على عمرو شاة في يد عمرو، وأقام زيد فقط البينة حكم له قطعا، لنهوض البينة بالحق ولا معارض لها. فإذا صارت في يد زيد فأقام عمرو بينة أنها له، فإما أن يطلق دعوى الملك، وهو الذي فرضه المصنف - رحمه الله -، أو يدعي ملكا سابقا على إزالة يده، أو لاحقا عليها. فالصور ثلاث، وحكم المطلقة متفرع على الاخيرتين. فلنبداء بالبحث عنهما. فالاولى: أن يدعي ملكا سابقا على إزالة يده، فبينته على هذا الوجه معارضة للبينة الاولى، فيبنى على تقديم الخارج أو الداخل. ويزيد هنا أن المراد بالداخل والخارج عند التعارض أو عند الملك المدعى. فعلى المشهور والظاهر

(هامش)

(1) المبسوط 8: 300. (*)

ص 120

من تقديم الخارج وكون المراد به حال إقامة البينة يحكم بها لعمرو، لانه الان خارج. وكذا على القول باعتبار الدخول حال الملك وقدمنا الداخل. وهو الذي علل به المصنف - رحمه الله - حكم الشيخ (1) - رحمه الله - بتقديم عمرو. ولو قدمنا الخارج على هذا التقدير لم ترفع يد زيد عنها، لانه خارج حينئذ. وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله. والثانية: أن يدعي ملكا لاحقا بعد زوال يده، ويقيم عليه البينة، سواء ذكر تلقيه من زيد أم لا. والوجه القبول هنا، لعدم التعارض مع تصريحه بتلقي الملك عن زيد أو إطلاقه، توفيقا بين البينتين. ومع تصريحه بتلقيه من غيره يبنى على ترجيح الداخل أو الخارج. فعلى الاشهر من تقديم الخارج يقدم هنا أيضا، عملا بالعموم (2). والثالثة: أن يطلق الدعوى ويقيم البينة. وهو الموافق لعبارة الكتاب، وإن كان تعليله يناسب الاولى. فإن قدمنا عمرا في الصورتين السابقتين فهنا أولى، لانحصار أمره فيهما. وإن قدمنا زيدا في إحداهما احتمل تقديم عمرو هنا، لما تقدم من أنه مهما أمكن التوفيق بين البينتين وفق، وهو هنا ممكن مع (3) الاطلاق، بجعل ملك عمرو متلقى من زيد بعد انتقاله عنه حيث يمكن. وهذا أقوى (4). ويحتمل العدم، لامكان استناده إلى الملك السابق على وجه لا تقدم فيه بينته، إما

(هامش)

(1) المبسوط 8: 301 - 302. (2) راجع الوسائل 18: 170 ب (3) من أبواب كيفية الحكم. (3) في (أ، ث): فمع. (4) في (د): قوي. (*)

ص 121

السادسة: لو ادعى دارا في يد زيد، وادعى عمرو نصفها، وأقاما البينة، قضي لمدعي الكل بالنصف، لعدم المزاحم، وتعارضت البينتان في النصف الاخر، فيقرع بينهما، ويقضى لمن يخرج اسمه مع يمينه. ولو امتنعا من اليمين قضي بها بينهما بالسوية، فيكون لمدعي الكل ثلاثة الارباع، ولمدعي النصف الربع.

بجعله على هذه الحالة داخلا، أو لعدم ترجيح الخارج. والوجه تقديم عمرو في جميع الصور. قوله: (لو ادعى دارا... إلخ). هذا الحكم هو المشهور بين الاصحاب، وهو مبني على قاعدة تعارض البينتين مع خروج يد المدعيين، فتقع القسمة مع امتناعهما من الحلف على النصف الذي فيه النزاع، لان النصف الاخر لا نزاع بينهما فيه، ونسبتهما إلى النصف واحدة، وبينتهما متساوية، وكل منهما مدع لكله، فيقسم بينهما نصفين، فتخلص لمدعي الكل ثلاثة أرباع. وذهب ابن الجنيد (1) - رحمه الله - إلى اقتسامهما ما يتنازعان فيه على طريق العول، فيجعل هنا لمدعي الكل الثلثان، ولمدعي النصف الثلث، لان المنازعة وقعت في أجزاء غير معينة ولا مشار إليها، بل كل واحد من أجزائها لا يخلو من دعوى كل منهما باعتبار الاشاعة، فلا يتم ما ذكروه من خلوص النصف لمدعي الكل بغير منازع، بل كل جز يدعي مدعي النصف نصفه ومدعي الكل جميعه (2)، ونسبة إحدى الدعويين إلى الاخرى بالثلث، فتقسم العين أثلاثا، واحد

(هامش)

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 701. (2) في (أ، ث): كله. (*)

ص 122

ولو كانت يدهما على الدار، وادعى أحدهما الكل والاخر النصف، وأقام كل منهما بينة، كانت لمدعي الكل، ولم يكن لمدعي النصف شي، لان بينة ذي اليد بما في يده غير مقبولة.

لمدعي النصف، واثنان لمدعي الكل، فيكون كضرب الديان في مال المفلس والميت. وفي المختلف (1) وافق ابن الجنيد على ذلك مع زيادة المدعي على اثنين، إلا أن ابن الجنيد فرض الحكم على تقدير كون العين بيدهما، والعلة تقتضي التسوية بين الداخلين والخارجين حيث يقتسمان. وفي القواعد (2) جعل قول ابن الجنيد احتمالا على تقدير خروجهما، كما هو محتمل على تقدير الدخول. والاصح المشهور. والجواب عن حجة العول أن مدعي الكل يسلم له نصف مشاع بغير نزاع، وهو كاف في المطلوب، وإن كان النزاع واقعا في كل جز باعتبار التعيين. قوله: (ولو كانت يدهما... إلخ). إذا كانت يدهما على الدار فالنصف لمدعي الكل بغير معارض، وتعارضت البينتان في النصف الذي في يد مدعي النصف، فعلى المشهور من تقديم بينة الخارج فهو لمدعي الكل أيضا، ولا شي لمدعي النصف. وعلى القول بتقديم ذي اليد فهو لمدعي النصف. ولو لم يكن لهما بينة فهي بينهما بالسوية، لان مدعي النصف يده عليه، فيقدم قوله فيه بيمينه، ولا يمين على الاخر.

(هامش)

(1) المختلف: 701. (2) قواعد الاحكام 2: 223 - 224. (*)

ص 123

ولو ادعى أحدهم النصف والاخر الثلث والثالث السدس، و[كانت] يدهم عليها، فيد كل واحد منهم على الثلث. لكن صاحب الثلث لا يدعي زيادة على ما في يده، وصاحب السدس يفضل في يده ما لا يدعيه هو ولا مدعي الثلث، فيكون لمدعي النصف، فيكمل له النصف. وكذا لو قامت لكل منهم بينة بدعواه.

وقال ابن الجنيد (1): تقسم بينهما أثلاثا، سواء أقاما بينة أم لم يقيماها، نظرا إلى العول. قوله: (ولو ادعى أحدهم... إلخ). هذه الصورة لا يقع فيها نزاع في الحقيقة، لان سهام المدعيين (2) لا تزيد عن أجزاء العين، فلا يفرق فيها بين أن يقيما (3) بينة وعدمه، ولا يمين لاحد منهم على الاخر، لعدم المعارضة. ونبه بذكر حكمها كذلك على خلاف بعض (4) العامة، حيث جعل لمدعي النصف ثلثا ونصف سدس، بناء على أن السدس الزائد على ما في يده لا يدعيهعلى مدعي السدس خاصة، إنما يدعيه شائعا في بقية الدار، وهي في يد الاخرين جميعا، فيستحلفهما. وإن كان السدس مدعى على الشيوع فنصفه على مدعي الثلث، وعارضت فيه بينته، وترجحت باليد على تقدير إقامتهما البينة، وقدم قول ذي اليد على تقدير عدمها. ونصفه على مدعي السدس فيحكم به لمدعي النصف ببينته، لان بينة مدعي السدس لا تعارضها. فيجعل لمدعي النصف

(هامش)

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 701. (2) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل الصحيح - سيما بملاحظة فرض المسألة في المتن، وتعبير الشارح (قدس سره) بعيد هذا: لاحد منهم -: المدعين.... أن يقيموا... (3) كذا فيما لدينا من النسخ الخطية، ولعل الصحيح - سيما بملاحظة فرض المسألة في المتن، وتعبير الشارح (قدس سره) بعيد هذا: لاحد منهم -: المدعين.... أن يقيموا... (4) روضة الطالبين 8: 333 - 334. (*)

ص 124

ولو ادعى أحدهم الكل، والاخر النصف، والثالث الثلث، ولا بينة،قضي لكل واحد [منهم] بالثلث، لان يده عليه. وعلى الثاني والثالثاليمين لمدعي الكل، وعليه وعلى مدعي الثلث اليمين لمدعي النصف.وإن أقام كل منهم بينة، فإن قضينا مع التعارض ببينة الداخل،فالحكم كما لو لم تكن بينة، لان لكل واحد بينة ويدا على الثلث.وإن قضينا ببينة الخارج، وهو الاصح، كان لمدعي الكل مما فييده، ثلاثة من اثني عشر بغير منازع، والاربعة التي في يد مدعي النصف، لقيام البينة لصاحب الكل بها، وسقوط بينة صاحب النصف بالنظر إليها، إذ لا تقبل بينة ذي اليد، وثلاثة مما في يد مدعي الثلث. ويبقى واحد مما في يد مدعي الكل لمدعي النصف. وواحد مما في يد مدعي الثلث، يدعيه كل واحد من مدعي النصف ومدعي الكل، يقرع بينهما، ويحلف من يخرج اسمه ويقضى له. فإن امتنعا، قسم بينهما

ثلث ونصف سدس، وللاخرين مدعاهما، ويبقى بيد (1) مدعي السدس نصف سدس لا يدعيه أحد.ولا يخفى عليك ضعف هذا القول على تقدير الاشاعة كما هو المفروض. وأيضا فما ذكروه مبني على تقديم الداخل مع تعارض البينتين. وعلى القول بتقديم الخارج يقدم مدعي النصف في نصف السدس الذي يدعيه على مدعي الثلث، ويبقى نصف السدس الذي بيد مدعي السدس يدعيه مدعي الثلث ليتم له سهمه، إذ التقدير الاشاعة. فما اختاره الاصحاب أوضح. قوله: (ولو ادعى أحدهم الكل... إلخ).

(هامش)

(1) في (أ، خ): بعد لمدعي، وفي (ط): مع مدعي. (*)

ص 125

نصفين، فيحصل لصاحب الكل عشرة ونصف، ولصاحب النصف واحد ونصف، وتسقط دعوى مدعي الثلث.

إذا ادعى أحدهم جميع الدار، والاخر نصفها، والثالث ثلثها، فلا يخلو: إما أن تكون أيديهم عليها، أو يكونوا خارجين عنها. ثم إما أن يكون لكل واحد بينة، أو لا يكون لاحدهم، أو يكون لبعضهم دون بعض. فإن كانت أيديهم عليها ولا بينة لاحدهم ففي يد كل واحد ثلث. فمدعي الثلث لا يدعي زائدا على ما في يده، ومدعي النصف يدعي سدسا عليهما، ومدعي الكل يدعي جميع ما بأيديهما، فيقدم قول كل واحد فيما بيده. ويحلف مدعي الثلث لكل واحد منهما، لانهما معا يدعيان عليه. ويحلف مدعي النصف لمدعي الجميع خاصة، وبالعكس. وإن أقام المستوعب خاصة بينة أخذ الجميع، لان قوله مقدم في الثلث الذي بيده بغير بينة، ويأخذ الباقي بها.وإن أقامها مدعي النصف خاصة أخذ ثلثا مما في يده، والسدس منهما بالبينة، والنصف الباقي بين الاخرين نصفان، للمستوعب السدس بغير منازع، ولمدعي الثلث ربع مما في يده، وهو الباقي بعد نصف السدس الذي أخذه ذو البينة، ويحلف عليه للمستوعب، ويبقى للمستوعب من النصف نصف سدس يأخذه باليمين لمدعي الثلث. وإن أقامها مدعي الثلث أخذه، والباقي بين الاخرين، للمستوعب السدس الزائد عن مدعي النصف بغير يمين، ويحلف على باقي ما في يده وهو السدس، ويحلف مدعي النصف على جميع ما يأخذه للمستوعب. وإن أقام كل بينة، فإن رجحنا بينة الداخل قسمت أثلاثا، لان لكل واحد بينة ويدا على الثلث.

ص 126

وإن رجحنا الخارج فللمستوعب جميع ما بيد مدعي النصف، لسقوط بينته بالنظر إليه، وعدم المنازع له فيه من خارج. وتتعارض بينته وبينة [الخارج فهو] (1) مدعي النصف في نصف سدس مما في يد مدعي الثلث، فيقرع بينهما فيه، ويحلف الخارج بالقرعة. فإن امتنعا من اليمين قسم بينهما، وخلص للمستوعب ما في يد مدعي الثلث - وهو الربع - بغير منازع. ويسلم له أيضا ثلاثة أرباع ما في يده بغير منازع، لان مدعي النصف يدعي مما في يده نصف سدس، فيأخذه ببينته. فأصل المسألة من ستة، لان فيها نصفا وثلثا، ثم ترتقي إلى اثني عشر، للاحتياج فيها إلى نصف سدس، ثم ترتقي إلى أربعة وعشرين، حيث يقسم نصف السدس بين اثنين إذا امتنعا من اليمين، في يد كل واحد منهم ثمانية. فمدعي الثلث لا يدعي زيادة عما في يده، وهو داخل، فلا بينة له. ومدعي النصف يدعي على كل واحد اثنين تتمة النصف، فيأخذهما من المستوعب ببينته، لعدم المعارض، ويبقى للمستوعب ستة مما في يده. ويأخذ جميع ما في يد مدعي النصف، وينازع مدعي النصف في الاثنين اللذين يدعيهما على مدعي الثلث، فمع عدم اليمين يقتسمانهما لكل واحد واحد. ويأخذ من مدعي الثلث ستة هي الزائد عما يدعيه مدعي النصف، وتتعارض بينتاهما في اثنين، فيقتسمان بينهما مع امتناعهما من اليمين. فيجتمع للمستوعب أحد وعشرون، ولمدعي النصف ثلاثة. ولك أن تردها إلى ثمانية، للمستوعب سبعة أثمان، ولمدعي النصف ثمن.

(هامش)

(1) من الحجريتين. (*)

ص 127

هذا هو الذي تقتضيه قاعدة البينة الخارجة، وهو الذي حكم به الاكثر، ومنهم العلامة في التحرير (1). وأما في القواعد (2) فجعله احتمالا، واختار أن لمدعي النصف سدسا، لان بينته خارجة فيه، وللمستوعب خمسة أسداس، لان له السدس بغير بينة، إذ لا منازع له فيه، والثلثين، لكون بينته خارجة فيهما. والاصح الاول. ولو كانت أيديهم خارجة، واعترف ذو اليد أنه لا يملكها، ولا بينة، فللمستوعب النصف بغير منازع. ويقرع بينهم في النصف الباقي، فإن خرجت لصاحب الكل أو لصاحب النصف حلف وأخذه. وإن خرجت لصاحب الثلث حلف وأخذ الثلث. ثم يقرع بين الاخرين في السدس الباقي، فمن خرجت له القرعة حلف وأخذه. ولو أقام أحدهم خاصة بينة، فإن كانت للمستوعب أخذ الجميع. وإن أقامها مدعي النصف أخذه، ويبقى للمستوعب السدس بغير منازع، والثلث يتنازع فيه مدعيه والمستوعب، فيكون الحكم فيه كما لو لم يكن بينة. ولو أقامها مدعي الثلث أخذه، وللمستوعب السدس أيضا بغير منازع، والنصف يقرع فيه بين مدعيه والمستوعب، ويكمل العمل. ولو أقام كل واحد بينة، فالنصف لمدعي الكل، لعدم المنازع، والسدس الزائد عن الثلث يتنازعه المستوعب ومدعي النصف، والثلث يدعيه الثلاثة، وقد تعارضت البينات فيه، فيقرع بينهم مع عدم المرجح، ويحلف من خرجت له

(هامش)

(1) تحرير الاحكام 2: 197. (2) قواعد الاحكام 2: 224 - 225. (*)

ص 128

ولو كانت في يد أربعة، فادعى أحدهم الكل، والاخر الثلثين، والثالث النصف، والرابع الثلث، ففي يد كل واحد ربعها. فإن لم تكن بينة قضينا لكل واحد بما في يده، وأحلفنا كلا منهم لصاحبه. ولو كانت يدهم خارجة، ولكل بينة، خلص لصاحب الكل الثلث، إذ لا مزاحم له، ويبقى التعارض بين بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين في السدس، فيقرع بينهما فيه. ثم يقع التعارض بين بينة مدعي الكل، ومدعي الثلثين، ومدعي النصف، في السدس أيضا، فيقرع بينهم فيه. ثم

القرعة، ومع نكوله يحلف الخصم الاخر، ومع امتناع الجميع يرجع إلى القسمة، فيقسم السدس نصفين، والثلث أثلاثا، ويصح من ستة وثلاثين، لان فيها نصف سدس وتسعا (1)، وهو ثلث الثلث، ومخرج الاول إثنا عشر والثاني تسعة، وبينهما توافق بالثلث، ومضروب ثلث أحدهما في الاخر ستة وثلاثون. ولك أن تجعل أصل القسمة ستة، ثم تحتاج إلى قسمة السدس نصفين، فتضرب اثنين في ستة، وإلى قسمة الثلث أثلاثا، فتضرب ثلاثة في المرتفع وهو اثنا عشر. للمستوعب النصف ونصف السدس وثلث الثلث، وذلك خمسة وعشرون. ولمدعي النصف نصف السدس وثلث الثلث، وذلك سبعة. ولمدعي الثلث ثلثه أربعة. وعلى القول بالعول يصح من أحد عشر سهما، للمستوعب ستة، ولمدعي النصف ثلاثة، ولمدعي الثلث سهمان، لان فريضتهم من ستة، ويعال عليها نصفها وثلثها. قوله: (ولو كانت في يد أربعة... إلخ).

(هامش)

(1) فيما لدينا من النسخ الخطية: وتسع، والصحيح ما أثبتناه. (*)

ص 129

يقع التعارض بين الاربعة في الثلث، فيقرع بينهم، ويخص به من تقع القرعة له. ولا يقضى لمن يخرج اسمه إلا مع اليمين. ولا يستعظم أن يحصل بالقرعة الكل لمدعي الكل، فإن ما حكم الله تعالى به غير مخطئ. ولو نكل الجميع عن الايمان قسمنا ما يقع التدافع فيه بين المتنازعين، في كل مرتبة بالسوية. فتصح القسمة من ستة وثلاثين سهما، لمدعي الكل عشرون، ولمدعي الثلثين ثمانية، ولمدعي النصف خمسة، ولمدعي الثلث ثلاثة.

إذا كان المتداعون في الدار أربعة على الوجه المذكور، فأقسامها (1) كالسابقة، لانه لا يخلو: إما أن يكون في يدهم، أو خارجة عنهم (2). ثم إما أن يكون لكل واحد بينة، أو لا يكون لاحدهم، أو يكون لبعضهم دون بعض. فإن كانت يدهم عليها ولا بينة لاحدهم، قضي لكل واحد بما في يده مع يمينه لكل واحد منهم، فإنه لم يخلص لاحد منهم ما يدعيه. ولو كان لهم بينة مع دخولهم فسيأتي حكمه. ولو كانت يدهم خارجة وهي في يد من لا يدعيها، وأقام كل واحد بينة، فلا تعارض في الثلث، فيختص به مدعي الكل، ويقع التعارض في الباقي. ففي السدس الزائد على النصف تتعارض بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين. وفي السدس الزائد على الثلث تتعارض بينتهما وبينة مدعي النصف. وفي الثلث الباقي تتعارض بينات الاربع. فمع عدم المرجح يقرع بين المتعارضين،

(هامش)

(1) في (أ): فاقتسامها. (2) في إحدى الحجريتين: عنها. (*)

ص 130

ويحلف الخارج بالقرعة. ومع امتناعه من اليمين يحلف الاخر ويأخذه. ومع امتناعهما يقسم بينهما. فيقسم السدس الزائد على النصف بين مدعي الكل ومدعي الثلثينبالسوية، والسدس الزائد على الثلث بينهما وبين مدعي النصف أثلاثا، والثلث الباقي بين الاربعة أرباعا. فتجعل الدار ستة وثلاثين سهما، لحاجتنا إلى عدد ينقسم سدسه على اثنين وعلى ثلاثة، فتضرب اثنين في ستة، ثم في ثلاثة، لمدعي الكل ثلثها اثنا عشر، ونصف السدس الزائد على النصف ثلاثة، وثلث السدس الزائد على الثلث اثنان، وربع الثلث الباقي وهو ثلاثة، وذلك عشرون، وهي خمسة أتساع الدار. ولمدعي الثلثين ثلاثة أسهم من السدس الزائد على النصف، وسهمان من السدس الزائد على الثلث، وثلاثة من الثلث الباقي، فيبلغ ثمانية، وهي تسعا الدار. ولمدعي النصف سهمان من السدس الزائد على الثلث، وثلاثة من الثلث الباقي، وذلك خمسة، وهي تسع وربع تسع. ولمدعي الثلث ثلاثة من الثلث الباقي لا غير، وهي ثلاثة أرباع تسع. فالمجتمع مجموع سهام الدار. وكذا البحث لو لم يكن لاحدهم بينة. ولو أقامها أحدهم خاصة قضي له بما يدعيه، فإن فضل عنه شي تعارضت فيه الدعوى، واعتبر ما أسلفناه.

ص 131

ولو كان المدعى في يد الاربعة، ففي يد كل واحد [منهم] ربعها. فإذا أقام كل واحد منهم بينة بدعواه، قال الشيخ (1): يقضى لكل واحد [منهم] بالربع، لان له بينة ويدا. والوجه: القضاء ببينة الخارج على ما قررناه، فيسقط اعتبار بينة كل واحد بالنظر إلى ما في يده، ويكون ثمرتها [في دعوى التكملة] فيما يدعيه مما في يد غيره. فيجمع بين كل ثلاثة على ما في يد الرابع، وينتزع لهم، ويقضى فيه بالقرعة واليمين، ومع الامتناع بالقسمة. فيجمع بين مدعي الكل والنصف والثلث، على ما في يد مدعي الثلثين، وذلك ربع اثنين وسبعين، وهو ثمانية عشر. فمدعي الكل يدعيها أجمع، ومدعي النصف يدعي منها ستة، ومدعي الثلث يدعي اثنين. فتكون عشرة منها لمدعي الكل، لقيام البينة بالجميع الذي تدخل فيه العشرة. ويبقى ما يدعيه صاحب النصف - وهو ستة - يقرع بينه وبين مدعي الكل فيها ويحلف، ومع الامتناع يقسم بينهما. وما يدعيه صاحب الثلث - وهو اثنان - يقرع عليه بين مدعي الكل وبينه، فمن خرج اسمه احلف واعطي، ولو امتنعا قسم بينهما. ثم تجمع دعوى الثلاثة، على ما في يد مدعي النصف. فصاحب الثلثين يدعي عليه عشرة، ومدعي الثلث يدعي اثنتين، ويبقى في يده ستة لا يدعيها إلا مدعي الجميع، فتكون له، ويقارع الاخرين، ثم يحلف، وإن امتنعوا أخذ نصف ما ادعياه. ثم يجتمع الثلاثة على ما في يد مدعي الثلث، وهو ثمانية عشر.

قوله: (ولو كان المدعى في يد الاربعة... إلخ).

(هامش)

(1) المبسوط 8: 292 - 293. (*)

ص 132

فمدعي الثلثين يدعي منه عشرة، ومدعي النصف يدعي ستة، يبقى اثنان لمدعي الكل، ويقارع على ما افرد للاخرين، فإن امتنعوا عن الايمان، قسم ذلك بين مدعي الكل، وبين كل واحد منهما بما ادعاه. ثم يجتمع الثلاثة على ما في يد مدعي الكل. فمدعي الثلثين يدعي عشرة، ومدعي النصف يدعي ستة، ومدعي الثلث يدعي اثنين، فتخلص يده عما كان فيها. فيكمل لمدعي الكل ستة وثلاثون من أصل اثنين وسبعين، ولمدعي الثلثين عشرون، ولمدعي النصف اثنا عشر، ولمدعي الثلث أربعة. هذا إن امتنع صاحب القرعة من اليمين ومقارعه.

إذا كانت الدار المذكورة في يد المتداعيين الاربعة، وأقام كل منهم بينة بمدعاه، فإن قدمنا بينة الداخل كان الحكم كما لو لم يكن هناك بينة، فيقسم بينهم أرباعا. وإن رجحنا بينة الخارج - كما هو المشهور - سقط اعتبار بينة كل واحد منهم بالنظر إلى ما في يده، وتكون فائدتها فيما في يد غيره. فيجمع بين كل ثلاثة على ما في يد الرابع، ويكون الفاضل عن الدعاوي للمستوعب، ويقارع في المدعى به ويحلف، فإن نكل حلف الاخر، فإن نكلوا قسم. ويصح حينئذ من اثنين وسبعين، لان أصلها أربعة بعددهم، ثم مدعي الثلثين يدعي على الثلاثة سهما وثلثين زيادة على ما في يده، ومخرجه تسعة، ومدعي النصف يدعي سهما عليهم، ومخرجه ثلاثة، ومدعي الثلث يدعي ثلث سهم عليهم، ومخرجه أيضا تسعة، والثلاثة تداخلها، والعددان متماثلان فيقتصر على أحدهما، وتضربه في أربعة، ثم [يضرب] (1) المرتفع في اثنين، لان السهم المتنازع يقسم على تقدير النكول عن اليمين، فيبلغ ذلك اثنين وسبعين.

(هامش)

(1) من الحجريتين. (*)

ص 133

أو نقول: إن مدعي الثلث يدعي تسع ما في يد المستوعب وهو الربع، وبعد النكول يقسم، فيحتاج إلى نصف تسع الربع، وذلك يتم بضرب ثمانية عشر في أربعة، في يد كل واحد ثمانية عشر. فيجمع بين المستوعب والثالث والرابع على ما في يد الثاني وهو مدعي الثلثين، فالمستوعب يدعيه أجمع، ومدعي النصف - وهو الثالث - يدعي ثلثه (1)، لان الفائت عن مدعاه مما في يده ثمانية عشر يدعيها على الثلاثة، ومدعي الثلث - وهو الرابع - يدعي منها اثنين، لان الباقي عما في يده من مدعاه ستة يدعيها على الثلاثة بالسوية. فيبقى مما في يد الثاني عشرة للمستوعب بغير معارض. ثم يتقارع المستوعب والاخرين في الستة والاثنين، ويقسم بينهما مع عدم اليمين، فيكمل له ثلاثة من الثالث وواحد من الرابع، فيجتمع له أربعة عشر من الثاني. ثم تجتمع دعوى الثلاثة على ما في يد مدعي النصف، فالثاني يدعي منه عشرة، لان الزائد عما في يده من مدعاه ثلاثون يدعيها على الثلاثة بالسوية، وقد عرفت أن الرابع يدعي على كل واحد اثنين، يفضل للمستوعب ستة بغير منازع. ويقارع الثاني في العشرة والرابع في الاثنين، ويقسم بينهما على تقدير النكول عن اليمين، فيجتمع له من الثالث إثنا عشر.ثم تجتمع دعوى الثلاثة على ما في يد الرابع، فالثاني يدعي منه عشرة، والثالث ستة، يبقى للمستوعب اثنان بغير معارض. ويقاسم الاخرين في الستة والعشرة بعد النكول، فيجتمع له عشرة. ثم يجتمع الثلاثة الاخيرة على ما في يد الاول، فالثاني يدعي منه عشرة،

(هامش)

(1) في (أ) ونسخة بدل (ت): ستة. (*)

ص 134

السابعة: إذا تداعى الزوجان متاع البيت، قضي لمن قامت له البينة. ولو لم تكن بينة، فيد كل واحد منهما على نصفه. قال في المبسوط: يحلف [كل واحد منهما] لصاحبه، ويكون بينهما بالسوية، سواء كان مما يختص الرجال أو النساء أو يصلح لهما، وسواء كانت الدار لهما أو لاحدهما، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما أو زائلة. ويستوي في ذلك تنازع الزوجين والوراث. وقال في الخلاف: ما يصلح للرجال للرجل، وما يصلح للنساء للمرأة، وما يصلح لهما يقسم بينهما. وفي رواية أنه للمرأة، لانها تأتي

والثالث ستة، والرابع اثنين، فيأخذ كل منهم ما يدعيه، لعدم المعارض. فيجتمع للمستوعب نصف الدار، وهو أربعة عشر سهما من الثاني، واثنا عشر من الثالث، وعشرة من الرابع، وذلك ستة وثلاثون. وللثاني ربعها وربع تسعها، وهو عشرون سهما، خمسة من الثالث، وخمسة من الرابع، وعشرة من الاول. وللثالث سدسها اثنا عشر سهما، ستة من الاول، ومن كل واحد من الاخرين ثلاثة. وللرابع نصف التسع، وهو أربعة أسهم، اثنان من الاول، ومن كل واحد منالاخرين واحد. وذلك مجموع الدار، لان السدس تسع ونصف تسع، إذا ضما إلى نصف التسع نصيب الرابع، ثم إلى ربع التسع بلغت ربعا، يضاف إلى ثلاثة الارباع التي بيد الاول والثاني يبلغ ذلك المجموع. هذا إذا امتنع الخارج بالقرعة عن اليمين وخصومه، وإلا أخذ الحالف مجموع ما وقع فيه التنازع. ولا يخفى حينئذ الحساب لو وقع ذلك من المجموع أو من البعض. قوله: (إذا تداعى الزوجان... إلخ).

ص 135

بالمتاع من أهلها. وما ذكره في الخلاف أشهر في الروايات، وأظهر بين الاصحاب.

اختلف الاصحاب في حكم متاع البيت عند تنازع الزوجين فيه على أقوال، منشؤها الاعتبار أو اختلاف الاخبار، ثلاثة منها للشيخ - رحمه الله -، وثلاثة للعلامة متداخلة. الاول: أنهما فيه سواء، فيقسم بينهما بعد حلف كل لصاحبه، سواء كان المتنازع فيه مما يصلح للرجال، كالعمائم والدروع والسلاح، أم يصلح للنساء، كالحلي والمقانع وقمص النساء، أم يصلح لهما، كالفرش والاواني. وسواء كانت الدار لهما، أم لاحدهما، أم لثالث. وسواء كانت الزوجية باقية، أم زائلة. وسواء كانت يدهما عليه تحقيقا، أم تقديرا. وسواء كان التنازع بينهما، أم بين ورثتهما، أم بين أحدهما وورثة الاخر. وحجة هذا القول إلحاقه بسائر الدعاوي، لدخوله في العموم. ولا ريب أنه الذي يقتضيه الاصل، لا أن فيه اطراحا للاخبار المعتبرة. وإلى هذا القول ذهب الشيخ في المبسوط (1)، وتبعه العلامة في القواعد (2)، وولده الفخر في الشرح (3). ونبه بهذه التسويات على خلاف جماعة من العامة (4)، حيث ذهب بعضهم إلى التفصيل بالصلاحية. وهو أحد أقوالنا. وبعض إلى أنه إن كان في يدهما تحقيقا كالمشاهدة فهو بينهما، وإن كان تقديرا رجع إلى الصلاحية، ومع كونها

(هامش)

(1) المبسوط 8: 310. (2) قواعد الاحكام 2: 223.(3) إيضاح الفوائد 4: 380 - 381. (4) الحاوي الكبير 17: 409، حلية العلماء 8: 213 - 214، المقنع في شرح مختصر الخرقي 4: 1325، الكافي في فقه أحمد 4: 326. (*)

ص 136

[صالحة] (1) لهما يحكم به للرجل. وبعض إن [كان] (2) الاختلاف بين أحدهماوورثة الاخر يقدم فيه قول الباقي من الزوجين. الثاني: أن ما يصلح للرجال [خاصة] (3) يحكم به للزوج، وما يصلح للنساء خاصة يحكم به للمرأة، وما يصلح لهما يقسم بينهما بعد التحالف أو النكول. ذهب إلى ذلك الشيخ في الخلاف (4)، وقبله ابن الجنيد (5)، وتبعهما ابن إدريس (6) والمصنف - رحمه الله - والعلامة في التحرير (7) والا كثر. والمستند - مع قضاء العادة بذلك - صحيحة رفاعة النخاس عن الصادق عليه السلام قال: (إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء، وما يكون للرجال والنساء يقسم بينهما، وإذا طلق المرأة فادعت أن المتاع لها، وادعى الرجل أن المتاع له، كان له ما للرجال ولها ما للنساء) (8). وليست هذه الرواية صريحة في جميع مدعى القائلين، إذ ليس فيها أن ما يصلح لهما يقسم بينهما على تقدير التنازع، وذكره في صدر الرواية كان قبل النزاع. لكنه ظاهر في ذلك، على تهافت في لفظ الرواية. لكنها مؤيدة بجريان

(هامش)

(1) من إحدى الحجريتين. (2) من (خ). (3) من (ت، م). (4) الخلاف 6: 352 مسألة (27). (5) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 313. (6) السرائر 2: 193 - 194. (7) تحرير الاحكام 2: 200. (8) الفقيه 3: 65 ح 215، التهذيب 6: 294 ح 818، الاستبصار 3: 46 ح 153، الوسائل 17: 525 ب (88) من أبواب ميراث الازواج ح 4. (*)

ص 137

العادة بذلك، ورجوع الشرع في باب الدعاوي إلى العادات، كتقديم قول المنكروالمتشبث. والشيخ في الاستبصار (1) حمل هذه الرواية على التقية أو على الصلح، دون مر الحكم. الثالث: أن القول قول المرأة مطلقا. ذهب إلى ذلك الشيخ في الاستبصار (2)، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألني كيف قضى ابن أبي ليلى؟ قال: قلت: قد قضى في مسألة واحدة بأربعة وجوه في التي يتوفى عنها زوجها، فيجي أهله وأهلها في متاع البيت، فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ما كان من متاع الرجل فللرجل، وما كان من متاع النساء فللمرأة، وما كان من متاع يكون للرجل والمرأة قسمه بينهما نصفين. ثم ترك هذا القول، فقال: المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل، لو أن رجلا أضاف رجلا فادعى متاع بيته كلفه البينة، وكذلك المرأة تكلف البينة، وإلا فالمتاع للرجل. ورجع إلى قول آخر، فقال: إن القضاء أن المتاع للمرأة، إلا أن يقيم الرجل البينة على ما أحدث في بيته. ثم ترك هذا القول، فرجع إلى قول إبراهيم الاول. فقال أبو عبد الله عليه السلام: القضاء الاخير وإن كان رجع عنه، المتاع متاع المرأة، إلا أن يقيم الرجل البينة، قد علم من بين لابتيها - يعني بين جبلي

(هامش)

(1) الاستبصار 3: 47 ذيل ح 153. (2) راجع الاستبصار 3: 47، فقد ذكر ذيل الرواية الاخيرة في الباب أن الروايات الدالة على أن متاع البيت للمرأة لا يوافق عليها أحد من العامة، وحمل غيرها على التقية. (*)

ص 138

ولو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع أو غيره، كلف البينة، كغيره من الانساب. وفيه رواية بالفرق بين الاب وغيره ضعيفة.

منى - أن المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع، ونحن يومئذ بمنى) (1). وفي خبر آخر صحيح رواه عبد الرحمن بن الحجاج عنه عليه السلام، وفي آخره: (قلت له: يكون المتاع للمرأة، فقال: لو سألت من بينهما - يعني الجبلين، ونحن يومئذ بمكة - لاخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل، فتعطى التي جأت به، وهو المدعي، فإن زعم أنه أحدث فيه شيئا فليأت البينة) (2). الرابع: الرجوع في ذلك إلى العرف العام أو الخاص، فإن وجد عمل به، وإن انتفى أو اضطرب كان بينهما، لتصادم الدعويين، وعدم الترجيح. ذهب إلى ذلك العلامة في المختلف (3)، والشهيد في الشرح (4)، وجماعة (5) من المتأخرين. وهو المعتمد، لما فيه من الرجوع إلى العرف، والجمع بينالاخبار، مع مراعاة الاصول المقررة. قوله: (ولو ادعى أبو الميتة... إلخ). القول بالتسوية بين الاب وغيره في الدعوى هو مذهب الاصحاب، عملا بالاصل، مع عدم ثبوت ما يوجب الخروج عنه.

(هامش)

(1) التهذيب 6: 297 ح 829، الاستبصار 3: 44 ح 149. (2) الكافي 7: 130 ح 1، الوسائل 17: 523 ب (8) من أبواب ميراث الازواج ح 1. (3) المختلف: 698. (4) غاية المراد: 313. (5) المهذب البارع 4: 491. (*)

ص 139

المقصد الثالث في دعوى المواريث

وفيه مسائل: الاولى: لو مات المسلم عن ابنين، فتصادقا على تقدم إسلام أحدهما على موت الاب، وادعى الاخر مثله، فأنكر أخوه، فالقول قول المتفق على تقدم إسلامه، مع يمينه أنه لا يعلم أن أخاه أسلم قبل موت أبيه.

والرواية المشار إليها هي رواية محمد بن إسماعيل، عن جعفر بن عيسى، قال: (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم، أتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل إلاببينة؟ فكتب إليه: يجوز بلا بينة). قال: (وكتبت إليه: إن ادعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في متاعها أو خدمها، مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم، أيكون بمنزلة الاب في الدعوى؟ فكتب: لا) (1). والاصح التسوية بين الجميع، لعموم: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) (2). قوله: (لو مات المسلم... إلخ).

(هامش)

(1) الكافي 7: 431 ح 18، الفقيه 3: 64 ح 214، التهذيب 6: 289 ح 800، الوسائل 18: 213 ب (23) من أبواب كيفية الحكم ح 1. وفي الفقيه: عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن جعفر بن عيسى. (2) راجع الوسائل 18: 170 ب (3) من أبواب كيفية الحكم. (*)

ص 140

وكذا لو كانا مملوكين فأعتقا، واتفقا على تقدم حرية أحدهما، واختلفا في الاخر.

إذا مات مسلم وله ابنان أسلم أحدهما قبل موت الاب بالاتفاق، وقال الاخر: أسلمت أيضا قبله، وقال المتفق على إسلامه: بل أسلمت بعد موته، فله أحوال: أحدها: أن يقتصرا على هذا القدر، ولا يتعرضا لتاريخ موت الاب، ولا لتاريخ الإسلام. والثانية: أن يتفقا على موت الاب في رمضان، فقال المسلم: أسلمت في شعبان، وادعى أخوه المعلوم الإسلام أن إسلامه في شوال، أو أنه لا يعلم تقدم إسلامه، فالقول قول المتفق على إسلامه [مع يمينه] (1) أنه لا يعلم أن أخاه أسلم قبل موت أبيه في الحالين، لان الاصل استمراره على دينه إلى أن يثبت المزيل. وإنما كفاه الحلف على نفي العلم لانه حلف على نفي فعل الغير. وكذا القول في نظائرها، كما لو مات الاب حرا وأحد الابنين حر بالاتفاق، واختلفا في أن الاخرعتق قبل موته أو بعده. ولو أنهما اتفقا في حق أحدهما أنه لم يزل مسلما، وقال الاخر: لم أزل مسلما أيضا، ونازعه الاول وقال: كنت نصرانيا، وإنما أسلمت بعد موت الاب، احتمل المساواة، لاصالة عدم الإسلام، وتقديم قوله: إني لم أزل مسلما، لان ظاهر الدار يشهد له، وليس مع صاحبه أصل يستصحب هنا، بخلاف السابق. ولو قال كل منهما: إني لم أزل مسلما، و[كان] (2) صاحبي أسلم بعد موت

(هامش)

(1) من (خ، د). (2) من (أ، ث). (*)

ص 141

الثانية: لو اتفقا أن أحدهما أسلم في شعبان، والاخر في غرة رمضان، ثم قال المتقدم: مات الاب قبل شهر رمضان، وقال المتأخر: مات بعد دخول [شهر] رمضان، كان الاصل بقاء الحياة، والتركة بينهما نصفين.

الاب، فوجهان: أحدهما: أنه لا يصرف إلى واحد منهما شي، لان الاصل عدم الاستحقاق. وأصحهما: أنه يحلف كل واحد منهما ويجعل المال بينهما، لان ظاهر الدار يشهد لكل واحد منهما فيما يقول في حق نفسه. ولو أقام أحدهما بينة في هذه المسائل قضي بها. ولو أقام كل واحد بينة في الصورة الاخيرة تعارضتا، فيرجع إلى القرعة مع عدم المرجح. وفي الاولى يحتمل ذلك أيضا، للتعارض وتقديم بينة مدعي تقدم الإسلام، لاشتمالها على زيادة، وهي نقله إلى الإسلام في الوقت السابق، والاول يستصحب دينه، فمع الاول زيادة علم. ورد بأن بينة المتأخر تشهد بالحياة في زمان بينة المتقدم، فيتحقق التناقض. وربما احتمل ضعيفا تقديم بينة المتأخر، بناء على أنه قد يغمى عليه في التاريخ المتقدم فيظن الشاهدان موته. وهو ضعيف، لانه قدح في الشاهد. قوله: (لو اتفقا أن أحدهما... إلخ).هذه هي الحالة الثالثة للمسألة الاولى، وكان إدراجها فيها أولى. وإنما قدم هنا قول مدعي تقدم الإسلام لاتفاقهما على إسلامه في وقت مخصوص لا يقبل

ص 142

الثالثة: دار في يد إنسان، ادعى آخر أنها له ولاخيه الغائب إرثا عن أبيهما، وأقام بينة. فإن كانت كاملة، وشهدت أنه لا وارث سواهما، سلم إليه النصف، وكان الباقي في يد من كانت الدار في يده. و[قال] في الخلاف: يجعل في يد أمين حتى يعود. ولا يلزم القابض للنصف إقامة ضمين بما قبض. ونعني بالكاملة: ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة. ولو لم تكن البينة كاملة، وشهدت أنها لا تعلم وارثا غيرهما، ارجئ التسليم حتى يبحث الحاكم عن الوارث مستقصيا، بحيث لو كان وارث لظهر، وحينئذ يسلم إلى الحاضر نصيبه، ويضمنه استظهارا.

التقدم والتأخر، واختلافهما في وقت موت الاب على وجه يحتمل التقدم والتأخر، فيكون الاصل استمرار حياة الاب إلى بعد الوقت الذي اتفقا على إسلام المسلم فيه. والمراد بغرة رمضان أوله حقيقة، ليلائم قوله: (وقال المتأخر: مات بعد دخول رمضان). وقد تطلق الغرة على ثلاثة أيام من أول الشهر، وهي بهذا المعنى لا تطابق الفرض، لامكان إسلامه فيها وموت الاب بعد دخوله وقبل إسلامه. قوله: (دار في يد إنسان... إلخ). إذا شهد عدلان وهما من أهل الخبرة بباطن حال الميت أن هذا ابنه مع أخآخر غائب، ليس له وارث غيرهما فيما يعلمان، ولا يجب القطع بل لا يصح، ولا تبطل به شهادتهم، دفع إلى الحاضر نصف التركة، سواء في ذلك الدار المذكورة وغيرها، من غير أن يطالب بضمين، لان المطالبة به حينئذ طعن في الشهود. وإن لم يكونا من أهل الخبرة، أو كانا ولم يقولا: لا نعلم وارثا سواه، لم

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مسالك الأفهام - ج14

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب